مجمع البحرين - ج ٣

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٣

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٤

عُزَيْرُ بن شرحيا نبي من أنبياء الله ، ونسبته إلى الله ـ على ما قيل ـ لأنه أقام التوراة بعد أن أحرقت. وعُزَيْر اسم أعجمي ومن نَوَّنَهُ جعله عربيا ، وفي الصحاح عُزَيْرٌ اسم ينصرف لخفته وإن كان أعجميا مثل نوح ولوط لأنه تصغير عزر ، يؤيده قراءة السبعة بالصرف. قوله : ( وَتُعَزِّرُوهُ ) [ ٤٨ / ٩ ] أي تعظموه ، وفي غير هذا الموضع تمنعوه من عَزَرْتُهُ : مَنَعْتُهُ ، ( وَتُعَزِّرُوهُ ) تنصروه مرة بعد أخرى. وفي بعض التفاسير تنصروه بالسيف. والتَّعْزِيرُ : ضرب دون الحد ، وهو أشد الضرب.

وَفِي الْحَدِيثِ « وَرُبَ مَعْزُورٍ فِي النَّاسِ مَصْنُوعٌ لَهُ ».

قال بعض شارحي الحديث المَعْزُورُ بالعين المهملة والزاء : الممنوع من الرزق ، ومصنوع له أي صنع له الجنة والرضوان ، أو قد حصل له رزقه بلا تعب وإن منعه الناس من رزقه.

( عسر )

قوله تعالى : ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) [ ٩٤ / ٥ ـ ٦ ] العُسْرُ : ضد اليسر.

رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وَهُوَ يَضْحَكُ وَيَقُولُ « لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ ».

قال الفراء : وذلك أن العرب إذا ذكرت نكرة ثم أعادتها نكرة مثلها صارتا اثنتين ، كقولك إذا كسبت درهما فأنفق درهما ، فالثاني غير الأول ، وإذا أعدتها معرفة فهي هي تقول كسبت درهما فأنفقت الدرهم فالثاني عين الأول. ونحو هذا ما قاله الزجاج إنه ذكر العسر مع الألف واللام ثم ثنى ذكره فصار المعنى أن مع العُسْرِ يسرين ـ انتهى. ولبعضهم في هذا المعنى :

فلا تيأس إذا أَعْسَرْتَ يوما

فقد أيسرت في دهر طويل

ولا تظنن بربك ظن سوء

فإن الله أولى بالجميل

وإن العُسْرَ يتبعه يسار

وقول الله أصدق كل قيل

قوله : ( فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ ) [ ٩ / ١١٧ ] أي في وقتها ، إشارة إلى

٤٠١

غزوة تبوك ، قِيلَ فِيهَا كَانَ يُعَقِّبُ الْعَشَرَةُ بَعِيراً وَاحِداً وَكَانَ زَادُهُمْ الشَّعِيرَ الْمُسَوَّسَ وَالتَّمْرَ الْمُدَوَّدَ ، وَبَلَغَتِ الشِّدَّةُ بِهِمْ إِلَى أَنِ اقْتَسَمَ التَّمْرَةَ اثْنَانِ ، وَرُبَّمَا مَصَّهَا الْجَمَاعَةُ لِيَشْرَبُوا عَلَيْهَا الْمَاءَ. وَإِنَّمَا ضُرِبَ الْمَثَلُ بِجَيْشِ الْعُسْرَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله لَمْ يَغْزُ قَبْلَهُ فِي عَدَدٍ مِثْلَهُ ، لِأَنَّ أَصْحَابَهُ يَوْمَ بَدْرٍ كَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ ، وَيَوْمَ أُحُدٍ سَبْعَمِائَةٍ ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ أَلْفاً وَخَمْسَمِائَةٍ ، وَيَوْمَ الْفَتْحِ عَشَرَةَ آلَافٍ ، وَيَوْمَ خَيْبَرَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً ، وَيَوْمَ تَبُوكَ ثَلَاثِينَ أَلْفاً ، وَهِيَ آخِرُ غَزَوَاتِهِ. وَقِيلَ سُمِّيَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ لِأَنَّ النَّاسَ عَسُرَ عَلَيْهِمُ الْخُرُوجَ فِي حَرَارَةِ الْقَيْضِ وَإِبَّانِ إِينَاعِ الثَّمَرَةِ.

قوله : ( وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى ) [ ٩٢ / ٨ ـ ١٠ ] أي بخل بما آتاه الله واستغنى ، ( وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى ) بأن الله يعطي بالواحد عشرا إلى مائة ألف فما زاد

( فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى ) وَمَعْنَاهُ لَا يُرِيدُ شَيْئاً مِنَ الشَّرِّ إِلَّا يُسِّرَ لَهُ ـ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام. قَالَ الرَّاوِي ثُمَّ قَالَ ( وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى ) فِي نَارِ جَهَنَّمَ (١).

قوله : ( يَوْمٌ عَسِيرٌ ) [ ٧٤ / ٩ ] أي شديد ، من قولهم عَسُرَ الأمرُ عُسْراً من باب قرب قربا وعَسَارَةً بالفتح فهو عَسِيرٌ أي صعب شديد. وعَسِرَ الأمرُ عُسْراً من باب تعب وتَعَسَّرَ واسْتَعْسَرَ كذلك. وعَسَرْتُ الغريمَ أَعْسُرُهُ من باب قتل وفي لغة من باب ضرب : طلبت منه الدين ، وأَعْسَرْتُهُ بالألف كذلك. وعَسَرَتِ المرأةُ : إذا عَسَرَ ولادها. وأَعْسَرَ الرجلُ : أضاق. والمُعَاسَرَةُ : ضد المياسرة. والتَّعَاسُرُ : ضد التياسر. والمَعْسُورُ : ضد الميسور ، وهما مصدران ، وعند سيبويه صفتان ولا يجيء المصدر عنده على وزان مفعول ويتأول

__________________

(١) مجمع البيان ج ٥ صلى الله عليه وآله ٥٠٢.

٤٠٢

قولهم « دعه إلى ميسوره وإلى مَعْسُورِهِ » ويقول كأنك قلت دعه إلى أمر يوسر فيه وإلى أمر يعسر فيه.

( عسكر )

فِي الْحَدِيثِ « أَلَيْسَ تَشْهَدُ بَغْدَادَ وَعَسَاكِرَهُمْ ».

العَسَاكِرُ جمع عَسْكَر كجعفر الجيوش ، والمعنى أليس تشهد جيوشهم وجنودهم. و « العَسْكَرُ » قرية علي الهادي والحسن العسكري ومولد المهدي عليه السلام ، وسمي الإمامان العَسْكَرِيَّيْنِ لذلك. و « صاحب العَسْكَرِ » علي الهادي عليه السلام ، وله قصة مع المتوكل منها يعلم وجه تسميته بذلك ذكرناها في المراثي. و « المُعَسْكَرُ » بفتح الميم [ الكاف ] موضع العسكر.

( عشر )

قوله تعالى : ( وَعاشِرُوهُنَ بِالْمَعْرُوفِ ) [ ٤ / ١٩ ] أي صاحبوهن. قوله : ( وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) [ ٢٢ / ١٣ ] أي بئس الصاحب.

كقوله ( فَبِئْسَ الْقَرِينُ ). قوله : ( وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ ) [ ٨١ / ٤ ] أراد بالعِشَار بكسر المهملة الحوامل من الإبل ، واحدتها عُشَرَاء بالضم وفتح الشين والمد ، وهي التي أتى عليها في الحمل عشرة أشهر ولا يزال ذلك اسمها حتى تضع ، ثم اتسع فيه فقيل لكل حامل ، وعُطِّلَتْ : تركت مسيبة مهملة لاشتغال أهلها بنفوسهم ، وسيأتي أن ذلك وأشباهه كناية عن الشدائد. قوله : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) [ ٢٦ / ٢١٤ ] أمر بإنذار الأقرب فالأقرب وفسرت عَشِيرَة الرجل بالرجال الذين هم من قبيلته ممن يطلق عليهم في العرف أنهم عَشِيرَة. وفي القاموس عَشِيرَةُ الرجل بنو أبيه الأدنون ، والجمع عَشَائِر. قوله : ( وَلَيالٍ عَشْرٍ ) [ ٨٩ / ٢ ] هي عشر الأضحى أو العشر الأواخر من شهر رمضان. قوله : ( يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً ) [ ٢٠ / ١٠٣ ] أي عشر ليالي. قوله : ( يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ

٤٠٣

مِنَ الْإِنْسِ ) [ ٦ / ١٢٨ ] أي يَا جَمَاعَةَ الْجِنِ ( قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ ) مِمَّنْ أضللتموه ( مِنَ الْإِنْسِ ) ، أَيْ مِنْ إِغْوَاءِ الْإِنْسِ وَإِضْلَالِهِمْ نَقْلاً عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

( وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ ) أي متبعوهم من الإنس ( رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ ) أي انتفع بعضنا ببعض. قال المفسر : فاستمتاع الجن بالإنس أن اتخذهم الإنس رؤساء وقادة فاتبعوا أهواءهم ، واستمتاع الإنس بالجن هو أن الرجل كان إذا سافر وخاف الجن في سلوك الطريق قال : « أعوذ بسعيد هذا الوادي » ثم يسلك فلا يخاف ، وكانوا يرون ذلك استجارة بالجن وأن الجن يجيرونهم ، كما قال تعالى : ( وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً ).

وَفِي الْحَدِيثِ « مَنْ مَاطَلَ عَلَى ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ حَقِّهِ فَعَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ خَطِيئَةُ عَشَّارٍ ».

بالعين المهملة المفتوحة والشين المشددة ، مأخوذ من التَّعْشِير ، وهو أخذ العشر من أموال الناس بأمر الظالم ، يقال عَشَرْتُ القومَ عُشْراً بالضم : أخذت منهم عشر أموالهم ، ومنه العَاشِر.

وَفِي الْخَبَرِ « فِيمَا سَقَتِ الْأَنْهَارُ الْعُشُورَ ».

بضم عين جمع عشر وقيل بفتحها ، والصواب الأول. والعُشْرُ : الجزء من أجزاء العشرة ، والجمع أَعْشَار مثل قفل وأقفال ، وهو العَشِيرُ أيضا والمِعْشَار. قال في المصباح ولا يقال مفعال في شيء من الكسور إلا في مرباع ومِعْشَار ، جمع العَشِير أَعْشِرَاء مثل نصيب وأنصباء ، وقيل المِعْشَار عشر العشير ، والعَشِير عشر العشر والعَشِيرَة : القبيلة ولا واحد لها من لفظها ، والجمع عَشِيرَات وعَشَائِر. والعَشِيرُ : الزوج. والعَشِيرُ : المرأة أيضا لأنه يعاشر الزوجة وتعاشره. والعَشِيرُ : المعاشر والخليط. والمَعَاشِرُ : جماعات الناس ، والواحد مَعْشَر كمقعد.

وَقَوْلُهُ عليه السلام « إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ ».

وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وآله « يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ ».

و « يَا مَعْشَرَ الصِّبْيَانِ ».

من هذا الباب. ونصب مَعَاشِر على الاختصاص ، وعن ثعلب الرهط والمَعْشَر

٤٠٤

والعَشِير والقوم والنفر معناهم الجمع ولا واحد لهم من لفظهم ، وهو للرجال دون النساء. والعَشَرَةُ : عدد المذكر ، يقال عشرة رجال وعشرة أيام. والعَشْرُ بغير هاء : عدد للمؤنث ، يقال عشر نسوة وعشر ليال. وفي الكتاب الكريم ( وَلَيالٍ عَشْرٍ ) [ ٨٩ / ٢ ] قال في المصباح والعامة تذكر العَشْر على أنه جمع الأيام فتقول : العَشْرُ الأُوَل والعَشْرُ الأُخَر وهو خطأ ، فإنه تغيير المسموع فلا يخالف ما ضبطه الأئمة الثقات ونطق به الكتاب العزيز والسنة الصحيحة. والعَشَرَةُ المبشرة عندهم : تيمان وعدويان وزهريان وهاشمي وأسدي وأموي وفهري ، وجمعت في هذا البيت :

زبير وطلح وابن عوف وعامر

وسعدان والصهران والختنان

والشهر ثلاث عَشَرَات ، وفالعَشْرُ الأُوَل جمع أُولَى ، والعَشْرُ الوسط جمع وُسْطَى ، والعَشْرُ الأُخَر جمع أُخْرَى. قال في المصباح : وهذا في غير التأريخ ، وأما في التأريخ فقد قال العرب سرنا عَشْراً والمراد عشر ليال بأيامها فغلبوا المؤنث هنا على المذكر. ومنه قوله تعالى : ( يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) [ ٢ / ٢٣٤ ] قال : ويقال أحد عَشَرَ وثلاثة عَشَرَ بفتح العين وسكونها لغة. قال والعِشْرُون اسم موضوع لعدد معين ، ويستعمل في المذكر والمؤنث بلفظ واحد ، ويعرب بالواو والياء ، ويجوز إضافتها فتسقط النون تشبيها بنون الجمع ، وأحال بعضهم إضافة العدد إلى غير التمييز ـ انتهى. والعِشْرَة بالكسر فالسكون اسم من المُعَاشَرَة والتَّعَاشُر ، وهي المخالطة ، ومنه كتاب العِشْرَة. ويوم عَاشُورَاء بالمد والقصر وهو عاشر المحرم ، وهو اسم إسلامي ، وجاء عَشُورَاء بالمد مع حذف الألف التي بعد العين.

وَفِي حَدِيثِ مُنَاجَاةِ مُوسَى عليه السلام وَقَدْ قَالَ يَا رَبِّ لِمَ فَضَّلْتَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ؟ فَقَالَ اللهُ

٤٠٥

تَعَالَى : فَضَّلْتُهُمْ لِعَشْرِ خِصَالٍ. قَالَ مُوسَى : وَمَا تِلْكَ الْخِصَالُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا حَتَّى آمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَعْمَلُونَهَا؟ قَالَ اللهُ تَعَالَى : الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ وَالْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ وَالْقُرْآنُ وَالْعِلْمُ وَالْعَاشُورَاءُ قَالَ مُوسَى : يَا رَبِّ وَمَا الْعَاشُورَاءُ؟ قَالَ : الْبُكَاءُ وَالتَّبَاكِي عَلَى سِبْطِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وَالْمَرْثِيَةُ وَالْعَزَاءُ عَلَى مُصِيبَةِ وُلْدِ الْمُصْطَفَى ، يَا مُوسَى مَا مِنْ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِي فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بَكَى أَوْ تَبَاكَى وَتَعَزَّى عَلَى وُلْدِ الْمُصْطَفَى إِلَّا وَكَانَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ثَابِتاً فِيهَا ، وَمَا مِنْ عَبْدٍ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ فِي مَحَبَّةِ ابْنِ بِنْتِ نَبِيِّهِ طَعَاماً وَغَيْرِ ذَلِكَ دِرْهَماً أَوْ دِينَاراً إِلَّا وَبَارَكْتُ لَهُ فِي دَارِ الدُّنْيَا الدِّرْهَمَ بِسَبْعِينَ وَكَانَ مُعَافاً فِي الْجَنَّةِ وَغَفَرْتُ لَهُ ذُنُوبَهُ ، وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مَا مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ سَالَ دَمْعُ عَيْنَيْهِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَغَيْرِهِ قَطْرَةً وَاحِدَةً إِلَّا وَكَتَبْتُ لَهُ أَجْرَ مِائَةِ شَهِيدٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ « لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ ».

ومثله « لَا يَجُوزُ اللَّعِبُ بِالْأَرْبَعَةَ عَشَرَ ».

لعل المراد بالأربعة عَشَرَ الصفان من النقر يوضع فيها شيء يلعب فيه في كل صف سبع نقر محفورة ، فتلك أَرْبَعَة عَشَرَ. والله أعلم.

( عصر )

قوله تعالى : ( إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ ) [ ٢ / ٢٦٦ ] قيل هو ريح عاصف ترفع ترابا إلى السماء كأنه عمود من نار تسميه العرب بالزوبعة. قوله : ( إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً ) [ ١٢ / ٣٦ ] أي أعصر عنبا أستخرج منه الخمر ، لأن العنب إذا عصر فإنما يستخرج به الخمر ، ويقال الخمر العنب بعينه ، حكى الأصمعي عن معمر بن سليمان قال : لقيت أعرابيا ومعه عنب فقلت : ما معك؟ فقال : خمر. قوله : ( وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً ) [ ٧٨ / ١٤ ] أي السحائب التي حان لها أن تمطر.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هِيَ الرِّيَاحُ. فيكون من بمعنى الباء ، أي أنزلنا بالمعصرات. قوله : ( وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) [ ١٠٣ / ١ ] قال الشيخ أبو علي :

٤٠٦

أصل العَصْرِ عصر الثوب ونحوه وهو فتله لإخراج مائه ، ومنه عَصْرُ الدهر فإنه الوقت الذي يمكن فيه فتل الأمور كما يفتل الثوب والعَصْرُ : العشي. والعَصْرَان : الغداة والعشي. والعَصْرَان : الليل والنهار وأراد بالإنسان الجمع دون المفرد بدلالة الاستثناء ، أقسم الله تعالى بالدهر لأن فيه عبرة لأولي الأبصار من جهة مرور الليل والنهار على تقدير الأدوار ، وقيل هو وقت العشي ، وقيل أقسم بصلاة العَصْرِ وهي الصلاة الوسطى ، وقيل هو الليل والنهار ، ويقال لهما العَصْرَان ، و ( إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) أي لفي نقصان لأنه ينقص عمره كل يوم وهو رأس ماله ، فإذا ذهب رأس ماله ولم يكتسب به الطاعة يكون على نقصان طول دهره وخسران ، إذ لا خسران أعظم من استحقاق العقاب الدائم ، وقيل ( لَفِي خُسْرٍ ) أي لفي هلكة عن الأخفش (١) قوله : ( فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ) [ ١٢ / ٤٩ ] قيل يعصرون العنب والزيتون ، وقيل يحلبون الضروع.

وَفِي الْحَدِيثِ « حَافِظْ عَلَى الْعَصْرَيْنِ ».

يريد صلاة الفجر وصلاة العصر ، سماهما العَصْرَيْنِ لأنهما يقعان في طرفي العصرين وهما الليل والنهار. قيل والأشبه أنه من باب التغليب. والعَصْرُ : الدهر ، وفيه لغتان أخريان عُصْر وعُصُر مثل عُسْر وعُسُر ، وجمع العَصْر عُصُور. والعَصِيرُ من العنب ، يقال عَصَرْتُ العنبَ عَصْراً من باب ضرب : استخرجت ماءه ، واسم الماء العَصِير فعيل بمعنى مفعول وهو قبل غليانه طاهر حلال وبعد غليانه واشتداده ، وفسر بصيرورة أعلاه أسفله نجس حرام ، نقل عليه الإجماع من الإمامية ، أما بعد غليانه وقبل اشتداده فحرام أيضا ، وأما النجاسة فمختلف فيها. والعُصَارَة بالضم : ما سال عن العصير وما بقي من الثفل أيضا بعد العصر. وعُصَارَةُ أهل النار : ما يسيل عنهم من الدم والقيح.

__________________

(١) مجمع البيان ج ٥ صلى الله عليه وآله ٥٣٥ ـ ٥٣٦.

٤٠٧

و « المِعْصَرُ » بكسر الميم : ما يعصر فيه العنب. والجارية المُعْصِر زنة مكرم التي أول ما أدركت وحاضت أو أشرفت على الحيض ولم تحض ، يقال قد أَعْصَرَتْ كأنها دخلت عصر شبابها أو بلغته. ومنه الْحَدِيثُ « أَنَّ رَجُلاً مِنْ مَوَالِيكَ تَزَوَّجَ جَارِيَةً مُعْصِراً ».

الحديث. والعُنْصُرُ : الأصل والنسب ، والجمع العَنَاصِر ، ووزنه فنعل بضم الفاء والعين وقد تفتح للتخفيف. ومنه حَدِيثُ وَصْفِ الْأَئِمَّةِ « أَنْتُمْ عَنَاصِرُ الْأَبْرَارِ ».

ومِنْهُ « لَا يُخَالِطُهُ ـ يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله ـ فِي عُنْصُرِهِ سِفَاحٌ ». يعني زنا.

وَفِي الْحَدِيثِ « مَنْ خَشُنَ عُنْصُرُهُ غَلُظَ كَبِدُهُ ».

( عصفر )

« العُصْفُرُ » بضم العين ، نبت معروف يصبغ به ، وقد عَصْفَرْتُ الثوبَ فَتَعَصْفَرَ فهو مُعَصْفَرٌ. ومنه « الثياب المُعَصْفَرَات ». والعُصْفُور بالضم طائر دون الحمامة أكل أو لم يؤكل ، والأنثى عُصْفُورَة ، والجمع العَصَافِير.

( عطر )

فِي الْحَدِيثِ « التَّعَطُّرُ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ ».

أي التطيب بالطيب من سننهم. والعِطْرُ : الطيب ، يقال عَطِرَتِ المرأةُ بالكسر تَعْطَرُ عَطَراً فهي عَطِرَةٌ ومُتَعَطِّرَةٌ أي متطيبة.

( عفر )

قوله تعالى : ( عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِ ) [ ٢٧ / ٣٩ ] العِفْرِيتُ : الناقد القوي من خبث ودهاء. والعَفَرُ : وجه الأرض. وعَفَرْتُ الإناءَ في التراب : أي مرغته ودلكته بالعفر ، وعَفَّرْتُهُ بالتشديد مبالغة. والتَّعْفِيرُ : دلك الإناء بالتراب قبل الغسل بالماء. والتَّعْفِيرُ : أن يمسح المصلي جبينه حال السجود على العَفَرِ وهو التراب. وعَفَّرَهُ يُعَفِّرُهُ تَعْفِيراً : أي مرغه. و « عُفَيْرٌ » اسْمُ حِمَارٍ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ

٤٠٨

صلى الله عليه وآله مُصَغَّراً تَصْغِيرَ تَرْخِيمٍ لِأَعْفَرَ مِنَ الْعُفْرَةِ وَهِيَ الْغُبْرَةُ وَلَوْنُ التُّرَابِ كَمَا قَالُوا فِي تَصْغِيرِ أَسْوَدَ سُوَيْدٌ ، وَتَصْغِيرِ غَيْرِ الْمُرَخَّمِ أُعَيْفِرٌ كَأُسَيْوِدٍ ، تُوُفِّيَ فِي سَاعَةٍ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله قَطَعَ خِطَامَهُ ثُمَّ مَرَّ يَرْكُضُ حَتَّى أَتَى بِئْرَ حَطْمَةَ بِقُبَا فَرَمَى بِنَفْسِهِ فِيهَا فَكَانَتْ قَبْرَهُ.

وَرُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنَّ ذَلِكَ الْحِمَارَ كَلَّمَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله فَقَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ فَقَامَ إِلَيْهِ نُوحٌ فَمَسَحَ عَلَى كَفَلِهِ ثُمَّ قَالَ : يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ هَذَا الْحِمَارِ حِمَارٌ يَرْكَبُهُ سَيِّدُ النَّبِيِّينَ وَخَاتَمُهُمْ (١).

وفي المغرب اليَعْفُورُ تيس الظباء أو لولد البقر الوحشية ، وبه لقب حمار النبي صلى الله عليه وآله ، واليَعَافِيرُ تيوس الظباء.

وَفِي الْحَدِيثِ « مَا يَقُولُ صَاحِبُ الْبُرْدِ المَعَافِرِيِ ».

يعني أمير المؤمنين. المَعَافِرِيُ برد باليمن منسوب إلى مَعَافِر قبيلة باليمن ، والميم زائدة. والأَعْفَرُ : الرمل الأحمر. وكثيب أَعْفَر : ذو لونين الحمرة والبياض. والأَعْفَرُ : الأبيض وليس بالشديد البياض. وشاة عَفْرَاءُ : يعلو بياضها حمرة.

وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ « تُتْرَكُ مِعَافَأْرَةٍ وَأُمُّ جُعْرُورٍ لِلْمَارِّينَ أَوْ لِلْحَارِسِ وَالطُّيُورِ ».

مِعَافَأْرَةٍ وأم جعرور ضربان رديان من التمر.

( عقر )

قوله تعالى : ( وَامْرَأَتِي عاقِرٌ ) [ ٣ / ٤٠ ] أي لم تحبل ولم تلد ، من قولهم عَقَرَتِ المرأةُ عَقْراً من باب ضرب ، وفي لغة من باب تعب وقرب : انقطع حملها ، فهي عَاقِرٌ. ومنه « رجل عَاقِرٌ » لم يولد له ، والجمع عُقَّرٌ مثل راكع وركع. نقل أهل التأريخ أنه كانت امرأة

__________________

(١) نقل هذا الحديث في سفينة البحار ج ٢ صلى الله عليه وآله ٢٠٦ عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام.

٤٠٩

زكريا أخت مريم بنت عمران بن ماتان ويعقوب بن ماتان وبنو ماتان إذ ذاك رؤساء بني إسرائيل وبنو ملوكهم ، وهم من ولد سليمان بن داود عليه السلام. وفي الحديث ذكر « العُقْر » بالضم وهو دية فرج المرأة إذا غصبت على نفسها. ثم كثر ذلك حتى استعمل في المهر ، ومِنْهُ « لَيْسَ عَلَى زَانٍ عُقْرٌ ».

أي مهر. والعُقْرُ : ما تعطاه المرأة على وطي الشبهة. وعُقْرُ الدار : أصلها ، وتضم العين وتفتح في الحجاز ، وعن ابن فارس العُقْرُ أصل كل شيء.

وَفِي الْخَبَرِ « مَا غُزِيَ قَوْمٌ فِي عُقْرِ دِيَارِهِمْ إِلَّا ذَلُّوا » (١).

وفي الحديث ذكر العَقَار كسلام ، وهو كل ملك ثابت له أصل كالدار والأرض والنخل والضياع ، ومنه قولهم « ما له دار ولا عَقَارٌ » ، وجمع العَقَار عَقَارَات.

وَفِي حَدِيثِ الصَّادِقِ عليه السلام فِي الْهَدِيَّةِ « الْهَدِيَّةُ عَاقِرٌ عَيْناً ».

كذا في كثير من النسخ ولم نعثر لأحد التعرض بما يوضحه. قال بعض المعاصرين الظاهر أن الصواب أنه عَاقِرٌ من العَقْرِ وهو الجرح بمعنى أنها تعقر العين وتعميها أن تبصر شيئا ، وهو كناية عن التغافل عما لا ينبغي التغافل عنه ـ انتهى.

وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْحَدِيثِ « غَافِرٌ عَيْباً ».

بالغين المعجمة بدل العين والفاء بدل القاف والباء الموحدة بدل النون ، من الغفر وهو الستر ، ومعناه أن الهدية تستر عيب المهدي عند المهدى إليه ، ولعله الصواب. و « العُقَارُ » بالضم من أسماء الخمر لأنها تعقل العقل. والكلب العَقُور ، وكل سبع يعقر كالأسد والفهر والنمر والذئب ، ومنه الكلب العَقُور ، والجمع عُقُر كرسول ورسل. وعَقَرَهُ : أي جرحه ، فهو عَقِيرٌ. وفي الدعاء على الإنسان « عَقْراً وَحَلْقاً » أي عقر الله جسده وأصابه بوجع في حلقه.

__________________

(١) نهج البلاغة ج ١ صلى الله عليه وآله ٦٤.

٤١٠

وعَقَرْتُ البعيرَ بالسيف فَانْعَقَرَ : إذا ضربت به قوائمه. و « العَنْقُرُ » بفتح القاف وضمها : أصل القصب ، وأول ما ينبت منه ، وهو غصن.

( عكر )

فِي الْحَدِيثِ « إِنَّا نَطْرَحُ فِيهِ الْعَكَرَ ».

هو بفتحتين دردي الزيت ودردي النبيذ ونحوه مما خثر ورسب ، يقال عَكِرَ الشيءُ عَكْراً من باب تعب إذا لم يرسب خاثره. وعَكَّرْتُهُ تَعْكِيراً : جعلت فيه العَكَرَ ومِنْهُ « النَّبِيذُ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ الْعَكَرُ فَيَغْلِي حَتَّى يُسْكِرَ حَرَامٌ » (١).

وَفِي الْحَدِيثِ « رَجُلٌ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ عَكَرَ عَلَيْهَا ».

أي غلبها على نفسها. واعْتَكَرَ الظلامُ : اختلط وتكاثر.

وَفِي دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ « وَاعْتَكَرَتْ عَلَيْنَا حَدَابِيرُ السِّنِينَ ».

أي تكثرت وقام بعضها على بعض. وعَكَرْتُ عليه : حملت عليه.

( عمر )

قوله تعالى : ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ) [ ٣٥ / ٣٧ ]

قِيلَ إِنَّهُ سِتُّونَ سَنَةً ، وَقِيلَ أَرْبَعُونَ سَنَةً ، وَقِيلَ ثَمَانِيَ عَشَرَ سَنَةً.

وهو مما احتج الله به عليكم قوله : ( أَرْذَلِ الْعُمُرِ ) [ ١٦ / ٧٠ ] قيل هو الهرم وزمان الخرافة وانتكاس الأحوال ، والعمر الذي لا يعيش الإنسان إليه عادة في زماننا هذا قال الشهيد الثاني مائة وعشرون سنة فيحكم بتوريث الغائب غيبة منقطعة هذه المدة. ثم قال : ولا يبعد الآن الاكتفاء بالمائة لندور التعمير إليها في هذه البلاد. قوله : ( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) [ ١٥ / ٧٢ ] أي وحياتك يا محمد ومدة بقائك. والعَمْرُ بفتح العين وضمها : البقاء ، ولا يستعمل في القسم إلا بالفتح. قال بعض المحققين : قول الشخص « لَعَمْرِي » مبتدأ محذوف الخبر وجوبا ، والتقدير قسمي أو يميني ، وهو دائر بين فصحاء العرب ، قال تعالى ( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) لا يقال : إن الحلف بغير الله تعالى منهي عنه. لأنا

__________________

(١) الكافي ج ٦ صلى الله عليه وآله ٤١٧.

٤١١

نقول : ليس المراد به القسم الحقيقي بجعل غيره تعالى مثله في التعظيم ، بل المراد صورته لتزويج المقصود أو الكلام على حذف مضاف أي فبواهب عمري وعمرك ، وهو اسم لمدة الحياة. قوله تعالى : ( وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ) [ ٥٢ / ٤ ]

قِيلَ هُوَ فِي السَّمَاءِ حِيَالَ الْكَعْبَةِ ضَجَّ مِنَ الْغَرَقِ فَرَفَعَهُ اللهُ إِلَى السَّمَاءِ وَبَقِيَ أُسُّهُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ.

والمَعْمُورُ : المأهول ، وعمرانه كثرة غاشيه من الملائكة.

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ وَضَعَهُ اللهُ لِأَهْلِ السَّمَاءِ تَوْبَةً ، وَذَلِكَ حِينَ رَدُّوا عَلَى اللهِ بِقَوْلِهِمْ ( أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ ).

الآية ، لما رُوِيَ أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا ذَلِكَ بَاعَدَهُمُ اللهُ مِنَ الْعَرْشِ مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ ، فَلَاذُوا بِالْعَرْشِ وَأَشَارُوا بِالْأَصَابِعِ ، فَنَظَرَ الرَّبُّ إِلَيْهِمْ فَنَزَلَتِ الرَّحْمَةُ فَوَضَعَ لَهُمُ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ فَقَالَ : طُوفُوا بِهِ وَدَعُوا الْعَرْشَ فَإِنَّهُ لِي رِضًى فَطَافُوا بِهِ ، وَهُوَ الْبَيْتُ الَّذِي يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ أَبَداً ، فَوَضَعَ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ تَوْبَةً لِأَهْلِ السَّمَاءِ وَوَضَعَ الْكَعْبَةَ تَوْبَةً لِأَهْلِ الْأَرْضِ (١).

قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ) [ ٣ / ٣٣ ] قال الشيخ أبو علي : آل عِمْرَان موسى وهارون فهما ابنا عِمْرَان بن يصهر وعيسى بن مريم بنت عِمْرَان بن ماتان ، وبين العِمْرَانَيْنِ ألف وثمانمائة سنة قوله : ( وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها ) [ ١١ / ٦١ ] أي جعلكم عُمَّارَهَا ، أي سكانها ، وقيل جعلها لكم مدة عمركم وفوض إليكم عمارتها. قوله : ( وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ ) [ ٣٦ / ٦٨ ] قيل هو رد على الزنادقة الذين يبطلون التوحيد ويقولون إن الرجل إذا نكح المرأة وصارت النطفة في رحمها تلقت الأشكال من الغذاء ودار عليه الفلك ومر عليه الليل والنهار ، فيتولد الإنسان بالطبائع من

__________________

(١) تفسير علي بن إبراهيم صلى الله عليه وآله ٣٣ مع اختلاف يسير.

٤١٢

الغذاء ومرور الليل والنهار ، فنقض الله عليهم قولهم في حرف واحد فقال ( وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ ) قال : لو كان هذا كما تقولون لكان ينبغي أن يزيد الإنسان أبدا ما دامت الأشكال قائمة والليل والنهار قائمين والفلك يدور ، فكيف صار يرجع إلى نقصان كلما ازداد في الكبر إلى حد الطفولية ونقصان السمع والبصر والقوة والعلم والمنطق حتى ينقص وينتكس حينئذ الخلق ، ولكن ذلك من تقدير العزيز العليم. قوله : ( إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) [ ٩ / ١٨ ] الآية. فسرت العِمَارَة بمعنيين : الأول رمها وكنسها والإسراج فيها وفرشها. الثاني شغلها بالعبادة وتنحية أعمال الدنيا واللهو واللغط وعمل الصنائع وإكثار زيارتها قال ( وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ ) قيل هو السعي إلى المساجد ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله : قَالَ اللهُ تَعَالَى « إِنَّ بُيُوتِي فِي الْأَرْضِ الْمَسَاجِدُ وَإِنَّ زُوَّارِي فِيهَا عُمَّارُهَا ، فَطُوبَى لِعَبْدٍ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ زَارَنِي فِي بَيْتِي ، فَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ ».

وَفِي الْحَدِيثِ « نَهَى عَنْ قَتْلِ عَوَامِرِ الْبُيُوتِ ».

العَوَامِرُ الحيات التي تكون في البيوت ، واحدها عَامِر وعَامِرَة ، وقيل سميت بذلك لطول أعمارها. واعْتَمَرَ الرجلُ : زار البيت. والمُعْتَمِرُ : الزائر ، ومن هنا سميت العُمْرَةُ عمرة لأنها زيارة البيت. يقال اعْتَمَرَ فهو مُعْتَمِرٌ أي زار وقصد ، وفي الشرع زيارة البيت الحرام بشروط مخصوصة مذكورة في محلها ، وجمع العُمْرَة عُمَرٌ وعُمُرَاتٌ مثل غرف وغرفات. وأَعْمَرْتُهُ الدارَ : جعلت له سكناها عمره ، ومنه العُمْرَى وهي من أَعْمَرْتُهُ الشيءَ أي جعلته له مدة عمره أو مدة عمري ، فإذا مات من علقت عليه المدة رجع ذلك الشيء إلى المالك أو الوارث ، وقد مر حكم الرقبى في بابه. و « عَمِرَ الرجلُ » بالكسر من باب تعب يَعْمَرُ عَمَراً وعَمْراً على غير قياس : أي عاش زمانا طويلا.

٤١٣

وعن بعض الأعلام أربعة من الأنبياء مُعَمَّرُون وهم في قيد الحياة الخضر وإلياس في الأرض وعيسى وإدريس في السماء. و « عَمْرٌو » بفتح العين والواو اسم رجل ، وإنما كتب بالواو للفرق بينه وبين عُمَر بضم العين ، وتسقط الواو في النصب لأن الألف تخلفها. وعَمْرُو بن عبد الله السبيعي (١) ، رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُؤَدِّبُ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللهِ السَّبِيعِيُّ صَلَّى أَرْبَعِينَ سَنَةً صَلَاةَ الْغَدَاةِ بِوُضُوءِ الْعَتَمَةِ ، وَكَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ أَعْبَدُ مِنْهُ وَلَا أَوْثَقُ فِي الْحَدِيثِ عِنْدَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ ، وَكَانَ مِنْ ثِقَاتِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، وَوُلِدَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَلَهُ تِسْعُونَ سَنَةً ، وَهُوَ مِنْ هَمْدَانَ.

وعُمَرُ بن عبد العزيز مذكور في الحديث.

رَوَى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَطَاءٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ : كُنْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام فِي الْمَسْجِدِ فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَيْهِ شِرَاكَانِ مِنْ فِضَّةٍ وَكَانَ مِنْ أَمْجَنِ النَّاسِ ـ يَعْنِي أَصْلَبَهُمْ وَأَغْلَظَهُمْ ـ وَهُوَ شَابٌّ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَطَاءٍ أَتَرَى هَذَا الْمُتْرَفَ إِنَّهُ لَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَلِيَ النَّاسَ. قُلْتُ : ( إِنَّا لِلَّهِ ) هَذَا الْفَاسِقُ. قَالَ : نَعَمْ فَلَا يَلْبَثُ فِيهِمْ إِلَّا يَسِيراً حَتَّى يَمُوتَ ، فَإِذَا مَاتَ لَعَنَهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ أَهْلُ الْأَرْضِ (٢).

وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ بِالتَّثْقِيلِ اسْمُ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ، نُقِلَ أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ يَوْمَ صِفِّينَ احْتَمَلَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى خَيْمَتِهِ وَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ :

وَمَا ظَبْيَةٌ تَسْبِي الظِّبَاءَ بِطَرْفِهَا

إِذَا انْبَعَثَتْ خِلْنَا بِأَجْفَانِهَا سِحْراً

بِأَحْسَنَ مِمَّنْ خَضَّبَ السَّيْفُ وَجْهَهُ

دَماً فِي سَبِيلِ اللهِ حَتَّى قَضَى صَبْراً.

وعُمَارَةُ بالضم اسم رجل.

__________________

(١) وذكر في بعض كتب التراجم أنه عمر بن عبد الله بن علي أبو إسحاق الكوفي التابعي.

(٢) توفي عمر بن عبد العزيز بدير سمعان من أرض حمص سنة ١٠١ ه‍.

٤١٤

وَأَبُو عَامِرٍ الرَّاهِبُ أَبُو حَنْظَلَةَ غَسِيلِ الْمَلَائِكَةِ ، وَمِنْ قِصَّتِهِ أَنَّهُ تَرَهَّبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَبِسَ الْمُسُوحَ ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله إِلَى الْمَدِينَةِ حَسَدَهُ وَحَزَّبَ عَلَيْهِ الْأَحْزَابَ ثُمَّ هَرَبَ بَعْدَ فَتَحِ مَكَّةَ إِلَى الطَّائِفِ ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَهْلُ الطَّائِفِ هَرَبَ إِلَى الشَّامِ وَلَحِقَ بِالرُّومِ وَتَنَصَّرَ ، فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله بِالْفَاسِقِ ، ثُمَّ أَنْفَذَ إِلَى الْمُنَافِقِينَ أَنِ اسْتَعِدُّوا وَابْنُوا مَسْجِداً فَإِنِّي أَذْهَبُ إِلَى قَيْصَرَ وَآتِي مِنْ عِنْدِهِ بِجُنُودٍ وَأُخْرِجُ مُحَمَّداً مِنَ الْمَدِينَةِ ، فَكَانَ أُولَئِكَ الْمُنَافِقُونَ يَتَوَقَّعُونَ قُدُومَهُ ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مُلْكَ الرُّومِ بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا قِنَّسْرِينُ. وَأَمَّا ابْنُهُ حَنْظَلَةُ فَكَانَ مِنْ خَوَاصِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله ، قُتِلَ مَعَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَانَ جُنُباً فَغَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ فَسُمِّيَ بِذَلِكَ.

وأَبُو عَمْرٍو العَمْرِيُ (١) بالفتح ثقة جليل مكنى بأبي عمرو السمان من أصحاب الجواد عليه السلام ، وكان من وكلاء العسكري ، وهو الراوي دعاء السمات المشهور.

وَابْنُ أَبِي عُمَيْرٍ مِنْ رُوَاةِ الْحَدِيثِ (٢) نُقِلَ أَنَّ الرَّشِيدَ ضَرَبَهُ نَحْواً مِنْ مِائَتَيْ خَشَبَةٍ عَلَى التَّشَيُّعِ ، وَأَغْرَمَهُ مِائَةَ أَلْفٍ وَوَاحِداً وَعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.

والعِمَارَةُ بالكسر : نقيض الخراب. وعَمَرْتُ الخرابَ أَعْمُرُهُ عِمَارَةً فهو عَامِرٌ أي مَعْمُو ر ، مثل ( دافِقٍ ) أي مدفوق. والعُمْرَانُ بالضم : اسم للبنيان.

( عنبر )

في الحديث ذكر العَنْبَر ، وهو ضرب من الطيب معروف. وفي حياة الحيوان العَنْبَرُ سمكة بحرية يتخذ من جلدها التراس ، والعَنْبَر المشموم ، قيل إنه يخرج من قعر البحر يأكله بعض دوابه لدسومته فيقذفه رجيعا فيطفوا على

__________________

(١) اسمه عثمان بن سعيد الزيات.

(٢) هو محمد بن زياد بن عيسى أبو أحمد الأزدي ، توفي سنة ٢١٧ ـ انظر الكنى والألقاب ج ١ صلى الله عليه وآله ١٩١ ـ ١٩٢.

٤١٥

الماء فتلقيه الريح إلى الساحل. قال : وهو يقوي القلب نافع من الفالج واللقوة والبلغم الغليظ.

( عور )

قوله تعالى : ( ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ ) [ ٢٤ / ٥٨ ] أي ثلاث أوقات لكم من أوقات العَوْرَة ، قرئ ثَلَاثَ عَوْرَاتٍ بالنصب على البدل وبالرفع على معنى هذه ثلاث عَوْرَاتٍ مخصوصة بالاستيذان ، ويسمى كل وقت من هذه الأوقات عَوْرَة لأن الناس يختل تحفظهم وتسترهم فيها ، من قولهم « أَعْوَرَ الفارسُ » إذا بدا فيه موضع خلل للطعن والضرب ، وقرأ بعضهم ثَلاثُ عَوَراتٍ بالتحريك.

وَفِي الْحَدِيثِ « مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَكَذَا » (١).

أي من تجسس ما ستره الله من الأفعال والأقوال على أخيه فكذا. والعَوْرَةُ : القبل والدبر ، سميت السوأة عَوْرَة لقبح النظر إليها ، وكل شيء ستره الإنسان أنفة أو حياء فهو عَوْرَةٌ ، والجمع عَوْرَات بالسكون للتخفيف ، والقياس الفتح لأنها اسم وهي لغة هذيل. والعَوْرَةُ : النساء. ومنه الْحَدِيثُ « الْمَرْأَةُ عِيٌّ وَعَوْرَةٌ » (٢).

جعلها نفسها عورة لأنها إذا ظهرت يستحيا منها كما يستحيا من العورة إذا ظهرت. وفِيهِ « اللهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتِي وَآمِنْ رَوْعَتِي ».

أراد بِالْعَوْرَةِ كل ما يستحيا منه ويسوء صاحبه أن يرى ذلك منه. والرَّوْعَةُ هي القرعة. وفِيهِ « عَوْرَةُ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَرَامٌ ».

وَمَعْنَاهُ ـ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الصَّادِقُ عليه السلام ـ أَنْ يَزِلَّ زَلَّةً أَوْ يَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ يُعَابُ عَلَيْهِ فَيَحْفَظُهُ لِيُعَيِّرَهُ بِهِ يَوْماً.

وَفِي خَبَرٍ آخَرَ هِيَ إِذَاعَةُ سِرِّهِ.

وطريق مُعْوِرَة : أي ذات عورة يخاف منها الضلال والانقطاع. وعَوِرَتِ العينُ عَوَراً من باب تعب : نقصت أو غارت ، فالرجل أَعْوَر ، والأنثى عَوْرَاء ، وإنما صحت الواو فيها لصحتها في أصله ، وهي اعْوَرَّتْ بسكون ما قبلها ،

__________________

(١) الكافي ج ٢ صلى الله عليه وآله ٣٥٤.

(٢) مكارم الأخلاق صلى الله عليه وآله ٢٣٠.

٤١٦

ثم حذفت الزوائد الألف والتشديد فبقي عَوِرَ. والعَوْرَاءُ : الكلمة القبيحة ، وهي السقطة. واعْتَوَرُوهُ : تداولوه ، ومنه العَارِيَّةُ بالتشديد وقد يخفف في الشعر ، والأصل فعلية بفتح العين. قال الأزهري : نسبتها إلى العَارَة ، وهي اسم من الإِعَارَة ، يقال أَعَرْتُهُ الشيءَ إِعَارَةً وعَارَةً مثل أطعته إطاعة وطاعة وأجبته إجابة. قال الليث : سميت عَارِيَّة لأنها عار على صاحبها ، ومثله قاله الجوهري. وقال بعضهم : مأخوذة من عَارَ الفرسُ إذا ذهب من صاحبه لخروجها من يد صاحبها. قال في المصباح : وهو غلط لأن العارية من الواو والعار وعار الفرس من الياء. ثم قال : والصحيح ما ذكره الأزهري. ومنه الْحَدِيثُ « إِنَّ اللهَ أَعَارَ أَعْدَاءَهُ أَخْلَاقاً مِنْ أَخْلَاقِ الْأَوْلِيَاءِ لِيَعِيشَ أَوْلِيَاؤُهُ مَعَ أَعْدَائِهِ فِي دَوْلَتِهِمْ ».

ومِنْهُ الدُّعَاءُ « اللهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِنَ الْمُعَارِينَ ».

وهم الذين أعارهم الله الإيمان إذا شاء سلبه منهم.

وَكَانَ أَبُو الْخَطَّابِ ـ أَعْنِي أَبَا زَيْنَبَ ـ مِمَّنْ أُعِيرَ الْإِيمَانَ عَلَى مَا وَرَدَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ (١)

واسْتَعَرْتُ منه الشيءَ فَأَعَارَنِيهِ. والعَوَارُ بالفتح : العيب. ومنه الْحَدِيثُ « لَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ ».

والعُوَّارُ بالضم والتشديد : القذى في العين.

( عهر )

فِي الْحَدِيثِ « الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ » (٢).

العَاهِر الفاجر الزاني ، من العَهْرِ بالسكون والتحريك أيضا : الزنا والفجور ، ويقال عَهِرَ عَهْراً من باب تعب فجر فهو عَاهِرٌ ، وعَهَرَ عُهُوراً من باب قعد. وقَوْلُهُ : « الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ ».

أي إنما يثبت الولد لصاحب

__________________

(١) انظر الرواية في رجال الكشي صلى الله عليه وآله ٢٥١.

(٢) سفينة البحار ج ٢ صلى الله عليه وآله ٢٩٤.

٤١٧

الفراش وهو الزوج ، ولِلْعَاهِرِ الخيبة ولا يثبت له نسب ، وهو كما يقال له التراب أي الخيبة ، لأن بعض العرب كان يثبت النسب بالزنا فأبطله الشرع.

( عير )

قوله تعالى : ( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها ) [ ١٢ / ٨٢ ] الْعِيرُ بالكسر القافلة ، وهو في الأصل الإبل التي عليها الأحمال لأنها تَعِيرُ أي تتردد ، فقيل لأصحابها كقولهم « يا خيل الله اركبي » والجمع عِيرَات ، وقيل قافلة الحمير ثم كثر حتى قيل لكل قافلة عِيرٌ. ومنه الْحَدِيثُ « إِنَّهُمْ كَانُوا يَرْصُدُونَ عِيرَات قُرَيْشٍ ».

وفِيهِ « مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ العَائِرَةِ بَيْنَ الغَنَمَيْنِ.

العَائِرَةُ أكثر ما تستعمل في الناقة ، وهي التي تخرج من الإبل إلى إبل أخرى ليضربها الفحل ، والجمل عَائِرٌ يترك الشول إلى أخرى ثم يتسع في المواشي ، شبه تردده بين الطائفتين من المؤمنين والمشركين تبعا لهواه وميلا إلى ما يتبعه من شهواته بتردد الشاة العائرة المترددة بين الثلتين فلا تستقر على حال ، وبذلك وصفهم الله تعالى بقوله : ( مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ ). وعَائِرٌ ووُعَيْرٌ جبلان بالمدينة ، وقد ذرعت بنو أمية ما بينهما ثم جزوه على اثني عشر ميلا : فكان كل ميل ألفا وخمسمائة ذراع ، وهو أربعة فراسخ ، وتصديق ذلك ما وردت به الرواية « الْبَرِيدُ مَا بَيْنَ ظِلِ عَيْرٍ إِلَى فَيْءِ وُعَيْرٍ ».

وذكر الفيء لوقوعه في الجانب الشرقي كما أن ظل عَيْر واقع في الجانب الغربي من المدينة. والعَيْرُ : الحمار الوحشي والأهلي ، والأنثى عَيْرَة ، والجمع أَعْيَار مثل ثوب وأثواب. ومنه حَدِيثُ الْمَسْحِ « لَأَنْ أَمْسَحَ عَلَى ظَهْرِ عَيْرٍ فِي الْفَلَاةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْسَحَ عَلَى خُفِّي » (١).

وعَيَّرْتُ الدنانير تَعْيِيراً : امتحنتها لمعرفة أوزانها. ومنه الْحَدِيثُ « فَرَضَ اللهُ الْمَكَايِيلَ وَالْمَوَازِينَ تَعْيِيراً لِلْبَخْسَةِ ».

أي امتحانا لها. وعَيَّرْتُهُ به : قبحته عليه ونسبته إليه.

__________________

(١) من لا يحضر ج ١ صلى الله عليه وآله ٣٠.

٤١٨

باب ما أوله الغين

( غبر )

قوله تعالى : ( إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ ) [ ٢٦ / ١٧١ ] أي في الباقين قد غَبَرَتْ ، أي بقيت في العذاب ولم تسر مع قوم لوط عليه السلام. والغَابِرُ : الباقي ، يقال غَبَرَ غُبُوراً من باب قعد بقي ، وقد يستعمل فيما مضى فيكون من الأضداد. ومنه حَدِيثُ الْمَيِّتِ « وَاخْلُفْ عَلَى أَهْلِهِ فِي الْغَابِرِينَ ».

أي في الباقين. وفِي نُسْخَةٍ « اللهُمَّ اخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ ».

ففي الغَابِرِينَ بدل من عقبه أي أولاده ، وقيل حال منه ، أي أوقع الخلافة في عقبه كائنين في جملة الباقين من الناس. ومنه حَدِيثُ الْهَدْيِ « نَحَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله ثَلَاثاً وَسِتِّينَ وَنَحَرَ عَلِيٌّ عليه السلام مَا غَبَرَ ».

أي ما بقي من البدن. ومِنْهُ « أَنَّهُ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الغَوَابِرَ ».

أي البواقي ، جمع غَابِر يعني الأواخر. قوله : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ ) [ ٨٠ / ٤٠ ] الغَبَرَةُ بالتحريك الغُبَار بضم الغين وهو العجاج ، والغُبْرَة بالضم فالسكون لون الأَغْبَر الشبيه بالغبار. والمُغْبَرُّ : شيء فيه غبار.

وَفِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ عليه السلام : « كَسَحَتِ الْبَيْتَ حَتَّى اغْبَرَّتْ ثِيَابُهَا ».

أي صار فيها غبار. وأَغْبَرَتِ السماءُ : إذا جدَّ وقعها. والغَبْرَاءُ بالمد : الأرض.

وَفِي الْخَبَرِ « إِيَّاكُمْ وَالْغُبَيْرَاءَ فَإِنَّهَا خَمْرُ الْعَالَمِ ».

ومثله فِي خَبَرِ مُعَاذٍ « انْهَهُمْ عَنْ غُبَيْرَاءِ السُّكُرْكَة ».

الغُبَيْرَاءُ نوع من الشراب يتخذه الحبش من الذرة يسكر ، وإنما أضيف إلى السكر لئلا يذهب الوهم إلى غُبَيْرَاء التمر ـ قاله في المغرب.

٤١٩

والغُبَيْرَاء : تمرة تشبه العناب. وفي الدروس الغُبَيْرَاء تدبغ المعدة.

( غدر )

قوله تعالى : ( وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) [ ١٨ / ٤٧ ] أي لم نبق منهم أحدا ، ومنه سمي الغَدِير لأنه ماء تُغَادِرُهُ السيول أي تخلعه ، فعيل بمعنى مفاعل ، من غَادَرَهُ أو فعيل بمعنى فاعل لأنه يَغْدِرُ بأهله أي ينقطع عند شدة الحاجة إليه. ومنه الدُّعَاءُ « اللهُمَّ مِنْ نِعَمِكَ وَهِيَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ تُغَادِرَ ».

أي تنقطع. و « غَدِيرُ خم » موضع بالجحفة شديد الوباء.

قَالَ الْأَصْمَعِيُ : لَمْ يُولَدْ بِغَدِيرِ خُمٍّ أَحَدٌ فَعَاشَ إِلَى أَنْ يَحْتَلِمَ إِلَّا أَنْ يَنْجُوَ عنْهَا (١).

ويوم الغَدِير هو يوم الثامن عشر من ذي الحجة ، وهو اليوم الذي نصب به رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام خليفة بحضرة الجمع الكثير من الناس حيث قَالَ : « مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ ».

. قال الغزالي ـ وهو من أكابر علماء القوم في كتابه المسمى بسر العالمين ـ ما هذا لفظه :

قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله لِعَلِيٍّ يَوْمَ الْغَدِيرِ « مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ » فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : بَخْ بَخْ يَا أَبَا الْحَسَنِ لَقَدْ أَصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَمَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ.

ثم قال : وهذا رضى وتسليم وولاية وتحكيم ، ثم بعد ذلك غلب الهوى وحب الرئاسة وعقود البنود وخفقان الرايات وازدحام الخيول وفتح الأمصار والأمر والنهي فحملتهم على الخلاف ( فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ ... ) إلى أن قال :

ثُمَّ إِنْ أَبَا بَكْرٍ قَالَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله : أَقِيُلونِي فَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ

__________________

(١) قال في معجم البلدان ج ٢ صلى الله عليه وآله ٣٨٩ : خمّ واد بين مكّة والمدينة عند الجحفة به غدير ، عنده خطب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهذا الوادي موصوف بكثرة الوخامة. وفيه ج ٤ صلى الله عليه وآله ١٨٨ : وغدير خمّ بين مكّة والمدينة بينه وبين الجحفة ميلان.

٤٢٠