مجمع البحرين - ج ٣

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٣

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٤

باب ما أوله الشين

( شبر )

في الحديث ذكر الشبر والأشبار ، الشِّبْرُ بالكسر واحد الأَشْبَار كحمل وأحمال ، وهو مساحة ما بين طرفي الخنصر والإبهام بالتفريج المعتاد. و « الشَّبْرُ » بالفتح مصدر شَبَرْتُ الثوبَ. وفيه أيضا شَبَّرَ وشَبِير وهما ابنا هارون عليه السلام ، سمي بهما الحسن والحسين ابنا علي عليه السلام للمناسبة. والشَّبُّورُ كتنور : البوق معرب ـ قاله الجوهري. ودعاء السمات المشهور يسمى دعاء الشَّبُّور وهو عبراني وفيه مناسبة للقرون المثقوبة ، لما

رُوِيَ أَنَّ يُوشَعَ لَمَّا حَارَبَ الْعَمَالِقَةَ أَمَرَ أَنْ يَأْخُذَ الْخَوَاصُّ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ جِرَاراً فُرَّغاً عَلَى أَكْتَافِهِمْ بِعَدَدِ أَسْمَاءِ الْعَمَالِقَةِ ، وَأَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ مِنْهُمْ قَرْناً مَثْقُوباً مِنْ قَرْنِ الضَّأْنِ وَيَدْعُونَ بِهَذَا الدُّعَاءِ سِرّاً لِئَلَّا يَسْتَرِقَهُ بَعْضُ شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فَيُعَمِّلُونَهُ ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ لَيْلَتَهُمْ ، فَلَمَّا كَانَ آخِرُ اللَّيْلِ كَسَرُوا الْجِرَارَ فِي مُعَسْكَرِ الْعَمَالِقَةِ فَأَصْبَحُوا مَوْتَى مُنْتَفِخِي الْأَجْوَافِ ( كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ ).

قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام : « فَاتَّخِذُوهُ عَلَى عَدُوِّكُمْ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ ، وَهُوَ مِنْ عَمِيقِ مَكْنُونِ الْعِلْمِ وَمَخْزُونِهِ ، فَادْعُوا بِهِ لِلْحَاجَةِ عِنْدَ اللهِ ، وَلَا تُبْدُوهُ لِلسُّفَهَاءِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالظَّالِمِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ».

وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنِ الصَّادِقِ عليه السلام « لَوْ حَلَفْتُ أَنَّ فِي هَذَا الدُّعَاءِ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ لَبَرَرْتُ ».

( شتر )

في الحديث ذكر شَتَر الشفة كذا ، الشَّتَرُ : القطع ، وفعله كضرب. والشَّتَرُ : انقلاب في جفن العين الأسفل وهو مصدر من باب تعب ، ومنه « الأَشْتَرُ »

٣٤١

اسم رجل. والأَشْتَرَانِ مالك وابنه ، رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ هَلَاكُ مَالِكٍ الْأَشْتَرِ إِلَى عَلِيٍّ عليه السلام صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَ النَّاسَ ثُمَّ قَالَ « أَلَا إِنَّ مَالِكَ بْنَ الْحَرْثِ قَدْ ( قَضى نَحْبَهُ ) وَأَوْفَى بِعَهْدِهِ وَلَقِيَ رَبَّهُ ، فَرَحِمَ اللهُ مَالِكاً لَوْ كَانَ جَبَلاً لَكَانَ فِنْداً وَلَوْ كَانَ حَجَراً لَكَانَ صَلْداً ، لِلَّهِ مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ وَهَلْ قَامَتِ النِّسَاءُ عَنْ مِثْلِ مَالِكٍ وَهَلْ مَوْجُودٌ كَمَالِكٍ ». قَالَ : فَلَمَّا نَزَلَ وَدَخَلَ الْقَصْرَ أَقْبَلَ عَلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ قَالُوا : لَشَدَّ مَا جَزِعْتَ عَلَيْهِ وَقَدْ هَلَكَ. قَالَ : أَمَا وَاللهِ هَلَاكُهُ قَدْ أَعَزَّ أَهْلَ الْمَغْرِبِ وَأَذَلَّ أَهْلَ الْمَشْرِقِ. قَالَ : وَبَكَى عَلَيْهِ أَيَّاماً وَحَزِنَ عَلَيْهِ حُزْناً شَدِيداً وَقَالَ : لَا أَرَى مِثْلَهُ بَعْدَهُ أَبَداً (١). وَكَانَ سَبَبَ هَلَاكِهِ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ إِلَى عَلِيٍّ عليه السلام مُصَابُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَقَدْ قَتَلَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ خَدِيجٍ السَّكُونِيُّ بِمِصْرَ جَزِعَ عَلَيْهِ جَزَعاً شَدِيداً ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى الْأَشْتَرِ وَوَجَّهَهُ إِلَى مِصْرَ فَصَحِبَهُ نَافِعٌ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فِي الطَّرِيقِ فَدَسَّ لَهُ السَّمَّ بِعَسَلٍ وَقَتَلَهُ ، وَحِينَ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ خَبَرُهُ قَامَ خَطِيباً فِي النَّاسِ فَقَالَ : إِنَّ عَلِيّاً كَانَتْ لَهُ يَمِينَانِ قُطِعَتْ إِحْدَاهُمَا بِصِفِّينَ ـ يَعْنِي عَمَّاراً ـ وَالْأُخْرَى الْيَوْمَ ، ثُمَّ حَكَى لَهُمْ قِصَّةَ قَتْلِهِ. وشَنْتَرَ ثوبَه : مَزَّقَه.

( شجر )

قوله تعالى ( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) [ ١٧ / ٦٠ ] هم بنو أمية ( وَنُخَوِّفُهُمْ ) بمخاوف الدنيا والآخرة ( فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً ).

وَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام لِعُمَرَ : أَلَا أُخْبِرُكَ يَا أَبَا حَفْصٍ مَا نَزَلَ فِي بَنِي أُمَيَّةَ قَوْلُهُ : ( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) فَقَالَ عُمَرُ : كَذَبْتَ يَا عَلِيُّ بَنُو أُمَيَّةَ خَيْرٌ مِنْكَ وَأَوْصَلُ لِلرَّحِمِ (٢).

قوله تعالى : ( وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ )

قِيلَ : هِيَ الْحِنْطَةُ. وَقِيلَ الْكَافُورُ ، وَقِيلَ التِّينُ وَالْعِنَبُ.

__________________

(١) سفينة البحار ج ١ صلى الله عليه وآله ٦٨٧ في أحاديث مختلفة.

(٢) البرهان ج ٢ صلى الله عليه وآله ٤٥٢.

٣٤٢

قوله تعالى : ( شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ ) [ ٢٤ / ٣٥ ]

قِيلَ هِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله.

قوله : ( شَجَرَةِ الْخُلْدِ ) [ ٢٠ / ٢٠ ]

قِيلَ هِيَ شَجَرَةٌ مَنْ أَكَلَ مِنْهَا لَا يَمُوتُ.

قوله : ( كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ) [ ١٤ / ٢٤ ]

قِيلَ النَّخْلَةُ وَالتِّينُ وَالرُّمَّانُ وَكُلُ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ طَيِّبَةٍ.

وَعَنِ الْبَاقِرِ عليه السلام « الشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَفَرْعُهَا عَلِيٌّ عليه السلام وَعُنْصُرُ الشَّجَرَةِ فَاطِمَةُ عليه السلام وَثَمَرَتُهَا أَوْلَادُهَا وَأَغْصَانُهَا وَأَوْرَاقُهَا شِيعَتُهَا (١)».

قوله : ( كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ) [ ٢٦ / ١٤ ]

قِيلَ هِيَ كُلُ شَجَرَةٍ لَا يَطِيبُ ثَمَرُهَا كَشَجَرَةِ الْحَنْظَلِ وَالْكَشُوثِ.

وعَنِ الْبَاقِرِ عليه السلام « هُمْ بَنُو أُمَيَّةَ ».

قوله : ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً )

قِيلَ هِيَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ ، وَقِيلَ كُلُّ كَلِمَةٍ حَسَنَةٍ كَالتَّسْبِيحَةِ وَالتَّحْمِيدَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ.

( كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ). قوله : ( وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ ) كلمة الشرك أو كل كلمة قبيحة ( كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ). قوله : ( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) [ ٤٨ / ١٨ ]

قِيلَ هِيَ السُّمْرَةُ يَعْنِي شَجَرَةَ الطَّلْحِ.

وسميت البيعة بَيْعَة الرضوان بهذه الآية حيث بايعوا النبي صلى الله عليه وآله بالحديبية وكان عددهم ألفا وخمسمائة أو ثلاثمائة. قوله : ( إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ) [ ٣٧ / ٦٤ ] أي تنبت في قعر جهنم قال المفسر : ولا بعد أن يخلق الله تعالى لكمال قدرته شجرة في النار من جنس النار أو من جوهر لا تأكله النار ولا تحرقه ، كما أنه لا تحرق عقاربها وحياتها. قوله : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) [ ٤ / ٦٥ ] يقال شَجَرَ الأمرُ شَجَراً وشُجُوراً : اختلط. وشَاجَرَهُ : نازعه وتَشَاجَرَ القومُ : تنازعوا واختلفوا والمُشَاجَرَةُ : المنازعة. و ( شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) : إذا وقع خلاف بينهم ،

__________________

(١) البرهان ج ٢ صلى الله عليه وآله ٣١٠.

٣٤٣

كل ذلك لتداخل كلام بعضهم في بعض كتداخل الشجر بعضه في بعض ، ومعنى ( فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ )

فِيمَا تَعَاقَدَ عَلَيْهِ الْخَمْسَةُ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ ، وَهُمُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَسَالِمٌ مَوْلَى حُذَيْفَةَ حَيْثُ قَالُوا « إِنْ أَمَاتَ اللهُ مُحَمَّداً لَا نَرُدُّ هَذَا الْأَمْرَ فِي بَنِي هَاشِمٍ ».

والشَّجَرَةُ : ما كانت على ساق من نبات الأرض ، والشَّجَرُ جمع الشَّجَرَة وقيل هو اسم مفرد يراد به الجمع ، وجمع الشَّجَر أَشْجَار.

( شخر )

الشَّخِيرُ : رفع الصوت بالنحر ، يقال شَخَرَ الحمارُ يَشْخِرُ بالكسر شَخِيراً : إذا رفع صوته كذلك.

( شذر )

الشَّذْرُ من الذهب ما يلقط من المعدن من غير إذابة الحجارة ، والقطعة منه شَذْرَة. و « الشَّاذَرْوَان » بفتح الذال مر ذكره في شذذ.

( شرر )

قوله تعالى : ( تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ ) [ ٧٧ / ٣٢ ] الشَّرَارَة واحدة الشَّرَار ، وهو ما يتطاير من النار ، وكذلك الشَّرَر ، والواحدة شَرَرة. قوله : ( أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً ) [ ١٢ / ٧٧ ] أي أَشَرُّ مكانا ، يقال فلان شَرُّ الناس ولا يقال أَشَرُّ الناس إلا في لغة ردية ـ قاله الجوهري. قوله : ( وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ ) [ ١٧ / ١١ ] أي يدعو على نفسه وماله وولده عند الضجر عجلة منه ولا يعجل الله به.

وَفِي الْحَدِيثِ « وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ ».

قيل هو عام في كل من ولد من الزنا شر من والديه أصلا ونسبا وولادة ، ولأنه خلق من ماء الزاني والزانية ، فهو ماء خبيث. وقيل لأن الحد يقام عليهما فيكون تمحيصا لهما ، وهذا يدرى ما يفعل به. والشَّرُّ : نقيض الخير. والشَّرُّ : السوء والفساد والظلم والجمع شُرُور. وشَرِرْتَ يا رجل من باب تعب وفي لغة من باب قرب.

٣٤٤

وَفِي الدُّعَاءِ « وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ ».

أي لا ينسب إليك لأنك منزه عنه ، ومر في إلى وجه آخر.

وَفِي الْخَبَرِ « لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ ».

سُئِلَ الْحَسَنُ مَا بَالُ زَمَانِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْدَ زَمَانِ الْحَجَّاجِ؟ فَقَالَ : لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ تَنَفُّسٍ وَقْتاً مَا وَأَنْ يُكْشَفَ الْبَلَاءُ عَنْهُمْ حِيناً.

و « شِرَّةُ الشبابِ » هي بكسر شين وتشديد راء : الحرص على الشيء والنشاط له والرغبة فيه. ومنه الْخَبَرُ « لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةُ وَلِكُلِّ شَيْءٍ فَتْرَةٌ ».

وأَشْرَرْتُ الشيءَ : أظهرته ، ومِنْهُ « مَا قِيلَ فِي يَوْمِ صِفِّينَ حَتَّى أُشِرَّتْ بِالْأَكُفِّ الْمَصَاحِفُ ».

والمُشَارَّةُ بتشديد الراء المخاصمة ، ومِنْهُ « إِيَّاكَ وَالْمُشَارَّةَ فَإِنَّهَا تُورِثُ الْمَعَرَّةَ ».

والمَعَرَّةُ : الأمر القبيح المكروه. وشَرْشَرَةُ الشيء : تشقيقه وتقطيعه من شَرْشَرَ بَوْلُهُ يُشَرْشِرُ. و « الشُّرْشُورُ » كعصفور طائر مثل العصفور أغبر اللون.

( شزر )

« الشَّزْرُ » بالفتح فالسكون : نظر الغضبان بمؤخر العين ، يقال نظر إليه شَزْراً : أي نظر غضب ، وفي لحظه شَزَرٌ بالتحريك.

( شصر )

الشَّصَرُ : طائر أصغر من العصفور ـ قاله في القاموس (١).

( شطر )

قوله تعالى : ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) [ ٢ / ١٤٤ ] أي جهته ونحوه ، يقال قصدت شَطْرَهُ أي نحوه. قال هذيل :

أقول لأم ذنباع أقيمي

صدور العيس شَطْرَ بني تميم

أي نحوهم.

__________________

(١) في حياة الحيوان ج ٢ صلى الله عليه وآله ٥١ : الشصر بالتحريك ولد الظبية ، وكذلك الشاصر ـ قاله أبو عبيدة.

٣٤٥

وقد يجيء الشَّطْرُ بمعنى النصف والجزء وهو كثير ، ومنه الحَدِيثُ « السِّوَاكُ شَطْرُ الْوُضُوءِ » (١).

وكأنه يريد المبالغة في استعماله. ومنه قَوْلُهُ « اجْعَلْ شَطْرَ مَالِي فِي سَبِيلِ اللهِ ».

أي جزءا منه ويحتمله النصف.

وَفِي الْحَدِيثِ « مَنْ أَعَانَ عَلَى مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ فَعَلَيْهِ كَذَا ».

وشَطْرُ الكلمة بعضها كالقاف من اقتل ، بأن تقول اق ونحو ذلك. وشَطَرَ بَصَرُهُ شُطُوراً : وهو الذي ينظر إليك وإلى آخر. والشَّاطِرُ : الذي أعيى أهله خبثا. والشَّطَارَةُ اسم منه. ومنه الْحَدِيثُ « وَأَمَّا تِلْكَ فَشَطَارَةٌ ».

أي خبث ، والفعل منه « شَطَرَ » بالفتح وبالضم شَطَارَةً فيهما. والشِّطْرَنْجُ : لعبة معروفة أخذا من الشَّطَارَة أو التَّشَطُّر ، وقد مر ذكره.

( شعر )

قوله تعالى : ( وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) [ ٢٢ / ٣٦ ] أي جعلناها لكم وجعلناها من شَعَائِرِ الله لكم فيها خير أي مال من ظهرها وبطنها ، وإنما قدر ذلك لأنه في المعنى تعليل لكون نحرها من شعائر الله ، بمعنى أن نحرها مع كونها كثير النفع والخير وشدة محبة الإنسان من مال من أدل الدلائل على قوة الدين وشدة تعظيم أمر الله. قوله : ( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) [ ٢ / ١٥٨ ] أي هما من أعلام مناسكه ومتعبداته. قوله : ( لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ ) [ ٥ / ٢ ] قال الشيخ أبو علي : اختلف في معنى ( شَعائِرَ اللهِ ) على أقوال : منها لا تحلوا حرمات الله ولا تتعدوا حدوده ، وحملوا الشَّعَائِرَ على المعالم ، أي معالم حدود الله وأمره ونهيه وفرائضه ، ومنها أن شَعَائِرَ الله مناسك الحج ، أي لا تحلوا مناسك الحج فتضيعوها ، ومنها أن شَعَائِرَ الله هي الصفا والمروة والهدي من البدن وغيرها ، ثم حكى قول الفراء : كَانَتْ عَامَّةُ الْعَرَبِ

__________________

(١) مكارم الأخلاق صلى الله عليه وآله ٥٣.

٣٤٦

لَا تَرَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنَ الشَّعَائِرِ وَلَا يَطُوفُونَ بَيْنَهُمَا فَنَهَاهُمُ اللهُ عَنْ ذَلِكَ ، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام

ومنها لا تحلوا ما حرم الله عليكم في إحرامكم ومنها أن الشَّعَائِرَ هي العلامات المنصوبة للفرق بين الحل والحرام نهاهم الله تعالى أن يتجاوزوها إلى مكة بغير إحرام إلى غير ذلك. ثم قال بعد استيفاء الأقوال وأقواها الأول (١) قوله : يُشْعِرُكُمْ [  ٦ / ١٠٩] أي يدريكم. قوله : ( لا يَشْعُرُونَ ) [ ٢ / ١٢ ] أي لا يفطنون ويعلمون. قوله : ( أَنَّهُ هُوَ رَبُ الشِّعْرى ) [ ٥٣ / ٤٩ ] الشِّعْرَى كوكب معروف يطلع في آخر الليل بعد الجوزاء ، أي هو رب ما تعبدونه فكيف تعبدونه ، وأول من عبد الشِّعْرَى أبو كبشة أحد أجداد النبي صلى الله عليه وآله من قبل أمهاته وكان المشركون يسمونه صلى الله عليه وآله ابن أبي كبشة لمخالفته إياهم في الدين كما خالف أبو كبشة وغيره في عبادة الشعرى. قوله : ( وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ ) [ ٢٦ / ٢٢٤ ] أي لا يتبعهم على كذبهم وباطلهم وفضول قولهم وما هم عليه من الهجاء وتمزيق الأعراض ومدح من لا يستحق المدح إلا الغاوون من السفهاء ، وقيل شُعَرَاءُ المشركين عبد الله بن الزبعري وأبو سفيان وأبو غرة ونحوهم حيث قالوا نقول مثل ما قال محمد صلى الله عليه وآله ، وكانوا يهجونه ويجتمع عليهم الأعراب من قومهم يسمعون أشعارهم وأهاجيهم.

وَفِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي الَّذِينَ غَيَّرُوا دِينَ اللهِ وَخَالَفُوا أَمْرَ اللهِ ، هَلْ رَأَيْتُمْ شَاعِراً قَطُّ تَبِعَهُ أَحَدٌ ، إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ الَّذِينَ وَصَفُوا دِيناً بِآرَائِهِمْ فَتَبِعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ النَّاسُ ، وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ ) يَعْنِي يُنَاظِرُونَ بِالْأَبَاطِيلِ وَيُجَادِلُونَ بِالْحُجَجِ وَفِي كُلِ

__________________

(١) مجمع البيان ج ٢ صلى الله عليه وآله ١٥٤.

٣٤٧

مَذْهَبٍ يَذْهَبُونَ (١).

قوله : ( وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ ) [ ٣٦ / ٦٩ ] قال المفسر : يعني قول الشِّعْر ، أي ما أعطيناه العلم بالشعر وما ينبغي له أن يقول الشعر من عنده حتى إذا تمثل ببيت شعري جرى على لسانه مكسرا كما

رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله كَانَ يَتَمَثَّلُ بِهَذَا الْبَيْتِ :

كَفَى الْإِسْلَامُ وَالشَّيْبُ لِلْمَرْءِ نَاهِياً

فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله إِنَّمَا قَالَ الشَّاعِرُ :

كَفَى الشَّيْبُ وَالْإِسْلَامُ لِلْمَرْءِ نَاهِياً.

وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله يَتَمَثَّلُ بِبَيْتِ أَخِي بَنِي قَيْسٍ :

سَتُبْدِي لَكَ الْأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلاً

وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ

فَيَقُولُ :

« وَيَأْتِيكَ مَنْ لَمْ تُزَوِّدْ بِالْأَخْبَارِ »

فَيُقَالُ لَهُ لَيْسَ هَكَذَا ، فَيَقُولُ : إِنِّي لَسْتُ بِشَاعِرٍ.

قال المفسر : وقيل إن معنى الآية ( وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ ) بتعليم القرآن وما ينبغي للقرآن أن يكون شعرا ، فإن نظمه ليس بنظم الشعر ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ الشِّعْرَ وَيَبْحَثُ عَنْهُ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ « إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً ».

وحكايته مع حسان بن ثابت مشهورة (٢).

وَفِي الْحَدِيثِ وَقَدْ سُئِلَ عليه السلام مِنْ أَشْعَرِ الشُّعَرَاءِ؟ فَقَالَ عليه السلام « إِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَجْرُوا فِي حَلْبَةٍ تُعْرَفُ الْغَايَةُ عِنْدَ قَصَبَتِهَا ، فَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ فَالْمَلِكُ الضِّلِّيلُ » (٣).

يعني امرء القيس سماه ضليلا لأنه ضل عن طريق الهداية ، وفي القاموس هو « سليمان بن حجر » كما سيجيء. قوله : ( فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ ) [ ٢ / ١٩٨ ] وهو جبل بآخر مزدلفة

__________________

(١) تفسير علي بن إبراهيم صلى الله عليه وآله ٤٧٤ ـ ٤٧٥.

(٢) مجمع البيان ج ٥ صلى الله عليه وآله ٤٣٢ مع اختلاف في الألفاظ.

(٣) نهج البلاغة ج ٣ صلى الله عليه وآله ٢٦٠.

٣٤٨

واسمه قُزَح ، ويسمى جُمَعاً والمُزْدَلِفَة والمَشْعَر الحرام ، لأنه معلم العبادة ووصف بالحرام لحرمته ، أو لأنه من الحرم وميمه مفتوحة على المشهور وبعضهم يكسرها على التشبيه باسم الآلة. وحد المَشْعَر الحرام ما بين المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر. ويسمى كل موضع للمنسك مَشْعَراً لأنه موضع لعبادته تعالى. ومنه الْحَدِيثُ « بِتَشْعِيرِهِ الْمَشَاعِرَ عُرِفَ أَنَّهُ لَا مَشْعَرَ لَهُ » (١).

ومِثْلُهُ « لَا تَشْمُلُهُ الْمَشَاعِرُ » (٢).

وشَوَاعِرُ الإنسان ومَشَاعِرُهُ : حواسه ومنه قَوْلُهُ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ لِي شَوَاعِرَ أُدْرِكُ مَا ابْتَغَيْتُ بِهَا ».

وفِي الْحَدِيثِ إِشْعَارُ الْبُدْنِ وَإِشْعَارُ الْهَدْيِ.

وهو أن يقلد بنعل وغير ذلك ويجلل ويطعن في شق سنامه الأيمن بحديدة حتى يدميه ليعرف بذلك أنه هدي ، والإِشْعَارُ والتقليد بمنزلة التلبية للمحرم ، ومَنْ أَشْعَرَ بَدَنَةً فَقَدْ أَحْرَمَ وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير.

وَفِي الدُّعَاءِ « وَاجْعَلِ الْعَافِيَةَ شِعَارِي ».

أي مخالطة لجميع أعضائي غير مفارقة لها من قولهم جعل الشيء شِعَارَهُ ودِثَارَهُ إذا خالطه ومارسه وزاوله كثيرا ، والمراد المداومة عليه ظاهرا وباطنا. ومنه حَدِيثُ عَلِيٍّ عليه السلام لِأَهْلِ الْكُوفَةِ « أَنْتُمُ الشِّعَارُ دُونَ الدِّثَارِ ».

والشِّعَارُ بالكسر ما تحت الدِّثَار من اللباس ، وهو ما يلي شعر الجسد ، وقد يفتح والمعنى أنتم الخاصة دون العامة. ومنه حَدِيثُ أَوْلِيَاءِ اللهِ « اتَّخَذُوا الْقُرْآنَ شِعَاراً » (٣).

أي اتخذوه لكثرة ملازمته بالقراءة بمنزلة الشعار

« وَاتَّخَذُوا الدُّعَاءَ دِثَاراً » (٤).

أي سلاحا يقي البدن كالدثار.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْفَقْرُ شِعَارُ الصَّالِحِينَ ».

أي علامتهم.

__________________

(١) نهج البلاغة ج ٢ صلى الله عليه وآله ١٤٣.

(٢) في نهج البلاغة ج ٢ صلى الله عليه وآله ٥٣ « لا تستلمه المشاعر ».

(٣) نهج البلاغة ج ٣ صلى الله عليه وآله ١٧٤.

(٤) هذا من بقية الحديث السابق.

٣٤٩

وَالتَّلْبِيَةُ شِعَارُ المُحْرِمِ : أي علامته. وشِعَارُ القوم في الحرب : علامتهم ليعرف بعضهم بعضا في ظلمة الليل.

وَفِي حَدِيثِ الصَّحَابَةِ « شِعَارُنَا يَوْمَ بَدْرٍ يَا نَصْرَ اللهِ اقْتَرِبْ ، وَشِعَارُنَا يَوْمَ بَنِي قَيْنُقَاعَ يَا رَبَّنَا لَا يَغْلِبُنَّكَ ، وَشِعَارُنَا يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ يَا سَلَامُ سَلِّمْ ، وَيَوْمَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ أَلَا إِلَى اللهِ الْأَمْرُ ، وَيَوْمَ خَيْبَرَ يَا عَلِيُّ ائْتِهِمْ مِنْ عَلُ ، وَيَوْمَ بَنِي الْمُلَوَّحِ أَمِتْ أَمِتْ ».

وهو أمر بالموت والمراد به التفأل بالنصر.

وَفِي حَدِيثِ وَصْفِهِ « يُنَادِي بِالصَّلَاةِ كَنِدَاءِ الْجَيْشِ بِالشِّعَارِ ».

و « أَشْعِرُوا قُلُوبَكُمْ ذِكْرَ اللهِ » أي أضمروا فيها خوف الله. واسْتَشْعَرَ فلانٌ خوفا : أي أضمره. وأَشْعَرْتُهُ فَشَعَرَ : أي أدريته فدرى. وشَعَرَ به كنصر وكرم : علم به وفطن وعقل.

وَفِي الْحَدِيثِ : « لَيْتَ شِعْرِي مَا فَعَلَ فُلَانٌ ».

أي ليت علمي حاضر أو محيط بما صنع ، فحذف الخبر وهو كثير. وسمي الشَّاعِرُ شاعرا لفطنته. و « الشَّعْرُ » بسكون العين يجمع على شُعُور كفلس وفلوس ، وبفتحها يجمع على أَشْعَار كسبب وأسباب ، وهو من الإنسان وغيره ، وهو مذكر الواحدة شَعْرَة. ومنه الْحَدِيثُ « هُوَ مُعَلَّقٌ بِشَعْرَةٍ عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ ».

كناية عن أنه مشرف على الوقوع فيها ، أو أنه كذلك حقيقة. والشَّفِير : حافة الشيء وجانبه.

وَفِي حَدِيثِ الْغَيْبَةِ « لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ فِتْنَةٌ يَسْقُطُ فِيهَا مَنْ يَشُقُ الشَّعْرَةَ بِشَعِيرَتَيْنِ أَوْ شَعْرَتَيْنِ ».

على اختلاف النسخ يريد الحاذق الذي يشق الشعر شعرتين بحذاقته. والشِّعْرُ العربي بالكسر فالسكون : هو النظم الموزون ، وحده أن يركب تركيبا متعاضدا وكان مقفى موزونا مقصدا به ذلك قال في المصباح : فما خلا من هذه القيود أو بعضها لا يسمى شِعْراً ولا صاحبه شَاعِراً ، ولهذا ما ورد في الكتاب موزونا فليس بشعر لعدم القصد والتقفية ، ولا كذلك ما يجري على بعض

٣٥٠

ألسنة الناس من غير قصد ، لأنه مأخوذ من شَعَرْتُ إذا فطنت وعلمت ، فإذا لم يقصده فكأنه لم يشعر به ، وهو مصدر في الأصل ، يقال شَعَرْتُ أَشْعُرُ من باب قتل إذا قلته. وجمع الشَّاعِرِ شُعَرَاء كصالح وصلحاء. والشِّعْرَةُ بالكسر كسدرة : شعر الركب للنساء خاصة نقلا عن العباب. وعن الأزهري الشِّعْرَة : الشعر النابت على عانة الرجل وركب المرأة على ما وراهما. و « الشَّعِيرُ » من الحبوب معروف الواحدة شَعِيرَة ، وعن الزجاج أهل نجد يؤنثه وغيرهم يذكره فيقال هي الشَّعِير وهو الشَّعِير.

وَفِي الْخَبَرِ « مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ دَعَا لِأَكْلِ خُبْزِ الشَّعِيرِ وَبَارَكَ عَلَيْهِ ، وَمَا دَخَلَ جَوْفاً إِلَّا أَخْرَجَ كُلَّ دَاءٍ فِيهِ ، وَهُوَ قُوتُ الْأَنْبِيَاءِ وَطَعَامُ الْأَبْرَارِ » (١).

وفِيهِ « ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ إِذَا أَشْعَرَ ».

أي نبت شعره. و « الأَشْعَرُ » أبو قبيلة من اليمن. والشُّوَيْعِرُ لقب محمد بن حمران الجعفي لقبه به امرؤ القيس ـ قاله الجوهري. و « الأَشَاعِرَة » فرقة معروفة مرجعهم في العلم ـ على ما نقل ـ إلى أبي الحسن الأَشْعَرِيِ ، وهو تلميذ أبي علي الجبائي ، وهو يرجع في العلم إلى أبي هاشم بن محمد بن الحنفية ، وهو يرجع إلى أبيه علي عليه السلام.

( شغر )

فِي الْحَدِيثِ « لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ » (٢).

هو بكسر الشين نكاح كان في الجاهلية ، وهو أن يقول الرجل لآخر « زوجني ابنتك أو أختك على أن أزوجك ابنتي أو أختي على أن صداق كل منهما بضع الأخرى » كأنهما رفعا المهر وأخليا البضع منه. قيل والأصل فيه إما من شِغَار الكلب يقال شَغَرَ الكلبُ من باب نفع رفع إحدى رجليه ليبول لرفع الصداق ، أو من شَغَرَ البلدُ شُغُوراً من باب قعد إذا خلا من الناس لخلوه من الصداق.

__________________

(١) الكافي ج ٦ صلى الله عليه وآله ٣٠٤.

(٢) الكافي ج ٥ صلى الله عليه وآله ٣٦١.

٣٥١

ومنه الْحَدِيثُ « ضَرَبَهُ حَتَّى شَغَرَ بِبَوْلِهِ ».

أي رفع به. وشَغَرَتِ المرأةُ : رفعت رجلها للنكاح. وأَشْغَرَتِ الحربُ : اتسعت وعظمت وأَشْغَرَتِ الناقةُ : اتسعت في السير وأسرعت. والشَّغْرُ : البعد والاتساع.

( شفر )

فِي الْحَدِيثِ « دَمُ الْعُذْرَةِ لَا يَجُوزُ الشُّفْرَيْنِ ».

الشُّفْرَانِ بالضم فالسكون : اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم والشُّفْرُ بالضم أيضا : واحد أَشْفَار العين ، وهي حروف الأجفان التي ينبت عليه الشعر وهو الهدب ، وعن ابن قتيبة العامة تجعل أشفار العين الشعر وهو غلط ، وجمع الشُّفْر أَشْفَار كقفل وأقفال. وحرف كل شيء شُفْرُهُ وشَفِيرُهُ. و « الشَّفْرَةُ » بالفتح فالسكون : السكين العريض وما عرض من الحديد وحدد ، والجمع شِفَار ككلبة وكلاب ، وشَفَرَات كسجدة وسجدات. ومنه « فحمل عليه بِالشَّفْرَةِ » يريد السيف. ومنه « أسرع من الشَّفْرَة في السنام ». و « المَشْفَرُ » من البعير بفتح الميم وكسرها والفاء مفتوحة فيهما كالجحفلة من الفرس وغيره من ذي الحافر والشفة من الإنسان ، فالمِشْفَر من ذي الخف والجَحْفَلَة من ذي الحافر والشَّفَة من الإنسان. و « الشَّنْفَرَى » على فنعلى اسم شاعر من الأزد مشهور (١).

( شقر )

فِي الْحَدِيثِ « نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي وَادِي شُقْرَة » (٢).

هو بضم الشين وسكون القاف وقيل بفتح الشين وسكون القاف موضع

__________________

(١) هو عمرو بن مالك الأزدي ، شاعر جاهلي يماني ، وكان من فتاك العرب وعدائيهم ، قتله بنو سلامان سنة ٧٠ قبل الهجرة وهو صاحب قصيدة لامية العرب الشهيرة الأعلام للزركلي ج ٥ صلى الله عليه وآله ٢٥٨.

(٢) من لا يحضر ج ١ صلى الله عليه وآله ١٥٦.

٣٥٢

معروف في طريق مكة ، قيل إنه والبيداء وضجنان وذات الصلاصل مواضع خسف وأنها من المواضع المغضوب عليها. والشُّقْرَةُ : لون الأشقر ، وهي في الإنسان حمرة تعلو بياضا ، وفي الخيل حمرة صافية يحمر معها العرف والذنب ، وفرس أَشْقَر : الذي فيه شقرة ، والفرق بينه وبين الكميت قد تقدم. وشَقِرَ شَقَراً من باب تعب فهو أَشْقَرُ. و « شُقْرَانُ » كعثمان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله ، واسمه صالح وشهد بدرا وهو مملوك ثم أعتق ، وفي الظن أنه مات في خلافة عثمان. و « شَقِرَةُ » قبيلة من بني ضبة ، والنسبة إليهم شَقَرِيٌ بفتح القاف. و « الأَشَاقِر » حي من اليمن ـ قاله الجوهري.

( شكر )

قوله تعالى : ( إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً ) [ ١٧ / ٣ ] الشَّكُورُ بفتح الشين : المتوفر على أداء الشكر الباذل وسعه فيه قد شغل فيه قلبه ولسانه وجوارحه اعتقادا واعترافا وكدحا.

وَعَنِ الْبَاقِرِ عليه السلام وَالصَّادِقِ عليه السلام أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَصْبَحَ وَأَمْسَى يَقُولُ « اللهُمَّ مَا أَصْبَحَ وَأَمْسَى بِي مِنْ نِعْمَةٍ مِنْ دِينٍ أَوْ دُنْيَا فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ بِهَا عَلَيَّ حَتَّى تَرْضَى وَبَعْدَ الرِّضَا » كَانَ يَقُولُهَا إِذَا أَصْبَحَ ثَلَاثاً وَإِذَا أَمْسَى ثَلَاثاً ، فَهَذَا شُكْرُهُ (١).

قوله : ( ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ) [ ٤ / ١٤٧ ] قال المفسر : فإن قلت لما تقدم الشُّكْر على الإيمان؟ قلت : لأن العاقل ينظر إلى ما عليه من النعمة العظيمة في خلقه وتعريضه للمنافع فيشكر شكرا مبهما ، فإذا انتهى بالنظر إلى معرفة المنعم آمن به ثم شكر شكرا مفصلا. فكان الشكر متقدما على الإيمان وكأنه أصل التكليف ومداره. قوله : ( لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً ) [ ٧٦ / ٩ ] هو بالضم يحتمل أن يكون مصدرا مثل قعد قعودا ، ويحتمل

__________________

(١) البرهان ج ٢ صلى الله عليه وآله ٤٠٥.

٣٥٣

أن يكون جمعا كبرد وبرود. و « الشَّكُورُ » بالفتح من أسمائه تعالى ، وهو الذي يزكو عنده القليل من أعمال العباد فيضاعف لهم الجزاء ، فَشُكْرُهُ لعباده مغفرته لهم. و « الشَّكُورُ » من أبنية المبالغة. قوله : ( وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً ) [ ٤ / ١٤٧ ] يعني لم يزل الله مجازيا لكم على الشكر ، فسمي الجزاء باسم المجزي عليه ، فَالشُّكْرُ من الله لعباده المجازاة والثناء الجميل. وشَكَرْتُ اللهَ : اعترفت بنعمته وفعلت ما يجب من فعل الطاعة وترك المعصية ، ويتعدى في الأكثر باللام فيقال شَكَرْتُ لَهُ شُكْراً ، وربما تعدى بنفسه فيقال شَكَرْتُهُ ، وأنكره الأصمعي في السعة.

وَفِي الْخَبَرِ « لَا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ ».

يعني لا يقبل الله شكر العبد على إحسانه إذا كان لا يشكر إحسان الناس ويكفر معروفهم ، لاتصال أحد الأمرين بالآخر.

( شمر )

فِي الْحَدِيثِ « يَا عِيسَى شَمِّرْ فَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ ».

أي جد واجتهد فيما كلفت به ، يقال رجل شِمِّير بالكسر والتشديد للمبالغ في الأمر وهو الجد فيه والاجتهاد ، ويقال شَمَّرَ في أمره أي خف وأسرع من التَّشْمِير في الأمر وهو السرعة فيه والخفة. و « شَمَّرَ عن إزاره » بالتشديد أي رفعه ، وشَمَّرَ ثوبه مثله. وشَمَّرَ إلى ذي المجاز : قَصَدَهُ.

( شنر )

الشَّنَارُ : العيب والعار ـ قاله الجوهري.

( شور )

قوله تعالى : ( وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ ) [ ٤٢ / ٣٨ ] يقال صار هذا الشيء شُورَى بين القوم : إذا تشاوروا فيه ، وهو فعلى من المُشَاوَرَة وهو المفاوضة وفي الكلام ليظهر الحق ، أي لا ينفردون بأمر حتى يشاوروا غيرهم فيه. قوله : ( وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ).

٣٥٤

[ ٣ / ١٥٩ ] أي في أمر الحرب تطييبا لقلوبهم ، أي استخرج آراءهم واستعلم ما عندهم. قوله : ( فَأَشارَتْ إِلَيْهِ ) [ ١٩ / ٢٩ ] الإِشَارَةُ الإيماء باليد أو الرأس ، أي أومأت إليه ، وهي ترادف النطق في فهم المعنى كما لو استأذنه في شيء فأشار بيده أو رأسه أن يفعل أو لا يفعل.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام « فَيَا لَلَّهِ وَلِلشُّورَى مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ » (١).

قَوْلُهُ « فَيَا لَلَّهِ وَلِلشُّورَى ».

استغاثة واستفهام على سبيل التعجب. والقصة في ذلك أَنَّهُ لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ دَخَلَ عَلَيْهِ وُجُوهُ الصَّحَابَةِ وَسَأَلُوهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ رَجُلاً يَرْضَاهُ ، فَقَالَ : لَا أُحِبُّ أَنْ أَتَحَمَّلَهَا حَيّاً وَمَيِّتاً ، فَقَالُوا : أَلَا تُشِيرُ عَلَيْنَا. فَقَالَ : إِنْ أَحْبَبْتُمْ فَنَعَمْ. فَقَالُوا : نَعَمْ. فَقَالَ : الصَّالِحُونَ لِهَذَا الْأَمْرِ سَبْعٌ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَأَنَا مُخْرِجُهُ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ ، فَأَمَّا سَعْدٌ فَيَمْنَعُنِي مِنْهُ عُنْفُهُ ، وَمِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَإِنَّهُ قَارُونُ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَمِنْ طَلْحَةَ فَتَكَبُّرُهُ ، وَمِنَ الزُّبَيْرِ فَشُحُّهُ ، وَمِنْ عُثْمَانَ حُبُّهُ لِقَوْمِهِ ، وَمِنْ عَلِيٍّ حِرْصُهُ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ وَأَمَرَ صُهَيْباً أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيَخْلُوَ سِتَّةُ نَفَرٍ فِي بَيْتٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنْ اتَّفَقَتْ خَمْسَةٌ عَلَى رَجُلٍ وَأَبَى وَاحِدٌ قُتِلَ وَإِنِ اتَّفَقَتْ ثَلَاثَةٌ فَلْيَكُنِ النَّاسُ مَعَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ فِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، وَيُرْوَى فَاقْتُلُوا الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ لَيْسَ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، فَلَمَّا خَرَجُوا وَاجْتَمَعُوا لِلْأَمْرِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : إِنَّ لِي وَلِسَعْدٍ فِي هَذَا الْأَمْرِ الثُّلُثَ فَنَحْنُ نُخْرِجُ أَنْفُسَنَا مِنْهُ عَلَى أَنْ نَخْتَارَ خَيْرَكُمْ لِلْأُمَّةِ : فَرَضِيَ الْقَوْمُ غَيْرَ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ قَالَ أَرَى وَأَنْظُرُ ، فَلَمَّا أَيِسَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ عَلِيٍّ رَجَعَ إِلَى سَعْدٍ وَقَالَ لَهُ : هَلُمَّ نُعَيِّنُ رَجُلاً فَنُبَايِعَهُ وَالنَّاسُ يُبَايِعُونَ مَنْ نُبَايِعُهُ فَقَالَ سَعْدٌ : إِنْ بَايَعَكَ عُثْمَانُ فَأَنَا لَكُمْ ثَالِثٌ وَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تُوَلِّيَ عُثْمَانَ فَعَلِيٌّ أَحَبُّ إِلَيَّ ، فَلَمَّا أَيِسَ مِنْ رِضَا سَعْدٍ

__________________

(١) نهج البلاغة ج ١ صلى الله عليه وآله ٢٩.

٣٥٥

رَجَعَ فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ عليه السلام فَقَالَ : أَنَا أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَسِيرَةِ الشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَقَالَ : تُبَايِعُنِي عَلَى أَنْ أَعْمَلَ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَأَجْتَهِدَ رَأْيِي ، فَتَرَكَ يَدَهُ وَأَخَذَ بِيَدِ عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَقَالَتِهِ لِعَلِيٍّ فَقَالَ نَعَمْ ، فَكَرَّرَ الْقَوْلَ فَأَجَابَ بِمَا أَجَابَ بِهِ أَوَّلاً. وَبَعْدَهَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ : هِيَ لَكَ يَا عُثْمَانُ وَبَايَعَهُ ثُمَّ بَايَعَهُ النَّاسُ (١).

وَفِي الْحَدِيثِ « لَا مُظَاهَرَةَ أَوْثَقُ مِنْ مُشَاوَرَةِ » (٢).

المُشَاوَرَة مشتقة من شُرْتُ العسل أي استخرجته من موضعه. وأَشَارَ عليه بكذا : أمره. واسْتَشَارَهُ : طلب منه المشورة. و « المَشْوَرَةُ » بالفتح فالسكون : الاسم من شاورته وكذلك المَشُورَة بالضم وشَاوَرْتُهُ في الأمر واسْتَشَرْتُهُ بمعنى راجعته لأرى رأيه فيه. وأَشَارَ عَلَيَّ بكذا : أي أراني ما عنده فيه من المصلحة.

( شهبر )

فِي الْخَبَرِ « لَا تَتَزَوَّجْ شَهْبَرَةً وَلَا لَهْبَرَةً وَلَا نَهْبَرَةً وَلَا هَيْدَرَةً وَلَا لَفُوتاً » ثُمَّ قَالَ عليه السلام « أَمَّا الشَّهْبَرَةُ فَالزَّرْقَاءُ الْبَذِيَّةُ ، وَأَمَّا اللهْبَرَةُ فَالطَّوِيلَةُ الْمَهْزُولَةُ ، وَأَمَّا النَّهْبَرَةُ فَالْقَصِيرَةُ الدَّمِيمَةُ ، وَأَمَّا الْهَيْدَرَةُ فَالْعَجُوزُ الْمُدْبِرَةُ ، وَأَمَّا اللَّفُوتُ فَذَاتُ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِكَ » (٣).

( شهر )

قوله تعالى : ( الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ ) [ ٢ / ١٩٤ ] أي هذا الشهر بهذا الشهر وهتكه بهتكه يعني تهتكون حرمته عليهم كما هتكوا حرمته عليكم ( وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ ) أي كل حرمة يجري فيها القصاص ، فمن هتك حرمة اقتص منه بأن يهتك به حرمة ، فحين هتكوا حرمة شهركم فافعلوا بهم مثل ذلك ولا تبالوا. قوله : ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ ) [ ٩ / ٥ ] الأَشْهُرُ الحرم أربعة ، ولكن

__________________

(١) انظر تفاصيل مجلس الشورى في شرح ابن أبي الحديد ج ١ صلى الله عليه وآله ١٨٥ ـ ١٩٥.

(٢) نهج البلاغة ج ٣ صلى الله عليه وآله ١٧٧.

(٣) معاني الأخبار صلى الله عليه وآله ٣١٨.

٣٥٦

اختلف في كيفية عددها ، فقيل هي العشر من ذي الحجة إلى عشر من ربيع الآخر لأن البراءة وقعت في يوم عرفة ، والذي عليه الجمهور وجاءت الأخبار أنها ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ثلاثة سرد وواحد فرد ، وذهب الكوفيون ـ على ما نقل عنهم ـ إلى الابتداء بالمحرم ، وتظهر فائدة الخلاف بالنذر. والشَّهْرُ في الشرع عبارة عما بين هلالين قال الشيخ أبو علي : وإنما سمي شَهْراً لاشتهاره بالهلال. وقد يكون الشَّهْرُ ثلاثين وقد يكون تسعة وعشرين إذا كان هلاليا ، فإذا لم يكن هلاليا فهو ثلاثون. والشُّهْرَةُ : ظهور الشيء في شنعة حتى يشهره الناس. ومنه الْحَدِيثُ « مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ ».

أي يشمله بالذل كما يشمل الثوب البدن. أي يصغره في العيون ويحقره في القلوب. والشَّهِيرُ والمَشْهُورُ : المعروف. وشَهَرَ سيفَه : أي سله والشَّهْرِيُ السمند اسم فرس. و « الشَّهْرِيرُ » بالرائين المهملتين مع الإعجام في الثانية : ضرب من التمر. و « شَهْرِيَارُ » ملك من ملوك الفرس وهو ابن شيرويه ، وشيرويه ابن كسرى ، وكسرى ابن أبرويز. و « نهرشير » مر ذكره في شير.

باب ما أوله الصاد

( صبر )

قوله تعالى : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ) [ ١٨ / ٢٨ ] الآية. أي احبس نفسك معهم ولا ترغب عنهم إلى غيرهم.

قِيلَ نَزَلَتْ فِي سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ كَانَ عَلَيْهِ كِسَاءٌ فِيهِ يَكُونُ طَعَامُهُ وَهُوَ دِثَارِهِ وَرِدَاؤُهُ ، وَكَانَ كِسَاءً مِنْ صُوفٍ فَدَخَلَ عُيَيْنَةُ بْنُ حُصَيْنٍ الْفَزَارِيُّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وَسَلْمَانُ عِنْدَهُ ، فَتَأَذَّى عُيَيْنَةُ بِرِيحِ كِسَاءِ سَلْمَانَ وَقَدْ كَانَ عَرِقَ

٣٥٧

وَكَانَ يَوْمٌ شَدِيدُ الْحَرِّ فَعَرِقَ فِي الْكِسَاءِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ إِذَا نَحْنُ دَخَلْنَا عَلَيْكَ فَأَخْرِجْ هَذَا وَاصْرِفْهُ مِنْ عِنْدِكَ ، فَإِذَا نَحْنُ خَرَجْنَا فَأَدْخِلْ مَنْ شِئْتَ ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى الْآيَةَ وَقَالَ فِيهَا ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا ) وَهُوَ عُيَيْنَةُ الْمَذْكُورُ (١).

قوله : ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) [ ٢ / ١٥٥ ] الصَّابِرُون جمع صَابِر من الصَّبْرِ وهو حبس النفس عن إظهار الجزع. وعن بعض الأعلام : الصَّبْرُ حبس النفس على المكروه امتثالا لأمر الله تعالى ، وهو من أفضل الأعمال حتى

قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله : « الْإِيمَانُ شَطْرَانِ شَطْرٌ صَبْرٌ وَشَطْرٌ شُكْرٌ » (٢).

ومثله قوله : ( وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ ) [ ٢ / ١٧٧ ] أي في الشدة ، ونصب على المدح ، ولم يعطف لفضل الصبر على سائر الأعمال. قوله : ( أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا ) [ ٢٨ / ٥٤ ]

عَنِ الصَّادِقِ عليه السلام « نَحْنُ صُبَّرٌ وَشِيعَتُنَا أَصْبَرُ مِنَّا ، وَذَلِكَ أَنَّا صَبَرْنَا عَلَى مَا نَعْلَمُ وَصَبَرُوا عَلَى مَا لَا يَعْلَمُونَ » (٣).

قوله : ( وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ ) [ ١٠٣ / ٣ ] قال الشيخ أبو علي هو إشارة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعاء إلى التوحيد والعدل وأداء الواجبات والاجتناب عن المقبحات. قوله : ( اصْبِرُوا وَصابِرُوا ) [ ٣ / ٢٠٠ ] أي اصبروا أنفسكم مع الله بنفي الجزع وغالبوا عدوكم بالصبر.

وَفِي الْحَدِيثِ « اصْبِرُوا عَلَى الْفَرَائِضِ ( وَصابِرُوا ) عَلَى الْمَصَائِبِ ( وَرابِطُوا ) عَلَىالأئمة عليهم السلام » (٤).

قوله : ( فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ) [ ٢ / ١٧٠ ] يريد التعجب ، والمعنى فما أصبرهم على فعل ما يعلمون أنه يصيرهم إلى النار.

__________________

(١) تفسير علي بن إبراهيم صلى الله عليه وآله ٣٩٦.

(٢) في تحف العقول صلى الله عليه وآله ٤٨ « الإيمان نصفان نصف في الصبر ونصف في الشكر ».

(٣) الكافي ج ٢ صلى الله عليه وآله ٩٣.

(٤) البرهان ج ١ صلى الله عليه وآله ٣٣٤.

٣٥٨

قوله : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ ) [ ٢ / ٤٥ ] قيل يراد به الصوم ، وسمي الصوم صَبْراً لما فيه من حبس النفس عن الطعام والشراب والنكاح. قوله : ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها ) [ ٢٠ / ١٣٢ ] أي احمل نفسك على الصلاة ومشاقها وإن نازعتك الطبيعة التي تركها طلبا للراحة فاقهرها ، واقصد الصلاة مبالغا في الصبر ليصير ذلك ملكة لك ، ولذلك عدل عن الصبر إلى الاصْطِبَار لأن الافتعال فيه زيادة معنى ليس في الثلاثي وهو القصد والتصرف ، وكذلك قال ( لَها ما كَسَبَتْ ) بأي نوع كان ( وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ ) بالقصد والتصرف. قيل وإذا وجب عليه الاصْطِبَار وجب علينا للتأسي. قال بعض الأفاضل : والقائم بذلك تحصل أعلا المراتب إذا لم يكن متحرجا منها ومستعظما لها ، كما قال تعالى : ( وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ ).

وَفِي الْحَدِيثِ « الصَّبْرُ صَبْرَانِ صَبْرٌ عَلَى مَا تَكْرَهُ وَصَبْرٌ عَمَّا تُحِبُّ » (١).

فَالصَّبْرُ الأول مقاومة النفس للمكاره الواردة عليها وثباتها وعدم انفعالها ، وقد يسمى سعة الصدر ، وهو داخل تحت الشجاعة والصَّبْرُ الثاني مقاومة النفس لقوتها الشهوية وهو فضيلة داخلة تحت العفة. وصَبَرْتُ صَبْراً من باب ضرب. وصَبَّرْتُهُ بالتثقيل : حملته على الصبر بوعد الأجر وقلت له اصبر. والصَّبْرُ تارة يستعمل بمِنْ كما في المعاصي وتارة بعَلَى كما في الطاعات ، يقال صَبَرَ على الصلاة ، والصَّبْرُ الذي يصبر في الضراء كما يصبر في السراء ، وفي الفاقة كما يصبر في الغناء ، وفي البلاء كما يصبر في العافية ، ولا يشكو خالقه عند المخلوق بما يصيبه من البلاء.

وَفِي الْخَبَرِ « يَأْتِي زَمَانٌ الصَّابِرُ عَلَى دِينِهِ كَالصَّابِرِ عَلَى الْجَمْرِ ».

الجملة صفة زمان ، أي كما لا يقدر القادر على الجمر أن يصبر عليه لإحراق يده ، كذا المتدين يومئذ لا يقدر على ثباته على دينه لغلبة

__________________

(١) نهج البلاغة ج ٣ صلى الله عليه وآله ١٦٤.

٣٥٩

العصاة وانتشار الفتن وضعف الإيمان.

وَفِي حَدِيثِ الدُّنْيَا « حُلْوُهَا صَبِرٌ » (١).

الصَّبِرُ بكسر الباء في المشهور : الدواء المر وسكون الباء للتخفيف لغة نادرة ، ولعل منه الْحَدِيثُ « يَكْتَحِلُ الْمُحْرِمُ إِنْ شَاءَ بِصَبِرٍ ».

والكأس المُصَبَّرَة : التي يجعل فيها الصبر ، وقولهم « نسقيه كأسا مُصَبَّرَة » على الاستعارة. وفِيهِ « أَنَّ رَجُلاً اسْتَحْلَفَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِيَمِينِ صَبْرٍ ».

يمين الصَّبْرِ هي التي يمسك الحكم عليها حتى يحلف ، ولو حلف بغير إحلاف لم يكن صَبْراً ، وإن شئت قلت يمين الصَّبْرِ التي يصبر فيها أي يحبس فيصير ملزوما باليمين ، ولا يوجد ذلك إلا بعد التداعي. والأصل في الصَّبْرِ الحبس ، ومنه الْخَبَرُ « لَمْ يَقْتُلِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وآله رَجُلاً صَبْراً قَطُّ ».

ومِنْهُ أَيْضاً فِي رَجُلٍ أَمْسَكَ رَجُلاً فَقَتَلَهُ آخَرُ قَالَ « اقْتُلُوا الْقَاتِلَ وَاصْبِرُوا الصَّابِرَ ».

أي احبسوا الذي حبسه للموت حتى يموت. وفِيهِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَتْلِ شَيْءٍ مِنَ الدَّوَابِ صَبْراً.

وهو أن يمسك شيء من ذوات الأرواح حيا ثم يرمى بشيء حتى يموت.

وَفِي الْحَدِيثِ ، لَا تُقِيمُوا الشَّهَادَةَ عَلَى الْأَخِ فِي الدَّيْنِ الصبر [الضَّيْرَ]. قُلْتُ : وَمَا الصبر [الضَّيْرُ]؟ قَالَ : إِذَا تَعَدَّى فِيهِ صَاحِبُ الْحَقِّ الَّذِي يَدَّعِيهِ قِبَلَهُ خِلَافَ مَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى كَأَنْ يَكُونَ مُعْسِراً وَلَمْ يُنَاظِرْهُ ».

وَفِي الْخَبَرِ « مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ مَصْبُورَةٍ كَاذِباً فَكَذَا ».

واليمين المَصْبُورَةُ هي يمين الصبر ، قيل لها مصبورة وإن كان صاحبها في الحقيقة هو المصبور لأنه إنما صبر من أجلها ، أي حبس فوصفت بالصبر وأضيفت إليه مجازا. وفِيهِ « يَحْرُمُ مِنَ الذَّبِيحَةِ الْمَصْبُورَةُ ».

وهي المجروحة تحبس حتى تموت. و « صَبَارَّةُ القر » هي بتشديد الراء : شدة البرد. و « الصَّبُورُ » بالفتح من أسمائه تعالى ،

__________________

(١) نهج البلاغة ج ١ صلى الله عليه وآله ٢١٧.

٣٦٠