مجمع البحرين - ج ٣

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٣

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٤

وفيه ذكر النَّقِيرِ وهي النُّقْرَةُ التي في ظهر النواة.

وَفِي الْحَدِيثِ « نَهَى عَنْ نَقْرَةِ الْغُرَابِ ».

يريد تخفيف السجود وأنه لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب مِنْقَارَهُ فيما يريد أكله. ونَقَرَ الطائر الحبة نَقْراً من باب قتل : التقطها. والْمِنْقَارُ بالكسر كالفم للإنسان ، والجمع الْمَنَاقِيرُ. والنُّقْرَةُ بالضم : حفرة صغيرة في الأرض

وَفِي الْحَدِيثِ « الْحِجَامَةُ فِي النُّقْرَةِ تُورِثُ النِّسْيَانَ ».

يريد نُقْرَةَ الرأس التي تقرب من أصل الرقبة. والنُّقْرَةُ : القطعة المذابة من الذهب والفضة يعني السبيكة.

وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ « لَيْسَ فِي النَّقْرِ زَكَاةٌ ».

يريد به ما ليس بمضروب من الذهب والفضة. والنَّقْرُ : صوت يسمع من قرع الإبهام على الوسطى. والتَّنْقِيرُ عن الأمر : البحث عنه. والْمِنْقَرُ بكسر الميم المعول.

( نكر )

قوله تعالى : ( ما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ) [ ٤٢ / ٤٧ ] أي إِنْكَارٍ لذنوبكم. قوله : ( نَكِّرُوا لَها عَرْشَها ) [ ٢٧ / ٤١ ] أي غيروه عن شكله. قال المفسر أراد بذلك اعتبار عقلها ( نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي ) لمعرفته ، أو للجواب على الصواب إذا سئلت عنه ، أو للدين والإيمان بنبوة سليمان إذا رأت تلك المعجزة ( أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ ). قوله : نَكِرَهُمْ [ ١١ / ١٧ ] أي أَنْكَرَهُمْ ، واسْتَنْكَرَهُمْ مثله. قوله : ( لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً ) [ ١٨ / ٧٤ ] أي مُنْكَراً. ومثله قوله : ( يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ ) [ ٦٥ / ٨ ] أي مُنْكَرٌ فضيع تُنْكِرُهُ النفوس ، وهو هول يوم القيامة. والْمُنْكَرُ : الشيء القبيح ، أعني الحرام قال تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ) [ ٢٩ / ٤٥ ]. قوله : ( إِنَ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ )

٥٠١

[ ٣١ / ١٩ ] أي أقبح الأصوات. قوله : ( وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ) [ ٢٩ / ٢٩ ] وهو الحذف بالحصا فأيهم أصابه ينكحونه ، والصفق وضرب المعازف والقمار والسباب والفحش في المزاح. والْمُنْكَرُ في الحديث ضد المعروف. وكلما قبحه الشارع وحرمه فهو مُنْكَرٌ ، يقال أَنْكَرَ الشيء يُنْكِرُهُ فهو مُنْكِرٌ واسْتَنْكَرَهُ فهو مُسْتَنْكِرٌ. والمعروف الذي يذكر في مقابله الحسن المشتمل على رجحان ، فيختص بالواجب والمندوب ، ويخرج المباح والمكروه وإن كانا داخلين في الحسن. والنَّكِيرُ : الْإِنْكَارُ. والْإِنْكَارُ : الجحود. ومُنْكَرٌ ونَكِيرٌ أسماء الملكين المشهورين وقد أَنْكَرَ بعض أهل الإسلام تسميتهما بذلك ، وقالوا الْمُنْكَرُ هو ما يصدر من الكافر ومن المتلجلج عند سؤالهما ، والنَّكِيرُ ما يصدر عنهما من التقريع له ، فليس للمؤمن مُنْكَرٌ ونَكِيرٌ عند هؤلاء والأحاديث الصحيحة المتظافرة صريحة في خلافهم ، وربما كانت التسمية لأدنى ملابسة ، وذلك لصدور النَّكِيرِ والْمُنْكَرِ منهما على غير المؤمن عند المسألة. وأَنْكَرْتُهُ إِنْكَاراً : خلاف عرفته ، ونَكَّرْتُهُ كذلك. وأَنْكَرْتُ عليه فعله : إذا عبته عليه ونهيته. وأَنْكَرْتُهُ حقه : جحدته. والنَّكَرَةُ بالتحريك : الاسم من الْإِنْكَارِ كالنفقة من الإنفاق. ومنه الْحَدِيثُ « أَوْحَى اللهُ إِلَى دَاوُدَ عليه السلام أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ ذَنْبَكَ وَجَعَلْتُ عَارَ ذَنْبِكَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ » فَقَالَ : كَيْفَ يَا رَبِّ وَأَنْتَ لَا تَظْلِمُ؟ قَالَ « إِنَّهُمْ تُعَالِجُوكَ بِالنَّكَرَةِ ».

والنَّكْرَاءُ : الْمُنْكَرُ ، ومنه حَدِيثُ الْإِمَامِ عليه السلام مَعَ مُعَاوِيَةَ « تِلْكَ النَّكْرَاءُ تِلْكَ الشَّيْطَنَةُ وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالْعَقْلِ ».

والنَّكِرَةُ : ضد المعرفة. والتَّنَاكُرُ : التجاهل. وما أَنْكَرَهُ : ما أدهاه ، من النُّكْرِ بالضم وهو الدهاء ، ويقال للرجل إذا

٥٠٢

كان فطنا « ما أشد نُكْرَهُ » بالضم والفتح والْمُنَاكَرَةُ : المحاربة لأن كل واحد من المتحاربين يُنَاكِرُ الآخر ، أي يداهيه ويخادعه.

( نمر )

« نَمِرَةً » بفتح النون وكسر الميم وفتح الراء : هي الجبل الذي عليه أنصاب الحرم عن يمينك إذا خرجت المأزمين تريد الموقف ، وهي أحد حدود عرفة دون عرفة.

وَفِي الْحَدِيثِ « نَمِرَةُ بَطْنُ عُرَنَةَ بِحِيَالِ الْأَرَاكِ ».

والنَّمِرَةُ كساء مخطط تلبسه الأعراب. و « النَّمِرَةُ » بفتح النون وكسر الميم ويجوز مع فتح النون وكسرها : ضرب من السباع فيه شبه من الأسد إلا أنه أصغر منه ، وهو منقط الجلد نقطا سوداء وبيضاء وهو أخبث من الأسد لا يملك نفسه عند الغضب ، حتى يبلغ من شدة غضبه أن يقتل نفسه ، والجمع أَنْمَارٌ وأَنْمُرٌ ونُمُورٌ ، والأنثى نَمِرَةٌ. و « نَمِرٌ » أبو قبيلة ، وهو نَمِرُ بن قاسط ، والنسبة إليه نَمَرِيٌ بفتح الميم استيحاشا لتوالي الكسرات ـ قاله الجوهري. و « نَمِيرٌ » أبو قبيلة من قيس. والنعم النَّمِرُ : التي فيها سواد وبياض جمع أَنْمُرٌ. والنَّمِرَةُ بالضم : النكتة من أي لون كان. وحمامة مُنَمِّرَةٌ فيها نقط سود وبيض. و « أَنْمَارٌ » أبو بطن من العرب ، والنسبة إليه أَنْمَارِيٌ. وغزوة أَنْمَارٌ كانت بعد غزوة بني النضير ، ولم يكن فيها قتال ونقل عن المطرزي أن غزوة أَنْمَارٌ هي غزوة ذات الرقاع.

( نور )

قوله تعالى : ( اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) [ ٢٤ / ٣٥ ] أي مدبر أمرهما بحكمة بالغة ، أو مُنَوِّرُهُمَا يعني كل شيء استضاء بهما. وَعَنْهُ عليه السلام « مَعْنَاهُ هَادٍ لِأَهْلِ

٥٠٣

السَّمَاءِ وَهَادٍ لِأَهْلِ الْأَرْضِ » (١).

والنُّورُ : كيفية ظاهرة بنفسها مظهرة لغيرها ، والضياء أقوى منه وأتم ، ولذلك أضيف للشمس ، وقد يفرق بينهما بأن الضياء ضوء ذاتي والنُّورُ ضوء عارضي. قوله تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ ) [ ٢٤ / ٤٠ ] قال المفسر : أي من لم يجعل الله له نُوراً بتوفيقه ولطفه فهو في ظلمة الباطل لا نُورَ له.

قَوْلُهُ : ( وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ) [ ٥٨ / ٢٨ ] يَعْنِي إِمَاماً تَأْتَمُّونَ بِهِ ـ عَنِ الْبَاقِرِ عليه السلام

وَعَنْهُ فِي قَوْلِهِ : ( فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا ) [ ٦٤ / ٨ ] قَالَ : النُّورُ وَاللهِ الْأَئِمَّةُ ، وَهُمُ الَّذِينَ يُنَوِّرُونَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَيَحْجُبُ اللهُ نُورَهُمْ عَمَّنْ يَشَاءُ فَتُظْلَمُ قُلُوبُهُمْ.

قوله : ( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ ) [ ٢٤ / ٣٥ ] الآية. ذهب أكثر المفسرين إلى أنه نبينا محمد صلى الله عليه وآله ، فكأنه قال مثل محمد صلى الله عليه وآله وهو المشكاة ، والمصباح قلبه ، والزجاجة صدره شبهه بالكوكب الدري ثم رجع إلى قلبه المشبه بالمصباح ، فقال ( يُوقَدُ ) هذا المصباح ( مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ ) يعني إبراهيم عليه السلام ، لأن أكثر الأنبياء من صلبه أو شجرة الوحي ( لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ) ، أي لا نصرانية ولا يهودية لأن النصارى يصلون إلى المشرق واليهود إلى المغرب ، يكاد أعلام النبوة تشهد له قبل أن يدعو إليها.

وَعَنِ الْبَاقِرِ عليه السلام قَوْلُهُ ( كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ) هُوَ نُورُ الْعِلْمِ فِي صَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله ، وَالزَّجَاجَةُ صَدْرُ عَلِيٍّ عليه السلام عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله فَصَارَ صَدْرُهُ كَزُجَاجَةٍ ( يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ ، وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ ) يَكَادُ الْعِلْمُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله يَتَكَلَّمُ الْعِلْمَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ ، ( نُورٌ عَلى نُورٍ ) أَيْ إِمَامٌ مُؤَيَّدٌ بِالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ فِي أَثَرِ إِمَامٍ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله ، وَذَلِكَ مِنْ

__________________

(١) البرهان ج ٣ صلى الله عليه وآله ١٣٣ عن الرّضا عليه السلام.

٥٠٤

لَدُنْ آدَمَ إِلَى وَقْتِ قِيَامِ السَّاعَةِ هُمْ خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ وَحُجَّةُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ ، لَا تَخْلُو الْأَرْضُ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (١).

وَفِي الدُّعَاءِ « أَنْتَ ( نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) ».

أي مُنَوِّرُهُمَا ، أي كل شيء اسْتَنَارَ منهما واستضاء فبقدرتك وبجودك وأضاف النُّورَ إلى السماوات والأرض للدلالة على سعة إشراقه وفشو إضاءته ، وعليه فسر ( اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) والنُّورُ : الضياء ، وهو خلاف الظلمة وسمي النبي صلى الله عليه وآله نُوراً للدلالات الواضحة التي لاحت منه للبصائر ، وسمي القرآن نُوراً للمعاني التي تخرج الناس من ظلمات الكفر ، ويمكن أن يقال سمى نفسه تعالى نُوراً لما اختص به من إشراق الجلال وسبحات العظم التي تضمحل الْأَنْوَارُ دونها ، وعلى هذا لا حاجة إلى التأويل ، وجمع النُّورِ أَنْوَارٌ. والتَّنْوِيرُ : الْإِنَارَةُ. و « أحيها إلى النُّورِ » أي إلى الصباح. والتَّنْوِيرُ : الإسفار. وتَنْوِيرُ الشجرة : إزهارها. ونَوَّرَتِ الشجرة وأَنَارَتْ : أي أخرجت نَوْرَهَا. ونَوَّرَتِ المصباح تَنْوِيراً : أزهرته. ونَوَّرْتُ بصلاة الفجر : صليتها في النُّورِ. والنَّارُ مؤنثة بدليل نُوَيْرَةٍ ، والجمع نِيرَانٌ. ومنه حَدِيثُ الصَّلَاةِ « قُومُوا إِلَى نِيرَانِكُمُ الَّتِي أَوْقَدْتُمُوهَا عَلَى ظُهُورِكُمْ فَأَطْفِئُوهَا بِالصَّلَاةِ » (٢).

المراد بِالنِّيرَانِ على قول أهل النظر هي الأعمال القبيحة التي هي سبب لحصول العقاب بِالنَّارِ ، فأطلق اسم النَّارِ عليها مجازا من باب تسمية السبب باسم المسبب ، وإطفاؤها عبارة عن تكفيرها بالطاعة. وأما على قول أهل الباطن فَالنِّيرَانُ هي حقيقتها من حيث إن العمل الحاصل بصورته الظاهرة صورته الحقيقية المعنوية نارا أو جنة ، لا أنهما لا يدركان إلا بعد المفارقة. ومثله قوله : ( إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً ) [ ٤ / ١٠ ].

__________________

(١) البرهان ج ٣ صلى الله عليه وآله ١٣٤ باختلاف في بعض الألفاظ.

(٢) التهذيب ج ٢ صلى الله عليه وآله ٢٣٨.

٥٠٥

وفي الحديث كما قيل دلالة على أن الأعمال الصالحة مكفرة للأعمال السيئة ، وهو موافق لمذهب المعتزلة القائلين بالإحباط والتكفير ، وأما على مذهب أهل الموافاة فيشترط التكفير بها ، وجاز توقفه على شرط فتسمية الإطفاء إطفاء باعتبار ما يئول إليه عند حصول شرطه ، تسمية للعلة عند صلاحيتها للتأثير لانضمام ما يكون متمما لها. والنَّائِرَةُ : العداوة ، ومنه « بينهم نَائِرَةٌ » أي شحناء وعداوة. ومنه الْحَدِيثُ « أَطْفِئُوا نَائِرَةَ الضَّغَائِنِ بِاللَّحْمِ وَالثَّرِيدِ ».

وإطفاء النَّائِرَةِ : عبارة عن تسكين الفتنة ، وهي فاعلة من النَّارِ. وفي الحديث تكرر ذكر النُّورَةِ بضم النون ، وهي حجر الكلس ، ثم غلبت على اختلاط يضاف إلى الكلس من زرنيخ وغيره تستعمل لإزالة الشعر.

وَقَوْلُهُ عليه السلام « أَعْطَاكَ مِنْ جِرَابِ النُّورَةِ لَا مِنَ الْعَيْنِ الصَّافِيَةِ ».

على الاستعارة ، والأصل فيه أنه سأل سائل محتاج من حاكم قسي القلب شيئا فعلق على رأسه جراب نُورَةٍ عند فمه وأنفه كلما تنفس دخل في أنفه منها شيء ، فصار مثلا يضرب لكل مكروه غير مرضي. وتَنَوَّرَ الرجل : تطلى بِالنُّورَةِ. والْمَنَارُ بفتح الميم : علم الطريق. والْمَنَارُ : الموضع المرتفع الذي يوقد في أعلاه النَّارُ.

وَفِي حَدِيثِ وَصْفِ الْأَئِمَّةِ « جَعَلْتَهُمْ أَعْلَاماً لِعِبَادِكَ وَمَنَاراً فِي بِلَادِكَ ».

أي هُدَاةً يَهْتَدَى بهم. ومثله فِي وَصْفِ إِمَامٍ « يُرْفَعُ لَهُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مَنَارٌ يَنْظُرُ مِنْهُ إِلَى أَعْمَالِ الْعِبَادِ ».

وَفِي حَدِيثِ يُونُسَ عليه السلام قَدْ كَثُرَ ذِكْرُ الْعَمُودِ فَقَالَ لِي : يَا يُونُسُ مَا تَرَاهُ أَتَرَاهُ عَمُوداً مِنْ حَدِيدٍ؟ قُلْتُ : لَا أَدْرِي. قَالَ : لَكِنَّهُ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِكُلِّ بَلْدَةٍ يَرْفَعُ اللهُ بِهِ أَعْمَالَ تِلْكَ الْبَلْدَةِ.

« وذو الْمَنَارِ » ملك من ملوك اليمن ، واسمه أبرهة بن الحرث الرائش ، وإنما قيل له ذو الْمَنَارُ لأنه أول من ضرب الْمَنَارَ

٥٠٦

على طريقه في مغازيه ليهتدي بها إذا رجع والْمَنَارَةُ : التي يؤذن عليها.

( نهر )

قوله تعالى : ( أَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ ) [ ٩٣ / ١٥ ] أي لا تزجره ولا تزبره ، من قولهم نَهَرَهُ وانْتَهَرَهُ أي زبره وزجره وقِيلَ هُوَ طَالِبُ الْعِلْمِ إِذَا جَاءَكَ فَلَا تَنْهَرْهُ.

والنَّهَرُ واحد الْأَنْهَارِ ، قال تعالى : ( فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ) [ ٥٤ / ٥٤ ] أي أَنْهَارٍ وقد يعبر بالواحد عن الجمع كما في قوله : ( وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ) ويجمع أيضا على نُهُرٍ بضمتين وأَنْهُرٌ. والنَّهَارُ : اسم لضوء واسع ممتد من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، وهو مرادف اليوم. وربما توسعت العرب فأطلقت النَّهَارَ من وقت الإسفار إلى الغروب ، وهو في عرف الناس من طلوع الشمس إلى غروبها « ونَهْرَوَانُ » بفتح النون والراء : بلد معروف عن بغداد أربعة فراسخ.

( نير )

« نِيرُ الْفَدَّانِ » الخشبة المعترضة في عنق الثورين ، والجمع النَّيرَانُ ، وقد يستعار للإذلال ، ومنه قَوْلُهُ عليه السلام « يَا مَنْ وَضَعَتْ لَهُ الْمُلُوكُ نِيرَ الْمَذَلَّةِ عَلَى أَعْنَاقِهَا ».

باب ما أوله الواو

( وبر )

فِي الْحَدِيثِ « الْوَبَرُ مِنَ الْمُسُوخِ ».

الْوَبْرَةُ بالتسكين دويبة أصغر من السنور طحلاء اللون لا ذنب لها ، ولكن مثل إليه الخروف ، ترجن في البيوت ، وجمعها وَبْرٌ ووِبَار كسهم وسهام ، وقيل هي من جنس بنات عرس والْوَبَرُ بالتحريك : وَبَرُ البعير ونحوه كالأرانب والثعالب ونحوها ، وهو بمنزلة الصوف للغنم. وأَوْبَرَ البعير إذا كثر وَبَرُهُ ، والجمع أَوْبَارٌ كسبب وأسباب. وبنات الْأَوْبَرِ : كَمْأَة صغار على لون التراب.

( وتر )

قوله تعالى : ( وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ )

٥٠٧

[ ٨٩ / ٣ ] قيل ( الشَّفْعِ ) يومُ الأضحى ( وَالْوَتْرِ ) يومُ عَرَفَةَ ، وقيل الْوَتْرُ الله ( وَالشَّفْعِ ) الخلقُ خُلِقُوا أَزْوَاجاً ، وقيل الْوَتْرِ آدمُ شُفِعُ بِزَوْجَتِهِ حَوَّاءَ ، وقيل ( الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ) الصلاة منها شفع ومنها وتر. قال الشيخ أبو علي قرأ أهل الكوفة غير عاصم بكسر الواو ، والباقون بالفتح. قوله : تَتْرا [ ٢٣ / ٤٤ ] وهي فعلى وفعلى من الْمُوَاتَرَةِ ، وهي المتابعة ، قيل ولا تكون الْمُوَاتَرَةُ بين الأشياء إلا إذا وقعت بينها فترة وإلا فهي مداركة ومواصلة ، وأصل تَتْرَى وَتْرَى فأبدلت الواو كما أبدلت في تراث ، وفيها لغتان بتنوين وغير تنوين ، فمن لم يصرفها جعل ألفها للتأنيث ، ومن صرفها جعلها ملحقة بفعلل ونونها. قوله : ( وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ ) [ ٤٧ / ٣٥ ] أي لن ينقصكم من ثوابكم ، من وَتَرَهُ حقه أي نقصه من باب وعد.

وَفِي الْحَدِيثِ « الِاكْتِحَالُ وَتْراً ».

أي ثلاثا أو خمسا أو سبعا ، وليكن أربعا في اليمنى وثلاثا في اليسرى عند النوم. وفِيهِ « إِذَا اسْتَنْجَى أَحَدُكُمْ فَلْيُوتِرْ ».

أي يجعل مسحه وترا. والْوِتْرُ بالكسر : الفرد ، وبالفتح الذحل أعني الثار. قال الجوهري : وهذه لغة أهل العالية ، فأما لغة أهل الحجاز فبالضم منهم ، وأما تميم فبالكسر فيهما.

وَفِي الْحَدِيثِ « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَبِيتَنَّ إِلَّا بِوَتْرٍ ».

يريد الركعتين من جلوس بعد العشاء الآخرة ، لأنهما يعدان بركعة وهي وَتْرٌ ، فإن حدث بالمصلي حدث قبل إدراك آخر الليل وقد صلاهما يكون قد بات على وَتْرٍ ، وإن أدرك آخر الليل صلى الْوَتْرِ بعد صلاة الليل. والْوَتْرُ في الأخبار اسم للثلاث موصولة كانت أو مفصولة دون الواحد.

وَفِي الْخَبَرِ « مَنْ جَلَسَ مَجْلِساً لَمْ يَذْكُرِ اللهَ فِيهِ كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً ».

أي نقص ولائمة. والتِّرَةُ : النقص ، وقيل التبعة ، والهاء فيه عوض عن الواو كعدة ، ويجوز رفعها ونصبها على اسم كان وخبرها. ومنه الْحَدِيثُ « مَنِ اضْطَجَعَ مَضْجَعَهُ وَلَمَّا يَذْكُرِ

٥٠٨

اللهَ تَعَالَى كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً ».

وفِيهِ « إِنَّ اللهَ وَتْرٌ يُحِبُ الْوَتْرَ ».

قيل قَوْلُهُ « اللهُ وَتْرٌ ».

لأنه البائن من خلقه الموصوف بالوحدانية من كل وجه ولا نظير له في ذاته ولا سمي له في صفاته ولا شريك له في ملكه ، فتعالى الله الملك الحق. وقَوْلُهُ « يُحِبُ الْوَتْرَ ».

أي يرضى به عن العبد. و « الْوَتَرُ » بالتحريك واحد أَوْتَارِ القوس مثل سبب وأسباب ، وأَوْتَارٌ جمع وِتْرٍ بالكسر وهي الجناية. ومنه « طلبوا الْأَوْتَارَ ».

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام « وَأَدْرَكْتَ أَوْتَارَ مَا طَلَبُوا ».

والْوَتِيرَةُ : طلب الثار ، وما زال على وَتِيرَةٍ واحدة أي طريقة واحدة مطردة يدوم عليها. والْمَوْتُورُ : الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه ، ومنه الْحَدِيثُ « أَنَا الْمَوْتُورُ ».

أي صاحب الْوَتْرُ الطالب بالثار ». ويقال وَتَرَهُ يَتِرُهُ وَتْراً وتِرَةً ، ومنه حَدِيثُالأئمة عليهم السلام « بِكُمْ يُدْرِكُ اللهُ تِرَةَ كُلِّ مُؤْمِنٍ يُطْلَبُ بِهَا ».

وَفِي الْحَدِيثِ « أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَتَرَ الْأَقْرَبِينَ وَالْأَبْعَدِينَ فِي اللهِ ».

أي قطعهم وأبعدهم عنه في الله. والْمَوْتُورُ : الذي لا أهل له ولا مال في الجنة.

( وثر )

فِيهِ « أَنَّهُ نَهَى عَنْ مِيثَرَةِ الْأُرْجُوَانِ ».

الْمِيثَرَةُ بالكسر غير مهموزة شيء يحشى بقطن أو صوف ويجعله الراكب تحته ، وأصله الواو والميم زائدة ، والجمع مَيَاثِرُ ومَوَاثِرُ. والأرجوان صبغ أحمر ، ولعل النهي عنها لما فيها من الرعونة ـ أعني الحمق. وعن أبي عبيدة « وأما الْمَيَاثِرُ الحمراء التي جاء فيها النهي فإنها كانت من مراكب العجم من ديباج أو حرير » وإطلاق اللفظ يأباه.

( وجر )

الْوَجُورُ : دواء يُوجَرُ في وسط الفم.

وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ « وَجُورُ الصَّبِيِّ اللَّبَنُ بِمَنْزِلَةِ الرَّضَاعِ ».

وربما كان من

٥٠٩

باب القلب أي وَجُورُ اللبن في فم الصبي. ووِجَارُ الضَّبُع : جحرها الذي تأوي إليه ، وأَوْجَرَهُ السباع جمع وِجَارٍ. و « وَجْرَةُ » بين مكة والبصرة ، وهي أربعون ميلا ليس فيها منزل ، فهو مرب للوحش ـ قاله الأصمعي نقلا عنه.

وَفِي الْحَدِيثِ « إِذَا وَاجَرَ نَفْسَهُ عَلَى شَيْءٍ مَعْرُوفٍ أَخَذَ حَقَّهُ ».

يقال وَاجَرْتُهُ مُوَاجَرَةً مثل عاملته معاملة وعاقدته معاقدة.

( وحر )

فِي الْحَدِيثَ « صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الشَّهْرِ تَعْدِلُ صَوْمَ الدَّهْرِ وَتَذْهَبُ بِوَحَرِ الصَّدْرِ ».

الْوَحَرُ : الوسوسة ، وقيل وَحَرُ الصدر بالتحريك غشه وقيل الحقد والغيظ ، وقيل العداوة ، وقيل أشد الغضب. وقد وَحَرَ صدرُهُ عَلَيَّ : أي وغر. وفي صدره عليَ وَحَرٌ بالتسكين مثل وغر ، وهو اسم والمصدر بالتحريك.

( وذر )

قوله تعالى : ( فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ ) [ ٦٨ / ٤٤ ] يعني دعني وإياه ، أي كِلْهُ إليَّ فإني سأكفيكه فلا تشغل قلبك بشأنه. وذَرْهُ : أي دعه. وهو يَذُرُهُ : أي يدعه وأصله الواو. والْوَذَرُ جمع وَذَرَةٍ ، وهي القطعة من اللحم مثل تمر وتمرة.

( وزر )

قوله تعالى : ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) [ ٦ / ١٦٤ ] أي ولا تحمل حاملة حمل أخرى وثقلها ، أي لا تؤخذ بذنب أخرى. قوله : ( حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ) [ ٤٧ / ٤ ] أي حتى يضع أهل الحرب السلاح ، أي حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم ، وأصل الْوِزْرِ ما حمله الإنسان ، فسمي السلاح وِزْراً لأنه يحمل. والْأَوْزَارُ : الأثقال. قوله : ( حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ ) [ ٢٠ / ٨٧ ] أي أثقالا من حليهم قوله : ( وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ) [ ٢٠ / ٢٩ ] وَزِيرُ الملك الذي يحمل ثقله ويعينه برأيه. قوله : ( كَلَّا لا وَزَرَ ) [ ٧٥ / ١١ ]

٥١٠

بالتحريك ، أي لا ملجأ. والْوِزْرُ بالكسر فالسكون : الحمل والثقل ، وكثيرا ما يطلق في الحديث على الذنب والإثم ، والجمع أَوْزَارٌ. ومنه الْحَدِيثُ « لَكَ الْمَهْنَأُ وَعَلَيْهِ الْوِزْرُ ».

أي الإثم عليه. والْمُوَازَرَةُ على العمل : المعاونة عليه ، يقال وَازَرْتُهُ مُوَازَرَةً أي أعنته وقويته ، ومنه سمي الْوَزِيرُ وَزِيراً.

وَفِي الْحَدِيثِ « ارْجِعْنَ مَأْجُورَاتٍ غَيْرَ مَأْزُورَاتٍ ».

أي غير آثمات ، وقياسه مَوْزُورَاتٍ وإنما قال مَأْزُورَاتٍ للازدواج.

( وشر )

وَشَرَتِ المرأة أنيابها وَشْراً من باب وعد : إذا حددتها ورققتها فهي وَاشِرَةٌ. واسْتَوْشَرَتْ : سألت أن يفعل بها ذلك.

( وصر )

الْوِصْرُ لغة في الإصر ، وهو العهد كما قالوا إرث وورث.

( وضر )

الْوَضَرُ بالتحريك : الدرن والدسم يقال وَضَرْتُ القصعة : أي دسمت. والْوَضَرُ : ما يشمه الإنسان من ريح يجده من طعام فاسد. ووَضَرَ وَضَراً فهو وَضِرٌ مثل وسخ وسخا وزنا ومعنى.

( وطر )

قوله تعالى : ( فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها ) [ ٣٣ / ٣٧ ] أي أربا وحاجة ، والْوَطَرُ الحاجة ، ولا يبنى منه فعل ، والجمع أَوْطَارٌ.

( وعر )

فِي الْحَدِيثِ « عَائِرٍ وَوُعَيْرٍ ».

عَائِرٌ ووُعَيْرٌ بضم الواو وفتح العين : جبلان بالمدينة ، الأول من جانب مسجد الشجرة ، والثاني جبل أحد. ويقال وَعَرَ وُعَيْرٌ وجبل وَعْرٌ بالتسكين ومطلب وَعْرٌ ، قال الأصمعي ولا تقل وَعِر بكسر العين ، وقد وَعُرَ الشيء بالضم وُعُورَةً ، وذلك تَوَعَّرَ : أي صار وَعْراً لا سهلا.

وَفِي حَدِيثِ أَوْلِيَاءِ اللهِ تَعَالَى « وَاسْتَلَانُوا

٥١١

مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ » (١).

هو من الْوَعْرِ من الأرض ضد السهل ، والمترف المتنعم من الترف بالضم وهي النعمة ، أي استسهل ما استصعبه المتنعمون من رفض الشهوات البدنية وقطع التعلقات الدنيوية وملازمة الصمت والسهر والجوع والمراقبة والاحتراز من صرف ساعة من العمر فيما لا يوجب زيادة القرب منه تعالى شأنه.

( وغر )

« الْوَغْرَةُ » بالفتح فالسكون : شدة وَقْد الحر ، ومنه وَغَرَتِ الهاجرة كوعد. والْوَغَرُ محركة : الحقد والضغن والعداوة والتوقد من الغيظ ، وقد وَغَرَ صدرُ الرَّجل وَغَراً بالتحريك.

( وفر )

قوله تعالى : ( فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً ) [ ١٧ / ٦٣ ] أي مُوَفَّراً كاملا. والْمَوْفُورُ : الكامل التام

وَفِي الدُّعَاءِ « اجْعَلْنِي مِنْ أَوْفَرِ عِبَادِكَ نَصِيباً عِنْدَكَ ».

أي من أكثرهم. والْوَفْرُ : المال الكثير. ووَفُرَ ككرم ووعد ، والْوَفْرَةُ الشعرة إلى شحم الأذن ثم الجمة ثم اللمة وهي التي أَلَمَّتْ بالمنكبين. ومنه الْحَدِيثُ « كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَفْرَةً لَمْ يَبْلُغِ الْفَرْقَ ».

( وقر )

قوله تعالى : ( فَالْحامِلاتِ وِقْراً ) [ ٥١ / ٢ ] هي السحاب تحمل الماء. قوله : ( ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً ) [ ٧١ / ١٣ ] أي ما لكم لا تخافون لله عظمة ، من وَقُرَ بالضم عظم. قوله : ( فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ ) [ ٤١ / ٤٤ ] هو بالفتح : الثقل في الأذن أو ذهاب السمع كله. وقد وَقَرَتْ أذنه كوعد ووجل : أي ثقل سمعها أو صمت ، وقياس مصدره التحريك إلا أنه جاء بالتسكين.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْإِيمَانُ مَا وَقَرَ فِي الْقُلُوبِ ».

أي ثبت ، يقال وَقَرَ في صدره : أي سكن فيه وثبت. والْوَقَارُ كسحاب : الحلم والرزانة

__________________

(١) نهج البلاغة ج ٣ صلى الله عليه وآله ١٨٨.

٥١٢

والسكينة والسكون ، وهو مصدر وَقُرَ بالضم. والتَّوْقِيرُ : التعظيم والترزين. وفِيهِ « السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ ».

أراد بالسكينة السكون وبِالْوَقَارِ التواضع وَفِي الْحَدِيثِ « مَنْ وَقَّرَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ فَقَدْ أَعَانَ عَلَى هَدْمِ الْإِسْلَامِ ».

أي عظمه. والتَّوْقِيرُ : التعظيم ، ومِنْهُ « وَقِّرُوا كِبَارَكُمْ ».

أي عظموهم وارفعوا شأنهم ومنزلتهم ، والمراد بالكبار ما يشمل السن والشأن كالمعلمين. ومُوَقَّرٌ كمعظَّم : المجرب العاقل. والْوِقْرُ بالكسر : الحمل ، يقال جاء يحمل وِقْرَهُ ، وأكثر ما يستعمل الْوِقْرُ في حمل البغل والحمار والوسق في حمل البعير ـ قاله الجوهري.

وَفِي الْحَدِيثِ « اشْتَرَيْتُ أَرْضاً إِلَى جَنْبِ ضَيْعَتِي ، فَلَمَّا وَقَرْتُ الْمَالَ » أَيْ حَمَلْتُهُ « إِلَى مَنِ اشْتَرَيْتُهَا مِنْهُ خُبِّرْتُ أَنَّ الْأَرْضَ وَقْفٌ ».

وفي بعض النسخ « وفيت » وفي بعضها « وزنت ».

( وكر )

فِي الْحَدِيثِ « نَهَى عَنْ طُرُوقِ الطَّيْرِ فِي وَكْرِهَا ».

وَكْرُ الطير : عُشُّهُ الذي يأوي إليه ، والجمع وُكُورٌ وأَوْكَارٌ. وفِيهِ « لَا وَلِيمَةَ إِلَّا فِي وِكَارٍ ».

الْوِكَارُ : شراء الدار. قال الصدوق رحمه‌الله : سمعت بعض أهل اللغة يقول في معنى الْوِكَارِ : يقال الطعام الذي يدعى إليه الناس عند بناء الدار أو شرائها الْوَكِيرَةُ ، والْوِكَارُ منه ، والطعام الذي يتخذ للقدوم من السفر يقال له النقيعة ويقال له الْوِكَارُ أيضا ، والرِّكَازُ الغنيمة (١). والتَّوْكِيرُ : اتخاذ الْوَكِيرَةِ ، والْوَكِيرُ والْوَكِيرَةُ : طعام يعمل لفراغ البنيان.

__________________

(١) معاني الأخبار صلى الله عليه وآله ٢٧٢.

٥١٣

باب ما أوله الهاء

( هبر )

« قصر هُبَيْرَةَ » هو من الكوفة كما جاءت به الرواية. والْهَبْرَةُ بالفتح فالسكون : القطعة من اللحم لا عظم فيها.

( هتر )

الْهَتْرُ : مزق العرض. وأَهْتَرَ الرجل فهو مُهْتِرٌ أي صار خَرِفا من الكبر ، وفلان مُسْتَهْتِرٌ بالشراب أي مولع به لا يبالي.

وَفِي الدُّعَاءِ « الْمُسْتَهْتِرُونَ بِذِكْرِ اللهِ ».

أي المولعون به.

( هجر )

قوله تعالى : ( وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً ) [ ٧٣ / ١٠ ] الْهُجْرُ الجميل : أن يخالفهم بقلبه وهواه ويؤالفهم في الظاهر بلسانه ودعوته إلى الحق بالمداراة وترك المكافاة. قوله تعالى : ( سامِراً تَهْجُرُونَ ) [ ٢٣ / ٦٧ ] هو من الْهُجْرِ ، وهو الهذيان و ( تَهْجُرُونَ ) من الْهُجْرِ أيضا ، وهو الإفحاش في المنطق. قوله تعالى : ( إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ) [ ٢٥ / ٣٠ ] أي متروكا لا يسمع ، ويقال مَهْجُوراً جعلوه بمنزلة الْهُجْرِ أي الهذيان ، ويقال مَهْجُوراً أي قالوا فيه غير الحق ، ألم تر إلى المريض إذا هُجِرَ قال غير الحق قوله تعالى : ( وَاهْجُرُوهُنَ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَ ) [ ٤ / ٣٤ ]

فَالْهُجْرُ هُوَ أَنْ يُحَوِّلَ إِلَيْهَا ظَهْرَهُ وَالضَّرْبُ بِالسَّوْطِ وَغَيْرِهِ ضَرْباً رَقِيقاً ـ كَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ الصَّادِقِ عليه السلام

قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هاجَرُوا ) [ ٢ / ٢٨١ ] أي تركوا بلادهم ، ومنه « الْمُهَاجِرُونَ » لأنهم هَاجَرُوا بلادهم وتركوها وصاروا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكل من هَجَرَ بلده لغرض

٥١٤

ديني من طلب علم أو حج أو فرار إلى بلد يزداد فيه طاعة أو زهدا في الدنيا فهي هِجْرَةٌ إلى الله ورسوله. قوله تعالى : ( إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي ) [ ٢٩ / ٢٦ ] أي من كوثى ، وهو من سواد الكوفة إلى حوران من أرض الشام ثم منها إلى فلسطين ، وكان معه في هِجْرَتِهِ لوط وامرأته سارة. قوله تعالى : ( يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ ) [ ٥٩ / ٩ ] أي من غير بلدهم. قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ ) إلى قوله ( وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا ) [ ٦٠ / ١٠ ] قوله تعالى ( فَامْتَحِنُوهُنَ ) أي فاختبروهن بالحلف والنظر في الأمارات ليغلب على ظنكم صدق إيمانهن ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ لِلْمُمْتَحَنَةِ تَاللهِ مَا خَرَجْتِ مِنْ بُغْضِ زَوْجٍ ، وَبِاللهِ مَا خَرَجَتِ رَغْبَةً عَنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ ، وَبِاللهِ مَا خَرَجْتِ الْتِمَاسَ دَيْنٍ ، وَبِاللهِ مَا خَرَجْتِ إِلَّا حُبّاً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ.

( فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ ) أراد الظن المتاخم للعلم لا العلم حقيقة فإنه غير ممكن ، وعبر عن الظن بالعلم إيذانا بأنه كهو في وجوب العمل ( فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ ) قوله تعالى ( وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا ) أي أعطوا أزواجهن ما أنفقوا ، أي ما دفعوا إليهن من المهر ، يعني إذا قدمت مسلمة ولها زوج فجاء في طلبها فمعناه وجب على الإمام أو نائبه أن يدفع إليه ما سلمه إليها من بيت المال ، لأنه من المصالح من مهر خاصة دون ما أنفقه عليها من مآكل وغيره ، ولو كان المهر محرما كخمر أو خنزير أو لم يكن دفع إليها شيئا لم تدفع إليه ولا قيمة المحرم. وهذا كله في زمن الهدنة أما لو قدمت لا مع الهدنة فلا يدفع إليه شيء لأنه حربي يقهر على ماله ( وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ ) أي مهورهن ، لأن المهر أجر البضع. قوله تعالى ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) العصم ما يعتصم به من عقد وسبب ، أي

٥١٥

لا يكن بينكم وبين الكافرات عصمة سواء كن حربيات أو ذميات ( وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ ) من مهور أزواجكم اللاحقات بالكفار ( وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ) من مهور نسائكم الآية. قوله تعالى : ( وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ ) قال المفسر : لما أمر بأداء المهر إلى الزوج الكافر فقبل ذلك المسلمون وأمر الكفار بأداء مهر اللاحقة بهم مريدة فلم يقبلوا نزلت هذه الآية ، والمعنى فإن سبقكم وانفلت منكم شيء ، أي أحد من أزواجكم إلى الكفار وقيل معناه فغزوتم فأصبتم من الكفار عقبى ، وهي الغنيمة فأعطوا الزوج الذي فاتته امرأته إلى الكفار من رأس الغنيمة ما أنفقه من مهرها وقيل غير ذلك. وقرئ فَأَعْقَبْتُمْ وعَقَّبْتُمْ بتشديد القاف وعَقَبْتُمْ بتخفيفها وفتحها وكسرها ، ومعنى الجميع واحد.

وَفِي الْخَبَرِ « لَوْ تعلمون [ يَعْلَمُ النَّاسُ ] مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ ».

هو بمعنى التبكير إلى الصلاة ، وهو المضي إليها في أوائل أوقاتها وليس من الْمُهَاجَرَةِ. وفِيهِ « تَصَدَّقَ عَلَى مَنْ هَاجَرَ إِلَى الرَّسُولِ ».

والْمُهَاجِرُ : من هَاجَرَ ما حرم الله عليه. والْمُهَاجِرُ : من ترك الباطل إلى الحق.

وَفِي الْحَدِيثِ « مَنْ دَخَلَ إِلَى الْإِسْلَامِ طَوْعاً فَهُوَ مُهَاجِرٌ ».

والْهَاجِرَةُ : نصف النهار عند اشتداد الحر أو من عند الزوال إلى العصر ، لأن الناس يسكنون في بيوتهم ، كأنهم قد تَهَاجَرُوا من شدة الحر ، والجمع هَوَاجِرُ ، ومنه الدُّعَاءُ « أَتُرَاكَ مُعَذِّبِي وَقَدْ أَظْمَأْتُ لَكَ هَوَاجِرِي ».

أي في هَوَاجِرِي.

وَفِي الْحَدِيثِ « إِنَّ مَلَكاً مُوَكَّلاً بِالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ لَيْسَ لَهُ هِجِّيرٌ إِلَّا التَّأْمِينُ عَلَى دُعَائِكُمْ. قُلْتُ : مَا الْهِجِّيرُ؟ فَقَالَ : كَلَامُ الْعَرَبِ ».

أي ليس له عمل ، وفي النهاية أي دأب وعادة ، وفي الصحاح الْهِجِّيرُ مثال فسيق أي دأب وعادة.

وَفِي الْخَبَرِ « إِذَا طُفْتُمْ بِالْبَيْتِ فَلَا تَلْغُوا وَلَا تَهْجُرُوا ».

أي لا تفحشوا وتخلطوا في

٥١٦

كلامكم ، من قولهم هَجَرَ يَهْجُرُ هَجْراً : إذا هذي وخلط في كلامه.

وَفِي الْحَدِيثِ « لَا يَنْبَغِي لِلنَّائِحَةِ أَنْ تَقُولَ هُجْراً ».

أي فحشا ولغوا. وفِي حَدِيثِ خَدِيجَةَ وَهَجَرَتْهُ هَجْراً.

بالفتح وهِجْراً بالكسر من باب قتل : تركته ورفضته.

وَفِي الْحَدِيثِ « لَا هِجْرَةَ فَوْقَ ثَلَاثٍ ».

الْهَجْرُ ضد الوصل ، يعني فيما يكون بين المسلمين من عتب وموجدة أو تقصير تقع في حقوق العشرة والصحبة دون ما كان في جانب الدين ، فإن هِجْرَةَ الأهواء والبدع دائمة على ممر الأوقات ما لم تظهر التوبة « وهَجَرُ » محركة بلدة باليمن واسم لجميع أرض البحرين ، وقرية كانت قرب المدينة تنسب إليها القلال.

وَفِي الْحَدِيثِ « عَجِبْتُ لِتَاجِرِ هَجَرَ وَرَاكِبِ الْبَحْرِ ».

وإنما خصها بالذكر لكثرة وباها ، وإن تاجرها وراكب البحر سواء في الخطر. وليست بِالْهَجَرِ المنسوب إليها « القِلَالُ الْهَجَرِيَّةُ » التي هي قرب المدينة.

وَفِي حَدِيثٍ « لَوْ ضَرَبُونَا حَتَّى يَبْلُغُوا بِنَا السَّعَفَاتِ مِنْ هَجَرَ لَعَلِمْنَا أَنَّنَا عَلَى الْحَقِّ ».

ويجيء تفسيره في سعف إنشاء الله تعالى وقولهم « كمبضع التمر إلى هَجَرَ » نقل أن أهل اللغة يروونه منونا ، والنسبة إليه هَاجَرِيٌ على غير قياس ، وأكثر الرواة يروونه غير منصرف. قال بعض الأعلام : وليس بصحيح. وهَاجَرَ النبي صلى الله عليه وآله من مكة إلى المدينة ومكث عشر سنين. و « هَاجَرَ » على فاعَل بفتح العين. و « هَاجَرُ » بفتحتين أُمُّ إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام وكانَتْ أَمَةً ، وسارة أُمَّ إسحاق وكانت حُرَّةً.

( هدر )

فِي الْخَبَرِ « لَا تَتَزَوَّجُنَ هَيْدَرَةً ».

أي عجوزا أدبرت شهوتها وحرارتها ، وقيل هو بالذال المعجمة من الهذر وهو الكلام الكثير والياء زائدة. والْهَدَرُ : ما يبطل من دم وغيره. ومِنْهُ « ذَهَبَ دَمُهُ هَدَراً ».

أي باطلا ليس فيه قود ولا عقل.

٥١٧

وهَدَرَ الدم من بابي ضرب وقتل : بطل. وهَدَرَ الحمارُ هَدِيراً : صوت ، ومنه « هَدِيرُ الحمام » وهو تواتر صوته. وهَدَرَ البعير هَدِيراً : أي ردد صوته في حنجرته.

( هذر )

هَذَرَ في منطقه هَذْراً من بابي ضرب وقتل : خلط وتكلم بما لا ينبغي له ، والْهَذَرُ بفتحتين اسم منه ، وهو الهذيان. وأَهْذَرَ في كلامه : أكثر.

( هرر )

فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام « إِنَ الْهِرَّ سَبُعٌ فَلَا بَأْسَ بِسُؤْرِهِ ».

الْهِرُّ بالكسر والتشديد السنور ، والجمع هِرَرَةٌ وزان قِرْدٍ وقِرَدَةٍ ، وعن ابن الأنباري الْهِرُّ يقع على الذكر والأنثى وقد يدخلون الهاء في المؤنث. و « أبو هُرَيْرَة » صحابي ، ومن قصته

أَنَّهُ قَالَ : « حَمَلْتُ هِرَّةً يَوْماً فِي كُمِّي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله فَقَالَ : مَا هَذِهِ؟ قُلْتُ : هِرَّةٌ. فَقَالَ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ».

فغلبت عليه كنيته ، واسمه عبد الله. والْهِرَّةُ أنثى الهر ، والجمع هِرَرٌ مثل قربة وقرب. وهَرِيرُ الكلب : صوته دون نباحه من قلة صبره على البرد. و « ليلة الْهَرِيرِ » هي وقعة كانت بين علي عليه السلام ومعاوية بظهر الكوفة.

( هزر )

فِي الْحَدِيثِ « أَنَّهُ قَضَى فِي سَيْلِ وَادِي مَهْزُورٍ أَنْ يُحْبَسَ حَتَّى بَلَغَ الْمَاءُ الْكَعْبَيْنِ ».

مَهْزُورٌ بتقديم الزاي المعجمة على الراء المهملة : وادي بني قريضة بالحجاز ، فأما بتقديم الراء المهملة على الزاي المعجمة فموضع سوق بالمدينة تصدق به رسول الله صلى الله عليه وآله على المساكين. وقال ابن بابويه : سمعت من أثق به من أهل المدينة أنه وادي مَهْزُورٍ (١)ومسموعي من شيخنا محمد بن الحسن رضي‌الله‌عنه أنه قال : وادي مَهْرُوزٍ بتقديم الراء غير المعجمة ، وذكر أنها كلمة فارسية وهو من هَرَزَ الماء ، والماء الْهَرْزُ بالفارسية

__________________

(١) انظر معجم البلدان ٥ / ٢٣٤.

٥١٨

الزائدة على المقدار الذي يحتاج إليه. وفي المختلف : المشهور أن الزاي أولا والراء ثانيا. و « إبراهيم بن مَهْزِيَارَ » من رواة الحديث.

( هزبر )

« الْهِزَبْرُ » بكسر الهاء وفتح الزاي وإسكان الباء الموحدة والراء المهملة في الآخر : الأسد ، وقيل إنه حيوان على شكل السنور الوحشي في قده إلا أن لونه يخالف لونه ، وهو من ذوات الأنياب يوجد في بلاد الحبشة كثيرا.

( همر )

قوله تعالى ( بِماءٍ مُنْهَمِرٍ ) [ ٥٤ / ١١ ] أي كثير سريع الانصباب ، ومنه هَمَرَ الرجل : إذا أكثر الكلام وأسرع والدمع يَهْمِرُ هَمْراً ـ من باب رمى ـ : إذا سال ، وانْهَمَرَ الماء إذا سال أيضا.

( هور )

قوله تعالى : ( عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ ) [ ٩ / ١٠٩ ] هو من هَارَ الجرف من باب قال : انصدع وجُرُفٍ. هَارٍ مقلوب من هَايِرٍ : أي منهدم ، ومثله شاك السلاح وشائك. وانْهَارَ الجرف : انهدم.

وَفِي الْحَدِيثِ « إِنَّ النَّازِلَ بِهَذَا الْمَنْزِلِ نَازِلٌ بِشَفَا جُرُفٍ هَارٍ ، يَنْقُلُ الرَّدِيءَ عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ ».

قال بعض الشارحين : يريد الباني أموره على جهالة في معرض أن لا يتم عمله لكونه على غير أصل ، والرديء الهلاك. والتَّهَوُّرُ : الوقوع في الشيء بقلة مبالاة.

( هير )

في الحديث ذكر الْهَيْرُونَ ، وهو ضرب من التمر.

٥١٩

باب ما أوله الياء

( يسر )

قوله تعالى : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) [ ١ / ١٨٥ ] فَالْيُسْرُ الإفطار في السفر ، والعسر الصوم فيه. قوله تعالى : ( يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ) [ ٥٤ / ١٧ ] أي سهلناه للتلاوة ، ولو لا ذلك ما أطلق العباد أن يلفظوا به ولا أن يسمعوه. قوله تعالى : ( ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ) [ ٨٠ / ٢٠ ] أي يَسَّرَ إخراجه من الرحم. قوله تعالى ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى ) [ ٩٢ / ٥ ـ ٧ ]

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللهُ : ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطى ) مِمَّا آتَاهُ اللهُ ( وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ) أَيْ بِأَنَّ اللهَ يُعْطِي بِالْوَاحِدِ عَشْراً إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ فَمَا زَادَ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى قَالَ : لَا يُرِيدُ شَيْئاً مِنَ الْخَيْرِ إِلَّا يَسَّرَهُ اللهُ لَهُ.

ويقال الْيُسْرَى من الْيُسْرِ وهو سهولة عمل الخير ، والمعنى نوفقه للشريعة الْيُسْرَى ، وهي الحنيفية. قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ) [ ٥ / ٩٠ ] الآية. الْمَيْسِرُ : القمار ، وقيل كل شيء يكون منه قمار فهو الْمَيْسِرُ حتى لعب الصبيان بالجوز الذي يتقامرون به لأنه يجزأ أجزاء ، فكأنه موضع التجزئة وكل شيء جزيته فقد يَسَرْتَهُ ، ويقال سمي مَيْسِراً لِتَيَسُّرِ أخذ مال الغير فيه من غير تعب ومشقة.

وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام « لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله مَا الْمَيْسِرُ؟ قَالَ : كُلُّ مَا تُقُومِرَ بِهِ حَتَّى الْكِعَابُ وَالْجَوْزُ. قَالَ : فَمَا الْأَنْصَابُ؟ قَالَ : كُلُّ مَا ذَبَحُوهُ لِآلِهَتِهِمْ. قَالَ : فَمَا الْأَزْلَامُ؟

٥٢٠