مجمع البحرين - ج ٣

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٣

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٤

ومِنْهُ « وَقِفْ عِنْدَ بَابِ الْحَيْرِ فَقُلْ ».

والحَيْرُ بالفتح مخفف حَائِر ، وهو الحظيرة والموضع الذي يتحير فيه الماء. ومِنْهُ « عَمِلَ لِإِبْرَاهِيمَ عليه السلام حَيْراً وَجَمَعَ فِيهِ الْحَطَبَ ».

وفي الحديث ذكر الحِيرَة بكسر الحاء ، وهي البلد القديم بظهر الكوفة يسكنه النعمان بن المنذر والنسبة إليها حَارِيٌ (١). وفِيهِ أَيْضاً « حَدَّثَنِي قَبْلَ الْحَيْرَةِ بِعَشْرِ سِنِينَ ».

أي قبل الغيبة يعني غيبة الإمام عليه السلام أو موت العسكري عليه السلام.

وَفِي الْخَبَرِ « فَيُجْعَلُ فِي مَحَارَةٍ أَوْ سُكُرُّجَةٍ ».

المَحَارَة هي موضع يجتمع فيه الماء وأصله الصدقة وميمه زائدة.

باب ما أوله الخاء

( خبر )

قوله تعالى : ( وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) [ ٦٧ / ١٤ ] الْخَبِيرُ : العالم بما كان وما يكون لا يعزب عنه شيء ولا يفوته ، فهو لم يزل خَبِيراً بما يخلق عالما بكنه الأشياء مطلع على حقائقها. ومِنْهُ « بَطَنَ فَخَبَرَ ».

وقد مر في شهد مزيد بحث فيه. والخَبِيرُ من الناس : هو المُسْتَخْبِرُ عن جهل. قوله : ( وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ ) [ ٤٧ / ٣١ ] أي نختبرها ، واخْتِبَارُ الله العباد امتحانهم وهو عالم بأحوالهم ، فلا يحتاج أن يختبرهم ليعرفهم ، وتحقيق هذا المجاز أن الله

__________________

(١) في معجم البلدان ج ٢ صلى الله عليه وآله ٣٢٨ : مدينة كانت على ثلاثة أميال من الكوفة على موضع يقال له النجف ... كانت مسكن ملوك العرب في الجاهلية من زمن نصر ثم من لخم النعمان وآبائه ، والنسبة إليها حاري على غير قياس ... وحيرى أيضا على القياس كل قد جاء عنهم.

٢٨١

يكلف العباد ليثيب المحسن ويجازي المسيء قوله : ( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها ) [ ٩٩ / ٤ ] أي تخبر الأرض بما عمل على ظهرها ، وهو مجاز ، وقيل ينطقها الله ولا بعد فيه. و « الخُبْرُ » بضم الخاء فالسكون : العلم ، ومنه قوله تعالى : ( وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً ) [ ١٨ / ٦٨ ] أي علما ، يقال خَبَرْتُ الشيءَ أَخْبُرُهُ من باب قتل خُبْراً : علمته. ومِنْهُ الْحَدِيثُ « أَعْمَى اللهُ عَلَى هَذَا خُبْرَهُ ».

وفِيهِ « أَنَّهُ بَعَثَ عَيْناً مِنْ خُزَاعَةَ يَتَخَبَّرُ لَهُ خَبَرَ قُرَيْشٍ ».

أي يتعرف له ذلك ، من خَبَرْتُهُ عرفته. والخَبَرُ : واحد الأَخْبَار ، وأَخْبَرْتُهُ بكذا وخَبَّرْتُهُ بكذا بمعنى. والاسْتِخْبَارُ : السؤال عن الخبر. ومنه « اسْتَخْبَرَ إذا سأل عن الأخبار ليعرفها ».

وَفِي الْحَدِيثِ وَقَدْ سُئِلَ عليه السلام عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ : « عَلَى الْخَبِيرِ بِهَا سَقَطْتَ ».

أي على العارف والعالم بها وقعت. وفِيهِ « مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله ارْتَضَاهُ اللهُ بِخُبْرَتِهِ ».

الخُبْرُ والخُبْرَة بالخاء المعجمة المضمومة والباء الموحدة الساكنة يرادف العلم. وفِيهِ « لَا بَأْسَ بِالْمُخَابَرَةِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالْخُمُسِ ».

وهي المزارعة على نصيب معين كما ذكر. والخُبْرَةُ : النصيب ، ومثله قال في معاني الأخبار ، وقيل هي من الخَبَارِ : الأرض اللينة ، وقيل أصل المُخَابَرَةِ من خَيْبَر

لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله أَقَرَّهَا فِي أَيْدِي أَهْلِهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ محصولها فَقِيلَ خَابَرَهُمْ أَيْ عَامَلَهُمْ فِي خَيْبَرَ.

وما رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْمُخَابَرَةِ.

كان ذلك حين تنازعوا فنهاهم عنها وفي الحديث « ذكر خَيْبَر » وهي بلدة معروفة نحو من أربع مراحل عن المدينة المشرفة (١).

__________________

(١) خيبر ناحية على ثمانية برد من المدينة لمن يريد الشام ، يطلق هذا الاسم على الولاية وتشتمل هذه الولاية على سبعة حصون ومزارع ونخيل كثيرة ، ولفظ خيبر بلسان اليهود بمعنى الحصن ـ انظر معجم البلدان ج ٢ صلى الله عليه وآله ٤٠٩.

٢٨٢

( ختر )

قوله تعالى : ( خَتَّارٍ كَفُورٍ ) [ ٣١ / ٣٢ ] الخَتَّارُ : الغدار ، والخَتْرُ أقبح ، يقال خَتَرَهُ فهو خَتَّارٌ وخَتُورٌ والفعل كضرب ونصر. ومنه الْحَدِيثُ « الْعَاقِلُ غَفُورٌ وَالْجَاهِلُ خَتُورٌ ».

( خثر )

يقال خَثَرَ اللبنُ خُثُورَةً من باب قتل بمعنى ثخن واشتد. وخَثِرَ أيضا من باب تعب وقرب لغتان. ورجل خَاثِرُ النفس ومُتَخَثِّرٌ : أي ثقيل كسلان.

( خدر )

الخِدْرُ بالكسر : ستر أعد للجارية البكر في ناحية البيت ، والجمع خُدُور. وجارية مُخَدَّرَة : إذا لَازَمَتِ الخِدْرَ. وخُدْرَة بالضم : حي من الأنصار منهم أبو سعيد الخُدْرِيُ بضم معجمة الصحابي (١).

وَفِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام « إِنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَكَانَ مُسْتَقِيماً » (٢).

وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام « إِنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَ قَدْ رَزَقَهُ اللهُ هَذَا الرَّأْيَ » (٣).

( خرر )

قوله تعالى : ( وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) [ ١٢ / ١٠٠ ] أي سقطوا له على وجوههم ، من قولهم خَرَّ الشيءُ من باب ضرب : سقط من علو ، وكان ذلك تحيتهم في ذلك الوقت ، وإنما سجدوا هؤلاء لله عزوجل.

__________________

(١) هو سعد بن مالك بن سنان الخزرجي ، مات بالمدينة سنة ثلاث أو أربع أو خمس وستين الكنى والألقاب ج ١ صلى الله عليه وآله ٧٩.

(٢) رجال الكشي صلى الله عليه وآله ٤١.

(٣) رجال الكشي صلى الله عليه وآله ٤١.

٢٨٣

ومنه قوله تعالى : ( وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً ) [ ٧ / ١٤٣ ] أي سقط على وجهه مغشيا عليه. وقوله : ( فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا ) [ ٣٤ / ١٤ ] الآية يريد بذلك سليمان بن داود ، وكان عمره إذ ذاك على ما نقل ثلاثا وخمسين سنة ، وملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة وملكه أربعون سنة.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ أَمَرَ الْجِنَّ فَبَنَوْا لَهُ بَيْتاً مِنْ قَوَارِيرَ. قَالَ : فَبَيْنَا هُوَ مُتَّكٍ عَلَى عَصَاهُ يَنْظُرُ إِلَى الشَّيَاطِينِ كَيْفَ يَعْمَلُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ إِذْ حَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مَعَهُ فِي الْقُبَّةِ ، فَفَزِعَ مِنْهُ وَقَالَ : مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ : أَنَا الَّذِي لَا أَقْبَلَ الرِّشَا وَلَا أَهَابُ الْمُلُوكَ ، أَنَا مَلَكُ الْمَوْتِ ، فَقَبَضَهُ وَهُوَ مُتَّكٍ عَلَى عَصَاهُ ، فَمَكَثُوا سَنَةً يَبْنُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَدْأَبُونَ وَيَعْمَلُونَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ الْأَرَضَةَ فَأَكَلَتْ مِنْسَأَتَهُ ـ وَهِيَ الْعَصَا ـ ( فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ ) (١).

قِيلَ لَمَّا هَلَكَ سُلَيْمَانُ وَضَعَ إِبْلِيسُ السِّحْرَ وَكَتَبَهُ فِي كِتَابٍ ثُمَّ طَوَاهُ وَكَتَبَ عَلَى ظَهْرِهِ هَذَا مَا وَضَعَهُ آصَفُ بْنُ بَرْخِيَا لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ مِنْ ذَخَائِرِ كُنُوزِ الْمُلْكِ وَالْعِلْمِ ، مَنْ أَرَادَ كَذَا وَكَذَا فَلْيَعْمَلْ كَذَا وَكَذَا ، ثُمَّ دَفَنَهُ تَحْتَ السَّرِيرِ ثُمَّ اسْتَشَارَهُ لَهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ : مَا كَانَ يَغْلِبُنَا سُلَيْمَانُ إِلَّا بِهَذَا (٢).

قوله : ( لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً ) [ ٢٥ / ٧٣ ] أي كانوا مستبصرين ليسوا بشكاك.

وَفِي الْحَدِيثِ « إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْتَزِعُ الْآيَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَخِرُّ فِيهَا أَبْعَدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ».

يريد بتأويلها بالرأي ونحوه ، يَخِرُّ أي يسقط عن درجة الاعتبار والثواب هذا المقدار. والخَرِيرُ : صوت الماء والريح. ومنه الدُّعَاءُ « سَجَدَ لَكَ خَرِيرُ الْمَاءِ ».

ومثله « خَرِيرُ الريح ». والعين الخَرَّارَة : كثيرة الخرور

__________________

(١) البرهان ج ٣ صلى الله عليه وآله ٣٤٦.

(٢) البرهان ج ٣ صلى الله عليه وآله ٣٤٦.

٢٨٤

والسيلان. والخَرْخَرَةُ : صوت النائم والمختنق.

( خزر )

قوله تعالى : ( أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ) [ ٦ / ١٤٥ ] هو واحد الخَنَازِير : حيوان معروف. وفي الحديث « أنه ممسوخ ». والخَنَازِيرُ : علة معروفة ، وهو قروح تحدث في الرقبة ، ومنه الْحَدِيثُ « خَرَجَتْ بِجَارِيَةٍ لَنَا خَنَازِيرُ فِي عُنُقِهَا ».

وفِيهِ « لَا تُنَاكِحُوا الزِّنْجَ وَالْخَزَرَ » (١).

الخَزرُ بضم معجمة وسكون زاي وفتحها وفي الآخر راء مهملة : جنس من الأمم خُزْرُ العيون من ولد يافث بن نوح عليه السلام ، من خَزِرَتِ العينُ من باب تعب : إذا صغرت وضاقت. ومنه رجل أَخْزَر : بين الخزر. ومنه حَدِيثُ عَلِيٍّ عليه السلام لِأَصْحَابِهِ فِي صِفِّينَ « وَالْحَظُوا الْخَزْرَ وَاطْعُنُوا الشَّزْرَ » (٢).

وذلك لأن لحظ الخَزْرِ من أمارات الغضب والحمية. والشَّزْرُ بسكون الزاي : الطعن على غير استقامة بل يمينا وشمالا ، وفائدته توسعة المجال للطاعن. والخَيْزُرَان ، كل غصن لين متثن ، ومنه قول الفرزدق في علي بن الحسين عليه السلام :

فِي كَفِّهِ خَيْزُرَانٌ رِيحُهُ عَبِقٌ

مِنْ كَفِّ أَرْوَعَ فِي عِرْنِينِهِ شَمَمٌ (٣)

و « الخَيْزُرَانُ » جارية الخليفة أم المهدي بالله العباسي ، وهي التي أخرجت البيت الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وآله فصيرته مسجدا في أيام حجها. و « الخَيْزُرَان » أم محمد بن علي الجواد أم ولد من أهل بيت مارية القبطية ، ويقال لها سبيكة النوبية. وخَيْزُرَان السفينة : إسكافها. ومنه الْخَبَرُ « إِنَّ الشَّيْطَانَ لَمَّا دَخَلَ سَفِينَةَ نُوحٍ عليه السلام قَالَ : اخْرُجْ يَا عَدُوَّ اللهِ مِنْ جَوْفِهَا ، فَصَعِدَ عَلَى خَيْزُرَانِ السَّفِينَةِ ».

__________________

(١) الكافي ج ٥ صلى الله عليه وآله ٣٥٢.

(٢) نهج البلاغة ج ١ صلى الله عليه وآله ١١٠.

(٣) ديوان الفرزدق ج ٢ صلى الله عليه وآله ١٧٩.

٢٨٥

( خسر )

قوله تعالى : ( هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً ) [ ١٨ / ١٠٣ ]

رُوِيَ عَنِ الْكَاظِمِ عليه السلام أَنَّهَا فِي الَّذِينَ يَتَمَادَوْنَ بِحَجِّ الْإِسْلَامِ يُسَوِّفُونَهُ ».

ومعنى الأَخْسَرِينَ أعمالا : الناقصين الأعمال ، من أَخْسَرْتُهُ : نقصته. يقال خَسَرْتُ الشيءَ بالفتح وأَخْسَرْتُهُ : نقصته. ومثله قوله ( إِلَّا خَساراً ) [ ١٧ / ٨٢ ] وقوله يُخْسِرُونَ [ ٨٣ / ٣ ] وقوله ( لا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ ) [ ٥٥ / ٩ ] وقرئ لَا تَخْسُرُوا بفتح التاء أي ولا تخسروا الثواب الموزون يوم القيامة. قوله : ( خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ) [ ٦ / ٢٠ ] أي عيبوها. قوله : ( ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ ) [ ٢٢ / ١١ ] أي النقصان المبين. قوله : ( خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ) [ ٢٢ / ١١ ] وقرئ في الشذوذ بخفض الآخِرَةِ ، ووجهها ابن هشام في شذور الذهب أن خَسِرَ ليس فعلا مبنيا على الفتح بل هو وصف معرب بمنزلة فهم وفطن ، وهو منصوب على الحال قال : ونظيره قراءة الأعرج خَاسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلا أن هذا اسم فاعل لا يلتبس بالفعل وذاك صفة مشبهة على وزن الفعل فيلتبس به. والتَّخْسِيرُ : الإهلاك ، يقال خَسِرَ الرجلُ في تجارته خَسَارَةً بالفتح وخُسْرَاناً : هلك. قوله : ( فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ ) [ ١١ / ٦٣ ] أي كلما دعوتكم إلى الهدى ازددتم تكذيبا فزادت خسارتكم.

( خصر )

فِي الْحَدِيثِ « تُوضَعُ الْجَرِيدَةُ لِلْمَيِّتِ دُونَ الْخَاصِرَةِ » (١).

الخَاصِرَة بكسر الصاد : ما بين رأس الورك وأسفل الأضلاع. و « الخَصْرُ » بفتح الخاء من الإنسان : وسطه ، وهو المستدق فوق الوركين ، والجمع خُصُور كفلس وفلوس. وخَصْرُ القدم : أخمصها. وكَشْحٌ مُخَصَّرٌ : أي دقيق ، ومنه

__________________

(١) الكافي ج ٣ صلى الله عليه وآله ١٥٤.

٢٨٦

« نَعْلٌ مُخَصَّرَةٌ » التي قطع خصراها حتى صارا مستدقين. ورجل مُخَصَّرُ القدمين : إذا كان قدمه يمس الأرض من مقدمها وعقبها ويخوي أخمصها مع رقة فيه. و « المِخْصَرَةُ » بكسر الميم وسكون المعجمة كالسوط ، أو كل ما أمسكه الإنسان بيده من عصا ونحوها. ومنه « ينكت بِمِخْصَرَتِهِ ». واخْتَصَرَ الطريقَ : سلك أقربه ، ومنه « اخْتَصَرَ شوطا من الطواف ». والاخْتِصَارُ في الكلام : قصد المعاني وإيجاز القول. والاخْتِصَارُ في الصلاة : وضع اليد على الخاصرة ، وهو من فعل اليهود. و « الخِنْصَرُ » بالكسر وتفتح الصاد : الإصبع الصغرى من الأصابع ، والجمع الخَنَاصِرُ.

( خضر )

قوله تعالى : ( فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً ) [ ٦ / ٩٩ ] يريد الأَخْضَر ـ قاله الأخفش نقلا عنه. والخَضِرُ بكسر ضاد : نوع من البقول ليس من جيدها بل من بقول ترعى بعد تهيج البقول ويبسها حيث لا تجد سواها

وَفِي الْحَدِيثِ « إِيَّاكُمْ وَخَضْرَاءَ الدِّمَنِ. قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا خَضْرَاءُ الدِّمَنِ؟ قَالَ : الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ فِي مَنْبِتِ السَّوْءِ » (١).

قال الصدوق : وإنما جعلها خَضْرَاء الدمن تشبيها بالشجرة الناضرة في دمنة البقرة ، وأصل الدمن ما تدمنه الإبل والغنم من أبعارها وأبوالها فربما ينبت فيها النبات الحسن (٢)وفِيهِ « لَيْسَ فِي الخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ ».

يعني الفاكهة والبقول كالكراث والكرفس والسداب ونحوها. وفِيهِ « لَيْسَ فِي الْخَضِرِ زَكَاةٌ ».

يريد البقل والخيار والمباطخ وكل شيء لا أصل له. وقياس ما كان على هذا الوزن من الصفات أن لا يجمع على فعلاوات وإنما يجمع به إذا كان اسما لا صفة نحو صحراء ، وإنما جمعه هذا الجمع لأنه

__________________

(١) من لا يحضر ج ٣ صلى الله عليه وآله ٢٤٨.

(٢) معاني الأخبار صلى الله عليه وآله ٣١٦.

٢٨٧

صار اسما لهذه البقول.

وَفِي حَدِيثِ الْمَيِّتِ « خَضِّرُوا صَاحِبَكُمْ فَمَا أَقَلَ الْمُخَضَّرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » (١).

أراد بِالتَّخْضِيرِ جريدة خضراء توضع للميت من أصل اليدين إلى أصل الترقوة (٢)وفِيهِ « فَإِنَّهَا تُخَفِّفُ عَنْهُ عَذَابَ الْقَبْرِ مَا دَامَتَا خَضْرَاوَيْنِ » (٣).

وفِيهِ « الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ ».

بفتح المعجمة الأولى وكسر الثانية البقلة الخضراء أو ضرب من الكلاء ، والمعنى أنها غضة ناعمة نضرة.

وَفِي حَدِيثِ وَفَاةِ فَاطِمَةَ عليه السلام « فَمَا أَقْبَحَ الْخَضْرَاءَ وَالْغَبْرَاءَ يَا رَسُولَ اللهِ ».

ومثله « مَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ وَلَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ » (٤).

والمراد بِالْخَضْرَاءِ السماء لأنها تعطي الخضرة ، وبِالْغَبْرَاءِ الأرض لأنها تعطي الغبرة في لونها. وفي الحديث ذكر الخضرِ عليه السلام صاحب موسى عليه السلام هو بفتح الخاء وكسرها وسكون الضاد وبفتحها وكسر الضاد ، نقل أنه ابن ماعيد بن عيص بن إسحاق ، وفي بعض الشروح أن اسمه إلياس بن ملكان بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام ، وقيل اسمه إيليا بن عاميل بن شمالخين بن أريا بن علقما بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام ، وقيل اسمه أرميا بن حلشا من سبط هارون ، قيل والأصح ما نقله أهل السير وثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله مِنْ أَنَّ اسْمَهُ يَلْيَا.

بياء مفتوحة ولام ساكنة وياء مثناة من تحت وفي الآخر ألف ابن مَلْكَان بفتح الميم وإسكان اللام وبالنون بعد الألف.

وَمِنْ قِصَّتِهِ ـ عَلَى مَا نَقَلَهُ السُّهَيْلِيُ ـ كَانَ أَبُوهُ مِلْكَانَ وَأُمُّهُ اسْمُهَا ألهَا وَأَنَّهَا وَلَدَتْهُ فِي مَغَارَةٍ ، وَأَنَّهُ وُجِدَ هُنَاكَ وَشَاةٌ تُرْضِعُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ غَنَمِ رَجُلٍ مِنَ

__________________

(١) الكافي ج ٣ صلى الله عليه وآله ١٥٢.

(٢) هذا المعنى موجود في نفس الحديث المذكور.

(٣) من لا يحضر ج ١ صلى الله عليه وآله ٨٨.

(٤) معاني الأخبار صلى الله عليه وآله ١٧٨.

٢٨٨

الْقَرْيَةِ ، فَلَمَّا وَجَدَهُ الرَّجُلُ أَخَذَهُ وَرَبَّاهُ ، فَلَمَّا شَبَّ طَلَبَ أَبُوهُ كَاتِباً وَجَمَعَ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ وَالنَّبَالَةِ لِيَكْتُبَ الصُّحُفَ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَشَيْثٍ عليه السلام ، وَكَانَ فِيمَنْ أَقْدَمَ عَلَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ ابْنُهُ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ ، فَلَمَّا اسْتَحْسَنَ خَطَّهُ وَمَعْرِفَتَهُ بَحَثَ عَنْ جَلِيَّةِ أَمْرِهِ فَعَرَفَ أَنَّهُ ابْنُهُ فَضَمَّهُ لِنَفْسِهِ وَوَلَّاهُ أَمْرَ النَّاسِ. ثُمَّ إِنَ الْخَضِرَ فَرَّ مِنَ الْمُلْكِ لِأَسْبَابٍ يَطُولُ ذِكْرُهَا ، وَلَمْ يَزَلْ سَائِحاً إِلَى أَنْ وَجَدَ عَيْنَ الْحَيَاةِ فَشَرِبَ مِنْهَا ، فَهُوَ حَيٌّ إِلَى أَنْ يَخْرُجَ الدَّجَّالُ ، وَإِنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي يَقْتُلُهُ الدَّجَّالُ وَيُقَطِّعُهُ فَيُحْيِيهِ اللهُ تَعَالَى.

وفِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ : نُقِلَ أَنَ الْخَضِرَ كَانَ مِنْ أَفْضَلِ أَصْحَابِ ذِي الْقَرْنَيْنِ ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ فَآمَنَ بِاللهِ وَتَخَلَّى فِي بَيْتٍ فِي دَارِ أَبِيهِ يَعْبُدُ اللهَ وَلَمْ يَكُنْ لِأَبِيهِ وَلَدٌ غَيْرُهُ فَأَشَارُوا عَلَى أَبِيهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ فَزَوَّجَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى النِّسَاءِ فَغَضِبَ عَلَيْهِ أَبُوهُ وَأَمَرَ بِرَدْمِ الْبَابِ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ حَرَّكَتْهُ رِقَّةُ الْآبَاءِ فَأَمَرَ بِفَتْحِ الْبَابِ فَفُتِحَ فَلَمْ يَجِدُوهُ ، فَأَعْطَاهُ اللهُ مِنَ الْقُوَّةِ أَنْ يَتَصَوَّرَ كَيْفَ شَاءَ وَكَانَ عَلَى مُقَدِّمَةِ جَيْشِ ذِي الْقَرْنَيْنِ وَشَرِبَ مِنْ عَيْنِ الْحَيَاةِ ـ انْتَهَى.

واخْتَلَفَ فِي وَجْهِ تَسْمِيَتِهِ بِالْخَضِرِ : فَقِيلَ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا صَلَّى اخْضَرَّ مَا حَوْلَهُ ، وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَرْضٍ بَيْضَاءَ فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ خَضْرَاءَ مِنْ خَلْفِهِ ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

وفِي مَعَانِي الْأَخْبَارِ لِلصَّدُوقِ ( ره ) : وَمَعْنَى الْخَضِرِ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَجْلِسُ عَلَى خَشَبَةٍ يَابِسَةٍ إِلَّا اخْضَرَّتْ.

وقد اختلف العلماء فيه فقال الأكثرون هو نبي محتجين بقوله تعالى ( وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ) وبأنه أعلم من موسى عليه السلام ، وَمِمَّا نُقِلَ مِنْ وَصَايَاهُ لِمُوسَى عليه السلام عِنْدَ الِافْتِرَاقِ يَا مُوسَى اجْعَلْ هَمَّكَ فِي مَعَادِكَ ، وَلَا تَخُضْ فِيمَا لَا يَعْنِيكَ ، وَلَا تَتْرُكِ الْخَوْفَ فِي أَمْنِكَ ، وَلَا تَيْأَسْ مِنَ الْأَمْنِ فِي خَوْفِكَ. فَقَالَ لَهُ مُوسَى : زِدْنِي. فَقَالَ الْخَضِرُ : لَا تَضْحَكْ مِنْ غَيْرِ عَجَبٍ ، وَلَا تُعَيِّرْ أَحَدَ الْخَاطِئِينَ بَعْدَ النَّدَمِ ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ يَا بْنَ عِمْرَانَ ، يَا مُوسَى

٢٨٩

لَا تَطْلُبِ الْعِلْمَ لِتُحَدِّثَ بِهِ وَاطْلُبِ الْعِلْمَ لِتَعْمَلَ بِهِ ، وَإِيَّاكَ وَالْغَضَبَ إِلَّا فِي اللهِ ، وَلَا تَرْضَ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا فِي اللهِ ، وَلَا تُحِبَّ لِلدُّنْيَا وَلَا تُبْغِضْ لِلدُّنْيَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُ مِنَ الْإِيمَانِ وَيُدْخِلُ فِي الْكُفْرِ.

وَفِي الْخَبَرِ « نَهَى عَنِ الْمُخَاضَرَةِ ».

وهي أن يباع الثمار قبل أن يبدو صلاحها وهي خضر بعد ، ويدخل في المُخَاضَرَةِ بيع الأرطاب والبقول وأشباههما ـ قاله في معاني الأخبار. والأُخَيْضِرُ : ذباب أخضر على قدر الذباب السود.

( خطر )

فِي الْحَدِيثِ « إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ قَدْراً الَّذِي لَا يَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِهِ خَطَراً ».

هو بالتحريك القدر والمنزلة. ومِنْهُ فِي وَصْفِالأئمة عليهم السلام « مَا أَجَلَ خَطَرَكُمْ ».

أي ما أعظم قدركم ومنزلتكم عند الله.

وَمِنْهُ الدُّعَاءُ « مَا أَنَا وَمَا خَطَرِي ».

وَفِي الْحَدِيثِ « لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ خَطَرٌ ».

أي شرف « لَا لِصَالِحَتِهِنَّ » أَمَّا لِصَالِحَتِهِنَّ فَلَيْسَ خَطَرُهَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ.

وخَطَرَانُ الرجل : اهتزازه في المشي وتبختره. ويَخْطِرُ في مشيته : أي يتمايل ويمشي مشية المتعجب بنفسه ومنه الْحَدِيثُ « أَحَبُ الْخَطَرِ فِيمَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ وَأَبْغَضُ الْخَطَرِ فِي الطُّرُقَاتِ ».

ومِنْهُ « مَنْ زَارَ أَخَاهُ فِي اللهِ وَلِلَّهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَخْطِرُ بَيْنَ قَبَاطِيَّ مِنْ نُورٍ » (١).

أي يهتز بين ثياب بيض رقيقة من نور لا يمر بشيء إلا أضاء له. والخَطَرُ بالتحريك : السبق الذي يتراهن عليه. والخَطَرُ : المقلاع الذي يرمى به. ومِنْهُ « مَرَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صَبِيَّانٍ يَلْعَبُونَ بِأَخْطَارٍ لَهُمْ فَرَمَى أَحَدُهُمْ بِخَطَرٍ فَرَمَى رَبَاعِيَةَ صَاحِبِهِ ».

وفِي وَصْفِهِ تَعَالَى « الْخَطَرَاتُ لَا تَحُدُّهُ ».

وَفِي الدُّعَاءِ « أَوْ خَطَرَ بِهَا مِنِّي خَطَرَاتٌ ».

يريد بها ما يقع في الخاطر.

__________________

(١) الكافي ج ٢ صلى الله عليه وآله ١٧٧.

٢٩٠

والخَاطِرُ : الهاجس ، والجمع خَوَاطِرُ. وخَطَرَ بباله خُطُوراً من بابي ضرب وقعد : ذكره بعد نسيان. وأَخْطَرَهُ اللهُ بباله أوقعه الله في خاطري. والخَطَرُ بالتحريك : الإشراف على الهلاك وقَوْلُهُ « خَاطَرَ بِنَفْسِهِ مَنِ اسْتَغْنَى بِرَأْيِهِ » (١).

و « بِئْسَ الْخَطَرُ لِمَنْ خَاطَرَ اللهَ بِتَرْكِ طَاعَتِهِ ».

كلاهما من المُخَاطَرَةِ ، وهي ارتكاب ما فيه خطر وهلاك.

( خفر )

فِي الْحَدِيثِ « إِذَا خُفِرَتِ الذِّمَّةُ نُصِرَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ».

أي إذا نقض العهد بين المشركين والمسلمين أديل لأهل الشرك من أهل الإيمان ، يقال خَفَرْتُ الرجلَ أَخْفِرُهُ بالكسر من باب ضرب خَفَراً بالتحريك : إذا آجرته وكنت له حاميا وكفيلا وأَخْفَرْتُ الرجلَ وخَفَرْتُ الرجلَ : إذا نقضت عهده وغدرت به ، فالهمزة للسلب والإزالة : أي أزلت خفارته. و « الخفَارَةُ » بالكسر والضم : الذمام والعهد ، ومنه الْخَبَرُ « مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فَإِنَّهُ فِي ذِمَّةِ اللهِ فَلَا يُخْفِرَنَ اللهَ فِي ذِمَّتِهِ ».

أي فلا يَنْقُضُنَّ في عهده وذمامه. ومِنْهُ « مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي خُفْرَةِ اللهِ ».

أي في ذمامه. والخَفِيرُ : المجير ، ومِنْهُ « الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْداً يَكُونُ خَفِيراً لِي مِنْ نِقْمَتِهِ ».

أي حافظا ومجيرا لي من انتقامه وعذابه.

وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ لِعَائِشَةَ « غَضُّ الْأَطْرَافِ وَخَفَرُ الْإِعْرَاضِ ».

أي الحياءُ من كل ما يكره. والخَفَرُ بالفتح : الحياء. قال في المجمع ويروى الأعراض بالفتح جمع عرض ، أي إنهن يعني النساء يستحين ويستترن لأجل أعراضهن وصونهن.

( خمر )

قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ) [ ٥ / ٩٠ ] الآية. الخَمْرُ معروف. وعن ابن الأعرابي إنما سمي الخَمْرُ خمرا لأنها تركت فاختمرت ، واخْتِمَارُهَا

__________________

(١) نهج البلاغة ج ٣ صلى الله عليه وآله ٢٠١.

٢٩١

تغير ريحها ، ويقال سميت بذلك لمُخَامَرَتِهَا العقلَ.

والتَّخْمِيرُ : التغطية. ومنه « مَرْكُوٌّ مُخَمَّرٌ » أي مغطى.

والخَمْرُ فيما اشتهر بينهم : كل شراب مسكر ، ولا يختص بعصير العنب. قال في القاموس : والعموم أصح لأنها حرمت وما في المدينة خمر وما كان شرابهم إلا التمر والبسر ـ انتهى كلامه.

ويشهد له ما رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله : « الْخَمْرُ مِنْ خَمْسَةٍ : الْعَصِيرُ مِنَ الْكَرْمِ ، وَالنَّقِيعُ مِنَ الزَّبِيبِ ، وَالْبِتْعُ مِنَ الْعَسَلِ ، وَالْمِزْرُ مِنَ الشَّعِيرِ ، وَالنَّبِيذُ مِنَ التَّمْرِ » (١).

وَرُوِيَ فِي الْكَافِي بِسَنَدٍ صَحِيحٍ ، وَكَذَا فِي التَّهْذِيبِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَيْضاً إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الْمَاضِي عليه السلام قَالَ : « إِنَّ اللهَ لَمْ يُحَرِّمِ الْخَمْرَ لِاسْمِهَا وَلَكِنْ حَرَّمَهَا لِعَاقِبَتِهَا ، فَمَا كَانَ عَاقِبَتُهُ عَاقِبَةَ الْخَمْرِ فَهُوَ خَمْرٌ » (٢).

قوله : ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَ ) [ ٢٤ / ٣١ ] أي مقانعهن ، جمع خِمَار وهي المقنعة ، سميت بذلك لأن الرأس يخمر بها أي يغطى ، وكل شيء غطيته فقد خَمَّرْتَهُ ، وجمع الخِمَارِ خُمُر ككتاب وكتب واخْتَمَرَتِ المرأةُ : أي لبست خمارها وغطت رأسها.

وَفِي الْخَبَرِ « لَا تَجِدُ الْمُؤْمِنَ إِلَّا فِي مَسْجِدِ يَعْمُرُهُ أَوْ بَيْتٍ يُخَمِّرُهُ أَوْ مَعِيشَةٍ يُدَبِّرُهَا ». قوله « يُخَمِّرُهُ » أي يستره ويصلح أمر شأنه.

وقد تكرر في الحديث ذكر الخُمْرَةِ والسجود عليها ، وهي بالضم سجادة صغيرة تعمل من سعف النخل وتزمل بالخيوط. وفي النهاية هي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده ، ولا يكون خُمْرَةً إلا في هذا المقدار.

ومنه « كَانَ أَبِي يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ يَضَعُهَا عَلَى الطِّنْفِسَةِ » (٣).

ومِنْهُ « السُّجُودُ عَلَى الْأَرْضِ فَرِيضَةٌ

__________________

(١) الكافي ج ٦ صلى الله عليه وآله ٣٩٢.

(٢) الكافي ج ٦ صلى الله عليه وآله ٤١٢.

(٣) الكافي ج ٣ صلى الله عليه وآله ٣٣٢.

٢٩٢

وَعَلَى الْخُمْرَةِ سُنَّةٌ » (١).

وخُمْرَةُ العجين : ما يجعل فيه من الخمرة. والخَمِيرُ : العجين. و « الخَمَرُ » بالتحريك : ما واراك من خزف أو جبل أو شجر. ومنه قَوْلُهُ عليه السلام « لَا تُمْسِكْ بِخَمَرِكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي ».

أي لا يستند إليه في صلاتك. و « دَخَلَ فِي خِمَارِ النَّاسِ ».

أي فيما يواريه ويستره منهم. وخَمَّرَ وجهه ـ بالتثقيل ـ : أي غطاه وستره. والخَمْرَةُ : الخمر ، ومنه حَدِيثُ ابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ لِأَصْحَابِهِ : سَأَلْتُكُمْ تَلْتَمِسُوا لِي خَمْرَةً فَأَلْقَيْتُمُونِي عَلَى جَمْرَةٍ.

و « بَاخَمْرَا » موضع بالبادية بها قبر إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام (٢).

( خنجر )

« الخَنْجَرُ » بالفتح فالسكون : سكين كبير شهير المعرفة.

( خور )

قوله تعالى : ( فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ ) [ ٢٠ / ٨٨ ] هو بالضم : صوت شديد كصوت البقر ، يُقَالُ كَانَتِ الرِّيحُ تَدْخُلُ بِهِ فَيُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ كَصَوْتِ الْبَقَرِ.

من قولهم خَارَ الثورُ يَخُورُ خُوَاراً صاح. والخَوْرَانُ : مجرى الروث. وخَارَ الرجلُ يَخُورُ : ضعف. ومنه قَوْلُ عَلِيٍّ عليه السلام فِي ذَمِّ أَصْحَابِهِ « وَإِنْ حُورِبْتُمْ خُرْتُمْ » (٣).

أي ضعفتم وانكسرتم. والأرض الخَوَّارَةُ : السهلة اللينة.

__________________

(١) الكافي ج ٣ صلى الله عليه وآله ٣٣١.

(٢) في معجم البلدان ج ١ صلى الله عليه وآله ٣١٦ : باخمرا بالراء موضع بين الكوفة وواسط وهو إلى الكوفة أقرب ، قالوا بين الكوفة وباخمرا سبعة عشر فرسخا.

(٣) نهج البلاغة ج ٢ صلى الله عليه وآله ١٢١.

٢٩٣

( خير )

قوله تعالى : ( وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [ ٢٢ / ٧٧ ]

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِعْلُ الْخَيْرِ إِشَارَةٌ إِلَى صِلَةِ الرَّحِمِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، فَيَكُونُ حَثّاً عَلَى سَائِرِ الْمَنْدُوبَاتِ وَالْقُرُبَاتِ.

قوله : ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ) [ ٢ / ١٤٨ ] أي الأعمال الصالحة ، وهي جمع خَيْر على معنى ذوات الخير. والخَيْرُ : المال أيضا ، قال تعالى : ( وَإِنَّهُ لِحُبِ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ) [ ١٠٠ / ٨ ] وقوله : ( إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ ) [ ١١ / ٨٤ ] قوله : ( فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ) [ ٢٤ / ٣٣ ] قال : إن علمتم لهم مالا (١). وقَالَ : « الْخَيْرُ أَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ وَيَكُونَ بِيَدِهِ مَا يَكْتَسِبُ بِهِ » (٢).

وقد تقدم البحث في ذلك في « كتب » أيضا. قوله : ( فِيهِنَ خَيْراتٌ حِسانٌ ) [ ٥٥ / ٧٠ ] قيل : أي خَيِّرَات بالتشديد فخفف. قوله : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) [ ٢٨ / ٦٨ ] لا يخفى ما فيها من الرد على من يثبت الإمامة بالاختيار ، ومثلها قوله : ( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) [ ٣٣ / ٣٦ ]. قوله : ( وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا ) [ ٧ / ١٥٥ ] قال المفسر : الاخْتِيَارُ إرادة ما هو خير ، يقال خُيِّرَ بين أمرين فَاخْتَارَ أحدهما ، وقد مر في « رأى » تمام الكلام في الآية.

وَفِي الْحَدِيثِ « خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ ».

إشارة إلى صلة الرحم والحث عليها. والخَيْرُ : خلاف الشر ، وجمعه خُيُور وخِيَار مثل فلوس وسهام ، ومنه « جَزَاهُ اللهُ خَيْراً ». والخَيْرُ على ما في معاني الأخبار نهر في الجنة مخرجه من الكوثر والكوثر مخرجه عن ساق العرش ، عليه منازل

__________________

(١) البرهان ج ٣ صلى الله عليه وآله ١٣٢.

(٢) البرهان ج ٣ صلى الله عليه وآله ١٣٣.

٢٩٤

الأوصياء وشيعتهم ، على حواشي ذلك النهر جواري نابتات كلما قلعت واحدة نبتت أخرى باسم ذلك النهر ، وذلك قوله تعالى : ( فِيهِنَ خَيْراتٌ حِسانٌ ) فإذا قال الرجل لصاحبه : جزاك الله خَيْراً فإنما يعني تلك المنازل التي أعدها الله تعالى.

وَكَتَبَ رَجُلٌ إِلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام : يَا سَيِّدِي أَخْبِرْنِي بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ « ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ). أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ مَنْ طَلَبَ رِضَا اللهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللهُ أُمُورَ النَّاسِ ، وَمَنْ طَلَبَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللهِ وَكَلَهُ اللهُ إِلَى النَّاسِ ».

وَفِي الْحَدِيثِ سُئِلَ عَنِ الْخَيْرِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ : « لَيْسَ الْخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ مَالُكَ وَوَلَدُكَ وَلَكِنَّ الْخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ عِلْمُكَ ، وَأَنْ يَعْظُمَ حِلْمُكَ ، وَأَنْ تُبَاهِيَ بِعِبَادَةِ رَبِّكَ فَإِنْ أَحْسَنْتَ حَمِدْتَ اللهَ وَإِنْ أَسَأْتَ اسْتَغْفَرْتَ اللهَ » (١).

والأَخْيَارُ : خلاف الأشرار (٢). والخِيَارُ : القثاء. قال الجوهري : وليس بعربي. وخِيَارُ المال : كرائمه. وامرأة خَيِّرَةٌ بالتشديد والتخفيف : أي فاضلة في الجمال والخلق. ورجل خَيِّرٌ بالتشديد أي ذو خير. و « الخَيِّرَانِ » بالتشديد : الفاعلان للخير.

وَفِي الدُّعَاءِ « أَنْتَ خَالِقُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ».

قيل هو خلق تقدير لا خلق تكوين ، ويتم الكلام فيه في خلق إن شاء الله تعالى.

وَفِي الْخَبَرِ « تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ ».

أي اطلبوا ما هو خير المناكح ، أي أزكاها وأبعدها من الخبث والفجور. و « الخِيرَة » بالكسر فالسكون من الاختيار. و « الخِيَرَة » بفتح الياء بمعنى الخيار. والخِيَارُ : هو الاختيار ، ويقال هو اسم من تَخَيَّرْتُ الشيء مثل الطِّيَرَة اسم

__________________

(١) نهج البلاغة ج ٣ صلى الله عليه وآله ١٧١.

(٢) في الصحاح « والخيار خلاف الأشرار ».

٢٩٥

من تطير ، وقيل هما لغتان بمعنى واحد ـ قاله في المصباح. والاخْتِيَارُ : الاصطفاء. و « مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله خِيَرَتُكَ مِنْ خَلْقِكَ » بكسر الخاء وبالياء والراء المفتوحتين أي المُخْتَار المنتخب ، وجاء بتسكين الياء.

وَقَوْلُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام « فَأَنَا الْخِيَرَةُ ابْنُ الْخِيَرَتَيْنِ ».

يريد خيرة الله من العرب هاشم ومن العجم فارس.

وَفِي الْخَبَرِ « أَنَا بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ ».

تثنية خيرة كعنبة ، أي أنا مخير بين الاستغفار وتركه في قوله تعالى ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ). ومنه « خَيَّرْتُهُ بين الشيئين » أي فوضت إليه الخيار.

وَفِي حَدِيثِ الِادِّهَانِ « إِنَّ الْخِيرِيَّ لَطِيفٌ » و « رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَدَّهِنُ بِالْخِيرِيِ » (١).

قال الجوهري الخِيرِيُ معرب. قيل هو الخطمي (٢).

وَفِي الْحَدِيثِ « صَبِيَّانِ قَالا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ : خَايِرْ بَيْنَنَا ».

يعني أينا خير وأحسن. وخَارَ الله لك : أي أعطاك الله ما هو خير لك. و « الخِيرَةُ » بسكون الياء اسم منه ، والاسْتِخَارَةُ طلب الخيرة كعنبة. وأَسْتَخِيرُكَ بعلمك « أي أطلب منك الخيرة متلبسا بعلمك بخيري وشري ، قيل الباء للاستعانة أو للقسم الاستعطافي.

وَفِي الْحَدِيثِ » مَنِ اسْتَخَارَ اللهَ رَاضِياً بِمَا صَنَعَ اللهُ خَارَ اللهُ لَهُ حَتْماً ».

أي طلب منه الخيرة في الأمر. وفيه « اسْتَخِرْ ثم اسْتَشِرْ » ومعناه

__________________

(١) الحديثان في الكافي ج ٦ صلى الله عليه وآله ٥٢٢.

(٢) قال في المصباح المنير ( خير ) الخير بالكسر الكرم والجود ، والنسبة إليه خيري عن لفظه ، ومنه للمنثور خيري لكنه غلب على الأصفر منه لأنه الذي يخرج دهنه ويدخل في الأدوية ، وفلان ذو خير أي ذو كرم ، ويقال للخزامي خيري البر لأنه أذكى نبات البادية ريحا.

٢٩٦

أنك تستخير الله أولا بأن تقول « اللهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ خِيرَةً في عافية » وتكرر ذلك مرارا ثم تشاور بعد ذلك فيه ، فإنك إذا بدأت بالله أجرى الله لك الخيرة على لسان من شاء من خلقه. وخِرْ لِي واخْتَرْ لي : أي اجعل من أمري خيرا وألهمني فعله واختر لي الأصلح وهذه خِيرَتِي بالسكون ، وهو ما يختار. وخَيْر يأتي للتفضيل ، فيقال هذا خَيْرٌ من هذا أي يفضله ، ويكون اسم فاعل لا يراد به التفضيل نحو « الصلاة خَيْرٌ من النوم » أي ذات خير وفضل ، أي جامعة لذلك. وهذا أَخْيَرُ من هذا : لغة بني عامر ، وكذلك أشر منه ، وسائر العرب تسقط الألف منهما ـ قاله في المصباح. وفلان ذو خَيْرٍ : أي ذو كرم.

باب ما أوله الدال

( دبر )

قوله تعالى : ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) [ ٣٢ / ٥ ] قال الشيخ أبو علي : أي يدبر الأمور كلها ويقدرها على حسب إرادته فيما بين السماء والأرض وينزله مع الملك إلى الأرض ثم يعرج إليه الملك ، أي يصعد إلى المكان الذي أمره الله أن يصعد إليه ( فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) ، أي يوم يكون مقداره لو سار غير الملك ألف سنة مما يعده البشر خمسمائة عام نزول وخمسمائة عام صعود. قوله : ( فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) [ ٦ / ٤٥ ] أي أهلك آخر من بقي منهم. قال المفسر هو إيذان بوجوب الحمد لله عند هلاك الظلمة ، لأنه من أجل النعم وأجزل القسم قوله : ( وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ ) [ ٨ / ٧ ] باستيصالهم وقتلهم وأسرهم. والدَّابِرُ : الآخر ، من دَبَرَ إذا أَدْبَرَ. ومثله قوله : ( أَنَ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ )

٢٩٧

( مُصْبِحِينَ ) [ ١٥ / ٦٦ ] يعني آخرهم ، أي يستأصلون عن آخرهم. قوله [ قرئ ] : إِذَا دَبَرَ دَبَرَ وأَدْبَرَ بمعنى واحد ، ومنه قولهم « ساروا كأمس الدَّابِرِ » ، وقيل هو من دَبَرَ الليلُ النهارَ : إذا خلفه. وقرئ [ قوله ] ( وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ) [ ٧٤ / ٣٣ ] بإسكان الدال وأَدْبَرَ بزيادة الهمزة على وزن أفعل. قوله : ( وَأَدْبارَ السُّجُودِ ) [ ٥٠ / ٤٠ ] هو بالفتح جمع [ ٥٢ / ٤٩ ] بالكسر مصدر.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام أَدْبَارُ السُّجُودِ : الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ ، وَإِدْبَارُ النُّجُومِ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ (١).

والقراء السبعة متفقون على كسر الهمزة التي في سورة الطور وفتحها شاذ. قوله : ( وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ ) [ ١٥ / ٦٥ ] أي اقتف آثارهم وكن وراءهم عينا عليهم ، فلا يتخلف أحد منهم. قوله : ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) [ ٤ / ٨٢ ] من التَّدَبُّر ، وهو النظر في أدبار الأمور وتأملها.

قَوْلُهُ : ( فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً ) [ ٧٩ / ٥ ] قِيلَ هِيَ الْمَلَائِكَةُ تُدَبِّرُ أَمْرَ الْعِبَادِ مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام

وقِيلَ إِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ جَبْرَئِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ وَمَلَكُ الْمَوْتِ يُدَبِّرُونَ أَمْرَ الدُّنْيَا.

وقِيلَ إِنَّ الْأَفْلَاكَ يَقَعُ فِيهَا أَمْرُ اللهِ فَيَجْرِي بِهِ الْقَضَاءُ فِي الدُّنْيَا.

وَفِي الدُّعَاءِ « وَلَا مَقْطُوعاً دَابِرِي ».

الدَّابِرُ. بقية الرجل من ولده ونسله.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْمُؤَازَرَةُ عَلَى الْعَمَلِ تَقْطَعُ دَابِرَ الشَّيْطَانِ ».

أي آخره. وفِيهِ « إِيَّاكُمْ وَالتَّدَابُرَ ».

وهو التقاطع والمصارمة والهجران ، مأخوذ من أن يولي الرجل صاحبه دبره بعداوته ويعرض عنه بوجهه. و « الدُّبْر » بسكون الموحدة وبالضمتين خلاف القبل من كل شيء ، ومنه يقال لآخر الأمر دُبْر. ومنه « فليقل دُبْرَ المكتوبة كذا » بضم دال أشهر من فتحه ، أي آخر

__________________

(١) هذا التفسير منقول عن أبي جعفر الباقر عليه السلام في حديثين ـ انظر البرهان ج ٤ صلى الله عليه وآله ٢٢٨ و٢٤٣.

٢٩٨

أوقات الصلاة. ومنه « دَبَّرَ الرجلُ العبدَ تَدْبِيراً » إذا أعتقه بعد موته. و « أعتق عبده عن دُبُرٍ » أي بعد دبر. والتَّدْبِيرُ تفعيل منه ، فإن الحياة دبر الوفاة. والتَّدْبِيرُ في الأمر : أن تنظر إلى ما يئول إليه عاقبته. وتَدَبُّرُ الأمر : التفكر فيه. والدُّبُر : المخرج دون الأليين. والفرق بين التَّدَبُّر والتفكر ـ على ما قيل ـ هو أن التَّدَبُّرَ تصرف القلب بالنظر في العواقب والتَّفَكُّر تصرف القلب في النظر بالدلائل. والريح الدَّبُور : الريح التي تقابل الصبا تهب من ناحية المغرب ، قيل سميت بذلك لأنها تأتي من دبر الكعبة ، قال في النهاية وليس بشيء. و « الدَّبَرُ » بالتحريك كالجراحة تحدث من الرجل ونحوه. ومنه « دَبِرَ ظهر الدابة » بالكسر. ودَبِرَ البعير دَبْراً بالإسكان ودَبَراً بالتحريك من باب فرح. والدَّبَرَان خمسة كواكب في الثور ، يقال إنه سنامه وهو من منازل القمر.

( دثر )

قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) [ ٧٤ / ١ ] أي المُتَدَثِّر بثيابه ، وهو اللابس الدِّثَار الذي هو فوق الشعار ، والشِّعَار الثوب الذي يلي الجسد. ومنه تَدَثَّرَ : أي لبس الدثار وتلفف به. ومنه حَدِيثُ الْأَنْصَارِ « أَنْتُمُ الشِّعَارُ وَالنَّاسُ الدِّثَارُ ».

والمعنى أنتم الخاصة والناس العامة. وفِيهِ « أَنَّ الْقَلْبَ يَدْثُرُ كَمَا يَدْثُرُ السَّيْفُ فَجَلَاؤُهُ ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى ».

أي يصدأ أي كما يصدأ السيف ، وأصل الدُّثُور الدروس ، وهو أن تهب الرياح على المنزل فيفشي رسومه الرمل ويغطيه. ومنه دَثَرَ الرسمُ دُثُوراً من باب قعد. ومثله « حَادِثُوا هَذِهِ الْقُلُوبَ بِذِكْرِ اللهِ فَإِنَّهَا سَرِيعَةُ الدُّثُورِ ».

يعني دروس ذكره وإمحاءه منها ، يقول اجلوها واغسلوا الرين والطبع الذي علاها بذكر الله تعالى. ودُثُورُ النفس : سرعة نسيانها.

٢٩٩

والدَّثُورُ كرسول الرجل الخامل النئوم

( دجر )

الدَّيْجُورُ : الظلام. وليلة دَيْجُورٌ : أي مظلمة.

( دحر )

قوله : ( اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً ) [ ٨ / ١٧ ] أي مطرودا مبعدا ، من الدُّحُور وهو الطرد والإبعاد. ومثله قوله : دُحُوراً [ ٣٧ / ٩ ] أي إبعادا. وقد دَحَرَهُ : أي أبعده. ومِنْهُ « ادْحَرْ عَنِّي الشَّيْطَانَ ».

أي أبعده عني. والدُّحُورُ : الدفع بعنف على الإهانة. ومِنْهُ « الشَّهَادَةُ مَدْحَرَةٌ لِلشَّيْطَانِ ».

أي محل لدحره ، وهو طرده وإبعاده ، وذلك لأن غاية الشيطان من الإنسان الشرك بالله والكلمة بإخلاص تنفيه وتبعده عن مراده

( دخر )

قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ ) [ ٤٠ / ٦٠ ] أي صاغرين ذليلين. الدَّاخِرُ : الصاغر الذليل ، يقال دَخَرَ الرجلُ كمنع وفرح أي ذل وصغر ، فهو دَاخِرٌ وهو المفسر في هذه الآية دلالة على عظم قدر الدعاء عند الله وعلى فضل الانقطاع إليه.

وَقَدْ رَوَى مُعَاذُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام جَعَلَنِيَ اللهُ فِدَاكَ مَا تَقُولُ فِي رَجُلَيْنِ دَخَلَا الْمَسْجِدَ جَمِيعاً كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ صَلَاةٍ وَالْآخَرُ أَكْثَرَ دُعَاءٍ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ قَالَ : كُلٌّ حَسَنٌ. قُلْتُ : قَدْ عَلِمْتُ ذَلِكَ وَلَكِنْ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ قَالَ : أَكْثَرُهُمَا دُعَاءً ، أَمَا تَسْمَعُ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) الْآيَةَ. وَقَالَ هِيَ الْعِبَادَةُ.

وَرَوَى زُرَارَةُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. قَالَ : هُوَ الدُّعَاءُ (١).

وَرَوَى حَنَانُ بْنُ سَدِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أَيُّ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ : مَا مِنْ شَيْءٍ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ وَيُطْلَبَ مَا عِنْدَهُ ، وَمَا أَحَدٌ أَبْغَضَ إِلَى اللهِ مِمَّنْ يَسْتَكْبِرُ عَنْ عِبَادَتِهِ (٢).

__________________

(١) الكافي ج ٢ صلى الله عليه وآله ٤٦٦.

(٢) الكافي ج ٢ صلى الله عليه وآله ٤٦٦.

٣٠٠