مجمع البحرين - ج ٣

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٣

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٤

١
٢

كتاب الدال

٣
٤

باب ما أوله الألف

( أبد )

فِي حَدِيثِ الْحَجِ : قَالَ لَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ : أَرَأَيْتَ مُتْعَتَنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ قَالَ : لَا بَلْ لِأَبَدِ الْآبِدِ (١).

أي هذه لآخر الدهر ، والأَبَدُ : الدهر ، والجمع آبَادٌ مثل سبب وأسباب. والأَبَدُ : الدهر الطويل الذي ليس بمحدود. وإذا قلت « لَا أُكَلِّمُهُ أَبَداً » فَالْأَبَدُ هو من لدن تكلمت إلى آخر عمرك. والتَّأْبِيدُ : التخليد ، ومِنْهُ « اعْمَلْ لِدُنْيَاكَ كَأَنَّكَ تَعِيشُ أَبَداً ».

أي مخلدا إلى آخر الدهر. والأَبَدُ : الدوام ، ومنه يُجْزِي التَّحَرِّي أَبَداً : أي دائما. وأَبَدَ يَأْبِدُ بالكسر أُبُوداً : أقام به.

( أجد )

فِي الدُّعَاءِ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَجَدَنِي بَعْدَ ضَعْفٍ ».

أي قَوَّاني بعده. وقولهم « نَاقَةٌ أُجُدٌ » أي قوية.

( أحد )

قوله تعالى : ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) [ ١١٢ / ١ ] أي واحد ، فأبدل الواو همزة وحذفت الثانية. وقيل أصل أحد وحد فأبدلت الهمزة من الواو المفتوحة كما أبدلت من المضمومة في قولهم وجوه وأجوه ومن المكسورة كوشاح وإشاح ، ولم يبدلوا من المفتوحة إلا في حرفين أحد وامرأة أناة من الونى وهو الفتور. وقيل أَحَد بمعنى أول كما يقال يوم الأحد.

قِيلَ سَبَبُ نُزُولِ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) هُوَ أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وآله فَقَالُوا لَهُ : مَا نِسْبَةُ رَبِّكَ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) إِلَى

__________________

(١) الكافي ج ٤ صلى الله عليه وآله ٢٤٦.

٥

آخِرِهَا (١).

فَأَحَدٌ في ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) بدل من الله لأن النكرة تبدل من المعرفة ، كما في قوله تعالى ( لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ ) ومعنى أَحَدٍ أَحَدِيُّ النَّعْتِ كما

قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله « نُورٌ لَا ظَلَامَ فِيهِ وَعِلْمٌ لَا جَهْلَ فِيهِ » (٢).

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) يَعْنِي غَيْرَ مُبَعَّضٍ وَلَا مُجَزَّإٍ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْعَدَدِ وَلَا الزِّيَادَةُ وَلَا النُّقْصَانُ.

و « الْأَحَدُ » من أسمائه تعالى ، وهو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر ، وهو اسم بني لنفي ما يذكر معه من العدد ، تقول « مَا جَاءَنِي أَحَدٌ ». والأَحَدُ بمعنى الواحد ، وهو أول العدد ، تقول أَحَدٌ واثنان وأَحَدَ عشر وإِحْدَى عشرة. قال الجوهري : وأما قولهم ما في الدار أَحَدٌ فهو اسم لمن يصلح أن يخاطب ، يستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث ، قال تعالى ( لَسْتُنَ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ ) وقال ( فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ ). وأَحَّدَهُ ووَحَدَّهُ كما يقال ثناه وثلثه. والأَحَدُ : أحد أيام الأسبوع ، وجمعه الآحَادُ. ومنه الْحَدِيثُ « اتَّقُوا أَخْذَ الْأَحَدِ ».

أي شَرُّهُ. و « أُحُدٌ » بضمتين : جبل معروف على ظهر مدينة الرسول صلى الله عليه وآله ، وبقربه كانت الوقعة التي قتل فيها حمزة عم النبي صلى الله عليه وآله وقبره هناك.

( أدد )

قوله تعالى : ( لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا ) [ ١٩ / ٨٩ ] أي منكرا عظيما ، من الإِدِّ وهو الشيء المنكر العظيم.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام « رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله فِي الْمَنَامِ فَقُلْتُ : مَا أَصَبْتُ مِنَ الْإِدَدِ وَالْأَوَدِ ».

الإِدَدُ بكسر همزة جمع إِدَّةٍ بكسرها وتشديدها : الدواهي العظام ، والأود العوج. و « أُدٌّ » أبو قبيلة ، وهو أُدُّ بن طائحة ابن إلياس بن مضر. و « أُدَدُ » أبو قبيلة من اليمن ، وهو

__________________

(١) مجمع البيان ج ٥ صلى الله عليه وآله ٥٦٤.

(٢) البرهان ج ٤ صلى الله عليه وآله ٥٢٦.

٦

أُدَدُ بن زيد بن كهلان بن سبإ بن حمير ـ قاله الجوهري.

وَفِي حَدِيثِ الْبَاقِرِ عليه السلام « لَمْ يَزَلْ بَنُو إِسْمَاعِيلَ وُلَاةَ الْبَيْتِ يُقِيمُونَ لِلنَّاسِ حَجَّهُمْ وَأَمْرَ دِينِهِمْ يَتَوَارَثُونَهُ كَابِراً عَنْ كَابِرٍ حَتَّى كَانَ زَمَنُ عَدْنَانَ بْنِ وَأَفْسَدُوا وَأَحْدَثُوا فِي دِينِهِمْ وَأَخْرَجَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً ، فَمِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْمَعِيشَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ كَرَاهِيَةَ الْقِتَالِ ، وَفِي أَيْدِيهِمْ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ مِنَ الْحَنِيفِيَّةِ ـ يَعْنِي سُنَّةَ إِبْرَاهِيمَ ـ مِنْ تَحْرِيمِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَمَا حَرَّمَ اللهُ فِي النِّكَاحِ ، إِلَّا أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَحِلُّونَ امْرَأَةَ الْأَبِ وَابْنَةَ الْأُخْتِ ، وَالْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ، وَكَانَ فِيمَا بَيْنَ إِسْمَاعِيلَ وَعَدْنَانَ بْنِ أُدَدَ مُوسَى ( عليه السلام ).

( أزد )

فِي حَدِيثِ السِّوَاكِ « لَمَّا دَخَلَ النَّاسُ فِي الدِّينِ أَفْوَاجاً أَتَتْهُمُ الْأَزْدُ أَرَقُّهَا قُلُوباً وَأَعْذَبُهَا أَفْوَاهاً ».

والأَزْدُ هم ولد الأَزْدِ بن الغوث أبو حي من اليمن. والأَزْدُ أزد شنوة وعمان.

( أسد )

الأَسَدُ معروف ، وسمي أَسَداً لقوته. من اسْتَأْسَدَ النبت : إذا قوي. وأَسَدٌ جد أمير المؤمنين عليه السلام لأمه فاطمة. وجمع أسد أُسُودٌ وأُسُدٌ وأُسْدٌ وآسُدٌ وآسَادٌ مثل أجبل وأجبال ، والأنثى أَسَدَةٌ. وللأسد أسماء كثيرة ذكرها في حياة الحيوان. وعن ابن خالويه للأسد خمسمائة اسم وصفة ، وزاد عليه علي بن القاسم اللغوي مائة وثلاثين اسما. قال أصحاب الكلام في طبائع الحيوان : إن الأنثى لا تضع إلا جروا واحدا تضعه لحما ليس فيه حس ولا حركة ، فتحرسه كذلك ثلاثة أيام ثم يأتي بعد ذلك أبوه فينفخ فيه المرة بعد المرة حتى يتحرك ويتنفس وتنفرج أعضاؤه وتتشكل صورته ، ثم تأتي أمه فترضعه ولا تفتح عيناه إلا بعد سبعة أيام ، فإذا مضت عليه ستة أشهر كلف الاكتساب لنفسه بالتعليم. قالوا : وللأسد من الصبر على الجوع وقلة الحاجة إلى الماء ما ليس لغيره من السباع ، ولا

٧

يأكل من فريسة غيره ، وإذا شبع من فريسة تركها ولم يعد إليها ، ولا يشرب من ماء ولغ فيه كلب ـ كذا في حياة الحيوان.

( أفد )

أَفِدَ كفرح : أسرع وأبطأ ضد ـ قاله في القاموس. وأَفِدَ أيضا : أزف ودنا كَاسْتَأْفَدَ ، فهو أَفِدٌ على فَعِل. والأَفَدُ محركة : الأجل والأمد.

( أكد )

التَّأْكِيُد لغة في التوكيد ، ومعناه التقوية ، وهو عند النحاة نوعان : لفظي وهو إعادة الأول بلفظه نحو « جاء زيد زيد » ، ومنه قول المؤذن « الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر » ، ومعنوي نحو « جاء زيد نفسه » وفائدته رفع توهم المجاز لاحتمال مجيء غلامه.

( أمد )

قوله تعالى : ( فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ ) [ ٥٧ / ١٦ ] الأَمَدُ هو نهاية البلوغ ، وجمعه آمَادٌ ، يقال بلغ أَمَدَهُ : أي بلغ غايته. وعن الراغب الأَمَدُ والأبد متقاربان ، لكن الأَبَد عبارة عن مدة الزمان التي ليس لها حد محدود ولا يتقيد فلا يقال أبدا كذا ، والأَمَدُ مدة مجهولة إذا أطلق وينحصر نحو أن يقال أَمَدُ كذا ، والفرق بين الزمان والأمد أن الأَمَدَ يقال باعتبار الغاية والزَّمَان عام في المبدإ والغاية ، ولذلك قال بعضهم المدى والغاية متقاربان. قوله : ( أَمَداً بَعِيداً ) [ ٣ / ٣٠ ] أي مسافة واسعة

وَفِي حَدِيثِ وَصْفِهِ تَعَالَى « لَا أَمَدَ لِكَوْنِهِ وَلَا غَايَةَ لِبَقَائِهِ ».

قيل أي لا أَوَّل.

وَفِي الدُّعَاءِ « جَعَلْتَ لَهُ أَمَداً مَحْدُوداً ».

أي منتهى ينتهي إليه. وأَمِدَ أَمَداً من باب لعب : غضب. وآمِدُ بلد في الثغور ـ قاله الجوهري.

( أود )

قوله تعالى : ( وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما ) [ ٢ / ٢٥٥ ] أي لا يثقله ويشق عليه ، من قولهم آدَنِي الشيء أو الحمل يَئُودُنِي أَوْدًا : أي أثقلني.

٨

ومن كلامهم « وما آدَكَ فهو لي آئِدٌ » أي ما أثقلك فهو لي مثقل. والأَوَدُ بالفتح : القوة. والأَوَدُ أيضا : العوج. وأَوِدَ الشيء بالكسر يَأْوَدُ أَوَداً : أي اعوج. وتَأَوَّدَ : تعوج. وأقام أَوَدَهُ : أي عوجه ، ومنه « يقيم أَوَدَكُمْ » أي اعوجاجكم. ومثله « أقم بهم أَوَدِي » أي اعوجاجي. والمعنى أصلح بهم شأني واكشف بهم غمي ونظائره.

( أيد )

قوله تعالى : ( وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) [ ٢ / ٨٧ ] أي قويناه به ، والأَيْدُ والآدُ : القوة. قوله : ( ذَا الْأَيْدِ ) [ ٣٨ / ١٧ ] بغير ياء فيمن قرأ بذلك ، أي ذي القوة على العبادة ، وقيل ذي القوة على الأعداء لأنه رمى بحجر من مقلاعه صدر رجل فأنفذه من ظهره فأصاب آخر فقتله. ومثله قوله تعالى : ( ذَا الْأَيْدِ ) في قراءة من قرأ بغير ياء ، أي أولي القوة. وأَيَّدْتُهُ تَأْيِيداً : قويته ، والفاعل مُؤَيِّدٌ. وتَأَيَّدَ الشيء : تقوى. وتقول أَيَّدْتُهُ تَأْيِيداً : قويته ، ومنه « أَيَّدَكَ الله تَأْيِيداً ». ورجل أَيِّدٌ بالتشديد : أي قوي.

باب ما أوله الباء

( بجد )

« ذُو الْبِجَادَيْنِ » مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ حِينَ هَاجَرَ قَطَعَتْ أُمُّهُ بِجَاداً لَهَا قِطْعَتَيْنِ فَارْتَدَى بِإِحْدَاهُمَا وَائْتَزَرَ بِالْأُخْرَى (١).

والبِجَادُ : الكساء من أكسية العرب

__________________

(١) اسم ذي البجادين هو عبد الله بن عبد نهم ـ راجع الكنى والألقاب ج ٢ صلى الله عليه وآله ٢٢٠.

٩

مخطط. ومنه قوله :

كَبِيرُ أُنُاسٍ في بِجَادٍ مُزَمَّلٍ

وبَجْدَةُ الأمر : باطنه وسرُّه ، يقال هُوَ عَالِمٌ بِبَجْدَةِ أَمْرِكَ وبِبُجُدَةِ أمرك بضم الباء والجيم ، أي بدخلة أمرك وباطنه. ويقال للدليل الحاذق « هُوَ ابْنُ بَجْدَتِهَا » أي عالم بالأرض كأنه نشأ بها. وأبجد إلى قرشت وكلمن رئيسهم ملوك مدين ، وضعوا الكتابة العربية على عدد حروف أسمائهم ، هلكوا يوم الظلة فقالت ابنة كلمن شعرا :

كلمن هَدَّم ركني

هُلْكُه وَسْط المحلة

قاله في القاموس.

وَفِي حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله أَنَّهُ قَالَ « تَعَلَّمُوا تَفْسِيرَ أَبْجَدْ فَإِنَّ فِيهِ الْأَعَاجِيبَ كُلَّهَا ، وَيْلٌ لِعَالِمٍ جَهِلَ تَفْسِيرَهُ » فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله مَا تَفْسِيرُ أَبْجَدْ؟ فَقَالَ : « أَمَّا الْأَلِفُ فَآلَاءُ اللهِ ، وَأَمَّا الْبَاءُ فَبَهَاءُ اللهِ ، وَأَمَّا الْجِيمُ فَجَنَّةُ اللهِ وَجَلَالُ اللهِ وَجَمَالُ اللهِ ، وَأَمَّا الدَّالُ فَدِينُ اللهِ ، وَأَمَّا هَوَّزْ فَالْهَاءُ الْهَاوِيَةُ فَوَيْلٌ لِمَنْ هَوَى فِي النَّارِ ، وَأَمَّا الْوَاوُ فَوَيْلٌ لِأَهْلِ النَّارِ ، وَأَمَّا الزَّاءُ فَزَاوِيَةٌ فِي النَّارِ فَنَعُوذُ بِاللهِ مِمَّا فِي الزَّاوِيَةِ يَعْنِي زَوَايَا جَهَنَّمَ ، وَأَمَّا حُطِّي فَالْحَاءُ حُطُوطُ الْخَطَايَا عَنِ الْمُسْتَغْفِرِينَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا نَزَلَ بِهِ جَبْرَئِيلُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ إِلَى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ، وَأَمَّا الطَّاءُ فَطُوبَى بِهِمْ ( وَحُسْنُ مَآبٍ ) وَهِيَ شَجَرَةٌ غَرَسَهَا اللهُ تَعَالَى وَإِنَّ أَغْصَانَهَا لَتُرَى مِنْ وَرَاءِ سُورِ الْجَنَّةِ تُنْبِتُ الْحُلِيَّ وَالْحُلَلَ مُتَدَلِّيَةً عَلَى أَفْوَاهِهِمْ ، وَأَمَّا الْيَاءُ فَيَدُ اللهِ فَوْقَ خَلْقِهِ ، وَأَمَّا كَلَمَنْ فَالْكَافُ كَلَامُ اللهِ ( لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ) و ( لَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ) ، وَأَمَّا اللَّامُ فَإِلْمَامُ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَيْنَهُمْ فِي الزِّيَارَةِ وَالتَّحِيَّةَ وَالسَّلَامِ وَتَلَاوُمُ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، وَأَمَّا الْمِيمُ فَمُلْكُ اللهِ الَّذِي لَا يَزُولُ وَدَوَامُ اللهِ الَّذِي لَا يَفْنَى ، وَأَمَّا النُّونُ فَنُون ( وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ) وَالْقَلَمُ قَلَمٌ مِنْ نُورٍ وَكِتَابٌ مِنْ نُورٍ وَلَوْحٌ مِنْ نُورِ اللهِ مَحْفُوظٌ ( يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ) و ( كَفى بِاللهِ شَهِيداً ) » ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي مَعَانِي الْأَخْبَارِ إِلَى قَوْلِهِ قَرَشَتْ فَقَالَ فِيهِ « قَرَشَهُمْ فَحَشَرَهُمْ وَنَشَرَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَقَضَى

١٠

( بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ ) » (١).

ولعله اكتفى في تفسير باقي الحروف على ما فسر في حروف الهجاء. والله أعلم.

( بدد )

فِي الْحَدِيثَ « لَمْ نَجِدْ لَكَ بُدّاً مِنْ كَذَا ».

أي لم نجد لك مخلصا منه بدون فعله ، يقال لا بُدَّ لك من كذا : أي لا فراق لك منه ولا محيد عنه. ولا يعرف استعمال لها إلا مقرونا بالنفي. وبَدَدْتُ الشيءَ بَدّاً ـ من باب قتل ـ فرقته ، واستعمل مبالغة وتكثيرا. وبَدَّدَ الله عظامه يوم القيامة : فرقها.

وَفِي الدُّعَاءِ عَلَى الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ « وَاقْتُلْ أَعْدَاءَهُمْ بِدَداً ».

بكسر الباء جمع بُدَّةٍ وهي الحصة والنصيب ، أي اقتلهم حصصا مقسمة لكل واحد منهم حصته ونصيبه ، ويروى بالفتح أي متفرقين بالقتل واحدا بعد واحد. وشَمْلٌ مُبَدَّدٌ : أي متفرق ، من تَبَدَّدَ الشيء : تفرق. وما لك به بَدَدٌ وبَدَّةٌ : أي ما لك به طاقة. واسْتَبَدَّ بالأمر : انفرد به من غير مشارك ، ومنه يُقَالُ « مَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ ضَلَّ أَوْ هَلَكَ ».

( برد )

قوله تعالى : ( مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ ) [ ٢٤ / ٤٣ ] قيل من هنا زائدة ، والتقدير وتنزل من السماء من جبال فيها بَرَدٌ. والبَرَدُ : شيء ينزل من السحاب يشبه الحصى ، ويسمى حب الغمام وحب المزن ، قيل وإنما سمي بَرَداً لأنه يبرد وجه الأرض.

قَوْلُهُ : ( لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً ) [ ٧٨ / ٢٤ ] يُرِيدُ النَّوْمَ وَالْمَاءَ ـ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ نَقْلاً عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

وقِيلَ ( لا يَذُوقُونَ ) فِي جَهَنَّمَ بَرْداً يَنْفَعُهُمْ مِنْ حَرِّهَا ( وَلا شَراباً ) يَنْفَعُهُمْ مِنْ عَطَشِهَا (٢).

والبَرْدُ : خلاف الحَرِّ. كما أن البُرُودَةَ

__________________

(١) معاني الأخبار صلى الله عليه وآله ٤٥ ـ ٤٧.

(٢) هذا الكلام كله منقول من مجمع البيان ج ٥ صلى الله عليه وآله ٢٤٦.

١١

خلاف الحرارة. وبَرَدَ الماء كنَصَرَ وكَرُمَ بُرُودَةً : سكنت حرارته. وعيش بَارِدٌ : أي هنيء.

وَفِي الْحَدِيثِ « أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَوْحِ جَهَنَّمَ » (١).

قيل هو من الإِبْرَادِ الذي هو انكسار الوَهَج والحر ، أعني الدخول في البرد ، والمعنى صَلُّوهَا في أول وقتها من بَرْدِ النهار أوله ، وهو الأقرب لأن الصلاة مما أمر الإنسان بتعجيلها والمحافظة عليها. ومثله الْحَدِيثُ « إِنَّ الْمُؤَذِّنَ يَأْتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله فِي الْحَرِّ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فَيَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله أَبْرِدْ أَبْرِدْ » (٢).

يعني عَجِّلْ عَجِّلْ. قال الصدوق ( ره ) : وأخذ ذلك من التَّبْرِيدِ يعني الدخول في البرد ، لأن من عجل بصلاته في أول وقتها فقد سلم من الوهج والحر ، قيل وهذا أولى من حمل أَبْرِدْ أبرد على التأخير لمنافاته المحافظة على الصلاة وتعجيلها أول الوقت. وفِيهِ « أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ إِبْرَادُ كَبِدٍ حَرَّى » (٣).

أي تبريد وهجها وحرارتها. وفِيهِ « الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ ».

أي التي لا تعب فيها ولا نصب والعرب تصف سائر ما يستلذ بِالْبُرُودَةِ ، ويشهد لذلك قَوْلُهُ عليه السلام « مَنْ وَجَدَ بَرْدَ حُبِّنَا عَلَى قَلْبِهِ فَلْيَحْمَدِ اللهَ ».

أراد لذاذة حبنا ، والمعنى أن الصائم في الشتاء يحوز الأجر من غير أن يمسه العطش أو تصيبه لذعة الجوع. وفِيهِ « إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَلْيَأْتِ زَوْجَتَهُ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ بَرْدَ مَا فِي نَفْسِهِ ».

روي بالموحدة من البرد ، أي إنه يبرد له ما تحركت به نفسه من حد شهوة الجماع ، أي يسكنه ويجعله باردا. وفِيهِ « لَا تُبَرِّدْ لِلْوَارِثِ عَلَى ظَهْرِكَ ».

قيل معناه لا تشقى ويسعد غيرك ، يفسره

قَوْلُهُ عليه السلام « إِنَّمَا أَنْتَ جَامِعٌ لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ : إِمَّا رَجُلٍ عَمِلَ بِطَاعَةِ اللهِ فَيَسْعَدُ

__________________

(١) سفينة البحار ج ١ صلى الله عليه وآله ٦٨.

(٢) من لا يحضر ج ١ صلى الله عليه وآله ١٤٤.

(٣) الكافي ج ٤ صلى الله عليه وآله ٥٦.

١٢

بِمَا شَقِيتَ ، وَإِمَّا رَجُلٍ يَعْمَلُ فِيهِ بِمَعْصِيَةِ اللهِ فَشَقِيَ بِمَا جَمَعْتَ لَهُ ، وَلَيْسَ مِنْ هَذَيْنِ أَحَدٌ [ بِأَهْلٍ ] بِأَنْ تُؤْثِرَهُ عَلَى نَفْسِكَ وَلَا تُبَرِّدْ لَهُ عَلَى ظَهْرِكَ.

وَفِي الدُّعَاءِ « اللهُمَّ اجْمَعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله فِي بَرْدِ الْعَيْشِ ».

أي في طيب العيش. وبَرَّدْتُ الشيءَ تَبْرِيداً ، ولا يقال أَبْرَدْتُهُ إلَّا في لغة ردية قاله الجوهري. و « البُرْدُ » بالضم فالسكون : ثوب مخطط ، وقد يقال لغير المخطط أيضا ، وجمعه بُرُودٌ وأَبْرَادٌ ، ومنه الْحَدِيثُ « الْكَفَنُ يَكُونُ بُرْداً ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بُرْداً فَاجْعَلْهُ كُلَّهُ قُطْناً » (١).

والبُرْدَةُ : كساء أسود مربع فيه صغر يكتسيه الأعراب. و « أبو بُرْدَةَ » من كنى الرجال ، ومنه أبو بُرْدَةَ بن قيس الأشعري أخو موسى الأشعري اسمه عامر بن قيس بن سليم. و « بُرْدَةُ » اسم أحد الأوصياء الذي انتقلت منه الوصية إلى محمد صلى الله عليه وآله. وبُرَيْدٌ مصغرا : اسم رجل. و « البَرِيدُ » بالفتح على فعيل أربعة فراسخ اثنا عشر ميلا ، وروي فرسخين ستة أميال ، والمشهور الذي عليه العمل خلافه.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ الصَّادِقِ عليه السلام « الْبَرِيدُ مَا بَيْنَ ظِلِّ عَيْرٍ إِلَى فَيْءِ وُعَيْرٍ ذَرَعَتْهُ بَنُو أُمَيَّةَ ثُمَّ جَزَّءُوهُ اثْنَىْ عَشَرَ مِيلاً فَكَانَ كُلُّ مِيلٍ أَلْفاً وَخَمْسَمِائَةِ ذِرَاعٍ وَهُوَ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ ».

وَفِي الْحَدِيثِ « حَرَمُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله مِنَ الْمَدِينَةِ بَرِيدٌ فِي بَرِيدٍ » (٢).

ومثله « الْحَرَمُ بَرِيدٌ فِي بَرِيدٍ ».

وحينئذ فيكون طول الحرم أربعة فراسخ وعرضه كذلك ، وهو من جانب مكة الشرقي أكثر من الغربي ، لأن إشراق نور الحجر كان أكثر إلى جانب المشرق. والبَرِيدُ : الرسول ، ومِنْهُ « الْحُمَّى بَرِيدُ الْمَوْتِ ».

وفي الفائق وغيره : البَرِيدُ في الأصل

__________________

(١) الكافي ج ٣ صلى الله عليه وآله ١٤٩.

(٢) من لا يحضر ج ٢ صلى الله عليه وآله ٣٣٦.

١٣

البغل ، وهي كلمة فارسية وأصلها « بُرِيدَه دُمْ » أي محذوف الذنب ، لأن بغال البَرِيدِ كانت محذوفة الأذناب ، فأعربت الكلمة وخففت ثم سمي الرسول الذي يركبه بَرِيداً ، ثم سميت المسافة به ، والجمع بُرُدٌ بضمتين.

وَفِي الْحَدِيثِ : « آخِرُ الْعَقِيقِ بَرِيدُ أَوْطَاسٍ ».

لعله اسم موضع. و « البَرْدِيُ » بالفتح فالسكون نبات معروف في العراق ، وبالضم ضرب من أجود التمر. و « البَرَّادَةُ » بالتشديد : السقاية ، وسمي المُبَرِّدُ النحوي بذلك لأنه كان يدرس بها ، وكنية المُبَرِّدِ أبو العباس وكان في زمن المتوكل (١)و البَرْدَانِ : العصران ، وهما الغداة والعشي ، يعني طرفي النهار ، ويقال ظِلَّاهما و « البَرَدَان » بالتحريك : موضع (٢)وَ فِي الْخَبَرِ « الْبِطِّيخُ يَقْطَعُ الْإِبْرِدَةَ ».

بكسر الهمزة : علة معروفة من غلبة البرد والرطوبة تفتر عن الجماع ـ قاله في النهاية. وفِيهِ « كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْبَرُودِ ».

وهو بالفتح : كحل فيه أشياء باردة.

( برجد )

البُرْجُدُ : كساء غليظ ـ قاله الجوهري

وَالبَرَاجِدُ : الْحَوَائِطُ السَّبْعَةُ الَّتِي وَصَّتْ بِهَا فَاطِمَةُ عليها السلام.

( بعد )

قوله تعالى : ( باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا ) [ ٣٤ / ١٩ ] هو المُبَاعَدَةُ نقيض المقاربة.

رُوِيَ هُوَ أَنَّ هَؤُلَاءِ كَانَ لَهُمْ قُرًى مُتَّصِلَةٌ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَنْهَارٌ جَارِيَةٌ وَأَمْوَالٌ ظَاهِرَةٌ ، فَكَفَرُوهَا وَغَيَّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ، فَأَرْسَلَ اللهُ ( عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ ) فَفَرَّقَ قُرَاهُمْ وَأَخْرَبَ دِيَارَهُمْ وَأَذْهَبَ أَمْوَالَهُمْ.

قوله : ( بَعِدَتْ ثَمُودُ ) [ ١١ / ٩٥ ]

__________________

(١) توفي المبرد في سنة ٢٨٥ ه‍ ببغداد ودفن في مقبرة باب الكوفة في دار اشتريت له ـ انظر الكنى والألقاب ج ٣ صلى الله عليه وآله ١١٣.

(٢) ذكر ياقوت في معجم البلدان ج ١ صلى الله عليه وآله ٣٧٥ مواضع كثيرة تعرف بالبردان.

١٤

أي هلكت ، يقال بَعِدَ بالكسر يَبْعَدُ إذا هلك ، وبَعُدَ يَبْعُدُ بالضم من البعد. قوله : ( رَجْعٌ بَعِيدٌ ) [ ٥٠ / ٣ ] قيل هذا البعيد يعنون البعث. قوله : ( يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ ) [ ٤١ / ٤٤ ] قيل أي بعيد من قلوبهم وبَعْد : خلاف قَبْل. قال تعالى : ( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ) [ ٣٠ / ٤ ] أي قبل الفتح وبعده ، وقد يكون بمعنى مع مثل قوله تعالى : ( عُتُلٍ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ ) [ ٦٨ / ١٣ ] أي مع ذلك. قوله : ( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها ) أي مع ذلك ، وقيل بَعْد على أصلها لما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : خَلَقَ اللهُ الْأَرْضَ قَبْلَ السَّمَاءِ فَ ( قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها ) وَلَمْ يَدْحُهَا ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهَا.

قوله : ( لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ ) [ ٤١ / ٥٢ ] قيل أي يتباعد بعضهم في ميثاقه بعض.

وَفِي الْحَدِيثِ « أَيُّ قَاضٍ قَضَى بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَخْطَأَ سَقَطَ أَبْعَدَ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ » (١).

قيل يعني سقط عن درجة أهل الثواب سقوطا أبعد مما بين السماء والأرض ، فأبعد صفة مصدر ، أي سقوطا بعيد المبتدإ والمنتهى. ومثله « يَهْوِي بِهِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ».

وَفِي الْحَدِيثِ « مَنْ فَعَلَ كَذَا تَبَاعَدَتْ عَنْهُ النَّارُ مَسِيرَةَ سَنَةٍ ».

قيل هو إشارة إلى يوم القيامة يوم العبور على الصراط والورود على النار.

وَفِي الدُّعَاءِ « بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ ».

أي إذا قدرت لي ذنبا وخطيئة فَبَعِّدْ بيني وبينه واغفر لي خطاياي السالفة مني.

وَفِي حَدِيثِ الْخَلَاءِ « إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ قَضَاءَ الْحَاجَةِ أَبْعَدَ ».

يعني تباعد عن النظارة إليه. قال ابن قتيبة نقلا عنه : أَبْعَدَ يكون لازما ويكون متعديا ، فاللازم أَبْعَدَ زيد عن المنزل بمعنى تباعد ، والمتعدي أَبْعَدْتُهُ والأَبْعَدُ خلاف الأَقْرَبِ ، والبُعْدُ نقيض القُرْبِ. والبُعْدُ : المسافة. والتَّبَاعُدُ : نقيض التَّقَارُبِ.

__________________

(١) الكافي ج ٧ صلى الله عليه وآله ٤٠٨.

١٥

وبَعَّدَهُ بالتشديد بمعنى أَبْعَدَهُ ، واسْتَبْعَدَهُ نقيض اسْتَقْرَبَهُ. وأمر بَعِيدٌ : لا يقع مثله لعظمه. وتنح غير بَعِيدٍ : أي كن قريبا. و « بَعْدُ » ظرف مبهم من ظروف الزمان لا يفهم معناه إلا بالإضافة لغيره ، وهو زمان متراخ عن السابق ، فإذا قرب منه قيل بُعَيْدَة بالتصغير ، كما يقال قبل العصر فإذا قرب قيل قبيل العصر. وقد تكرر في كلام الفصحاء « أَمَّا بَعْدُ » وهي كلمة تسمى فصل الخطاب ، يستعملها المتكلم إذا أراد الانتقال من كلام إلى آخر. قيل : أول من تكلم بها داود ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : ( وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ ) يعني أَمَّا بَعْد ، وقِيلَ أَرَادَ بِفَصْلِ الْخَطَّابِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ.

وقيل أول من قالها علي عليه السلام لأنها أول ما عرفت من كلامه وخطبه ، وقيل قس بن ساعدة الإيادي حكيم العرب ، لقوله :

لقد علم الحي اليمانون أنني

إذا قيل أما بَعْدُ أني خطيبها

أي خطيب أما بعد ، ومعناها مهما يكن من شيء بعد كذا فكذا.

( بغدد )

« بَغْدَادُ » اسم البلدة المشهورة ، تذكر وتؤنث ، والدال الأولى مهملة وفي الثانية لغات ثلاث : دال مهملة وهو الأكثر ، ونون ، وذال معجمة (١) قال في المصباح وهي إسلامية وبانيها المنصور أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي ابن عبد الله بن العباس ثاني الخلفاء العباسيين ، بناها لما تولى الخلافة بعد أخيه السفاح وكانت ولاية المنصور المذكور في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة وتوفي في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة.

( بلد )

قوله تعالى : ( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ) [ ٧ / ٥٨ ] الآية.

__________________

(١) ذكر في معجم البلدان ج ١ صلى الله عليه وآله ٤٥٩ لبغداد سبع لغات : بغداد ، بغدان ، بغداذ ، مغداد ، مغداذ ، مغدان.

١٦

قال المفسر : معناه والأرض الطيب ترابه ( يَخْرُجُ نَباتُهُ ) أي زرعه خروجا حسنا ناميا زاكيا من غير كد ولا عناء ( بِإِذْنِ رَبِّهِ ) بأمر الله تعالى ( وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً ) أي الأرض السبخة التي خبث ترابها لا يخرج ريعها إلا شيئا قليلا (١) قوله : ( وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ) [ ٩٥ / ٣ ]

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍ : يَعْنِي مَكَّةَ الْبَلَدَ الْحَرَامَ يَأْمَنُ فِيهِ الْخَائِفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ، فَالْأَمِينُ يَعْنِي الْمُؤَمَّنُ يُؤْمَنُ مَنْ يَدْخُلُهُ ـ كَذَا رَوَاهُ عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السلام (٢)

و « البَلَدُ » يذكر ويؤنث ، والجمع بُلْدَانٌ. والبَلْدَةُ : البلد ، والجمع بِلَادٌ مثل كلبة وكلاب. ويطلق البَلْدَةُ والبِلَادُ على كل موضع من الأرض عامرا كان أو خلاء ، ومنه قوله تعالى : ( إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ ) [ ٣٥ / ٩ ] أي إلى أرض ليس فيها نبات ولا مرعى فيخرج ذلك بالمطر فترعاه أنعامهم ، فأطلق الموت على عدم النبات والمراعي ، وأطلق الحياة على وجودهما.

وَفِي الْحَدِيثِ « أَعُوذُ بِكَ مِنْ سَاكِنِي الْبَلَدِ ».

يريد بِالْبَلَدِ الأرض التي هي المأوى للحيوان والجن وإن لم يكن فيها بناء ، وأراد بالساكنين الجن لأنهم سكان الأرض وبَلُدَ الرَّجُلُ بالضم بَلَادَةً فهو بَلِيدٌ : إذا كان غير ذكي ولا فطن. والبَلَادَةُ : نقيض النفاذ والمضي في الأمر. والتَّبَلُّدُ : ضد التجلد. ومنه الْحَدِيثُ « أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ التَّجَلُّدَ قَبْلَ التَّبَلُّدِ ».

ولعل معناه أن الإنسان إذا تجلد وتصبر على الأمر وصل إلى الراحة التي هي عدم التبلد. والله أعلم. و « إبراهيم بن أبي البِلَادِ » باللام المخففة والباء الموحدة من رواة الحديث (٣)

__________________

(١) مجمع البيان ج ٥ صلى الله عليه وآله ٤٣٢.

(٢) مجمع البيان ج ٢ صلى الله عليه وآله ٥١١.

(٣) اسم أبي البلاد يحيى بن سليم وقيل ابن سليمان مولى بني عبد الله بن غطفان ، ويكنى إبراهيم أبا يحيى ، كان ثقة قارئا أديبا ـ انظر رجال النجاشي صلى الله عليه وآله ١٨.

١٧

( بيد )

قوله تعالى : تَبِيدَ [ ١٨ / ٣٥ ] أي تهلك ، يقال بَادَ الشيء يَبِيدُ بَيْداً وبُيُوداً : هلك. ومنه « أَبَادَهُمُ الله » أي أهلكهم. والبَيْدَاءُ : المفازة لا شيء بها. و « البِيدُ » بالكسر جمع البيداء. و « البَيْدَاءُ » أرض مخصوصة بين مكة والمدينة على ميل من ذي الحليفة نحو مكة ، كأنها من الإِبَادَةِ وهي الإهلاك.

وَفِي الْحَدِيثِ « نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْدَاءِ » (١).

وعلل بأنها من الأماكن المغضوب عليها. وفِيهِ : « إِنَّ قَوْماً يَغْزُونَ الْبَيْتَ فَإِذَا نَزَلُوا فِي الْبَيْدَاءِ بَعَثَ اللهُ إِلَيْهِمْ جَبْرَئِيلَ فَيَقُولُ بَيْدَاءُ أَبِيدِيهِمْ ».

أي أهلكيهم فتخسف بهم. وفِيهِ « الْبَيْدَاءُ هِيَ ذَاتُ الْجَيْشِ ».

. وفِي آخَرَ « قُلْتُ : وَأَيْنَ حَدُّ الْبَيْدَاءِ؟ قَالَ : كَانَ جَعْفَرٌ إِذَا بَلَغَ ذَاتَ الْجَيْشِ جَدَّ فِي السَّيْرِ ثُمَّ لَا يُصَلِّي حَتَّى يَأْتِيَ مُعَرَّسَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله. قُلْتُ : وَأَيْنَ حَدُّ ذَاتِ الْجَيْشِ؟ فَقَالَ : دُونَ الْحَفِيرَةِ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ ».

وبَيْدَ بمعنى غير ـ قاله الجوهري وغيره ، ومنه قَوْلُهُ صلى الله عليه وآله « أَنَا أَفْصَحُ الْعَرَبِ بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ » (٢).

ومن كلامهم « هو كثير المال بَيْدَ أَنَّهُ بخيل ».

باب ما أوله التاء

( تأد )

التُّؤَدَةُ : التأني والرزانة ضد التسرع ومِنْهُ « صَلِّ عَلَى تُؤَدَةٍ ».

أي من غير استعجال.

( تلد )

التَّالِدُ : المال القديم الأصلي الذي ولد عندك ، وكذلك التِّلَادُ والإِتْلَادُ ،

__________________

(١) الكافي ج ٣ صلى الله عليه وآله ٣٨٩.

(٢) سفينة البحار ج ٢ صلى الله عليه وآله ٣٦١.

١٨

يقال يَتْلِدُ المالُ من باب ضرب تُلُوداً قدم فهو تَالِدٌ. ومنه حَدِيثُ الْأَئِمَّةِ أَئِمَّةٌ مِنَ اللهِ يَنْمُو بِبَرَكَتِهِمُ التِّلَادُ ».

والتَّلِيدَةُ : من ولدت ببلاد العجم ثم حملت صغيرة فشبت ببلاد الإسلام. ومنه حَدِيثُ شُرَيْحٍ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً وَشَرَطُوا أَنَّهَا مُوَلَّدَةٌ فَوَجَدُوهَا تَلِيدَةً فَرَدَّهَا.

وَفِي الْحَدِيثِ « عَلَيْكَ بِالتِّلَادِ وَإِيَّاكَ وَكُلَّ مُحْدَثٍ لَا عَهْدَ لَهُ وَلَا أَمَانَةَ وَلَا ذِمَّةَ وَلَا مِيثَاقَ ».

قيل يريد بِالتِّلَادِ الصاحب القديم المجرب وبالمحدث المتجدد ولم يتصف بصفات الكمال.

باب ما أوله الثاء

( ثرد )

فِي حَدِيثِ الْأَطْعِمَةِ « مَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الثَّرِيدِ » (١).

و « بَارَكَ اللهُ لِأُمَّتِي فِي الثَّرْدِ وَالثَّرِيدِ ».

فعيل بمعنى مفعول ، يقال ثَرَدْتُ الخبز ثَرْداً : أي فتته وكسرته ، فهو ثَرِيدٌ ، والاسم الثُّرْدَةُ بالضم. قيل ويريد بِالثَّرْدِ هنا ما صغر وبِالثَّرِيدِ ما كبر (٢).

( ثمد )

قوله تعالى : ( وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً ) [ ٧ / ٧٣ ] ثَمُودُ قبيلة من العرب الاولى ، وهم قوم صالح عليه السلام ، وصالح من ولد ثمود سموا باسم أبيهم الأكبر ثَمُودُ بن عاثر بن آدم بن سام ابن نوح ، يصرف ولا يصرف ، فمن جعله اسم حي أو واد صرفه لأنه مذكر ، ومن جعله اسم قبيلة أو أرض لم يصرفه.

__________________

(١) الكافي ج ٦ صلى الله عليه وآله ٣١٧.

(٢) هذا المعنى مذكور في حديث عن الإمام الصادق عليه السلام ـ انظر الكافي ج ٦ صلى الله عليه وآله ٣١٧.

١٩

و « أرض ثَمُودَ » قريبة من تبوك.

وَفِي الْحَدِيثِ « مَنْ لَمْ يَأْخُذِ الْعِلْمَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله يَمُصُّونَ الثِّمَادَ وَيَدَعُونَ النَّهَرَ الْعَظِيمَ ».

الثِّمَادُ ، هو الماء القليل الذي لا مادة له ، والكلام استعارة. و « الإِثْمِدُ » بكسر الهمزة والميم : حجر يكتحل به ، ويقال إنه معرب ومعادنه بالمشرق. ومنه الْحَدِيثُ « اكْتَحِلُوا بِالْإِثْمِدِ » (١).

وعن بعض الفقهاء الإِثْمِدُ هو الأصفهاني ، ولم يتحقق.

( ثند )

فِي وَصْفِهِ « عَارِي الثَّنْدُوَتَيْنِ ».

الثَّنْدُوَتَانِ للرجل كالثديين للمرأة ، فمن ضم الثاء همز ومن فتح لم يهمز ، أراد أنه لم يكن على ذلك الموضع منه كثير لحم.

باب ما أوله الجيم

( جحد )

قوله تعالى : ( وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ) [ ٢٧ / ١٤ ] أي جحدوا بالآيات بألسنتهم واستيقنوها في قلوبهم. والاستيقان أبلغ من الإيقان. والجُحُودُ هو الإنكار مع العلم ، يقال جَحَدَ حقه جَحْداً وجُحُوداً : أي أنكره مع علمه بثبوته. قوله : ( يَجْحَدُونَ ) [ ٦ / ٣٣ ] أي ينكرون ما تستيقنه قلوبهم.

( جدد )

قوله تعالى : ( جُدَدٌ بِيضٌ ) [ ٣٥ / ٢٧ ] جدد الجبال ـ بضم الجيم ـ طرائقها ، واحدتها جُدَّةٌ بالضم أيضا. قوله تعالى : ( جَدُّ رَبِّنا ) [ ٧٢ / ٣ ] أي عظمة ربنا ، من قولهم « جَدَّ الرجل في صدور الناس وفي عيونهم » عظم. وعن أبي عبيدة ( جَدُّ رَبِّنا ) أي سلطانه يقال زال جَدُّ القوم : أي زال ملكهم.

__________________

(١) مكارم الأخلاق صلى الله عليه وآله ٤٩.

٢٠