مجمع البحرين - ج ٣

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٣

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٤

ومعناه الذي لا يعاجل بعقوبة العصاة لاستغنائه عن التسرع ، وإنما يعجل من يخاف الفوت ، وهو قريب من معنى الحَلِيم إلا أن الحَلِيم مشعر بسلامة المذنب عن العقوبة ولا كذلك الصَّبُور. والصُّبْرَةُ من الطعام : المجتمع كالكومة. والجمع صُبَر كغرفة وغرف ، ومنه قولهم « اشتريت الشيء صُبْرَة » أي بلا وزن ولا كيل. والكأس المُصَبَّرَة : أي المملوءة. ووادي صَبْرَة اسم موضع ، ومنه « جن وادي صَبْرَة ». و « صَبِير » كثوير من أعظم جبال اليمن (١). ومنه الْخَبَرُ « مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا كَانَ لَهُ خَيْرٌ مِنْ صَبِيرٍ ذَهَباً ».

ويروى صِير بإسقاط الباء الموحدة ، وهو جبل بطي (٢). والصَّبِيرُ : السحاب الأبيض لا يكاد يمطر. والصَّنَوْبَر وزان سفرجل معروف يتخذ منه الزفت ـ قاله في المصباح.

( صحر )

فِي الْحَدِيثِ « كُفِّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله فِي ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ صُحَارِيَّيْنِ ».

صُحَار بالمهملات مع التحريك قرية باليمين ينسب إليها الثياب ، وقيل هما من الصُّحْرَةِ وهي جمرة خفيفة كالغبرة. والصَّحْرَاءُ بالمد : البرية ، وهي غير مصروفة وإن لم تكن صفة ، وإنما لم تصرف للتأنيث ولزوم حرف التأنيث ، والجمع الصَّحَارَى بفتح الراء على الأصح كعذراء وعذارى ، وربما كسرت في لغة قليلة ، وتجمع على صَحْرَاوَات أيضا ، وكذلك جمع كل فعلاء إذا لم يكن مؤنث أفعل.

__________________

(١) في معجم البلدان ج ٣ صلى الله عليه وآله ٣٩٢ : « صبر » بفتح أوله وكسر ثانية بلفظ الصبر من العقاقير ، والنسبة إليه صبري ، اسم الجبل الشامخ العظيم المطل على قطعة تعز فيه عدة حصون وقرى في اليمن.

(٢) في معجم البلدان ج ٣ صلى الله عليه وآله ٤٣٨ : والصير جبل بأجاء في ديار طي فيه كهوف شبه البيوت ، والصير جبل على الساحل بين سيراف وعمان ، وصير البقر موقع بالحجاز.

٣٦١

وأَصْحَرَ الرجلُ : أي خرج إلى الصحراء.

وَفِي الدُّعَاءِ « فَأَصْحَرَنِي لِغَضَبِكَ فَرِيداً ».

الضمير للشيطان ، والمعنى جعلني تائها في بيداء الضلال متصديا لحلول غضبك بي. و « الصُّحْرُ » جمع أَصْحَر ، وهو الذي يضرب إلى الحمرة ، وبهذا اللون يكون الحمار الوحشي ـ قاله الصدوق رحمه‌الله في قول ذي الرمة

صُحْرٌ سماحيج في أحشائها قبب.

و « صُحَار » بالضم قصبة عمان مما يلي الجبل ، و « تُؤَام » قصبتها مما يلي الساحل ـ قاله الجوهري.

( صخر )

الصَّخْرُ : الحجارة العظام ، وهي الصُّخُور والصَّخَرَات ، يقال صَخَرٌ بالتحريك نقلا عن يعقوب ، الواحدة صَخْرَة. وصَخْرُ بْنُ عَمْرٍو أخو الخنساء المقول فيه :

وإن صَخْراً لتأتم الهداة به

كأنه علم في رأسه نار.

 ( صدر )

قوله : ( وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ) [ ٥٧ / ٦ ] الصُّدُورُ جمع صَدْر ، والمراد وساوسها. ونحوها مما يقع فيها قوله : ( حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ ) [ ٢٨ / ٢٣ ] أي يُصْدِرُوا مواشيهم من ورودهم ، والرِّعَاءُ بالكسر جمع الرَّاعِي كالصيام والقيام. قوله : ( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً ) [ ٩٩ / ٦ ] أي يصدر الناس من مخارجهم من القبور إلى موقف العرض والحساب أشتاتا بيض الوجوه آمنين وسود الوجوه خائفين ، وقد مر ما يقرب منه في شتت.

وَفِي الْحَدِيثِ « مَنْ كَانَ مُتَمَتِّعاً فَلَمْ يَجِدْ هَدْياً فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ ، فَإِذَا فَاتَهُ ذَلِكَ وَكَانَ لَهُ مُقَامٌ بَعْدَ الصَّدَرِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِمَكَّةَ.

الصَّدَرُ بالتحريك اليوم الرابع من أيام النحر. والصَّدَرُ : رجوع المسافر من مقصده وطواف الصَّدَرِ : طواف الرجوع من منى.

٣٦٢

وَفِي الْخَبَرِ « يَصْدُرُ النَّاسُ عَنْ رَأْيِهِ ».

ينصرفون عما يراه ويستصوبونه ويعملون به ، شبه المنصرفين عنه صلى الله عليه وآله بعد توجههم إليه لسؤال معادهم ومعاشهم بواردة صَدَرُوا عن المنهل بعد الرأي. وصَدْرُ كل شيء : أوله ومقدمه ، وهو مذكر ، ومنه صَدْرُ النهار. وأما قول الأعشى :

كما شرقت صَدْرُ القناة من الدم

فأنثه على المعنى ، لأن صَدْرَ القناة من القناة ، وهذا كقولهم « ذهبت بعض أصابعه ». وصَدْرُ المجلس : مرتفعة. ومنه « صَدْرُ السفينة ». وصَدْرُ الطريق : متسعه. والصَّدْرُ : طائفة من الشيء ، وَمِنْهُ حَدِيثُ الْمُكَاتَبِ « يُعْتَقُ مِنْهُ مَا أَدَّى صَدْراً فَإِذَا أَدَّى صَدْراً فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ فِي الرِّقِّ ».

وصَدَرَ القومُ صُدُوراً من باب قعد انصرفوا. وأَصْدَرْتُهُمْ : إذا صرفتهم. والإِصْدَار : الإجماع. وصَدَرْتُ عن الموضع صَدْراً من باب قتل : رجعت. والصَّدَرُ بالتحريك اسم من قولك « صَدَرْتُ عن الماء وعن البلاد ». وصَدَرَ الناسُ عن حجهم : أي رجعوا ومثله صَدَرَ الناسُ من الموقف. ومنه حَدِيثُ الْحَاجِ « النَّاسُ يَصْدُرُونَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ وَلَا تَصْدُرُ الْحَوَائِجُ إِلَّا مِنْهُ ».

أي لا تقضى من غيره. ويَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شتى : أي متفرقة على قدر أعمالهم ، ف ( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ).

وَفِي الْخَبَرِ « كَانَ لَهُ رَكْوَةٌ تُسَمَّى الصَّادِرَ ».

لأنه يصدر عنها بالري. ورجل مَصْدُورٌ : للذي يشتكي صدره.

( صرر )

قوله تعالى : ( رِيحٍ فِيها صِرٌّ ) [ ٣ / ١١٧ ] وقوله : ( فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ ) [ ٦٩ / ٦ ] أي الريح الباردة نحو الصرصر ـ قاله في الكشاف.

٣٦٣

قال في الآية الأولى : شبه ما كان ينفقونه من أموالهم في المكارم والمفاخر وكسب الثناء وحسن الذكر بين الناس لا يبتغون به وجه الله بالزرع الذي جسه البرد فذهب حطاما. قوله تعالى : ( أَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا ) [ ٧١ / ٧ ] أي أقاموا على المعصية ، ومنه ( يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ ) [ ٥٦ / ٤٦ ] أي يقيمون على الإثم. قوله : ( فَصُرْهُنَّ (١))

( إِلَيْكَ ) [ ٢ / ٢٦٠ ] أي اضممهن إليك لتتأملهن وتعرف شأنهن لئلا تلتبس عليك بعد الإحياء وذكر صاحب الكشاف أنه قرأ ابن عباس « فَصُرَّهُنَ » بضم الصاد وكسرها وتشديد الراء المفتوحة ، أمر من صَرَّهُ يَصِرُّهُ : إذا جمعه ،

وَالْأَرْبَعَةُ مِنَ الطَّيْرِ قِيلَ هِيَ طَاوُوسٌ وَغُرَابٌ وَدِيكٌ وَحَمَامَةٌ.

قوله : ( فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها ) [ ٥١ / ٢٩ ] أي في ضجة وصيحة فلطمت وجهها أي جبهتها فعل المتعجب ، وقيل في جماعة لم تتفرق من صَرَرْتُ جمعت ، كما يقال للأسير مَصْرُور لأنه مجموع اليدين. وأَصَرَّ على الشيء : لزمه وداومه ، وأكثر ما يستعمل في الشر والذنوب. ومِنْهُ « مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ ».

أي من أتبع ذنبه بالاستغفار فليس بمصر وإن تكرر منه. ومِنْهُ « لَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ ».

قيل المراد بِالْإِصْرَارِ على الصغيرة العزم على فعلها بعد الفراغ منها سواء كان المعزوم عليه من جنس المفعول أم لا. هذا هو الإِصْرَارُ الحكمي وأما المداومة على واحدة من الصغائر بلا توان والإكثار منها فيعرف بِالْإِصْرِارِ الفعلي. وصَرَّ يَصِرُّ صَرِيراً : صوت وصاح شديدا. ومنه الْحَدِيثُ « سَمِعَ نُوحٌ عليه السلام صَرِيرَ السَّفِينَةِ عَلَى الْجُودِيِّ ».

والصُّرَّةُ بالضم والتشديد للدراهم ، وجمعها صُرَر مثل غرفة وغرف. و « الكوفة صُرَّةُ بابل » أي وسطها و « الصَّرَّةُ » بالفتح مصدر صَرَرْتُهُ من باب قتل : إذا شددته.

٣٦٤

والمُصَرَّاةُ : الناقة والبقرة والشاة قد صُرِّيَ اللبن في ضرعها ، يعني حقن فيه وجمع ولم يحلب أياما. وأصل التَّصْرِيَة حبس الماء وجمعه ـ قاله في معاني الأخبار. والصِّرُّ عصفور أو طائر في قده أصفر اللون ، سمي به لصوته من صَرَّ : إذا صاح. ومنه الْحَدِيثُ « اطَّلَعَ عَلَيَّ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام وَأَنَا أَنْتِفُ صِرّاً ».

والصَّرُورَة يقال للذي لم يحج بعد ، ومثله امرأة صَرُورَة للتي لم تحج بعد ، وقد تكرر في الحديث.

( صعر )

قوله تعالى : ( وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) [ ٣١ / ١٨ ] أي لا تعرض بوجهك عنهم ، من الصَّعْرِ وهو الميل في الخد خاصة. وصَاعَرَهُ : أي أماله. والصَّعَّارُ : المتكبر لأنه يميل خده ويعرض عن الناس بوجهه. وأصل الصَّعْر : داء يأخذ البعير في رأسه في جانب ، فشبه الرجل الذي يتكبر على الناس به.

وَفِي الْحَدِيثِ « فِي الصَّعَرِ الدِّيَةُ » (١).

وهو أن يثنى عنقه فيصير في ناحية.

( صغر )

قوله تعالى : ( ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها ) [ ١٨ / ٤٩ ] واختلف في معنى الصَّغِيرَة والكبيرة ، فقيل كلما نهى الله عنه فهو كَبِيرَة لأن المعاصي كلها كبائر من حيث أنها قبائح كلها وبعضها أكبر من بعض ، وليس في الذنوب صَغِيرٌ وإنما يكون صَغِيراً بالإضافة إلى ما هو أكبر منه ويستحق العقاب عليه أكثر ، قيل وإلى هذا ذهب فقهاء الإمامية ، وذهبت المعتزلة ـ على ما نقل عنهم ـ إلى أن الصَّغِيرَ ة ما نقص عقابه عن ثواب صاحبه ، أي ذنب نقص عقابه عن ثواب صاحبه أي صاحب ذلك الذنب لو تركه وكذا بالنسبة إلى الكبيرة. ويتم البحث عن الكبائر في كبر إن شاء الله تعالى. والصَّاغِرُ : الراضي بالذل ، يقال صَغُرَ

__________________

(١) من لا يحضر ج ٤ صلى الله عليه وآله ٦٢.

٣٦٥

الشيءُ بالضم وصَغِرَ صَغَراً من باب تعب : ذل وهان ، فهو صَاغِرٌ. و « الصَّغَارُ » بالفتح « الذل والضيم. ومنه الدُّعَاءُ » أَعُوذُ بِكَ مِنَ الصَّغَارِ وَالذُّلِّ ».

ويكون عطف تفسير ، أو أشد الذل. والصِّغَر كعنب والصَّغَارَة بالفتح : خلاف العظم أو الأولى في الجرم والثانية في القدر. وصَغُرَ ككرم وفرح صِغَراً كعنب وصُغْرَاناً بالضم ـ قاله في القاموس. واسْتَصْغَرَهُ : عده صغيرا. والصُّغْرَى تأنيث الأَصْغَر ، ويجمع على الصُّغْرِ والصُّغْرَيَات مثل الكبرى والكبر والكبريات. وتَصَاغَرَ : تحاقر. وأَصْغَرَا الإنسانِ : قلبه ولسانه إن قاتل قاتل بجنان وإن تكلم تكلم بلسان ، ومنه قولهم « إِنَّمَا المَرْءُ مَرْءٌ بِأَصْغَرَيْهِ ». وأَكْبَرَاهُ عقله وهمته وأما هَيْئَتَاهُ فماله وجماله ـ كذا في معاني الأخبار. والصَّغِيرَةُ من الإثم جمعها صَغِيرَات وصَغَائِر لأنها مثل خطيئة وخطيئات وخطايا. وصَغُرَ الرجلُ في عيون الناس : إذا ذهبت مهابته ، فهو صَغِيرٌ. ومنه يقال « جَاءَ النَّاسُ صَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ » أي من لا قدر له ومن له قدر وجلالة. وتَصْغِيرُ الشيء يأتي لمعان : منها التحقير والتقليل كدريهم ، ومنها تقريب ما يتوهم أنه بعيد نحو قبيل المصر ، ومنها تعظيم ما يتوهم أنه صغير نحو :

دويهية تصفر منها الأنامل

ومنها التحبب والاستعطاف نحو « هذا بنيك » وقد يأتي لغير ذلك. وفائدة التَّصْغِير الإيجاز لأنه يستغنى به عن وصف الاسم فتقول « دريهم » ومعناه درهم حقير ونحو ذلك.

( صفر )

قوله تعالى : ( صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها ) [ ٢ / ٦٩ ] أي سوداء ناصع لونها. ومثله ( جِمالَتٌ صُفْرٌ ) [ ٧٧ / ٣٣ ] أي سود ، ويجوز أن يكون من الصُّفْرَةِ التي هي لون الأَصْفَر.

٣٦٦

قوله : ( وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا ) [ ٣٠ / ٥١ ] أي أثره مصفرا أو الزرع أو السحاب ، فإنه إذا كان مصفرا لم يمطر. و « الصِّفْرُ » بالكسر فالسكون : الخالي ومنه « بيت صِفْرٌ » أي خال من المتاع ، ولا يدخلون فيه تاء التأنيث بل يستعملونه على صيغته هذه في المذكر والمؤنث والتثنية والجمع ، قال الشاعر :

الدار صِفْرٌ ليس فيها صَافِر

ورجل صِفْرُ اليدين : أي ليس فيهما شيء. و « الصُّفْرُ » بالضم وكسر الصاد لغة النحاس ، ومنه الْحَدِيثُ « لَا يُسْجَدُ عَلَى صُفْرٍ وَلَا شَبَهٍ ».

وَفِي الْخَبَرِ « لَا عَدْوَى وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ ».

بالتحريك ، قيل كانت العرب تزعم أن في البطن حية يقال له الصَّفَر تصيب الإنسان إذا جاع وتؤذيه وأنها تعدي ، فأبطل الإسلام ذلك ، وقيل المراد بقوله « ولا صَفَرَ » الشهر المعروف ، وزعموا أنه تكثر فيه الدواهي والفتن فنفاه الشارع ، وقِيلَ أَرَادَ بِهِ النَّسِيءَ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَهُوَ تَأْخِيرُ الْمُحَرَّمِ إِلَى صَفَرَ وَيَجْعَلُونَ صَفَرَ هُوَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ ، فَأَبْطَلَهُ عليه السلام.

والصَّفَرُ أيضا : دود يقع في الكبد وشراسيف الأضلاع فيصفر الإنسان جدا ، وربما قتله.

وَفِي الْحَدِيثِ « أَنَّهُ عليه السلام صَالَحَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَالْحَلْقَةِ ».

يعني الذهب والفضة والدرع. ومِنْهُ « لَمْ أَتْرُكَ صَفْرَاءُ وَلَا بَيْضَاءَ ».

أي ذهبا ولا فضة. وصَفْرَاءُ : اسم بلدة بين مكة والمدينة ، كأنها من الصُّفْرَةِ وهي السواد (١). والصَّفِيرُ للدابة : هو الصوت بالفم والشفتين.

__________________

(١) هو واد كثير النخل والزرع في طريق الحاج ، وبينه وبين بدر مرحلة ، وقيل قرية كثيرة النخل والمزارع وماؤها عيون كلها ، وهي فوق ينبع مما يلي المدينة معجم البلدان ج ٣ صلى الله عليه وآله ٤١٢.

٣٦٧

والأَصْفَرَانِ : الذهب والفضة. وبنو الأَصْفَر : الروم ، كان أباهم الأول أصفر اللون ، وهو روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام تزوج بنت ملك الحبشة فجاء ولده بين البياض والسواد ، وقيل إن جيشا غلب على بلادهم في وقت فوطئ نساءهم فولدن كذلك.

( صقر )

الصَّقْرُ : كل شيء يصطاد به من البزاة والشواهين ـ قاله ابن سيدة ، والجمع أَصْقُر وصُقُور وصُقُورَة. وعن سيبويه إنما جاءوا بالهاء في مثل هذا الجمع توكيدا ويقال للأنثى صَقْرَة ، وحكي عن ابن أبي زيد الأنصاري أنه يقال لِلصَّقْرِ صَقْرٌ وزَقْرٌ وسَقْرٌ ، وعن ابن الصيد كل كلمة فيها صاد وقاف فيها اللغات الثلاث كبصاق وبزاق وبساق.

( صور )

قوله تعالى : ( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ) [ ٦ / ٧٣ ] قال أهل اللغة : الصُّورُ جمع الصُّورَة ينفخ فيها روحها فتحيى ، وقد مر في نفخ كلام الإمام عليه السلام في معنى الصُّور هنا ومن النافخ فيه وكيفية النفخ ، والصِّوَرُ بكسر الصاد لغة. والصُّورَةُ : عامة في كل ما يصور مشبها بخلق الله تعالى من ذوات الروح وغيرها ـ قاله في المغرب ، والجمع صُوَر مثل غرفة وغرف ، وقيل في معنى « لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتاً فِيهِ صُورَةٌ ».

إن السبب في ذلك كونها معصية فاحشة فيها مضاهاة لخلق الله وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ الْبَاقِرِ عليه السلام وَقَدْ سُئِلَ عَمَّا يَرْوِي النَّاسُ أَنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ يَعْنِي صُورَةَ اللهِ تَعَالَى؟ فَقَالَ عليه السلام « صُوَرٌ مُحْدَثَةٌ اصْطَفَاهَا اللهُ وَاخْتَارَهَا عَلَى سَائِرِ الصُّوَرِ الْمُخْتَلِفَةِ ، فَأَضَافَهَا إِلَى نَفْسِهِ كَمَا أَضَافَ الْكَعْبَةَ إِلَى نَفْسِهِ فَقَالَ : ( بَيْتِيَ ) و ( نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ).

وقال المفسرون من العامة لهذا الحديث : ذهب أهل العلم إلى أن الضمير في الصُّورَةِ راجع إلى آدم عليه السلام ،

٣٦٨

بمعنى خص به ، وذلك أن الناس خلقوا على أطوار سبعة نطفة ثم علقة إلى تمام ما فصل في الكتاب ، ثم إنهم كانوا يتدرجون من صغر إلى كبر سوى آدم فإنه خلق أولا على ما كان عليه آخرا ، قالوا وهذا هو الصحيح.

وَفِي عُيُونِ أَخْبَارِ الرِّضَا عليه السلام وَقَدْ سُئِلَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله إِنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله قَالَ : « إِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ؟ فَقَالَ : وَاللهِ لَقَدْ حَذَفُوا أَوَّلَ الْحَدِيثِ ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله مَرَّ بِرَجُلَيْنِ يَتَسَابَّانِ فَسَمِعَ أَحَدَهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ قَبَّحَ اللهُ وَجْهَكَ وَوَجْهَ مَنْ يُشْبِهُكَ ، فَقَالَ يَا عَبْدَ اللهِ لَا تَقُلْ هَذَا لِأَخِيكَ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ ».

وَفِي الْحَدِيثِ « إِنَّ قَوْماً مِنَ الْعِرَاقِ يَصِفُونَ اللهَ بِالصُّورَةِ وَالتَّخْطِيطِ ـ يَعْنِي الْجِسْمَ ـ وَهَؤُلَاءِ الْمُجَسِّمَةُ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَةُ ».

وصَوَّرَهُ اللهُ صُورَةً حَسَنَةً فَتَصَوَّرَ ، وتَصَوَّرْتُ الشيءَ توهمت صورته فَتَصَوَّرَ لي. والتَّصَاوِيرُ : التماثيل. ومن أسمائه تعالى « وهو الذي صَوَّرَ جميع الموجودات ورتبها فأعطى كل شيء منها صورة خاصة وهيئة مفردة يتميز بها على اختلافها وكثرتها.

وَفِي حَدِيثِ الْمَدِينَةِ « مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا مَا بَيْنَ الصَّوْرَيْنِ إِلَى الثَّنِيَّةِ » (١).

يريد جبلي المدينة أعني عائرا ووعيرا. والصَّوْرُ : الجماعة من النخل ، ولا واحد له من لفظه ، ويجمع على صِيرَان ، ومنه « خَرَجَ إِلَى صَوْرٍ بِالْمَدِينَةِ ».

وَحَدِيثُ بَدْرٍ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بَعَثَ إِلَى رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَحْرَقَا صَوْراً مِنْ صِيرَانِ الْعُرَيْضِ.

( صهر )

قوله تعالى : ( يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ ) [ ٢٢ / ٢٠ ] أي يذاب وينضج بالحميم حتى يذيب أمعاءهم كما يذيب جلودهم ويخرج من أدبارهم ، من قولهم « صَهَرْتُ الشيءَ فَانْصَهَرَ » أي أذبته فذاب.

__________________

(١) الكافي ج ٤ صلى الله عليه وآله ٥٦٤.

٣٦٩

ومنه « تَصْهَرُهُ الشمسُ » أي تذيبه. قوله : ( فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً ) [ ٢٥ / ٥٤ ] الصِّهْرُ : قرابة النكاح ، قسم سبحانه البشر قسمين : ذوي نسب ذكورا ينسب إليهم ، وصِهْراً إناثا يصاهر بهن. وجمع الصِّهْرِ أَصْهَار ، وعن الخليل الأَصْهَارُ أهل بيت المرأة. وعن الأزهري الصِّهْرُ يشمل قرابات النساء وذوي المحارم كالأبوين والإخوة وأولادهم والأعمام والأخوال والخالات ، فهؤلاء أَصْهَارُ زوج المرأة ، ومن كان من قبل الزوج من أب أو أخت أو عمة فهم أَصْهَارُ المرأة. وعن ابن السكيت كل من كان من قبل الزوج من أب أو أخت أو عمة فهؤلاء أَحْمَاء ، ومن كان من قبل المرأة فهم الأَخْتَان ، ويجمع الصنفين الأَصْهَار. وعن الخليل ومن العرب من يجعل الصِّهْرَ من الأحماء والأختان.

( صير )

قوله تعالى : ( وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) [ ٥ / ١٨ ] أي المرجع والمآل ، من قولهم صَارَ الأمر إلى كذا : أي رجع إليه. وإليه مَصِيرُهُ أي مرجعه ومآله ، وهو شاذ والقياس مصار مثل معاش. قال الجوهري المصدر من فعل يفعل مفعل بفتح العين وقد شذّ حروف فجاءت على مفعل ، وعدّ منها المَصِير.

وَفِي الْخَبَرِ « مَنْ نَظَرَ مِنْ صِيرِ بَابٍ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ فَهِيَ هَدَرٌ ».

أي من شق باب ، من الصِّيرِ بالكسر وهو الشق. والصِّيرَةُ : حظيرة تتخذ من الحجارة للدواب وتتخذ من أغصان الشجر ، وجمعها صِيَر مثل سدرة وسدر وسيرة وسير ، ومنه الْحَدِيثُ « مَرَّ بِصِيرَةٍ فِيهَا نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثِينَ شَاةً ».

وصِيرٌ اسم جبل (١) ، ومنه قَالَ ( صلى الله عليه وآله ) لِعَلِيٍّ عليه السلام « أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ

__________________

(١) قال في معجم البلدان ج ٣ صلى الله عليه وآله ٤٣٨ : والصير جبل بأجا في ديار طيّ فيه كهوف شبه البيوت ، والصير جبل على السّاحل بين سيراف وعمان.

٣٧٠

لَوْ قُلْتَهُنَّ لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ صِيرٍ غُفِرَ لَكَ » وَيُرْوَى صَبِيرٍ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ.

وقد تقدم. وصَارَ الرجلُ غنيا : أي انتقل إلى حالة الغنى بعد أن لم يكن عليها ، ومثله صَارَ العصير خمرا ، وصَارَ الأمر إلى كذا.

باب ما أوله الضاد

( ضجر )

يقال ضَجِرَ من الشيء ضَجَراً من باب تعب فهو ضَجِرٌ : أي اغتم وقلق منه ، وتَضَجَّرَ منه كذلك ، وهو ضَجُورٌ للمبالغة وأَضْجَرَنِي فلانٌ فهو مُضْجِرٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ « إِيَّاكَ وَالْكَسَلَ وَالضَّجَرَ إِنَّهُ مَنْ كَسِلَ لَمْ يُؤَدِّ حَقّاً وَمَنْ ضَجِرَ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى حَقٍّ ».

( ضرر )

قوله تعالى : ( لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ) [ ٢ / ٢٣٣ ] أي لا تُضَارَّ بنزع الرجل الولدَ عنها ولا تُضَارَّ الأمُّ الأبَ فلا ترضعه.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام « لَا تُضَارَّ بِالصَّبِيِّ وَلَا يُضَارَّ بِأُمِّهِ فِي رَضَاعِهِ ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ فِي رَضَاعِهِ فَوْقَ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ » (١).

قوله : ( وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ ) [ ٢ / ٢٨٢ ] فيه قراءتان : إحداهما لا يُضَارِرْ بالإظهار والكسر والبناء للفاعل على قراءة أبي عمرو ، فعلى هذا يكون المعنى لا يجوز وقوع المُضَارَّةِ من الكاتب بأن يمتنع من الإجابة أو يحرف بالزيادة والنقصان وكذا الشهيد ، وثانيهما قراءة الباقين ( وَلا يُضَارَّ ) بالإدغام والفتح والبناء للمفعول ، فعلى هذا يكون المعنى لا يفعل بالكاتب والشهيد بأن يكلفا قطع مسافة بمشقة من غير تكلف بمؤنتهما أو غير ذلك. قوله : ( وَلا تُمْسِكُوهُنَ ضِراراً ) [ ٢ / ٢٣١ ] أي مُضَارَّةً ، كان يطلق الرجل

__________________

(١) البرهان ج ١ صلى الله عليه وآله ٢٢٤.

٣٧١

حتى إذا كاد أن يحل أجلها راجعها ثم يفعل ذلك ثلاث مرات. قوله : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً ) [ ٩ / ١٠٧ ] أي مضارة للمؤمنين من أصحاب مسجد قبا ( وَتَفْرِيقاً ) لأنهم كانوا يصلون مجتمعين في مسجد قبا ، وسبب نزول الآية ـ على ما

رُوِيَ ـ أَنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لَمَّا بَنَوْا مَسْجِدَ قُبَا بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله أَنْ يَأْتِيَهُمْ فَأَتَاهُمْ وَصَلَّى فِيهِمْ ، فَحَسَدَهُمْ إِخْوَتُهُمْ بَنُو غَنْمِ بْنِ عَوْفٍ وَقَالُوا نَبْنِي مَسْجِداً وَنُرْسِلُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله يُصَلِّي فِيهِ وَيُصَلِّي فِيهِ أَبُو عَامِرٍ الرَّاهِبُ أَيْضاً ، فَبَنَوْا مَسْجِداً بِجَنْبِ مَسْجِدِ قُبَا وَقَالُوا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَهُوَ يَتَجَهَّزُ إِلَى تَبُوكَ إِنَّا قَدْ بَنَيْنَا مَسْجِداً لِذِي الْعِلَّةِ وَالْحَاجَةِ وَاللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَاللَّيْلَةِ الشَّاتِيَةِ وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنَا فَتُصَلِّيَ لَنَا فِيهِ وَتَدْعُوَ لَنَا بِالْبَرَكَةِ فَقَالَ صلى الله عليه وآله : إِنِّي عَلَى جَنَاحِ السَّفَرِ وَلَوْ قَدِمْنَا إِنْ شَاءَ اللهُ أَتَيْنَاكُمْ وَصَلَّيْنَا لَكُمْ فِيهِ ، فَلَمَّا قَدِمَ مِنْ تَبُوكَ أَنْفَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ فَأَهْدَمَهُ وَحَرَّقَهُ. وَرُوِيَ أَنَّهُ بَعَثَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَوَحْشِيّاً فَحَرَّقَاهُ ، وَأَمَرَ صلى الله عليه وآله أَنْ يُتَّخَذَ مَكَانَهُ كُنَاسَةٌ تُلْقَى فِيهَا الْجِيَفُ ، قِيلَ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَقِيلَ خَمْسَةَ عَشَرَ (١).

قوله : ( غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ) [ ٤ / ٩٥ ] أي من به علة تمنعه من الجهاد كالرماثة والمرض ، فإنهم يساوون المجاهدين. قوله : ( لا ضَيْرَ ) [ ٢٦ / ٥٠ ] أي لا ضَرَرَ. قوله : ( وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) [ ٢١ / ٨٣ ] قال الشيخ أبو علي : الضُرُّ بالضم الضرر في النفس من مرض وهزال وبالفتح الضرر من كل شيء ألطف في السؤال حيث ذكر عن نفسه ما يوجب الرحمة وذكر ربه بغاية الرحمة ، وكنى عن المطلوب ( فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ ) أي من الأمراض والأوجاع ، وَكَانَ أَيُّوبُ كَثِيرَ الْأَوْلَادِ وَالْأَمْوَالِ ، فَابْتَلَاهُ

__________________

(١) انظر التّفاصيل في تفسير عليّ بن إبراهيم صلى الله عليه وآله ٢٨٠ ـ ٢٨١.

٣٧٢

اللهُ بِذَهَابِ أَمْوَالِهِ وَأَوْلَادِهِ وَالْمَرَضِ فِي بَدَنِهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَنَةً أَوْ سَبْعَ سِنِينَ وَسَبْعَةَ أَشْهُرٍ ، فَلَمَّا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْهُ أَحْيَا وُلْدَهُ وَرَزَقَهُ مِثْلَهُمْ نَوَافِلَ مِنْهُمْ.

والضُّرُّ بالضم : سوء الحال ، وبالفتح ضد النفع. وقد ضَرَّهُ وضَارَّهُ بمعنى أَضَرَّ به. وضَارَهُ ضَيْراً من باب باع ، والضَّرُورَة بالفتح الحاجة. ومنه « رجل ذو ضَرُورَةٍ » أي ذو حاجة. وقد اضْطُرَّ إلى الشيء : أي لجأ إليه. قوله : ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ ) [ ٢٧ / ٦٢ ] المُضْطَرُّ الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل الأيام إلى التضرع إلى الله تعالى.

وَفِي الْخَبَرِ « نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ ».

ومثله « لَا تَبْتَعْ مِنْ مُضْطَرٍّ ».

قيل هذا يكون من وجهين : أحدهما أن يُضْطَرَّ إلى العقد من طريق الإكراه عليه ، وهذا بيع فاسد لا ينعقد. والثاني أن يُضْطَرَّ إلى البيع لدين ركبه أو مئونة ترهقه فيبيع ما في يده بالوكس للضرورة ، وهذا سبيله في حق الدين والمروءة أن لا يباع في هذا الوجه ولكن يعان ويقرض إلى ميسرة أو تشترى سلعة بقيمتها ، ومعنى البيع هنا المبايعة أو قبول البيع والشرى. و « المُضْطَرُّ » مفتعل من الضر ، وأصله مضترر ، فأدغمت وقلبت التاء طاء لأجل الضاد.

وَفِي حَدِيثِ الشُّفْعَةِ « قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْأَرَضِينَ وَالْمَسَاكِنِ وَقَالَ : لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ ».

يقال ضَرَّهُ ضِرَاراً وأَضَرَّ به إِضْرَاراً الثلاثي متعد والرباعي متعد بالباء ، أي لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئا من حقه ، والضِّرَارُ فعال من الضر أي لا يجازيه على إضراره بإدخال الضرر عليه. والضَّرَرُ فعل الواحد ، والضِّرَارُ فعل الإثنين والضَّرَرُ : ابتداء الفعل. والضِّرَارُ الجزاء عليه. وقيل الضَّرَرُ ما تضر به صاحبك وتنتفع أنت به ، والضِّرَارُ أن تضره من غير أن تنتفع أنت به. وقيل هما بمعنى والتكرار للتأكيد. وفي بعض النسخ « وَلَا إِضْرَارَ »

٣٧٣

ولعله غلط (١)و المُضَارَّةُ في الوصية : أن لا تمضى أو ينقص بعضها أو تمضى لغير أهلها ونحوها مما يخالف السنة. ومن أسمائه تعالى « الضَّارُّ » وهو الذي يضر من يشاء من خلقه حيث هو خالق الأشياء كلها خيرها وشرها ونفعها وضرها والضَّرَائِرُ جمع ضَرَّةٍ هن زوجات الرجل لأن كل واحدة تضر بالأخرى بالغيرة والقسم

وَفِي حَدِيثِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وآله مَعَ خَدِيجَةَ « فَإِذَا قَدِمْتِ عَلَى ضَرَائِرِكِ فَأَقْرِئِيهِنَّ عَنَّا السَّلَامَ ».

وفيه إشعار بأنهن أزواج النبي صلى الله عليه وآله في الآخرة ، وسماهن ضَرَائِرَ باعتبار المال كما قال : ( أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً ) والله أعلم وفِيهِ « لَا يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ لَهُ ».

قيل هذه كلمة تستعملها العرب ظاهرها الإباحة ومعناها الحث والترغيب. وفِيهِ « فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ يَشْكُو ضَرَارَتَهُ ».

الضَّرَارَةُ هنا هي العمى ، وكان الرجل ضَرِيراً ، وهي من الضُّرِّ الذي هو سوء الحال. والضَّرُورِيُ يطلق على ما يرادف البديهي والقطعي واليقيني.

( ضفر )

فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام « أَنَّ طَلْحَةَ نَازَعَهُ فِي ضَفِيرَةٍ ضَفَرَهَا ».

الضَّفِيرَةُ مثل المسناة المستطيلة المعمولة بالخشب والحجارة كالحائط في وجه الماء ، وضَفَرَهَا عملها من الضَّفْرِ النسج. والضَّفِيرَةُ والضَّفْرُ : نسج الشعر وغيره عريضا. والضَّفِيرَةُ أيضا : العقيصة. والضَّفِيرَةُ : الذؤابة ، والجمع ضَفَائِر. وتَضَافَرُوا على الشيء : تعاونوا عليه.

( ضمر )

قوله تعالى : ( وَعَلى كُلِ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) [ ٢٢ / ٢٧ ] الضَّامِرُ : المهضم البطن المهزول الجسم ،

__________________

(١) كذا ورد مع الألف في من لا يحضر ج ٣ صلى الله عليه وآله ٤٥.

٣٧٤

يقال ناقة ضَامِرٌ وضَامِرَات ، والمعنى ركبانا على كل بعير ضامر مهزول لبعد السفر. ومنه حَدِيثُ السَّاجِدِ « يَتَخَوَّى كَمَا يَتَخَوَّى الْبَعِيرُ الضَّامِرُ ».

يقال ضَمَرَ البعير ضُمُوراً من باب قعد دق وقل لحمه. والمِضْمَارُ بالكسر : الموضع الذي تضمر فيه الخيل ويكون وقتا للأيام التي تضمر فيها. وتَضْمِيرُ الخيل : أن يظاهر عليها بالعلف حتى تسمن ثم لا تعلف إلا قوتا لتخف ، وذلك في مدة أربعين يوما ، وهذه المدة تسمى المِضْمَار ، والموضع الذي تضمر فيه الخيل أيضا يسمى « مِضْمَاراً » وقيل هي أن تشد عليها سرجها وتجلل بالأجلة حتى تعرق تحتها فيذهب هزالها ويشد لحمها.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام « أَلَا وَإِنَ الْمِضْمَارَ الْيَوْمَ وَالسِّبَاقَ غَداً » (١).

أي العمل اليوم يعني في الدنيا للاستباق غدا يعني في الآخرة ، وهو على سبيل الاستعارة في الكلام ، فيجوز أن يجعل اليوم ظرفا فيكون خبرا لأن و « المضمار » منصوب على أنه اسم إن ويجوز أن يجعل اليوم اسما صريحا ويرفع المضمار على أنه خبر. ومثله « جَعَلَ اللهُ شَهْرَ رَمَضَانَ مِضْمَاراً لِخَلْقِهِ يَسْتَبِقُونَ فِيهِ إِلَى طَاعَتِهِ فَسَبَقَ فِيهِ قَوْمٌ فَفَازُوا وَتَخَلَّفَ آخَرُونَ فَخَابُوا ».

وأَضْمَرْتُ في نفسي شيئا : أي نويت وهو ما يضمره الإنسان في نفسه من دون التكلم والاسم الضَّمِير والجمع الضَّمَائِر. ومنه الْحَدِيثُ « لَوْ أَنَّكَ تَوَضَّأْتَ فَجَعَلْتَ مَسْحَ الرِّجْلِ غَسْلاً ثُمَ أَضْمَرْتَ ذَلِكَ مِنَ الْمَفْرُوضِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِوُضُوءٍ ».

( ضور )

فِي الْخَبَرِ « دَخَلَ عَلَى امْرَأَةٍ وَهِيَ تَتَضَوَّرُ مِنْ شِدَّةِ الْحُمَّى ».

أي تتلوى وتصيح وتتقلب ظهر البطن ، من التَّضَوُّر وهو الصياح والتلوي عند الضرر أو الجوع ، وقيل تظهر الضَّوْرُ أي الضر. وضَارَهُ يَضُورُهُ ويَضِيرُهُ ضَيْراً أو ضَوْراً : أي ضره.

__________________

(١) نهج البلاغة ج ١ صلى الله عليه وآله ٦٧.

٣٧٥

باب ما أوله الطاء

( طبر )

فِي الْحَدِيثِ « مَرَّ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام وَأَنَا أُصَلِّي عَلَى الطَّبَرِيِ » (١).

لعله كتان منسوب إلى طبرستان. و « طَبَرِيَّة » محركة قرية بواسط وقصبة بالأردن ، والدراهم الطَّبَرِيَّة منسوبة إليها ، وقد يقال في النسبة إليها الطَّبَرَانِيُ على غير قياس. وفي القاموس : الطَّبَرِيُ ثلث الدرهم والطَّبَرَانِيُ من السمك الشانق. وطَبَرْزَد وزان سفرجل معرب ، ومنه حَدِيثُ « السُّكَّرِ الطَّبَرْزَدِ يَأْكُلُ الدَّاءَ أَكْلاً ».

وقيل الطَّبَرْزَد هو السكر الأبلوج ، وبه سمي نوع من التمر لحلاوته. وعن أبي حاتم الطَّبَرْزَذَة بسرتها صفراء مستديرة. و « طَبَرِسْتَان » بفتح الباء وسكون السين : اسم بلدة من بلاد العجم ، وكسر الراء لالتقاء الساكنين ، وهي مركبة من كلمتين ، وينسب إلى الأول فيقال طَبَرِيُ.

وَفِي الْحَدِيثِ « فَخَرَجَ عَلَيْهِ الْقَائِمُ عليه السلام وَبِيَدِهِ طَبَرْزِينٌ ».

أي طبر السرج لأن زين بالفارسية اسم للسرج. و « الطُّنْبُور » فنعول بضم الفاء من آلات الملاهي فارسي معرب.

( طرر )

فِي الْحَدِيثِ « لَيْسَ عَلَى الطَّرَّارِ قَطْعٌ إِذَا طَرَّ مِنَ الْقَمِيصِ ».

الطَّرَّارُ هو الذي يقطع النفقات ويأخذها على غفلة من أهلها من الطَّرِّ بالفتح والتشديد القطع ، يقال طَرَرْتُهُ طَرّاً من باب قتل شققته. وطَرَّ شاربَه : قصه ، ومنه « كان يَطُرُّ شاربَه ». و « الطَّرَارُ » بالطاء والرائين المهملتين بينهما ألف الطين ، يقال طَرَّ الرجلُ حوضَه إذا طينه. ومنه الْحَدِيثُ « [ الرَّجُلُ ] يُجْنِبُ [ فَيُصِيبُ ] رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ

__________________

(١) من لا يحضر ج ١ صلى الله عليه وآله ١٧٤.

٣٧٦

الشَّيْءُ اللَّكِدُ مِثْلُ عِلْكِ الرُّومِ وَالطَّرَارِ ».

و « هو خير الخلق طُرّاً » أي جميعا ، وهو منصوب على المصدر والحال والطُّرَّةُ : كفة الثوب من جانبه الذي لا هدب له. وطُرَّةُ النهر والوادي : شفيره. وطُرَّةُ كل شيء : حرفه ، والجمع طُرَر كغرفة وغرف.

( طفر )

يقال طَفَرَ طَفْراً من باب ضرب ، قال في المصباح والطَّفْرَةُ أخص منه ، وهو الوثوب في ارتفاع.

( طمر )

فِي الْحَدِيثِ « رُبَّ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّ قَسَمَهُ ».

الطِّمْرُ بالكسر هو الثوب الخلق العتيق والكساء البالي من غير الصوف ، والجمع أَطْمَار كحمل وأحمال. ومنه حَدِيثُ الْمَيِّتِ « وَأَوْصَى أَنْ يَحُلَ أَطْمَارَهُ وَلَا يُؤْبَهُ لَهُ ».

أي لا يبالي به لحقارته قيل وإنما عدي بعلى لأنه ضمن معنى التحكم. وطَمَرْتُ الشيءَ : سترته ، ومنه « المَطْمُورَة » وهي حفرة يطم فيها الطعام. و « طَمَرْتُ المَيِّتَ » من باب قتل : دفنته في الأرض. و « طَمَار » بالفتح كقطام : المكان المرتفع ، قال الشاعر :

فإن كنت لا تدرين بالموت فانظرى

إلى هانئ بالسوق وابن عقيل

إلى بطل قد عقر السيف وجهه

وآخر يهوي من طَمَار قتيل

وعن الكسائي من طَمَارَ بفتح الراء وكسرها ، وكان ابن زياد لعنه الله أمر برمي مسلم بن عقيل من مرتفع. و « المِطْمَرُ » بكسر ميم أولى وفتح الثانية : خيط يقوم عليه البناء ، ويسمى التُّرَّ أيضا. ومنه حَدِيثُ ابْنِ سِنَانٍ « لَيْسَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَنْ خَالَفَكُمْ إِلَّا الْمِطْمَرُ ».

ـ الحديث وقد تقدم في ترر.

( طور )

قوله تعالى : ( ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً ) [ ٧١ / ١٤ ]

٣٧٧

أي ضروبا وأحوالا نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ، ويقال أَطْواراً أي أصنافا في ألوانكم ولغاتكم.

قوله : ( وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ) [ ٢ / ٦٣ ] وهو جبل كلم الله عليه موسى في الأرض المقدسة.

وقوله : ( طُورِ سَيْناءَ ) [ ٢٣ / ٢٠ ] بالمد والقصر.

و ( طُورِ سِينِينَ ) [ ٩٥ / ٢ ] لا يخلو إما أن يكون مضافا إلى بقعة اسمها سيناء أو سينون ، وإما أن يكون اسما للجبل. مركبا من مضاف ومضاف إليه كامرئ القيس.

وفي معاني الأخبار : معنى طور سيناء أنه كان عليه شجرة الزيتون ، وكل جبل لا يكون عليه شجرة الزيتون أو ما ينتفع به الناس من النبات أو الأشجار من الجبال فإنه يسمى جبلا وطورا ولا يقال طور سيناء ولا طور سينين ـ انتهى.

و « الطَّوْرُ » بالفتح : التارة.

وفعلت ذلك طَوْراً بعد طَوْرٍ : أي مرة بعد مرة.

وتعدى طَوْرَهُ : تجاوز حده وحاله التي تليق به.

والطُّورِيُ : الوحشي من الطير والناس ومنه الحمام الطُّورِيُ والطُّورَانِيُ. وعن الجاحظ الطُّورَانِيُ نوع من أنواع الحمام (١).

( طهر )

قوله تعالى : ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) [ ٧٤ / ٤ ] أي عملك فأصلح أو قصر أو لا تلبسها على فخر وكبر ، وقيل معناه اغسل ثيابك بالماء ، وقيل كنى بالثياب عن القلب ، وقيل معناه لا تكن غادرا فإن الغادر دنس الثياب.

قوله : ( فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُ الْمُطَّهِّرِينَ ) [ ٩ / ١٠٨ ] قيل المراد الطَّهَارَة من الذنوب ، والأكثر أنها الطَّهَارَة من النجاسات. قِيلَ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ قُبَا ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْبَاقِرِ وَالصَّادِقِ عليه السلام ، وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله قَالَ لَهُمْ : مَا تَفْعَلُونَ فِي طُهْرِكُمْ فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمُ الثَّنَاءَ؟ فَقَالُوا :

__________________

(١) انظر الحيوان للجاحظ ج ٢ صلى الله عليه وآله ١٧٧ وج ٧ صلى الله عليه وآله ٦٦.

٣٧٨

نَغْسِلُ أَثَرَ الْغَائِطِ بِالْمَاءِ (١).

قال بعض الأعلام : يمكن أن يستدل بهذه الآية على استحباب الكون على الطَّهَارَةِ ، لأن الطَّهَارَةَ شرعا حقيقة في رافع الحدث ، والثناء والمحبة وتأكيد الإرادة والإتيان بلفظ المبالغة مشعر بالتكرر ودوام حصول المعنى ، وكل ذلك دليل على ما قلناه. والله أعلم. قوله : ( إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) [ ٧ / ٨٢ ] يعني عن أدبار النساء والرجال قالوا تهكما. قوله : ( حَتَّى يَطْهُرْنَ ) [ ٢ / ٢٢٢ ] أي ينقطع الدم عنهن ويَطَّهَّرْنَ يغتسلن بالماء ، وأصله « يتطهرن » فأدغمت التاء بالطاء. قوله : ( وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) [ ٥ / ٦ ] قيل أي من الذنوب ، فإن العبادات مثل الوضوء كفارات للذنوب ، أو لينظفكم عن الأحداث ويزيل المنع عن الدخول فيما شرط فيه الطهارة عليكم فيطهركم بالماء عند وجوده وعند الإعذار بالتراب ، واللام للعلة ، ومفعول يريد محذوف ، وقيل زائدة و ( لِيَجْعَلَ ) و ( لِيُطَهِّرَكُمْ ) مفعول ، والتقدير لأن يجعل عليكم ولأن يطهركم ، وربما ضعف هذا نظرا إلى أن لا تقدر بعد اللام المزيدة ، ورد بأن المحقق الرضى صرح بذلك وقال وكذلك اللام زائدة في « لا أبا لك » عند سيبويه ، وكذا اللام المقدر بعدها أي بعد فعل الأمر والإرادة كقوله : ( وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ). قوله : ( رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً ) [ ٩٨ / ٢ ] قال الشيخ أبو علي : يعني مُطَهَّرَة في السماء لا يمسها إلا الملائكة المطهرون من الأنجاس ( فِيها ) أي في تلك الصحف ( كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ) أي مستقيمة عادلة غير ذات عوج تبين الحق عن الباطل ، وقيل مُطَهَّرَة عن الباطل والكذب والزور يريد القرآن ، ويعني بالصحف ما تضمنته الصحف من المكتوب فيها. قوله : ( وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ ) [ ٣ / ١٥ ]

__________________

(١) البرهان ج ٢ صلى الله عليه وآله ١٦٢.

٣٧٩

أي نساء مُطَهَّرَةٌ من الحيض والحدث ودنس الطبع وسوء الخلق ، وقرئ مُطَهَّرَاتٌ قيل هما لغتان فصيحتان ، يقال النساء فعلت وفعلن ، والجمع على اللفظ والإفراد. قوله : ( وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً ) [ ٧٦ / ٢١ ] أي برجس كخمر الدنيا ويطهركم من كل شيء سوى الله. قوله : ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) [ ٢٥ / ٤٨ ] أي طاهرا نظيفا يطهر من توضأ منه واغتسل من جنابة ، وقيل هو مبالغة وإنه بمعنى طَاهِر ، والأكثر أنه لوصف زائد. فعن تغلب الطَّهُورُ هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره ، وعن الأزهري الطَّهُورُ في اللغة هو الطاهر المطهر وفعول في كلام العرب لِمَعَان : منها فعول لما يفعل به مثل الطَّهُور لما يتطهر به والوَضُوء لما يتوضأ به والفَطُور لما يفطر عليه والغَسُول لما يغسل به. قال الزمخشري : الطَّهُورُ هو البليغ في الطهارة. قال بعض العلماء : ويفهم من قوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) أنه طاهر في نفسه مطهر لغيره ، لأن قوله ( ماءً ) يفهم منه أنه طاهر لأنه ذكره في معرض الامتنان على العباد ولا يكون ذلك إلا فيما ينتفع به فيكون طاهرا في نفسه ، وقوله طَهُوراً يفهم منه صفة زائدة على الطَّهَارَةِ وهي الطَّهُورِيَّةُ ، وإنكار أبي حنيفة استعمال الطَّهُور بمعنى الطاهر المطهر غيره وأنه لمعنى الطاهر فقط وأن المبالغة في فعول إنما هي زيادة المعنى المصدري كالأَكُول لكثير الأكل لا يلتفت إليه بعد مجيء النص من أكثر أهل اللغة ، والاحتجاج بقوله « ريقهن طَهُور » مردود بعدم اطراده وأنه في البيت للمبالغة في الوصف أو واقع موقع طاهر لإقامة الوزن ، لأن كل طَهُور طاهر ولا عكس ، ولو كان طَهُور بمعنى طَاهِر مطلقا لقيل ثوب طهور وخشب طهور ونحو ذلك وهو ممتنع ـ انتهى كلامه. وهو في غاية الجودة.

وَفِي الْحَدِيثِ « التَّيَمُّمُ أَحَدُ الطَّهُورَيْنِ ». بفتح المهملة أي المطهرين من الماء والتراب.

٣٨٠