مجمع البحرين - ج ٣

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٣

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٤

وفِيهِ « الطَّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ ».

أي جزء من أجزائه لا يتم إلا به. قال سيبويه حكاية عنه : الطَّهُورُ قد يكون مصدرا من قولهم « تَطَهَّرَ طَهُوراً » فهو مصدر على فعول ويكون اسما غير مصدر كالفطور في كونه اسما لما يفطر به ويكون صفة كالرسول ونحو ذلك من الصفات ، وعلى هذا قوله : ( سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً )

وَفِي الْخَبَرِ فِي مَاءِ الْبَحْرِ « هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ ».

أي هو الطاهر المُطَهِّر قال ابن الأثير وما لم يكن طَاهِراً فليس بِطَهُور. وفي الحديث ذكر الطَّهَارَة ، وهي مصدر قولك طَهُرَ الشيءُ فتحا وضما بمعنى النزاهة. ومنه « ثياب طَاهِرَة » و ( أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) [ ٧ / ٨٢ ] أي يتنزهون. ومنه امرأة طَاهِرَة من النجاسة ومن العيب ومن الحيض ، ويقال ماء طَاهِر خلاف نجس وطَاهِرٌ صالح للتطهير به. و « الطُّهْرُ » بالضم نقيض الحيض. والأَطْهَارُ : أيام طهر المرأة. والطُّهْرُ : الاسم من الطهارة. وطَهَّرَهُ بالماء : إذا غسله. والماء الطَّاهِرُ : الذي لا قذر فيه والقذر النجاسة ـ قاله في القاموس والصحاح.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْمَاءُ يُطَهِّرُ وَلَا يُطَهَّرُ ».

وفيه إشكال ، ولعل المراد أنه يطهر غيره ولا يطهر غيره. وطَهَرَتِ المرأةُ من الحيض من باب قتل وفي لغة من باب قرب : أي نقيت. والتَّطَهُّرُ : التنزه والكف عن الإثم. وفِيهِ « وَلَدُ الزِّنَا لَا يَطْهُرُ إِلَى سَبْعَةِ آبَاءٍ ».

ولعل المراد في عدم الطهارة المبالغة وذلك لما نقل أن العرب تستعمل التسبيع موضع التضعيف والزيادة كما سيأتي تحقيقه في محله إن شاء الله ، ومما يؤيد ما قلناه

قَوْلُهُ عليه السلام « الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ بِمِعَاءٍ وَاحِدٍ وَالْمُنَافِقُ يَأْكُلُ بِسَبْعَةِ أَمْعَاءٍ ».

ومن المعلوم أن المؤمن وغيره ليس لهما إلا معاء واحد وإنما أراد المبالغة لا غير ، وما ذكر في توجيه الحديث من أنه إذا كان الأب السابع ولد زنية والستة أولاد رشدة في الأخير أيضا ليس بطاهر ، فلا وجه له مع ما فيه من التكلف.

٣٨١

وَفِي حَدِيثِ الْحَمَّامِ « طَابَ مَا طَهُرَ مِنْكَ وَطَهُرَ مَا طَابَ مِنْكَ ».

قيل فيه يعني طاب عن العلل والعاهات ما طهر منك بالاغتسال وهو جسدك الهيولي ، وطهر عن أقذار المعاصي وعن أدناس الغواشي الهيولانية ما طاب منك في جوهر ذاته القدسية بحسب الفطرة الأولى وهو قلبك الملكوتي ، أي نفسك الناطقة المجردة و « طِهْرَانُ » قرية بأصفهان وقرية بالري. و « المِطْهَرَةُ » بكسر الميم وفتحها وهو الأفصح ، واحدة المَطَاهِر وهي إناء يتطهر به ويزال به الأقذار.

وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِنْجَاءِ « مُرِي نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ يَسْتَنْجِينَ بِالْمَاءِ وَيُبَالِغْنَ فَإِنَّهُ مَطْهَرَةٌ لِلْحَوَاشِي ».

أي مزيل للنجاسة ، كما في

قَوْلِهِ « السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ وَمَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ ».

أي مزيل لدنس الفم وقذره ، والحواشي جانب الفرج ، فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وآله « مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ ».

مصدر ميمي ، ومثله « مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ ».

أي مُطَهِّرٌ ومحصل رضاه أو مرضاته ، أي مظنة لرضاه وسبب له ، والأولى علة للثانية أو هما مستقلان.

( طير )

قوله تعالى : ( كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ) [ ١٧ / ١٣ ] قيل طَائِرَهُ ما عمل من خير أو شر ، فهو لازم عنقه يقال لكل ما لزم الإنسان قد لزم عنقه وهذا لك في عنقي حتى أخرج لك منه. وإنما قيل للحظ من الخير والشر طَائِرٌ لقول العرب جرى لفلان الطَّائِرُ بكذا من الخير والشر على طريقة التفاؤل والطِّيَرَة ، فخاطبهم الله تعالى بما يستعملونه وأعلمهم أن ذلك الأمر الذي يجعلونه بالطائر يلزم أعناقهم.

وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله عَنْ أَوَّلِ مَلَكٍ يَدْخُلُ فِي الْقَبْرِ عَلَى الْمَيِّتِ قَبْلَ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله : مَلَكٌ يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ اسْمُهُ رُومَانُ يَدْخُلُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ : اكْتُبْ مَا عَمِلْتَ مِنْ حَسَنَةٍ وَسَيِّئَةٍ. فَيَقُولُ : بِأَيِّ شَيْءٍ أَكْتُبُ أَيْنَ قَلَمِي وَدَوَاتِي

٣٨٢

وَمِدَادِي؟ فَيَقُولُ : رِيقُكَ مِدَادُكَ وَقَلَمُكَ إِصْبَعُكَ. فَيَقُولُ : عَلَى أَيِّ شَيْءٍ أَكْتُبُ وَلَيْسَ مَعِي صَحِيفَةٌ؟ قَالَ : صَحِيفَتُكَ كَفَنُكَ ، فَيَكْتُبُ مَا عَمِلَهُ مِنَ الدُّنْيَا خَيْراً ، فَإِذَا بَلَغَ سَيِّئَاتِهِ يَسْتَحْيِي مِنْهُ فَيَقُولُ لَهُ الْمَلَكُ : يَا خَاطِئُ أَمَا تَسْتَحْيِي مِنْ خَالِقِكَ حِينَ عَمِلْتَهُ فِي الدُّنْيَا وَتَسْتَحْيِي الْآنَ ، فَيَرْفَعُ الْمَلَكُ الْعَمُودَ لِيَضْرِبَهُ ، فَيَقُولُ الْعَبْدُ : ارْفَعْ عَنِّي حَتَّى أَكْتُبَهَا ، فَيَكْتُبُ فِيهَا جَمِيعَ حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ ثُمَّ يَأْمُرُهُ أَنْ تُطْوَى وَتُخْتَمَ فَيَقُولُ : بِأَيِّ شَيْءٍ أَخْتِمُهُ وَلَيْسَ مَعِي خَاتَمٌ؟ فَيَقُولُ : اخْتِمْهُ بِظُفْرِكَ وَعَلِّقْهُ فِي عُنُقِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى : ( وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً ).

قوله : ( اطَّيَّرْنا بِكَ ) [ ٢٧ / ٤٧ ] أي تَطَيَّرْنَا ، أي تشاءمنا. ومثله قوله : ( يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ ) [ ٧ / ١٣١ ] أي تشاءموا بهم ويقولون لو لا مكانهم لما أصابتنا سيئة ( أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ ) أي ألا إنما الشؤم الذي يلحقهم هو الذي وعدوا به من العقاب عند الله بفعله بهم في الآخرة لا ما ينالهم في الدنيا. قوله : ( كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ) [ ٧٦ / ٧ ] أي منتشرا فاشيا ، من قولهم اسْتَطَارَ الفجرُ وغيره أي انتشر. قوله : ( وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ) [ ٦ / ٣٨ ] قال الشيخ أبو علي : جمع بين هذين اللفظين جميع الحيوانات ، ثم قال : ومما يسأل عنه لم قال ( يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ ) وقد علم أن الطائر لا يطير إلا بجناحيه؟ فالجواب إنما جاء للتوكيد ورفع اللبس ، لأن القائل قد يقول طِرْ في حاجتي أي أسرع بها ، وقيل إنما قال ( بِجَناحَيْهِ ) لأن السمك يطير في الماء ولا أجنحة لها ، وإنما خرج السمك عن الطائر لأنه من دواب البحر ، وقوله ( إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ) يريد أشباهكم في إبداع الله إياها وخلقه لها ودلالتها على أن لها صانعا ، وقيل إنما مثلت الأمر من غير الناس بالناس في الحاجة إلى مدبر يدبرهم في أغذيتهم

٣٨٣

وأكلهم ولباسهم ونومهم ويقظتهم وهدايتهم إلى مراشدهم إلى ما لا يحصى.

وَفِي الْحَدِيثِ « ثَلَاثٌ لَا يَسْلَمُ مِنْهَا أَحَدٌ الطِّيَرَةُ وَالْحَسَدُ وَالظَّنُّ. قِيلَ : فَمَا نَصْنَعُ؟ قَالَ : إِذَا تَطَيَّرْتَ فَامْضِ ، وَإِذَا حَسَدْتَ فَلَا تَبْغِ ، وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلَا تُحَقِّقْ ».

وفِيهِ « لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ » (١).

هي بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن ، مصدر تطير ، يقال تَطَيَّرَ طِيَرَةً وتحير حيرة ، ولم يجىء من المصادر كذا غيرهما ، وأصله فيما يقال التَّطَيُّرُ بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغير ذلك ، وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم فنفاه الشرع. وقد مر في عدا تمام البحث في الحديث. وفِيهِ « رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعَةُ أَشْيَاءَ » (٢)وَعَدَّ مِنْهَا الطِّيَرَةَ.

ولعل المراد رفع المؤاخذة فيها. وفِيهِ « ثَلَاثَةٌ لَمْ يَنْجُ مِنْهَا نَبِيٌّ فَمَا دُونَهُ : التَّفَكُّرُ فِي الْوَسْوَسَةِ فِي الْخَلْقِ وَالطِّيَرَةُ وَالْحَسَدُ ، إِلَّا أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَسْتَعْمِلُ حَسَدَهُ » (٣).

قال الصدوق رحمه‌الله في الخصال معنى الطِّيَرَة في هذا الموضع أن يتطير منهم ولا يتطيرون ، وذلك كما حكى الله تعالى عن قوم صالح ( قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ ) وكما قال آخرون لأنبيائهم ( إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ) وأما الحَسَدُ فإنه في هذا الموضع أن يُحْسَدُوا لا أنهم يَحْسُدُون عليه السلام ، وذلك كما حكى الله تعالى ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) وأما التَّفَكُّرُ في الوسوسة في الخلق فهو بلواهم بأهل الوسوسة لا غير ذلك ، كما حكى الله تعالى عن الوليد بن المغيرة ( إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ) يعني أنه قال للقرآن ( إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ) ـ انتهى.

وَفِي الْخَبَرِ « الطِّيَرَةُ شِرْكٌ وَلَكِنَّ اللهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ ».

قيل إنما جعلت الطِّيَرَةُ من الشرك لأنهم كانوا يعتقدون أن التَّطَيُّرَ

__________________

(١) سفينة البحار ج ٢ صلى الله عليه وآله ١٠٣.

(٢) تحف العقول صلى الله عليه وآله ٥٠.

(٣) سفينة البحار ج ٢ صلى الله عليه وآله ١٠٣.

٣٨٤

يجلب لهم نفعا ويدفع عنهم ضررا إذا عملوا بموجبه ، فكأنهم أشركوه مع الله ، ولكن الله يذهبه بالتوكل وليست الكفر بالله ، ولو كانت كفرا لما ذهبت بالتوكل ومعناه كما قيل إنه إذا خطر له عارض الطِّيَرَة فتوكل على الله وسلم أمره إليه لم يعمل به ذلك الخاطر. وفِيهِ « الطِّيَرَةُ عَلَى مَا تَجْعَلُهَا إِنْ هَوَّنْتَهَا تَهَوَّنَتْ وَإِنْ شَدَّدْتَهَا تَشَدَّدَتْ وَإِنْ لَمْ تَجْعَلْهَا شَيْئاً لَمْ تَكُنْ شَيْئاً ».

وأصل الطِّيَرَة التشاؤم بالطير ، ثم اتسع فيها فوضعت موضع الشؤم ، فيكون الشؤم بمعنى الكراهة شرعا أو طبعا كعدم القرار على الفرس وضيق الدار. ومنه قَوْلُهُ عليه السلام « لَا طِيَرَةَ فَإِنْ تَكُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ وَالْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ ».

والطَّيْرُ جمع طَائِر مثل صاحب وصحب ، وجمع الطَّيْر طُيُور وأَطْيَار مثل فرخ وأفراخ. وفي المصباح قال أبو عبيدة وقطرب : ويقع الطَّيْرُ على الواحد والجمع وقال ابن الأنباري الطَّيْرُ جماعة وتأنيثها أكثر من التذكير ، ولا يقال للواحد طير بل طَائِر ، وقد يقال للأنثى طَائِرَة. و « الطَّيَرَانُ » محركة : حركة ذي الجناح في الهواء بجناحيه كالطير.

وَفِي وَصْفِهِ صلى الله عليه وآله « إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ » (١).

معناه أنهم كانوا لإجلالهم نبيهم عليه السلام لا يتحركون فكانت صفتهم صفة من على رأسه طائر يريد أن يصيده وهو يخاف أن تحرك طار وذهب. وقال الجوهري : أصله أن الغراب يقع على رأس البعير فيلقط الحلمة والحمنانة فلا يحرك البعير رأسه لئلا ينفر عنه الغراب.

وَفِي حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله « رَأَيْتُ جَعْفَراً يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ ».

يريد به جعفر بن أبي طالب أخا علي عليه السلام ، وكان جعفر قد أصيب بمؤتة من أرض الشام وهو أمير بيده راية الإسلام بعد زيد بن حارثة ، فقاتل في الله حتى قطعت يداه أو رجلاه ،

__________________

(١) مكارم الأخلاق صلى الله عليه وآله ١٣.

٣٨٥

فأري نبي الله فيما كوشف له أن له جناحين مضرجين بالدم يطير بهما في الجنة مع الملائكة. وتَطَايَرَ الشيءُ : تفرق. وتَطَايَرَ : طال ، ومنه الْخَبَرُ « خُذْ مَا تَطَايَرَ مِنْ شَعْرِكَ ».

باب ما أوله الظاء

( ظأر )

فِي حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله « إِنَّ لَهُ ظِئْراً فِي الْجَنَّةِ ».

وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ « تُعْطَى الْجِيرَانَ وَالظُّئُورَةَ ».

الظُّئُورَة جمع ظِئْر بهمزة ساكنة ويجوز تخفيفها يقال للذكر والأنثى ، والأصل في الظِّئْرِ العطف ، ومنه « ناقة مَظْئُورَة » إذا عطفت على غير ولدها ، فسميت المرضعة ظِئْراً لأنها تعطف على الرضيع ، وجمع الظِّئْر أَظْآر كحمل وأحمال. وقال الجوهري الظِّئْرُ مهموز والجمع ظُؤَار على فعال بالضم وظُئُور وأَظْآر وظُئُورَة.

( ظفر )

قوله تعالى : ( وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ) [ ٦ / ١٤٦ ] بضم الظاء والفاء ، وهي أفصح اللغتين وبها قرأ السبعة ، والثانية الإسكان للتخفيف وبها قرأ الحسن البصري ، والثالثة بكسر الظاء وزان حمل ، والرابعة بكسرتين للإتباع وقرئ بهما في الشواذ ، والخامسة أُظْفُور والجمع أَظَافِير كأسبوع وأسابيع ، والمراد كل ما له إصبع كالسباع والطيور ، وقيل كل ذي مخلب وحافر ، وسمي الحافر ظُفُراً مجازا ، أخبر سبحانه أنه حرم عليهم كل ذي ظُفُرٍ بجميع أجزائه ، وأما البقر والغنم فحرم منهما الشحوم واستثنى من الشحوم ثلاثة أنواع : الأول ما على الظهر الثاني ما على الحوايا وهي الأمعاء ، الثالث ( مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ) وهو شحم الجنب والألية لأنها مركبة على العصعص ، وقيل ( أَوِ الْحَوايا ) أنها عطفت على الشحوم ، وأو بمعنى الواو فتكون محرمة.

٣٨٦

والظُّفُرُ للإنسان مذكر ، ويجمع على أَظْفَار ، وربما جمع على أَظْفُر مثل ركن وأركن.

وَفِي الْحَدِيثِ « اطْلُبْ لِنَفْسِكَ أَمَاناً قَبْلَ أَنْ تَأْخُذَكَ الْأَظْفَارُ وَيَلْزَمَكَ الْخِنَاقُ ».

كنى بذلك عن الموت. وفِيهِ « كَانَ ثَوْبَا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله اللَّذَانِ أَحْرَمَ فِيهِمَا يَمَانِيَّيْنِ عِبْرِيٌّ وَأَظْفَارٌ ».

قال الشيخ والصحيح ظَفَارِ بالفتح مبني على الكسر كقطام بلد باليمن لحمير قرب صنعاء ، إليه ينسب الجزع الظَّفَارِيُ. وفي القاموس الظَّفِرُ بكسر الفاء حصن باليمن ، وَمِنْهُ أَيْضاً كُفِّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله فِي بُرْدَتَيْنِ ظَفِرِيَّتَيْنِ مِنْ ثِيَابِ الْيَمَنِ وَثَوْبِ كُرْسُفٍ.

أي قطن. وظَفِرَ بالشيء ظَفَراً من باب تعب : وجده. وظَفِرْتُ بالضالة : وجدتها ، والفاعل ظَافِر. وظَفِرَ بعدوه وأَظْفَرَهُ الله بعدوه وظَفَّرَهُ به تَظْفِيراً. ومنه الدُّعَاءُ « وَتُظْفِرُنَا بِهِ بِكُلِّ خَيْرٍ ».

وأصل الظَّفَرِ الفوز والصلاح. و « مسجد بني ظَفَر » وهو مسجد السهلة قريب من كوفان. والظَّفَرَةُ بالتحريك : جليدة تغشى العين نابتة من الجانب الذي يلي الأنف على بياض العين إلى سوادها.

( ظهر )

قوله تعالى : ( وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ ) [ ٦ / ١٢٠ ] أي ما أعلنتم به وما أسررتم ، وقيل ما عملتم بجوارحكم وما نويتم منه بقلوبكم ، وقيل الظَّاهِرُ الزنا والباطن اتخاذ الأخدان. قوله : ( تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ ) [ ٢ / ٨٥ ] أي تعاونون عليهم. و ( لَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ ) [ ٩ / ٤ ] يعينوا عليكم. قوله : ( وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ ) [ ٦٦ / ٤ ] أي تعاونا عليه ، أي على النبي صلى الله عليه وآله بالإيذاء وبالسوء.

رُوِيَ أَنَ المُتَظَاهِرَيْنِ عَائِشَةُ وَسَوْدَةُ ، وَرُوِيَ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ.

و ( سِحْرانِ تَظاهَرا ) [ ٢٨ / ٤٨ ] أي تعاونا. والظَّهِيرُ : العون ، ومنه قوله ( وَكانَ

٣٨٧

الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً ) [ ٢٥ / ٥٥ ] أي عونا على ربه يظاهر الشيطان على ربه بعبادة الأوثان. ومثله قوله ( وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ ) [ ٦٦ / ٤ ] أي مظاهرين له كأنهم يد واحدة على من يعاديه ويخالفه وإنما لم يجمعه لأن فعيلا وفعولا قد يستوي فيهما المذكر والمؤنث والجمع كما قال تعالى ( إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ ). قوله : ( يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ) [ ٥٨ / ٣ ] يحرمونهن تحريم ظهر الأمهات. روي أن هذه الآية نزلت في رجل ظَاهَرَ امرأته فذكر الله قصته ، ثم تبع هذا كل ما كان محرما على الابن أن يراه كالبطن والفخذين وأشباه ذلك (١) قوله : ( ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ ) [ ٤٠ / ٢٩ ] أي عالين في أرض مصر على بني إسرائيل. قوله : ( لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ ) [ ٢٤ / ٣١ ] أي لم يبلغوا أن يطيقوا إتيانهن. قوله : ( إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ ) [ ١٨ / ٢٠ ] أي يطلعوا ويعثروا. قوله : ( وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا ) [ ١١ / ٩٢ ] أي جعلتموه ورائكم كالمنسي المنبوذ وراء الظهر. ومنه حَدِيثُ عَلِيٍّ عليه السلام : « ( اتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا ) حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ ».

أي جعلتموه وراء ظهوركم وهو منسوب إلى الظَّهْرِ ، وكسر الظاء من تغييرات النسب. وقوله : ( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها ) [ ٢ / ١٨٩ ]

قِيلَ كَانُوا إِذَا أَحْرَمُوا لَمْ يَدْخُلُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَثَقَبُوا فِي ظَهْرِ بُيُوتِهِمْ ثَقْباً مِنْهُ يَدْخُلُونَ وَيَخْرُجُونَ يَعُدُّونَ ذَلِكَ مِنَ الْبِرِّ ، فَرَدَّ اللهُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ.

قوله : ( لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ) [ ٤٣ / ١٣ ] أي ظهور ما تركبونه. و ( الظَّاهِرُ ) من أسمائه تعالى ، وهو الظَّاهِرُ بآياته الباهرة الدالة على وحدانيته وربوبيته ، ويحتمل من الظُّهُورِ الذي هو

__________________

(١) البرهان ج ٤ صلى الله عليه وآله ٣٠٢.

٣٨٨

بمعنى العلو ، يدل عليه قَوْلُهُ صلى الله عليه وآله « أَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ ».

ويحتمل أن يكون معنى الظُّهُورِ والبطون تجليه لبصائر المتفكرين واحتجابه عن أبصار الناظرين ، وقيل هو العالم بما ظهر من الأمور والمطلع على ما بطن من الغيوب. وظاهر القول في الآية الشريفة قد يطلق ـ على ما قيل ـ على أربعة أشياء : على الصريح وهو ما وضع في اللغة لما أريد به صريحا من العموم والخصوص والأمر والنهي ونحو ذلك ، والفحوى فيدخل فيه دلالة الاقتضاء كآية التأفيف المقتضية لمنع الإيذاء ، والدليل ومنه تعليق الحكم بصفة مشعرة بالعلية بحيث ينتفي الحكم بانتفائها.

وَفِي حَدِيثِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى « فَأَظْهَرَ مِنْهَا ثَلَاثَةً ».

كان المراد بالثلاثة الله الرحمن الرحيم. قال « فَالظَّاهِرُ هو الله » أي فالظاهر مما ظهر من الثلاثة الله لكونه علما للذات المقدسة المستجمعة لجميع صفات الكمال ، وما عداه منها اسم لمفهوم كلي منحصر فيه تعالى ، وبينهما من التفاوت. والظُّهُورُ : ما لا يخفى.

وَفِي الْحَدِيثِ « لِكُلِّ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ ».

وفِي آخَرَ « مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ آيَةٌ إِلَّا وَلَهَا ظَهْرٌ وَبَطْنٌ ».

فَالظَّهْرُ ما ظهر تأويله وعرف معناه ، والبَطْنُ ما بطن تفسيره وأشكل فحواه. وقيل قصصه في الظَّاهِرِ إخبار وفي الباطن اعتبار وتنبيه وتحذير ، ويحتمل أن يراد من الظَّهْرِ التلاوة ومن البطن الفهم والرواية ، وقيل ظَهْرُهُ ما استوى المكلفون فيه من الإيمان به والعمل بمقتضاه وبَطْنُهُ ما وقع التفاوت في فهمه بين العباد. و « الظَّهْرُ » بالفتح فالسكون خلاف البطن ، والجمع أَظْهُر وظُهُور مثل أفلس وفلوس ، وجاءت « ظُهْرَان » بالضم ويستعار للدابة والراحلة ومِنْهُ « لَا ظَهْراً أَبْقَى وَلَا أَرْضاً قَطَعَ ».

ومنه « الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ.

» يريد الإبل القوي ، فَالظَّهْرُ يطلق على الواحد

٣٨٩

والجمع. ومنه « أَتَأْذَنُ لَنَا فِي نَحْرِ ظَهْرِنَا » يريد إبلنا. وظَهْرُ الكَفِّ : خلاف بطنها. ومنه السُّنَّة في الدعاء لدفع البلاء والقحط جعل ظهر الكف إلى السماء حين ترفع وفي الدعاء لطلب شيء « جعل بطن الكف إليها ». وظَهْرُ الكوفة ما وراء النهر إلى النجف. ومنه الْحَدِيثُ « خَرَجَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الظَّهْرِ فَوَقَفَ بِوَادِي السَّلَامِ. قِيلَ : وَأَيْنَ وَادِي السَّلَامِ؟ قَالَ : ظَهْرُ الْكُوفَةِ ».

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ : « إِذَا أَنَا مِتُّ فَادْفِنُونِي فِي قَبْرِ أَخَوَيَّ هُودٍ وَصَالِحٍ ».

وفِي آخَرَ « أَنَّهَا لَبُقْعَةٌ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ ».

وَفِي الْحَدِيثِ « أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ صَدَقَةٌ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ».

لا بُعْدَ أن يراد بالغِنَى ما هو الأعم من غنى النفس والمال ، فإن الشخص إذا رغب في ثواب الآخرة أغنى نفسه عن أغراض الدنيا وزهد فيما يعطيه وساوى من كان غنيا بماله ، فيقال إنه تصدق عن ظهر غنى ، فلا منافاة بينه وبين

قَوْلِهِ عليه السلام « أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ جُهْدُ الْمُقِلِّ ».

وقد مر في غني فائدة إقحام الظَّهْرِ هنا ، ويقال ما كان عن ظهر غنى المراد نفس الغنى ولكنه أضيف للإيضاح والبيان كما قيل ظَهْرُ الغيب والمراد نفس الغيب ومنه نفس القلب ونسيم الصبا وهي نفس الصبا. وعن الأخفش والفراء أن العرب تضيف الشيء إلى نفسه لاختلاف اللفظين طلبا للتأكيد ، ومن هذا الباب ( حَقُّ الْيَقِينِ ) و ( الدَّارُ الْآخِرَةُ ). وقريش الظَّوَاهِرِ : هم الذين نزلوا بظهر جبال مكة ، وقريش البِطَاح الذين نزلوا بطاح مكة. وظَهَرَ الشيءُ ظُهُوراً : برز بعد الخفاء ومنه « ظَهَرَ لي رَأْيٌ إذا علمت ما لم تكن تعلمه ». وظَهَرْتُ عليه : اطلعت عليه. وظَهَرْتُ على الحائط : علوته. ومنه قيل ظَهَرَ على عدوه : إذا غلبه.

وَفِي الْحَدِيثِ « وَقَدْ ظَهَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله عَلَى خَيْبَرَ فَخَارَجَهُمْ ». وظَهَرَ الحَمْلُ : تبين وجوده. وقرأته عن ظَهْرِ قلبي : أي من

٣٩٠

حفظي لا من النظر. والظَّوَاهِرُ : أشراف الأرض ، ومنه الْحَدِيثُ « لَا بَأْسَ فِي الصَّلَاةِ فِي الظَّوَاهِرِ الَّتِي بَيْنَ الْجَوَادِّ ».

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الظُّهُورِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى؟ قَالَ : « اغْسِلْهَا ».

كأنه يريد بِالظُّهُورِ الأوراق المنسية التي تجعل خلف الظهر وفيها اسم الله تعالى.

وَفِي الدُّعَاءِ « يَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِيلَ وَسَتَرَ الْقَبِيحَ ».

وتفسيره فيما رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ : « مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَلَهُ مِثَالٌ فِي الْعَرْشِ ، فَإِذَا اشْتَغَلَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَنَحْوِهِمَا فَعَلَ مِثَالُهُ مِثْلَ فِعْلِهِ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَرَاهُ الْمَلَائِكَةُ فَيُصَلُّونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ ، وَإِذَا اشْتَغَلَ الْعَبْدُ بِمَعْصِيَةٍ أَرْخَى اللهُ عَلَى مِثَالِهِ وَسَتَرَ لِئَلَّا تَطَّلِعَ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ ».

وَفِي الْحَدِيثِ « وَأَظْهَرَ بِزَّةَ النَّصْرَانِيَّةِ وَحِلْيَتَهَا ».

أي أبرزهما وبَيَّنَهُمَا ، فإن الوالي يتشدد على النصارى. والبِزَّةُ بالكسر الهيئة. وقد تكرر ذكر الظِّهَار كتابا وسنة وهو في اللغة الركوب على الظهر ، وفي الشرع تشبيه الزوج المكلف منكوحته ولو مطلقة رجعية وهي في العدة بظهر محرمة أبدية بنسب أو رضاع أو مصاهرة ، كأن يقول لها « أَنْتِ عَلَيَ كَظَهْرِ أِمِّي ». قيل وإنما خص الظَّهْر لأن الظهر من الدابة موضع الركوب والمرأة مركوبة وقت الغشيان ، فركوب الأم مستعار من ركوب الدابة ثم شبه ركوب الزوجة بركوب الأم الذي هو ممتنع ، فكأنه قال ركوبك للنكاح حرام علي. وظَاهَرَ من امرأته ظِهَاراً مثل قاتل قتالا. وكان الظِّهَارُ طلاقا في الجاهلية فنهوا عن الطلاق بلفظ الجاهلية وأوجب عليهم الكفارة تغليظا في النهي. والظَّهِيُر : العَوْنُ ، ومنه فِي وَصْفِهِ تَعَالَى « وَلَا ظَهِيرٌ يُعَاضِدُهُ ».

ومِنْهُ « لَا مُظَاهَرَةَ أَوْثَقُ مِنَ الْمُشَاوَرَةِ ».

وَفِي حَدِيثِ وَصْفِ الْقُرْآنِ « ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ ».

أي حسن معجب بأنواع البيان « وَبَاطِنُهُ عَمِيقٌ ». لا ينتهي إلى جواهر

٣٩١

أسراره إلا أولو الألباب. وأَظْهُرُ الناس : أوساطهم ، ومنه حَدِيثُ الْأَئِمَّةِ « نَتَقَلَّبُ فِي الْأَرْضِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ».

أي في أوساطكم ، ومثله « أقاموا بين ظَهْرَانَيْهِمْ » و « بين أَظْهُرِهِمْ ». أي بينهم على سبيل الاستظهار والاستناد إليهم ، وزيدت فيه ألف ونون مفتوحة تأكيدا ، ومعناه ظهرا منهم قدامهم وظهرا وراءهم ، فهم مكتوفون من جوانبهم أذى ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقا. ويقال « هو نازل بين ظَهْرَيْهِمْ وظَهْرَانَيْهِمْ » بفتح النون ، ولا تقل بين ظهرانيهم بكسر النون ـ قاله الجوهري. والظُّهْرُ : بعد الزوال ، ومنه « صلاة الظُّهْر » قيل سمي به من ظَهِيرَةِ الشمس وهو شدة حرها ، وقيل أضيف إليه لأنه أظهر أوقات الصلاة للإبصار ، وقيل أظهرها حرا ، وقيل لأنها أول صلاة أظهرت وصليت. و « مَا صَلَّى الظُّهْرَ » على حذف مضاف. والظَّهِيرَةُ : الهاجرة وشدة الحر نصف النهار ، ولا يقال في الشتاء ظَهِيرَةٌ. و « ظَهْرَان » بفتح المعجمة فالسكون وبالراء والنون بقعة بين مكة والمدينة (١). و « تلك شَكَاة ظَاهِرٌ عنك عَارُهَا » أي مرتفع عنك لا ينالك منه شيء. وظَاهَرَ بين درعين جمع وليس إحداهما فوق الأخرى.

وَفِي الْحَدِيثِ « مَا ظَاهَرَ اللهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً حَتَّى ظَاهَرَ عَلَيْهِ مَئُونَةَ النَّاسِ ».

و « الظَّاهِرِيُ » نسبة لإبراهيم بن محمد. والاسْتِظْهَارُ : طلب الاحتياط بالشيء ومِنْهُ « تَسْتَظْهِرُ الْحَائِضُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ».

ومنه « أَمَرَ خُرَّاصَ النَّخْلِ أَنْ يَسْتَظْهِرُوا » أي يحتاطوا لأربابها ويدعوا لهم قدر ما ينوبهم وينزل بهم من الأضياف

__________________

(١) ذكر في معجم البلدان ج ٤ صلى الله عليه وآله ٦٢ عدة أمكنة وجبال تسمى الظهران بفتح الظاء وكسرها.

٣٩٢

وأبناء السبيل. واسْتَظْهَرَ : إذا احتاط في الأمر وبالغ في حفظه وإصلاحه. واسْتَظْهَرْتُ في طلب الشيء : تحريت. ويَسْتَظْهِرُ بحجج الله على خلقه : أي يطلب الغلبة عليهم بما عرفه الله من الحجج.

باب ما أوله العين

( عبر )

قوله تعالى : ( إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ ) [ ١٢ / ٤٣ ] أي تفسرون الرؤيا ، يقال عَبَرْتُ الرؤيا عَبْراً وعُبُوراً : إذا فسرت ، وعَبَّرْتُ الرؤيا تَعْبِيراً مثله ، وبعضهم أنكر عَبَّرْتُ بالتشديد وأثبت التخفيف ، ويقال أصل الفعل باللام كما يقال « إن كنت للمال جامعا ». وعَبَّرْتُ عن فلان : إذا تكلمت عنه. واللسان يُعَبِّرُ عما في الضمير. قوله : ( عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ) [ ١٢ / ١١١ ] أي اعتبارا وموعظة لذوي العقول. و « العِبْرَةُ » بالكسر الاسم من الاعتبار وهو الاتعاظ ، وهو ما يفيده الفكر إلى ما هو الحق من وجوب ترك الدنيا والعمل للآخرة ، واشتقاقها من العبور لأن الإنسان ينتقل فيها من أمر إلى أمر ، وهي كما ورد فيه من قصص الأولين والمصائب النازلة بهم التي تنتقل ذهن الإنسان باعتبارها إلى تقديرها في نفسه وحاله فيحصل له بذلك انزجار ورجوع إلى الله تعالى ، كقوله : ( فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى ) [ ٧٩ / ٢٦ ] وجمع العِبْرَة عِبَر مثل سدرة وسدر. والمُعْتَبَر : المستدل بالشيء على الشيء. قوله : ( إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ ) [ ٤ / ٤٣ ] قيل معناه إلا مسافرين ، من قولهم « رجل عَابِرُ سبيل » أي مار الطريق ، وقيل إلا مارين في المسجد غير مريدي الصلاة.

٣٩٣

وَفِي الْحَدِيثِ « مَنْ أَطْفَأَ نُورَ عِبْرَتِهِ بِشَهَوَاتِ نَفْسِهِ فَكَأَنَّمَا أَعَانَ هَوَاهُ عَلَى هَدْمِ عَقْلِهِ ».

العِبْرَةُ بالكسر اسم من الاعتبار ، أعني الاتعاظ. ومِنْهُ « الِاعْتِبَارُ يُفِيدُكَ الرَّشَادَ ».

ومِنْهُ « صُحُفُ مُوسَى عليه السلام كَانَتْ عِبَراً ».

وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَقَدْ قِيلَ لَهُ : فَمَا كَانَ فِي صُحُفِ مُوسَى؟ قَالَ : كَانَتْ عِبَراً كُلُّهَا.

وَفِيهِ « ثُمَ اسْتَعْبَرَ فَبَكَى ».

هو من العَبْرَةِ بالفتح فالسكون ، وهي تَحَلُّبُ الدمع أو تردد البكاء في الصدر. ومنه الدُّعَاءُ « اللهُمَّ ارْحَمْ عَبْرَتِي وَآمِنْ رَوْعَتِي ».

والجمع عَبَرَات ، ومنه حَدِيثُ الْحُسَيْنِ عليه السلام « أَنَا قَتِيلُ الْعَبْرَةِ ».

ومعناه ما ذكرت عند أحد إلا استعبر وبكى. والعَبْرَان : الباكي. والعين العَبْرَى : الباكية. وعَبِرَ الرجل بالكسر فهو عَابِرٌ. ومِنْ كَلَامِهِمْ فِي الِاعْتِبَارِ « سَلِ الْأَرْضَ مَنْ شَقَّ أَنْهَارَكَ وَأَخْرَجَ ثِمَارَكَ ، فَإِنْ لَمْ تُجِبْكَ جِهَاراً أَجَابَتْكَ اعْتِبَاراً ».

ولا اعْتِبَارَ بهذا : لا اعتداد به.

وَفِي الْحَدِيثِ « وَهَذَا لَا يُنَاسِبُ الِاعْتِبَارَ ».

كأن المراد به دليل العقل. والعَبِيرُ : نوع من الطيب ذو لون يجمع من أخلاط. وعن أبي عبيدة العَبِيرُ عند العرب الزعفران وحده. والعِبْرِيُ بكسر العين والعِبْرَانِيُ والعِبْرَانِيَّةُ لغة اليهود. وثوب عِبْرِيٌ : منسوب إلى عِبْر بلد أو جانب واد. و « المِعْبَرُ » بكسر الميم ما يعبر عليه من سفينة أو قنطرة ، ومنه الْحَدِيثُ « فَمَرَّ بِمِعْبَرٍ ».

( عبقر )

قوله تعالى : ( وَعَبْقَرِيٍ حِسانٍ ) [ ٥٥ / ٧٦ ] العَبْقَرِيُ : طنافس ثخان.

٣٩٤

وعَبْقَر وزان جعفر : أرض بالبادية يعمل فيها الوشي ينسب إليها كل شيء جيد دقيق الصنعة.

( عتر )

فِي حَدِيثِ الصَّادِقِ عليه السلام مَعَ آبَائِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام قَالَ : « سُئِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام عَنْ مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله » إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي « مَنِ الْعِتْرَةُ؟ فَقَالَ عليه السلام : أَنَا وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عليه السلام وَالْأَئِمَّةُ التِّسْعَةُ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ عليه السلام تَاسِعُهُمْ مَهْدِيُّهُمْ وَقَائِمُهُمْ ، لَا يُفَارِقُونَ كِتَابَ اللهِ وَلَا يُفَارِقُهُمْ حَتَّى يَرِدُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله حَوْضَهُ ».

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ وَقَدْ سُئِلَ : وَمَنْ عِتْرَةُ النَّبِيِّ؟ فَقَالَ : أَصْحَابُ الْعَبَاءِ.

وعن ابن الأعرابي حكاه عنه ثعلب العِتْرَةُ : وُلْدُ الرجل وذريته من صلبه ، ولذلك سميت ذرية محمد من علي وفاطمة عترة محمد. قال ثعلب : فقلت لابن الأعرابي فما معنى

قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فِي السَّقِيفَةِ « نَحْنُ عِتْرَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله ».

قال : أراد بذلك بلدته وبيضته وعِتْرَةُ محمد لا محالة ولد فاطمة ـ كذا في معاني الأخبار. وعن بعض الأعلام : وذكر محمد بن بحر الشيباني في كتابه عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال : العِتْرَةُ البلدة والبيضة ، وهم عليه السلام بلدة الإسلام وبيضته وأصوله. والعِتْرَةُ : صخرة عظيمة يتخذ الضب عندها جحره يهتدي بها لئلا يضل عنها ، وهم الهداة للخلق. والعِتْرَةُ : أصل الشجرة المقطوعة ، وهم أصل الشجرة المقطوعة لأنهم وُتِرُوا وقُطِعُوا وظُلِمُوا والعِتْرَةُ : قطع المسك الكبار في النافجة ، وهم عليه السلام من بين بني هاشم وبني أبي طالب كقطع المسك الكبار في النافجة. والعِتْرَةُ : العين الرائقة العذبة ، وعلومهم لا شيء أعذب منها عند أهل الحكمة. والعِتْرَةُ : الذكور من الأولاد ، وهم

٣٩٥

عليهم السلام ذكور غير إناث. والعِتْرَةُ : الريح ، وهم جند الله وحزبه كما أن الريح جند الله. والعِتْرَةُ : نبت متفرق مثل المرزنجوش وهم عليه السلام أهل المشاهد المتفرقة وبركاتهم منبثة في المشرق والمغرب. والعِتْرَةُ : قلادة تعجن بالمسك ، وهم عليه السلام قلائد العلم والحكمة. وعِتْرَةُ الرجل : أولياؤه ، وهم عليه السلام أولياء الله المتقون وعباده المخلصون. والعِتْرَةُ : الرهط ، وهم رهط رسول الله صلى الله عليه وآله ، ورهط الرجل قومه وقبيلته (١).

وَفِي حَدِيثِ الْمُنَافِقِينَ مِنْ كُفَّارِ الْعَرَبِ « لَمْ يَزَالُوا عُبَّادَ أَصْنَامٍ يَنْصِبُونَ لَهَا الْعَتَائِرَ وَيَنْحَرُونَ لَهَا الْقُرْبَانَ ».

العَتَائِرُ جمع عَتِيرَة ككريمة وكرائم ، وهي التي كانت تعترها الجاهلية ، وهي الذبيحة التي كانت تذبح للأصنام فيصب دمها على رأسها ، كان الرجل إذا نذر النذر وبلغ شاؤه كذا فعليه أن يذبح من كل عشرة منها في رجب كذا ويسمونها العَتَائِر ، يقال عَتَرَ الرجلُ يَعْتِرُ عَتْراً بالفتح : إذا ذبح العَتِيرَةَ

( عثر )

قوله : ( وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ ) [ ١٨ / ٢١ ] أي اطلعنا عليهم ، يقال عَثَرْتُ على الشيء : أي اطلعت عليه ، وأَعْثَرْتُ غيري : أي أطلعته عليه. ومثله قوله : ( فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً ) [ ٥ / ١٠٧ ] أي اطلع ، من العُثُور وهو الاطلاع.

وَفِي حَدِيثِ الدَّوَابِ « اضْرِبُوهَا عَلَى الْعِثَارِ وَلَا تَضْرِبُوهَا عَلَى النِّفَارِ ».

وروي عكسه ، ولعل الأول أصح ، يقال عَثَرَ الرجلُ في ثوبه والدابة أيضا من باب ضرب ونصر وعلم وكرم عَثْراً وعِثَاراً بالكسر : إذا كبا. والعَثْرَةُ المرة من العِثَار في المشي. والعَثْرَةُ أيضا : الزلة والخطيئة ، ومِنْهُ « يَا مُقِيلَ الْعَثَرَاتِ ».

ويقال للرجل إذا تورط : قد وقع

__________________

(١) هذه المعاني مأخوذة مما ذكره الصدوق في معاني الأخبار صلى الله عليه وآله ٩٠ ـ ٩٣.

٣٩٦

في عَاثُورِ شر أي شدة. والعِثْيَرُ بكسر العين : الغبار.

( عثمر )

« عَثَامِرُ » بالعين المهملة والثاء المثلثة والراء المهملة أخيرا بعد الميم ـ على ما صح في النسخ ـ وصي سام الذي هو وصي نوح عليه السلام.

( عجر )

فِي حَدِيثِ الْحَجَّاجِ « فَدَخَلَ مَكَّةَ مُعْتَجِراً ».

الاعْتِجَارُ لف العمامة على الرأس ويرد طرفها على وجهه ولا يجعل شيئا تحت ذقنه. و « المِعْجَرُ » وزان مقود : ثوب أصغر من الرداء تلبسه المرأة على رأسها ، يقال اعْتَجَرَتِ المرأةُ إذا لبست المعجر. وعن المطرزي المِعْجَرُ ثوب كالمصابة تلفه المرأة على استدارة رأسها. وكعب بن عُجْرَةَ صحابي (١).

( عذر )

قوله تعالى : ( عُذْراً أَوْ نُذْراً ) [ ٧٧ / ٦ ] أي حجة وتخويفا أو إِعْذَاراً وإنذارا أي تخويفا ووعيدا. قوله : ( قالُوا مَعْذِرَةً ) [ ٧ / ١٦٤ ] أي اعتذرنا معذرة ، والاعْتِذَارُ إظهار ما يقتضي العذر. قوله : ( وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ ) [ ٩ / ٩٠ ] أي المقصرون ، أي الذين يزعمون أن لهم عذرا ولا عذر لهم. قال الجوهري : ( الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ ) يقرأ بالتخفيف والتشديد ، أما المُعَذِّرُ بالتشديد فقد يكون محقا وقد يكون غير محق ، وأما المحق فهو في المعنى المُعْتَذِر لأن له عذرا ، ولكن التاء قلبت ذالا وأدغمت فيها وجعلت حركتها على العين ، وأما المُعَذِّرُ على جهة المفعل لأنه الممرض والمقصر يعتذر بغير عذر.

وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ وَجَاءَ المُعْذِرُونَ مُخَفَّفَةً مِنْ أَعْذَرَ ، وَيَقُولُ : وَاللهِ لَهَكَذَا أُنْزِلَتْ ، وَكَانَ يَقُولُ : « لَعَنَ اللهُ الْمُعَذِّرِينَ ». كأن الأمر عنده أن المُعَذِّرَ

__________________

(١) مات بالمدينة سنة ثلاث أو إحدى وخمسين ، وقيل سنة اثنين وخمسين وهو ابن خمس وسبعين سنة الاستيعاب ج ٣ صلى الله عليه وآله ١٣٢١.

٣٩٧

بالتشديد هو المُظْهِرُ للعذر اعتلالا من غير حقيقة له في العذر ، وهذا لا عذر له والمُعْذِرُ الذي له عذر ، وقد بينا الوجه الثاني في المشدد.

وَفِي الْحَدِيثِ « تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْعُذْرَةِ ».

عُذْرَةُ الجارية بكارتها ، والجمع عُذَر كغرفة وغرف. وامرأة عَذْرَاءُ مثل حمراء : البكر ، لأن عذُرْتَهَا ـ وهي جلدة البكارة ـ باقية. ودم العُذْرَةِ : دم البكارة ، وجمعها عَذَارَى بفتح الراء وكسرها والعَذْرَاوَات كما في الصحارى. ومنه الْحَدِيثُ « دُفِنَ فِي الْحِجْرِ مِمَّا يَلِي الرُّكْنَ الثَّالِثَ عَذَارَى بَنَاتِ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام ».

ومنه حَدِيثُ بِنْتِ يَزْدَجِرْدَ حِينَ دَخَلَتِ الْمَدِينَةَ « فَأَشْرَفَ لَهَا عَذَارَى الْمَدِينَةِ وَأَشْرَقَ الْمَسْجِدُ بِضَوْئِهَا ».

و « العَذِرَةُ » وزان كلمة الخرء ولم يسمع التخفيف ، وقد تكرر ذكرها في الحديث. وسمي فناء الدار « عَذِرَة » لمكان إلقاء العذرة هناك.

وَفِي حَدِيثِ تَكْفِينِ الْمَيِّتِ « تُشَدُّ الْخِرْقَةُ عَلَى الْقَمِيصِ بِحِيَالِ الْعَذِرَةِ وَالْفَرْجِ حَتَّى لَا يَظْهَرَ مِنْهُ شَيْءٌ ».

وعِذَارَا اللِّحْيَةِ : جانباها يتصل أعلاها بالصدغ وأسفلها بالعارض ، أستعير من عِذَارِ الدابة ، وهو ما على خديه من اللجام والجمع عُذُر ككتاب وكتب. ومِنْهُ « الْفَقْرُ لِلْمُؤْمِنِ أَزْيَنُ مِنْ عِذَارَيِ الْفَرَسِ ».

أي يمسكه عن الفساد كما يمسك اللجام الفرس عن العثار. ومِنْهُ « مَنْ سَيَّبَ عِذَارَهُ قَادَهُ إِلَى كُلِّ كَرِيهَةٍ ».

ويقال للرجل إذا عظم على الأمر « هو شديد العِذَارِ » كما يقال للمنهمك في الغي « هو خَلِيعُ العِذَارِ » كالفرس الذي لا لجام عليها.

وَفِي وَصْفِ الشَّيْطَانِ « قَبَّحَهُ اللهُ تَعَالَى فَتَلَ عَنِّي عِذَارَ عُذْرِهِ ».

والكلام استعارة ، والمراد أن الشيطان بعد حصول مراده من إلقائه لي في المعصية بالحيلة والغدر صرف عني عنان عذره حيث حصل مراده

٣٩٨

وتلقاني بكلمة كفره. والعِذَارُ بالكسر : الختان ، ومنه الْخَبَرُ « لَا وَلِيمَةَ إِلَّا فِي عِذَارٍ ».

وجاء في « إِعْذَارٍ » والإِعْذَارُ : الختان ، يقال عَذَرْتُهُ وأَعْذَرْتُهُ فهو مَعْذُورٌ ومُعْذَرٌ ، ثم قيل للطعام الذي يطعم في الختان إِعْذَاراً ، يقال أَعْذَرَ إِعْذَاراً : إذا صنع ذلك الطعام وعَذَّرَ في الأمر تَعْذِيراً : إذا قصر ولم يجتهد.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْعُمُرُ الَّذِي أَعْذَرَ اللهُ فِيهِ إِلَى ابْنِ آدَمَ سِتُّونَ سَنَةً ».

قيل همزته للسلب ، أي أزال عذره ، فإذا لم يتب في هذا العمر لم يكن له عذر ، فإن الشباب يقول أتوب إذا شخت والشيخ ما ذا يقول. ومثله الْخَبَرُ « أَعْذَرَ اللهُ إِلَى مَنْ بَلَغَ مِنَ الْعُمُرِ سِتِّينَ سَنَةً ».

قال في النهاية : أي لم يبق فيه موضعا للاعتذار حيث أمهله طول هذه المدة ولم يعتذر.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام « اخْشَ اللهَ خَشْيَةً لَيْسَتْ بِتَعْذِيرٍ » (١).

قيل في معناه : إذا فعل أحد فعلا من باب الخوف فخشيته خشية تعذير وخشية كراهة ، فإن رضى فخشيته خشية رضى وخشية محبة. وعَذَرْتُهُ : رفعت عنه اللوم ، والاسم العُذْر ، وتضم الذال للإتباع وتسكن في الجمع. والاعْتِذَارُ من الذنب ، وتَعَذَّرَ بمعنى اعْتَذَرَ. وعَذَرْتُكَ غير مُعْتَذِرٍ : أي من غير أن تعتذر ، لأن المُعْتَذِرَ يكون محقا وغير محق. وأَعْذَرَ في الأمر : أي بالغ. وأَعْذَرَ الرجلُ : صار ذا عذر. وفي المثل « أَعْذَرَ مَنْ أَنْذَرَ » (٢)يقال ذلك لمن يحذر أمرا يخاف. واعْتَذَرَ بمعنى أَعْذَرَ أي صار ذا عذر وأَعْذَرْتُهُ فيما صنع والاسم المَعْذِرَةُ والعُذْرَى. وتَعَذَّرَ عليه الأمر : تعسر. وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ « مَنْ يَعْذِرُنِي

__________________

(١) نهج البلاغة ج ١ صلى الله عليه وآله ٥٧.

(٢) نهج البلاغة ج ١ صلى الله عليه وآله ١٤٠ ، وفيه « أعذر بما أنذر ».

٣٩٩

مِنْ مُعَاوِيَةَ أَنَا أُخْبِرُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَهُوَ يُخْبِرُ عَنْ رَأْيِهِ ».

أي من يقوم بعذري أو من ينصرني.

وَفِي الْخَبَرِ « إِذَا وُضِعَتِ الْمَائِدَةُ فَلْيَأْكُلِ الرَّجُلُ مِمَّا عِنْدَهُ وَلَا يَرْفَعُ يَدَهُ وَإِنْ شَبِعَ وَلْيُعْذِرْ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُخْجِلُ جَلِيسَهُ ».

الإِعْذَارُ : المبالغة في الأمر ، أي ليبالغ في الأكل

كَحَدِيثِ « كَانَ عليه السلام إِذَا أَكَلَ مَعَ قَوْمٍ كَانَ أَكْثَرُهُمْ أَكْلاً ».

وقيل و « لْيُعَذِّرْ » مِنَ التَّعْذِيرِ : التقصير ، أي ليقصر في الأكل ليتوفر على الباقين ولير أنه يبالغ ، وقيل فليذكر عذره إذا رفع يده قبل المائدة دفعا لخجالة الجليس.

وَفِي الْحَدِيثِ « أَكَلْنَا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام فَجَعَلْنَا نُعَذِّرُ ».

وفِي آخَرَ « فَجَعَلُوا يُعَذِّرُونَ ». والمعنى ما تقدم.

وَفِي حَدِيثِ بَنِي إِسْرَائِيلَ « كَانُوا إِذَا عَمِلَ قَوْمٌ بِالْمَعَاصِي نَهُوهُمْ تَعْذِيراً ».

أي نهيا قصروا فيه ولم يبالغوا.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى ابْنِ مُلْجَمٍ « عَذِيرَكَ مِنْ خَلِيلِكَ مِنْ مُرَادِي

». هو بالنصب ، أي هات من يعذرك فيه.

وَفِي الْخَبَرِ « وُلِدَ صلى الله عليه وآله مَعْذُوراً ».

أي مختونا مقطوع السرة.

( عرر )

قوله تعالى : ( فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ ) [ ٤٨ / ٢٥ ] هي بفتح ميم مهملة وأخرى مشددة : الأمر القبيح المكروه والأذى ، مفعلة من عَرَّهُ يَعُرُّهُ : إذا دهاه بما يكرهه ويشق عليه بغير علم. والمَعَرَّةُ : الإثم أيضا ، ويقال ( فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ ) تلزمكم الديات. قوله : ( أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) [ ٢٢ / ٣٦ ] قيل الْمُعْتَرَّ هو الذي يعتريك أي يلم بك ولا يسأل. وعِرَارٌ : اسم رجل. وعَرَارٌ نبت طيب الرائحة. قال الشاعر

تمتع من شميم عَرَارِ نجد

فما بعد العشية من عَرَار.

 ( عزر )

قوله تعالى حكاية عن طائفة من اليهود ( عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ ) [ ٢ / ٣٠ ] المراد به

٤٠٠