مجمع البحرين - ج ٣

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٣

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٤

وتثلث. و « إنَ وِسَادَكَ لعريض » كناية عن كثرة النوم ، لأن من عرض وساده طاب نومه ، أو كناية عن عرض قفاه وعظم رأسه وذلك دليل الغباوة. وقولهم « رجل لا يَتَوَسَّدُ القرآنَ » يحتمل كونه مدحا أي لا يمتهنه ولا يطرحه بل يجله ويعظمه ، وذما أي لا يكب على تلاوته إكباب النائم على وساده. ومن الأول

قَوْلُهُ « لَا تَوَسَّدُوا الْقُرْآنَ ».

ومن الثاني أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ : إِنِّي أُرِيدُ طَلَبَ الْعِلْمِ فَأَخْشَى أَنْ أُضَيِّعَهُ؟ فَقَالَ : لَأَنْ تَتَوَسَّدَ الْعِلْمَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَتَوَسَّدَ الْجَهْلَ.

ـ كذا في القاموس. وجمع الوِسَادَةِ وَسَائِد. وقد وَسَّدْتُهُ الشيءَ فَتَوَسَّدَ : إذا جعلته تحت رأسه.

( وصد )

قوله تعالى : ( وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) [ ١٨ / ١٨ ] اختلف المفسرون في الوَصِيدِ ، فقيل فناء الكهف ، وقيل التراب ، وقيل الباب ، وقيل عتبة الباب ، وقيل البناء الذي من فوق ومن تحت. قوله : ( عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ ) [ ٩٠ / ٢٠ ] أي مطبقة عليهم ولا يفتح لهم باب ولا يخرج منها غم ولا يدخل فيها روح ، من قولهم أَوْصَدْتُ البابَ وأصدته : إذا أطبقته.

( وطد )

المُوَطَّدُ : المجعول ثابتا. وتَوَطَّدَ : ثبت.

( وعد )

قوله تعالى : ( وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ ) [ ٧ / ١٤٢ ]

فِي التَّفْسِيرِ كَانَ مُوسَى عليه السلام وَعَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمِصْرَ إِنْ أَهْلَكَ اللهُ عَدُوَّهُمْ أَتَاهُمْ بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ فِيهِ بَيَانُ مَا يَأْتُونَ وَمَا يَذَرُونَ ، فَلَمَّا هَلَكَ فِرْعَوْنُ سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ الْكِتَابَ فَأَمَرَ بِصَوْمِ ثَلَاثِينَ يَوْماً وَهُوَ شَهْرُ ذِي الْقَعْدَةِ ، ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاةَ فِي الْعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَكَلَّمَهُ فِيهَا.

قيل كان الموعد أربعين ليلة فأجمل في سورة البقرة وفصل هاهنا. قوله : ( وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) [ ٢ / ٥١ ] أي واعدنا موسى بأن

١٦١

ننزل عليه التوراة وضربنا له ميقاتا ذا القعدة وعشر ذي الحجة ، وقيل ليلة لأن الشهور تعد بالليالي. قال الشيخ أبو علي : ومن قرأ وَاعَدَنَا مُوسَى فلأن الله تعالى وعده الوحي ووعد هو المجيء للميقات إلى الطور. والمِيعَادُ : المُوَاعَدَة والوقت والموضع ومنه قوله تعالى : ( وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ ) [ ٨ / ٤٢ ]. قوله ( وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ) [ ٨٥ / ٢ ] يعني يوم القيامة في قول جميع المفسرين ، وهو اليوم الذي يجازى فيه الخلائق ويفصل فيه القضاء. ( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ ) [ ٣ / ١٥٢ ] أي وعد إظهار الدين وكون العاقبة للمتقين.

وَفِي الدُّعَاءِ « يَا مَنْ إِذَا وَعَدَ وَفَى وَإِذَا تَوَعَّدَ عَفَا ».

الوَعِيدُ في الاشتقاق اللغوي كَالْوَعْدِ إلا أنهم خصوا الوَعْدَ بالخير والوَعِيدَ بالشر للفرق بين المعنيين ، وربما استعمل الوَعْدُ فيهما للازدواج والاتباع. قال الجوهري : الوَعْدُ يستعمل في الخير والشر ، فإن أسقطوا الخير والشر قالوا في الخير الوَعْد والعِدَة وفي الشر الإِيعَاد والوَعِيد. والعِدَة بالكسر : الوَعْد ، والهاء عوض عن الواو التي هي فاء الفعل ، والجمع عِدَات بالكسر ولا جمع للوعد.

( وغد )

في الحديث ذكر الوَغْد ، وهو أحد القداح العشرة من التي لا أنصباء لها. والوَغْدُ : الذي يخدم غيره بطعام بطنه. وفي القاموس هو الأحمق الضعيف الدنيء أو الضعيف جسما.

( وفد )

قوله تعالى : ( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً ) [ ١٩ / ٨٥ ] أي ركبانا على الإبل.

وَفِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ « قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله : يَا عَلِيُ الْوَفْدُ لَا يَكُونُ إِلَّا رُكْبَاناً أُولَئِكَ رِجَالٌ اتَّقَوُا اللهَ فَأَحَبُّهُمْ وَاخْتَصَّهُمْ وَرَضِيَ أَعْمَالَهُمْ فَسَمَّاهُمُ الْمُتَّقِينَ ». ثُمَّ قَالَ : « يَا عَلِيُّ أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ

١٦٢

النَّسَمَةَ إِنَّهُمْ لَيَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ وَبَيَاضُ وُجُوهِهِمْ كَبَيَاضِ الثَّلْجِ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بَيَاضُهَا كَبَيَاضِ اللَّبَنِ ، عَلَيْهِمْ نِعَالُ الذَّهَبِ شِرَاكُهَا مِنْ لُؤْلُؤٍ يَتَلَأْلَأُ ».

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ « قَالَ : إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَسْتَقْبِلُهُمْ بِنُوقٍ مِنْ نُوقِ الْجَنَّةِ عَلَى رَحَائِلِ الذَّهَبِ مُكَلَّلَةً بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَجِلَالُهَا الْإِسْتَبْرَقُ وَالسُّنْدُسُ وَخِطَامُهَا جُدُلُ الْأُرْجُوَانِ وَأَزِمَّتُهَا مِنْ زَبَرْجَدٍ ، فَتَطِيرُ بِهِمْ إِلَى الْمَحْشَرِ ، مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَلْفُ مَلَكٍ مِنْ قُدَّامِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ يَزُفُّونَهُمْ حَتَّى يَنْتَهُوا بِهِمْ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ الْأَعْظَمِ ».

ـ الحديث (١)و الوَفْدُ : هم القوم يجتمعون ويَرِدُون البلاد ، واحدهم وَافِدٌ. والوَافِدُ : السابق من الإبل ، ومِنْهُ « إِمَامُ الْقَوْمِ وَافِدُهُمْ » أَيْ سابقهم إِلَى اللهِ « فَقَدِّمُوا أَفْضَلَكُمْ » (٢).

وَفِي الدُّعَاءِ « أَنَا عَبْدُكَ الْوَافِدُ عَلَيْكَ ».

أي الوارد القادم إليك ، يقال وَفَدَ فلانٌ على الأمير أي ورد رسولا ، فهو وَافِدٌ ، والجمع وَفْدٌ مثل صاحب وصحب ، وجمع الوَفْد أَوْفَاد ووُفُود ، والاسم الوِفَاد والأَوْفَاد. والوَفَادَة أيضا : القدوم للاسترفاد ، ولفظه يستعار للحج لأنه قدوم إلى بيت الله طلبا لفضله وثوابه وللصلاة ، ومنه الْحَدِيثُ « كَتَبَ عَلَيْكُمْ وِفَادَتَهُ ».

أي حجه. وفِيهِ « حَقُّ الصَّلَاةِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهَا وِفَادَةٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى » (٣).

والإِيفَادُ على الشيء : الإشراف عليه. و « الأَوْفَاد » بفتح الهمزة : قوم من العرب.

( وقد )

قوله تعالى : ( وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ ) [ ٢ / ٢٤ ] الوَقُودُ بالفتح الحطب ، وبالضم مصدر ، ويقال أَوْقَدْتُ النارَ إِيقَاداً ، ومنه على الاستعارة ( كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ ) [ ٥ / ٦٤ ] أي كلما دبروا مكيدة أبطلها الله.

__________________

(١) تفسير علي بن إبراهيم صلى الله عليه وآله ٣١٤.

(٢) من لا يحضر ج ١ صلى الله عليه وآله ٢٤٧.

(٣) مكارم الأخلاق صلى الله عليه وآله ٤٨٤.

١٦٣

قوله : ( فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ ) [ ٣٨ / ٣٨ ] أي فأَجِّجِ النار على الطين واتخذ الآجُرَّ. قوله : ( اسْتَوْقَدَ ناراً ) [ ٢ / ١٧ ] أي أَوْقَدَ نارا. ووَقَدْتُ النار تَقِدُ من باب وعد وُقُوداً بالضم ، ووَقْداً وقِدَةً ووَقَداً% بالتحريك ووَقَدَاناً أي تَوَقَّدْتُ. و « الوَقَدُ » بفتحتين : النار نفسها ـ قاله الجوهري وغيره. والمَوْقِدُ : موضع الوُقُود كالمجلس موضع الجلوس.

( وكد )

فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَفِرُهُ الْمَنْعُ وَلَا يَكِدُهُ الْعَطَاءُ ».

أي لا يزيده المنع ولا ينقصه الإعطاء. وقد وَكَدَهُ يَكِدُهُ ، ووَكَّدْتُ الشيءَ بالتشديد وأَكَّدْتُهُ إِيكَاداً وتَوْكِيداً : شددته. وتَوَكَّدَ الأمرُ وتَأَكَّدَ بمعنى.

( ولد )

قوله تعالى : ( يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ ) [ ٥٦ / ١٧ ] أي صبيان ، واحدهم وَلِيدٌ ، وقوله ( مُخَلَّدُونَ ) أي باقون ولدانا لا يهرمون. قال المفسر اختلف في هذه الوِلْدَان :

فَقِيلَ إِنَّهُمْ أَوْلَادُ أَهْلِ الدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَسَنَاتٌ فَيُثَابُونَ عَلَيْهَا وَلَا سَيِّئَاتٌ فَيُعَاقَبُونَ عَلَيْهَا فَأُنْزِلُوا هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ « هُمْ خَدَمَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ ».

وقِيلَ هُمْ مِنْ خَدَمِ الْجَنَّةِ عَلَى صُورَةِ الْوِلْدَانِ خُلِقُوا لِخِدْمَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ (١).

قوله : ( أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً ) [ ٢٦ / ١٨ ] أي طفلا. والوَلِيدُ : الصبي لقرب عهده بالولادة ، والوَلِيدَةُ الصبية والأمة ، والجمع الوَلَائِد. ومِنْهُ « قَضَى فِي وَلِيدَةٍ بَاعَهَا سَيِّدُهَا ». وَمِثْلُهُ « وَلِيدَةٍ جَامَعَهَا رَبُّهَا ».

قوله : ( لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما ) [ ٤٦ / ١٧ ] الآية. قال المفسر : المراد

__________________

(١) مجمع البيان ج ٥ صلى الله عليه وآله ٢١٦.

١٦٤

بالذي قال الجنس القائل لذلك القول ، ولذلك جاء الخبر بلفظ الجمع. قوله : ( وَوالِدٍ وَما وَلَدَ ) [ ٩٠ / ٣ ] يعني آدم وذريته ، وَقِيلَ آدَمُ وَمَا وَلَدَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْصِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام (١)

و « الوَلَدُ » بفتح اللام والواو وبضمهما وسكون اللام : يطلق على الواحد والجمع ، وقد يكون الثاني جمع وَلَد كأسد وأسد ومنه وُلْدُ إسماعيل ، وهم العرب من آل قحطان وآل معد. و « الوِلْدُ » بالكسر لغة في الوُلْدِ بالضم ـ قاله الجوهري. و[ الوَلَدُ ] كُلُّ مَا وَلَدَهُ شيءٌ ، يطلق على الذكر والأنثى والمثنى والمجموع ، فعل بمعنى مفعول ، وجمعه أَوْلَاد ، ومنه الْحَدِيثُ « إِنَّ لِي وُلْداً رِجَالاً وَنِسَاءً ».

ومِنْهُ « الْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ ».

وَفِي الدُّعَاءِ « أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ وَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ».

يعني من شر إبليس وشياطينه. ووَلَدَتِ المرأةُ تَلِدُ وِلَاداً ووِلَادَةً. والوَالِدَاتُ : الأمهات ، والوَالِدَةُ : الأم وهما وَالِدَانِ. وتَوَلَّدَ الشيءُ من الشيء : نشأ منه. ومِيلَادُ الرجل : الوقت الذي ولد فيه. و « المَوْلِدُ » بكسر اللام الموضع الذي ولد فيه. و « رجل مُوَلَّدٌ » بالتشديد : إذا كان عربيا غير محض ـ قاله الجوهري وغيره.

وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ عليه السلام « إِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ فَالْوَلَدُ يُشْبِهُ أَبَاهُ وَعُمُومَتَهُ ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ عَلَى مَاءِ الرَّجُلِ فَهُوَ يُشْبِهُ أُمَّهُ وَأَخَوَاتِهِ وَخُئُولَتَهُ ».

وَفِي الْخَبَرِ وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْوَلَدِ؟ فَقَالَ : « مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فَعَلَا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ وَلَدَتْ ذَكَراً بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ وَلَدَتْ أُنْثَى بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى ».

وَفِي النَّهْجِ « ( لَمْ يَلِدْ ) فَيَكُونَ مَوْلُوداً » (٢).

قال ابن أبي الحديد : لقائل أن يقول : كيف يلزم من فرض وقوع أحدهما وقوع الآخر كيف وآدم وَالِدٌ وليس

__________________

(١) البرهان ج ٤ صلى الله عليه وآله ٤٦٢.

(٢) نهج البلاغة ج ٢ صلى الله عليه وآله ١٤٥.

١٦٥

بِمَوْلُودٍ ، وإنما المراد أنه يلزم من فرض صحة كونه والدا صحة كونه مولودا ، لأنه لو صح أن يكون والدا على التفسير المفهوم من الوالدية ، وهو أن يتصور من بعض أجزائه حي آخر من نوعه على سبيل الاستحالة لذلك الجزء ، كما نقله في النطفة المنفصلة من الإنسان المستحيلة إلى صورة الأخرى حتى يكون منها بشر آخر من نوع الأول ليصح عليه أن يكون هو مولودا من والد آخر قبله ، وذلك لأن الأجسام متماثلة في الجسمية ، وقد ثبت ذلك بدليل عقلي واضح في مواضعه التي هي الملك به ، وكل مثلين فإن أحدهما يصح على الآخر ، فلو صح كونه والدا لصح كونه مولودا.

وَفِي الْحَدِيثِ « مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ ».

ضبط بضم تحتية وكسر لام بإبدال الواو ياء ، ورُوِيَ « يُولَدُ ».

وَقَدْ تَكَرَّرَ فِيهِ « مَنْ فَعَلَ كَذَا كَانَ لَهُ مِثْلُ مَنْ أَعْتَقَ كَذَا مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِيلَ ».

ومعناه أن الله فضلهم على ولد إسحاق ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة وبني هاشم من ولد إسماعيل واليهود من ولد إسحاق ، وقد مر في رقب معنى عتقهم.

وَفِي حَدِيثِ الْغَنِيمَةِ « لَمْ أَجِدْ لِوُلْدِ إِسْمَاعِيلَ عَلَى وُلْدِ إِسْحَاقَ فَضْلاً فِي كِتَابِ اللهِ ».

معناه أن ولد إسحاق من اليهود إذا كانوا مسلمين سواء في الغنائم وشبهها بمقتضى كلام الله ، فثبتت المساواة بين غيرهما من باب الأولوية.

وَفِي حَدِيثِ وَصْفِهِ تَعَالَى « ( لَمْ يَلِدْ ) فَيَكُونَ فِي الْعِزِّ مُشَارَكاً ( وَلَمْ يُولَدْ ) فَيَكُونَ مَوْرُوثاً هَالِكاً ».

كذا في القاموس.

وَفِي النَّهْجِ « ( لَمْ يُولَدْ ) فَيَكُونَ فِي الْعِزِّ مُشَارَكاً و ( لَمْ يَلِدْ ) فَيَكُونَ مَوْرُوثاً هَالِكاً » (١).

قال بعض الأفاضل : وهو أنسب من حيث المعنى.

( وهد )

فِي الْحَدِيثِ « فَإِنِ اغْتَسَلَ الرَّجُلُ فِي وَهْدَةٍ وَخَشِيَ أَنْ يَرْجِعَ مَا يَنْصَبُّ عَنْهُ إِلَى الْمَاءِ أَخَذَ كَفّاً وَصَبَّهُ أَمَامَهُ وَكَفّاً عَنْ

__________________

(١) نهج البلاغة ج ٢ صلى الله عليه وآله ١٢٥.

١٦٦

يَمِينِهِ وَكَفّاً عَنْ يَسَارِهِ وَكَفّاً مِنْ خَلْفِهِ وَاغْتَسَلَ مِنْهُ ».

والوَهْدَةُ بالفتح فالسكون : المنخفض من الأرض. وقد مر في نضح الوجه في صب الأكف الأربع في الجهات الأربع. وجمع الوَهْدَة وَهْدٌ ووِهَادٌ ، قيل : ووِهْدَان. ووَهْدَةُ اللبة : هي نقرة النحر بين الترقوتين.

باب ما أوله الهاء

( هجد )

قوله تعالى : ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ ) [ ١٧ / ٧٩ ] قيل معناه أي تيقظ بالقرآن. ولما كان الذي يريد التعبد لربه في جوف الليل يتيقظ ليصلي عبر عن صلاة الليل بالتهجد. وعن المبرد أنه قال : التَّهَجُّدُ عند أهل اللغة السهر ، ويقال التَّهَجُّدُ تكلف السهر للعبادات. وقال الجوهري هَجَدَ وتَهَجَّدَ : نام ليلا ، وهَجَدَ وتَهَجَّدَ : سهر ، وهو من الأضداد ، ومنه قيل لصلاة الليل « التَّهَجُّدُ ».

وَفِي الْحَدِيثِ « النَّائِمُ فِي مَكَّةَ كَالْمُتَهَجِّدِ فِي الْبُلْدَانِ ».

أي كالمتعبد فيها.

( هدد )

قوله تعالى : ( وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ ) [ ٢٧ / ٢٠ ] الهُدْهُدُ بضم الهاءين وإسكان الدال المهملة بينهما : طائر معروف ذو خطوط ، وألوان كثيرة ، والجمع الهَدَاهِدُ بالفتح. نقل أنه يرى الماء من باطن الأرض كما يراه الإنسان في باطن الزجاجة ، وزعموا أنه كان دليل سليمان على الماء وبهذا السبب تفقده لما فقده ، وله معه قصة مشهورة.

وَعَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ : الْهُدْهُدُ يَقُولُ « مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ ».

والهَدَّةُ : صوت وَقْعِ الحائط ونحوه.

١٦٧

وَفِي الْخَبَرِ « أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَدِّ وَالهَدَّةِ ».

وفسر الهَدُّ بالهدم ، والهَدَّةُ بالخسف.

وَفِي خَبَرِ الِاسْتِسْقَاءِ « ثُمَ هَدَّتْ وَدَرَّتْ ».

الهَدُّ صوت ما يقع من السماء. وهَدَّ البناءَ يَهُدُّهُ : كسره وضعضعه وهَدَّتْهُ المصيبةُ : أي أوهت ركنه. وهَدْهَدَةُ الحمامِ دَوِيُّ هَدِيرِهِ. والتَّهْدِيدُ : التخويف وكذا التَّهَدُّدُ.

( همد )

قوله تعالى : ( وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً ) [ ٢٢ / ٥ ] أي يابسة ميتة. قال بعض الأفاضل وكثيرا ما يطلق على العلم اسم الماء وعلى النفس اسم الأرض ، وعليه بعض المفسرين حمل هذه الآية ( وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ). وهَمَدَ الشجرُ : إذا بلي ، وكذلك الثوب. وهَمِدَتِ النارُ بالكسر : أي طفئت. وأرض هَامِدَة : لا نبات فيها. ونبات هَامِد : أي يابس. والهُمُود : الموت. والهَامِد : البالي المسود المتغير ومنه في وصف الدنيا « وحطامها الهَامِد » أي الهالك. و « هَمَدَان » بفتح الهاء والميم : بلد من عراق العجم ، قيل سمي باسم بانيه هَمَدَان بن العلوج بن السام. و « هَمْدَان » بسكون الميم قبيلة من اليمن ، منها الحارث الهَمْدَانِي المخاطب بالأبيات المشهورة التي أولها :

يا حار هَمْدَان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

وَمِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ عليه السلام لَهُ : « خَادِعْ نَفْسِكَ ».

أي اجذبها إلى العبادة بالخديعة دون المقاهرة.

( هند )

هِنْد اسم امرأة ، واسم أم معاوية ، واسم بلاد معروفة ، والنسبة إليها هِنْدِيٌ وهُنُود مثل زنجي وزنوج. والمُهَنَّد : السيف المطبوع من حديد الهند.

( هود )

قوله تعالى : ( كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى ) [ ٢ / ١٣٥ ] أي يَهُوداً ، فحذفت

١٦٨

الياء الزائدة ، يقال كانت اليَهُودُ تنسب إلى يَهُودَا بن يعقوب فسميت يَهُوداً. وأعربت بالدال هودا.

وَهُودُ النَّبِيُّ عليه السلام قِيلَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحِ بْنِ خلُودِ بْنِ عَوْصِ بْنِ إِرَمَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ ، قِيلَ عَاشَ ثَمَانَمِائَةٍ وَسَبْعاً. وَفِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ هُودُ بْنُ شَالِخِ بْنِ أَرْفَخْشَدَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ ـ انْتَهَى.

قيل ومعنى هُود أنه هدي إلى ما ضل عنه قومه وبعث ليهديهم من ضلالتهم ، قِيلَ وَهود [ نُوحٌ ] بَشَّرَ بِنُبُوَّةِ نوح [هُودٍ] عليه السلام وَهُوَ بَشَّرَ بِنُبُوَّةِ إِبْرَاهِيمَ ، فَلَمَّا انْتَهَتِ النُّبُوَّةُ إِلَى يُوسُفَ عليه السلام جُعِلَتْ فِي أَسْبَاطِ إِخْوَتِهِ حَتَّى انْتَهَتِ النُّبُوَّةُ إِلَى مُوسَى عليه السلام ، فَلَمَّا نَزَلَتِ التَّوْرَاةُ عَلَى مُوسَى بَشَّرَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله ، وَكَذَا عِيسَى عليه السلام بَشَّرَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله.

قوله : ( أَخاهُمْ هُوداً ) [ ٧ / ٦٥ ] أي في النسب لا في الدين ، وإنما قال ( أَخاهُمْ ) لأنه أبلغ في الحجة عليهم. قوله : ( وَقالَتِ الْيَهُودُ ) [ ٢ / ١١٣ ] الآية اليَهُودُ قوم موسى ، وهو اسم لا ينصرف للعلمية والتأنيث ، لأنه يجري في كلامهم مجرى القبيلة. قال الزمخشري : والأصل في يَهُود ومجوس أن يستعملا بغير لام التعريف ، لأنهما علمان خاصان لقومين كقبيلتين ، وإنما جوزوا تعريفهما باللام لأنه أجري يَهُودِيّ ويَهُود مجرى شعيرة وشعير. قوله : ( إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ ) [ ٧ / ١٥٦ ] أي تبنا. و « الهَوْدُ » في العرف التوبة ، يقال هَادَ يَهُودُ هَوْداً : إذا تاب ورجع إلى الحق. ومنه قول بعضهم « يا صاحب الذنب هُدْ هُدْ واسجُدْ كأنك هُدْهُد ». وقيل ( « هُدْنا إِلَيْكَ » ) أي سكنا إلى أمرك.

وَعَنِ الصَّادِقِ عليه السلام سُمِّيَ قَوْمُ مُوسَى الْيَهُودَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ ).

وتَهَوَّدَ الرجلُ : صار يهوديا ».

وَفِي الْحَدِيثِ « فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ ».

١٦٩

أي يعلمانه دين اليهود والنصارى. ويتم البحث في فطر إن شاء الله تعالى. والتَّهْوِيدُ : المشي الرويد مثل الدبيب ، وأصله من الهَوَادَةِ بفتح الهاء ، وهي السكون والمحاباة والصلح والميل واللين. ومنه ما ذكر

فِي وَصْفِ عَلِيٍّ عليه السلام « وَلَا لِأَحَدٍ عِنْدَكَ هَوَادَةٌ ».

أي لا تسكن عند وجوب حد الله ولا تحابي فيه أحدا. والتَّهْوِيدُ أيضا : النوم.

( هيد )

فِي الْحَدِيثِ « يَا نَارُ هِيدِيهِ وَلَا تُؤْذِيهِ ».

أي حركيه من غير أن تؤذيه ، من قولهم هِدْتُ الشيءَ أَهِيدُهُ هَيْداً : حركته.

١٧٠

كتاب الذال

١٧١
١٧٢

باب ما أوله الألف

( أخذ )

قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ) [ ٧ / ١٧٢ ] قال بعض المفسرين : ( مِنْ ظُهُورِهِمْ ) بدل ( مِنْ بَنِي آدَمَ ) ، وهو بدل البعض من الكل ، وتقديره : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ) ذريتهم أي أخرج من أصلابهم نسلهم على ما يتوالدون قرنا بعد قرن ( وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ ) أي نصب لهم دلائل الربوبية وركب في عقولهم ما يدعوهم إلى الإقرار عليها حتى صاروا بمنزلة من قبل لهم ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) كراهة ( أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ) ـ انتهى. وقال الشيخ الجليل المفيد وقد سئل عن معنى الأخبار المروية في أن الله أخرج الذرية من ظهر آدم على صور الذر؟ أما الحديث في إخراج الذر من ظهر آدم على صور الذر فقد جاء الحديث بذلك على اختلاف ألفاظه ومعانيه ، والصحيح

أَنَّهُ أَخْرَجَ الذُّرِّيَّةَ مِنْ ظَهْرِهِ كَالذَّرِّ لِيُعَرِّفَهُ قُدْرَتَهُ وَيُبَشِّرَهُ بِإِفْضَالِ نَسْلِهِ وَكَثْرَتِهِمْ وَمَا عَلَيْهِمْ مِنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ ، فَمَلَأَ بِهِمُ الْأُفُقَ وَجَعَلَ عَلَى بَعْضِهِمْ نُوراً لَا يَشُوبُهُ ظُلْمَةٌ وَعَلَى بَعْضِهِمْ ظُلْمَةٌ لَا يَشُوبُهُ نُورٌ وَعَلَى بَعْضِهِمْ نُوراً وَظُلْمَةً ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَجِبَ مِنْ كَثْرَتِهِمْ وَمَا عَلَيْهِمْ مِنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ ، فَقَالَ عليه السلام : مَا لِي أَرَى عَلَى بَعْضِهِمْ نُوراً لَا ظُلْمَةَ فِيهِ وَعَلَى بَعْضِهِمْ ظُلْمَةٌ لَا يَشُوبُهَا نُورٌ وَعَلَى بَعْضِهِمْ نُوراً وَظُلْمَةً؟ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : وَأَمَّا الَّذِينَ عَلَيْهِمُ النُّورُ بِلَا ظُلْمَةٍ فَهُمْ أَصْفِيَائِي مِنْ وُلْدِكَ الَّذِينَ يُطِيعُونِّي وَلَا يَعْصُونِّي ، وَأَمَّا الَّذِينَ عَلَيْهِمُ الظُّلْمَةُ بِلَا نُورٍ فَهُمْ أَعْدَائِيَ الَّذِينَ يَعْصُونِّي وَلَا يُطِيعُونِّي ، وَأَمَّا الَّذِينَ عَلَيْهِمْ نُورٌ وَظُلْمَةٌ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ يُطِيعُونِّي

١٧٣

وَيَعْصُونِّي فَيَخْلِطُونَ أَعْمَالَهُمُ السَّيِّئَةَ بِأَعْمَالٍ حَسَنَةٍ ، فَهَؤُلَاءِ أَمْرُهُمْ إِلَيَّ إِنْ شِئْتُ عَذَّبْتُهُمْ فَبِعَدْلِي وَإِنْ شِئْتُ عَفَوْتُ عَنْهُمْ فَبِفَضْلِي.

فأعلمه تعالى بالكائن قبل أن يكونوا ليزداد آدم يقينا بربه ويدعوه ذلك إلى توقيره وطاعته والتمسك بأوامره واجتناب زواجره. ثم قال : والأخبار التي جاءت بأن ذرية آدم استنطقوا فنطقوا فأخذ عليهم العهد فأقروا فهي أخبار ناسخة ، وقد خلطوا فيها ومزجوا الحق بالباطل ، والمعتمد ما ذكرناه ، فإن تعلق متعلق بقوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ) فظاهر هذا القول يحقق ما رواه أهل التناسخ والحشوية والعامة في إنطاق الذرية وخطابهم وأنهم كانوا أحياء ناطقين ، فالجواب عنه أن لهذه الآية من المجاز في اللغة كتطايرها مما هو مجاز واستعارة ، والمعنى فيها أن الله أخذ من كل مكلف يخرج من ظهر آدم وظهور ذرياته العهد عليهم بربوبيته من حيث أكمل عقله ودله بآثار الصنعة على حدوثه ، وأن له محدثا أحدثه لا يشبهه يستحق العبادة منه بنعمته عليه ، فذاك هو أَخْذُ العهد منهم وآثار الصنعة فيهم ، والإشهاد لهم على أنفسهم بأن الله ربهم ، وقوله تعالى : ( قالُوا بَلى ) يريد به أنهم لم يمتنعوا من لزوم آثار الصنعة فيهم ودلائل حدثهم اللازمة لهم وحجة العقل عليهم في إثبات صانعهم ، وكأنه سبحانه لما ألزمهم الحجة بعقولهم على حدوثهم ووجود محدثهم قال : ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ ) فلما لم يقدروا على الامتناع من لزوم دلائل الحدث لهم كأنهم قائلين ( بَلى شَهِدْنا ). وقوله : ( أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ) و ( تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) ألا ترى أنه احتج عليهم بما لا يقدرون يوم القيامة أن يتأولوا في إنكارهم ولا يستطيعون ـ انتهى كلامه.

١٧٤

وأقول : أنت خبير بأن حديث أَخْذِ الميثاق على العباد في عالم الذر واستنطاقهم فيه مشهور بين الفريقين منقول بطرق عديدة فلا مجال لإنكاره ، إلا أن بعض علماء القوم جد في الهرب عن ظاهره لما يرد عليه من الآية الشريفة ، وذلك لأن قوله تعالى : ( أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ) إن كان هذا الإقرار عن ضرورة فلهم أن يقولوا يوم القيامة شهدنا يومئذ ، فلما زال عنا علم الضرورة ووكلنا إلى آرائنا فمنا من أصاب ومنا من أخطأ ، وإن كان عن استدلال مؤيد بعصمة عن الخطإ فلهم أن يقولوا يوم القيامة شهادتنا يومئذ كانت مؤيدة بالعصمة ، فلما زالت منا فمنا من أصاب ومنا من أخطأ ، فيبطل الاحتجاج عليهم. ويمكن الجواب عن ذلك : أما على اعتقاد أن التكليف بالإقرار مطلوب من العباد في كل من العالمين فهو أن نقول : إنا نختار أن الإقرار كان عن ضرورة لبعد احتمال غيره. قولكم لهم : أن يقولوا يوم القيامة شهدنا يومئذ ، فلما زال عنا علم الضرورة ووكلنا إلى آرائنا فمنا من أصاب ومنا من أخطأ. قلنا : غير مسلم أن العباد وكلوا إلى آرائهم في التكليف ، وإنما هو عن علم ضروري أيضا لكنه مشروط بمقدمات نظرية مقدورة مأمور بها ، فمن ساعده جده وتوفيقه وصل إلى ذلك العلم الضروري وارتفع الاحتجاج عليهم ، ومن قصر عن تحصيل تلك المقدمات حرم علم الضرورة وقامت الحجة عليهم يوم القيامة. وأما على اعتقاد أن التكليف بالإقرار إنما هو في العالم الأول وبه تقوم الحجة على العباد دون الثاني وإنما وقع التكليف الثاني مؤكدا وكاشفا عنه ، كما يشهد له بعض الأخبار فالحجة على العباد قائمة بلا تكلف. وبذلك يندفع المحظور الموجب لصرف كل من الآية والحديث عن الظاهر منهما. والله أعلم. قوله : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ ) [ ٥ / ٥١ ] قال المفسر : الاتِّخَاذُ الاعتماد على الشيء

١٧٥

في إعداده لأمر ، وهو افتعال من الأخذ والأصل « ايتخاذ » فغير ، أي لا تعتمدوا على الاستنصار بهم متوددين إليهم. قوله : ( إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ ) [ ٢ / ٥٤ ] هو افتعال من الأخذ إلا أنه أدغم وأبدل ، ثم توهموا أن التاء أصلية فبنوا منه فعل يفعل وقالوا تَخِذَ يَتْخَذُ من باب تعب تَخَذاً بفتح الخاء وسكونها. وقرئ لَتَخِذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً حكاه الجوهري. قوله : ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) [ ٢ / ١٢٥ ] قرأ نافع وابن عامر وَاتَّخَذُوا على صيغة الماضي عطفا على ( جَعَلْنَا ) ، وباقي القراء على صيغة الأمر. قوله : ( أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ ) [ ٧ / ١٥٠ ] أي أخذ رأس أخيه. قوله : ( خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ ) [ ٢ / ٦٣ ] أي تناولوا ، من قولهم أَخَذْتُ الشيءَ أَخْذاً : أي تناولته. ومثله ( فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ ) [ ٢ / ٥٥ ] أي تناولتكم ، وهي موت أو عذاب مهلك. وأَخَذَهُ اللهُ : أهلكه. وأَخَذَهُ اللهُ بذنبه : عاقبه عليه. والعامة تقول « وَاخَذَهُ » ، ومنه قوله : ( ثُمَ أَخَذْتُها ) [ ٢٢ / ٤٨ ]. قوله : ( لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ) [ ٢ / ٢٢٥ ] قال في المصباح وقرأ بعض السبعة يُوَاخِذُكُم بالواو. قوله : ( وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ ) [ ٩ / ١٠٤ ] أي يقبلها إذا صدرت عن خلوص النية قوله : ( وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها ) [ ٧ / ١٤٥ ] يعني ما فيها حسن وما هو أحسن كالاقتصاص والعفو والانتصار والصبر ، فمرهم أن يأخذوا بما هو أدخل في الحسن وأكثر للثواب ، كقوله ( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ) وقيل يأخذوا بما هو واجب أو ندب لأنه أحسن من المباح.

وَفِي الْحَدِيثِ « خُذُوا عَلَى يَدِ الظَّالِمِ السَّفِيهِ ».

أي امنعوه عما يريد فعله وأمسكوا يده. ومثله « أَخَذْتُ على يده » ، وقيل اتقوا أَخْذَ الآخِذِ يعني ابتداء الأمور فيه. وأَخَذَهُ بيده أَخْذاً : تناوله.

١٧٦

وأَخَذَ من الشعر : قص. والأَخْذُ من الشارب : قصه وقطع شيء من شعره. وأَخَتَ كذا يبدلون الذال تاء فيدغمونها في التاء ، وبعضهم ـ وهو القليل ـ يظهر الذال. واتَّخَذْتُ صديقا : جعلته. واتَّخَذْتُ مالا : كسبته. وآخَذَهُ بالمد مُؤَاخَذَةً ، ومنه قرئ آية لَا يُوَاخِذُكُم بالواو كما سبق. ومن أمثال العرب « أَخَذَتْهُ الأَخْذَةُ » قال الفراء نقلا عنه : الأَخْذَةُ السحر ، ومنه قولهم « في يده أَخْذَةٌ » أي حيلة يسحر بها. والأَخِيذُ : الأسير فعيل بمعنى مفعول ، والمرأة أَخِيذَهٌ.

وَفِي الْخَبَرِ « وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ ».

روى اسم فاعل بكسر خاء وتنوين ذال وفعل مضارع بضم خاء بلا تنوين

( أوذ )

الأَوَاذِيُ جمع آذِيّ ، وهو ما عظم من موج البحر. ومنه الْحَدِيثُ « تلتطم أَوَاذِيُ أَمْوَاجِهَا » (١).

باب ما أوله ألباء

( بذذ )

فِي الْحَدِيثِ « إِذَا قَالَ بَذَّ الْقَائِلِينَ ».

أي سبقهم وغلبهم ، من قولهم بَذَّهُ يَبُذُّهُ بَذّاً : أي غلبه وفاقه. ومثله فِي وَصْفِ الْمُؤْمِنِ « إِذَا قَالَ بَذَّ ». أي غلب.

وَفِي الْخَبَرِ « البَذَاذَةُ مِنَ الْإِيمَانِ ».

هي رثاثة الهيئة. وبَاذُّ الهيئة : هو رث اللبسة ، من قولهم بَذِذْتُ كعلمت : إذا ساءت حالك ، والمراد هنا التواضع في اللباس.

__________________

(١) نهج البلاغة ج ١ صلى الله عليه وآله ١٧٢.

١٧٧

( برذ )

« البِرْذَوْنُ » بكسر الباء الموحدة وبالذال المعجمة هو من الخيل الذي أبواه أعجميان ، والأنثى بِرْذَوْنَةٌ ، والجمع بَرَاذِين.

( بهقذ )

« البَهْقِيَاذَات » بالباء الموحدة ثم الهاء ثم القاف ثم الألف بعد ياء مثناة تحتانية ثم ذال معجمة ثم ألف ثم تاء في الآخر : رستاق من رساتيق المدائن مملكة كسرى ، دفن فيها سلمان الفارسي.

باب ما أوله الجيم

( جبذ )

يقال جَبَذْتُ الشيءَ مثل جذبته مقلوب منه. و « الجُنْبُذَةُ » بالضم : ما ارتفع منه واستدار كالقبة ، والعامة تقول « جَنْبَذ » بفتح الباء حكاه الجوهري وسيأتي الكلام في جنبذ.

( جذذ )

قوله تعالى : ( فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً ) [ ٢١ / ٥٨ ] بضم الجيم أي فتاتا ، أي مستأصلين مهلكين ، وهو جمع لا واحد له مثل الحصاد ، يقال جَذَّ اللهُ دابرَهم أي استأصلهم. قوله : ( عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) [ ١١ / ١٠٨ ] أي غير مقطوع ، من قولهم جَذَذْتُ الشيءَ جَذّاً من باب قتل : كسرته وقطعته ، فهو مَجْذُوذٌ. و « الجُذَاذُ » ضما وكسرا والضم أفصح : قطع ما يكسر. والجَذُّ : القطع.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام « فَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أُصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ » (١).

أي جعلت أفكر في أمري هل أصول عليهم بيد جَذَّاءَ بالذال

__________________

(١) من خطبة أمير المؤمنين المشهورة بالشقشقية.

١٧٨

والدال قال في النهاية ، والجيم أشبه ، أي مقطوع ، وهي كناية عن عدم الناصر له ، أو أن أصبر على طخية عمياء أي ظلمة لا يهتدى فيها للحق ، وكنى بها عن التباس الأمور في أمر الخلافة ـ كذا ذكره الفاضل المتبحر ميثم رحمة الله.

وَفِي حَدِيثِ الْأُضْحِيَّةِ « نَهَى عَنِ الْجَذَّاءِ ».

وهي المقطوعة الأذن كما وردت به الرواية (١). والجِذَاذُ بالكسر : صرام النخل لغة في الجُذَاذِ. والجَذِيذَةُ : شربة من سويق ، سميت بذلك لأنها تجذ أي تدق وتطحن. ومنه حَدِيثُ عَلِيٍّ عليه السلام « كَانَ يَشْرَبُ جَذِيذاً حِينَ يُفْطِرُ ».

( جرذ )

جُرَذ كعمر هو الذكر من الفئران ، ويكون في الفلوات ، وهو أعظم من اليربوع أكدر في ذنبه سواد. وعن الجاحظ الفرق بين الجُرَذِ والفأر كالفرق ما بين الجواميس والبقر والبخاتي والعراب (٢)، والجمع جِرْذَان بالكسر كغلمان.

( جنبذ )

فِي الْحَدِيثِ « الْجَنَّةُ فِيهَا جَنَابِذُ مِنْ لُؤْلُؤٍ ».

الجَنَابِذُ بالفتح جمع جُنْبُذَة وهي القبة ، أي قبب من لؤلؤ لا كقباب الدنيا من طين وخزف.

باب ما أوله الحاء

( حذذ )

فِي الْخَبَرِ « إِنَّ الدُّنْيَا آذَنَتْ بِصَرْمٍ وَوَلَّتْ حَذَّاءَ ».

أي خفيفة سريعة. ومنهم من يروي « جَذَّاءَ » بالجيم ،

__________________

(١) في رواية في من لا يحضر ج ٢ صلى الله عليه وآله ٢٩٣ « ولا بالجذعاء » وفسر فيها الجذعاء بالمقطوعة الأذن.

(٢) حياة الحيوان ج ٧ صلى الله عليه وآله ١٧٦.

١٧٩

أي قد انقطع درها وخيرها.

( حوذ )

قوله تعالى : ( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ ) [ ٥٨ / ١٩ ] أي غلب عليهم ، من قولهم اسْتَحْوَذَ على الشيء غلب عليه واستولى. ومثله قوله : ( أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ ) [ ٤ / ١٤١ ] قالوا للكفار ( أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ ) أي ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم فأبقينا عليكم ونمنعكم من المؤمنين بأن ثبطناهم عنكم وخيلنا لهم ما ضعفت به قلوبهم ـ كذا ذكره الشيخ أبو علي. ولفظ اسْتَحْوَذَ ونَسْتَحْوِذُ مما جاء على الأصل كما جاء استروح واستصوب من غير إعلال خارجة عن أخواتها ، أعني استقال واستقام وأشباههما.

( حنذ )

قوله تعالى : ( بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ) [ ١١ / ٦٩ ] قيل أي مشوي ، من حَنَذْتُ الشاةَ أَحْنِذُهَا : شويتها وجعلت فوقها حجارة محماة تنضجها. وقيل « حَنِيذ » أي الذي يقطر ودكه ، من حَنَذْتُ الفرسَ : إذا عرقته بالجلال والمعنى سمين

باب ما أوله الراء

( ربذ )

« الرَّبَذَةُ » بالتحريك قرية معروفة قرب المدينة نحوا من ثلاثة أميال ، كانت عامرة في صدر الإسلام فيها قبر أبي ذر الغفاري وجماعة من الصحابة ، وهي في هذا الوقت دارسة لا يعرف لها أثر ولا رسم (١).

__________________

(١) في معجم البلدان ج ٣ صلى الله عليه وآله ٢٤ : والربذة من قرى المدينة على ثلاثة أيام قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكة ... وفي سنة ٣١٩ خربت الربذة باتصال الحروب بين أهلها وبين ضرية ثم استأمن أهل ضرية إلى القرامطة فاستنجدوهم عليهم فارتحل عن الربذة أهلها فخربت وكانت من أحسن منزل في طريق مكة.

١٨٠