مجمع البحرين - ج ٣

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٣

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٤

وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أَنَ مُحَمَّدَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بَايَعَ عَلِيّاً عليه السلام عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ أَبِيهِ (١).

ونُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْأَفَاضِلِ أَنَّهُ أَنْشَدَ أَبَاهُ عِنْدَ مَا لَحَاهُ عَنْ وَلَاءِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام هَذِهِ الْأَبْيَاتَ :

يَا أَبَانَا قَدْ وَجَدْنَا مَا صَلَحَ

خَابَ مَنْ أَنْتَ أَبُوهُ وَافْتَضَحَ

إِنَّمَا أَنْقَذَنِي مِنْكَ الَّذِي

يُنْقِذُ الدُّرَّ مِنَ الْمَاءِ الْمِلْحِ

يَا بَنِي الزَّهْرَاءِ أَنْتُمْ عُدَّتِي

وَبِكُمْ فِي الْحَشْرِ مِيزَانِي رَجَحَ

أَنَا قَدْ صَحَّ وَلَائِي فِيكُمْ

لَا أُبَالِي أَيَّ كَلْبٍ قَدْ نَبَحَ.

و مُحَمَّدُ بن عبد الله بن الحسن بن علي عليه السلام المسمى بالنفس الزكية كان يدعي الإمامة وقد تبعه كثير من الزيدية والمعتزلة على الضلالة.

وَفِي حَدِيثِ الصَّادِقِ عليه السلام وَقَدْ سُئِلَ أَنَّ الزَّيْدِيَّةَ وَالْمُعْتَزِلَةَ قَدْ أَطَافُوا بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ فَهَلْ لَهُ سُلْطَانٌ؟ فَقَالَ : وَاللهِ إِنَّ عِنْدِي كِتَابَيْنِ فِيهَا تَسْمِيَةُ كُلِّ نَبِيٍّ وَكُلِّ مَلِكٍ يَمْلِكُ الْأَرْضَ ، لَا وَاللهِ مَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ وَقَالَ لَهُ : بَايِعْ تَأْمَنْ عَلَى نَفْسِكَ وَمَالِكَ وَوُلْدِكَ وَلَا تَكَلَّفْ حَرْباً ، فَاعْتَذَرَ عِنْدَهُ فَقَالَ : لَا وَاللهِ لَا بُدَّ أَنْ تُبَايِعَ ، فَأَمَرَ بِهِ إِلَى الْحَبْسِ وَشَدَّدَ عَلَيْهِ.

و « حَمَّادٌ » بتشديد الميم ابن عيسى الجهني نسبة إلى جهينة بضم الجيم قبيلة ، وهو من ثقاة رواة الحديث ، لقي الصادق والكاظم والرضا ، دعا له الكاظم عليه السلام ، ولما أراد أن يحج الحجة الحادية والخمسين غرق في الجحفة حين أراد غسل الإحرام ، وكان عمره نيفا وسبعين سنة ، وحديثه في الصلاة مشهور

( حيد )

قوله تعالى : ( ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) [ ٥٠ / ١٩ ] أي تنفر وتهرب ، يقال حَادَ عن الشيء يَحِيدُ : مال عنه وعدل.

__________________

(١) رجال الكشي صلى الله عليه وآله ٦١.

٤١

ويَحِيدُ عنه : ينهزم عنه. وحمار حَيَدَى : أي يحيد عن ظله لنشاطه.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام فِي ذَمِّ قَوْمِهِ « فَإِذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ حِيدِي حَيَادِ » (١).

أي إذا كان قتال تكرهون وتقولون أيها الحرب حِيدِي حَيَادِ ، أي جانبي منا ، من حَايَدَهُ مُحَايَدَةً جانبه. قال بعض شراح الحديث : « حِيدِي حَيَادِ » مثل فِيحِي فَيَاحِ ، وحَيَاد وفَيَاح كلاهما اسم للغارة ، وفِيحِي أي اتَّسِعِي ، وهذا من كلام الجاهلية كانوا يتكلمون به ، أي أعرضي عنَّا أيتها الحرب ـ انتهى.

وَفِي حَدِيثِهِ أَيْضاً مَعَ قَوْمِهِ « فَإِذَا جَاءَ الْقِتَالُ كنتم [ قُلْتُمْ ] حِيدِي ».

أي مِيلِي. وحَادَتِ الدابةُ : نفرت وتركت الجادة والحَائِدِينَ عن دين الله : العادلين

باب ما أوله الخاء

( خدد )

قوله تعالى : ( قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ ) [ ٨٥ / ٤ ] الأُخْدُودُ : شقق في الأرض مستطيل ، جمعه أَخَادِيدُ ، وأصحاب الأُخْدُودِ هو أخدود بنجران خده الملك ذو نواس الحميري وأحرق فيه نصارى نجران وكان على دين اليهود ، فمن لم يرجع عن دين النصارى إلى دين اليهود أحرقه. وخَدَّ الأرض ـ من باب مد ـ : شقها ومنه حَدِيثُ الْمَيِّتِ « أَتَاهُ مَلَكَا الْقَبْرِ يَخُدَّانِ الْأَرْضَ بِأَقْدَامِهِمَا ».

أي يشقانها شقا. ومنه الْخَبَرُ « أَنْهَارُ الْجَنَّةِ تَجْرِي فِي غَيْرِ أُخْدُودٍ ».

وَفِي الْحَدِيثِ « لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِهِ ـ يَعْنِي إِبْلِيسَ ـ مُضْغَةُ لَحْمٍ إِلَّا تَخَدَّدَتْ ».

أي تشققت. ويقال أيضا تَخَدَّدَ لحمه : هزل ونقص.

__________________

(١) نهج البلاغة ج ١ صلى الله عليه وآله ٧٠.

٤٢

والخَدَّانِ : ما جاوز مؤخر العين إلى منتهى الشدق يكتنفان الأنف عن يمين وشمال. و « المِخَدَّةُ » بالكسر : الوسادة لأنها توضع تحت الخد ، والجمع مَخَادُّ كدواب.

( خرد )

الخَرِيدَةُ من النساء : هي الحيية ، والجمع خَرَائِدُ وخُرُدٌ وخُرَّدٌ

( خضد )

قوله تعالى : ( فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ) [ ٥٦ / ٢٨ ] أي لا شوك فيه كأنه خُضِدَ شوكه ، أي قطع. ومنه الْحَدِيثُ « تَقْطَعُ بِهِ دَابِرَهُمْ وَتَخْضِدُ بِهِ شَوْكَتَهُمْ ».

( خلد )

قوله تعالى : ( خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللهُ ) [ ٦ / ١٢٨ ] قيل الاستثناء إنما هو من يوم القيامة ، لأن قوله ( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ) هو يوم القيامة ، فقال ( خالِدِينَ فِيها ) من يوم يبعثون ( إِلَّا ما شاءَ اللهُ ) من مقدار حشرهم من قبورهم ومقدار عذابهم في محاسبتهم ، وجائز أن يكون ( إِلَّا ما شاءَ اللهُ ) أن يعذبهم من أصناف العذاب وأن الاستثناء راجع إلى غير الكفار من عصاة المسلمين الذين هم في مشية الله إن شاء عذبهم بذنوبهم وإن شاء عفا عنهم فضلا. قوله تعالى : ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ. خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ ) الآية ( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ ) [ ١١ / ١٠٦ ـ ١٠٨ ] قال الشيخ أبو علي : ما دامت سماوات الآخرة وأرضها وهي مخلوقة للأبد ، وكل ما علاك وأظلك فهو سماء ، ولا بد لأهل الآخرة مما يظلهم ويقلهم ، وقيل إن ذلك عبارة عن التأبيد كقول العرب « ما لاح كوكب وأقام ثبير ورضوى » وغير ذلك من كلمات التأبيد ( إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ ) هو استثناء من الخلود في عذاب النار ومن الخلود في نعيم الجنة ، وذلك لأن أهل النار لا يعذبون بالنار وحدها بل يعذبون بأنواع من العذاب وبما هو

٤٣

أغلظ من الجميع وهو سخط الله عليهم وإهانتهم ، وكذلك أهل الجنة لهم سوى الجنة مما هو أكبر منها وهو رضوان الله وإكرامه وتبجيله ، فهو المراد بالاستثناء. وقيل المراد بالاستثناء من الذين شقوا وخلودهم من شاء الله أن يخرجه من النار بتوحيده وإيمانه لإيصال الثواب الذي استحقوه بطاعتهم إليهم ، فيكون « ما » بمعنى من ، والمراد بالاستثناء من الذين سعدوا وخلودهم في الجنة أيضا هؤلاء الذين ينقلون إلى الجنة من النار ، والمعنى خالدين فيها إلا ما شاء ربك من الوقت الذي أدخلهم فيه النار قبل أن ينقلهم إلى الجنة ، فما هاهنا على بابه والاستثناء الثاني من الزمان والأول في الأعيان انتهى (١)وأنت خبير بأن الآيات الدالة على عقاب العصاة وخلودهم في النار المراد به المكث الطويل ، واستعماله بهذا المعنى. قوله : ( أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ ) [ ٧ / ١٧٦ ] أي مال وركن إلى الدنيا وشهواتها ( وَاتَّبَعَ هَواهُ ) في إيثار الدنيا. قوله : ( وَهُمْ فِيها خالِدُونَ ) [ ٢ / ٢٥ ] أي باقون. قوله : ( وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ ) [ ٥٦ / ١٧ ] أي مبقون ولدانا لا يهرمون ولا يتغيرون قوله : ( يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ ) [ ١٠٤ / ٣ ] من الخُلُودِ ، وهو دوام البقاء يقال خَلَدَ الرجل يَخْلُدُ خُلُوداً ، وأَخْلَدَهُ اللهُ وخَلَّدَهُ تَخْلِيداً. وأَخْلَدَ بالمكان : أقام به ، وخَلَدَ أيضا وبابه قعد. ومنه ( جَنَّةُ الْخُلْدِ ) أي دار الإقامة. والخَلَدُ بالتحريك : البال ، يقال وقع ذلك في خَلَدِي أي في روعي وقلبي. والمُخَلَّدُ إلى الشيء : المستند إليه. وأَخْلَدَ إلى الدنيا : ركن إليها ولزمها. ومنه حَدِيثُ عَلِيٍّ عليه السلام فِي ذَمِّ الدُّنْيَا « مَنْ دَانَ لَهَا وَآثَرَهَا وَأَخْلَدَ إِلَيْهَا فَكَذَا » (٢).

و « مَخْلَدٌ » وزان جعفر من أسماء

__________________

(١) مجمع البيان ج ٣ صلى الله عليه وآله ١٦٤ ـ ١٦٥.

(٢) نهج البلاغة ج ١ صلى الله عليه وآله ٢١٨.

٤٤

الرجال.

( خمد )

قوله تعالى : ( فَإِذا هُمْ خامِدُونَ ) [ ٣٦ / ٢٩ ] أي ميتون. وخُمُودُ الإنسان : موته. وخَمَدَتِ النارُ تَخْمُدُ خُمُوداً من باب قعد : سكن لهبها ولم يطفأ جمرها ، وهَمَدَتْ : إذا طفئ جمرها. وخَمَدَ المريضُ : أغمي عليه أو مات. وخَمَدَتِ الحمى : سكنت.

باب ما أوله الدال

( درد )

فِي الْحَدِيثِ « مَا زَالَ جَبْرَئِيلُ يُوصِينِي بِالسِّوَاكِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ أَحْفَى أَوْ أَدْرَدَ » (١).

هو من الدَّرَدِ وهو سقوط الأسنان ، يقال دَرِدَ دَرَداً ـ من باب تعب ـ : سقطت أسنانه وبقيت أصولها ، فهو أَدْرَدُ ، والأنثى دَرْدَاءُ مثل أحمر وحمراء. وبه كني أبو الدَّرْدَاءِ وقوله « أو أدرد » التشكيك من الراوي. وفِيهِ « رَجُلٌ اشْتَرَى زِقَّ زَيْتٍ وَوَجَدَ فِيهِ دُرْدِيّاً ».

الدُّرْدِيُ من الزيت وغيره ما يبقى في أسفله. و « دُرَيْدٌ » تصغير أَدْرَدَ.

( دود )

قوله تعالى : ( وَظَنَ داوُدُ ) [ ٣٨ / ٢٤ ] وقد تقدم ذكر الآية في « عصا » (٢)و دَاوُدُ اسم أعجمي لا يهمز ، ومعناه أنه داوى جرحه فَوَدَّ ، وقيل داوى وُدَّهُ بالطاعة ـ كذا في معاني الأخبار (٣)

وَفِي الْحَدِيثِ « إِذَا ظَهَرَ أَمْرُ الْأَئِمَّةِ حَكَمُوا بِحُكْمِ دَاوُدَ ».

أي لا يسألون البينة. وفيه ذكر الدِّيدَانِ ، وهي جمع الدُّودِ ، والدُّودُ جمع دُودَة ، والتصغير دُوَيْدٌ ، والقياس

__________________

(١) مكارم الأخلاق صلى الله عليه وآله ٥١.

(٢) أنظر هذا الكتاب ج ١ صلى الله عليه وآله ٢٩٤.

(٣) معاني الأخبار صلى الله عليه وآله ٥٠.

٤٥

دُوَيْدَة. ودَادَ الطعامُ وأَدَادَ ودَوَّدَ كله بمعنى : إذا وقع فيه السوس. وأنواع الدُّودِ كثير يدخل فيه الحلم والأرضة ودود الفواكه ودود القز ودود الأخضر ، ومنه ما يتولد من حيوان الإنسان.

باب ما أوله الذال

( ذود )

قوله تعالى : ( وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ ) [ ٢٨ / ٢٣ ] أي تطردان ويكفان عنهما ، وأكثر ما يستعمل الذَّوْدُ في الغنم والإبل ، وربما استعمل في غيرهما. ولا تَذُودُوهُ عَنَّا : لا تطردوه. ورجل ذَائِدٌ : أي حام لحقيقته دَفَّاع. ومنه « الذَّادَةُ الحماة » والذَّوْدُ من الإبل : ما بين الثلاث إلى العشر ، وقيل ما بين الخمس إلى التسع. ومِنْهُ « لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ ».

واللفظة مؤنثة ولا واحد لها من لفظها كالنَّعَم ، والجمع أَذْوَادٌ مثل سبب وأسباب. و « المِذْوَدُ » كمنبر : معلف الدابة. والمِذْوَدُ : اللسان

باب ما أوله الراء

( رأد )

الرَّأْدُ والرُّؤْدُ من النساء : الشابة الحسنة

( ربد )

فِي الْحَدِيثِ « فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله حَتَّى تَرَبَّدَ وَجْهُهُ ». أي تغير

٤٦

من الغضب. ورَبَدَ بالمكان رُبُوداً : أقام به. و « الأَرْبَدُ » ضرب من الحيات تعض فيتربد منه الوجه

( رثد )

« الرَّثَدُ » بالتحريك : متاع البيت المنضود بعضه على بعض. و « مَرْثَدُ بن أبي مَرْثَدٍ الغنوي » هو بالفتح على صيغة اسم المكان : رجل من رواة الحديث. والغَنَوِيُ بفتح الغين وفتح النون منسوب إلى غَنِيّ حي من غطفان

( ردد )

قوله تعالى : ( فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ) [ ٤ / ٥٩ ]

فَالرَّدُّ إِلَى اللهِ الرَّدُّ إِلَى مُحْكَمِ كِتَابِهِ وَالرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وآله الْأَخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ ـ كَذَا عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام.

قوله تعالى : ( يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ) [ ١٤ / ٤٣ ] أي لا يطرفون ولكن عيونهم مفتوحة ممدودة من غير تحريك الأجفان. ومثله قوله : ( قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) [ ٢٧ / ٤٠ ] وقيل قبل أن يأتيك الشيء من مد بصرك. قوله : ( فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً ) [ ١٨ / ٦٤ ] أي رجعا يقصان الأثر الذي جاء فيه. ومثله قوله : ( فَارْتَدَّ بَصِيراً ) [ ١٢ / ٩٦ ] أي رجع بصيرا كالأول قوله : ( فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ ) [ ١٤ / ٩ ] أي عضوا أناملهم حنقا وغيظا مما آتاهم به الرسل ، كقوله تعالى ( وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ) وقيل أوموا إلى الرسل أن اسكتوا. قوله تعالى : ( وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ ) وَلا نُكَذِّبُ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [ ٦ / ٢٧ ] قال الشيخ أبو علي : ( فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ ) تم هاهنا تمنيهم ثم ابتدوا « وَلا نُكَذِّبُ أي ونحن لا نكذب ( بِآياتِ رَبِّنا ) ونؤمن ، ويجوز أن يكون معطوفا على ( نُرَدُّ ) أو حالا على معنى يا ليتنا نرد غير مكذبين وكائنين من المؤمنين ، فيدخل تحت حكم التمني. وقرئ ( لا نُكَذِّبَ ) و ( نَكُونَ ) بالنصب بإضمار أن على جواز التمني ، ومعناه إن

٤٧

ترددنا لم نكذب ونكن من المؤمنين. قوله : ( إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ ) [ ٣٨ / ٦ ] أي هذا الأمر من نوائب الدهر يراد بنا فلا مرد له ، أو أن ما قصده محمد من الرئاسة والترفع على العرب والعجم شيء يريده كل أحد. قوله : ( فَلا مَرَدَّ لَهُ ) [ ٣٠ / ٤٣ ] أي لا مصرف له ، من قولهم رَدَّ الشيءَ عن وجهه يَرُدُّهُ رَدّاً ومَرَدّاً : صرفه والرِّدِّيدَى : الرد ، ومنه الْخَبَرُ « لَا رِدِّيدَى فِي الصَّدَقَةِ ». أي لا رد فيها.

وَفِي الْحَدِيثِ « لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ ».

أي لا يصرفه ويدفعه ويهونه إلا الدعاء. وفِيهِ « لَا تَرُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ بِظِلْفٍ » (١).

أي لا تردوه رد حرمان بلا شيء ولو أنه ظلف. ورَدَّ عليه الشيءَ : إذا لم يقبله. وأمر رَدٌّ : أي مردود. وتَرُدُّ بها أُلْفَتَهُ : أي تجمع ما ألفه من الأهل والوطن والأليف الصاحب و « رُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ مَرَّتَيْنِ » قِيلَ رُدَّتْ لَهُ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ وَفِي الْخَنْدَقِ ، وَرُدَّتْ عَلَى عَلِيٍّ مَرَّتَيْنِ أَيْضاً.

وهو مشهور متواتر. والتَّرَدُّدُ في الأمر معلوم.

وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِ « مَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي فِي قَبْضِ رُوحِ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّنِي لَأُحِبُّ لِقَاءَهُ وَيَكْرَهُ الْمَوْتَ فَأَصْرِفُهُ عَنْهُ ».

وحيث أن التَّرَدُّدَ في الأمر من الله محال لأنه من صفات المخلوقين احتيج في الحديث إلى التأويل ، وأحسن ما قيل فيه هو أن التَّرَدُّدَ وسائر صفات المخلوقين كالغضب والحياء والمكر إذا أسندت إليه تعالى يراد منها الغايات لا المبادئ ، فيكون المراد من معنى التَّرَدُّدِ في هذا الحديث إزالة كراهة الموت عنه ، وهذه الحالة يتقدمها أحوال كثيرة من مرض وهرم وزمانة وفاقة وشدة بلاء تهون على العبد مفارقة الدنيا ويقطع عنها علاقته ، حتى إذا أيس منها تحقق رجاؤه بما عند الله فاشتاق إلى دار الكرامة فأخذ المؤمن عما تشبث به من حب الدنيا شيئا فشيئا بالأسباب التي أشرنا إليها فضاهى

__________________

(١) الكافي ج ٤ صلى الله عليه وآله ١٥.

٤٨

فعل التَّرَدُّدِ من حيث الصفة فعبر به عنه.

وَفِي حَدِيثِ الْفِطْرَةِ « يُعْطِي بَعْضَ عِيَالِهِ ثُمَّ يُعْطِي الْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ يُرَدِّدُونَهَا بَيْنَهُمْ » (١).

أي يكررونها على هذه الصفة. و « يُرَدِّدُ عليه ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ » ) أي يكررها. ولم يَرُدَّ عليه شيئا : أي لم يَرُدَّ عليه جوابا. واسْتَرَدَّهُ الشيءَ : سأله أن يرده عليه. و « المُرْتَدُّ » من ارْتَدَّ عن الإسلام إلى الكفر ، وهو نوعان فطري وملي.

وَفِي الْحَدِيثِ « كُلُّ مُسْلِمٍ بَيْنَ مُسْلِمِينَ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ وَجَحَدَ مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله نُبُوَّتَهُ وَكَذَّبَهُ فَإِنَّ دَمَهُ مُبَاحٌ لِكُلِّ مَنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ ، وَامْرَأَتُهُ بَائِنَةٌ مِنْهُ ، فَلَا تَقْرَبْهُ ، وَيُقْسَمُ مَالُهُ عَلَى وَرَثَتِهِ ، وَتَعْتَدُّ امْرَأَتُهُ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا ، وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ إِنْ أُتِيَ بِهِ إِلَيْهِ وَلَا يَسْتَتِيبَهُ ».

وفيه عَنِ الْبَاقِرِ عليه السلام « إِنَّ الْمُرْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ تُعْزَلُ عَنْهُ امْرَأَتُهُ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَيُسْتَتَابُ ثَلَاثاً فَإِنْ رَجَعَ وَإِلَّا قُتِلَ ».

قال الصدوق رحمه‌الله : يعني ذلك المُرْتَدَّ الذي ليس بابن مسلمين.

وَعَنِ الصَّادِقِ عليه السلام فِي الْمُرْتَدَّةِ عَنِ الْإِسْلَامِ؟ قَالَ : « لَا تُقْتَلُ وَتُسْتَخْدَمُ خِدْمَةً شَدِيدَةً وَتُمْنَعُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَّا مَا تُمْسِكُ بِهِ نَفْسَهَا وَتُلْبَسُ أَخْشَنَ الثِّيَابِ وَتُضْرَبُ عَلَى الصَّلَوَاتِ ».

وفِي حَدِيثٍ آخَرَ « لَمْ تُقْتَلْ وَلَكِنْ تُحْبَسُ أَبَداً ».

و « الرِّدَّةُ » بالكسر والتشديد : اسم من الِارْتِدَادِ. وأصحاب الرِّدَّةِ على ما نقل كانوا صنفين صنف ارتدوا عن الدين وكانوا طائفتين : إحداهما أصحاب مسيلمة ، والأخرى ارتدوا عن الإسلام وعادوا إلى ما كانوا عليه في الجاهلية واتفقت الصحابة على قتالهم وسبيهم واستولد علي منهم الحنفية ، والصنف الثاني لم يرتدوا عن الإيمان ولكن أنكروا فرض الزكاة وزعموا أن ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ ) خطاب خاص بزمانه صلى الله عليه وآله

__________________

(١) الكافي ج ٤ صلى الله عليه وآله ١٧٢.

٤٩

( رشد )

قوله تعالى : ( فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ ) [ ٤ / ٦ ] الرُّشْدُ هو خلاف العمى والضلال ، وفسر بإصابة الحق.

وَفِي حَدِيثِ الصَّادِقِ عليه السلام وَقَدْ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ « إِينَاسُ الرُّشْدِ هُوَ حِفْظُ الْمَالِ » (١).

وعن بعض أهل التحقيق يعلم رُشْدُ الصبي باختباره بما يلائمه من التصرفات ، ويثبت بشهادة رجلين في الرجال وشهادة الرجال والنساء. قوله : ( لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) [ ٢ / ١٨٦ ] أي لعلهم يصيبون الحق ويهتدون إليه. والرُّشْدُ : الصلاح ، وهو إصابة الحق وأمر بَيِّنٌ رُشْدُهُ : أي صوابه.

وَ « اسْتَخِيرُوا اللهَ يَعْزِمْ لَكُمْ عَلَى رُشْدِكُمْ ».

أي على ما هو الصالح لكم. وقد رَشَدَ يَرْشُدُ ـ بالضم من باب قتل رُشْداً ، ورَشِدَ بالكسر يَرْشَدُ بالفتح رَشَداً بالتحريك فهو رَاشِدٌ ، والاسم الرَّشَادُ. وأَرْشَدَهُ اللهُ : هداه الله. وإِرْشَادُ الضال : هدايته الطريق وتعريفه له. والطريق الأَرْشَدُ نحو الأقصد. وأَرْشَدُهُمَا : أي أصوبهما وأقربهما إلى الحق. والأئمة الرَّاشِدُونَ : أي الهادون إلى طريق الحق والصواب. و « الرَّشِيدُ » من أسمائه تعالى ، وهو الذي أَرْشَدَ الخلق إلى مصالحهم ، أي هداهم ودلهم عليها ، فعيل بمعنى مفعل. وقيل الذي تنساق تدبيراته إلى غايتها على سنن السداد من غير إشارة مشير ولا تسديد مسدد. و « الرَّشِيدُ » هارون بن محمد المهدي أحد خلفاء بني العباس ، وكانت خلافته بعد خلافة أخيه موسى الهادي ، وكانت مدة خلافته ثلاثا وعشرين سنة وشهرا ، وقيل ثلاثة وعشرين فقط. و « رُشَيْدٌ الهَجَرِيُّ » كان يعلم علم المنايا والبلايا قال : حَدَّثَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ

__________________

(١) البرهان ج ١ صلى الله عليه وآله ٣٤٣.

٥٠

عليه السلام فَقَالَ : يَا رُشَيْدُ كَيْفَ صَبْرُكَ إِذَا أَرْسَلَ إِلَيْكَ دَعِيُّ بَنِي أُمَيَّةَ فَقَطَعَ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ وَلِسَانَكَ؟ قُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آخِرُ ذَلِكَ الْجَنَّةُ؟ قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : يَا رُشَيْدُ أَنْتَ مَعِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَالَ : وَاللهِ مَا ذَهَبَتِ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيْهِ الدَّعِيُّ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ فَدَعَاهُ إِلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَأَبَى فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ ، وَكَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَدْ أَلْقَى إِلَيْهِ عِلْمَ الْبَلَايَا وَالْمَنَايَا ، فَكَانَ فِي حَيَاتِهِ إِذَا لَقِيَ الرَّجُلَ قَالَ لَهُ : يَا فُلَانُ تَمُوتُ بِمِيتَةِ كَذَا وَكَذَا وَتُقْتَلُ أَنْتَ يَا فُلَانُ بِقِتْلَةِ كَذَا وَكَذَا ، فَيَكُونُ كَمَا يَقُولُ رُشَيْدٌ. وَكَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ لَهُ : أَنْتَ رُشَيْدُ الْبَلَايَا (١).

وهو لِرِشْدَةٍ ـ بكسر الراء والفتح لغة ـ أي صحيح النسب ، ولغير رِشْدَةٍ بخلافه ، وعن الأزهري والفتح في لِرَشْدَةٍ ولِزَنْيَةٍ أفصح من الكسر.

( رصد )

قوله تعالى : ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ ) [ ٨٩ / ١٤ ] قال الشيخ أبو علي : أي على طريق العباد ، فلا يفوته شيء من أعمالهم لأنه يسمع ويرى جميع أحوالهم وأفعالهم.

وَعَنِ الصَّادِقِ عليه السلام « هِيَ قَنْطَرَةٌ عَلَى الصِّرَاطِ لَا يَجُوزُهَا عَبْدٌ بِمَظْلِمَةٍ » (٢).

ثم قال : وقيل لأعرابي أين ربك : قال : بِالْمِرْصَادِ ، وليس يريد به المكان.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْآيَةِ قَالَ : إِنَّ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ سَبْعَ مَحَابِسَ يَسْأَلُ اللهُ الْعَبْدَ عَنْهَا : أَوَّلُهَا عَنْ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فَإِذَا جَاءَ بِهَا تَامَّةً جَازَ إِلَى الثَّانِي ، فَيَسْأَلُ عَنِ الصَّلَاةِ فَإِذَا جَاءَ بِهَا تَامَّةً جَازَ إِلَى الثَّالِثِ ، فَيَسْأَلُ عَنِ الزَّكَاةِ فَإِذَا جَاءَ بِهَا تَامَّةً جَازَ إِلَى الرَّابِعِ ، فَيَسْأَلُ عَنِ الْصَّوْمِ فَإِذَا جَاءَ بِهِ تَامّاً جَازَ إِلَى الْخَامِسِ ، فَيَسْأَلُ عَنِ الْحَجِّ فَإِنْ جَاءَ بِهِ تَامّاً جَازَ إِلَى السَّادِسِ فَيَسْأَلُ عَنِ الْعُمْرَةِ فَإِنْ جَاءَ بِهَا تَامَّةً جَازَ إِلَى السَّابِعِ ، فَيَسْأَلُ عَنِ الْمَظَالِمِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا وَإِلَّا يُقَالُ انْظُرُوا فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ أَكْمَلَ بِهِ أَعْمَالَهُ ، فَإِذَا فَرَغَ انْطَلِقْ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ (٣).

__________________

(١) رجال الكشي صلى الله عليه وآله ٧١ ـ ٧٢.

(٢) البرهان ج ٢ صلى الله عليه وآله ٤٥٨.

(٣) مجمع البيان ج ٥ صلى الله عليه وآله ٤٨٧.

٥١

قوله : ( إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً ) [ ٧٨ / ٢١ ] أي معدة لهم يَرْصُدُ بها خزنتها الكفار ، وقيل مِرْصاداً محبسا يحبس فيه الناس ، وقيل طريقا منصوبا للعاصين فهو مرورهم ومنهلهم. قوله : ( مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ) [ ٧٢ / ٢٧ ] أي حفظة من الملائكة يحفظونه من الشياطين يطردونهم ويعصمونه من وساوسهم. و « الرَّصَدُ » مثل الحرس اسم جمع لِلْمَرَاصِدِ. قال تعالى : ( يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً ) [ ٧٢ / ٩ ] يعني نجما أرصد به للرجم ، يقال رَصَدْتُهُ رَصْداً من باب قتل : إذا قعدت له على طريقه تترقبه. والرَّصَدُ : الطريق ، والجمع أَرْصَادٌ مثل سبب وأسباب. قوله : ( وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ ) [ ٩ / ١٠٧ ] أي ترقبا ، يقال أَرْصَدْتُ له الشيء : إذا جعلت له عدة. والإِرْصَادُ في الشر. وعن ابن الأعرابي رَصَدْتُ وأَرْصَدْتُ في الخير والشر جميعا. قوله : ( وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَ مَرْصَدٍ ) [ ٩ / ٥ ] هو كجعفر موضع الرصد والترقب ، وجمعه مَرَاصِدُ ، أي كونوا لهم رَصَداً.

وَ « أَخَذَ عَلَيْنَا بِالرَّصَدِ ».

أي الترقب وهو جمع رَاصِد.

وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِ « مَنْ حَارَبَ لِي وَلِيّاً فَقَدْ أَرْصَدَ لِمُحَارَبَتِي ».

أي استند لمحاربتي. وفِيهِ « يَرْصُدُ بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ ».

وفيه أيضا وقد ضربه على أذنه قال « يَتَرَصَّدُ » أي يترقب. والتَّرَصُّدُ : الترقب. وفِيهِ : « لَا تَكُنْ ظَالِماً فَإِنَّ الظَّالِمَ رَصِيدٌ حَتَّى أُدِيلَ مِنْهُ الْمَظْلُومَ ».

أي مرصود. والرَّاصِدُ : الحافظ ، ومنه قَوْلُهُ عليه السلام « ثَلَاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ أَرْصَدَهَا لِشِرَاءِ خَادِمٍ ». أي حفظها

( رعد )

قوله تعالى : ( فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ ) [ ٢ / ١٩ ] الرَّعْدُ صوت الملك ، والبرق سوطه.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْبَرْقُ مَخَارِيقُ الْمَلَائِكَةِ مِنْ حَدِيدٍ تَضْرِبُ السَّحَابَ فَتَسُوقُهُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَدَّرَ اللهُ فِيهِ الْمَطَرَ ».

٥٢

وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله « إِنَّ اللهَ يُنْشِئُ السَّحَابَ فَيَنْطِقُ أَحْسَنَ النُّطْقِ وَيَضْحَكُ أَحْسَنَ الضَّحِكِ ، فَمَنْطِقُهُ الرَّعْدُ ، وَضَحِكُهُ الْبَرْقُ ».

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ « الرَّعْدُ مَلَكٌ اسْمُهُ الرَّعْدُ ، وَهُوَ الَّذِي يُسْمَعُ صَوْتُهُ ، وَالْبَرْقُ سَوْطٌ مِنْ نُورٍ يُزْجَرُ بِهِ السَّحَابُ » (١).

وفي كلام أهل اللغة الرَّعْدُ : صوت السحاب ، والبَرْقُ نور وضياء يصحبان السحاب. والرَّعْدُ العاصف : الشديد الصوت. وتَرْعَدُ فَرَائِصُهَا : أي ترجف وتضطرب من الخوف. ورَعَدَتِ السماء رعدا من باب قتل ورُعُوداً : لاح فيها الرعد. وأَرْعَدَ القومُ إِرْعَاداً وأبرقوا : أصابهم رعد وبرق. وأَرْعَدَ الرَّجُلُ وأَبْرَقَ : إذا تهدد. ورَعَدَ الرجلُ رَعْداً : اضطرب. وارْتَعَدَتْ : اضطربت. وأَرْعَدَهُ فَارْتَعَدَ ، والاسم الرِّعْدَةُ بالكسر. و « قام بين يديه فَأُرْعِدَ » بضم همزة وكسر عين : أي أخذته الرعدة

( رغد )

قوله تعالى : ( رَغَداً ) [ ٢ / ٣٥ ] أي كثيرا واسعا بلا عناء ، نصب على المصدر يقال رَغُدَ العيشُ : بالضم رَغَادَةً : اتسع ، فهو رَغِدٌ ورَغِيدٌ. ورَغِدَ فلان رَغَداً من باب تعب لغة ، فهو رَاغِدٌ. ومنه « عيش رَغِيدٌ » أي واسع طيب. ومنه « عيشةٌ رَغَدٌ ». وهو في رَغَدٍ من العيش : أي رزق واسع. وأَرْغَدَ القومُ : أخصبوا وصاروا في رغد من العيش.

( رفد )

قوله تعالى : ( بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ ) [ ١١ / ٩٩ ] أي بئس العطاء المعطى ، وقيل بئس العون المعان. و « الرِّفْدُ » بالكسر : العطاء والعون ، وبالفتح المصدر ، يقال رَفَدَهُ رَفْداً من

__________________

(١) مجمع البيان ج ١ صلى الله عليه وآله ٥٧.

٥٣

باب ضرب : أعانه وأعطاه. و « الرِّفْدُ » اسم منه. و « أَرْفَدَهُ » مثله. و « رجاء رِفْدِكَ » أي رجاء عونك وعطاؤك. و « المانع رِفْدَهُ » أي عطاءه وصلته وعونه. والإرفاد : الإعطاء والإعانة. والِاسْتِرْفَادُ : الاستعانة.

( رقد )

قوله تعالى : ( مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ) [ ٣٦ / ٥٢ ] أي من منامنا الذي كنا فيه نياما ، لأن إحياءهم كالإنباه من الرقاد. والمَرْقَدُ : المضجع. و « الرُّقَادُ » بالضم : النوم ، يقال رَقَدَ يَرْقُدُ رَقْداً ورُقُوداً ورُقَاداً : نام ليلا كان أو نهارا ، وبعضهم يخصه بنوم الليل ، ويشهد للأول قوله : ( وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ ) [ ١٨ / ١٨ ] قال المفسرون : أعينهم مفتحة وهم نيام. وأَرْقَدَهُ : أنامه والرَّقْدَةُ : النومة.

وَفِي الْحَدِيثِ « مَنْ رَقَدَ عَنْ صَلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَلَا رَقَدَتْ عَيْنَاهُ ».

أي من نام عنها ولم يصلها فلا أنام الله عينه. ويقال « رَقَدَ عن الأمر » أي قعد وتأخر. والمُرْقِدُ : دواء يُرْقِدُ من شربه. والرَّاقُودُ : إناء خزف مستطيل مقير

( ركد )

قوله تعالى : ( رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ ) [ ٤٢ / ٣٣ ] أي سواكن ، يقال رَكَدَ الماءُ رُكُوداً من باب قعد : سكن ، وكذلك الريح والسفينة والشمس إذا قام قائم الظهيرة ، وكل ثابت في مكان فهو رَاكِدٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ « نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ » (١).

أي الساكن الذي لا جريان له. ورَكَدَ القومُ : هَدَءُوا.

__________________

(١) مكارم الأخلاق صلى الله عليه وآله ٤٩٠.

٥٤

( رمد )

في الحديث « رَمَاداً رِمْدِداً » داء الرَّمَادِ بالفتح معروف ، والرِّمْدُ : داء بالكسر والمد مثله ، ويقال رَمَادٌ رِمْدِدٌ : أي هالك. و « الرِّمْدِدُ » بالكسر : المتناهي في الاحتراق والرقة ، كما يقال ليل أليل ويوم أيوم : إذا أرادوا المبالغة و « رَمَدَتِ الغنمُ » من باب ضرب أي هلكت من برد أو غيره. و « رَمِدَتِ العين » من باب تعب ومن باب ضرب لغة ، أي هاجت ، فهو رَمَدٌ وأَرْمَدُ ، والأنثى رَمْدَاءُ مثل أحمر وحمراء. و « الأَرْمَدُ » الذي على لون الرماد ، وهو غبرة فيها كدرة. ومنه حَدِيثُ الْمِعْرَاجِ « عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ رَمَدٌ ».

( رند )

« الرِّنْدُ » شجر طيب رائحته من شجر البادية ، وربما يكون العود رَنْداً ـ قاله الجوهري (١).

( رود )

قوله تعالى : ( وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها ) [ ١٢ / ٣٣ ] قيل هو كناية عما تريد النساء من الرجال ، من قولهم ورَاوَدْتُهُ على الأمر مُرَاوَدَةً ورِوَاداً من باب قاتل : طلبت منه فعله ، وكأن في المُرَاوَدَةِ معنى المخادعة لأن الطالب يتلطف في طلبه بلطف المخادع ويحرص حرصه. قوله : ( أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ) [ ٨٦ / ١٧ ] رُوَيْداً تصغير رود ، وأصل الحرف من رَادَتِ الريح تَرُودُ رَوَدَاناً : تحركت حركة خفيفة ، والمعنى لا تعجل في طلب إهلاكهم بل تصبر عليهم قليلا فإن الله يجزيهم لا محالة إما بالقتل أو الذل في الدنيا والعذاب في الآخرة. قال الشيخ أبو علي : وفي الشواذ قراءة ابن عباس مَهِّلْهُمْ رُوَيْداً بغير ألف (٢) قوله : ( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) [ ٣٦ / ٨٢ ]

__________________

(١) ذكر هذا الكلام في الصحاح ( رند ) وليس فيه « وربما ... » إلخ.

(٢) مجمع البيان ج ٥ صلى الله عليه وآله ٤٧٠.

٥٥

هو صريح في أن إِرَادَتَهُ نفس إيجاده للشيء ، ويشهد من الأحاديث عنهم عليه السلام ما صَحَّ عَنْ صَفْوَانَ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ : أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِرَادَةِ مِنَ اللهِ أَوْ مِنَ الْخَلْقِ؟ فَقَالَ : الْإِرَادَةُ مِنَ الْخَلْقِ الضَّمِيرُ وَمَا يَبْدُو لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْفِعْلِ ، وَأَمَّا مِنَ اللهِ فَإِرَادَتُهُ إِحْدَاثُهُ لَا غَيْر ، لِأَنَّهُ لَا يُرَوِّي وَلَا يَهُمُّ وَلَا يَتَفَكَّرُ ، وَهَذِهِ الصِّفَاتُ مَنْفِيَّةٌ عَنْهُ وَهِيَ صِفَاتُ الْخَلْقِ ، فَإِرَادَةُ اللهِ الْفِعْلُ لَا غَيْرُ ذَلِكَ ، يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ بِلَا لَفْظٍ وَلَا نُطْقٍ بِلِسَانٍ وَلَا هِمَّةٍ وَلَا تَفَكُّرٍ وَلَا كَيْفَ لِذَلِكَ ، كَمَا أَنَّهُ لَا كَيْفَ لَهُ (١).

قوله : ( يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ ) [ ١٨ / ٧٧ ] أي هو مُتَهَيِءٌ للسقوط. والإِرَادَةُ : المشيئة. قال الجوهري وأصلها الواو [ لقولك راوده ] إلا أن الواو سكنت فنقلت حركتها إلى ما قبلها فانقلبت في الماضي ألفا وفي المستقبل ياء وسقطت في المصدر لمجاورتها الألف الساكنة وعوض منها الهاء في آخره ـ انتهى (٢)و « المُرِيدُ » من صفاته تعالى صفات الفعل لا الذات ، لما رُوِيَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام لَمْ يَزَلِ اللهُ مُرِيداً؟ قَالَ : إِنَ الْمُرِيدَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِمُرَادٍ مَعَهُ لَمْ يَزَلِ اللهُ عَالِماً قَادِراً ثُمَ أَرَادَ ».

وَفِي الْحَدِيثِ « مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ أَنْ يَرْتَادَ مَوْضِعاً لِبَوْلِهِ » (٣).

أي يطلب الموضع السهل اللين ، وذلك لئلا يرجع عليه رشاش البول.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام فِي الصَّحَابَةِ « أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ رُوَّاداً وَيَخْرُجُونَ أَدِلَّةَ ».

أي يدخلون عليه طالبين للعلم ويخرجون أدلة هداة للناس. و « الرُّوَّادُ » جمع رَائِدٍ ، مثل زائر وزوار ، وأصل الرَّائِدِ الذي يتقدم القوم يبصر لهم الكلأ ومساقط الغيث ، يقال رَادَ يَرُودُ رَوْداً ورِيَاداً. ومِنْهُ « الْحُمَّى رَائِدُ الْمَوْتِ » (٤).

__________________

(١) البرهان ج ٤ صلى الله عليه وآله ١٤.

(٢) الصحاح ( ردد ) والزيادة منه.

(٣) الكافي ج ٣ صلى الله عليه وآله ١٥.

(٤) الكافي ج ٣ صلى الله عليه وآله ١١١.

٥٦

لشدتها على التشبيه ، أي رسوله الذي يتقدم. و « المِرْوَدُ » بالكسر : آلة معروفة يكتحل فيها ، والجمع المَرَاوِدُ والميم زائدة. وفي « رُوَيْدَكَ عَمْراً » قال الجوهري الكاف للخطاب لا موضع لها من الإعراب لأنها ليست باسم ، ورُوَيْدَ غير مضاف إليها ، وهو متعد إلى عمرو لأنه اسم سمي به الفعل يعمل عمل الأفعال. وتفسير رُوَيْدَ مهلا وتفسير رُوَيْدَكَ أمهل لأن الكاف إنما تدخله إذا كان بمعنى افعل دون غيره ، وإنما حركت الدال لالتقاء الساكنين ونصبت نصب المصادر ، وهو مصغر مأمور به ، لأن تصغير الترخيم من إرواد وهو مصدر أَرْوَدَ يُرْوِدُ ، وله أربعة أوجه : اسم للفعل ، وصفة ، وحال ، ومصدر. فالاسم نحو قولك « رُوَيْدَ عمرا » أي ارْوِدْ عمرا بمعنى أمهله ، والصفة نحو قولك « ساروا سيرا رُوَيْداً » ، والحال نحو قولك « سار القوم رُوَيْداً » لما اتصل بالمعرفة صار حالا لها ، والمصدر نحو قولك « رُوَيْدَ عمرٍو » كقوله عزوجل ( فَضَرْبَ الرِّقابِ ).

باب ما أوله الزأي

( زبد )

قوله تعالى : ( فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً ) [ ١٣ / ١٧ ] أي رفعه. و « الزَّبَدُ » بالتحريك من البحر وغيره كالرغوة. و « الزَّبْدُ » بسكون الباء : الرفد والعطاء ، ومِنْهُ « نَهَى عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ ».

أي عن قبول ما يعطونه. ومثله « إِنَّا لَا نَقْبَلُ زَبْدَ الْمُشْرِكِينَ ».

ومثله « أَبَى اللهُ لِي زَبْدَ الْمُشْرِكِينَ وَطَعَامَهُمْ ».

ويقال زَبَدَتِ الرجلُ زَبْداً من باب ضرب : أعطيته ومنحته. و « الزُّبْدُ » بالضم : ما يستخرج بالمخض من اللبن. قال في المصباح وأما لبن الإبل فلا يسمى ما يستخرج منه

٥٧

زُبْداً (١)و « الزَّبَادَةُ » دابة كالسنور يحلب منها الطيب. والزَّبَادُ : الطيب ، وهو وسخ يجتمع تحت ذنبها على المخرج تمسك الدابة وتمنع الاضطراب ويسلت ذلك الوسخ المجتمع هناك بليطة أو بخرقة. و « زُبَيْدَةُ » امرأة الرشيد بنت جعفر بن المنصور (٢).

( زرد )

الِازْدِرَادُ : الابتلاع. ويَزْرَدُ ريقه ـ من باب تعب ـ : يبتلعه. والزَّرْدُ مثل السرد ، وهو تداخل حلق الدرع بعضها في بعض. و « الزَّرَادُ » هو السراد بقلب السين زايا.

( زند )

« الزَّنْدُ » بالفتح فالسكون : موصل الذراع من الكف وهما زَنْدَانِ الكوع والكرسوع ، والجمع زُنُودٌ مثل فلس وفلوس. وطويل الزَّنْدَيْنِ : طويل عظام الزندين. والزَّنْدُ : العمود الذي يقدح به النار وهو الأعلى ، والزَّنْدَةُ السفلى فيها ثقب وهي الأنثى ، فإن اجتمعا قيل زَنْدَانِ ، والجمع زِنَادٌ مثل سهم وسهام

( زود )

قوله تعالى : ( تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى ) [ ٢ / ١٩٧ ] التَّزَوُّدُ : أخذ الزاد ، أعني الطعام ، يعني تَزَوَّدُوا واتقوا ( فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى ). و « الزَّادُ » في حديث الحج الطعام يتخذ للسفر والجمع أَزْوَادٌ ، ومنه « تَزَوَّدَ لسفره ». وزَوَّدْتُهُ : أعطيته زادا و « المِزْوَدُ » بكسر الميم : ما يجعل فيه الزاد ، وهو

__________________

(١) وفيه أيضا : بل يقال له « جباب ».

(٢) لقبها جدها أبو جعفر المنصور زبيدة لبضاضتها ونضارتها ... توفيت سنة ٢١٦ الكنى والألقاب ج ١ صلى الله عليه وآله ٢٥٨.

٥٨

وعاء من أدم ، ومنه قولهم « كان في مِزْوَدَتِي تمر ». وفي قَوْلِهِ عليه السلام « فَإِنَّهُ زَادُ إِخْوَانِكُمْ الْجِنِّ ».

دلالة على أنهم يأكلون.

( زهد )

فِي الْحَدِيثِ « أَفْضَلُ الزُّهْدِ إِخْفَاءُ الزُّهْدِ » (١).

الزُّهْدُ في الشيء خلاف الرغبة فيه ، تقول زَهِدَ في الشيء بالكسر زُهْداً وزَهَادَةً بمعنى تركه وأعرض عنه ، فهو زَاهِدٌ. وزَهَدَ يَزْهَدُ ـ بفتحتين ـ لغة. ومنه « الزُّهْدُ في الدنيا » ، والجمع زُهَّادٌ. وفي معاني الأخبار : الزَّاهِدُ من يحب ما يحب خالقه ويبغض ما يبغضه خالقه ويتحرج من حلال الدنيا ولا يلتفت إلى حرامها.

وَفِي الْحَدِيثِ « أَعْلَى دَرَجَاتِ الزُّهْدِ أَدْنَى دَرَجَاتِ الْوَرَعِ ، وَأعلا دَرَجَاتِ الْوَرَعِ أَدْنَى دَرَجَاتِ الْيَقِينِ ، وَأَعْلَى دَرَجَاتِ الْيَقِينِ أَدْنَى دَرَجَاتِ الرِّضَا ، أَلَا وَإِنَ الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى ، وَهِيَ ( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ )(٢).

وعن بعض الأعلام : الزُّهْدُ يحصل بترك ثلاثة أشياء : ترك الزينة ، وترك الهوى ، وترك الدنيا. فالزأي علامة الأول ، والهاء علامة الثاني ، والدال علامة الثالث. وفلان يَتَزَهَّدُ : أي يتعبد. والزَّهِيدُ : القليل ، ومنه « شيء زَهِيدٌ ».

( زيد )

فِي الْخَبَرِ « مَنْ زَادَ أَوْ أَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى ».

قوله زَادَ يعني أعطى الزيادة وأَزَادَ أخذها. الزِّيَادَةُ والزِّوَادَةُ : النمو ، تقول زَادَ الشيءُ يَزِيدُ زِيَادَةً أي ازداد ونما. والمَزِيدُ : الزيادة ، ومنه قوله تعالى : ( هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ) [ ٥٠ / ٣٠ ]. واسْتَزَادَهُ : طلب منه الزيادة والمَزَادَةُ : الراوية ، سميت بذلك لأنه يزاد فيها جلد آخر من غيرها ، ولهذا أنها أكبر من القربة و « زِيَادُ بن أبيه » هو زِيَادُ بن سمية المنتسب إلى أبي سفيان ، وأول من دعاه

__________________

(١) نهج البلاغة ج ٣ صلى الله عليه وآله ١٥٦.

(٢) البرهان ج ٤ صلى الله عليه وآله ٢٩٤.

٥٩

بابن أبيه عائشة حين سئلت لمن يدعى.

رُوِيَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ يَوْماً بِحَضْرَةِ عُمَرَ فَأَعْجَبَ الْحَاضِرِينَ كَلَامَهُ ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِلَّهِ أَبُوهُ لَوْ كَانَ قُرَشِيّاً لَسَاقَ الْعَرَبُ بِعَصَاهُ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : وَاللهِ إِنَّهُ لَقُرَشِيٌّ ، وَلَوْ عَرَفْتَهُ لَعَرَفْتَ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ أَهْلِكَ. فَقَالَ : وَمَنْ أَبُوهُ؟ فَقَالَ : أَنَا وَاللهِ وَضَعْتُهُ فِي رَحِمِ أُمِّهِ. فَقَالَ : هَلَّا تَسْتَلْحِقُهُ؟ فَقَالَ : أَخَافُ هَذَا الْجَالِسَ أَنْ يَخْرِقَ عَلَيَّ إِهَابِي ـ يَعْنِي عُمَرَ ـ.

ورُوِيَ أَنَّهُ دَعَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَجَعَلَهُ أَخَاهُ وَأَلْحَقَهُ بِأَبِيهِ وَصَارَ مِنْ أَصْحَابِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ عليه السلام.

ومِنْ قِصَّتِهِ أَنَّ عَلِيّاً عليه السلام كَانَ وَلَّى زِيَاداً فَارِسَ ، فَلَمَّا قُتِلَ عَلِيٌّ عليه السلام وَبُويِعَ الْحَسَنُ عليه السلام بَعَثَ مُعَاوِيَةُ إِلَى زِيَادٍ يُهَدِّدُهُ ، فَخَطَبَ زِيَادٌ : ابْنَ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ يُهَدِّدُنِي وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ ابْنُ رَسُولِ اللهِ ، فَلَمَّا بَايَعَ الْحَسَنُ مُعَاوِيَةَ أَهَمَّهُ أَمْرُ زِيَادٍ لِتَحَصُّنِهِ بِقِلَاعِ فَارِسَ ، فَأَرْسَلَ الْمُغِيرَةَ إِلَيْهِ فَتَلَطَّفَ مَعَهُ حَتَّى أَقْدَمَهُ عَلَى مُعَاوِيَةَ ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْخِلَافَةَ ثَانِيَةً فَأَبَى فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ فَنَشَرَتْ شَعْرَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَتْ : أَنْتَ أَخِي أَخْبَرَ بِهِ أَبِي فَعَزَمَ عَلَى قَبُولِ الدَّعْوَةِ ، فَأَخْرَجَهُ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْجَامِعِ وَأَحْضَرَ زِيَادٌ أَرْبَعَةَ شُهُودٍ بِزِنَا أَبِي سُفْيَانَ بِأُمِّهِ سُمَّيَةَ ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا مُعَاوِيَةُ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ، فَشَتَمَهُ مُعَاوِيَةُ وَأَنْفَذَ الشَّهَادَةَ وَحَكَمَ بِنَسَبِهِ وَوَلَّاهُ الْبَصْرَةَ.

و « آل زِيَادٍ » فرقة من الخوارج الذين خرجوا على الحسين بن علي عليه السلام فقاتلوه وقتلوه. و « الزِّيْدِيَّةُ » من قال بإمامة زيد بن علي بن الحسين عليه السلام ، وهؤلاء يقولون بإمامة كل فاطمي عالم صالح ذي رأي يخرج بالسيف.

وَزَيْدُ بْنِ عَلِيٍّ هَذَا قُتِلَ وَصُلِبَ بِالْكُنَاسَةِ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْكُوفَةِ ، وَقَدْ نَهَاهُ الْبَاقِرُ عليه السلام عَنِ الْخُرُوجِ وَالْجِهَادِ فَلَمْ يَنْتَهِ فَصَارَ إِلَى ذَلِكَ.

واختلفت الروايات في أمره : فبعضها يدل على ذمه بل كفره لدعواه الإمامة بغير حق ، وبعضها يدل على علو قدره وجلالة شأنه ، فجمع بين الذم والمدح

٦٠