مجمع البحرين - ج ٣

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٣

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٤

وَفِي الْحَدِيثِ « تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ ».

أي جلالك وعظمتك ، والمعنى تعاليت بجلالك وعظمتك أن توصف بما لا يليق لك. وفِيهِ « لَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ ».

أي لا ينفع ذا الغنى عندك غناه ، وإنما ينفعه العمل بطاعتك ، و « منك » معناه عندك ، وقيل المراد بِالجَدِّ الحظ ، وهو الذي يسميه العامة البخت. ومِنْهُ « أَتْعَسَ اللهُ جُدُودَكُمْ ».

أي أهلك حظوظكم. ومِثْلُهُ « عَيْبُكَ مَسْتُورٌ مَا أَسْعَدَكَ جَدُّكَ » (١).

أي بختك. والجَدُّ : أب الأب وأب الأم وإن علا. والجَدُّ بالسير : الإسراع فيه والاهتمام بشأنه ، يقال جَدَّ بسيره إذا اجتهد فيه. و « الجِدُّ » بالكسر هو الاجتهاد خلاف التقصير ، يقال جَدَّ يَجِدُّ من بابي ضرب وقتل ، والاسم الجِدُّ بالكسر. ومنه الْحَدِيثُ « إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ فَجِدَّ فِي جَهَازِهِ وَعَجِّلْ فِي تَجْهِيزِهِ وَلَا تُقَصِّرْ وَلَا تُؤَخِّرْهُ ».

وجَدَّ في الكلام يَجِدُّ جَدّاً ـ من بابي ضرب وقتل ـ : هزل ، والاسم منه « الجِدُّ » بالكسر أيضا. وفلان محسن جِدّاً : أي نهاية ومبالغة.

وَفِي دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ « اسْقِنَا مَطَراً جِدّاً طَبَقاً ».

وفسر الجِدُّ بالمطر العام. والجُدُّ ـ بالضم والتشديد ـ : شاطىء النهر ، وكذا الجُدَّةُ. قيل وبه سميت الجُدَّةُ جُدَّةَ أعني المدينة التي عند مكة لأنها ساحل البحر. ومنه الْخَبَرُ « كَانَ يَخْتَارُ الصَّلَاةَ عَلَى الْجُدِّ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ ».

والجُدَّةُ بالضم : الطريق ، والجمع جُدَدٌ مثل غرفة وغرف. والجَادَّةُ : وسط الطريق ومعظمه الذي يجمع الطرق ، ولا بد من المرور عليه ، والجمع جَوَادٌّ مثل دابة ودواب. وطريق جَدَدٌ : أي سهل. والجَدَدُ : الأرض الصلبة التي يسهل المشي فيها.

__________________

(١) نهج البلاغة ج ٣ صلى الله عليه وآله ١٦٣.

٢١

والجَدَدُ بالتحريك : المستوي من الأرض. ومِنْهُ « أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي يُمْشَى بِهِ عَلَى جَدَدِ الْأَرْضِ ».

ومن أمثالهم « مَنْ سَلَكَ الجَدَدَ أَمِنَ مِنَ العِثَارِ » أي المستوي منها. والجَدَادُ ـ بالفتح والكسر ـ صرام النخل ، وهو قطع ثمرتها ، يقال جَدَّ الثَّمَرَةَ يَجُدُّهَا جَدّاً من باب قتل : قطعها. وجَدَّ الشيءَ : قطعه ، فهو جَدِيدٌ فعيل بمعنى مفعول. و « هذا زَمَنُ الجَدَادِ » بالفتح والكسر. وتَجَدَّدَ الضرعُ : يبس لبنه. ومنه الْخَبَرُ « لَا يُضَحَّى بِجَدَّاءَ ».

وَهِيَ الَّتِي لَا لَبَنَ لَهَا مِنْ كُلِّ حَلُوبَةٍ لِآفَةٍ أَيْبَسَتْ ضَرْعَهَا.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام « مَنْ جَدَّدَ قَبْراً أَوْ مَثَّلَ مِثَالاً فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْإِسْلَامِ ».

قال الصدوق : واختلف مشايخنا في معناه فقال محمد بن الحسن الصفار هو جَدَّدَ بالجيم لا غير ، وكان شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد يحكى عنه أنه قال : لا يجوز تجديد القبر ولا تطيين جميعه بعد مرور الأيام وبعد ما طُيِّنَ في الأول ، وذكر عن سعد بن عبد الله أنه كان يقول : إنما هو « مَنْ حَدَّدَ قَبْراً ».

بالحاء المهملة يعني به من سَنَّمَ قبرا ، وذكر عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي أنه قال : إنما هو « مَنْ جَدَّثَ قَبْراً ».

وتفسير الجدث القبر فلا ندري ما عنى به ، والذي أذهب إليه أنه جَدَّدَ بالجيم ومعناه نبش قبرا لأن من نبش قبرا فقد جَدَّدَهُ وأحوج إلى تجديده ، وقد جعله جدثا محضورا. ثم قال : أقول إن التَّجْدِيدَ على المعنى الذي ذهب إليه محمد بن الحسن الصفار والتحديد بالحاء غير المعجمة الذي ذهب إليه سعد بن عبد الله والذي قاله البرقي من أنه جدث كله داخل في معنى الحديث ، وأن من خالف الإمام في التجديد والتسنيم والنبش واستحل شيئا من ذلك فقد خرج من الإسلام. والذي أقول في قَوْلِهِ عليه السلام « مَنْ مَثَّلَ مِثَالاً ».

يعني به من أبدع بدعة ودعا إليها أو وضع دينا فقد خرج من الإسلام ـ انتهى. وجَدِيدُ الأرض : وجهه ، ومنه قولهم

٢٢

« جَلَاهُ عَنْ جَدِيدِ الْأَرْضِ » أي نفاه عنها. والجَدِيدُ : نقيض البالي. وجَدَّ الشيءُ يَجِدُّ بالكسر فهو جَدِيدٌ ، وهو خلاف القديم. وجَدَّدَ فلان الأمر واسْتَجَدَّهُ : إذا أحدثه ، فهو جَدِيدٌ وهو خلاف القديم. والجَدِيدَانِ : الليل والنهار. ومنه قول ابن دريد :

إن الجَدِيدَيْنِ إذا ما استوليا

على جَدِيدٍ أسلماه للبلى

( جرد )

قوله تعالى : ( يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ ) [ ٥٤ / ٧ ] الجراد بالفتح مشهور ، الواحدة جَرَادَةٌ بالفتح أيضا ، تقع على الذكر والأنثى كالجماعة ، سمي بذلك لأنه يجرد الأرض ، أي يأكل ما عليها ، يقال إنه يتولد من الحيتان كالديدان فيرميه البحر إلى الساحل ، يشهد له

حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ « الْجَرَادُ نَثْرَةُ حُوتٍ ».

أي عطسته. قيل وجه التشبيه في الآية أنهم يخرجون حَيَارَى فَزِعِين لا يهتدون ولا جهة لأحد منهم يقصدونها ، كالجراد لا جهة له ، فيكون أبدا بعضه على بعض. قوله : ( فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ ) [ ٧ / ١٣٣ ] فأكل عامة زروعهم وثمارهم وأوراق الشجر حتى أكل الأبواب وسقوف البيوت والخشب والثياب والأمتعة ومسامير الأبواب من الحديد حتى وقعت دورهم وابتلوا بالجوع ، فكانوا لا يشبعون ولم يصب بني إسرائيل شيء من ذلك. وجَرَدْتُ الشيءَ جَرْداً من باب قتل : أزلت ما عليه. وجَرَّدْتُهُ من ثيابه بالتثقيل : نزعتها عنه ، وتَجَرَّدَ هو منها.

وَفِي حَدِيثِ حَمْزَةَ عَمِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله « وَقَدْ كُفِّنَ بَعْدَ قَتْلِهِ لِأَنَّهُ جُرِّدَ مِنْ ثِيَابِهِ ».

أي سُلِبَهَا. والمُجَرَّدُ : المسلوب الثياب.

وَفِي وَصْفِهِ عليه السلام « أَنَّهُ أَجْرَدُ ذُو مَسْرُبَةٍ ».

الأَجْرَدُ الذي لا شعر له على بدنه ولم يكن كذلك ، وإنما أراد به أن الشعر كان في أماكن من جسده كالمسربة والساعدين والساقين ، والأشعر ضد

٢٣

الأَجْرَدِ. والتَّجَرُّدُ : التعري ، ومنه « تَجَرَّدَ لإحرامه » أي تعرى عن المخيط.

وَفِي وَصْفِهِ عليه السلام « كَانَ أَبْيَضَ الْمُتَجَرِّدِ ».

معناه نَيِّرَ الجسد الذي تجرد منه الثياب.

وَفِي حَدِيثِ أَهْلِ الْجَنَّةِ « جُرْدٌ مُرْدٌ ».

أي لا شعر في أجسادهم. والشاب الأَجْرَدُ : الذي لا شعر له. والجَرِيدُ : هو سعف النخل بلغة أهل الحجاز ، الواحدة جَرِيدَةٌ فعيلة بمعنى مفعولة ، سميت بذلك لتجريد خوصها عنها. ومنه الْخَبَرُ « كُتِبَ الْقُرْآنُ فِي جَرَائِدَ ».

وفيه ذكر « الجَارُودِيَّةِ » وهم فرقة من الشيعة ينسبون إلى الزيدية وليسوا منهم ، نسبوا إلى رئيس لهم من أهل خراسان يقال له أبو الجَارُودِ زياد بن أبي زياد. وعن بعض الأفاضل هم فرقتان : فرقة زيدية وهم شيعة ، وفرقة بترية وهم لا يجعلون الإمامة لعلي بالنص بل عندهم هي شورى ، ويجوزون تقديم المفضول على الفاضل فلا يدخلون في الشيعة. و « الجَارُودُ العبدي » رجل من عبد القيس واسمه بشر بن عمرو ، ولقب بذلك لأنه أصاب إبله داء فخرج بها إلى أخواله ففشا ذلك الداء في إبلهم فأهلكها ، فضربت به العرب في الشؤم. وانْجَرَدَ الثوب : انسحق ولان ، ومنه « كَانَ صَدَاقُ فَاطِمَةَ عليه السلام جَرْدَ بُرْدٍ حِبَرَةٍ وَدِرْعَ حُطَمِيَّةٍ » (١).

وجَرْدٌ قطيفة انجرد خملها وخلقت.

وَفِي الْحَدِيثِ « السَّوِيقُ يَجْرُدُ الْمِرَّةَ وَالْبَلْغَمَ مِنَ الْمَعِدَةِ جَرْداً » (٢).

أي يذهبها ولا يدع منهما شيئا. وسلامة بنت يَزْدَجِرْدَ بن شهريار بن كسرى أبرويز أم علي بن الحسين عليه السلام

( جسد )

قوله تعالى : ( وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ) [ ٣٨ / ٣٤ ] الآية. اختلف في الجَسَدِ الذي ألقي على كرسيه على أقوال أجودها أَنَّهُ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَاسْتَرْضَعَهُ الْمُزْنَ

__________________

(١) الكافي ج ٥ صلى الله عليه وآله ٣٧٨.

(٢) الكافي ج ٦ صلى الله عليه وآله ٣٠٦.

٢٤

إِشْفَاقاً عَلَيْهِ مِنْ كَيْدِ الشَّيَاطِينِ فَلَمْ يَشْعُرْ إِلَّا وَقَدْ وُضِعَ عَلَى كُرْسِيِّهِ مَيْتاً تَنْبِيهاً عَلَى أَنَّ الْحَذَرَ لَا يَدْفَعُ الْقَدَرَ.

قوله تعالى : ( عِجْلاً جَسَداً ) [ ٧ / ١٤٨ ] أي ذا جَسَدٍ ، أي صورة لا روح فيها إنما هو جسد فقط ، أو جسدا بدنا ذا لحم ودم. قوله : ( وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ ) [ ٢١ / ٨ ] أي وما جعلنا الأنبياء ذي جسد غير طاعمين ، وهذا رد لقولهم : ( ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ ). والجَسَدُ من الإنسان : بدنه وجثته ، والجمع أَجْسَادٌ. وفي كتاب الخليل لا يقال لغير الإنسان من خلق الأرض جَسَدٌ ، وكل خلق لا يأكل ولا يشرب نحو الملائكة والجن فهو جَسَدٌ. وعن صاحب البارع لا يقال الجَسَدُ إلا للحيوان العاقل وهو الإنسان والملائكة والجن ، ولا يقال لغيره جَسَدٌ.

( جعد )

شعر جَعْدٌ : بين الجعودة. والجُعُودَةُ في الشعر : ضد السبوطة ، يقال جَعُدَ الشعرُ ـ بضم العين وكسرها ـ جُعُودَةً : إذا كان فيه التواء وتقبض ، فهو جَعْدٌ ، وذلك خلاف المسترسل. وجَعْدَةُ بنت الأشعث بن قيس الكندي هي التي سمت الحسن عليه السلام ، وأخوها محمد بن الأشعث شرك في دم الحسين عليه السلام ، والأشعث أبوهما شرك في دم أمير المؤمنين عليه السلام

( جلد )

قوله تعالى : ( وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ ) [ ٤١ / ٢٢ ] روي أن المراد بِالْجُلُودِ الفروج ، ومثله في القاموس. والجِلْدُ ـ بالكسر فالإسكان ـ واحد الجُلُودِ من الغنم والبقر والإنسان ونحوها.

قَوْلُهُ : « يَمْسَحُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَ جِلْدَهُ ».

أي جسده. وتَجَالَدَ القومُ بالسيوف واجْتَلَدُوا : أي ضرب بعضهم بعضا. وجَلَدْتُ الجانيَ جَلْداً ـ من باب ضرب ـ ضربته بِالْمِجْلَدِ بكسر الميم ، وهو السوط.

٢٥

ويَجْتَلِدُونَ على الأذان : يتضاربون عليه ويتقاتلون. والجِلَادُ هو الضرب بالسيف والسوط ونحوه إذا ضربته ، ومنه قَوْلُهُ « دَعَوْنِي أَنْ أَصْبِرَ لِلْجِلَادِ فَلِأُمِّهِمُ الْهَبَلُ ».

والمُجَالَدَةُ : المضاربة. والجَلْدُ : القوي الشديد والجَلَدُ بالتحريك : الصلابة. والجَلَدُ : الصلب من الأرض المستوي. والتَّجَلُّدُ : تكلف الجلادة ، ومِنْهُ « عَفَا عَنْكَ تَجَلُّدِي ».

والجَلِيدُ : الماء الجامد من البرد ، ومنه الْحَدِيثُ « حُسْنُ الْخُلُقِ يَمِيثُ الْخَطِيئَةَ كَمَا تَمِيثُ الشَّمْسُ الْجَلِيدَ » (١).

ومكان جَلِيدٌ : صلب غير رخو. و « جَلُودُ » قرية بالأندلس. و « الجَلُودِيُ » من الرواة منسوب إليها. وفي القاموس جَلُودُ كقبول قرية بالأندلس ، والجُلُودِيُ رواية مسلم بالضم لا غير ، ووهم الجوهري في قوله « ولا تقل الجُلُودِي » (٢).

( جلمد )

الجَلْمَدُ والجُلْمُودُ ـ كجعفر وعصفور ـ الصخر ، ميمه زائدة.

( جمد )

« الجَمْدُ » بالفتح فالسكون : ما جمد من الماء وغيره ، يقال جَمَدَ الماءُ وغيره جَمْداً من باب قتل وجُمُوداً خلاف ذاب. و « الجَمَدُ » بالتحريك جمع جَامِد مثل خدم وخادم. والجَمَادُ بالفتح : الأرض التي لم يصبها مطر. وسنة جَمَادٌ : لا مطر فيها. و « جُمَادَى » أحد فصول السنة سمي بذلك لمصادفته أيام الشتاء حين جمد الماء وكذا الثاني ،

__________________

(١) الكافي ج ٢ صلى الله عليه وآله ١٠٠.

(٢) في معجم البلدان ج ٢ صلى الله عليه وآله ١٥٦ : هي بلدة بإفريقية ، وقال علي بن حمزة البصري : سألت أهل إفريقية عن جلود فلم يعرفها أحد من الشيوخ. قال : والصحيح أن جلود قرية بالشام.

٢٦

ويقال مضت جُمَادَى بما فيها ، ثم قال : فإن جاء تذكير جُمَادَى في الشعر فهو ذهاب إلى معنى الشهر كما قالوا هذه ألف درهم على معنى هذه الدراهم ، وعن الزجاج جُمَادَى غير مصروفة للتأنيث والعلمية ، وجمع جمادى جُمَادَيَات على لفظها والأولى والآخرة صفة لها. والآخرة بمعنى المتأخرة. وجَمَدَتْ عينه : قل ماؤها ، كناية عن قسوة القلب. و « عين جَمُودٌ » بالفتح : لا دمع لها. وجَمَدَ كفه : كناية عن البخل.

وَفِي الْخَبَرِ « إِذَا وَقَعَتِ الجَوَامِدُ فَلَا شُفْعَةَ ».

يريدون الحدود ما بين الملكين.

( جند )

قوله تعالى : ( وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ) [ ٧٤ / ٣١ ] أي خلق ربك الذي خلقهم. نقل عن الفخر الرازي في كتاب جواهر القرآن أنه قال : اعلم أن الملائكة في الكثرة أضعاف خلق الله من أصناف العالم ، فَقَدْ رُوِيَ : أَنَّ بَنِي آدَمَ عُشْرُ الْجِنِّ ، وَالْجِنَّ وَبَنِي آدَمَ عُشْرُ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّ ، وَكُلَّهُمْ عُشْرُ مَلَائِكَةِ الْأَرْضِ الْمُوَكَّلِينَ فِيهَا ، وَكُلَّ هَؤُلَاءِ عُشْرُ مَلَائِكَةِ سَمَاءِ الدُّنْيَا ، وَكُلَّ هَؤُلَاءِ عُشْرُ مَلَائِكَةِ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ ، وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ. ثُمَّ الْكُلُّ فِي مُقَابَلَةِ مَلَائِكَةِ الْكُرْسِيِّ قَلِيلٌ ، ثُمَّ كُلُّ هَؤُلَاءِ عُشْرُ مَلَائِكَةِ سُرَادِقٍ مِنْ سُرَادِقِ الْعَرْشِ الَّتِي عَدَدُهَا سِتُّمِائَةِ أَلْفِ سُرَادِقٍ وَعَرْضُهُ وَسَمْكُهُ إِذَا قُوبِلَ بِالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ يَكُونُ شَيْئاً يَسِيراً وَقَدْراً صَغِيراً ، وَمَا مَوْضِعُ قَدَمٍ إِلَّا وَفِيهِ مَلَكٌ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ ، لَهُمْ زَجَلٌ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ ، ثُمَّ هَؤُلَاءِ فِي مُقَابَلَةِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَحُومُونَ حَوْلَ الْعَرْشِ كَالْقَطْرَةِ فِي الْبَحْرِ لَا يَعْرِفُ عَدَدَهُمْ إِلَّا اللهُ ، ثُمَّ هَؤُلَاءِ مَعَ مَلَائِكَةِ اللَّوْحِ الَّذِينَ هُمْ أَشْيَاعُ إِسْرَافِيلَ وَالْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ هُمْ جُنُودُ جَبْرَئِيلَ عليه السلام قَلِيلٌ : سُبْحَانَهُ مَا أَعْظَمَ شَأْنَهُ فَ ( ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ).

ثُمَّ قَالَ الرَّازِيِّ أَيْضاً : رَأَيْتُ فِي بَعْضِ كُتُبِ التَّذْكِيرِ أَنَّهُ حِينَ عُرِجَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وآله إِلَى السَّمَاءِ رَأَى الْمَلَائِكَةَ فِي مَوْضِعٍ بِمَنْزِلَةِ سُوقٍ يَمْشِي بَعْضُهُمْ تُجَاهَ بَعْضٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله :

٢٧

إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُونَ؟ قَالَ جَبْرَئِيلُ : لَا أَدْرِي إِلَّا أَنِّي أَرَاهُمْ مُنْذُ خُلِقْتُ وَلَا أَرَى وَاحِداً مِنْهُمْ قَدْ رَأَيْتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ قَالَ جَبْرَئِيلُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ : مُنْذُ كَمْ خُلِقْتَ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي غَيْرَ أَنَّ اللهَ يَخْلُقُ كَوْكَباً فِي كُلِّ أَرْبَعِمِائَةِ أَلْفِ سَنَةٍ. فَخَلَقَ مِثْلَ ذَلِكَ الْكَوْكَبِ مُنْذُ خُلِقْتُ أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفِ كَوْكَبٍ ، فَسُبْحَانَهُ مِنْ إِلَهٍ مَا أَعْظَمَ قُدْرَتَهُ وَأَجَلَّ سُلْطَانَهُ.

قوله : ( وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها ) [ ٩ / ٢٦ ] الجُنْدُ الأنصار والأعوان ، والجمع الجُنُودُ. قوله : ( وَجُنُودُ إِبْلِيسَ ) [ ٢٦ / ٩٥ ] أي ذريته من الشياطين.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ » (١).

قوله « مُجَنَّدَةٌ » أي مجموعة كما يقال ألوف مؤلفة وقناطر مقنطرة ، ومعناه الإخبار عن مبدإ كون الأرواح وتقدمها الأجساد ، أي أنها خلقت أول خلقها من ائتلاف واختلاف كالجنود ، والمجموعة إذا تقابلت وتواجهت ، ومعنى تقابل الأرواح ما جعلها الله عليه من السعادة والشقاوة والاختلاف في مبدإ الخلق ، يقال إن الأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في الدنيا فتأتلف وتختلف على حسب ما خلقت عليه ، ولهذا ترى الخير يحب الأخيار ويميل إليهم والشرير يحب الأشرار ويميل إليهم. وعن الشيخ المفيد المعنى فيه أن الأرواح التي هي البسائط تتناظر بالجنس وتتجادل بالعوارض ، فما تعارف منها باتفاق الرأي والهوى ائتلف ، وما تناكر منها بمباينة في الرأي والهوى اختلف ، وهذا موجود حسا ومشاهدة ، وليس يعني بذلك ما تعارف منها في الذر ائتلف كما يذهب إليه الحشوية ، لما بيناه من أنه لا علم للإنسان بحال كان يعلمها قبل ظهوره في هذا العالم ـ انتهى كلامه ، وفيه نظر.

( جود )

قوله تعالى ( وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ ) [ ١١ / ٤٤ ] بتشديد الياء ، وقرئ بإرسالها

__________________

(١) سفينة البحار ج ١ صلى الله عليه وآله ٥٣٦.

٢٨

تخفيفا ، اسم للجبل الذي وضعت عليه سفينة نوح ، قيل هو بناحية الشام أو آمد ، وقيل بالموصل ، وقيل بالجزيرة ما بين الدجلة والفرات.

وَفِي الْحَدِيثِ « هُوَ فُرَاتُ الْكُوفَةِ » (١).

وهو الأصح. قوله و: ( الصَّافِناتُ الْجِيادُ ) [ ٣٨ / ٣١ ] كأنها جمع جَيِّد على فيعل ، وهو خلاف الرديء ، وسيأتي معنى الصافنات.

وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِينَ حَفَرَ زَمْزَمَ « فَرَأَى رَجُلاً يَقُولُ احْفِرْ تَغْنَمْ وَجِدَّ تَسْلَمْ وَلَا تَدَّخِرْهَا لِلْمَقْسَمِ ».

يعني الميراث ، كان المعنى جِدَّ في حفر البئر تسلم من الآفات ولا يصيبك في حفرها ضرر. والجَوَادُ : الجيد للعدو ، يقال جَادَ الفرس جُودَةً ـ بالضم والفتح ـ فهو جَوَادٌ ، والجمع جِيَادٌ ، وسمي بذلك لأنه يجود بجريه ، والأنثى جَوَادٌ أيضا. و « الجَوَادُ » من أسمائه تعالى

وَفِي الْحَدِيثِ سَأَلَ رَجُلٌ [ أَبَا ] الْحَسَنِ عليه السلام وَهُوَ فِي الطَّوَافِ فَقَالَ لَهُ : أَخْبِرْنِي عَنِ الْجَوَادِ؟ فَقَالَ عليه السلام : إِنَّ لِكَلَامِكَ وَجْهَيْنِ ، فَإِنْ كُنْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْمَخْلُوقِ فَإِنَ الْجَوَادَ الَّذِي يُؤَدِّي مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِ ، وَالْبَخِيلُ الَّذِي يَبْخَلُ بِمَا افْتُرِضَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كُنْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْخَالِقِ فَهُوَ الْجَوَادُ إِنْ أَعْطَى وَهُوَ الْجَوَادُ إِنْ مَنَعَ ، لِأَنَّهُ إِنْ أَعْطَى أَعْطَى عَبْداً أَعْطَاهُ مَا لَيْسَ لَهُ ، وَإِنْ مَنَعَ مَنَعَ مَا لَيْسَ لَهُ.

والجَوَادُ : الذي لا يبخل بعطائه ، ومنه الدُّعَاءُ « أَنْتَ الْجَوَادُ الَّذِي لَا يَبْخَلُ ».

وَ « الْجَوَادُ » مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ ، وُلِدَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ ، وَقُبِضَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَشَهْرَيْنِ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً وَدُفِنَ عِنْدَ جَدِّهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السلام ، وَمِنْ خَوَاصِّهِ عليه السلام أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ قَوْمٌ مِنَ الشِّيعَةِ فَسَأَلُوهُ عَنْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ عَنْهَا وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ ، عَاشَ بَعْدَ أَبِيهِ تِسْعَةَ عَشَرَ سَنَةً إِلَّا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْماً.

وجَادَ الرجلُ يَجُودُ جُوداً بالضم من باب قال : تَكَرَّمَ ، فهو جَوَادٌ ، والجمع

__________________

(١) البرهان ج ٢ صلى الله عليه وآله ٢١٨.

٢٩

أَجْوَادٌ. وجَادَ بماله : بذله. وجَادَ بنفسه : سمح بها عند الموت ، فكأنه يدفعها كما يدفع الإنسان ماله. وجَادَ وأَجَادَ : أتى بالجيد من فعل أو قول. وجَادَتِ السماء علينا : أي أمطرت. و « الجَوْدُ » بالفتح فالسكون : المطر الغزير أو ما لا مطر فوقه. ومنه الدُّعَاءُ « وَأَخْلَفَتْنَا مَخَايِلُ الْجَوْدِ ».

والمَخَايِلُ من أخَالَت السحابُ وأخْيَلَتْ وخَايَلَتْ : إذا كانت تُرجَّى المطر ـ قاله الجوهري.

( جهد )

قوله تعالى : ( وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَ جِهادِهِ ) [ ٢٢ / ٧٨ ] أي في عبادة الله. قيل الجِهَادُ بمعنى رتبة الإحسان. وهو أنك تعبد ربك كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، ولذلك قال ( حَقَ جِهادِهِ ) أي جهادا حقا كما ينبغي بجذب النفس وخلوصها عن شوائب الرياء والسمعة مع الخشوع والخضوع ، والجهاد مع النفس الأمارة واللوامة في نصرة النفس العاقلة المطمئنة ، وهو الجِهَادُ الأكبر ، ولذلك وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ بَعْضِ غَزَوَاتِهِ فَقَالَ : « رَجَعْنَا مِنَ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إِلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ ».

قوله : ( وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ ) [ ٩ / ٧٩ ] قرئ بفتح الجيم وضمها : أي وسعهم وطاقتهم ، وقيل المضموم الطاقة والمفتوح المشقة. قوله : ( جَهْدَ أَيْمانِهِمْ ) [ ٥ / ٣٥ ] أي بالغوا في اليمين واجتهدوا. قوله : ( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) [ ٢٩ / ٦٩ ] قال الشيخ أبو علي : أي جاهدوا الكفار ابتغاء مرضاتنا وطاعة لنا وجاهدوا أنفسهم في هواها خوفا منا ، وقيل معناه اجتهدوا في عبادتنا رغبة في ثوابنا ورهبة من عقابنا ( لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) أي لَنَهْدِيَنَّهُمْ السبل الموصلة إلى ثوابنا ، وقيل لنوفقنهم لازدياد الطاعات ليزداد ثوابهم ، وقيل معناه والذين جَاهَدُوا في إقامة السنة لنهدينهم سبل الجنة ، وقيل

٣٠

معناه والذين يعلمون بما يعملون لنهدينهم إلى ما لا يعلمون (١) قوله : ( وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ ) [ ٥ / ٣٥ ] أي في طريق دينه مع أعدائه ، قيل أمر الله بالجهاد في دين الله لأنه وصلة إلى ثوابه. قوله : ( فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً ) [ ٤ / ٩٥ ] معناه ـ على ما ذكر في التفاسير ـ هو أن الله فضل المجاهدين على القاعدين عن الجهاد من أولي الضرر ـ أعني المرض والعاهة من عمى وعرج أو زمانة أو نحوها ـ درجة وكل فريق من المجاهدين والقاعدين ( وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى ) أي المثوبة وهي الجنة ، ( وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ ) من غير أولي الضرر ( أَجْراً عَظِيماً دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً ) ، فدرجة انتصب لوقوعها موقع المرة ، كأنه قال فضلهم تفضيلة ، نحو « ضربه سوطا » بمعنى ضربه ، وانتصب ( أَجْراً ) بفعل أيضا لأنه في معنى أجرى لهم أجراً و ( دَرَجاتٍ ) و ( مَغْفِرَةً ) و ( رَحْمَةً ) بدل من ( أَجْراً ). و « الجِهَادُ » بكسر الجيم مصدر جَاهَدَ يُجَاهِدُ جِهَاداً ومُجَاهِدَةً ، وبفتح الجيم : الأرض الصلبة ، وشرعا بذل المال والنفس لإعلاء كلمة الإسلام وإقامة شعائر الإيمان.

وَفِي الدُّعَاءِ « وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ ».

هو بفتح الجيم مصدر قولك « اجْهَدْ جَهْدَكَ في هذا الأمر » أي أبلغ غايتك. و « جَهْدُ البلاء » الحالة التي يختار عليها الموت ، وقيل هي قلة المال وكثرة العيال.

وَفِي الْخَبَرِ عَنْهُ صلى الله عليه وآله « جَهْدُ الْبَلَاءِ هُوَ أَنْ يُقَدَّمَ الرَّجُلُ فَيُضْرَبَ عُنُقَهُ صَبْراً ، وَالْأَسِيرُ مَا دَامَ فِي وَثَاقِ الْعَدُوِّ وَالرَّجُلُ يَجِدُ عَلَى بَطْنِ امْرَأَتِهِ رَجُلاً ».

وفِيهِ « رَبِّ لَا تُجْهِدْ بَلَائِي ».

أي لا توصله إلى ذلك المقدار. وجَهَدَهُ الأمر : أي بلغ منه المشقة. وقولهم « لا أَجْهَدُكَ » أي لا أبلغك غاية ، أو لا أشق عليك ولا أشدد.

قَوْلُهُ « وَالْوَصِيَّةُ بِالرُّبُعِ جَهْدٌ ». أي غاية ونهاية.

__________________

(١) مجمع البيان ج ٤ صلى الله عليه وآله ٢٩٣.

٣١

وَ « اجْهَدْ أَنْ تَبُولَ ».

أي لك الجهد في ذلك. وقَوْلُهُ « مِنْ غَيْرِ أَنْ تُجْهِدَ نَفْسَكَ ».

أي من غير مبالغة ومشقة فيما تفعل.

وَفِي الْحَدِيثِ « أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ جُهْدُ الْمُقِلِّ ».

أي ما بلغه وسعه ، وربما عورض بِقَوْلِهِ عليه السلام « خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَتْ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ».

يعني ما فضل عن العيال ، وقد يقال المراد بالغنى سخاوة النفس وقوة العزيمة ثقة بالله ، كما رُوِيَ « أَنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ ».

يدل على ذلك قَوْلُهُ « يَأْتِي أَحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُهُ وَيُقَالُ هَذِهِ صَدَقَةٌ ثُمَّ يَقْعُدُ يَتَكَفَّفُ النَّاسَ ».

أي يأخذ ببطن يده ، وهو كناية عن التصدي للسؤال فكره له ذلك. وفِيهِ « أَفْضَلُ الْجِهَادِ جِهَادُ النَّفْسِ ».

وهو قهرها وبعثها على ملازمة الطاعات ومجانبة المنهيات. ومراقبتها على مرور الأوقات ، ومحاسبتها على ما ربحته وخسرته في دار المعاملة من السعادات ، وكسر قوتها البهيمية والسبعية بالرياضات ، كما قال تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها ). قال بعض الأفاضل في قَوْلِهِ عليه السلام « أَفْضَلُ الْجِهَادِ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ ».

قد يظن أن فيه دلالة على عدم تجرد النفس ، والحق أنه لا دلالة فيه على ذلك بل هو كناية عن كمال القرب ، فإن تجرد النفس مما لا ينبغي أن يرتاب فيه .. إلى أن قال : ويمكن أن يراد بالنفس هنا القوى الحيوانية من الشهوة والغضب وأمثالهما ، وإطلاق النفس على هذه القوى شائع. ثم حكى كلام الغزالي تطلق النفس على الجامع للصفات المذمومة أي القوى الحيوانية المضادة للقوى العقلية وهو المفهوم عند إطلاق الصوفية وإليه الإشارة بِقَوْلِهِ عليه السلام « أَعْدَى عَدُوِّكَ نَفْسُكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ ».

ويتم البحث في نفس إن شاء الله. واجْتَهَدَ يمينه : أي بذل وسعه في اليمين وبالغ فيها. والِاجْتِهَادُ : المبالغة في الجهد ، ونقل في الاصطلاح إلى استفراغ الوسع فيما فيه مشقة لتحصل ظن شرعي.

٣٢

و « المُجْتَهِدُ » اسم فاعل منه ، وهو العالم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية بالقوة القريبة من الفعل. ومَجْهُودُ الرجل : ما بلغه وسعه ، ومنه الدُّعَاءُ « قَدْ وَعِزَّتِكَ بَلَغَ [ بِي ] مَجْهُودِي ».

والمَجْهُودُ : الذي وقع في تعب ومشقة.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْمِسْكِينُ أَجْهَدُ مِنَ الْفَقِيرِ ». أي أسوأ حالا منه.

( جيد )

قوله تعالى : ( فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) [ ١١١ / ٥ ] الجِيدُ بالكسر فالسكون العنق ، والجمع أَجْيَادٌ مثل حمل وأحمال. وقوله : ( فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) أي في عنقها حبل من ليف ، وإنما وصفها بهذا الوصف تخسيسا لها وتحقيرا ، وقيل هو حبل يكون له خشونة الليف وحرارة النار وثقل الحديد يجعل في عنقها زيادة في عذابها.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي عُنُقِهَا سِلْسِلَةٌ مِنْ حَدِيدٍ طُولُهَا ( سَبْعُونَ ذِراعاً ) تَدْخُلُ مِنْ فِيهَا وَتَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهَا وَتُدَارُ عَلَى عُنُقِهَا فِي النَّارِ (١).

و « الجَيَدُ » بالتحريك : طول العنق وحسنه.

باب ما أوله الحاء

( حتد )

حَتَدَ بالمكان يَحْتِدُ : أقام به. والمَحْتِدُ بالفتح وكسر العين : الأصل والطبع ، ومنه فِي وَصْفِهِ صلى الله عليه وآله « فِي دَوْمَةِ الْكَرَمِ مَحْتِدُهُ ».

أي أصله وطبعه ومثله « أزكاهم مَحْتِداً » أي أطهرهم أصلا وطبعا. ويقال « ما أجد منه مَحْتِداً » أي بدا.

( حدد )

قوله تعالى : ( يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ) [ ٥٨ / ٥ ] أي يحاربون الله ورسوله ويعادونهما أن يتجاوزوهما ، وقيل يجانبون الله ورسوله ، أي يكونون في حد والله ورسوله في حد قوله ( حَادَّ اللهَ )

__________________

(١) مجمع البيان ج ٥ صلى الله عليه وآله ٥٥٩.

٣٣

[ ٥٨ / ٢٢ ] أي شاق الله ، أي عادى الله وخالفه. وقوله : ( تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها ) [ ٢ / ٢٢٩ ] حُدُودُ الله محارمه ومناهيه لأنه ممنوع منها. ومثله ( تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها ) [ ٢ / ١٨٧ ] قال الشيخ أبو علي في قوله ( تِلْكَ حُدُودُ اللهِ ) إشارة إلى الأحكام المذكورة في اليتامى والمواريث ، وسماها حُدُوداً لأن الشرائع كالحدود المضروبة للمكلفين لا يجوز لهم أن يتجاوزوها. قوله : ( فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) [ ٥٠ / ٢٢ ] أي حاد ، وصيغ للمبالغة.

وَفِي الْحَدِيثِ « إِنَّ اللهَ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ حَدّاً وَجَعَلَ عَلَى مَنْ تَعَدَّى الْحَدَّ حَدّاً ».

أي عذابا ، وذلك كحد القاذف والزاني ، وسمي حَدّاً لمنعه من المعاودة ، وأصله مصدر. وفِيهِ « إِقَامَةُ الْحَدِّ أَنْفَعُ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْمَطَرِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً ».

والحُدُودُ الشرعية عبارة عن الأحكام الشرعية مثل حد الغائط كذا وحد الوضوء كذا وحد الصلاة كذا ، ومنه قَوْلُهُ عليه السلام « لِلصَّلَاةِ أَرْبَعَةُ آلَافِ حَدٍّ ».

وقد حصرها الشهيد الأول ( ره ) في رسالته الفرضية والنفلية بما يبلغ العدد المذكور ، فمن أراد ذلك وقف عليه. ومِنْهُ « أَقَمْتُمْ حُدُودَهُ ».

أي أحكامه وشرائعه.

وَ « يَضْرِبُ الْحُدُودَ بَيْنَ يَدَيِ الْإِمَامِ ».

أي يقيمها. والحَدُّ : الذنب ، ومنه « أَصَبْتُ حَدّاً ».

أي ذنبا يوجب الحد. ويُحَدِّدُ لي حَدّاً : أي يعين لي شيئا ويبينه لي. وحَدَّ السيفَ وغيره من باب ضرب والمُحَادَّةُ المعاداة ، ومِنْهُ « إِنَّ قَوْمَنَا حَادُّونَا لِمَا صَدَّقْنَا [ اللهَ وَرَسُولَهُ ] ».

أي عادونا وخالفونا.

وَ « الْحَادُّ » اسْمُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله فِي تَوْرَاةِ مُوسَى عليه السلام.

لأنه يحاد من حاد دينه قريبا كان أو بعيدا وَفِي الْحَدِيثِ « لَا يَزَالُ الْإِنْسَانُ فِي حَدِّ الطَّائِفِ مَا فَعَلَ كَذَا ».

يعني ثوابه ثواب الطائف فيما فعل.

وَفِي حَدِيثِ وَصْفِهِ تَعَالَى « مَنْفِيٌّ عَنْهُ

٣٤

الْأَقْطَارُ مُبَعَّدٌ عَنْهُ الْحُدُودُ ».

أي لا يوصف بحد يتميز به عن غيره.

وَفِي كَلَامِهِمْ عليه السلام « هُوَ الْخَالِقُ لِلْأَشْيَاءِ لَا لِحَاجَةٍ ، فَإِذَا كَانَ لَا لِحَاجَةٍ اسْتَحَالَ الْحَدُّ ، لِأَنَّهُ إِذَا نُسِبَ إِلَيْهِ الْحَدُّ فَقَدْ ثَبَتَ احْتِيَاجُهُ إِلَيْهِ تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِيراً ».

والحَدُّ : الحاجز بين الشيئين. ومنه « حَدُّ عرفات » وهو من المأزمين إلى أقصى الموقف.

وَعَنِ الصَّادِقِ عليه السلام « حَدُّ عَرَفَةَ مِنْ بَطْنِ عُرَنَةَ وَثَوِيَّةَ وَنَمِرَةَ إِلَى ذِي الْمَجَازِ وَخَلْفَ الْجَبَلِ مَوْقِفٌ إِلَى وَرَاءِ الْجَبَلِ » (١).

وجمع الحَدِّ حُدُودٌ. ومِنْهُ « حُدُودُ الْإِيمَانِ وَيَجْمَعُهَا الشَّهَادَتَانِ وَالْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَصَلَاةُ الْخَمْسِ وَالزَّكَاةُ وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَحِجُّ الْبَيْتِ وَالْوَلَايَةُ ».

والحِدَادُ : ترك الزينة. ومنه الْحَدِيثُ « الْحِدَادُ لِلْمَرْأَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا ».

ومنه حَدَّتِ المرأة على زوجها تَحِدُّ حِدَاداً بالكسر ، فهي حَادٌّ بغير هاء : إذا حزنت عليه ولبست ثياب الحزن وتركت الزينة ، وكذا أَحَدَّتْ إِحْدَاداً فهي مُحِدٌّ ومُحِدَّةٌ ، وأنكر الأصمعي الثلاثي واقتصر على الرباعي.

وَفِي الْحَدِيثِ « لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحِدَّ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إِلَّا الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا حَتَّى تَقْضِىَ عِدَّتَهَا ».

والحِدَّةُ : ما يعترى الإنسان من النزق والغضب ، يقال حَدَّ يَحِدُّ حَدّاً : إذا غضب.

وَفِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام قَالَ وَقَدْ ذُكِرَ عِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَفِيهِ حِدَّةٌ ، فَقَالَ : « إِنَّ اللهَ تَعَالَى فِي وَقْتِ مَا ذَرَأَهُمْ أَمَرَ أَصْحَابَ الْيَمِينِ وَائْتَمَرَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا النَّارَ فَدَخَلُوهَا فَأَصَابَهُمْ وَهَجُهَا فَالْحِدَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْوَهَجِ ، وَأَمَرَ أَصْحَابَ الشِّمَالِ وَهُمْ مُخَالِفُونَا أَنْ يَدْخُلُوا النَّارَ فَلَمْ يَفْعَلُوا فَمِنْ ذَلِكَ لَهُمْ سَمْتُ وَقَارٍ ».

وَعَنِ الْبَاقِرِ عليه السلام وَقَدْ سُئِلَ

__________________

(١) الكافي ج ٤ صلى الله عليه وآله ٤٦٢ ، وليس فيه « إلى وراء الجبل ».

٣٥

مَا بَالُ الْمُؤْمِنِ أَحَدُّ شَيْءٍ؟ فَقَالَ : لِأَنَّ عِزَّ الْقُرْآنِ فِي قَلْبِهِ وَمَحْضَ الْإِيمَانِ فِي صَدْرِهِ ، وَهُوَ عَبْدٌ مُطِيعٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مُصَدِّقٌ ».

ـ انتهى. وربما كانت حِدَّتُهُ على ما خالف المشروع ولم يمتثل أمر الشارع لا مطلقا. و « الحَدِيدُ » معروف ، ومنه « خاتم حَدِيدٍ ». واسم الصناعة الحِدَادَةُ بالكسر. و « ابن أبي الحَدِيدِ » في الأصل معتزلي يستند إلى المعتزلة مدعيا أنهم يستندون إلى شيخهم أمير المؤمنين عليه السلام في العدل والتوحيد. ومن كلامه في أول شرح النهج « الحمد لله الذي قدم المفضول على الأفضل لمصلحة اقتضاها التكليف ». قال بعض الأفاضل : كان ذلك قبل رجوعه إلى الحق لأنا نشهد من كلامه الإقرار له عليه السلام والتبري من غيره ممن تقدم عليه ، وذلك قرينة واضحة على ما قلناه ـ انتهى ، وهو جيد.

( حرد )

قوله تعالى : ( وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ ) [ ٦٨ / ٢٥ ] ، أي على قصد ، وقيل على منع ، وقيل على غضب وحقد. وحَرِدَ حَرَداً مثل غضب غضبا وزنا ومعنى ، وقد يسكن المصدر. وعن ابن الأعرابي السكون أكثر. « حَرِدَ على قومه » أي تنحى عنهم وتحول ونزل منفردا ولم يخالطهم.

وَمِنْ كَلَامِ الْحَقِّ فِيمَنْ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ « وَالَّذِينَ يَغْضَبُونَ لِمَحَارِمِي إِذَا اسْتُحِلَّتْ كَالنَّمِرِ إِذَا حَرِدَتْ ».

نقل أنها لا تملك نفسها عند الغضب حتى يبلغ من شدة غضبها أن تقتل نفسها.

( حسد )

قوله تعالى : ( مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ ) [ ١١٣ / ٥ ] قال الشيخ أبو علي : الحَاسِدُ الذي يتمنى زوال النعمة عن صاحبها وإن لم يردها لنفسه ، فَالْحَسَدُ مذموم والغبطة محمودة ، وهي أن يريد من

٣٦

النعمة لنفسه مثل ما لصاحبه ولم يرد زوالها عنه ـ انتهى (١)ومن هنا قيل الحَسَدُ على الشجاعة ونحو ذلك هو الغبطة ، وفيه معنى التعجب وليس فيه تمني زوال ذلك عن المحسود ، فإن تمناه دخل في القسم الأول المحرم. قوله : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) [ ٤ / ٥٤ ] المراد بالناس الأئمة ، لما

رُوِيَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا « نَحْنُ الْمَحْسُودُونَ الَّذِينَ قَالَ اللهُ تَعَالَى ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ » )(٢).

ويقال حَسَدَهُ يَحْسُدُهُ ويَحْسِدُهُ بالكسر حُسُوداً وحَسَداً بالتحريك أكثر من سكونها. وتَحَاسَدَ القوم وهم قوم حَسَدَةٌ كحامل وحملة

( حشد )

فِي الْحَدِيثِ « فَلَمَّا حَشَدَ النَّاسُ قَامَ خَطِيباً ».

أي جمع ، من قولهم « حَشَدْتُ القوم » من باب قتل ، وفي لغة من باب ضرب : إذا جمعتهم. ومنه « احْتَشَدَ القوم لفلان » إذا اجتمعوا وتأهبوا. وجاء فلان حَاشِداً : أي مستعدا متأهبا. و « رجل مَحْشُودٌ » لمن كان الناس يسرعون لخدمته لأنه مطاع.

( حصد )

قوله تعالى : ( جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ ) [ ٢١ / ١٥ ] قيل ـ والله أعلم ـ إنهم حُصِدُوا بالسيف أو الموت كما يُحْصَدُ الزرع فلم يبق منهم بقية. قوله : ( مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ ) [ ١١ / ١٠٠ ] يعني القرى التي هلكت ( مِنْها قائِمٌ ) أي بقيت حيطانها ومنها حَصِيدٌ أي قد انمحى أثره كالزرع القائم على ساقه. قوله : ( وَحَبَ الْحَصِيدِ ) أراد الحب الحصيد ، وهما مما أضيف إلى نفسه لاختلاف اللفظين ، وقيل حب الزرع الحصيد.

وَفِي الْحَدِيثِ « وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ».

وقد مر شرحه في « كبب ».

__________________

(١) مجمع البيان ج ٥ صلى الله عليه وآله ٥٦٨.

(٢) البرهان ج ١ صلى الله عليه وآله ٣٧٦.

٣٧

وحَصَدْتُ الزرع وغيره حَصْداً من بابي ضرب وقتل فهو مَحْصُودٌ وحَصِيدٌ ، ومِنْهُ « يَأْكُلُونَ حَصِيدَهَا ».

أي محصودها. والمِحْصَدُ : المنجل. واسْتَحْصَدَ الزرعُ : حان له أن يحصد. وحَصَدَهُمْ بالسيف : استأصلهم. والحَصَادُ بالفتح والكسر قطع الزرع.

وَفِي الْخَبَرِ « نَهَى عَنْ حَصَادِ اللَّيْلِ ».

وإنما نهى عنه لمكان المساكين أن يحضروه ، وقيل كي لا يصيب الناس الهوام.

( حفد )

قوله تعالى : ( جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ) [ ١٦ / ٧٢ ] الحَفَدَةُ بالتحريك جمع حَافِد ، مثل كافر وكفرة ، قيل هم الأعوان والخدم ، وقيل أختان ، وقيل أصهار ، وقيل بنو المرأة من الزوج الأول وقيل ولد الولد لأنهم كالخدام في الصغر ، ولعله الأصح كما يشهد له

قَوْلُهُ صلى الله عليه وآله « تُقْتَلُ حَفَدَتِي بِأَرْضِ خُرَاسَانَ ».

يعني علي بن موسى الرضا عليه السلام. والحَفِيدُ : صاحب المال. والمَحْفُودُ : المخدوم.

وَفِي الدُّعَاءِ « إِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ ».

أي نسرع إلى الطاعة. والحَفْدُ : السرعة. وأَحْفَدْتُهُ : حملته على الحفد والإسراع وحَفَدَ حَفْداً من باب ضرب : أسرع.

( حقد )

الحِقْدُ : الانطواء على العداوة والبغضاء وحَقَدَ عليه ـ من باب ضرب وفي لغة من باب تعب ـ : إذا ضغن ، والجمع أَحْقَادٌ.

( حمد )

قوله تعالى : ( فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) [ ٤٠ / ٦٥ ] قال الفراء نقلا عنه : هو خبر وفيه إضمار ، وكأنه قال ادعوه واحمدوا على هذه النعم وقولوا ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ـ انتهى. والعبد إذا حَمِدَ الله فقد ظفر بأربعة أشياء : قضى حق الله فأدى شكر النعمة الماضية ، وتقرب من استحقاق ثواب الله ، واستحق المزيد من نعمائه.

٣٨

و « الحَمْدُ » هو الثناء بالجميل على قصد التعظيم والتبجيل للممدوح سواء النعمة وغيرها ، والشكر فعل ينبئ عن تعظيم المنعم لكونه منعما سواء كان باللسان أو بالجنان أو بالأركان ، وعليه قول القائل :

أفادتكم النعماء مني ثلاثة

يدي ولساني والضمير المحجبا

فَالْحَمْدُ أعم من جهة المتعلق وأخص من جهة المورد ، والشكر بالعكس.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْحَمْدُ رَأْسُ الشُّكْرِ ».

وإنما جعله رأس الشكر لأن ذكر النعمة باللسان والثناء على موليها أشيع لها وأدل على مكانها من الاعتقاد لخفاء عمل القلب وما في عمل الجوارح من الاحتمال ، بخلاف عمل اللسان الذي هو النطق المفصح عن كل خفي ـ كذا في الكشاف. وفِيهِ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَاصِلِ الْحَمْدَ بِالنِّعَمِ وَالنِّعَمَ بِالشُّكْرِ » (١).

قال بعض الشارحين : يعني أنه تعالى أنعم على سبيل التفضل أولا ثم أمر المكلفين أن يحمدوه على نعمه ، كما هو مركوز في بداية العقول ، ثم زادهم على حمدهم نعما أخرى كما قال ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ). ويمكن أن يقال إنه تعالى تفضل بالنعم أولا ثم أوصل ذلك بنعمة الحمد بأن ألهم عباده الحمد عليها ثم أوصل النعم بالشكر ، حيث قال : ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ )

وَفِي كِتَابٍ لَهُ صلى الله عليه وآله « أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَحْمَدُ اللهَ إِلَيْكَ ».

أي أحمد معك ، فأقام إلى مقام مع ، وقيل أَحْمَدُ اللهَ إليك نعمة الله بتحديثك إياها. وحَمَّدَهُ : بالغ في تحميده مثل فرجه. و ( الْحَمِيدُ ) من أسمائه تعالى ، فعيل بمعنى مفعول ، أي المحمود على كل حال.

وَ « ابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودِ ».

الضمير للنبي صلى الله عليه وآله ، أي الذي يحمده فيه جميع الخلائق كتعجيل الحساب والإراحة من طول الوقوف ، وقيل هو الشفاعة.

وَفِي الْحَدِيثِ « حُمَادَيَاتُ النِّسَاءِ غَضُّ الْأَطْرَافِ ».

أي غاياتهن ومنتهى ما يحمد منهن غض الأطراف عما حرم الله تعالى.

__________________

(١) نهج البلاغة ج ١ صلى الله عليه وآله ٢٢٢.

٣٩

والحَمِيدُ من الأباريق : الكبير في الغاية. ومنه حَدِيثُ الْمَيِّتِ « يَبْدَأُ بِيَدَيْهِ فَيَغْسِلُهُمَا بِثَلَاثِ حُمَيْدِيَّاتٍ بِمَاءِ السِّدْرِ ».

الحديث (١)و « حُمَيْدَةُ البربر » أم موسى الكاظم عليه السلام ، وتسمى المصفاة. و « أَحْمَدُ » اسم نبينا صلى الله عليه وآله في الإنجيل لحسن ثناء الله عليه في الكتاب بما حمد من أفعاله ، وذكر ابن الأعرابي أن لله تعالى ألف اسم وللنبي صلى الله عليه وآله ألف اسم ، ومن أحسنها مُحَمَّدٌ ومَحْمُودٌ وأَحْمَدُ. والمُحَمَّدُ : كثير الخصال المحمودة ، قيل لم يسم به أحد قبل نبينا صلى الله عليه وآله ، ألهم الله أهله أن يسموه به. و « مُحَمَّدٌ » اسمه صلى الله عليه وآله في القرآن سمي به لأن الله وملائكته وجميع أنبيائه ورسله وجميع أممهم يحمدونه ويصلون عليه.

وَمُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَقُبِضَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ وَلَهُ سَبْعٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً ، وَأُمُّهُ كَانَتْ بِنْتَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام.

وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قُتِلَ بَعْدَ وَقْعَةِ صِفِّينَ قَتَلَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَحَشَى جُثَّتَهُ فِي جَوْفِ حِمَارٍ مَيِّتٍ وَأَحْرَقَهُ ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ هَذَا حَبِيباً لِعَلِيٍّ رَبَّاهْ فِي حَجْرِهِ صَغِيراً حِينَ تَزَوَّجَ أُمَّهُ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ ، فَكَانَ عليه السلام يَقُولُ هُوَ ابْنِي مِنْ ظَهْرِ أَبِي بَكْرٍ ، وَكَانَ قَتْلُهُ بِمِصْرَ لَمَّا وَلَّاهُ عَلِيٌّ عليه السلام عَلَيْهَا فَمُلِكَتْ عَلَيْهِ.

وَعَنِ ابْنِ الطَّيَّارِ قَالَ : ذَكَرْنَا مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عليه السلام : رَحِمَهُ اللهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ قَالَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَوْماً مِنَ الْأَيَّامِ « ابْسُطْ يَدَكَ لِأُبَايِعَكَ » فَقَالَ : أَوَمَا فَعَلْتَ؟ قَالَ : بَلَى ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّكَ إِمَامٌ مُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ وَأَنَّ أَبِي فِي النَّارِ. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عليه السلام : كَانَ النَّجَابَةُ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ لَا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ (٢).

__________________

(١) من لا يحضر ج ١ صلى الله عليه وآله ٩٠.

(٢) رجال الكشي صلى الله عليه وآله ٦٠.

٤٠