مجمع البحرين - ج ٣

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٣

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٤

بحمل النهي عن الخروج على التقية أو أنه ليس نهي تحريم بل شفقة وخوف عليه ، وأما غيره ممن خرج بالسيف من أهل البيت كيحيى بن زيد ومحمد وإبراهيم فظاهر حالهم مخالفة الأئمة ، وما صدر منهم عليه السلام من الحزن والبكاء ليس فيه دلالة على خيريتهم لاحتمال أن يكون شفقة عليهم لضلالتهم أو لهتك حرمة أهل البيت. و « زَيْدُ بن صوحان » تقدم ذكره في صوح. و « زَيْدُ بن أرقم » من الجماعة السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام ـ قاله الفضل بن شاذان ـ كذا في الخلاصة للعلامة (١). وروى زَيْدُ عن النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين والحسن والحسين عليه السلام ـ كذا ذكره الشيخ بهائي في حواشي الخلاصة.

وَ « زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ » وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كَلْبٍ سُبِيَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَاشْتَرَاهُ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ لِعَمَّتِهِ خَدِيجَةَ ، فَلَمَّا تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَهَبَتْهُ لَهُ. وَقِيلَ بَلِ اشْتَرَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله بِسُوقِ عُكَاظٍ وَأَسْلَمَ ، فَقَدِمَ أَبُوهُ حَارِثَةُ مَكَّةَ وَاسْتَشْفَعَ بِأَبِي طَالِبٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله فِي أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ ، فَقَالَ هُوَ حُرٌّ فَلْيَذْهَبْ زَيْدٌ حَيْثُ شَاءَ ، فَأَبَى زَيْدٌ أَنْ يُفَارِقَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله ، فَقَالَ أَبُوهُ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْهَدُوا أَنَّهُ لَيْسَ بِابْنِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله : اشْهَدُوا أَنَ زَيْداً ابْنِي ، فَكَانَ يُدْعَى زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، فَلَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ وَكَانَتْ تَحْتَ زَيْدٍ قَالَتِ الْيَهُودُ وَالْمُنَافِقُونَ : تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ امْرَأَةَ ابْنِهِ وَهُوَ يَنْهَى النَّاسَ عَنْ ذَلِكَ ، فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِ آيَةً.

__________________

(١) رجال العلامة صلى الله عليه وآله ٧٤.

٦١

باب ما أوله السين

( سبد )

فِي حَدِيثِ الْخَوَارِجِ « التَّسْبِيدُ فِيهِمْ فَاشٍ ».

وفِيهِ « وَعَلَامَتُهُمُ التَّسْبِيدُ ».

كأنه يريد به ترك التدهن وغسل الرأس. ومنه حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ « قَدِمَ مَكَّةَ مُسَبِّداً ».

والتَّسْبِيدُ : الحلق واستيصال الشعر. ومن أمثال العرب مَا لَهُ سَبَدٌ وَلَا لَبَدٌ (١)أي لا قليل ولا كثير. وعن الأصمعي السَّبَدُ من الشعر ، واللَّبَدُ من الصوف.

( سجد )

قوله تعالى : ( وَأَنَ الْمَساجِدَ لِلَّهِ ) قيل هي المَسَاجِدُ المعروفة التي يصلى فيها ( فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) [ ٨٢ / ١٨ ] لا تعبدوا فيها صنما ، وقيل معناه الصلوات والسُّجُودُ لله ، وقيل المراد بقاع الأرض لِقَوْلِهِ عليه السلام « جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِداً ».

وقيل هي مواضع السُّجُودِ من الإنسان الجبهة والأنف والركبتان واليدان والرجلان واحدها مَسْجِدٌ ، وهذا هو المشهور والمروي عن أئمة الهدى (٢) ( فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) لا تشركوا مع الله سبحانه غيره. قوله : ( وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) [ ٢٢ / ٢٥ ] قيل المَسْجِدُ الحَرَامُ هو المسجد نفسه ، وقيل بل مكة كلها لقوله تعالى : ( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) [ ١٧ / ١ ] وكان في مكة ، لأنه كان في بيت خديجة ، وقيل في الشعب ، وقيل في بيت أم هاني. قال بعض الأفاضل : ويتفرع على هذا عدم جواز بيع بيوت مكة وجواز سكنى

__________________

(١) مجمع الأمثال ج ٢ صلى الله عليه وآله ٢٧٠.

(٢) هذا مروي عن الإمام محمد الجواد عليه السلام ـ كما في مجمع البيان ج ٥ صلى الله عليه وآله ٣٧٤.

٦٢

الحاج فيها وإن لم يرض أهلها ، فعلى الأول يجوز وعلى الثاني لا يجوز ، لقوله تعالى : ( سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ) وضعف الثاني بأنه على تقدير صحة النقل التسمية مجاز والأصل الحقيقة.

قَوْلُهُ : ( لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى ) [ ٩ / ١٠٨ ] قِيلَ هُوَ مَسْجِدُ قُبَا ، وَقِيلَ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ.

وعن الزجاج كل موضع يتعبد فيه. قوله : ( وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِ مَسْجِدٍ ) [ ٧ / ٢٩ ] يريد القبلة.

وَفِي الْحَدِيثِ « هَذِهِ مَسَاجِدُ مُحْدَثَةٌ فَأُمِرُوا أَنْ يُقِيمُوا وُجُوهَهُمْ ( شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) » (١).

قوله : ( فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ ) [ ١٥ / ٢٩ ] قال بعض المفسرين : اتفق الناس كلهم على أن سُجُودَهُمْ لآدم لم يكن سجود عبادة لأنها لغير الله كفر ، لكن قال بعضهم : إن آدم كان كالقبلة والسُّجُودُ لله تعالى ، وتكون اللام كما في قول الشاعر في حق علي عليه السلام :

أليس أول من صلى لقبلتكم

أي إلى قبلتكم ، وقيل كان السُّجُودُ تعظيما لآدم فكان ذلك سنة الأمم السالفة في تعظيم أكابرها. قوله تعالى : ( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ) [ ١٣ / ١٥ ] قال الشيخ أبو علي : أي ينقادون لإحداث ما أراده فيهم من أفعاله شاءوا أو أبوا ، وينقاد له ظلالهم أيضا حيث يقصرون عن مشيته في الامتداد والتقلص والفيء والزوال. قوله : ( وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً ) [ ٢ / ٥٨ ] أي متطأمنين مخبتين وساجدين لله شاكرين. وقد تكرر في الحديث ذكر « السُّجُودِ » ، وهو في اللغة الميل والخضوع والتطأمن والإذلال. وكل شيء ذل فقد سَجَدَ ، ومنه « سَجَدَ البعير » إذا خفض رأسه عند ركوبه. وسَجَدَ الرجل : وضع جبهته على الأرض.

__________________

(١) البرهان ج ٢ صلى الله عليه وآله ٨.

٦٣

ومنه الْخَبَرُ « كَانَ كِسْرَى يَسْجُدُ لِلطَّالِعِ ».

أي يتطأمن وينحني ، والطَّالِعُ سهم يتجاوز الهدف من أعلاه ، يعني كان يسلم لراميه ويستسلم له. وقال الأزهري : معناه أنه كان يخفض رأسه إذا شخص سهمه وارتفع عن الرمية ليتقوم السهم فيصيب وفي الشرع عبارة عن هيئة مخصوصة ومنه سُجُودُ الصلاة ، والسَّاجِدُ هو الفاعل للسجود ، وقد يعبر به عن الصلاة كما

رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله فَقَالَ : ادْعُ اللهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ. فَقَالَ لَهُ : أَعِنِّي بِكَثْرَةِ السُّجُودِ.

وَ « السَّجَّادُ » لَقَبُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، سُمِّيَ بِهِ لِكَثْرَةِ سُجُودِهِ ، لِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ كَانَ عليه السلام يُصَلِّي فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَ رَكْعَةٍ.

و « السَّجَّادَةُ » بالفتح والتشديد : الخمرة التي يسجد عليها.

وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثٍ الشَّمْسُ « تَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ.

يريد تشبيهها بالساجد عند الغروب وإلا فلا جهة له تسجد إليها. وفِي حَدِيثٍ آخَرَ « فَإِذَا غَابَتِ انْتَهَتْ إِلَى حَدِّ بُطْنَانِ الْعَرْشِ فَلَمْ تَزَلْ سَاجِدَةً إِلَى الْغَدِ » (١).

قال في النهاية : بُطْنَانُ العرش وسطه. قال بعض الأعلام : كان المراد وصولها إلى دائرة نصف النهار ، فإنها حينئذ تحاذي النقطة التي هي وسط العرش ، وقد استفيد من كلام الصادق عليه السلام أَنَ السَّجْدَةَ قسمان طبيعية وإرادية ، ومن قبيل الأول سَجْدَةُ الشمس.

وَفِي الْحَدِيثِ « مَعْنَى سُجُودِهَا مَا قَالَ سُبْحَانَهُ ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُ )(٢).

ويقال سَجَدَ سَجْدَةً بالفتح لأنها عدد. و « سِجْدَة طويلة » بالكسر لأنها للنوع. و « سورة السَّجْدَة » تقرأ بالفتح. وسَجْدَةُ التلاوة في القرآن في خمسة عشر موضعا في الأعراف والرعد والنمل وبني إسرائيل ومريم والحج في موضعين

__________________

(١) البرهان ج ٣ صلى الله عليه وآله ٨٠.

(٢) البرهان ج ٣ صلى الله عليه وآله ٨٠.

٦٤

والفرقان والنحل وص وانشقت والم تنزيل وفصلت والنجم واقرأ ، والأربعة الأخيرة واجبة ، وهي التي يقال لها العزائم.

وَفِي الْحَدِيثِ « الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِي خَيْرٌ مِنْ كَذَا إِلَّا الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ خَيْرٌ مِنَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِي » (١).

أراد به المَسْجِدَ المخصوص به الذي به كان في زمنه صلى الله عليه وآله دون ما زيد فيه بعده. وقَوْلُهُ : « جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً » (٢).

كأنه للرد على من قبلنا لأنه إنما أبيح لهم الصلاة في مواضع مخصوصة كالبيع والكنائس ، وقيل كانوا لا يصلون إلا فيما يتيقنون طهارته من الأرض ، وكذا لم يجز لهم التيمم إلا فيما يتيقنون طهارته ، ونحن نصلي في جميعها إلا فيما نتيقن نجاسته. والمَسْجِدَانِ : مسجد مكة والمدينة. و « المَسْجِدُ » فتحا وكسرا : بيت الصلاة. قال الفراء : كل ما كان على فَعَلَ يَفْعُلُ مفتوح العين في الماضي مضمومها في المضارع مثل دَخَلَ يَدْخُلُ فالمفعل بالفتح اسما كان أو مصدرا ، ولا يقع فيه الفرق إلا أحرفا من الأسماء ألزموها كسر العين ومن ذلك المَسْجِدِ والمَطْلِعِ والمَغْرِبِ والمَشْرِقِ والمَجْزِرِ والمَسْكِنِ والمَسْقِطِ والمَفْرِقِ والمَرْفِقِ والمَنْبِتِ والمَنْسِكِ ، فجعلوا الكسر علامة للاسم وربما فتحه بعض العرب في الاسم ... إلى أن قال : والفتح في كله جائز وإن لم نسمعه ، وما كان من باب فَعَلَ يَفْعِلُ ـ يعني مفتوحا في الماضي مكسورا في المضارع ـ مثل جَلَسَ يَجْلِسُ فالموضع بالكسر والمصدر بالفتح للفرق بينهما ، تقول نزل مَنْزَلاً ، تريد نزل نزولا ، وهذا مَنْزِلُهُ فتكسر لأنك تعني الدار.

( سدد )

قوله تعالى : ( وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ) [ ٣٣ / ٧٠ ] السَّدِيدُ من القول : السليم من خلل الفساد ، وأصله من سد الخلل.

__________________

(١) ذكر في الكافي ج ٤ صلى الله عليه وآله ٥٥٦ أحاديث بهذا المضمون.

(٢) سفينة البحار ج ١ صلى الله عليه وآله ١٩.

٦٥

وقوله ( لْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ) أي صوابا عدلا موافقا للشرع والحق ، وقيل فليخاطبوا اليتامى بخطاب حسن وقول جميل. و « السَّدَادُ » بالفتح : الصواب من القول والفعل. وأَسَدَّ الرجلُ : جاء بالسداد. وسَدَّ يَسُدُّ من باب ضرب يضرب سُدُوداً : أصاب في قوله وفعله ، فهو سَدِيدٌ قوله : ( وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا ) [ ٣٦ / ٩ ] السَّدُّ بالفتح والضم : الجبل والردم ، ومنه « سَدُّ الرَّوْحَاءِ » و « سَدُّ الصَّهْبَاءِ » وهما موضعان بين مكة والمدينة ، و « سَدُّ ذي القرنين » قيل أي جعلهم كالحائط بين سدين لا يبصرون ما بين أيديهم وما خلفهم ، يريد لا تأمل لهم ولا استبصار لجعلهم مغلولين مقموحين في أنهم لا يلتفتون إلى الحق ولا يعطون أعناقهم ، وعن بعض العارفين كنى بِالسَّدِّ عن الغفلة من الذنوب وقلة الندم عليها والاستغفار منها ونحوه. قوله : ( حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ ) [ ١٨ / ٩٣ ] أي الجبلين اللذين سد ذو القرنين ما بينهما ، قرئ بالضم والفتح ، وقيل ما كان من عمل العباد فهو مفتوح وما كان من خلق الله فهو مضموم كالجبل لأنه فعل بمعنى مفعول.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام « سَدِّدْ وَقَارِبْ ».

ومعناه اقتصد في الأمور كلها ، من قولهم سَدَّدَ الرجلُ : إذا لزم الطريقة المستقيمة ، وقارب من المُقَارَبَة أيضا ، وهي القصد في الأمر الذي لا غلو فيه ولا تقصير ، والمراد طلب الإصابة فيما يتوجه إلى الله تعالى والأخذ بما لا إفراط فيه ولا تفريط. ومثله وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْإِزَارِ؟ فَقَالَ : « سَدِّدْ وَقَارِبْ ».

ومعناه اعمل به شيئا لا يعاب عليك فعله فلا تفرط في إرساله ولا تشمره. ومثله حَدِيثُ « قَارِبُوا وَسَدِّدُوا ».

أي اطلبوا بأعمالكم الاستقامة والسداد. قال في المجمل « السَّدَادُ » بالفتح : الاستقامة ، ومِنْهُ « مَنْ يَعْصِي اللهَ يُخْطِئُ السَّدَادَ » ـ انتهى. وقيل معناه لا تبلغوا النهاية في

٦٦

استيعاب الأوقات كلها بل اغتنموا أوقات نشاطكم أول النهار وآخره بعض الليل ، وارحموا أنفسكم فيما بينهما كيلا ينقطع بكم « تبلغوا المنزل » أي مقصدكم. وقَوْلُهُ : « حَتَّى يُصِيبُ سِدَاداً مِنْ عَيْشٍ ».

أي ما يكفي حاجته.

وَ « سَدَّدَ فِي رِمْيَتِهِ ».

أي بالغ في تصويبها وإصابتها. وقَوْلُهُ : « لَا بَأْسَ بِذَبْحِ الْأَعْمَى إِذَا سَدَّدَ ».

أي صوب في ذبحه. وسَدَدْتُ الثلمة ونحوها سَدّاً ـ من باب قتل ـ : أصلحتها وأوثقتها.

وَفِي حَدِيثِ مَنْ تَرَكَ الْجِهَادَ رَغْبَةً عَنْهُ « ضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالْأَسْدَادِ » (١).

وهي جمع سَدّ ، يقال ضَرَبَتْ عَلَيْهِ الأَرْضُ بِالْأَسْدَادِ : سُدَّتْ عليه الطريقُ وعَمِيَتْ عليه مذاهبُهُ. وسَدَدْتُ عليه بابَ الكلامِ : إذا منعته منه. و « السِّدَادُ » بالكسر : كلما سَدَدْتَ به خللا ، وبه سمي سِدَادُ الثغر ونحوه. و « السُّدَّةُ » بالضم والتشديد كالصُّفَّة أو كالسقيفه فوق باب الدار ليقيها من المطر ، وقيل هي الباب نفسه ، وقيل هي الساحة بين يديه. ومنه « سُدَّةُ أَشْجَع » اسم موضع. وأَشْجَعُ بنُ ريث بن غطفان.

وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِعَائِشَةَ لَمَّا أَرَادَتِ الْخُرُوجَ إِلَى الْبَصْرَةِ « إِنَّكِ سُدَّةٌ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَبَيْنَ أُمَّتِهِ فَمَتَى أُصِيبَ ذَلِكَ الْبَابُ بِشَيْءٍ فَقَدْ دُخِلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله فِي حَرِيمِهِ » ـ الحديث.

وَفِي الْخَبَرِ « لَا يُصَلِّي فِي سُدَّةِ الْمَسْجِدِ ».

أي الظلال التي حوله. والسُّدَّةُ : داء يأخذ بالأنف يمنع تَنَسُّمَ الريح ، وكذلك السُّدَادُ كعطاس. و « السُّدِّيُ » هو نسبة لإسماعيل السُّدِّيِ المشهور (٢). قال الجوهري : لأنه كان يبيع المقانع والخمر في سدة في مسجد

__________________

(١) الكافي ج ٥ صلى الله عليه وآله ٤.

(٢) هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي الكوفي المفسر المتوفى سنة ١٢٧.

٦٧

الكوفة ، وهي ما يبقى من الطاق المسدود. وجمع السُّدَّةِ سُدَد مثل غرفة وغرف. وفي ميزان الاعتدال (١)المعتبر عندهم : إسماعيل السُّدِّيُ شيعي صدوق لا بأس به ، وكان يشتم أبا بكر وعمر وهو السُّدِّيُ الكبير ، والصغير ابن مروان (٢)و التَّسْدِيدُ : التوفيق للسَّدَادِ ، وهو الصواب من القول والعمل ، ومنه « اللهم سَدِّدْنَا ». ورجل مُسَدِّدٌ بالكسر : إذا كان يعمل بالسداد والقصد. والمُسَدِّدُ أيضا : المقوم ، وبالفتح المقوم على صيغة اسم المفعول.

( سرد )

قوله تعالى : ( وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ) [ ٣٤ / ١١ ] السَّرْدُ : نسج حلق الدرع. ومنه قيل لصانع الدرع سَرَّادٌ وزَرَّادٌ أيضا على البدلية ، ومعناه لا تجعل مسمار الدرع رقيقا فيغلق ولا غليظا فيفصم حلق الدرع. والسَّرْدُ أيضا : تتابع بعض حلق الدرع إلى بعض ، يقال سَرَدَ فلان الصوم إذا والاه. ومِنْهُ « إِذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى سَرْدِهِ فَرَّقَهُ ».

وقيل سَرْدُ الدرع نسجها وتداخل بعضها في بعض ، ويقال السَّرْدُ الثقب. والمَسْرُودَةُ : الدروع المثقوبة. والسَّرْدُ اسم جامع للدرع وسائر الحلق. والسَّرْدُ : جودة سياق الحديث ، يقال سَرَدْتُ الحديث من باب قتل أتيت به على الولاء. ومِنْهُ « فُلَانٌ يَسْرِدُ الْحَدِيثَ سَرْداً ».

إذا كان جيد السياق له. وقيل لأعرابي تعرف الأشهر الحرم؟ فقال : نعم ثلاثة سَرْدٌ وواحد فرد ، فَالسَّرْدُ ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، والفرد رجب

__________________

(١) انظر ميزان الاعتدال ج ١ صلى الله عليه وآله ٢٣٦.

(٢) وهو حفيد السدي الكبير ، وهو محمد بن مروان بن عبد الله بن إسماعيل ابن عبد الرحمن الكوفي.

٦٨

( سرمد )

قوله تعالى : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ) [ ٢٨ / ٧٢ ] الآية. السَّرْمَدُ كفرقد الدائم المستمر الذي لا ينقطع. وليل سَرْمَدٌ : أي طويل

( سعد )

قوله تعالى : ( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا ) [ ١١ / ١٠٨ ] الآية بالبناء للمفعول قرئ في السبعة ، من سَعَدَهُ اللهُ يَسْعَدُهُ بفتحتين فهو مَسْعُودٌ ، والأكثر أن يتعدى بالهمزة فيقال أَسْعَدَهُ اللهُ. والسَّعَادَةُ : خلاف الشقاوة. ومنه « سَعِدَ الرجلُ » بالكسر في دين أو دنيا خلاف شقي ، فهو سَعِيدٌ ، والجمع سُعَدَاءُ.

وَفِي الْحَدِيثِ « أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ خَالِصاً ».

أي بإخلاص.

وَفِي الْحَدِيثِ « لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ».

والمعنى سَاعَدْتَ طاعتك مُسَاعَدَةً بعد مُسَاعَدَةٍ وإِسْعَاداً بعد إِسْعَادٍ ، وهذا مثنى وهو من المصادر المنصوبة بفعل لا يظهر في الاستعمال ، قيل ولم يسمع سَعْدَيْكَ مفردا عن لبيك. والإِسْعَادُ : الإعانة. والمُسَاعَدَةُ : المعاونة. و « السُّعْدُ » بضم السين : طيب معروف بين الناس. ومنه الْحَدِيثُ « اتَّخِذُوا السُّعْدَ لِأَسْنَانِكُمْ فَإِنَّهُ يُطَيِّبُ الْفَمَ ».

وفِيهِ مَنِ « اسْتَنْجَى بِالسُّعْدِ بَعْدَ الْغَائِطِ وَغَسَلَ بِهِ فَمَهُ بَعْدَ الطَّعَامِ لَمْ تُصِبْهُ عِلَّةٌ فِي فَمِهِ وَلَمْ يَخَفْ شَيْئاً مِنْ أَرْيَاحِ الْبَوَاسِيرِ ».

و « الأَسْعَدُ » اسم مغفر كان لرسول الله صلى الله عليه وآله. والسَّاعِدُ من الإنسان : ذراعه. ومنه حَدِيثُ الْوُضُوءِ « فَأَمَرَّ كَفَّهُ عَلَى سَاعِدِهِ » (١).

وسَاعِدَا الرجل : ذراعاه. وسَاعِدَا الطائر : جناحاه.

وَفِي الْحَدِيثِ « بُنِيَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله بِالسَّعِيدَةِ وَالسَّمِيطِ ».

ثم فسرهما فيه. و « سَعْدٌ » اسم رجل.

__________________

(١) الكافي ج ٣ صلى الله عليه وآله ٢٤.

٦٩

والسَّعْدَانُ : نبت ذو شوك عظيم مثل الحسك من كل الجوانب ، وهو من جيد مراعي الإبل تسمن عليه. ومنه المثل « مَرْعًى وَلَا كَالسَّعْدَانِ » (١)

( سفد )

فِي الْحَدِيثِ « إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ إِذَا نَزَلَ لِقَبْضِ رُوحِ الْفَاجِرِ أَنْزَلَ مَعَهُ سَفُّوداً مِنْ نَارٍ ».

والسَّفُّودُ بالفتح كتنور : الحديدة التي يشوى بها اللحم ، والمعروف صيخ وميخ. وفِيهِ « تَعَلَّمُوا مِنَ الْغُرَابِ ثَلَاثَ خِصَالٍ » وَعَدَّ مِنْهَا اسْتِتَارَهُ بِالسِّفَادِ.

هو بالكسر : نزو الذكر على الأنثى ، يقال سَفَدَ الذَّكَرُ على الأنثى كضَرَبَ وعَلِمَ سِفَاداً بالكسر : نزا. والعرب تزعم أن الغراب لا يسفد ، ومن أمثالهم « أَخْفَى مِنْ سِفَادِ الغُرَابِ » ويزعمون أن اللقاح من مطاعمة الذكر والأنثى وإيصال جزء من الماء الذي في قانصته إليها ، بأن يضع كل منقاره في منقار الآخر ويبزقا.

( سمد )

قوله تعالى : ( وَأَنْتُمْ سامِدُونَ ) [ ٥٣ / ٦١ ] يعني لاهون ، وقيل سامِدُونَ مستكبرون والسَّامِدُ : كل رافع رأسه ، يقال سَمَدَ سُمُوداً : رفع رأسه تكبرا. وجاء السَّامِدُ لمعان : اللاهي ، والمغني والهائم ، والساكت ، والحزن الخاشع. والسَّمَادُ كسلام : ما يصلح به الزرع من تراب وسرجين. وتَسْمِيدُ الأرض : هو أن يجعل فيها السماد. وتَسْمِيدُ الرأس : استيصال شعره لغة في التَّسْبِيدِ ـ قاله الجوهري. والسَّمَنْدُ : الفرس ، فارسية ـ قاله في القاموس

__________________

(١) قال في مجمع الأمثال ج ٢ صلى الله عليه وآله ٢٧٦ : يضرب مثلا للشيء يفضل على أقرانه وأشكاله. وقال : ومرعى خبر مبتدإ محذوف وتقديره : هذا مرعى جيد وليس في الجودة مثل السعدان.

٧٠

( سند )

قوله تعالى : ( كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ) [ ٦٣ / ٤ ] هو وصف للمنافقين ، شدد للكثرة شبههم تعالى في عدم الانتفاع بحضورهم في المسجد بالخشب المسندة إلى الحائط ، وقد تقدم الكلام في خشب.

وَفِي حَدِيثِ الصَّادِقِ عليه السلام « إِذَا حَدَّثْتُمْ بِحَدِيثٍ فَأَسْنِدُوهُ إِلَى الَّذِي حَدَّثَكُمْ ، فَإِنْ كَانَ حَقّاً فَلَكُمْ وَإِنْ كَانَ كَذِباً فَعَلَيْهِ ».

والإِسْنَادُ في الحديث : رفعه إلى قائله. وسَنَدْتُ إلى الشيءِ سُنُوداً من باب قعد ، واسْتَنَدْتُ بمعنى ، وسَنِدْتُ من باب تعب لغة. و « السَّنَدُ » بالتحريك : ما ارتفع من الأرض ، وقيل ما قابلك من الجبل وعلا عن السفح و « السِّنَادُ » بالكسر : الناقة القوية. وفي الحديث دَجَاجٌ سِنْدِيٌ ونَعْلٌ سِنْدِيَّةٌ ، كأنهما نسبة إلى السِّنْدِ بلاد أو السِّنْدِ نهر بالهند غير بلاد السند ، أو إلى السِّنْدِيَّةِ قرية معروفة من قرى بغداد ، تقول سِنْدِيٌ للواحد وسِنْدٌ للجماعة مثل زنجي وزنج. و « السِّنْدِيُ بْنُ شَاهِكٍ » بالشين المعجمة والهاء بعد الألف والكاف ، اسم رجل سَجَّانٍ في زمن العباسية مات الكاظم عليه السلام في حبسه.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ « عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَثْوَابٍ سَنَدٍ ».

قيل هو نوع من البرود اليمانية ، وفيه لغتان سَنَدٌ وسِنْدٌ ، وجمعه أَسْنَادٌ. و « السَّنْدَانُ » بالفتح : زبرة الحداد.

( سيد )

قوله تعالى : ( سَيِّداً وَحَصُوراً ) [ ٣ / ٣٩ ] السَّيِّدُ : الرئيس الكبير في قومه المطاع في عشيرته وإن لم يكن هاشميا ولا علويا. والسَّيِّدُ : الذي يفوق في الخير. والسَّيِّدُ : المالك ، ويطلق على الرب والفاضل والكريم والحليم والمتحمل أذى قومه والزوج والمقدم. قوله : ( وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ ) [ ١٢ / ٢٥ ] يعني زوجها.

وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله « أَنَا سَيِّدُ وُلْدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ ». قيل قاله

٧١

إخبارا عما أكرمه الله تعالى به من الفضل والسؤدد ، وتحدثا بنعمة الله تعالى عنده ، وإعلاما لأمته ليكون إيمانهم به على حسبه وموجبه ، ولهذا أتبعه بقوله « ولا فخر » أي إن هذه الفضيلة نلتها كرامة من الله ولم أنلها من قبل نفسي ولا بلغتها بقوتي ، فليس لي أن أفتخر بها.

وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنَيْنِ « أَنْتُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ».

أي أفضل من مات شابا في سبيل الله من أصحاب الجنة ، ولم يرد به سن الشباب لأنهما عليه السلام ماتا وقد كهلا ، أو أنهما سَيِّدَا شباب أهل الجنة فإن أهلها كلهم شباب. والسَّوَادُ لون معروف يضاد البياض.

وَفِي الدُّعَاءِ « اللهُمَّ لَا تُسَوِّدْ وَجْهِي يَوْمَ تَبْيَضُّ فِيهِ الْوُجُوهُ ».

المراد بِسَوَادِ الوجه هنا الحقيقة أو الكناية عن الخجل والكآبة والوجل ـ كما قاله المفسرون في قوله تعالى ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) وسَوَادُ الكوفة : نخيلها وأشجارها ، ومثله « سَوَادُ العراق » سمي بذلك لخضرة أشجاره وزرعه وحَدُّهُ طُولاً من حديثة الموصل إلى عبادان ، وعرضاً من العذيب إلى حلوان ، وهو الذي فتح على عهد عمر ، وهو أطول من العراق بخمسة وثلاثين فرسخا ـ كذا نقلا عن المغرب.

وَفِي الْحَدِيثِ سُئِلَ عَنِ السَّوَادِ مَا مَنْزِلَتُهُ؟ فَقَالَ : هُوَ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.

و « سَوَادُ خيبر وبياضها » أرضها ونخلها كما جاءت به الرواية عنهم عليه السلام. والسَّوَادُ المخترم في قَوْلِ الْقَائِلِ : « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْنِي مِنَ السَّوَادِ الْمُخْتَرَمِ » (١).

عند رؤية الجنازة يحتمل أن يراد به الشخص وأن يراد به عامة الناس. والمُخْتَرَم بالخاء المعجمة والراء المهملة الهالك ، والمعنى الحمد لله الذي لم يجعلني من الهالكين.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام لِأَصْحَابِهِ فِي صِفِّينَ « الْزَمُوا السَّوَادَ الْأَعْظَمَ » (٢).

__________________

(١) الكافي ج ٣ صلى الله عليه وآله ١٦٧.

(٢) نهج البلاغة ج ٢ صلى الله عليه وآله ١١.

٧٢

أي الفرقة المحقة والعدد الكثير الذين فيهم حجة فإجماعهم حجة ، تَمَامُ الْحَدِيثِ « وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّاذَّ مِنَ النَّاسِ لِلشَّيْطَانِ كَمَا أَنَّ الشَّاذَّ مِنَ الْغَنَمِ لِلذِّئْبِ ».

وفِي نَقْلٍ آخَرَ « عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ » (١).

أي بقتالهم ، يعني بجماعة أهل الشام لأنه كان حول معاوية يومئذ على ما نقل مائة ألف ، كانوا تعاهدوا على أن لا ينفرجوا عنه حتى يقتلوا. و « قَوْمٌ آمَنُوا بِسَوَادٍ عَلَى بَيَاضٍ ».

يعني بما في الكتب مسطور. وسَوَادُ الإِنْسَانِ : شخصه ، ومنه قولهم « لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ ». وسَوَادُ القلب : حبته ، وكذلك سُوَيْدَاؤُهُ. ومنه قَوْلُهُ عليه السلام « شَرِبُوا بِالْكَأْسِ الرَّوِيَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِ وَتَمَكَّنَتْ مِنْ سُوَيْدَاءِ قُلُوبِهِمْ وَشِيجَةُ خِيفَتِهِ » (٢).

وَفِي الْحَدِيثِ « الْعُلَمَاءُ سَادَةٌ ».

يقال سَادَ يَسُودُ سِيَادَةً ، والاسم السُّؤْدَدُ ، وهو المجد والشرف فهو سَيِّدٌ والأنثى سَيِّدَةٌ ، ثم أطلق على الموالي لشرفهم وإن لم يكن في قومهم شرف ، والجمع سَادَةٌ وسَادَاتٌ.

وَفِي الْخَبَرِ « تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا ».

أي تعلموا العلم ما دمتم صغارا قبل أن تصيروا سادة منظورا إليكم فتبقون جهالا وقيل قبل أن تزوجوا فتصيروا أرباب بيوت فتشغلوا بالزواج عن العلم ، من اسْتَادَ الرجلُ : تزوج في سادة.

وَفِي حَدِيثِ شَاةِ الْهَدْيِ « يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ سَمِينَةً تَنْظُرُ فِي سَوَادٍ وَتَمْشِي فِي سَوَادٍ وَتَبْرُكُ فِي مِثْلِهِ ».

أي أسود القوائم والمرابض والمحاجر.

وَفِي الْحَدِيثِ « اقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ ».

يريد الحية والعقرب ، والجمع الأَسَاوِدُ.

وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ وَقَدْ بَكَى فِي مَرَضِهِ قَائِلاً « لَا أَبْكِي جَزَعاً مِنَ الْمَوْتِ أَوْ حُزْناً عَلَى الدُّنْيَا وَلَكِنْ لِحَدِيثٍ » وَلْيَكُنْ زَادُ أَحَدِكُمْ مِثْلَ زَادِ الرَّاكِبِ « وَهَذِهِ الْأَسَاوِدُ حَوْلِي » يُرِيدُ شُخُوصاً مِنْ مَتَاعٍ عِنْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ سِوَى مِطْهَرَةٍ وَإِجَّانَةٍ وَجَفْنَةٍ.

__________________

(١) نهج البلاغة ج ١ صلى الله عليه وآله ١١١.

(٢) نهج البلاغة ج ١ صلى الله عليه وآله ١٧٠.

٧٣

وَفِي حَدِيثِ الْحَجَرِ « سَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ ».

وفيه تخويف عظيم ، لأنه إذا أثرت في الحجر فما ظنك في تأثيرها في القلوب. ويتم الكلام في « حجر ».

وَفِي الْحَدِيثِ « أَرْسَلَ اللهُ مُحَمَّداً إِلَى الْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ ».

كأنه يريد إلى العرب والعجم. والأَسْوَدُ : الحية العظيمة. ومِنْهُ « الْمُحْرِمُ يَقْتُلُ الْأَسْوَدَ الْغَدِرَ ».

والأَسْوَدَانِ : التمر والماء

وَفِي حَدِيثِ مَلَكَيِ الْقَبْرِ « فَأَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ ».

يحتمل أن يكون السَّوَادُ على الحقيقة لما في لون السواد من الهول والنكر ، ويحتمل الكناية عن قبح المنظر وفضاعة الصورة. و « سُودَةُ بنت زمعة » زوجة النبي صلى الله عليه وآله (١)، وهي صاحبة الشاة التي

قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله فِيهَا « مَا كَانَ عَلَى أَهْلِهَا إِذَا لَمْ يَنْتَفِعُوا بِلَحْمِهَا أَنْ يَنْتَفِعُوا بِإِهَابِهَا ».

و « المُسَوِّدَةُ » بكسر الواو أي لابسي السواد ، ومنه الْحَدِيثُ « فَدَخَلَتْ عَلَيْنَا الْمُسَوِّدَةُ ».

يعني أصحاب الدعوة العباسية ، لأنهم كانوا يلبسون ثيابا سودا وعيسى بن موسى أول من لبس لباس العباسيين من العلويين ، استحوذ عليهم الشياطين وأغمرهم لباس الجاهلية. ومن أمثال العرب « مَا كُلُ سَوْدَاءَ تَمْرَةٌ وَلَا بَيْضَاءُ شَحْمَةٌ » قيل أول من قال ذلك عامر بن ذهل ، وله قصة مذكورة في محلها. ويقال « كَلَّمْتُ فُلَاناً فَمَا رَدَّ عَلَيَ سَوْدَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ » أي كلمة قبيحة ولا حسنة.

وَ « سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ » بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ رُوَاةِ الْحَدِيثِ شَهِدَ مَعَ عَلِيٍّ عليه السلام فِي صِفِّينَ وَتَزَوَّجَ جَارِيَةً بِكْراً وَهُوَ ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ وَسِتَّةَ عَشَرَ سَنَةً وَافْتَضَّهَا ، وَكَانَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهَا وَقَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ ، سَكَنَ الْكُوفَةَ وَمَاتَ بِهَا فِي

__________________

(١) في أعلام النّساء ج ٢ صلى الله عليه وآله ٢٦٩ : توفّيت سودة بالمدينة في شوّال سنة ٥٤ ه‍ في خلافة معاوية ، وفي رواية أنّها توفّيت في خلافة عمر بن الخطّاب ، وفي رواية أنّها توفّيت سنة ٥٥ ه‍.

٧٤

زَمَنِ الْحَجَّاجِ (١).

( سهد )

« السَّهَادُ » بالفتح : الأرق ، يقال سَهِدَ الرجلُ بالكسر يَسْهَدُ سَهَداً. والسُّهْدُ بضم السين : لقليل النوم. والمُسَهَّدُ مثله. ومِنْهُ « وَأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ » (٢).

يعني لا نوم فيه.

باب ما أوله الشين

( شدد )

قوله تعالى : ( حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) [ ١٧ / ٣٤ ] أي قوته ومنتهى شبابه ، واحدها شَدٌّ مثل فلس وأفلس. وقيل حَتَّى يَبْلُغَ أُشُدَّهُ ويضم أوله أي قوته ،

وَهُوَ مَا بَيْنَ ثَمَانِيَ عَشَرَ سَنَةً إِلَى ثَلَاثِينَ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الصَّادِقِ عليه السلام (٣)

وَفِي الْحَدِيثِ « انْقِطَاعُ يُتْمِ الْيَتِيمِ بِالاحْتِلَامِ وَهُوَ أَشُدَّهُ » (٤).

قوله : ( وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ ) [ ١٠ / ٨٨ ] أي امنعها من التصرف والفهم عقوبة لهم ، من الشَّدِّ ، وهو عبارة عن الخذلان والطبع. قوله : ( وَشَدَدْنا مُلْكَهُ ) [ ٣٨ / ٢٠ ] أي قويناه وعقدناه عقدا لا يقدر أحد على حله ، قيل وكان يحرس محرابه في كل ليلة ستة وثلاثون ألف رجل ، وقيل أربعون ألف مستلئم ، وقيل ألقى الله هيبته في قلوب الناس. قوله : ( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ )

__________________

(١) في الاستيعاب ج ٢ صلى الله عليه وآله ٦٨٠ : سويد بن غفلة بن عوسجة الجعفي يكنى أبا أمية ... سكن الكوفة ومات بها في زمن الحجاج سنة إحدى وثمانين وهو ابن مائة وخمس وعشرين سنة ، وقيل سبع وعشرين ومائة سنة.

(٢) نهج البلاغة ج ٢ صلى الله عليه وآله ٢٠٨.

(٣) البرهان ج ٢ صلى الله عليه وآله ٤١٩.

(٤) البرهان ج ٢ صلى الله عليه وآله ٤١٩.

٧٥

[ ٢٨ / ٣٥ ] أي سنقويك به ونؤيدك بأن نقرنه إليك في النبوة ، لأن العضد قوام اليد. قوله : ( وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ) [ ١٠٠ / ٨ ] أي لأجل حبه المال. قوله : ( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ) [ ٨٥ / ١٢ ] قال الشيخ أبو علي : يعني ( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ ) يا محمد ( لَشَدِيدٌ ) يعني أن أخذه بالعذاب إذا أخذ الظلمة والجبابرة أليم شديد ، وإذا وصف البطش ـ وهو الأخذ عنفا ـ بالشدة فقد تضاعف مكروهه وتزايد إيلامه (١). والشَّدِيدُ في قَوْلِهِ عليه السلام « هَوَّنَ عَلَى نَفْسِهِ الشَّدِيدَ ».

هو تسهيل شدائد الدنيا على خاطره واستحقاره في جنب ما يتصوره من الفرحة بلقاء الله ووعده ووعيده ، أو تسهيله لشدائد الآخرة وتهوينه بالأعمال الصالحة. وشَدَّ الشيءَ يَشُدُّهُ بالضم : أوثقه ، ويَشِدُّهُ بالكسر أيضا. وشَدَّ اللهُ مُلْكَهُ وشَدَّدَهُ : قواه. والتَّشْدِيدُ ، خلاف التخفيف. واشْتَدَّ الشيءُ : من الشدة. واشْتَدَّ النهارُ : علا وارتفع شمسه. و « شَدَدْتُهُ » من باب قتل : أوثقته. ومنه الْحَدِيثُ « رَجُلٌ رَاوِيَةٌ لِحَدِيثِكُمْ يَبُثُّ ذَلِكَ فِي النَّاسِ وَيُشَدِّدُهُ فِي قُلُوبِ شِيعَتِكُمْ ».

أي يقويه ويثبته. وفي بعض النسخ بالسين المهملة وكأنه أخذا من السداد وهو الصواب ، أي يصوبه في قلوبهم وشَدَّ في الحرب يَشِدُّ بالكسر : حمل على العدو. وشيء شَدِيدٌ : بين الشدة.

وَفِي الْخَبَرِ « لَا تَبِيعُوا الْحَبَّ حَتَّى يَشْتَدَّ ».

أراد بالحب الحنطة والشعير واشْتِدَادُهُ قوته وصلابته. و « كَانَ يُشَدِّدُ فِي الْبَوْلِ ».

أي في الاحتراز عنه.

وَفِي الْحَدِيثِ « لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا لِكَذَا ».

هو كناية عن السفر ، أي لا يقصد موضع بنية التقرب إلى الله إلا لكذا تعظيما لشأن المقصود ، وما سواه

__________________

(١) مجمع البيان ج ٥ صلى الله عليه وآله ٤٦٨.

٧٦

فمتساو في الفضل. ومِنْهُ « لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ ».

والمستثنى منه خصوص المسجد فلا يمتنع لزيارة صالح حي أو ميت أو قريب أو طلب علم أو تجارة. و « شَدَّادُ بْنُ عَادٍ » ممن أمهل له في عمره ، وكذا ثمود بن عمود وبلعم بن باعورا واشتد طغيانهم في هذا الإمهال

( شرد )

قوله تعالى : ( فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ ) [ ٨ / ٥٧ ] أي فرق وبدد جمعهم. والتَّشْرِيدُ : الطرد والتفريق ، ويقال سمع بهم من خلفهم.

وَمِنْ كَلَامِهِ ( صلى الله عليه وآله ) « لَوْ لَا أَنَّ جَبْرَئِيلَ أَخْبَرَنِي عَنِ اللهِ أَنَّكَ سَخِيٌ لَشَرَدْتُ بِكَ وَجَعَلْتُكَ حَدِيثاً عَلَى خَلْفِكَ ».

والتَّشْرِيدُ : الطرد. وفِيهِ « طُرِدُوا وَشُرِّدُوا ».

وهو من تأكيد المعنى. وشَرَدَ البعير يَشْرُدُ شُرُوداً وشِرَاداً نفر ، فهو شَارِدٌ وشَرُودٌ ، والجمع شَرَدٌ مثل خادم وخدم.

( شهد )

قوله تعالى : ( إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً ) [ ٣٣ / ٤٥ ] أي على أمتك فيما يفعلونه مقبولا قولك عند الله لهم وعليهم كما يقبل قول الشاهد العدل. قوله ( شاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ) [ ٨٥ / ٣ ] قيل الشَّاهِدُ يوم الجمعة ، والمَشْهُودُ يوم عرفة لأن الناس يشهدونه ، أي يحضرونه ويجتمعون فيه ، وقيل الشَّاهِدُ محمد لقوله تعالى : ( وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ) [ ٤ / ٤١ ] والمَشْهُودُ يوم القيامة لقوله تعالى : ( وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ) [ ١١ / ١٠٣ ]. قوله : ( لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ) [ ٢ / ١٤٣ ]

رُوِيَ أَنَّ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجْحَدُونَ تَبْلِيغَ الْأَنْبِيَاءِ ، فَيَطْلُبُ اللهُ الْأَنْبِيَاءَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ بَلَغُوا فَيُؤْتَى بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ فَيَشْهَدُونَ لَهُمْ ( عليه السلام ) وَهُوَ يُزَكِّيهِمْ.

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ : إِيَّانَا عَنَى ، فَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله شَاهِدٌ عَلَيْنَا وَنَحْنُ شُهَدَاءُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ وَحُجَّتُهُ فِي أَرْضِهِ.

وقيل ( لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ) في الدنيا ، أي حجة عليهم فتبينوا لهم

٧٧

الحق والدين ويكون الرسول مؤديا للشرع وأحكام الدين إليكم. قوله : ( وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ ) [ ٣ / ١٤٠ ] أي يكرم أناسا منكم بالشهادة قوله : ( تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ ) [ ٣ / ٩٩ ] أي تشهدون وتعلمون أن نبوة محمد صلى الله عليه وآله حق قوله : ( وَيَقُولُ الْأَشْهادُ ) [ ١١ / ١٨ ] يعني من الملائكة والنبيين عليه السلام ، أو جوارحهم وجمع شَاهِد. قوله : ( فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) [ ٣ / ٥٣ ] أي مع الأنبياء الذين يشهدون لأممهم ، وقيل مع أمة محمد صلى الله عليه وآله لأنهم شهداء على الناس. قوله : ( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً ) [ ٦ / ١٩ ] أي قل يا محمد لهؤلاء الكفار أي شيء أعظم شَهَادَةً وأصدق حتى انبيائكم به على أني صادق ، أو أي شيء أكبر شهادة حتى يشهد لي بالبلاغ وعليكم بالتكذيب ، فإن قالوا الله وإلا ف ( قُلْ ) لهم ( اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) يشهد لي بالرسالة والنبوة ، وقيل يشهد لي بتبليغ الرسالة إليكم وبتكذيبكم إياي. قوله : ( أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ) أي برهان من الله وبيان حجة على أن دين الإسلام حق وهو دليل العقل ( وَيَتْلُوهُ ) أي يتبع ذلك البرهان شاهِدٌ [ ١١ / ١٧ ] يشهد بصحته وهو القرآن ، وقيل البينة القرآن والشَّاهِدُ جبرئيل عليه السلام يتلو القرآن ، وقِيلَ ( أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ) وَهُوَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وَالشَّاهِدُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام يَشْهَدُ لَهُ وَهُوَ مِنْهُ ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ (١)

قَوْلُهُ : ( وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ ) [ ٤٦ / ١٠ ] هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ (٢) لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله

__________________

(١) البرهان ج ٢ صلى الله عليه وآله ٢١٢.

(٢) في الاستيعاب ج ٣ صلى الله عليه وآله ٩٢١ : عبد الله بن سلّام بن الحارث الاسرائيلي ثمّ الأنصاريّ ، يكنّى أبا يوسف ... كان حليفا للأنصار ... وكان اسمه في الجاهليّة الحصين فلمّا أسلم سمّاه رسول الله عبد الله ، وتوفّي بالمدينة في خلافة معاوية سنة ثلاث وأربعين وهو أحد الأحبار أسلم إذ قدم النّبيّ المدينة.

٧٨

الْمَدِينَةَ نَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ فَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ وَتَأَمَّلَهُ فَتَحَقَّقَ أَنَّهُ هُوَ النَّبِيُّ الْمُنْتَظَرُ ، وَقَالَ لَهُ : إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ : مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ، وَمَا بَالُ الْوَلَدِ يُنْزَعُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ؟ فَقَالَ عليه السلام : أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ ، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ نَزَعَهُ وَإِنْ سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ نَزَعَتْهُ. فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ حَقّاً. ثُمَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهْتٌ وَإِنْ عَلِمُوا بِإِسْلَامِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ عَنِّي بَهَتُونِي عِنْدَكَ ، فَجَاءَتْ الْيَهُودُ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله : أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللهِ فِيكُمْ؟ فَقَالُوا : خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا وَسَيِّدُنَا وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا. قَالَ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ؟ قَالُوا : أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللهِ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ ». فَقَالُوا : شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَانْتَقَصُوهُ. قَالَ : هَذَا مَا كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللهِ وَأَحْذَرُ.

قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ : مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ لِأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ ، وَفِيهِ نَزَلَ ( وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ ) كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَشَّافِ (١)

قوله : ( وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها ) [ ١٢ / ٢٦ ] قيل كان ابن عم لها وكان جالسا مع زوجها عند الباب ، وقيل كان ابن خال لها. قوله : ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ) [ ٢ / ٢٨٢ ] قال المفسر : السين للطلب ، أي اطلبوا شهيدين ، والفرق بين الشَّاهِدِ والشَّهِيدِ أن الأول بمعنى الحدوث والثاني بمعنى الثبوت ، فإنه إذا تحمل الشهادة فهو شَاهِدٌ باعتبار حدوث تحمله ، فإذا ثبت تحمله لها زمانين أو

__________________

(١) الكشاف ج ٣ صلى الله عليه وآله ١١٩.

٧٩

أكثر فهو شَهِيدٌ ، ثم يطلق الشَّاهِدُ عليه مجازا بعد تحمله تسمية للشيء بما كان عليه ، كما يطلق الشَّهِيدُ قبل تحمله لها مجازا كما في الآية ، فإن الطلب إنما يكون قبل حصول المطلوب. قوله : ( شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ) [ ٩ / ١٧ ] لأنهم كانوا يقولون في تلبيتهم « لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ». قوله : ( وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا ) [ ١٢ / ٨١ ] أي إلا بما عايناه من إخراج الصواع من رحله ، وإنما قالوا ذلك لأنهم شهدوا عند أبيهم ( إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ ) فاتهمهم على ذلك. قوله : ( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) [ ٣ / ١٨ ] قيل معناه بين وأعلم ، كما يقال شَهِدَ فلان عند القاضي أي بين وأعلم لمن الحق وعلى من هو. قوله : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) [ ٢ / ١٨٥ ] أي من كان حاضرا في الشهر مقيما غير مسافر فليصم ما حضر وأقام فيه ، وانتصاب الشهر على الظرف. والشَّاهِدُ : الحاضر. قوله ( أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) [ ٥٠ / ٣٧ ] أي استمع كتاب الله وهو شاهد القلب ليس بغافل ، وسيأتي معنى ( وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ ) في أخذ. قوله : ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) [ ٦٥ / ٢ ] قيل هو أمر إرشاد لخوف تسويل النفس وانبعاث الرغبة فيها فتدعوه إلى الخيانة بعد الأمانة ، وربما يموت فيدعيها ورثته. وأَشْهَدْتُهُ واسْتَشْهَدْتُهُ بمعنى. قوله : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ ) [ ٥ / ١٠٦ ] الآية ، تقدم شرحه في « وصا ». قوله : ( إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) [ ١٧ / ٧٨ ] قيل أي يشهده المسلمون يسمعون القرآن فيكثر الثواب.

وَعَنِ الصَّادِقِ عليه السلام « يَعْنِي صَلَاةَ الْفَجْرِ يَشْهَدُهَا مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ » (١).

وَفِي حَدِيثِ وَصْفِ عَلِيٍّ عليه السلام

__________________

(١) البرهان ج ٢ صلى الله عليه وآله ٤٣٦.

٨٠