مجمع البحرين - ج ٣

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٣

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٤

طلاؤه لهم كالسرابيل ، لأنهم كانوا يستكبرون عن عبادته فألبسهم بذلك الخزي والهوان. وقرئ مِنْ قِطْرٍ آنٍ أي نحاس قد انتهى حره ، ويقال الحديد المذاب. قوله : ( وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ) [ ٣٤ / ١٢ ] بالكسر فالسكون ، أي أذبنا له معدن النحاس وأظهرناه له ينبع كما ينبع الماء من العين ، فلذلك سمي عين القِطْرِ تسمية بما آل إليه. قوله : ( وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ ) [ ٣ / ١٤ ] جمع قِنْطَار بالكسر قيل في تفسيره هو ألف ومائتا أوقية ، وقيل مائة وعشرون رطلا ، وقيل هو ملء مسك الثور ذهبا ، وقيل ليس له وزن عند العرب. وعن تغلب المعمول عليه عند العرب الأكثر أنه أربعة آلاف دينار ، فإذا قالوا قَنَاطِير مُقَنْطَرَة فهي اثنا عشر ألف دينار ، وقيل ثمانون ألفا. والمُقَنْطَرَة : المكملة كما تقول بدرة مبدرة وألف مؤلف ، أي تام. وعن الفراء المُقَنْطَرَة المضعفة ككون القَنَاطِير ثلاثة والمُقَنْطَرَة تسعة.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْقِنْطَارُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ مِثْقَالٍ مِنَ الذَّهَبِ ، وَالْمِثْقَالُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِيرَاطاً أَصْغَرُهَا مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ وَأَكْبَرُهَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ».

وفي معاني الأخبار فسر القِنْطَار من الحسنات بألف ومائتي أوقية ، والأوقية أعظم من جبل أحد (١).

وَفِي الْحَدِيثِ « يُجْزِي عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَنْ تَقُومَ تَحْتَ الْقَطْرِ ».

أي المطر ، الواحد قَطْرَة مثل تمر وتمرة. وقد قَطَرَ الماءُ ـ من باب قتل يَقْطُرُ قَطْراً أو قَطَرَاناً بالتحريك ، وقَطَرَ في الأرض قُطُوراً : ذهب. والقُطْرُ بالضم : الناحية والجانب ، والجمع أَقْطَار.

__________________

(١) هذا التفسير ذكره في حديث عن الصادق عليه السلام ، وأما التفسير الأول فمروي عن الباقر عليه السلام إلا أن في الرواية « القنطار خمسة آلاف مثقال ذهب » بدلا من خمسة عشر ألف ـ انظر معاني الأخبار صلى الله عليه وآله ١٥٧.

٤٦١

ومنه حَدِيثُ وَصْفِهِ تَعَالَى « مَنْفِيٌّ عَنْهُ الْأَقْطَارُ ».

يعني الحدود والجوانب. والقِطَارُ بالكسر : قِطَارُ الإبل ، وهو عدد على نسق واحد ، يقال جاءت الإبل قِطَاراً بالكسر أي مَقْطُورَة ، والجمع قُطُرٌ مثل كتاب وكتب.

وَفِي الْحَدِيثِ « نَهَى أَنْ يُتَخَطَّى الْقِطَارُ. قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ وَلِمَ؟ قَالَ : لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قِطَارٍ إِلَّا وَمَا بَيْنَ الْبَعِيرِ إِلَى الْبَعِيرِ شَيْطَانٌ ».

وفِيهِ « أَنَّهُ عليه السلام كَانَ مُتَوَشِّحاً بِثَوْبٍ قِطْرِيٍ ».

وهو ضرب من البرد وفيه حمرة ولها أعلام فيه بعض الخشونة ، وقيل هي حلل جياد تحمل من البحرين ، وقيل قرية يقال لها قَطَر تنسب إليها الثياب القِطْرِيَّة فكسروا القاف للنسبة. والقَنْطَرَة : ما يبنى على الماء للعبور عليه ، والجسر أعم لأنه يكون بناء وغير بناء.

( قطمر )

قوله تعالى : ( ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ) [ ٣٥ / ١٣ ] قيل هي الجلدة الرقيقة على ظهر النواة ، ويقال هي النكتة البيضاء في باطن ظهر النواة تنبت منها النخلة.

( قمطر )

قوله تعالى : ( يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً ) [ ٧٦ / ١٠ ] أي شديدا ، ويقال القَمْطَرِيرُ والعصيب أشد ما يكون من الأيام وأطول في البلاء. واقْمَطَرَّ يومُنا : اشتد. والقِمَطْرُ على فعلل : ما يصان فيه من الكتب.

( قعر )

قوله : ( كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ) [ ٥٤ / ٢٠ ] أي أصول نخل منقطع ، يقال قَعَرْتُ الشجرَ قَعْراً : قلعتها من أصلها فَانْقَعَرَتْ ، يعني أنهم كانوا يتساقطون على الأرض أمواتا ، وهم جثث طوال عظام كأنهم أصول نخل مُنْقَعِرٍ عن أماكنه ومغارسه. وقَعْرُ البئر وغيرها : عمقها. وقَعْرُ الشيء : نهاية أسفله ، والجمع قُعُور كفلس وفلوس. وجلس في قَعْرِ بيته : كناية عن

٤٦٢

الملازمة.

( قفر )

فِي الْحَدِيثِ « لَا يُسْجَدُ عَلَى الْقُفْرِ ».

كأنه ردي القير المستعمل مرارا ، وفي عبارة بعض الأفاضل القُفْرُ شيء يشبه الزفت ورائحته كرائحة القير. والقَفْرُ من الأرض : المفازة التي لا ماء فيها ولا نبات ، والجمع قِفَار. ودار قَفْرٌ وقِفَارٌ : أي خالية من أهلها. وأَقْفَرَتِ الدارُ : خلت. والقَفَارُ بالفتح : الخبز بلا أدم ، يقال أَكَلَ خبزه قَفَاراً. وأَقْفَرَ فلانٌ : إذا لم يبق عنده أدم.

وَفِي الْخَبَرِ « مَا أَقْفَرَ بَيْتٌ فِيهِ الْخَلُّ » (١).

أي ما خلا من الإدام.

( قفندر )

فِي الْحَدِيثِ « إِذَا لَمْ يَغَرِ الرَّجُلُ بَعَثَ اللهُ إِلَيْهِ طَائِراً يُسَمَّى الْقَفَنْدَرُ » ـ الحديث في بعض نسخ الحديث القَفَنْدَرُ اسم شيطان ، وفي الصحاح القَفَنْدَرُ القبيح المنظر.

( قمر )

قوله تعالى ( وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ ) [ ٣٦ / ٣٩ ] الآية. قال الجوهري : القَمَرُ بعد ثلاث ليال إلى آخر الشهر ، سمي قَمَراً لبياضه ، والأَقْمَر الأبيض ، وليلة قَمْرَاء أي مضيئة.

وَفِي الْحَدِيثِ « كَانَتْ قُرَيْشٌ تُقَامِرُ الرَّجُلَ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ ».

القِمَارُ بالكسر المُقَامَرَة. وتَقَامَرُوا : لعبوا بالقمار ، واللعب بالآلات المعدة له على اختلاف أنواعها نحو الشطرنج والنرد وغير ذلك ، وأصل القِمَار الرهن على اللعب بالشيء من هذه الأشياء ، وربما أطلق على اللعب بالخاتم والجوز. وعود قَمَارِيٌ : منسوب إلى موضع ببلاد الهند. وفي الحديث ذكر القُمْرِيِ بالضم ، وهو طائر مشهور حسن الصوت أصغر من الحمام منسوب إلى طَيْرٍ قُمْرٍ ، وقُمْر إما جمع أَقْمَر مثل أحمر وحمر وإما جمع قُمْرِيٍ

__________________

(١) مكارم الأخلاق صلى الله عليه وآله ١٦٣.

٤٦٣

مثل روم ورومي ، ويقال هو الحمام الأزرق ويقال للأنثى قُمْرِيَّة ، وللذكر ساق حمر والجمع قَمَارِيُ بفتح القاف. نقل أنه إذا مات ذكور القَمَارِيِ لم تتزوج إناثها بعدها وتنوح بعدها إلى أن تموت.

( قور )

فِي الْحَدِيثِ « الْعَيْشُ فِي ثَلَاثَةٍ : دَارٍ قَوْرَاءَ ، وَجَارِيَةٍ حَسْنَاءَ ، وَفَرَسٍ قَبَّاءَ ».

والدار القَوْرَاء : هي الواسعة ، نص على ذلك الجوهري. وفيه « يوم ذي قَارٍ » وهو يوم مشهور وهو أول يوم انتصرت به العرب من العجم وكان أبرويز قد أغزاهم جيشا ، وكان الظفر لبني شيبان. و « ذو قَارٍ » موضع قريب البصرة ، خطب به علي عليه السلام.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِذِي قَارٍ وَهُوَ يَخْصِفُ نَعْلاً ، فَقَالَ لِي : مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعْلِ؟ فَقُلْتُ لَهُ : لَا قِيمَةَ لَهَا. قَالَ : وَاللهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلاً.

و « القَارَةُ » قبيلة يوصفون بالرمي سموا قَارَةً لاجتماعهم والتفافهم ـ قاله الجوهري. وقَوَّرْتُ الشيءَ تَقْوِيراً : قطعت من وسطه خرقا مستديرا. وقُوَارَةُ : القميص بالضم والتخفيف وكذلك كل ما يقور.

( قهر )

قوله تعالى : ( وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ ) [ ٦ / ١٨ ] ( الْقاهِرُ ) : الغالب جميع الخلائق. و ( الْقاهِرُ ) : شديد القهر والغلبة يقال قَهَرَهُ يَقْهَرُهُ قَهْراً غلبه فهو قَاهِرٌ ، وقَهَّارٌ مبالغة. وقوله ( فَوْقَ عِبادِهِ ) تصوير للقهر والعلو بالغلبة والقدرة كقوله تعالى ( إِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ ) [ ٧ / ١٢٧ ] يريد أنهم تحت تسخيره وتذليله.

وَفِي الدُّعَاءِ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَلَا فَقَهَرَ ».

أي ارتفع فقهر عباده بالغلبة والقدرة ، فهم تحت قدرته.

وَفِي حَدِيثِ بَنِي أُمَيَّةَ « يُضِلُّونَ النَّاسَ عَنِ الصِّرَاطِ الْقَهْقَرَى ».

هو بفتح القافين وإسكان الهاء : المشي إلى خلف من غير

٤٦٤

التفات بالوجه ، أي يرجعون الناس إلى خلف بسبب إضلالهم.

( قير )

فِي الْحَدِيثِ « لَا يُسْجَدُ عَلَى الْقِيرِ ».

وفِي آخَرَ « لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْقَارِ وَالْقِيرِ ».

القِيرُ بالكسر هو القَارُ الذي تطلى به السفن ، وفيما صح

مِنَ الْحَدِيثِ أَنَ الْقِيرَ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ.

باب ما أوله الكاف

( كبر )

قوله تعالى : ( تَوَلَّى كِبْرَهُ ) [ ٢٤ / ١١ ] بالكسر أي إثمه ، وقرئ في الشواذ كُبْرَهُ بضم الكاف أي معظمه. قوله : ( وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ ) [ ١٠ / ٧٨ ] أي الملك ، وسمي الملك كِبْرِيَاءَ لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا. قوله : ( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما ) [ ١٧ / ٢٣ ] الْكِبَرُ بكسر الكاف وفتح الموحدة : كبر السن. قوله : ( يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ) [ ١٧ / ٥١ ] أي يعظم. قوله : ( كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ ) [ ٤٠ / ٥٦ ] أي تكبر. قوله : أَكابِرَ [ ٦ / ١٢٣ ] يعني عظماء. قوله : أَكْبَرْنَهُ [ ١٢ / ٣١ ] أي استعظمنه ، من التَّكْبِيرِ وهو التعظيم.

وَرُوِيَ حِضْنَ لَمَّا رَأَيْنَهُ كُلُّهُنَّ.

من الإِكْبَارِ وهو الحيض ، ومنه « أَكْبَرَتِ المرأةُ » أي حاضت. قال في الكشاف : وحقيقته دخلت في الكبر لأنها بالحيض تخرج من حد الصغر إلى حد الكبر. قوله : ( وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً ) [ ٧١ / ٢٢ ] الكُبَّارُ بالتشديد أكبر من الكِبَار بالتخفيف ، وهو أكبر من الكَبِير واسْتَكْبَرَ الرجلُ : رفع نفسه فوق مقدارها. والاسْتِكْبَارُ : طلب الترفع وترك

٤٦٥

الإذعان للحق ، ومنه قوله اسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً [ ٧١ / ٧ ]. قوله : ( فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى ) [ ٧٩ / ٢٠ ] يعني العصا ، وقيل اليد البيضاء ، فكذب أنها من عند الله وعصى نبي الله. قوله : ( وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى ) [ ٨٧ / ١٢ ] التي هي أكبر النيران ، وهي نار جهنم ، والنار الصغرى نار الدنيا. قوله : ( إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ ) [ ٢ / ٤٥ ] الضمير للصلاة لَكَبِيرَةٌ أي شاقة ثقيلة ( إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ ) لأنهم هم الذين يتوقعون ما ادخر الله للصابرين على مشاقها فتهون عليهم. قوله : ( فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ ) [ ٣١ / ٦٣ ]

قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام « وَاللهِ مَا فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ وَمَا كَذَبَ إِبْرَاهِيمُ. فَقِيلَ : كَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ : إِنَّمَا قَالَ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا إِنْ نَطَقُوا وَإِنْ لَمْ يَنْطِقُوا فَلَمْ يَفْعَلْ كَبِيرُهُمْ هَذَا شَيْئاً ».

قوله : ( إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ ) [ ٧٤ / ٣٥ ] جمع الكُبْرَى تأنيث الأَكْبَر أي لإحدى الدواهي الكبرى ، بمعنى أنها الواحدة في العظم من بينهن لا نظير لهن.

قَوْلُهُ : ( لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ ) [ ٢ / ١٨٥ ] فَسَّرَهُ الصَّادِقُ عليه السلام بِالتَّكْبِيرِ بَعْدَ خَمْسَةِ صَلَاةِ أَوَّلُهَا صَلَاةُ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ يَقُولُ « اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ اللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا رَزَقَنَا ( مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ ) ».

قوله : ( يَوْمَ الْحَجِ الْأَكْبَرِ ) [ ٩ / ٣ ] قد مر في وجه تسميته بذلك في حج. قوله : ( كَبُرَتْ كَلِمَةً ) [ ١٨ / ٥ ] في مقالتهم اتخذ الله ولدا. قوله : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ ) [ ٤ / ٣١ ] الآية. اختلف العلماء في معنى الكَبَائِر ، فقيل هي كل ذنب توعد الله عليه بالعقاب في الكتاب العزيز ، وقيل هي كل ذنب رتب الشارع عليه حدا أو

٤٦٦

صرح فيه بالوعيد ، وقيل هي كل معصية تؤذن بتهاون فاعلها بالدين ، وقيل كل ذنب علم حرمته بدليل قاطع ، وقيل كلما عليه توعد شديد في الكتاب والسنة ، وعن ابن مسعود قال اقرءوا من أول سورة النساء إلى قوله : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ) فكل ما نهي عنه في هذه السورة إلى هذه الآية فهو كَبِيرَةٌ ، وقال جماعة الذنوب كلها كَبَائِر لاشتراكها في مخالفة الأمر والنهي ، لكن قد يطلق الصغير والكَبِير على الذنب بالإضافة إلى ما فوقه وما تحته ، فالقبلة صغيرة بالنسبة إلى الزنا وكبيرة بالنسبة إلى النظر بشهوة. قال الشيخ أبو علي بعد نقله لهذه الأقوال : وإلى هذا ذهب أصحابنا ، فإنهم قالوا المعاصي كلها كَبَائِر لكن بعضها أكبر من بعض ، وليس في الذنوب صغيرة ، وإنما تكون صغيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر ويستحق العقاب عليه أكثر ـ انتهى. وأنت خبير أنه لا دليل تطمئن به النفس على شيء من هذه الأقوال ، ولعل في إخفائها مصلحة لا تهتدي العقول إليها.

وَقَدْ نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حِينَ سُئِلَ عَنِ الْكَبَائِرِ أَهِيَ سَبْعٌ؟ فَقَالَ : هِيَ إِلَى السَّبْعِمِائَةِ أَقْرَبُ مِنْهَا إِلَى السَّبْعَةِ.

وَعَنْهُ صلى الله عليه وآله « الْكَبَائِرُ أَحَدَ عَشَرَ ، أَرْبَعٌ فِي الرَّأْسِ : الشِّرْكُ بِاللهِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ ، وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ. وَثَلَاثَةٌ فِي الْبَطْنِ : أَكْلُ مَالِ الرِّبَا ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ. وَوَاحِدَةٌ فِي الرِّجْلِ وَهِيَ الْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْفَرْجِ وَهِيَ الزِّنَا ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْيَدَيْنِ وَهِيَ قَتْلُ النَّفْسِ ، وَوَاحِدَةٌ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ الْعُقُوقُ لِلْوَالِدَيْنِ ».

وَعَنِ الصَّادِقِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ : « مَنِ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ كَفَّرَ اللهُ عَنْهُ ذُنُوبَهُ.

وذلك قوله تعالى ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً ) (١)

وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِ « الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي

__________________

(١) البرهان ج ١ صلى الله عليه وآله ٣٦٤.

٤٦٧

وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ».

وقد مر معناه. ومن أسمائه تعالى ( « الْمُتَكَبِّرُ » ) قيل هو ذو الكبرياء ، والكِبْرِيَاءُ الملك. و « الله أَكْبَرُ » قيل معناه الكبير ، فوضع أفعل موضع فعيل. وقال النحويون « الله أَكْبَرُ من كل شيء » فحذف من لوضوح معناه.

وَفِي الْحَدِيثِ « مَعْنَاهُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ ».

و « الله أَكْبَرُ كَبِيراً » قيل نصب كبيرا على القطع من اسم الله تعالى ، وهو معرفة وكبيرا نكرة خرجت من معرفة ، وقيل نصب بإضمار فعل كأنه أراد كبر كبيرا. و « الله أَكْبَرُ » كلمة يقولها المتعجب عند إلزام الخصم ـ قاله في المجمع. وكُبْرُ الشيءِ بضم الكاف وكسرها : معظمه. وكَبُرَ الشيءُ من باب قرب عظم فهو كَبِيرٌ ، وفي القاموس كَبُرَ ككرم كِبَراً كعنب وكُبْراً بالضم وكَبَارَةً بالفتح : نقيض صغر ، فهو كَبِيرٌ وكُبَّارٌ كرمان ، ويخفف. وكَبِرَ الصبيُّ وغيرُهُ يَكْبَرُ ـ من باب تعب كِبَراً كعنب.

وَفِي الدُّعَاءِ « أَعُوذُ بِكَ مِنْ سُوءِ الْكِبَرِ ».

بكسر الكاف وفتح الموحدة أراد به ما يورثه كبر السن من ذهاب العقل والتخليط في الرأي وغير ذلك مما يسوء به الحال. ورواه بعضهم بتسكين الباء ، قيل وهو غير صحيح. وفِيهِ « لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنَ الْكِبْرِ » (١).

هو بسكون الباء : الجحود والشرك كما جاءت به الرواية. و « الكِبْرُ » من الأخلاق المذمومة في الإنسان ، وعلاجه بما يعرف به الإنسان نفسه من أن أوله نطفة مذرة وآخره جيفة قذرة وهو فيما بين ذلك يحمل عذرة ، وأن آخره الموت ، وأنه يعرض للحساب والعقاب ، فإن كان من أهل النار فالخنزير خير منه ، فمن أين

__________________

(١) الكافي ج ٢ صلى الله عليه وآله ٣١٠.

٤٦٨

يليق به الكِبْر ، وهو عبد مملوك ( لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ ).

وَفِي الْحَدِيثِ « لَمْ يَزَلْ بَنُو إِسْمَاعِيلَ وُلَاةَ الْبَيْتِ يُقِيمُونَ لِلنَّاسِ حَجَّتَهُمْ وَأَمْرَ دِينِهِمْ يَتَوَارَثُونَهُ كَابِراً عَنْ كَابِرٍ حَتَّى كَانَ زَمَانُ عَدْنَانَ ».

ومثله فِي حَدِيثِ الْأَقْرَعِ وَالْأَبْرَصِ « وَرِثْتُهُ كَابِراً عَنْ كَابِرٍ ».

أي عن آبائي كبيرا عن كبير في العز والشرف. و « الجَمْرَةُ الكُبْرَى » هي جمرة العقبة آخر الجمرات الثلاث بالنسبة إلى المتوجه من منى إلى مكة. والكَبَرُ بفتحتين : الطبل له وجه واحد وجمعه كِبَار مثل جبل وجبال فارسي معرب قال في المصباح : وقد يجمع على أَكْبَار مثل سبب وأسباب ، ولهذا قال الفقهاء لا يجوز أن يمد التَّكْبِير في التحريم لئلا يخرج عن موضع تكبير إلى لفظ الإكبار التي هي جمع كبر الطبل. و « الكِبْرِيتُ » معروف ، والأحمر منه عزيز الوجود ، ومنه الْحَدِيثُ « الْمُؤْمِنُ أَعَزُّ مِنَ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ ».

وهو مثل قولهم « أعز من بيض الأنوق ».

( كثر )

قوله تعالى : ( وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ ) [ ٧ / ٨٦ ] أي كثر عددكم.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَقْلاً عَنْهُ : وَذَلِكَ أَنَّ مَدْيَنَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ تَزَوَّجَ بِنْتَ لُوطٍ ، فَوَلَدَتْ حَتَّى كَثُرَ أَوْلَادُهَا.

قوله : ( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) [ ١٠٨ / ١ ] اختلف الناس في معنى الكَوْثَر

فَقِيلَ هُوَ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ وَأَشَدُّ اسْتِقَامَةً مِنَ الْقِدْحِ ، حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ ، تَرِدُهُ طُيُورٌ خُضْرٌ لَهَا أَعْنَاقٌ كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ.

وقيل كثرة النسل والذرية وقد ظهر ذلك في نسله من ولد فاطمة عليه السلام ، إذ لا ينحصر عددهم ويتصل بحمد الله إلى آخر الدهر مددهم. وقيل هو حوض النبي صلى الله عليه وآله يكثر الناس عليه يوم القيامة.

وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام « أَنَّهُ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ أَعْطَاهُ اللهُ نَبِيَّهُ عِوَضاً عَنِ ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ » (١).

__________________

(١) البرهان ج ٤ صلى الله عليه وآله ٥١٤.

٤٦٩

قوله : ( أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ ) [ ١٠٢ / ١ ] يعني المفاخرة بكثرة المال والعدد والولد.

وَفِي الْحَدِيثِ « لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ ».

الكَثَرُ بفتحتين وبسكون الثاء لغة جمار النخل ، ويقال طلعها. والكُثْرُ بالضم فالسكون والكَثِيرُ واحد ، ويتعدى بالتضعيف والهمزة فيقال كَثَّرْتُهُ وأَكْثَرْتُهُ ، قال تعالى : ( قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا ). والكَثِيرُ : ضد القليل ، وكَثِيراً ما نصب على الظرف لأنه من صفة الأحيان ، وما لتأكيد معنى الكثرة ، والعامل ما يليه على ما ذكره صاحب الكشاف في قوله تعالى : ( قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ ). والكَثْرَةُ : نقيض القلة. واسْتَكْثَرْتُ من الشيء : أَكْثَرْتُ فعلَه. واسْتَكْثَرْتُهُ : عددته كثيرا. وقد كَثُرَ الشيءُ بالضم يَكْثُرُ كَثْرَةً بفتح الكاف وكسرها قليل.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ « فِيمَا يَقَعُ فِي الْبِئْرِ فَيَمُوتُ فَأَكْثَرُهُ الْإِنْسَانُ يُنْزَحُ مِنْهَا سَبْعُونَ دَلْواً وَأَقَلُّهُ الْعُصْفُورُ يُنْزَحُ مِنْهَا دَلْوٌ وَاحِدَةً ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ » (١).

قال المحقق في المعتبر : أورد الشيخ في التهذيب هذه الرواية بالثاء المنقطة ثلاثا وفي مقابلته وأقله ، وأوردها أبو جعفر بن بابويه في كتابه بالباء المنقطة من تحتها بواحدة وقال في مقابلته وأصغره ـ انتهى. وكل منهما محتمل وقال بعض شراح الحديث : فمن اعترض بأن ثور أكبر من الآدمي ففيه نوع من الثورية ومعنى الحديث أن الإنسان نصابه العددي في النزح أكثر من النصاب العددي في سائر الحيوانات ، فإن النزح العددي لغير الإنسان من الحيوانات دونه ، ونزح الكر أو جميع الماء للحمار أو البعير ليس عدديا. و « كُثَيِّرٌ » بضم الكاف وفتح الثاء المثلثة وكسر المشددة والراء اسم شاعر كان شيعيا. و « عَزَّةُ » بفتح العين المهملة والزاي المعجمة المشددة محبوبته

__________________

(١) التهذيب ج ١ صلى الله عليه وآله ٢٣٥ ، وانظر من لا يحضر ج ١ صلى الله عليه وآله ١٢.

٤٧٠

قاله في القاموس (١).

وَفِي حَدِيثِ الصَّادِقِ عليه السلام فِي حُجْرِ بْنِ زَائِدَةَ وَعَامِرِ بْنِ جُذَاعَةَ « وَاللهِ لَكُثَيِّرُ عَزَّةَ أَصْدَقُ فِي مَوَدَّتِهِ مِنْهُمَا حَيْثُ يَقُولُ :

أَلَا زَعَمَتْ بِالْغَيْبِ أَلَّا أُحِبَّهَا

إِذَا أَنَا لَمْ يُكْرَمْ عَلَيَّ كَرِيمُهَا.

و الكَوْثَرُ من الرجال : السيد الكثير الخير.

( كدر )

قوله تعالى : ( وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) [ ٨١ / ٢ ] أي انتشرت وأنصبت. والكَدَرُ بالتحريك : خلاف الصحو. وقد كَدِرَ الماء مثلثة الدال كَدَارَةً وكُدُورَةً ، فهو كَدِرٌ نقيض صفا. وكَدِرَ عيشُ فلان وتَكَدَّرَتْ معيشته. والأَكْدَرُ : الذي في لونه كُدْرَةٌ. و « الكُنْدُرُ » بضم الكاف وإسكان النون هو اللبان الذي يمضغ كالعلك ، وهو نافع لقطع البلغم جدا ـ قاله في القاموس.

( كرر )

قوله تعالى : ( ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ) [ ١٧ / ٦ ] أي جعلنا لكم الظفر والغلبة عليهم ، ومنه يقال كَرَّ في الحرب إذا رجع إليها.

وَفِي الْحَدِيثِ « خُرُوجُ الْحُسَيْنِ عليه السلام فِي سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِمُ الْبَيْضُ الْمُذَهَّبَةُ لِكُلِّ بَيْضَةٍ وَجْهَانِ يُؤَدُّونَ إِلَى النَّاسِ أَنَّ هَذَا الْحُسَيْنَ قَدْ خَرَجَ حَتَّى لَا يَشُكَّ الْمُؤْمِنُونَ فِيهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِدَجَّالٍ وَلَا شَيْطَانٍ وَالْحُجَّةُ الْقَائِمُ عليه السلام بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ، فَإِذَا اسْتَقَرَّتِ الْمَعْرِفَةُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ الْحُسَيْنُ عليه السلام جَاءَ الْحُجَّةَ عليه السلام الْمَوْتُ ، فَيَكُونُ هُوَ الَّذِي يُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ وَيُحَنِّطُهُ وَيَلْحَدُهُ فِي حُفْرَتِهِ ، وَلَا يَلِي الْوَصِيَّ إِلَّا الْوَصِيُّ ».

والكَرَّةُ : الرجعة ، وهي المرة والجمع

__________________

(١) كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر الخزاعي ، شاعر متيم مشهور من أهل المدينة أكثر إقامته بمصر ، توفي بالمدينة سنة ١٠٥ ه‍ ـ انظر الأعلام للزركلي ج ٦ صلى الله عليه وآله ٧٢.

٤٧١

كَرَّاتٌ مثل مرة ومرات.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام « إِنِّي لَصَاحِبُ الْكَرَّاتِ وَدَوْلَةِ الدُّوَلِ ».

فالمعنى إما الافتخار في الشجاعة والرجوع إلى قتل الأعداء مرة بعد مرة أو إشارة إلى الرجعة زمان خروج صاحب الأمر عليه السلام ، ويناسبه قوله « ودولة الدول » أي وأنا صاحب الدولة. والكَرَّةُ بعد الفرة : هي الإقدام بعد الفرار. والكُرُّ بالضم أحد أَكْرَار الطعام ، وهو ستون قفيزا ، والقَفِيزُ ثمانية مكاكيك والمَكُّوكُ صاع ونصف ، فانتهى ضبطه إلى اثني عشر وسقا ، والوَسْقُ ستون صاعا. وفي الشرع عبارة عن ألف ومائتي رطل بالعراقي ، واختلفت الرواية في تقديره بالمساحة ففي بعضها ما صح

عَنِ الصَّادِقِ عليه السلام « ثَلَاثَةُ أَشْبَارٍ فِي ثَلَاثَةِ أَشْبَارٍ ».

وفِي بَعْضِهَا فِيمَا صَحَّ عَنْهُ عليه السلام « ذِرَاعَانِ عُمْقُهُ فِي ذِرَاعٍ وَشِبْرٍ سَعَتُهُ ».

وفِي بَعْضِهَا عَنْهُ عليه السلام « إِذَا كَانَ الْمَاءُ ثَلَاثَةَ أَشْبَارٍ وَنِصْفٍ فِي مِثْلِهِ ثَلَاثَةِ أَشْبَارٍ وَنِصْفٍ فِي عُمْقِهِ مِنَ الْأَرْضِ فَذَلِكَ الْكُرُّ مِنَ الْمَاءِ ».

وقد عمل بهذه جمهور متأخري الأصحاب ، وعمل القميون بالأولى (١). وأورد على روايتهم خلوها عن البعد الثالث ، وأجيب بأن سوق الكلام دال على المراد وهو في المحاورات كثير ، قال الشاعر :

كانت حنيفة أثلاثا فثالثهم

من العبيد وثلاث من مواليها

وَ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله أَنَّهُ قَالَ : « أُحِبُّ مِنْ دُنْيَاكُمْ ثَلَاثاً الطِّيبَ وَالنِّسَاءَ ».

ولم يدخل القسم الثالث الذي هو الصلاة في هذا الباب مع كونه مرادا وأورد على رواية الجمهور أنها خالية عن مقدار العمق ، ووجهها بعض الأفاضل بإمكان إعادة الضمير في قوله عليه السلام « في مثله » إلى ما دل عليه قوله « ثلاثة أشبار ونصفا » أي في مثل ذلك المقدر ، وكذا الضمير في قوله عليه السلام « في

__________________

(١) انظر أحاديث الكر في الكافي ج ٣ صلى الله عليه وآله ٢ ـ ٣.

٤٧٢

عمقه » أي في عمق ذلك المقدر. والكَرْكَرَةُ في الضحك مثل القرقرة.

وَفِي الْحَدِيثِ « مَا يَمْنَعُكَ مِنْ هَذَا الْكَرْكُورِ ». يعني المثلثة.

( كزبرة )

فِي الْحَدِيثِ « وَامْنَعِ الْعَرُوسَ فِي أَيَّامِهَا مِنَ الْكُزْبُرَةِ وَالتُّفَّاحِ الْحَامِضِ ، فَإِنَ الْكُزْبُرَةَ تُثِيرُ الْحَيْضَ فِي بَطْنِهَا وَالتُّفَّاحَ الْحَامِضَ يَقْطَعُ حَيْضَهَا ».

الكُزْبُرَةُ هي بضم الباء وقد تفتح : نبات معروف. قال الجوهري. وأظنه معربا.

( كسر )

فِي حَدِيثِ الْمُخْتَارِ « فَيَنْقَضُّ عَلَيْهِ الْحُسَيْنُ عليه السلام كَأَنَّهُ عُقَابٌ كَاسِرٌ ».

الْكَاسِرُ : العقاب يكسر جناحين يريد الوقوع ، يقال كَسَرَ الطائر يَكْسِرُ كَسْراً وكُسُوراً إذا ضم جناحيه حين ينقض. وكسرت الشيء فانكسر وتكسر ، وكسرته شدد للكثرة. والْكِسْرَةُ بالكسر : القطعة من الشيء المكسور ، والجمع كِسَرٌ كقطعة وقطع ، ومنه الْحَدِيثُ « مَعَهُ كِسْرَةٌ قَدْ غَمَسَهَا فِي اللَّبَنِ ».

وشاة كَسِيرٌ بغير هاء : إذا كسرت إحدى قوائمها. وكسيرة بالهاء أيضا مثل النطيحة.

وَفِي الْخَبَرِ « شَاةٌ فِي كَسْرِ خَيْمَةٍ ».

أي في جانبها ، ولكل بيت كسران عن يمين وشمال. و « كَسْرَى » ملك من ملوك الفرس بفتح الكاف وكسرها وهو معرب خسرو والنسبة إليه كَسْرَوِيٌ وإن شئت كَسْرِيٌ. ومنه « جبة كسروانية ». ومن ملوك الفرس كَسْرَى وشيرويه ويزدجرد ، وهم آخر ملوك الفرس.

نُقِلَ أَنَّ شِيرَوَيْهِ قَتَلَ أَبَاهُ كَسْرَى أَبَرْوِيزَ بَعْدَ مُلْكِهِ ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَأَشْهُرٍ ، فَقَامَ شِيرَوَيْهِ مَقَامَهُ وَجَلَسَ مَكَانَهُ وَأَحْسَنَ سِيرَتَهُ ، وَأَطْلَقَ أَهْلَ السُّجُونِ وَزَوَّجَ أَكْثَرَ نِسَاءِ أَبِيهِ ، وَوَضَعَ عَنِ النَّاسِ رُبُعَ الْخَرَاجِ ، وَاسْتَوْزَرَ بَرْمَكَ بْنَ فَيْرُوزٍ جَدَّ الْبَرَامِكَةِ ، وَقَتَلَ إِخْوَتَهُ وَكَانُوا سَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ مُلْكِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ.

٤٧٣

وجمع كسرى أَكَاسِرَةٌ على غير قياس لأن قياسه كسرون بفتح الراء مثل عيسون وموسون بفتح السين. وكَسَرْتُ الرجل عن مراده : صرفته عنه. وكَسَرْتُ القوم : هزمتهم. والْكَسْرُ : نقيض الصحة. والْكَسْرُ في الحساب : غير تام كالنصف والثلث والربع ونحو ذلك ، والجمع كُسُورٌ كفلس وفلوس. ومنه الْحَدِيثُ « لَيْسَ فِي الْكُسُورِ شَيْءٌ ».

يعني زكاة وكَسْرُ الشهوة : تمويتها.

( كشر )

فِي الْحَدِيثِ « فَاطِمَةُ عليه السلام لَمْ تُرَ كَاشِرَةً وَلَا ضَاحِكَةً » (١).

الْكَاشِرُ : المتبسم من غير صوت ، وإن كان معه صوت فهو ضحك.

وَمِنْهُ « إِخْوَانُ الْمُكَاشَرَةِ ».

من كَاشَرَهُ : إذا تبسم في وجهه وانبسط معه.

( كفر )

قوله تعالى : ( وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ ) [ ٢ / ٤١ ] أي أول من كفر به وجحد ، وجمع الكافر كُفَّارٌ وكَفَرَةٌ وكَافِرُونَ والأنثى كَافِرَةٌ وكَافِرَاتٌ وكَوَافِرُ. قال تعالى : ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) [ ٩٠ / ١٠ ]. وقد كَفَرَ بالله : جحد ، فَالْكَافِرُ الجاحد للخالق. والْكَفُورُ : الجحود يجحد الخالق مع هذه الأدلة الواضحة. ومنه قوله : ( إِنَّا بِكُلٍ كافِرُونَ ) [ ٢٨ / ٤٨ ] أي جاحدون. ( فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً ) [ ١٧ / ٩٩ ] أي جحودا ، والكفور جمع الكفر كبرد وبرود عن الأخفش. قوله : ( فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ ) [ ٦ / ٨٩ ] الآية. قال المفسر : ( فَإِنْ يَكْفُرْ بِها ) أي بالكتاب والحكمة والنبوة ( هؤُلاءِ ) يعني الكفار ( فَقَدْ وَكَّلْنا بِها ) أي بمراعاة النبوة ( هؤُلاءِ ) يعني الأنبياء الذين جرى ذكرهم. قوله : ( أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ ) [ ٥٤ / ٤٣ ] قيل المراد بأولئكم الكفار المعددون من قوم نوح عليه السلام وهود

__________________

(١) منتقى الجمان ١ / ٢٤٥.

٤٧٤

وصالح ولوط وآل فرعون ، والمعنى أن هؤلاء أهل مكة مثل أولئك بل هم أشر منهم.

وَسُئِلَ الصَّادِقُ عليه السلام عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ) [ ٦٤ / ٢ ] قَالَ : عَرَفَ اللهُ إِيمَانَهُمْ بِوَلَايَتِنَا وَكُفْرَهُمْ بِهَا يَوْمَ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَيْهِمْ فِي صُلْبِ آدَمَ وَهُمْ ذَرٌّ (١).

قوله : ( جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ ) [ ٥٤ / ١٤ ] أي فعلنا ذلك جزاء لمن كان كفر وهو نوح عليه السلام ، جعله مكفورا لأن الرسول نعمة من الله ورحمة ، فكان نوح عليه السلام نعمة مَكْفُورَةً. قوله : ( كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ) [ ٥٧ / ٢٠ ] الْكُفَّارَ الزراع. وإنما قيل للزارع كَافِرٌ لأنه إذا ألقى البذر كَفَرَهُ أي غطاه. والْكَفْرُ بالفتح : التغطية. وقد كَفَرْتُ الشيء أَكْفِرُهُ بالكسر كَفْراً : سترته. قوله : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) [ ٢ / ٦ ]

قَالَ الشَّيْخُ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ : هَؤُلَاءِ كَفَرُوا وَجَحَدُوا بِغَيْرِ عِلْمٍ ، وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَحَدُوا بِعِلْمٍ فَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللهُ تَعَالَى ( وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ) فَهَؤُلَاءِ كَفَرُوا وَجَحَدُوا بِعِلْمٍ ـ انْتَهَى (٢).

وَفِي حَدِيثِ الصَّادِقِ عليه السلام « الْكُفْرُ فِي كِتَابِ اللهِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ : كُفْرُ الْجُحُودِ وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ : جُحُودٌ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَأَنْ لَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ كَمَا قَالَ صِنْفٌ مِنَ الزَّنَادِقَةِ وَالدَّهْرِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ ( وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ ) ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ مِنَ الْجُحُودِ هُوَ أَنْ يَجْحَدَ الْجَاحِدُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ حَقٌّ وَاسْتَقَرَّ عِنْدَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ). وَالثَّالِثُ كُفْرُ النِّعْمَةِ قَالَ تَعَالَى : ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ ). الرَّابِعُ تَرْكُ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ).

__________________

(١) البرهان ج ٤ صلى الله عليه وآله ٣٤٠.

(٢) تفسير عليّ بن إبراهيم صلى الله عليه وآله ٢٩.

٤٧٥

الْخَامِسُ كُفْرُ الْبَرَاءَةِ وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ لِقَوْمِهِ ( كَفَرْنا بِكُمْ ).

قوله : ( كانَ مِزاجُها كافُوراً ) [ ٧٦ / ٥ ] أي ماؤها كافور ، وهو اسم عين في الجنة ماؤها في بياض الكافور ورائحته وبرده. قوله : ( قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ ) [ ٨٠ / ١٧ ] أي عذب ولعن الإنسان ما أَكْفَرَهُ ما أشد كفره وأبين ضلاله ، وهذا تعجب منه ، كأنه قال تعجبوا منه ومن كفره مع كثرة الشواهد على التوحيد والإيمان. وقيل إن ( ما ) للاستفهام ، أي أي شيء أكفره وأوجب كفره ، فكأنه قال ليس هاهنا شيء يوجب الكفر ويدعو إليه ، فما الذي دعاه إليه مع كثرة النعم عليه. والْمُكَفَّرُ : مجحود النعمة مع إحسانه. ومنه الْحَدِيثُ « الْمُؤْمِنُ مُكَفَّرٌ ».

والتَّكْفِيرُ : أن يخضع الإنسان لغيره ، ومنه حَدِيثُ النَّصْرَانِيِّ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام حَيْثُ قَالَ : إِنْ أَذِنْتَ لِي كَفَّرْتُ لَكَ.

وكَفَّرَ الله عنه الذنوب : محاه ، ومنه « الْكَفَّارَةُ » وهي فعالة من الكفر ، وهي التغطية لأنها تُكَفِّرُ الذنب عن الإنسان ، أي تمحوه وتستره وتغطيه. وفِيهِ « الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا ».

قيل إن المكفر هي الثانية لا الأولى ، لأن التَّكْفِيرَ قبل وقوع الذنب لا معنى له ، ويشكل كونها كفارة مع أن اجتناب الكبائر كاف ، ويمكن الجواب بأن تَكْفِيرَ العمرة خاص وتَكْفِيرَ الاجتناب عام. وفِيهِ « كَفَّارَةُ الْغِيبَةِ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُ ».

وقيل إن بلغته فالطريق أن تستحل منه ، فإن تعذر لموته أو لبعده فالاستغفار ، وهل يشترط بيان ما اغتابه به؟ وجهان. وفِيهِ « تَارِكُ الصَّلَاةِ كَافِرٌ ».

وذلك لأنه مستخف بالشرع ومكذب له ومن كان كذلك فهو كافر. وقد بين الصادق عليه السلام الفرق بين تارك الصلاة وفاعل الزنا بعد تسميته كافرا بحصول الاستخفاف عند ترك الصلاة دون الزنى.

٤٧٦

وَفِي حَدِيثِ الصَّلَاةِ « وَلَا تُكَفِّرْ إِنَّمَا يَصْنَعُ ذَلِكَ الْمَجُوسُ ».

التَّكْفِيرُ في الصلاة هو الانحناء الكثير حالة القيام قبل الركوع. قال في النهاية : والتَّكْفِيرُ أيضا وضع إحدى اليدين على الأخرى.

وَفِي الْحَدِيثِ « مَا مِنْ يَوْمٍ إِلَّا وَكُلُّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ يُكَفِّرُ لِلِّسَانِ ».

أي يذل ويخضع له ، يقول : نشدتك الله أن أعذب فيك. والتَّكْفِيرُ : أن يخضع الإنسان لغيره كما يكفر العلج للدهاقين ، يضع يده على صدره ويتطأمن. وفِيهِ « الْكُفْرُ أَقْدَمُ مِنَ الشِّرْكِ ».

وهو واضح. وفِيهِ « لَا تَمَسُّوا مَوْتَاكُمْ بِالطِّيبِ إِلَّا بِالْكَافُورِ ».

هو نوع من الطيب معروف يغسل به الميت ويحنط به.

( كمر )

فِي الْحَدِيثِ « لَا بَأْسَ فِي الصَّلَاةِ بِمَا لَا تَتِمُّ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَجَاسَةٌ مِثْلُ التِّكَّةِ وَالْكَمَرَةِ ».

وهي الحفاظ. ومثله قَوْلُهُ عليه السلام « كُلَّمَا كَانَ عَلَى الْإِنْسَانِ أَوْ مَعَهُ مِمَّا يَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ ».

وعد الْكَمَرَةَ والنعل. وفي بعض كلام اللغويين : الْكَمَرَةُ كيس يأخذها صاحب السلس. والْكَمَرَةُ بالتحريك : حشفة الذكر وربما أطلقت على جملة الذكر مجازا ، والجمع كَمَرٌ كقصبة وقصب.

( كمثر )

فيه الْكُمَّثْرَى ، وهي من الفواكه ، الواحدة كُمَّثْرَاةٌ.

( كور )

قوله تعالى : ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) [ ٨١ / ١ ] أي ذهب ضوؤها ونورها ، ويقال كُوِّرَتْ كما تكور العمامة ، أي تلف ضوؤها فيذهب انتشاره. قوله : ( يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ ) [ ٣٩ / ٥ ] هو من التكوير واللف واللي ، أي يدخل هذا على هذا وهذا على هذا ، ويقال زيادته في هذا من ذلك وبالعكس.

٤٧٧

والْكَوْرُ : دور العمامة ، وكل دور كَوْرٌ. وكَارَ العمامة من باب قال : إذا أدارها على رأسه. والْكُورُ بالضم : كور الحداد المبني من الطين. والْكُورُ أيضا : رحل الناقة بأداته وهو كالسرج للفرس. والْكُورَةُ : المدينة والناحية ، والجمع كور مثل غرفة وغرف ، وقد جاءت في الحديث. والْكَارَةُ من الثياب : ما يجمع ويشد ويحمل على الظهر ، والجمع كارات. وطعنه فَكَوَّرَهُ : أي ألقاه مجتمعا.

( كهر )

في قراءة فأما اليتيم فلا تَكْهَرْ [ ٩٣ / ٩ ] أي لا تقهر ، وعن الكسائي كَهَرَهُ وقهره بمعنى.

( كنهر )

الْكَنَهْوَرُ : العظيم من السحاب ، ومنه قَوْلُهُ عليه السلام « وَلَمْ يَنَمْ وَمِيضُهُ ـ أَيْ ضِيَاؤُهُ ـ فِي كَنَهْوَرِ رَبَابِهِ ».

( كير )

فِي حَدِيثِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ « يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ » (١).

الْكِيرُ : كير الحداد ، وهو زق أو جلد غليظ ذو حافات ينفخ فيه ، وأما المبني من الطين فكور لا كير ، وجمع الكير كيرة كعنبة وأكيار وكيرات. قال بعض الشارحين : يروى مضمومة الخاء ساكنة الباء ، وعلى الأول يعني ما تبرزه النار من الجواهر المعدنية التي تصلح للطبع فيخلصها على تميزه عنها من ذلك ، وعلى الثانية يعني به الشيء الخبيث ، والمعتد به هو الأول لأنه أكثر وأشبه بالصواب ، لمناسبة الكير ولمصادفته المعنى المراد فيه.

__________________

(١) الكافي ج ٤ صلى الله عليه وآله ٢٥٥.

٤٧٨

باب ما أوله الميم

( مأر )

الْمَئْرَةُ بالهمز : الذحل والعداوة ، وجمعها مِئَرٌ ـ قاله الجوهري.

( مجر )

فِي الْحَدِيثِ « نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَجْرِ ».

بالميم المفتوحة والجيم الساكنة والراء ، وهو أن يباع البعير أو غيره بما في بطن الناقة.

( مخر )

قوله تعالى : ( وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ ) [ ١٦ / ١٤ ] مَواخِرَ على فواعل يعني جواري تشق الماء شقا ، من مَخَرَتِ السفينة تَمْخُرُ مَخْراً ومُخُوراً : إذا خربت فشقت الماء بصدرها مع صوت.

وَفِي الْخَبَرِ « إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمُ الْبَوْلَ فَلْيَتَمَخَّرِ الرِّيحَ ».

أي يجعل ظهره إليها ، كأنه إذا ولاها شقها بظهره.

( مدر )

فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام لِشُرَيْحٍ الْقَاضِي « انْظُرْ إِلَى مَنْ يَدْفَعُ حُقُوقَ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْمَدَرِ وَالْيَسَارِ ، وَخُذْ لِلنَّاسِ بِحُقُوقِهِمْ مِنْهُمْ ».

المدر جمع مَدَرَةٍ كقصب وقصبة ، وهو التراب الملبد. وعن الأزهري الْمَدَرُ قطع الطين. قال في المصباح وبعضهم يقول الطين العلك الذي لا يخالطه رمل. والعرب تسمى القرية مَدَرَةً لأن بنيانها غالبا بالمدر. ومنه « فلان سيد مَدَرَتِهِ » أي قريته. وفي النهاية مَدَرَةُ الرجل بلدته. وفي بعض نسخ الحديث « من أهل المذرة » بالهاء والذال المعجمة ، وعليها من القاموس المذرة النورة. ومَدَرْتُ الحوض : أصلحته بالمدر ، والمداري جمع الْمَدَرِيِ بالدال المهملة ، وهو كالميل يتخذ من قرن أو فضة تخلل به المرأة شعرها.

وَفِي الْحَدِيثِ « الِاسْتِنْجَاءُ تَمَسُّحٌ مِنَ الْغَائِطِ بِالْمَدَرِ ». يعني الطين اليابس.

٤٧٩

( مذر )

فِي الْحَدِيثِ « الْإِنْسَانُ أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ وَآخِرُهُ جِيفَةٌ قَذِرَةٌ ، وَهُوَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ يَحْمِلُ عَذَرَةً ».

قوله « مَذِرَةٌ » أي خبيثة ، من التَّمَذُّرِ وهو خبث النفس. ومنه « رأيت مذرة ». فَمَذِرَتْ لذلك : أي خبث.

( مرر )

قوله تعالى : ( ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى ) [ ٥٣ / ٦ ] أي قوة في عقله ورأيه ومتانة في دينه وصحة في جسمه. قوله : ( فَمَرَّتْ بِهِ ) [ ٧ / ١٨٩ ] أي اسْتَمَرَّتْ به قعدت وقامت. قوله : ( سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) [ ٥٤ / ٢ ] أي قوي شديد ، وقيل مستحكم ، من قولهم حبل مُمَرٌّ أي محكم الفتل ، وقيل دائم مطرد. قوله : ( فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ ) [ ٥٤ / ١٩ ] أي دائم الشر ، وقيل قوي في نحوسته ، وقيل مُسْتَمِرٌّ مر ، وقيل إنه يوم الأربعاء لا تدور في الشهر. قوله : ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها ) [ ٢ / ٢٥٦ ]

قِيلَ الْمَارُّ عُزَيْزٌ ، وَقِيلَ إِرْمِيَا أَرَادَ أَنْ يُعَايِنَ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى لِيَزْدَادَ بَصِيرَةً حِينَ خَرَجَ عَلَى حِمَارِهِ وَمَعَهُ تِينٌ تَزَوُّدَهُ وَشَيْءٌ مِنْ عَصِيرٍ فَنَظَرَ إِلَى سِبَاعِ الْبَرِّ وَسِبَاعِ الْبَحْرِ وَسِبَاعِ الْجَوِّ تَأْكُلُ الْجِيَفَ ، فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ : ( أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها ) وَقَدْ أَكَلَتْهُمُ السِّبَاعُ ، فَأَمَاتَهُ اللهُ مَكَانَهُ ، وَهُوَ قَوْلُ اللهِ ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ ) الْآيَةَ.

وَفِي الْحَدِيثِ « مَرَارَةُ الدُّنْيَا حَلَاوَةُ الْآخِرَةِ ، وَحَلَاوَةُ الدُّنْيَا مَرَارَةُ الْآخِرَةِ » (١).

قال بعض الشارحين : استعار لفظ الْمَرَارَةِ لمشقة الأعمال الصالحة في الدنيا ولما تستعقبه اللذة الدنيوية من الألم والعذاب في الآخرة. ولفظ الحلاوة لما يستعقبه الأعمال الصالحة من لذة السعادة في الآخرة ، ولما في اتباع الدنيا من اللذة وهو ظاهر. وفِيهِ « لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ ». مِرَّةٌ بالكسر : القوة والشدة ،

__________________

(١) نهج البلاغة ج ٣ صلى الله عليه وآله ٢٠٨.

٤٨٠