مجمع البحرين - ج ٣

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٣

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٤

وهذا أقرب المعاني إلى حقيقة اللفظ

وَفِي حَدِيثِ أَهْلِ الْبَيْتِ عليه السلام « نَحْنُ نَجُزُّ الشَّوَارِبَ وَنُعْفِي اللِّحَى وَهِيَ الْفِطْرَةُ ».

أي الدين والسنة. ومثله « قَصُّ الْأَظْفَارِ مِنَ الْفِطْرَةِ ».

ومثله « إِنَّ اللهَ أَعْطَى مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله الْفِطْرَةَ الْحَنِيفِيَّةَ السَّهْلَةَ لَا رَهْبَانِيَّةً وَلَا سِيَاحَةً ».

وفي الحديث تكرر الذكر في زكاة الفِطْرَة ، والفِطْرَةُ تطلق على الخلقة وعلى الإسلام ، والمراد منها على الأول زكاة الأبدان وعلى الثاني زكاة الدين. وقولهم « تَجِبُ الفِطْرَة » على حذف مضاف ، والأصل تجب زكاة الفطرة ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه واستغني به في الاستعمال لظهور المراد. وتَفَطَّرَتْ قدماه : أي تشققت. وانْفَطَرَتْ بمعنى تَفَطَّرَتْ.

( فغر )

فِي الْحَدِيثِ « إِنِّي لَأُبْغِضُ الرَّجُلَ فَاغِراً فَاهُ إِلَى رَبِّهِ يَقُولُ : يَا رَبِّ ارْزُقْنِي ».

الحديث. أي فاتحا فاه ، من قولهم فَغَرَ فاه كمنع ونصر : فتحه. والفَغْرُ : الفتح ، ومنه حَدِيثُ مُوسَى عليه السلام « فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ عَظِيمَةٌ فَاغِرَةٌ فَاهاً ».

( فقر )

قوله تعالى : ( تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ ) [ ٧٥ / ٢٥ ] الفَاقِرَةُ : هي الداهية يقال فَقَرَتْهُ الفَاقِرَةُ ، أي كسرت فقار ظهره.

قوله : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) [ ٩ / ٦٠ ] الآية. الفُقَرَاءُ جمع فَقِير ، والفَقِيرُ عند العرب المحتاج ، قال الله تعالى ( أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ ) والمساكين من جهة الذلة ، فإن كان من جهة الفقر فهو فَقِيرٌ مسكين وحلت له الصدقة ، وإن كانت لغير الفقر فلا تحل له ، وسائغ في اللغة ضرب فلان المسكين وهو من أهل الثروة واليسار. وعن ابن السكيت الفَقِير الذي له بلغة من العيش ، والمِسْكِينُ الذي لا شيء له. وقال الأصمعي أحسن حالا من الفقير ، وقال يونس بالعكس من ذلك. قال

٤٤١

قلت لأعرابي : أفَقِيرٌ أنت؟ قال : لا والله بل مسكين. وقال ابن الأعرابي : الفَقِيرُ الذي لا شيء له والمِسْكِين مثله. وقال بعض المحققين : الفَقِيرُ والمِسْكِين متحدان في الاشتراك بوصف عدمي هو عدم وفاء الكسب والمال بمئونته ومئونة العيال ، إنما الخلاف في أن أيهما أسوأ حالا. فقال الفراء وتغلب وابن السكيت هو المسكين ، وبه قال أبو حنيفة ، ووافقهم من علماء الشيعة الإمامية ابن الجنيد وسلار والشيخ الطوسي في النهاية لقوله تعالى : ( أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ) وهو المطروح على التراب لشدة الاحتياج ، ولأن الشاعر قد أثبت للفَقِير مالا في قوله :

أنا الفَقِير الذي كانت حلوبته

وفق العيال فلم يترك له سبد

وقال الأصمعي : الفَقِيرُ أسوأ حالا ، وبه قال الشافعي ووافقه من الإمامية المحقق ابن إدريس الحلي والشيخ أبو جعفر الطوسي في المبسوط والخلاف ، لأن الله بدأ به في آية الزكاة ، وهو يدل على الاهتمام بشأنه في الحاجة واستعاذة النبي صلى الله عليه وآله من الفَقْرِ مع

قَوْلِهِ « اللهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِيناً وَأَمِتْنِي مِسْكِيناً وَاحْشُرْنِي مَعَ الْمَسَاكِينِ » (١).

لأن الفَقِيرَ مأخوذ من كسر الفقار من شدة الحاجة وإثبات الشاعر المال للفقير لا يوجب كونه أحسن حالا من المسكين ، فقد أثبت تعالى للمسكين مالا في آية السفينة. ثم قال : والحق أن المِسْكِين أسوأ حالا من الفَقِير ، لا لما ذكر بل لما رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) قَالَ : « الْفَقِيرُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ النَّاسَ ، وَالْمِسْكِينُ أَجْهَدُ مِنْهُ ، وَالْبَائِسُ أَجْهَدُهُمْ » (٢). انتهى. وهو جيد. والفُقَرَاءُ في حديث الزكاة فسرهم العالم عليه السلام بالذين ( لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً ).

وَفِي بَعْضِ أَحَادِيثِ الْبَابِ « الْفُقَرَاءُ

__________________

(١) سفينة البحار ج ٢ صلى الله عليه وآله ٣٧٨.

(٢) الحديث في البرهان ج ٢ صلى الله عليه وآله ١٣٥.

٤٤٢

هُمْ أَهْلُ الزَّمَانَةِ وَالْحَاجَةِ ، وَالْمَسَاكِينُ أَهْلُ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ زَمَانَةٍ ».

وَفِي الدُّعَاءِ « نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ ».

قيل الفَقْرُ المستعاذ منه إنما هو فَقْرُ النفس الذي يفضي بصاحبه إلى كفران نعم الله ونسيان ذكره ويدعوه إلى سد الخلة بما يتدنس به عرضه ويثلم به دينه ، والقلة تحمل على قلة الصبر أو قلة العدد.

وَفِي الْخَبَرِ أَنَّهُ صلى الله عليه وآله تَعَوَّذَ مِنَ الْفَقْرِ.

وأَنَّهُ قَالَ : « الْفَقْرُ فَخْرِي » (١).

وبه افتخر على سائر الأنبياء. وقد جمع بين القولين بأن الفَقْرَ الذي تعوذ منه الفقر إلى الناس والذي دون الكفاف ، والذي افتخر به صلى الله عليه وآله هو الفَقْرُ إلى الله تعالى. وإنما كان هذا فخرا له على سائر الأنبياء مع مشاركتهم له فيه لأن توحيده واتصاله بالحضرة الإلهية وانقطاعه إليه كان في الدرجة التي لم يكن لأحد مثلها في العلو ، ففقره إليه كان أتم وأكمل من فقر سائر الأنبياء. وفَقَارَة الظهر بالفتح : الخرز الذي يضم النخاع الذي يسمى خرز الظهر ، والجمع فَقَار بحذف الهاء مثله سحابة وسحاب. والفِقْرَةُ لغة في الفَقَارَة ، وجمعها فِقَر وفِقْرَات كسدرة وسدر وسدرات. ومنه قيل لآخر بيت من القصيدة والخطبة « فِقْرَة » تشبيها بِفِقْرَة الظهر.

وَ « ذُو الْفَقَارِ » بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا عِنْدَ الْعَامَّةِ : اسْمُ سَيْفٍ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَنَزَلَ بِهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام مِنَ السَّمَاءِ ، وَكَانَتْ حَلْقَتُهُ فِضَّةً ـ كَذَا فِي حَدِيثِ الرِّضَا عليه السلام. قَالَ « وَهُوَ عِنْدِي » (٢).

قيل سمي بذلك لأنه كانت فيه حفر صغار حسان وحزوز مطمئنة. والمُفَقَّر من السيوف : ما فيه حزوز مطمئنة ، وقِيلَ كَانَ هَذَا السَّيْفُ لِمُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ السَّهْمِيِّ كَانَ مَعَ ابْنِهِ الْعَاصِ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَقَتَلَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَجَاءَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله عَلِيّاً عليه السلام بَعْدَ ذَلِكَ فَقَاتَلَ بِهِ دُونَهُ يَوْمَ

__________________

(١) سفينة البحار ج ٢ صلى الله عليه وآله ٣٧٨.

(٢) سفينة البحار ج ٢ صلى الله عليه وآله ٣٧٨.

٤٤٣

أُحُدٍ.

وَقِيلَ كَانَ مِنْ حَدِيدَةٍ وُجِدَتْ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فِي زَمَنِ جُرْهُمَ أَوْ غَيْرِهِمْ.

وَرُوِيَ أَنَّ بِلْقِيسَ أَهْدَتْ لِسُلَيْمَانَ سِتَّةَ أَسْيَافٍ وَكَانَ ذُو الْفَقَارِ مِنْهَا.

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام قَالَ : إِنَّ جَبْرَئِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وَقَالَ لَهُ : إِنَّ صَنَماً فِي الْيَمَنِ مغفر من [ مُقْعَدٌ فِي ] حَدِيدٍ ابْعَثْ إِلَيْهِ فَادْفَعْهُ وَخُذِ الْحَدِيدَ. قَالَ : فَدَعَانِي فَبَعَثَنِي إِلَيْهِ ، فَدَفَعْتُ الصَّنَمَ وَأَخَذْتُ الْحَدِيدَ فَجِئْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله ، فَاسْتَضْرَبَ مِنْهُ سَيْفَيْنِ فَسَمَّى أَحَدَهُمَا ذَا الْفَقَارِ وَالْآخَرَ مِخْذَماً ، فَتَقَلَّدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله ذَا الْفَقَارِ وَأَعْطَانِي مِخْذَماً ثُمَّ أَعْطَانِي بَعْدُ ذَا الْفَقَارِ.

وَفِي الْحَدِيثِ « مِنَ الْقَوَاصِمِ الْفَوَاقِرِ الَّتِي تَقْصِمُ الظَّهْرَ جَارُ السَّوْءِ ».

الفَوَاقِرُ : الدواهي ، واحدتها فَاقِرَة كأنها تحطم فقار الظهر كما يقال قاصمة الظهر.

( فكر )

فِي الْحَدِيثِ « تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً ».

قال فخر الدين الرازي نقلا عنه في توجيه ذلك : هو أن الفِكْرَ يوصلك إلى الله والعبادة توصلك إلى ثواب الله ، والذي يوصلك إلى الله خير مما يوصلك إلى غير الله ، أو أن الفِكْرَ عمل القلب والطاعة عمل الجوارح فالقلب أشرف من الجوارح ، يؤكد ذلك قوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) جعلت الصلاة وسيلة إلى ذكر القلب ، والمقصود أن العلم أشرف من غيره ـ انتهى. والتَّفَكُّر : التأمل ، والفِكْرُ بالكسر اسم منه ، وهو لمعنيين : أحدهما القوة المودعة في مقدمة الدماغ. وثانيهما أثرها أعني ترتب أمور في الذهن يتوصل بها إلى مطلوب يكون علما أو ظنا. وأَفْكَرَ وتَفَكَّرَ وفَكَرَ بمعنى ، يقال فَكَرْتُ في الأمر ـ من باب ضرب ـ وتَفَكَّرْتُ فيه ، وأَفْكَرْتُ بالألف.

وَفِي الْحَدِيثِ « مَنْ تَفَكَّرَ فِي ذَاتِ اللهِ تَزَنْدَقَ ».

أي من تأمل في معرفة الذات تزندق ، لأنه طلب ما لم يطلبه ولم يصل إليه نبي ولا وصي ولا ولي ، ومن هنا قال ابن أبي الحديد :

٤٤٤

فيك يا أعجوبة الكون غدا الفِكْرُ كليلا

أنت حيرت ذوي اللب وبلبلت العقولا

كلما أقدم فِكْرِي فيك شبرا فر ميلا

ناكصا يخبط في عمياء لا يهدى السبيلا

وقولهم ليس في هذا الأمر فِكْرٌ : أي ليس لي فيه حاجة. قال الجوهري والفتح أصح من الكسر. والفِكْرَة : الاسم من الافْتِكَار مثل العبرة من الاعتبار ، والجمع فِكَر كسدرة وسدر.

( فور )

قوله تعالى : ( مِنْ فَوْرِهِمْ هذا ) [ ٣ / ١٢٥ ] أي من غضبهم الذي غضبوه ببدر ، وأصل الفَوْر الغليان والاضطراب ، يقال فَارَتِ القدرُ فَوْراً وفَوَرَاناً : إذا غلت ، أستعير للسرعة. قوله : ( وَفارَ التَّنُّورُ ) [ ١١ / ٤٠ ] أي نبع ، يقال فَارَ الماء يَفُورُ فَوْراً : نبع وجرى.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْحُمَّى مِنْ فَوْرِ جَهَنَّمَ ».

أي من غليانها. وفَارَ العرقُ فَوْراً : هاج. ورجعت إليه من فَوْرِي : أي من قبل أن أسكن. وقولهم « الشفعة على الفَوْرِ » أي على الوقت الحاضر الذي لا تأخير فيه ، ثم استعمل في الحالة التي لا بطء فيها

( فهر )

فِي الْحَدِيثِ « كَأَنَّهُمْ يَهُودُ خَرَجُوا مِنْ فُهْرِهِمْ ».

فُهْرُ اليهود بالضم بيعهم ومدارسهم ، وفي الصحاح وأصلها بهر وهي عبرانية فعربت ، وفي النهاية هي كلمة نبطية أو عبرانية أعربت. والفِهْرُ : الحجر ملء الكف ، وقيل الحجر مطلقا. و « فِهْر » بالكسر أبو قبيلة ، وهو فِهْرُ بن مالك بن النضر بن كنانة.

وَفِي الْخَبَرِ « نَهَى عَنِ الفَهْرِ وَالفَهَرِ ».

مثل نهر ونهر وهو أن يجامع الرجل امرأة ثم يتحول عنها قبل الفراغ إلى أخرى فينزل.

٤٤٥

باب ما أوله القاف

( قبر )

قوله تعالى : ( ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ) [ ٨٠ / ٢١ ] أي جعله ذا قبر يوارى فيه وسائر الحيوانات تلقى على وجه الأرض ، فالقَبْرُ مما أكرم به الله بني آدم ، وجمعه قُبُور ومَقْبَرَة مثلثة الباء ، يقال أَقْبَرْتُ الميتَ : أمرت أن يدفن أو جعلت له قبرا ، وقَبَرْتُ الميت من بابي قتل وضرب دفنته. ومنه الْحَدِيثُ « نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ » (١).

هي موضع دفن الموتى. قيل وإنما نهى عنها لاختلاط ترابها بصديد الموتى ونجاستهم. وطين القَبْر إذا أطلق يراد به طين قَبْرِ الحسين عليه السلام. وفِي قَوْلِهِ : خَلُوقُ الْقَبْرِ يَكُونُ فِي ثَوْبِ الْإِحْرَامِ؟ فَقَالَ : « لَا بَأْسَ ».

يريد به قَبْر النبي صلى الله عليه وآله. قال بعض الأفاضل : خلوق القِبْر بكسر القاف وإسكان الباء الموحدة وهو المتخذ من قِبْرِ العود ، أي يكون في الخلط الغالب على سائر أخلاطه قِبْر العود. قال : وبعض لم يفرق ذلك فتح القاف وأراد به قَبْرَ النبي صلى الله عليه وآله وهو توهم. وقَبْرُ النبي بالمدينة. وقَبْرُ حمزة بن عبد المطلب عند جبل أحد في المدينة أيضا. ومَقَابِرُ قريش في بغداد معهم الكاظم والجواد عليه السلام. وفي الحديث ذكر العصفور والقُبَّرَة ، بضم القاف وتشديد الباء مفتوحة من غير نون والنون لغة ، واحدة القُبَّر هو ضرب من العصافير معروف ، ويقال القُنْبَرَاءُ بالنون مع المد.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْقُبَّرَةُ كَثِيرَةُ التَّسْبِيحِ لِلَّهِ ، وَتَسْبِيحُهَا لِلَّهِ : لَعَنَ اللهُ مُبْغِضِي آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله » (٢).

__________________

(١) من لا يحضر ج ١ صلى الله عليه وآله ١٥٨.

(٢) سفينة البحار ج ٢ صلى الله عليه وآله ٤٩٩.

٤٤٦

وفي حياة الحيوان عن كعب الأحبار مثله. والقَنْبَرِيُ رجل من ولد قَنْبَر الكبير.

( قتر )

قوله تعالى : ( تَرْهَقُها قَتَرَةٌ ) [ ٨٠ / ٤١ ] القَتَرَةُ بالتحريك الغبار. وفي الغريب ( تَرْهَقُها قَتَرَةٌ ) يعلوها سواد كالدخان. قوله : ( وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ) [ ٢ / ٢٣٦ ] المُقْتِرُ : الفقير المقل.

وَفِي الْحَدِيثِ « أَنْفِقْ وَلَا تَخَفْ إِقْتَاراً ».

الإِقْتَارُ : القلة والتضييق على الإنسان في الرزق ، يقال أَقْتَرَ اللهُ رزقَه : أي ضيقه وقلله. وقَتَرَ عليه قَتْراً وقُتُوراً ـ من بابي ضرب وقعد ـ : ضيق عليه في النفقة ، ومِنْهُ « قَتَرَ عَلَى عِيَالِهِ ».

إذا ضيق عليهم. وأَقْتَرَ إِقْتَاراً وقَتَّرَ تَقْتِيراً مثله. والقُتَارُ بالضم : الدخان من المطبوخ وقيل ريح اللحم المشوي المحترق ، أو العظم ، أو غير ذلك. يقال قَتَرَ اللحمُ من بابي قتل وضرب : ارتفع قُتَارُهُ.

وَفِي الْخَبَرِ « نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ قِتْرَةَ وَمَا وَلَدَ ».

هو بكسر القاف وسكون التاء : اسم إبليس لعنه الله. والقَتِيرُ : الشيب.

( قدر )

قوله تعالى : ( يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ ) [ ١٣ / ٢٦ ] أي يقتر ، يقال قُدِرَ على الإنسان رزقُه قَدْراً مثل قتر وضيق رزقه عليه. قوله : ( عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ) [ ٥٤ / ١٢ ] أي على حال قدرها الله كيف يشاء ، وقيل على حال جاءت مُقَدَّرَة مستوية ، وهو أن قَدْرَ ما أنزل من السماء كَقَدْرِ ما أخرج من الأرض سواء بسواء. قوله : ( فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) [ ٢١ / ٨٧ ] أي لن نضيق عليه رزقه ، والمراد أنا نرزقه من غير تضييق سواء كان مقيما بين أقوامه ومهاجرا عنهم والقَدْرُ : الضيق. قوله : ( أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ ) [ ٨٩ / ١٦ ]

٤٤٧

قال الشيخ أبو علي : قرأ أبو جعفر وابن عامر فَقَدَّرَ بالتشديد ، والمعنى قسم الله سبحانه أحوال البشر فقال : ( فَأَمَّا ) الإنسان ( إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ ) أي اختبره وامتحنه بالنعمة وأكرمه بالمال ونعمه بما وسع عليه من أنواع الإفضال ( فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ) أي فيفرح بذلك ويقول ربي أعطاني وهذا لكرامتي عنده ومنزلتي لديه ، يحسب أنه كريم عند الله حيث وسع عليه الدنيا ( وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ ) بالفقر والفاقة ( فَقَدَرَ عَلَيْهِ ) أي ضيق وقتر عليه رزقه وجعله على قدر البلغة ( فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ ) فيظن أن ذلك هوان من الله ويقول ربي أذلني بالفقر ، قال تعالى ( كَلَّا ) أي ليس الأمر كما ظن ، فإني لا أغني المرء لكرامته ولا أفقره لمهانته عندي ، ولكن أوسع على من أشاء وأضيق على من أشاء بحسب ما توجبه الحكمة ويقتضيه الصلاح ابتلاء بالشكر ، وإنما الإكرام على الحقيقة يكون بالطاعة والإهانة تكون بالمعصية. ثم بين سبحانه ما يستحق به الهوان بقوله ( بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ) إلى آخر الآيات. قوله : ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) [ ٩٧ / ١ ] قال الشيخ أبو علي : الهاء كناية عن القرآن وإن لم يجر له ذكر لأنه لا يشتبه الحال فيه.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَنْزَلَ اللهُ الْقُرْآنَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ ، ثُمَّ كَانَ يُنَزِّلُهُ جَبْرَئِيلُ نُجُوماً ، وَكَانَ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى الْآخِرِ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً.

واختلف العلماء في معنى هذا الاسم وحده ، فقيل سميت ليلة القَدْر لأنها الليلة التي يحكم الله فيها ويقضي بما يكون في السنة بأجمعها من كل أمر ، وهي الليلة المباركة في قوله ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) لأن الله تعالى ينزل فيها الخير والبركة والمغفرة.

وَفِي الْخَبَرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : يَقْضِي الْقَضَايَا فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ثُمَّ يُسَلِّمُهَا إِلَى أَرْبَابِهَا ( فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) أَيْ لَيْلَةِ الشَّرَفِ وَالْخَطَرِ وَعِظَمِ الشَّأْنِ ، مِنْ قَوْلِهِمْ رَجُلٌ لَهُ قَدْرٌ عِنْدَ النَّاسِ : أَيْ مَنْزِلَةٌ وَشَرَفٌ ، وَمِنْهُ ( ما قَدَرُوا اللهَ حَقَ قَدْرِهِ ) أَيْ مَا عَظَّمُوهُ

٤٤٨

حَقَّ عَظَمَتِهِ. وقِيلَ لِأَنَّ لِلطَّاعَاتِ فِيهَا قَدْراً عَظِيماً وَثَوَاباً جَزِيلاً. وقِيلَ سُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِأَنَّهُ أُنْزِلَ فِيهَا كِتَابٌ ذُو قَدْرٍ إِلَى رَسُولٍ ذِي قَدْرٍ لِأَجْلِ أُمَّةٍ ذَاتَ قَدْرٍ عَلَى يَدَيْ مَلَكٍ ذِي قَدْرٍ. وقِيلَ لِأَنَّ اللهَ قَدَّرَ فِيهَا إِنْزَالَ الْقُرْآنِ. وقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَضِيقُ فِيهَا بِالْمَلَائِكَةِ مِنْ قَوْلِهِ ( وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ) وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ ثم قال : واختلفوا في تحقيق استمرارها وعدمه ، فذهب قوم إلى أنها إنما كانت على عهد رسول الله ثم رفعت ، وقال آخرون لم ترفع بل هي إلى يوم القيامة ... إلى أن قال : وجمهور العلماء في أنها في شهر رمضان في كل سنة ـ انتهى. وهذا هو الحق يعلم ذلك من مذهب أهل البيت عليه السلام بالضرورة ، ولا خلاف بين أصحابنا في انحصارها في ليلة تسعة عشر منه ، وإحدى وعشرين ، وثلاث وعشرين إلّا من الشيخ قدس‌سره فإنّه نقل الإجماع عنه في ( التبيان ) على أنّها في فرادى العشرالأواخر منه. ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ) على إمام الزمان فيعرضون عليه كلّ ما قدّر في تلك السنة ، ويسلّمون عليه وعلى أوليائه ( حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) والأخبار مستفيضة بذلك. بقي هنا إشكال ، هو أنّه ربّما تختلف باختلاف الأهلّة المختلفة باختلاف الأقاليم فلا تعرف ، وأجيب عنه بأجوبة ، منها : أن يكون المدار على بلد الإمام في نزول الملائكة والرّوح ، ويكون للآخرين ثواب عبادة ليلة القدر إذا عبدوا اللّيلة الأخرى. ومنها : أن يكون الإمام في كلّ ليلة في إقليم ، وتنزّل الملائكة في الليلتين معا. الثالث : أن يكون الإمام في بلدة ، لكن تنزّل عليه الملائكة في كلّ ليلة بأحوال أصحاب البلد التي تلك الليلة ليلة قدرهم.

وَفِي الْحَدِيثِ سُورَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وَأَهْلِ بَيْتِهِ.

والوجه في ذلك أنهم هم المخصوصون بتنزل الملائكة عليهم في ليلة القَدْرِ دون غيرهم ، فنسبت السورة إليهم لذلك. وفِيهِ « هَلَكَ امْرُؤٌ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَهُ » (١).

وذلك لأن من لم يعرف قدره في مظنة أن يتجاوزه. وفِيهِ « الْعَالِمُ مَنْ عَرَفَ قَدْرَهُ وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلاً أَنْ لَا يَعْرِفَ قَدْرَهُ » (٢).

حصر العالم فيمن عرف قدره لأن ذلك يستلزم معرفته لنفسه فلا يتجاوز حده ، وفي ذلك تمام العلم ، ويلزمه من ذلك أن من لا يعرف قدره لا يكون عالما لأن سلب اللازم يستلزم سلب الملزوم ، فيكون إذا جاهلا. وقَدَرْتُ على الشيء ـ من باب ضرب ـ : قويت عليه وتمكنت منه. والاسم القُدْرَةُ ، والفاعل قَدِيرٌ وقَادِرٌ والشيء مَقْدُورٌ عليه

وَفِي حَدِيثِ الصَّادِقِ عليه السلام مَعَ عَبْدِ اللهِ الدَّيَصَانِيِ وَقَدْ سَأَلَهُ : اللهُ قَادِرٌ

__________________

(١) نهج البلاغة ج ٣ صلى الله عليه وآله ١٨٩.

(٢) نهج البلاغة ج ١ صلى الله عليه وآله ٩٧.

٤٤٩

أَنْ يُدْخِلَ الدُّنْيَا كُلَّهَا فِي الْبَيْضَةِ لَا تَصْغَرُ الدُّنْيَا وَلَا تَكْبُرُ الْبَيْضَةُ.

فأجابه بما حاصله عدم امتناع ذلك ، وكأنه جواب إقناعي يقنع به السائل ويرتضيه ويكتفي به ، إذ ما ذكره من الأمور المحالية الممتنعة في ذاتها الممتنعة الوجود في الخارج. والتحقيق ما أجاب به علي عليه السلام حين سئل بذلك ، وهوأَنَّ اللهَ لَا يُوصَفُ بِعَجْزٍ وَالَّذِي سَأَلْتَنِي عَنْهُ لَا يَكُونُ ، وَمَنْ أَقْدَرُ مِمَّنْ يُلَطِّفُ الْأَرْضَ وَيُعَظِّمُ الْبَيْضَةَ.

و ( الْقادِرُ ) من أسمائه تعالى ، وهو وإن ظهر معناه لكن يحتمل أن يكون بمعنى المُقَدِّر ، قال الله تعالى ( فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ ). ومن أسمائه « المُقْتَدِرُ » وهو مفتعل من القُدْرَة ، والاقْتِدَار أبلغ وأعم ، والقَادِرُ والمُقْتَدِر إذا وصف الله بهما فالمراد نفي العجز عنه فيما يشاء ويريد ، ومحال أن يوصف بِالْقُدْرَةِ المطلقة غير الله تعالى وإن أطلق عليه لفظا. والقَدَرُ : عبارة عما قضاه الله وحكم به من الأمور ، وهو مصدر قَدَرَ يَقْدِرُ قَدَراً وقد تسكن داله ، ومنه ( « لَيْلَةِ الْقَدْرِ » ) وهي ليلة تقدر فيها الأرزاق وتقضى ، فالقَدَرُ بالفتح فالسكون ما يقدره الله من القضاء ، وبالفتح ما صدر مقدورا عن فعل القادر.

وَفِي الفَقِيهِ لِلصَّدُوقِ « لَمَّا سَاقَنِي الْقَضَاءُ إِلَى بِلَادِ الْغُرْبَةِ وَحَصَّلَنِي الْقَدَرُ مِنْهَا » (١).

إلى آخر عبارته. ربما اعترض على هذا بأن ظاهرها يعطي الجبر في الأفعال وهو بعيد من مثله. ويمكن الجواب بأن أفعال العباد لما كانت منهم على وفق القضاء الثابت في الأزل والقَدَر الكائن فيما لا يزال كانا كأنهما هما المؤثران في ذلك الفعل ، فأسنده إليهما على طريق المجاز لا الحقيقة ، أو يقال ليس المراد بهما القضاء والقَدَر اللازمين بل المراد بهما الحكم والأمر من الله تعالى كما في قوله ( وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) على ما بينه علي عليه السلام في مسألة من سأله عن مسيرهم

__________________

(١) من لا يحضر ج ١ صلى الله عليه وآله ٢.

٤٥٠

إلى الشام وقد تقدم ذلك في قضاء ، أو يقال سبق علم الله في حدوث الكائنات أوجب صدورها من العباد وإلا لانقلب العلم جهلا وذلك لا ينافي القُدْرَةِ الاختيارية للعبد من حيث الإمكان الذاتي ، لإمكان اجتماع الإمكان والوجوب باعتبارين.

وَفِي الْخَبَرِ « كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزُ وَالْكَسَلُ (١).

وَفِي حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله « إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدَّرَ التَّقَادِيرَ وَدَبَّرَ التَّدَابِيرَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ بِأَلْفَيْ عَامٍ ».

وفي الحديث ذكر القَدَرِيَّةِ ، وهم المنسوبون إلى القَدَرِ ويزعمون أن كل عبد خالق فعله ، ولا يرون المعاصي والكفر بتقدير الله ومشيته ، فنسبوا إلى القَدَرِ لأنه بدعتهم وضلالتهم. وفي شرح المواقف قيل القَدَرِيَّةُ هم المعتزلة لإسناد أفعالهم إلى قدرتهم.

وَفِي الْحَدِيثِ « لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَدَرِيٌ ».

وهو الذي يقول لا يكون ما شاء الله ويكون ما شاء إبليس. والتَّقْدِير : هو تقدير الشيء من طوله وعرضه كما جاءت به الرواية.

وَفِي الْحَدِيثِ « التَّقْدِيرُ وَاقِعٌ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْإِمْضَاءِ ».

أي واقع على القضاء المتلبس بالإمضاء ، فعلى هنا ـ على ما قيل ـ نهجية ليست للاستعلاء ، وفي كلامه إشارة إلى شيئين : الأول أن التَّقْدِيرَ مشتمل على كل التفاصيل الموجودة في الخارج ، والثاني أنه واسطة بين القضاء والإمضاء. ومعنى القضاء هو النقش الحتمي.

وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ : وَسُئِلَ عَنِ الْقَدَرِ؟ فَقَالَ « طَرِيقٌ مُظْلِمٌ فَلَا تَسْلُكُوهُ وَبَحْرٌ عَمِيقٌ فَلَا تَلِجُوهُ وَسِرُّ اللهِ فَلَا تَتَكَلَّفُوهُ » (٢).

قال بعض الشارحين : معنى القَدَرِ هنا ما لا نهاية له من معلومات الله فإنه لا طريق لنا ولا إلى مقدوراته ، وقيل القَدَرُ هنا ما يكون مكتوبا في اللوح المحفوظ وما دللنا على تفصيله وليس لنا أن نتكلفه ، ويقال اللوح المحفوظ القَدَر والكتاب القَدَر كأن كل شيء قدر الله كتبته.

__________________

(١) هذا الحديث في مادة عجز كل شيء يقدر حتى العجز والكسل.

(٢) نهج البلاغة ج ٣ صلى الله عليه وآله ٢٢٢.

٤٥١

وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الْقَدَرِ؟ فَقَالَ : هُوَ تَقْدِيرُ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ثُمَّ قَضَاهَا وَفَصَلِّهَا.

وَعَنِ الصَّادِقِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ : « النَّاسُ فِي الْقَدَرِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَنَازِلَ : مَنْ جَعَلَ لِلْعِبَادِ فِي الْأَمْرِ مَشِيَّةً فِيهِ فَقَدْ ضَادَّ اللهَ ، وَمَنْ أَضَافَ إِلَى اللهِ تَعَالَى شَيْئاً هُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ فَقَدِ ( افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ) ، وَرَجُلٌ قَالَ إِنْ رُحِمْتَ فَبِفَضْلِ اللهِ عَلَيْكَ وَإِنْ عُذِّبْتَ فَبِعَدْلِ اللهِ فَذَاكَ الَّذِي سَلِمَ لَهُ دِينُهُ وَدُنْيَاهُ ».

وفي الحديث الحث على تَقْدِيرِ المعيشة وهو التعديل بين الإفراط والتفريط ، وهو من علامات المؤمن. ويقال مَا لَهُ عِنْدِي قَدْرٌ وَلَا قَدَرٌ : أي ما له عندي حرمة ووقار. وإذا وافق الشيء الشيء قيل على قَدَر بالفتح لا غير. والقَدَرُ : ما يقدره الله من القضاء ، وقد سبق في قضى ما يعين على معرفة القَدَر.

وَفِي الدُّعَاءِ « فَاقْدِرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ ».

أي اقض لي به وهيئه. ويقال « ما لي عليه مَقْدَرَةٌ » أي قدرة. ورجل ذو قُدْرَةٍ ومَقْدُرَةٍ ـ بضم الدال وفتحها ـ أي يسار.

وَفِي الْحَدِيثِ « قَدْرُ الرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِهِ » (١).

قَدْرُهُ منزلته في اعتبار الناس من تعظيم واحتقار ، وهو من لوازم علو همته أو دناءتها ، فعلو همته أن لا يقتصر على بلوغ أمر من الأمور التي يراد بها شرفا وفضيلة حتى يسمو إلى ما وراءها مما هو أعظم ، ويلزم من ذلك تنبيله وتعظيمه ، وصغرها أن يقتصر على محقرات الأمور ، وبحسب ذلك يكون قَدْرُهُ. والإنسان قَادِرٌ مختار : أي إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل. والذي يظهر من كثير من الأحاديث أن العبد ليس قَادِراً تاما على طرفي فعله كما هو مذهب المعتزلة ، وإنما قُدْرَتُهُ التامة على الطرف الذي وقع منه فقط ، وأما على الطرف الآخر فَقُدْرَتُهُ ناقصة. والسبب في ذلك مع تساوي نسبة الأقدار

__________________

(١) نهج البلاغة ج ٣ صلى الله عليه وآله ١٦٣.

٤٥٢

والتمكين منه تعالى إلى طرفي الفعل أمر يرجع إلى نفس العبد ، وهو إرادة أحد الطرفين دون الآخر لا من الله فيلزم الجبر كما هو مذهب الأشاعرة ، فالقُدْرَةُ التامة للعبد على ما زعمه المعتزلة باطل ، والقول بعدم القُدْرَةِ على شيء من الطرفين كما زعمه الأشعرية أظهر بطلانا ، والحق ما بينهما وهو القُدْرَةُ التامة فيما يقع من العبد فعله والناقصة فيما لم يقع ، وكذا القول في الاستطاعة التامة والناقصة على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى ، يؤيده قَوْلُهُ عليه السلام « بَيْنَ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ مَنْزِلَةٌ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ ».

والمراد من القَدَرِ هنا قَدَرُ العباد ، حيث زعمت المعتزلة أن العباد ما شاءوا صنعوا. والقِدْرُ بالكسر : آنية يطبخ بها ، والجمع قُدُور كحمل وحمول ، وهي مؤنثة ، وتصغيرها قُدَيْر على غير القياس.

( قذر )

فِي الْحَدِيثِ « الْمَاءُ طَاهِرٌ إِلَّا مَا عَلِمْتَ أَنَّهُ قَذَرٌ » (١).

القَذَرُ مصدر قَذِرَ الشيءُ فهو قَذِرٌ من باب تعب إذا لم يكن نظيفا. وقَذِرْتُهُ من باب تعب أيضا : كرهته. وعن الأزهري القَذَرُ الخارج من بدن الإنسان ، يعني الغائط. والقَذَرُ : النجاسة ، وبكسر المعجم المتنجس ، ومنه شيء قَذِرٌ : بين النجاسة. ومنه قَوْلُ الصَّادِقِ عليه السلام « كُلُّ مَاءٍ طَاهِرٌ إِلَّا مَا عَلِمْتَ أَنَّهُ قَذِرٌ ».

واختلف في المراد من العلم ، فعند أبي الصلاح هو الظن المطلق وإن لم يستند إلى سبب شرعي وعند غيره هو القطع لا غير فلا عبرة بالظن مطلقا ، وهو مذهب ابن البراج ، وعند آخرين هو ما يعم القطع والظن الخاص أعني ما أسند إلى سبب شرعي كشهادة العدلين ، وهو قريب.

وَفِي الْحَدِيثِ « بِئْسَ الْعَبْدُ الْقَاذُورَةُ ، وَإِنَّ اللهَ يُبْغِضُ الْعَبْدَ الْقَاذُورَةَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي لَا يُبَالِي بِمَا قَالَ وَمَا صَنَعَ ».

والقَاذُورَةُ : الشيء الخلق ، وكان المراد به هنا الوسخ الذي لم يتنزه عن الأقذار. وقد يطلق القَاذُورَة على الفاحشة ،

__________________

(١) من لا يحضر ج ١ صلى الله عليه وآله ٦.

٤٥٣

ولعل منه قَوْلَهُ صلى الله عليه وآله « اجْتَنِبُوا هَذِهِ الْقَاذُورَةَ الَّتِي نَهَى اللهُ عَنْهَا ».

أعني الزنا ونحوه. وقَوْلَهُ « مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئاً فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللهِ ».

يريد بذلك ما فيه حد كالزنا وشرب الخمر.

وَفِي الْحَدِيثِ « لَا يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَقْذِرَهَا ».

بكسر الذال ، أي يكرهها وتنفر طبيعته منها. ورجل مَقْذَرٌ : نجسه الناس. و « قَاذِر » اسم ابن إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام ، ويقال له قَيْذَر وقَيْذَار.

( قرر )

قوله تعالى : ( الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ) [ ٢٥ / ٧٤ ] يعني هب لنا من جهتهم ما تقر به أعيننا من صلاح وعلم ، ونكر القُرَّة بتنكير المضاف إليه ، فكأنه قال : هب لنا فيهم سرورا وفرحا ـ كذا ذكره الشيخ أبو علي. ومثله قوله : ( قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ) [ ٢٨ / ٩ ] أي فرح وسرور لي ولك. قوله : ( رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ ) [ ٢٣ / ٥٠ ] مر تفسيره في ربا. قوله : ( فِي قَرارٍ مَكِينٍ ) [ ٢٣ / ١٣ ] قال : في الأنثيين ثم في الرحم. قوله : ( يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها ) [ ١١ / ٦ ] أي مأواها على وجه الأرض ومدفنها ، أو موضع قرارها ومسكنها ومستودعها حيث كانت مودعة فيه قبل الاستقرار من أصلاب الآباء وأرحام الأمهات. قوله : ( أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً ) [ ٢٥ / ٢٤ ] قيل المراد بِالمُسْتَقَرِّ المكان الذي يستقر فيه ، والمقيل مكان الاستراحة ، مأخوذ من مكان القيلولة. ويحتمل أن يراد بأحدهما الزمان ، أي مكانهم وزمانهم أطيب ما يتخيل من الأمكنة والأزمان ، ويحتمل المصدرية منهما أو في أحدهما. قوله : ( فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ) [ ٦ / ٩٨ ] قيل مُسْتَقَرٌّ في الرحم إلى أن يولد ، ومستودع في القبر إلى أن يبعث. وقيل مُسْتَقَرٌّ في بطون الأمهات ومستودع في أصلاب

٤٥٤

الآباء ، وقيل مُسْتَقَرٌّ على ظهر الأرض في الدنيا ومستودع عند الله في الآخرة ، وقيل غير ذلك. قوله : ( وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ) [ ٢ / ٣٦ ] أي موضع قرار. قوله : ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ) [ ٣٦ / ٣٨ ] أي لحد لها موقت بقدر تنتهي إليه من فلكها آخر السنة ، شبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره ، أو لمنتهى لها من المشارق والمغارب حتى تبلغ أقصاها ، فذلك مستقرها لأنها لا تعدوه ، أو لحد لها من مسيرها كل يوم في مرائي عيوننا وهو المغرب. قوله : ( لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ ) [ ٦ / ٦٧ ] أي منتهى في الدنيا أو في الآخرة. قوله : ( قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ ) [ ٧٦ / ١٦ ] هي جمع قِارُورَة : الزجاج. قال الشيخ أبو علي : قرئ قَوَارِيرَ قَوَارِيرَ غير منونين وبالتنوين في الأولى منهما ، وهذا التنوين من حرف الإطلاق ، لأنه كالفاصلة من الشعر ، وفي الثاني لاتباعه الأول ، ومعنى قوله ( قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ ) أنها مخلوقة من فضة قد جمعت بين بياض الفضة وحسنتها وبين صفاء القوارير وشفيفها ، ومعنى كانت أنها تكون قوارير بتكوين الله إياها وتفخيم لتلك الخلقة العجيبة الجامعة بين صفتي الجوهرين المتباينين. قوله : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ ) [ ٣٣ / ٣٣ ] إن قرئ بفتح القاف أراد اقْرَرْنَ ، حذفت الراء الأولى تخفيفا وحول فتحها إلى القاف فسقطت ألف الوصل ، وإن قرئ وَقِرْنَ بكسر القاف فهي من وَقَرَ الرجلُ يَقِرُ إذا ثبت ، أي اثبتن في بيوتكن.

وَفِي حَدِيثِ الْمَيِّتِ « نَمْ قَرِيرَ الْعَيْنِ ».

قُرَّةُ العين : برودتها وانقطاع بكائها ورؤيتها ما كانت مشتاقة إليه. والقُرُّ بالضم : ضد الحر ، والعرب تزعم أن دمع الباكي من شدة السرور باردة ، ودمع الباكي من الحزن حارة ، فَقُرَّةُ العين كناية عن الفرح والسرور والظفر بالمطلوب يقال قَرَّتْ عينُه تَقِرُّ بالكسر والفتح قَرَّةً بالفتح والضم. ومثله فِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ « أَقَرَّ اللهُ

٤٥٥

عَيْنَكَ ».

أي برد الله دمعتك ، وقيل معنى أَقَرَّ اللهُ عينَك أنامها ، من قَرَّ إذا سكن ، وقيل معنى أَقَرَّ اللهُ عينَك بلغك أمنيتك حتى ترضى نفسك وتسكن عينك ، وحاصل الكل الدعاء له بما يسره ولا يسوؤه.

وَفِي حَدِيثِ مَنْ بِهِ قُرُوحٌ « أَقِرُّوهُ حَتَّى تَبْرَأَ ».

أي أخروه عن إقامة الحد عليه حتى تبرأ. وأَقَرَّ الرجلُ بالشيء : أي اعترف به وتَقْرِيرُهُ بالشيء : حمله على الإقرار به وأَقْرَرْتُ العاملَ على عمله : أي تركته قَارّاً.

وَفِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ « إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَقَرَّ ».

يعني عند زوجها بفتح القاف أي تمكث ، ويجوز الكسر تقول قَرِرْتُ بالمكان بالكسر أَقَرُّ بالفتح وقَرَرْتُ أَقِرُّ بالعكس.

وَفِي الدُّعَاءِ « وَاجْعَلْ عَيْشِي قَارّاً ».

وفسر بثلاث تفسيرات : أحدها أن المراد بالعيش القَارِّ أن يكون مستقرا دائما غير منقطع. الثاني أن يكون واصلا إلى حال قَرَارِي في بلدي ، فلا أحتاج في تحصيله إلى السفر والانتقال من بلد إلى بلد. الثالث المراد بالعيش القَارِّ العيش في السرور والابتهاج ، أي قَارّاً لعيني مأخوذ من قرة العين. وفِيهِ « وَاجْعَلْ لِي عِنْدَ قَبْرِ رَسُولِكَ مُسْتَقَرّاً وَقَرَاراً ».

المُسْتَقَرُّ على صيغة المفعول : المكان والمنزل ، والقَرَارُ : المكث فيه. ونقل عن الشهيد أن المُسْتَقَرَّ في الدنيا كما قال تعالى ( وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ ) وقَرَارٌ في الآخرة كما قال تعالى ( إِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ ). وأورد عليه أنه لا يلائم

قَوْلَهُ « عِنْدَ قَبْرِ رَسُولِكَ ».

وأجيب بأن المراد بالآخره ليس ما بعد يوم القيامة بل ما قبله ، يعني أيام الموت ، والمراد أن يكون مسكنه في الحياة ومدفنه بعد الممات في المدينة.

وَفِي الْحَدِيثِ « إِلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْقُرَّ ».

أي البرد. ويوم قَرٌّ وليلة قَرَّةٌ : أي باردة. والقِرَّةُ بالكسر : البرد أيضا.

٤٥٦

ويوم القَرِّ بالفتح : اليوم الذي بعد يوم النحر ، لأن الناس يقرون في منازلهم وقَرَّ الحديثَ في أذنه يَقِرُّهُ : كأنه صبه فيها. وأَقَرَّ الشيءُ : أي سكن وانقاد واسْتَقَرَّ الشيءُ فسكن وقر.

وَفِي الْحَدِيثِ « قِرِّي كَعْبَةُ ».

أي اسكني واثبتى على حالك. والحياة المُسْتَقِرَّةُ في الصيد : هي الثابتة فيه ، وفسرت بما يمكن أن يعيش ولو نصف يوم. وقَرْقَرَ بطنُه : أي صوت ، والجمع قَرَاقِر. ومنه الْحَدِيثُ « تَعْتَرِينِي قَرَاقِرُ فِي بَطْنِي ».

والقَرْقَرَةُ : الهرير. والقَرْقَرُ : القاع الأملس ، ومنه حَدِيثٍ مَانِعُ الزَّكَاةِ « حَبَسَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ ».

ويروى بقاع قَفْر ، ويروى بقاع قَرْق ، وهو مثل القَرْقَر في المعنى ـ قاله في معاني الأخبار (١).

( قسر )

قوله تعالى : ( فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ) [ ٧٤ / ٥١ ] أي هربت من أسد. والقَسْوَرَة : الأسد (٢)و قَسَرَهُ على الأمر قَسْراً من باب ضرب : أكرهه عليه وقهره. وأَقْسَرَهُ واقْتَسَرَهُ مثله. ومنه « أَخَذْتُ شَيْئاً قَسْراً ».

أي قهرا وإكراها. و « قَسْر » بطن من بجيلة ، وهم رهط خالد بن عبد الله القَسْرِيِ ـ قاله الجوهري. والاقْتِسَارُ : الذي لا اختيار فيه ، ومِنْهُ « مَرْبُوبُونَ اقْتِسَاراً » (٣).

أي رباهم الله من عند كونهم أجنة إلى كبرهم من غير اختيار منهم.

__________________

(١) انظر معاني الأخبار صلى الله عليه وآله ٣٣٥.

(٢) في حياة الحيوان ج ٢ صلى الله عليه وآله ٢٥١ : القسورة فعولة من القسر وهو القهر ، سمي الأسد بذلك لأنه يقهر السباع.

(٣) نهج البلاغة ج ١ صلى الله عليه وآله ١٣٢.

٤٥٧

و « قِنَّسْرُون » بلد بالشام ، بكسر القاف والنون مشددة وتفتح (١) ، والنسبة إليه قِنَّسْرِيٌ.

( قشر )

القَاشِرَه : أول الشجاج لأنها تقشر الجلد. والقِشْر بالكسر كالجلد من الإنسان ، والجمع قُشُور كحمل وحمول. وقَشَرْتُ العودَ ـ من بابي ضرب وقتل ـ : نزعت عنه قشره ، ويقال قَشَّرْتُهُ تَقْشِيراً. و « قُشَيْرٌ » أبو قبيلة ، وهو ابن كعب ابن ربيعة.

( قشعر )

قوله تعالى : ( تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ) [ ٣٩ / ٢٣ ] أي تنقبض منه ، يقال اقْشَعَرَّ جلد فلان اقْشِعْرَاراً فهو مُقْشَعِرٌّ : إذا أَخَذَتْهُ قَشْعَرِيرَةٌ ، والجمع القَشَاعِر ، فتحذف الميم لزيادتها.

( قشمر )

« قِشْمِير » بالشين المعجمة بعد القاف في نسخ متعددة مدينة من مدائن الهند (٢).

( قصر )

قوله تعالى : ( فِيهِنَ قاصِراتُ الطَّرْفِ ) [ ٥٥ / ٥٦ ] هي جمع قَاصِرَة ، وهي التي لا تمد نظرها إلى غير زوجها ، أي قصرن أبصارهن على أزواجهن ولم يطمحن النظر إلى غيرهم. قوله : ( حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ ) [ ٥٥ / ٧٢ ] أي مخدرات قصرن في خدورهن في الخيام ، أي الحجال.

وَفِي الْخَبَرِ « الْخَيْمَةُ دُرَّةٌ وَاحِدَةٌ طُولُهَا

__________________

(١) في معجم البلدان ج ٤ صلى الله عليه وآله ٤٠٣ : قال أبو بكر بن الأنباريّ : وفي إعرابها وجهان يجوز أن تجريها مجرى قولك الزيدون فتجعلها في الرّفع بالواو فتقول هذه قنسرون ، وفي النّصب والخفض بالياء فتقول مررت بقنسرين ورأيت قنسرين ، والوجه الآخر أن تجعلها بالياء على كلّ حال وتجعل الإعراب بالنون ولا تصرّفها. قال أبو القاسم : هذا الّذي ذكره من طريق اللّغة ولم يسمّ البلد بذلك لما ذكره.

(٢) ويقال لها الآن كشمير.

٤٥٨

فِي السَّمَاءِ سِتُّونَ مِيلاً ، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ لِلْمُؤْمِنِ لَا يَرَاهُ الْآخَرُونَ ».

قوله : ( تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ ) [ ٧٧ / ٣٢ ] هو واحد القصور ، ومن قرأ كَالْقَصَرِ بالتحريك أراد أعناق النخل. قوله : ( وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ) [ ٢٢ / ٤٥ ] نقل أنه قَصْرٌ بناه شداد بن عاد بن إرم لم يبن في الأرض مثله فيما ذكر ، وحاله كحال هذه البئر في أنه خرب بعد العمران وأقفر ، فلا يستطيع أحد الإيصال إليه لما يسمع منه من كلام الجن والأصوات المنكرة بعد النعيم والعيش الرغيد ، فذكر الله في هذه الآية موعظة وتحذيرا لمن اتعظ ، وحذر سبحانه عما يقول الظالمون علوا كبيرا. قوله : ( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) [ ٤ / ١٠١ ] هو من قَصَرْتُ الصلاة قَصْراً ـ من باب قتل ـ : نقصت ، وهي اللغة العالية التي جاء بها الكتاب العزيز ، وأما قَصِرَ الشيءُ قِصَراً وزان عنب فهو خلاف طال فهو قَصِيرٌ ، ويتعدى بالتضعيف فيقال قَصَّرْتُهُ ، وعليه قوله تعالى : ( مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) [ ٤٨ / ٢٧ ].

وَفِي الْحَدِيثِ « هَذِهِ الْمَقَاصِيرُ إِنَّمَا أَحْدَثَهَا الْجَبَّارُونَ وَلَيْسَ لِمَنْ صَلَّى خَلْفَهَا مُقْتَدِياً بِالصَّلَاةِ فِيهَا صَلَاةٌ ».

المَقْصُورَة : الدار الواسعة والمحصنة ، أو هي أصغر من الدار كالقُصَارَة بالضم ، فلا يدخلها إلا صاحبها والجمع مَقَاصِير. ولعل بطلان صلاة من خلفها لعدم مشاهدة الإمام. وقَصْرُ الظلام : اختلاطه. وقَصْرُ النجوم : اشتباكها ، ومنه الْحَدِيثُ « كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ عِنْدَ قَصْرِ النُّجُومِ » (١).

وفي الكافي والتهذيب معنى قَصْرِ النجوم بيانها. وقَصَرْتُ الشيءَ أَقْصُرُهُ قَصْراً : حبسته ومنه « مَقْصُورَةُ الجامع ». وقَصَرْتُ الشيءَ على كذا : إذا لم أتجاوز به إلى غيره. وقَصَرْتُ عن الشيء قُصُوراً ـ من

__________________

(١) الكافي ج ٣ صلى الله عليه وآله ٢٨١ ، والتهذيب ج ٢ صلى الله عليه وآله ٢٦١.

٤٥٩

باب قعد ـ : عجزت عنه. والقَصِيرُ : خلاف الطويل ، والجمع قِصَار. وقَصْرُ الأمل ـ على ما فسر في الحديث ـ هو أنك

إِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْمَسَاءِ وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالصَّبَاحِ ، وَخُذْ مِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ وَمِنْ صِحَّتِكَ لِسَقَمِكَ ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا اسْمُكَ غَداً.

وقولهم « قُصَارَاكَ أن تفعل كذا » بالضم والفتح ، أي غايتك وآخر أمرك وما اقتصرت عليه. والتَّقْصِيرُ في الأمل : التواني فيه. والاقْتِصَار على الشيء : الاكتفاء به.

وَفِي الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ « أَقُصِرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللهِ » (١).

يروى ببناء مجهول ومعلوم ، وهو فتح قاف وضم صاد بمعنى نقص ، وقد مر البحث عن الخبر في يدي. وقَصَرْتُ الثوبَ قَصْراً : بيضته. والقِصَارَةُ بالكسر : الصناعة ، والفاعل قَصَّار. وقَصْرُ المَلِكِ : معروف ، والجمع قُصُور

مثل فلس وفلوس. و « قَيْصَرُ » كبيدر لقب هرقل ملك الروم ، وبه يلقب كل من ملك الروم ، وكذا يلقب كل من ملك فارس بِكِسْرَى وكل من ملك الحبشة بِالنَّجَاشِيِ. و « القَوْصَرَّةُ » بتشديد الراء وقد يخفف : ما يكنز فيه التمر.

( قطر )

قوله تعالى : ( سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ ) [ ٤٤ / ٥٠ ] هو بفتح القاف وكسر الطاء : الذي يطلى به الإبل التي فيها الجرب ، يتخذ من حمل شجر العرعر فيطبخ بها ثم يهنأ به ، وسكون الطاء وفتح القاف وكسرها لغة ، وقد أوعد الله المشركين أن يعذبهم به لمعان أربعة : للذعه وحرقته ، واشتعال النار فيه ، وإسراعها في المطلي به ، وسواد لونه بحيث تشمئز عنه النفوس من نتن رائحته ، فتطلى به جلودهم حتى يعود

__________________

(١) من لا يحضر ج ١ صلى الله عليه وآله ٢٣٣.

٤٦٠