مجمع البحرين - ج ٣

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٣

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٤

وَعَلِيٌّ فِيكُمْ.

أفقال ذلك هزءا أو جدا أو امتحانا ، فإن كان هزءا فالخلفاء لا يليق بهم الهزل. ثم قال : والعجب من منازعة معاوية بن أبي سفيان عليا في الخلافة أين ومن أين ، أليس رسول الله صلى الله عليه وآله قطع طمع من طمع فيها

بِقَوْلِهِ « إِذَا وَلِيَ الْخَلِيفَتَانِ فَاقْتُلُوا الْأَخِيرَ مِنْهُمَا ».

والعجب من حق واحد كيف ينقسم بين اثنين ، والخلافة ليست بجسم ولا عرض فتتجزأ ـ انتهى كلامه (١) وفيه دلالة على انحرافه عما كان عليه. والله أعلم وسوف يظهر الأمر ( يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ ). والغَدْرُ : ترك الوفاء ونقض العهد ، وقد غَدَرْتُهُ فهو غَادِرٌ وبابه ضرب. والغَدِيرَةُ : الذؤابة بالضم ، أعني الضفيرة ، واحدة الغَدَائِر أعني الذوائب. و « غُنْدَر » اسم رجل.

( غرر )

قوله تعالى : ( ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ) [ ٨٢ / ٦ ] أي أي شيء غرك بخالقك وخدعك وسول لك الباطل حتى عصيته وخالفته. قال الشيخ أبو علي : واختلف في معنى الكَرِيم ، فقيل هو المنعم الذي كل أفعاله إحسان وإنعام لا يجر به نفعا ولا يدفع به ضرا ، وقيل هو الذي يعطي ما عليه وما ليس عليه ولا يطلب ما له ، وقيل هو الذي يقبل اليسير ويعطي الكثير ومن كرمه سبحانه أنه لم يرض بالعفو عن السيئات حتى يبدلها بالحسنات ... إلى أن قال : وإنما قال الكريم دون سائر أسمائه وصفاته لأنه كان لقنه الإجابة حتى يقول غرني كرم الكريم. قوله : ( وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ ) [ ٣١ / ٣٣ ] الغَرُورُ بالفتح الشيطان ، وكل من غَرَّ فهو غَرُورٌ ، وسمي الشيطان غَرُوراً لأنه يحمل الإنسان على محابه ووراء ذلك ما يسوؤه. قال ابن السكيت والغَرُورُ أيضا ما رأيت له ظاهرا تحبه وفيه باطن مكروه ومجهول.

__________________

(١) انظر سر العالمين صلى الله عليه وآله ٢٠ ـ ٢٢ وفيه بعض الاختلافات اليسيرة في الألفاظ.

٤٢١

والغُرُورُ بضم المعجمة : الباطل ، مصدر غُرِرْتُ وما اغْتُرَّ به من متاع الدنيا. قوله : ( وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ ) [ ٣ / ١٨٥ ] أي الخداع الذي لا حقيقة له ، وهو المتاع الرديء الذي يدلس به على طالبه حتى يشتريه ثم يتبين له رداءته ، والشيطان هو المدلس.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ ».

أي ليس بذي مكر ، فهو ينخدع لانقياده ولينه وهو ضد الخب ، وفي النهاية إن المؤمن المحمود من طبعه الغرارة وقلة الفطنة للشر وترك البحث عنه ، وليس ذلك منه جهلا ولكنه كرم وحسن خلق.

وَفِي دُعَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ « اللهُمَّ أَذْهِبْ عَنِّي فِيهِ الْغِرَّةَ ».

بإعجام الغين المكسورة وفتح الراء المشددة يعني الاغترار بنعمة الله والأمن من مكر الله. والغِرَّةُ بالكسر : الغفلة.

وَفِي الْحَدِيثِ « لَا يَكُونُ السَّفَهُ وَالْغِرَّةُ فِي قَلْبِ الْعَالِمِ ».

والغُرَّةُ بالضم : عبد أو أمة ، ومنه « قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ ».

قال أبو سعيد الضرير : الغُرَّةُ عند العرب أنفس كل شيء يملك. وقال الفقهاء : الغُرَّةُ من العبد الذي ثمنه عشر الدية. والغُرَّةُ في الجبهة : بياض فوق الدرهم ومنه فرس أَغَرُّ ومهرة غَرَّاء مثل أحمر وحمراء. ورجل أَغَرُّ : صبيح. ورجل أَغَرُّ : شريف. و « ليلة الجمعة ليلة غَرَّاء » : أي شريفة فاضلة على سائر الليالي ، و « يومها يوم أزهر » لظهور فضله على سائر الأيام ، من قولهم أَزْهَرَ النبتُ : ظهرت زهرته. وغُرَرُ الأصحاب : إخوان الثقة.

وَفِي الْحَدِيثِ « أَخْبِرْ بِهَذَا غُرَرَ أَصْحَابِكَ » ثُمَّ قَالَ « وَهُمُ الْبَارُّونَ فِي الْإِخْوَانِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ ».

والأَغَرُّ : الأبيض من كل شيء والكريم الأفعال ، والجمع غُرَر كصرد. وغَرَّهُ غَرّاً وغُرُوراً وغِرَّةً بالكسر فهو مَغْرُورٌ : خدعه وأطمعه بالباطل ،

٤٢٢

فَاغْتَرَّ هو. والغَرْغَرَةُ : تردد الروح في الحلق. ومنه الْحَدِيثُ « إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ».

أي ما لم تبلغ روحه حلقومه ، فيكون بمنزلة الشيء الذي يتغرغر به المريض ، وأصل الغَرْغَرَة هو أن يجعل المشروب في الفم ليردده إلى أصل الحلق لا يبلع ، يكون ذلك عند أول ما يأخذ في سياق الموت.

وَفِي الْخَبَرِ « نَهَى رَسُولُ اللهِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ ».

وفسر بما يكون له ظاهر يغر المشتري وباطن مجهول مثل بيع السمك بالماء والطير في الهواء. والغِرَارُ : النقصان ، ومِنْهُ « لَا غِرَارَ فِي صَلَاةٍ وَلَا تَسْلِيمٍ ».

أي لا نقصان أما في الصلاة ففي ترك إتمام ركوعها وسجودها وأما في التسليم فأن يقول الرجل السلام عليك أو يرد فيقول وعليك ولا يقول وعليكم السلام ـ كذا فسر في معاني الأخبار. والغِرَارُ : النوم القليل. ومنه الْحَدِيثُ « وَأَذْهَبَ التَّهَجُّدُ غِرَارَ نَوْمِهِ ».

وإضافة النوم نحو كرى النوم. والتَّغْرِيرُ : حمل النفس على الغرر ، وهو أن يعرض الرجل نفسه للمهلكة. ومنه الْحَدِيثُ « لَا يُغَرَّرُ الرَّجُلُ بِنَفْسِهِ وَلَا بِدِينِهِ ».

وَفِي الْحَدِيثِ « الدُّنْيَا قَدْ زُيِّنَتْ بِغُرُورِهَا وَغَرَّتْ بِزِينَتِهَا ».

المراد بِغُرُورِهَا الأول منسياتها وملاذها مجازا إطلاقا لاسم السبب على المسبب. وغُرَّتْ : استغفلت. وغَرَّتْهُ الدنيا غُرُوراً من باب قعد : خدعته بزينتها ، فهي غَرُورٌ مثل رسول اسم فاعل مبالغة. وغَرَّ الشخص يَغِرُّ من باب ضرب غَرَارَةً بالفتح فهو غَارٌّ. ورجل غِرٌّ بالكسر وغَرِيرٌ أي غير مجرب. والغَارُّ : الغافل. وغُرَّةُ الشهر : أوله إلى انقضاء ثلاثة أيام بخلاف المفتتح فإنه إلى انقضاء اليوم الأول. واختلفوا في الهلال فقيل إنه كالغُرَّة فلا يطلق إلا على الثلاثة الأوائل ، وأما

٤٢٣

بعد ذلك فيسمى قمرا ، ومنهم من خصه بأول يوم. قال العلامة : وهذا هو الصحيح. وغَرَّ الطائر فرخه : إذا زقه.

وَفِي الْخَبَرِ « كَانَ صلى الله عليه وآله يَغُرُّ عَلِيّاً بِالْعِلْمِ ».

أي يلقمه إياه ويزقه به كما يزق الطائر فرخه. ومثله حَدِيثُ عَلِيٍّ عليه السلام « مَنْ يُطِعِ اللهَ يَغُرُّهُ كَمَا يَغُرُّ الْغُرَابُ فَرْخَهُ ».

وَفِي وَصْفِ عَلِيٍّ عليه السلام « قَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ ».

جمع أَغَرَّ من الغُرَّة وهي بياض في الوجه ، يريد بياض وجوههم بنور الوضوء. والأيام الغُرُّ البيض الليالي بالقمر الثالث عشر وتالياه.

وَفِي الْخَبَرِ « وَيَلُوحُ فِي غُرَّةِ الْإِيمَانِ لُمْعَةٌ ».

أي يظهر في الإيمان زيادة ضياء. ويعبر بالغُرَّةِ عن الشيء والإضافة كذات زيد. و « الكوفة الغَرَّاء » أي البيضاء ، وصفت بذلك لشرفها. وأبو الأَغَرِّ النَّخَّاس من رواة الحديث. وكتاب غُرَر الحكم ودُرَر الكلم جمع عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد الآمدي التميمي من كلام أمير المؤمنين عليه السلام.

( غزر )

فِي الْحَدِيثِ « الْإِمَامُ كَالْعَيْنِ الْغَزِيرَةِ ».

يقال غَزُرَ الماءُ بالضم غَزَاراً وغَزَارَةً كثر فهو غَزِيرٌ أي كثير ، والمراد شدة النفع وعمومه.

( غضر )

الغَضَارَةُ : طيب العيش. و « إنهم لفي غَضَارَةٍ من العيش » أي في خصب وخير. والغَضَارُ بالفتح والغَضَارَةُ : الطين الحر اللازب. والغَضْرَاءُ : طينة خضراء علكة. و « غَاضِرَة » قبيلة من بني أسد ، وحي من صعصعة ، وبطن من ثقيف ـ قاله الجوهري. والحسين بن عبيد الله الغَضَائِرِيُ شيخ الطائفة كثير السماع عارف بالرجال له تصانيف كثيرة ، سمع الشيخ الطوسي منه

٤٢٤

وأجاز له جميع رواياته (١). قال الذهبي من المخالفين في كتاب ميزان الاعتدال : الحسين بن عبيد الله الغَضَائِرِيُ شيخ الرافضة (٢).

( غضنفر )

الغَضَنْفَرُ : الأسد. ورجل غَضَنْفَرٌ : غليظ الجثة ـ قاله الجوهري.

( غفر )

قوله تعالى : ( غُفْرانَكَ رَبَّنا ) [ ٢ / ٢٨٥ ] أي مغفرتك يا ربنا. قوله : ( رَبِ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي ) [ ٨ / ١٥١ ] يعني موسى عليه السلام. قال المفسر : هذا على وجه الانقطاع إلى الله سبحانه والتقرب إليه لا أنه كان يقع منه أو من أخيه قبيح كبيرا أو صغيرا يحتاج أن يستغفر منه ، فإن الدليل قد دل على أن الأنبياء لا يجوز أن يقع منهم شيء من القبيح. قوله : ( اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ ) [ ١٤ / ٤١ ] قال الشيخ أبو علي : استدل أصحابنا بهذا على أن أبوي إبراهيم عليه السلام لم يكونوا كافرين ، لأنه إنما سأل المغفرة لهم يوم القيامة ، فلو كانا كافرين لما سأل ذلك لأنه قال ( فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ) فصح أن أباه الذي كان كافرا إنما هو جده لأمه أو عمه على الخلاف فيه.

وَقرئ لِوُلْدِي وَهُمَا إِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ ، وَهِيَ قِرَاءَةُ أَهْلِ الْبَيْتِ عليهم السلام.

قوله تعالى : ( إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ) [ ٢ / ٢٨٤ ] قرأ فَيَغْفِرُ بالرفع عاصم وابن عامر وبالجزم باقي السبعة ، ونقل عن ابن عباس أنه قرأ بالنصب. قال ابن مالك في منظومته :

والفعل من بعد الجزا إن يقترن

بالفا أو الواو بتثليث قمن

قوله تعالى : ( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ ) [ ٤٥ / ١٤ ]

__________________

(١) في الكنى والألقاب ج ٢ صلى الله عليه وآله ٤٥٥ : مات في صفر سنة ٤١١.

(٢) ميزان الاعتدال ج ١ صلى الله عليه وآله ١ صلى الله عليه وآله ٥٤١.

٤٢٥

قال الشيخ أبو علي : أي ( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) اغفروا يَغْفِرُوا ، فحذف المفعول له لدلالة جوابه عليه ( لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ ) أي لا يتوقعون وقائع الله بأعدائه ، وهو من قولهم « أيام العرب » لوقائعهم ، وقيل لا يأملون الأوقات التي وقتها الله لثواب المؤمنين ووعدهم الفوز. وقوله ( قَوْماً ) والمراد به الذين آمنوا للثناء عليهم. قوله : ( لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) أي يكسبونه من الثواب العظيم باحتمال المكاره وكظم الغيظ ـ كذا في جامع الجوامع.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام قَالَ : « قُلْ لِلَّذِينَ مَنَنَّا عَلَيْهِمْ بِمَعْرِفَتِنَا أَنْ يُعَرِّفُوا الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ، فَإِذَا عَرَّفُوهُمْ فَقَدْ غَفَرُوا لَهُمْ » (١).

قوله : ( وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ ) [ ٩ / ١١٤ ] الآية. الموعدة قوله : ( لَأَسْتَغْفِرَنَ لَكَ ) قوله : ( وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ ) [ ١٢ / ٢٩ ] أي سليه المغفرة. قوله : ( وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ ) [ ٣ / ١٧ ]

قِيلَ هُوَ صَلَاةُ اللَّيْلِ ، وَقِيلَ الِاسْتِغْفَارُ آخِرَ الْوَتْرِ.

وخص الاسْتِغْفَارَ بالسحر الذي هو آخر الليل لأن العبادة في أشق والنفس أصفى لعدم اشتغالها بتدبير المأكول ولخلو المعدة عنه ، فتوجه النفس بكليتها إلى حضرة الحق تعالى. قوله : ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ) [ ٩ / ٨٠ ] قال المفسر في معناه لن يغفر الله لهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم ، والسبعون جار في كلامهم مجرى التمثيل للتكثير.

وَفِي الْخَبَرِ « كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ قَالَ : غُفْرَانَكَ ».

الغُفْرَان مصدر منصوب بفعل مضمر ، أي أطلبه ، وفي تخصيصه بذلك هو أنه توبة من تقصيره في شكر نعم الإطعام وهضمه وتسهيل مخرجه ، فلجأ إلى الاستغفار من التقصير.

وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله « وَأَنَا أَسْتَغْفِرُ اللهَ سَبْعِينَ اسْتِغْفَارَةً ». قاله

__________________

(١) البرهان ج ٤ صلى الله عليه وآله ١٦٨.

٤٢٦

صلى الله عليه وآله وهو معصوم ، قيل لأنه عبادة أو لتعليم الأمة أو من ترك الأولى أو من تواضع أو عن سهو قبل النبوة أو عن اشتغاله بالنظر في مصالح الأمة ومحاربة الأعداء ، فإن مثله شاغل عن عظيم مقامه أو عن أحوال ما مضى بالنسبة إلى ما ترقى إليه ، فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين. هذا ولا تكن غافلا عما مر في ذنب.

وَفِي حَدِيثِ الْعَالِمِ « يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ».

قيل يحتمل أن يكون اسْتِغْفَار هذه الأصناف بعضه على الحقيقة وبعضه على المجاز ، وهو أن يكتب الله له بعدد كل حيوان من الأنواع المذكورة كالحيتان وغيرها مغفرة ووجه الحكمة أن صلاح العالم بالعلم ، وما من شيء من الأوصاف المذكورة إلا وله مصلحة معقودة بالعلم. ومن أسمائه تعالى « الغَفُورُ الشَّكُورُ » وبناء هاتين للمبالغة ، وهو الذي تكثر مغفرته ويشكر اليسير من الطاعة. ومن أسمائه أيضا « الغَفَّارُ » ومعناه الساتر لذنوب عباده وعيوبهم ، المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم. وأصل الغُفْرَان التغطية ، يقال غَفَرَ اللهُ له ذنبه من باب ضرب غُفْرَاناً : ستر عليه ذنبه وغطاه وصفح عنه ، والمَغْفِرَةُ اسم منه. واغْتَفَرَ ذنبَه مثل وغَفَرَ ذنبَه فهو غَفُورٌ والجمع غُفُرٌ. وقولهم « جاءوا جَمَّاءَ غَفِيراً » قال الجوهري والجماء الغَفِير أي جاءوا بجماعتهم الشريف والوضيع ولم يتخلف منهم أحد وكانت فيهم كثرة. قال : والجماء الغَفِير اسم وليس بفعل إلا أنه ينصب كما تنصب المصادر التي هي في معناه ، كقولك جاءوني جميعا وقاطبة وكافة ، وأدخلوا فيه الألف واللام كما أدخلوهما في قولهم « أوردها العراك » أي أوردها عراكا. والغَفِيرَةُ : الزيادة في الرزق أو العمر أو الولد أو غير ذلك. ومنه حَدِيثُ عَلِيٍّ عليه السلام « فَإِنْ أَصَابَ أَحَدَكُمْ غَفِيرَةٌ فِي رِزْقٍ أَوْ عُمُرٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لَهُ فِتْنَةً وَيُفْضِي بِهِ إِلَى الْحَسَدِ ».

و « بنو غِفَار » ككتاب من كنانة رهط أبي ذر الغِفَارِيِ.

٤٢٧

والمِغْفَر بالكسر : هو زرد ينسج من الدرع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة.

( غمر )

قوله تعالى : ( فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا ) [ ٢٣ / ٦٣ ] أي في منهمك من الباطل ، وقيل في غطاء وغفلة ، والجمع غَمَرَات مثل سجدة وسجدات. والغَمْرَةُ : الشدة ، والجمع غُمَر مثل نوبة ونوب. قوله : ( فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ ) [ ٢٣ / ٥٤ ] أي في حيرتهم وجهلهم.

وَفِي الدُّعَاءِ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مِنْ خَشْيَتِهِ تَمُوجُ الْبِحَارُ وَمَنْ يَسْبَحُ فِي غَمَرَاتِهَا ».

قيل عليه غَمَرَاتُ الموت شدائده. والغَمْرُ : الماء الكثير ، ولا مناسبة لحمله على المعنى الأول ، والمناسبة حمله على المعنى الثاني لكنه لم يجمع على غَمَرَات فربما وقع تصحيف فيه.

وَفِي حَدِيثِ وَصْفِ الْأَئِمَّةِ « بِكُمْ فَرَّجَ اللهُ عَنَّا غَمَرَاتِ الْكُرُوبِ ».

أي شدائده. وغَمَرَهُ البحرُ غَمْراً من باب قتل : إذا علاه وغطاه.

وَفِي الْحَدِيثِ « فَقَذَفَهُمْ فِي غَمَرَاتِ جَهَنَّمَ ».

أي المواضع التي يكثر فيها النار. ودخلت في غُمَارِ الناس ـ بضم غين وفتحها ـ : أي في زحمتهم. قال بعضهم : وقولهم : دخل في غَمَارِ الناس هذا مما يغلطون فيه ، والعرب تقول دخل في خُمَار الناس أي فيما يواريه ويستره منهم حتى لا يتبين. والغَامِر : الخراب من الأرض ، وقيل ما لم يزرع وهو يحتمل الزراعة ، قيل له غَامِر لأن الماء يغمره فهو فاعل بمعنى مفعول ، وما لم يبتله الماء فهو قفر.

وَفِي الْخَبَرِ « مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَمَثَلِ نَهْرٍ غَمْرٍ ».

بالفتح فالسكون : أي يغمر من يدخله ويغطيه ، أراد ذا الماء الكثير. والغَمَرُ بالتحريك : الدسم والزهومة من اللحم كالوضر من السمن ، ومنه الْحَدِيثُ « لَا يَبِيتَنَّ أَحَدُكُمْ وَيَدُهُ غَمِرَةٌ ».

ومِنْهُ « غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ زِيَادَةٌ فِي الْعُمُرِ وَإِمَاطَةٌ لِلْغَمَرِ ».

فِي الْخَبَرِ « لَا تَجْعَلُونِي كَغُمَرِ

٤٢٨

الرَّاكِبِ ».

يعني في الصلاة علي ، هو بضم معجمة وفتح ميم : إناء صغير ، أراد أن الراكب يحمل رحله وزاده ويترك قعبه إلى آخر رحاله ثم يعلقه على رحله ، فليس عندهم بمهم ، فنهاهم أن يجعلوا الصلاة عليه كالغُمَرِ الذي لا يقدم في المهام ويجعل تبعا ، وقد ورد كقدح الراكب ، وقد مر في قدح. و « غَمْرَة » بفتح غين وسكون ميم : بئر بمكة قديمة (١).

( غور )

قوله تعالى : ( إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً ) [ ٦٧ / ٣٠ ] أي غَائِراً ، وصف بالمصدر كدرهم ضرب وماء سكب ، يقال غَارَ الماءُ غَوْراً : ذهب في الأرض ، فهو غَائِرٌ. قوله : ( إِذْ هُما فِي الْغارِ ) [ ٩ / ٤٠ ] الغَارُ : نقب في الجبل شبه المغارة ، فإذا اتسع قيل كهف ، والجمع غِيرَان مثل نار ونيران. والغَارُ الذي أوى إليه النبي صلى الله عليه وآله في جبل ثور ، وهو مطل على مكة. قوله : مَغاراتٍ [ ٩ / ٥٧ ] المَغَارَات والمُغَارَات ما يَغُورُونَ فيه ، أي يغيبون فيه ، واحدها مَغَارَة ومُغَارَة ، وهو الموضع الذي يَغُورُ فيه الإنسان ، أي يغيب ويستتر. قوله : ( فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً ) [ ١٠٠ / ٣ ] هو من الغَارَة لأنهم كانوا يغيرون عند الصبح ، من الغَارَة وهي الخيل المغيرة ، ومنه قولهم « أَشْرِقْ ثَبِيرُ حَتَّى نُغِيرَ » أي تذهب سريعا. وقيل نُغِيرُ على لحوم الأضاحي من الإِغَارَةِ النهب ، وقيل ندخل في الغَوْرِ أي المنخفض في الأرض.

وَفِي الْحَدِيثِ « بِالْعَقْلِ يُسْتَخْرَجُ غَوْرُ الْحِكْمَةِ وَبِالْحِكْمَةِ يُسْتَخْرَجُ غَوْرُ الْعَقْلِ ».

ومعناه ـ على ما قيل ـ بآلة العقل يمكن الوصول إلى كنه الحكمة وبظهور الحكمة من العاقل يظهر ما كان مخزونا في عقله.

__________________

(١) في معجم البلدان ج ٤ صلى الله عليه وآله ٢١٢ : وهو منهل من مناهل طريق مكة ومنزل من منازلها ، وهو فصل ما بين تهامة ونجد.

٤٢٩

وغَارَ الرجلُ غَوْراً أتى الغَوْرَ وهو المنخفض من الأرض. و « الغَوْرُ » يطلق على تهامة وما يلي اليمن. وقال الأصمعي ـ نقلا عنه ـ ما بين ذات عرق إلى البحر غَوْرُ تهامة ، فَتِهَامَة أولها ذات عرق من قبل نجد إلى مرحلتين من وراء مكة ، وما وراء ذلك فهو الغَوْرُ. وغُور بالضم : بلاد معروفة بطرف خراسان من جهة المشرق (١). وغَارَتِ العين من باب قعد : انخسفت. وغَارَتِ النجوم : أي تسفلت وأخذت بالهبوط والانخفاض بعد ما كانت آخذة بالعلو والارتفاع ، واللام للعهد ، ويجوز أن يكون بمعنى غابت. وأَغَارَتِ الفرسُ إِغَارَةً : إذا أسرعت في العدو والاسم الغَارَة. وشنوا الإِغَارَة : أي فرقوا الخيل. و « مُغِيرَة » بضم الميم وقد تكسر اسم رجل.

وَالْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ : أَهْدَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله دَمَهُ وَلَعَنَ مَنْ يُؤْوِيهِ وَيُطْعِمُهُ وَيَسْقِيهِ وَمَنْ يُجَهِّزُهُ وَيُعْطِيهِ سِقَاءً وَوِعَاءً وَرِشَاءً وَحِذَاءً ، فَفَعَلَ عُثْمَانُ جَمِيعَ ذَلِكَ آوَاهُ وَأَطْعَمَهُ وَحَمَلَهُ وَجَهَّزَهُ وَفَعَلَ جَمِيعَ مَا لَعَنَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله ثُمَّ أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله عَلِيّاً فَقَتَلَهُ لَا رَحِمَهُ اللهُ.

وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ كَانَ وَالِياً فِي عَهْدِ عُمَرَ وَكَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيُصَلِّي فِي النَّاسِ جَمَاعَةً وَكَانَ يَزِيدُ فِي الرَّكَعَاتِ (٢).

وَالْمُغِيرِيَّةُ صِنْفٌ مِنَ السَّبَائِيَّةِ ، نُسِبُوا إِلَى مُغِيرَةَ بْنِ سَعِيدٍ مَوْلَى بَجِيلَةَ ، خَرَجَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَقَالَ : إِنَّهُ كَانَ يَكْذِبُ عَلَيْنَا وَكَانَ يَدْعُو إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ

__________________

(١) قال في معجم البلدان ج ٤ صلى الله عليه وآله ٢١٨ : غور جبال وولاية بين هراة وغزنة وهي بلاد باردة واسعة موحشة ، وهي مع ذلك لا تنطوي على مدينة مشهورة.

(٢) توفّي المغيرة بن شعبة سنة خمسين من الهجرة بالكوفة ، وقيل سنة احدى وخمسين ـ انظر الاستيعاب ج ٤ صلى الله عليه وآله ١٤٤٦.

٤٣٠

الْحَسَنِ (١).

وَفِي حَدِيثِ الصَّادِقِ عليه السلام فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُغِيرِيَّةِ عَنْ شَيْءٍ مِنَ السُّنَنِ.

( غير )

قوله تعالى : ( فَلَيُغَيِّرُنَ خَلْقَ اللهِ ) [ ٤ / ١١٩ ] قال المفسر : ، تَغْيِيرُهُمْ خلق الله فقء عين الحامي وإعفاؤه عن الركوب وقيل الخصاء ، وهو في قول عامة العلماء مباح في البهائم وأما في بني آدم فمحظور قوله : ( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) [ ١٣ / ١١ ] قال بعض الأعلام : يكتب في اللوح أشياء مشروطة وأشياء مطلقة ، فما كان على الإطلاق فهو حتم لا يغير ولا يبدل ، وما كان مشروطا نحو أن يكون مثبتا في اللوح أن فلانا إن وصل رحمه مثلا يعيش ثلاثين سنة وإن قطع رحمه فثلاث سنين ، وإنما يكون ذلك بحسب حصول الشرط وقد قال تعالى : ( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ). قوله : ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ) [ ١ / ٦ ] الآية. قال المفسر : هو بدل من ( الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) هم الذين سلموا من غضب الله والضلال ، أو صفة على معنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة وهي نعمة الإيمان وبين السلامة من الغضب والضلال. قال : فإن قلت كيف صح أن يقع غَيْر صفة للمعرفة وهو لا يتعرف؟. أجيب : بأن التعريف فيه كالتعريف الذي في قوله

« ولقد أمر على اللئيم يسبني »

ولأن ( الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) غير المنعم عليهم ، فليس في غَيْر إذن الإبهام الذي يأبى أن يتعرف. قوله : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) [ ٢ / ١٧٣ ] أي فمن اضطر جائعا لا باغيا ولا عاديا ، فيكون غَيْر هنا بمعنى لا منصوبة على الحال. وكذا قوله : ( غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ ) وكذلك قوله : ( غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ). قوله : ( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ) [ ٤ / ٩٥ ]

__________________

(١) انظر الأحاديث الواردة في المغيرة بن سعيد هذا رجال الكشي صلى الله عليه وآله ١٩٤ ـ ١٩٨.

٤٣١

الآية. قرئ غَيْرُ بالحركات الثلاث : أما الرفع فصفة ( الْقاعِدُونَ ) أو بدل ، وأما النصب فعلى الاستثناء ، وقال الزجاج حال من ( الْقاعِدُونَ ) أي لا يستوي القاعدون حال خلوهم عن الضرر ، وأما الجر فصفة للمؤمنين أو بدل منه.

وَفِي الْحَدِيثِ « الشُّكْرُ أَمَانٌ مِنَ الْغِيَرِ » (١).

ومثله « مَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ يَلْقَ الْغِيَرَ ».

أي تغير الحال وانتقالها عن الصلاح إلى الفساد. والغِيرَةُ بالكسر : نفرة طبيعة تكون عن بخل مشاركة الغير في أمر محبوب له والغِيرَةُ : الدية ، وجمعها غِيَر ككسرة وكسر ، وجمع الغِيَر أَغْيَار كضلع وأضلاع. وغَيَّرَهُ : إذا أعطاه الدية ، وأصلها المُغَايَرَة أعني المبادلة لأنها بدل من القتل والتَّغَيُّرُ : التبدل والانتقال ، يقال غَيَّرْتُ الشيءَ فَتَغَيَّرَ. وغَيَّرَهُ : جعله غير ما كان أول. وغَارَ الزوجُ على امرأته والمرأة على زوجها تَغَارُ من باب تعب غَيْراً وغَيْرَةً بالفتح ، ونسوةٌ غُيُرٌ وامرأة غَيْرَى ونسوة غَيَارَى بالفتح ، وجمع غَيُور غُيُر كرسول ورسل ، وجمع غَيْرَان غَيَارَى وغُيَارَى بالفتح والضم.

وَفِي الْحَدِيثِ « إِذَا لَمْ يَغِرِ الرَّجُلُ فَهُوَ مَنْكُوسُ الْقَلْبِ ».

وتَغَايَرَتِ الأشياءُ : اختلفت. و « غَيْرُ » كلمة يوصف بها ويستثنى ، فيكون وصفا للنكرة نحو « جَاءَنِي رَجُلٌ غَيْرُكَ » وأداة استثناء فتعرب على حسب العوامل ، فتقول « مَا قَامَ غَيْرُ زَيْدٍ » و « مَا رَأَيْتُ غَيْرَ زَيْدٍ » قالوا وحكم غَيْر إذا أوقعتها موقع إلا أن تعربها بالإعراب الذي يجب للاسم الواقع بعد إلا ، تقول « أتاني القوم غَيْرَ زيد » بالنصب على الاستثناء ، و « ما جاءني القوم غَيْرُ زيد » بالرفع والنصب كما تقول « ما جاءني القوم إلا زيد وإلا زيدا » بالرفع على البدل والنصب على الاستثناء ، وحاصله ما ذكره الحاجبي حيث قال : وإعراب غَيْر كإعراب المستثنى بإلا على التفصيل ،

__________________

(١) الكافي ج ٢ صلى الله عليه وآله ٩٤.

٤٣٢

وعن بعضهم غَيْر اسم مبهم وإنما أعرب للزومه الإضافة ، وقولهم « خذ هذا لا غَيْرُ » وهو في الأصل مضاف والأصل لا غيره ، لكن لما قطع عن الإضافة بني على الضم مثل قبل وبعد. وتكون غَيْر بمعنى سوى نحو ( هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ ) وتكون بمعنى إلا كقوله تعالى : ( غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ ). وقولهم « لا إله غَيْرُ الله » مرفوع لأنه خبر لا ، ويجوز نصبه على لا إله إلا هو.

باب ما أوله الفاء

( فأر )

تكرر في الحديث ذكر الفَأْر ، وهو جمع فَأْرَة كتمر وتمرة يهمز ولا يهمز ، يقع على الذكر والأنثى.

وَفِيهِ « الْفَأْرَةُ مِنَ الْمُسُوخِ ».

وفَأْرَةُ البيت هي الفويسقة التي أمر النبي صلى الله عليه وآله بقتلها في الحل والحرم ، وأصل الفسق الخروج عن الطاعة والاستقامة ، وبه سمي العاصي فاسقا ، وسميت الفأرة فويسقة لخبثها ، وقيل لخروجها عن الحرمة في الحل والحرم أي لا حرمة لها بحال. وقيل سميت بذلك لأنها عمدت إلى حبال سفينة نوح فقطعتها. والفَأْرُ نوعان جِرْذَان وفِئْرَان ، وكلاهما له حاسة السمع والبصر ، وليس في الحيوانات أفسد من الفَأْرِ ولا أعظم أذى منه ، لأنه لا يأتي على شيء إلا أهلكه وأتلفه. وفِيهِ « لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي فَأْرَةِ الْمِسْكِ ».

فَأْرَةُ المسك أي نافجته.

( فتر )

قوله تعالى : ( عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ) [ ٥ / ١٩ ] أي على سكون وانقطاع من الرسل ، لأن النبي صلى الله عليه وآله بعث بعد انقطاع الرسل ، لأن الرسل كانت إلى وقت رفع عيسى عليه السلام متواترة. وفَتْرَة ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وآله ـ على ما نقل ـ ستمائة

٤٣٣

سنة (١) قوله : ( لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ ) كأنه أراد لا يسكن ولا ينقطع عنهم العذاب ( وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ) [ ٨٣ / ٧٥ ]. والفَتْرَةُ : فعلة من فتر عن عمله يَفْتُرُ فُتُوراً : إذا سكن فيه. والفَتْرَةُ : انقطاع ما بين النبيين عند جميع المفسرين. وفَتَرَ الماءُ : إذا انقطع عما كان عليه من البرد إلى السخونة. وامرأة فَاتِرُ الطرف : أي منقطعة عن حد النظر. والفَتْرَةُ : الانكسار والضعف ، ومنه « فَتَرَ الحر » إذا انكسر وضعف.

وَفِي الْحَدِيثِ « لِكُلِّ شَيْءٌ شِرَّةُ وَفَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّةٍ فَقَدِ اهْتَدَى ».

والفِتْرُ : ما بين السبابة والإبهام إذا فتحتهما بالتفريج المعتاد.

وَفِي الْخَبَرِ « نَهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ ».

وهو الذي إذا شرب أحمى الجسد وصار فيه فُتُورٌ ، وهو ضعف وانكسار ، ومن هنا قال بعض الأفاضل لا يبعد أن يستدل به على تحريم البنج ونحوه مما يفتر ولا يزيل العقل

( فجر )

قوله تعالى : ( وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ ) [ ٨٩ / ١ ] قال الشيخ أبو علي : الْفَجْرُ شق عمود الصبح ، فَجَرَهُ الله لعباده فَجْراً : إذ أظهره في أفق المشرق منتشرا يؤذن بإدبار الليل المظلم وإقبال النهار المضيء ، وهما فَجْرَان أحدهما المستطيل وهو الذي يصعد طولا كذنب السرحان ولا حكم له في الشرع ، والآخر هو المستطير المنتشر في أفق السماء ، وهو الذي يحرم عنده الأكل والشرب لمن أراد الصوم في رمضان ، وهو ابتداء اليوم ـ انتهى (٢). وجواب القسم محذوف تقديره لتعذبن ، يدل عليه قوله ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ )

__________________

(١) في البرهان ج ١ صلى الله عليه وآله ٤٥٥ في حديث عن الإمام الباقر عليه السلام إن نافعا سأله عن الفترة بين الرسل؟ قال : أما في قولي فخمسمائة سنة وأما قولك فستمائة سنة.

(٢) مجمع البيان ج ٥ صلى الله عليه وآله ٤٨٣.

٤٣٤

إلى قوله ( سَوْطَ عَذابٍ ). قوله : يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً [ ٧٦ / ٦ ] أي يحبرونها حيث شاءوا في منازلهم تفجيرا سهلا لا يمتنع عليهم. قوله : ( وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ ) [ ٨٢ / ٣ ] أي بعضها إلى بعض ، أو الملح في العذب. قوله : ( لِيَفْجُرَ أَمامَهُ ) [ ٧٥ / ٥ ] أي ليدوم على فجوره فيما يأتي من الزمان ، ويقول : سوف أتوب وسوف أعمل صالحا. وقيل يتمنى الخطيئة ويقول سوف أتوب. وقوله : ( وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً ) [ ٧١ / ٢٧ ] أي مائلا عن الحق ، يقال فَجَرَ العبدُ فُجُوراً من باب قعد : زنى. وفَجَرَ الحالفُ فُجُوراً كذب ومال عن الصدق. ومنه الدُّعَاءُ « لَا تَجْعَلْ لِفَاجِرٍ عَلَيَّ يَداً وَلَا مِنَّةً ».

قوله : ( فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً ) [ ٢ / ٦٠ ] أي انشقت ، وبه سمي الفَجْرُ لانشقاق الظلمة عن الضياء ، وأصله المفارقة. ومنه « تَفْجِير الأنهار » وهو مفارقة أحد الجانبين الآخر.

وَفِي الْحَدِيثِ « إِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ».

لَعَلَّهُ يحمل الفجور هنا على البذاء والفحش في القول والبهت عند الخصومة ، وقِيلَ : « لَا تَحْمِلُوا الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ فَتُهَيِّجُوهُنَ لِلْفُجُورِ ».

يريد بذلك النساء. وفِيهِ « التَّاجِرُ فَاجِرٌ مَا لَمْ يَتَفَقَّهْ ».

وذلك أن التاجر قلما يسلم فيما هو بصدده من الكذب والحلف ، فيقول اشتريته بكذا ولا أبيعه بأقل من كذا وأعطيت به كذا فيحلف ، وربما يحلف على الأمر غير محتاط فيه ويبالغ في البيع والشراء بالرفع والحط حتى يفضي به إلى الكذب. والفَاجِرُ : هو المنبعث بالمعاصي والمحارم.

( فخر )

قوله تعالى : ( مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ ) [ ٥٥ / ١٤ ] الفَخَّارُ بالفتح والتشديد : طين قد فَخَرَتْهُ النارُ ، فإذا افْتَخَرَ فهو خزف وصلصال. قوله : ( لَفَرِحٌ فَخُورٌ ) [ ١١ / ١٠ ]

٤٣٥

أي بطر بالنعم مغتر بها فَخُور بها على الناس مشغول عن الشكر والقيام بحقها.

وَفِي الْحَدِيثِ « مَا لِابْنِ آدَمَ وَالْفَخْرَ ».

قرئ بوجهين بفتح الراء فيكون الواو بمعنى مع وبالكسر فتكون عاطفة ، يقال فَخَرْتُ به فَخْراً من باب نفع وافْتَخَرْتُ مثله ، والاسم الفَخَارُ بالفتح ، وهو المباهاة بالمكارم والمناقب من حسب ونسب وغير ذلك. وفَاخَرَنِي مُفَاخَرَةً فَفَخَرْتُهُ : أي غلبته. وتَفَاخَرَ القومُ فيما بينهم : إذا افتخر كل منهم بمفاخره. وشيء فَاخِر : أي جيد. والفَخَّارَة كجبانة : الجرة ، والجمع الفَخَّار. ومنه الْحَدِيثُ « خُذْ مِنَ الْمَيْتَةِ الْوَبَرَ وَاجْعَلْهُ فِي فَخَّارَةٍ ».

وكأن ذلك لإزالة ما فيه من دم الميتة.

( فرر )

قوله تعالى : ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ) [ ٨٠ / ٣٤ ] الآية. أي يهرب من أقرب الخلق إليه لاشتغاله بما هو مدفوع إليه ، أو للحذر من مطالبتهم بالتبعات ، يقول الأخ : لم تؤاخني ، والأبوان قصرت في برنا ، والصاحبة أطعمتني الحرام وفعلت وضيعت ، والبنون لم ترشدنا ولم تعلمنا. وفَرَّ من عدوه يَفِرُّ من باب ضرب : هرب منه. وفَرَّ من الزكاة : هرب منها. قوله : ( فَفِرُّوا إِلَى اللهِ ) [ ٥١ / ٥٠ ] أي من معصية الله إلى طاعته. وفِرُّوا إلى الله : أي من ذنوبكم ولوذوا بالله ، أي اهربوا إلى رحمة الله من عقاب الله.

وَفِي الْحَدِيثِ « أَيْ حُجُّوا إِلَى اللهِ ».

قال بعض المحققين : الفِرَارُ إلى الله الإقبال عليه وتوجيه السير إليه ، وهو على مراتب : أولها الفِرَار من بعض آثاره إلى البعض ، كالفرار من أثر غضبه إلى أثر رحمته. الثانية أن يَفِرَّ العبد عن مشاهدة الأفعال ويترقى درجات القرب والمعرفة إلى مصادر الأفعال ، وهي الصفات

٤٣٦

فيفر من بعضها إلى بعض ، كما يستعاذ من سخط الله بعفوه والعفو والسخط صفتان. الثالثة أن يترقى عن مقام الصفات إلى ملاحظة الذات فَيَفِرَّ منها إليها ،

وَقَدْ جَمَعَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وآله هَذِهِ الْمَرَاتِبَ حِينَ أُمِرَ بِالْقُرْبِ فِي قَوْلِهِ : ( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ) فَقَالَ فِي سُجُودِهِ « أَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عِقَابِكَ ».

والعفو كما يكون صفة للعافي كذلك يكون الأثر الحاصل عن صفة العفو ، ثم قرب وغني عن مشاهدة الأفعال وترقى إلى مصادرها وهي الصفات

قَالَ : « وَأَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ ».

وهما صفتان ، ثم لما ترقى عن مشاهدة الصفات واقترب إلى ملاحظة الذات

قَالَ : « وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ ».

وهذا فِرَارٌ منه إليه وهو مقام الوصول إلى ساحل العزة. ثم للسباحة في لجة الوصول درجات أخر لا تتناهى ، ولذلك لما ازداد قربا

قَالَ : « لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ ».

وفِي قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ « أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ».

كمال للإخلاص وتجريد له. قوله : ( « أَيْنَ الْمَفَرُّ » ) أي الفرار. والفَرُّ والفِرَارُ بالكسر : الروغان والهرب ، يقال فَرَّ يَفِرُّ فهو فَرُورٌ وفَرُورَةٌ وفُرَرَة كهمزة وفَرَّار. وفَرٌّ كصحب والفِرَار من الزحف ، وهو الفِرَارُ من معركة النبي صلى الله عليه وآله أو أحد خلفائه. و « الزَّحْفُ » بالزاي والحاء المهملة الساكنة : العسكر. وفَرْفَرْتُ الشيءَ : حركته. والفَرْفَرَةُ : الخفة والطيش.

( فزر )

الفِزْرُ بالكسر : القطيع من الغنم. والفِزْرُ أيضا أبو قبيلة من تميم ، وهو سعد بن زيد بن مناة بن تميم ، قال الجوهري : وإنما سمي بذلك لأنه وافى الموسم بمعزى فأنهبها هناك. و « فَزَارَةُ » أبو حي من غطفان ، وهو فَزَارَةُ بن ذبيان.

( فسر )

قوله تعالى : ( وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً ) [ ٢٥ / ٣٣ ] التَّفْسِيرُ في اللغة كشف معنى اللفظ وإظهاره ، مأخوذ من الفَسْرِ ، وهو مقلوب السفر ، يقال أَسْفَرَتِ المرأةُ عن

٤٣٧

وجهها : إذا كشفته. وأَسْفَرَ الصبحُ : إذا ظهر. وفي الاصطلاح علم يبحث فيه عن كلام الله تعالى المنزل للإعجاز من حيث الدلالة على مراده تعالى ، فقوله المنزل للإعجاز لإخراج البحث عن الحديث القدسي ، فإنه ليس كذلك. والفرق بين التفسير والتأويل هو أن التَّفْسِيرَ كشف المراد عن اللفظ المشكل ، والتأويل رد أحد المحتملات إلى ما يطابق الظاهر. والفَسْرُ : البيان ، يقال فَسَرْتُ الشيءَ ـ من باب ضرب ـ بنيته وأوضحته ، والتشديد مبالغة. واسْتَفْسَرَتُهُ كذا : سألته أن يفسره لي

( فطر )

قوله تعالى : ( فاطِرِ السَّماواتِ ) [ ٦ / ١٤ ] أي خالقها ومبتدعها ومخترعها ، من فَطَرَهُ يَفْطُرُهُ بالضم فَطْراً : أي خلقه.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كُنْتُ لَا أَدْرِي مَا ( فاطِرُ السَّماواتِ ) حَتَّى أَتَانِي أَعْرَابِيَّانِ يَخْتَصِمَانِ فِي بِئْرٍ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا : أَنَا فَطَرْتُهَا أَيْ ابْتَدَأْتُ حَفْرَهَا (١).

قوله : ( السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ ) [ ٧٣ / ١٨ ] أي مثقلة بيوم القيامة أثقالا يؤدي إلى انفطارها. وانْفَطَرَتِ السماءُ : انشقت. والفُطُورُ : الصدوع والشقوق. و ( يَتَفَطَّرْنَ ) [ ١٩ / ٩٠ ] يتشققن قوله : ( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ) [ ٦ / ١٤ ] يقال فَطَرَ اللهُ الخلق من باب قتل ، أي خلقهم ، والاسم الفِطْرَةُ بالسكر.

وَفِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ « كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ » (٢).

والفِطْرَةُ بالكسر : الخلقة ، وهي من الفَطْرِ كالخلقة من الخلق في أنها للحالة ثم إنها جعلت للخلقة القابلة لدين الحق على الخصوص ، والمعنى كل مولود يولد على معرفة الله تعالى والإقرار به فلا تجد أحدا إلا وهو يقر بأن له صانعا وإن سماه بغير اسمه أو عبد معه غيره ، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها وإنما يعدل عنها لآفة

__________________

(١) مجمع البيان ج ٢ صلى الله عليه وآله ٢٧٩.

(٢) سفينة البحار ج ٢ صلى الله عليه وآله ٣٧٣.

٤٣٨

من التضليل كالتهويد والتنصر والتمجيس. وقَوْلُهُ « حَتَّى يُهَوِّدَانِهِ ».

أي ينقلانه إلى دينهم. وقال بعض المتبحرين : ويشكل هذا التفسير إن حمل اللفظ على حقيقته فقط ، لأنه يلزم منه أن لا يتوارث المشركون مع أولادهم الصغار قبل أن يهودوهم وينصروهم ويمجسوهم ، واللازم باطل بل الوجه حمله على الحقيقة والمجاز معا ، أما حمله على المجاز فعلى ما قبل البلوغ ، وذلك أن إقامة الأبوين على دينهما سبب جعل الولد تابعا لهما ، فلما كانت الإقامة سببا جعل تهويدا وتنصرا وتمجيسا مجازا ، ثم أسند إلى الأبوين توبيخا لهما وتقبيحا عليهما ، فكأنه قال : وإنما أبواه بإقامتهما على الشرك يجعلانه مشركا كأنفسهم ، ويفهم من هذا أنه لو أقام أحدهما على الشرك وأسلم الآخر لا يكون مشركا بل مسلما. وأما حمله على الحقيقة فعلى ما بعد البلوغ لوجود الكفر من الأولاد.

وَفِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ لِلشَّيْخِ الصَّدُوقِ مُحَمَّدِ بْنِ بَابَوَيْهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ وَيَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ جَمِيعاً عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللهِ ( حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ) وَعَنِ الْحَنِيفِيَّةِ؟ فَقَالَ : هِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي فَطَرَ اللهُ ( النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ) قَالَ : فَطَرَهُمُ اللهُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ (١).

قَالَ زُرَارَةُ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ) الْآيَةَ. قَالَ : أَخْرَجَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ ذُرِّيَّتَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَخَرَجُوا كَالذَّرِّ فَعَرَّفَهُمْ وَأَرَاهُمْ صُنْعَهُ ، وَلَوْ لَا ذَلِكَ لَمْ يَعْرِفْ أَحَدٌ رَبَّهُ. وَقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله « كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ » يَعْنِي عَلَى الْمَعْرِفَةِ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى خَالِقُهُ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ )(٢).

وَفِي الْحَدِيثِ « إِنَّ اللهَ خَلَقَ النَّاسَ

__________________

(١) البرهان ج ٣ صلى الله عليه وآله ٩٠.

(٢) البرهان ج ٢ صلى الله عليه وآله ٤٧.

٤٣٩

كُلَّهُمْ عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَهُمْ عَلَيْهَا لَا يَعْرِفُونَ إِيمَاناً بِشَرِيعَةٍ وَلَا كُفْراً بِجُحُودٍ ، ثُمَّ بَعَثَ اللهُ الرُّسُلَ تَدْعُو الْعِبَادَ إِلَى الْإِيمَانِ ».

وفِيهِ « أَفْضَلُ مَا يَتَوَسَّلُ بِهِ الْمُتَوَسِّلُونَ كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ فَإِنَّهَا الْفِطْرَةُ ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا الْمِلَّةُ ».

قيل أشار بالأولى إلى الإقرار بلا إله إلا الله فإنها كانت يوم الميثاق ، وبالثانية إلى أنها كانت في دين الأنبياء السابقين عليه السلام ومللهم. وفِي الْخَبَرِ « عَشَرَةٌ مِنَ الْفِطْرَةِ ».

وفسر كثير من العلماء الفِطْرَةُ هنا بالسنة ، أي عشرة أشياء من سنن الأنبياء التي أمرنا بالاقتداء بهم فيها ، فكأنها أمر جبلي فطروا عليه ، والمعنى أنها من سنة إبراهيم عليه السلام. ولو فسرت الفِطْرَةُ هنا بالدين لكان أوجه لأنها مفسرة في كتاب الله كذلك ، قال الله تعالى : ( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ) أو يكون المراد بِالْفِطْرَةِ ما كان إبراهيم عليه السلام يتدين به على ما فطر الله عليه ، ويكون معنى الحديث عشرة من توابع الدين ولواحقه والمعدودات من جملته.

وَرَوَى ابْنُ بَابَوَيْهِ فِي مَعَانِي الْأَخْبَارِ أَنَّهُ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّائِمِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْتَجِمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؟ قَالَ : نَعَمْ مَا لَمْ يَخْشَ ضَعْفاً عَلَى نَفْسِهِ. قُلْتُ : فَهَلْ تَنْقُضُ الْحِجَامَةُ صَوْمَهُ؟ قَالَ : لَا. قُلْتُ : فَمَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله حِينَ رَأَى مَنْ يَحْتَجِمُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ « أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ »؟ فَقَالَ : إِنَّمَا أَفْطَرَا لِأَنَّهُمَا تَسَابَّا وَكَذَبَا فِي سَبِّهِمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله لَا لِلْحِجَامَةِ.

ثم قال ابن بابويه : وللحديث معنى آخر ، وهو أنه من احتجم فقد عرض نفسه للاحتياج إلى الإفطار لضعف لا يؤمن أن يعرض له فيحوجه إلى ذلك. ثم قال : سمعت بعض المشايخ بنيسابور يذكر في معنى

قَوْلِ الصَّادِقِ عليه السلام « أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ ».

أي دخلا بذلك في فطرتي وسنتي ، لأن الحجامة مما أمر به عليه السلام فاستعمله ـ انتهى (١).

__________________

(١) معاني الأخبار صلى الله عليه وآله ٣١٩.

٤٤٠