هي الحقيقة

قاسم عبد السلام كتمبو

هي الحقيقة

المؤلف:

قاسم عبد السلام كتمبو


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-70-6
الصفحات: ٦٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متعهداً بحفظه ، منذ نزوله إلى الأبد. وهو المنهج الخالد في الحياة والدستور العام للبشرية.

والجدير بالذكر ، أنّ من أهم ما يتنافى وشأن القرآن الكريم وقدسيّته وقوع التحريف فيه ، ونقصانه عمّا أنزله عزّ وجلّ على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقال تعالى : ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) (١).

« عن ابن عباس وغيره في تفسيره هذه الآية : إنّ علينا جمعه وقرآنه عليك حتّى تحفظه ، ويمكنك تلاوته ، فلا تخف فوت شيء منه » (٢).

نكتفي بهذا القدر ؛ لأنّ التفصيل بحاجة إلى كتاب خاص ولا يسعنا التفصيل في هذا المختصر.

__________________

(١) القيامة (٧٥) : ١٧.

(٢) مجمع البيان ١٠ : ١٩٧.

٤١

الوضوء

اتّفق المسلمون على أنّ الإسلام عقيدة وشريعة.

أما أُصول الشريعة فهي أربعة :

١ ـ العبادات.

٢ ـ المعاملات.

٣ ـ الإيقاعات.

٤ ـ الأحكام.

وأصول العبادات عبارة عن الأمور التالية :

١ ـ الصلاة ونوافلها.

٢ ـ الصوم الواجب والمستحب.

٣ ـ الزكاة.

٤ ـ الحج.

٥ ـ الجهاد.

٦ ـ الأمر بالمعروف.

٧ ـ النهي عن المنكر.

هذه هي أمهات العبادات والأمور القربيّة عن الإماميّة طبق الشريعة الإسلامية واكتفينا فقط بالإشارة إليها.

وهناك أحكام ربّما لا تتّفق الشيعة فيها مع الآخرين ونشير إلى أهمّها وهي في الوقت نفسه أمور فقهية.

٤٢

غسل الأرجل

أو مسحها في الوضوء

قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) (١).

لو عرضنا هذه الآية على أيّ عربي أصيل غير عارفٍ بمذهب فقهي خاص ، ولا مطّلع على موقف اجتهاديّ معيّن ، وطلبنا منه أن يبيّن المراد منها ، لقال من دون تردّد : نفهم من هذه الآية أمران :

أحدهما : وجوب الغسل وهو للوجه واليدين.

والآخر : وجوب المسح وهو للرأس والرجلين.

وقد اختلف القرّاء في قراءة : ( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) فمنهم من قرأ بالفتح ومنهم من قرأ بالكسر. إلاّ أنّه من البعيد أن تكون كلّ من القراءتين منسوبة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فإنّ تجويزهما يضفي على الآية إبهاماً وإعضالاً ، ويجعل الآية لغزاً ، مع العلم أنّ القرآن كتاب الهداية والإرشاد ، وتلك الغاية تطلب لنفسها الوضوح وجلاء البيان ، خصوصاً فيما يتعلّق بالأعمال والأحكام التي يبتلى بها عامة المسلمين ، ولا تقاس بالمعارف والعقائد التي

__________________

(١) سورة المائدة (٥) : ٦.

٤٣

يختصّ الإمعان فيها بالأمثل فالأمثل.

قد حقّق الإمام الرازي في تفسيره مفاد الآية وبيّنها وننقل كلامه ملخّصاً إذ يقول : حجّة من قال بوجوب المسح مبنية على القراءتين المشهورتين في قوله تعالى : ( وَأَرْجُلَكُمْ ) وهما :

الأول : قراءة ابن كثير وحمزة وأبو عمرو وعاصم ـ في رواية أبي بكر عنه ـ بالجرّ.

الثاني : قراءة نافع وابن عامر وعاصم ـ في رواية حفص عنه ـ بالنصب.

أمّا القراءة بالجرّ فهي تقتضي كون الأرجل معطوفة على الرؤوس فكما وجب المسح في الرأس ، فكذلك في الأرجل.

فإن قيل لم يجوز أن يكون الجرّ على الجوار ؟ كما في قوله : « جُحْرِ ضبٌّ خربٍ » ، وقوله : « كبيرُ أناسٍ في بجادٍ مزمّلٍ ».

قلنا : هذا باطل من وجوه :

١ ـ إنّ الكسر على الجوار معدود من اللحن الذي قد يتحمّل لأجل الضرورة في الشعر ، وكلام الله يجب تنزيهه عنه.

٢ ـ إنّ الكسر على الجوار إنما يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس كما في قوله : « جحر ضبٍّ خربٍ » ، فإنّ « الخرب » لا يكون نعتاً للضبّ بل هو للجحر ، وفي هذه الآية الأمن من الالتباس غير حاصل.

٤٤

٣ ـ إنّ الكسر بالجوار إنّما يكون بدون حرف العطف ، وأمّا مع حرف العطف فلم تتكلّم به العرب.

وأمّا القراءة بالنصب فهي أيضاً توجب المسح ، وذلك لأنّ ( بِرُؤُوسِكُمْ ) في قوله تعالى : ( وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ ) في محل النصب (١) بامسحوا لأنّه المفعول به ، ولكنّها مجرورة لفظاً بالباء ، فإذا عطفت الأرجل على الرؤوس جاز في الأرجل النصب عطفاً على محل الرؤوس ، وجاز الجرّ عطفاً على الظاهر.

وعلى قراءة النصب يتعيّن العطف على محل ( بِرُؤُوسِكُمْ ) ، ولا يجوز العطف على ظاهر ( وَأَيْدِيَكُمْ ) لاستلزامه الفصل بين المعطوف عليه بجملة أجنبية وهو غير جائز في المفرد ، فضلاً عن الجملة.

هذا هو الذي يعرفه المتدبّر في الذكر الحكيم ، وهو المهيمن على جميع الكتب السماوية ولا يسوغ لمسلم أن يعدل عن القرآن إلى غيره.

جدير بالذكر أن نشير إلى ما رواه الطبري عن الصحابة والتابعين :

١ ـ قول ابن عباس : الوضوء غسلتان ومسحتان (٢) ،

__________________

(١) تفسير الرازي ١١ : ١٦١. قال الشاعر :

معاوي انّنا بشر فاسجح

فلسنا بالجبال ولا الحديدا

لاحظ المغني ، لابن هشام : الباب الرابع ٢ : ٤٧٧.

(٢) جامع البيان ٦ : ١٧٥.

٤٥

٢ ـ كان أنس إذا مسح قدميه بلّهما ، ولمّا خطب الحجّاج وقال : ليس شيء من ابن آدم أقرب إلى خبثه من قدميه فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما ، قال أنس : صدق الله وكذب الحجاج ، قال الله : ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) وكان أنس إذا مسح قدميه بلّهما (١).

٣ ـ قول عكرمة : ليس على الرجلين غسل وإنّما نزل فيهما المسح.

٤ ـ قول الشعبي : نزل جبرائيل بالمسح وقال : ألا ترى أنّ التيمّم أن يمسح ما كان غسلاً ويلغى ما كان مسحاً.

٥ ـ عامر : أمر أن يمسح في التيمّم ما أمر أن يغسل بالوضوء ، وأبطل ما أمر أن يمسح في الوضوء الرأس والرجلان. وقيل له : إنّ أناساً يقولون : إنّ جبرائيل نزل بغسل الرجلين فقال : نزل جبرائيل بالمسح.

٦ ـ قتادة : في تفسير هذه الآية : افترض الله غسلتين ومسحتين.

٧ ـ الأعمش : قرأ ( وَأَرْجُلَكُمْ ) مخفوضة اللام.

٨ ـ علقمة : قرأ ( وَأَرْجُلَكُمْ ) مخفوضة اللام.

٩ ـ الضحاك : قرأ ( وَأَرْجُلَكُمْ ) بالكسر.

١٠ ـ مجاهد : مثل ما تقدّم (٢).

ومن هؤلاء الأعلام التابعين وفيهم الصحابة كابن عباس وأنس ،

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) تفسير الطبري ٦ : ١٧٥ ـ ١٧٦.

٤٦

وجمهور أهل السنة يحتجّون بأقوالهم في مجالات مختلفة فلماذا أعرضوا عنهم في هذا المجال المهم والحساس ؟

إنّ القول بالمسح هو المنصوص عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، وهم يرون ذلك عن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : « ألا أحكي لكم وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ؟ ثم أخذ كفّاً من ماء فصبّها على وجهه... إلى أن قال : ثمّ مسح رأسه وقدميه.

وفي رواية أخرى : ثمّ مسح رأسه ورجليه ببلة ما بقى في يديه ولم يعدهما في الإناء (١).

__________________

(١) العاملي الوسائل ١ : ٣٩٢ حديث ٩ و ١٠ هذا مضافاً إلى ان الطبري رواه عن أبي جعفر عليه‌السلام حيث قال : (( امسح على رأسك وقدميك )) تفسير الطبري ٦ : ١٧٥.

٤٧



أدلّة القائلين بالغسل

١ ـ إنّ الغسل مشتمل على المسح وليس العكس ، فالغسل أقرب إلى الاحتياط فوجب المصير إليه ، ويكون غسل الأرجل يقوم مقام مسحها (١).

والجواب : أنّه ليس هناك شيء أوثق من كتاب الله ، فلو دلّ على لزوم المسح لا يبقى مجال لترجيحه على روايات المسح ، لوجود التعارض بين أخبار الغسل والمسح ، والقرآن هو المهيمن على الكتب والمأثورات ، وما يعارض منها للكتاب لا يقام له وزن.

ثمّ إنّ الغسل والمسح حقيقتان مختلفتان ؛ لأنّ الغسل إمرار الماء على المغسول ، والمسح إمرار اليد على الممسوح ، فالاختلاف بينهما ثابت لغة وعرفاً وشرعاً.

ومن احتجّ بالاحتياط كان عليه أن يجمع بين المسح والغسل ، لا الاكتفاء بالغسل (٢).

٢ ـ ما روي عن علي عليه‌السلام من أنّه كان يقضي بين الناس فقال :

__________________

(١) تفسير الرازي ١١ : ١٦٢.

(٢) قال الله حاكياً عن سليمان : ( رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ) سورة ص (٣٨) : ٣٣ ، أي مسح بيده على سوق الصافنات الجياد وأعناقها.

٤٨

( وَأَرْجُلَكُمْ ) هذا من المقدّم والمؤخّر في الكلام فكأنّه سبحانه قال : « فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق واغسلوا أرجلكم وامسحوا برؤوسكم » (١) ،.

وجوابه : أنّ أئمّة أهل البيت كالباقر والصادق عليهما‌السلام أدرى بما في البيت ، وقد اتفقا عليهما‌السلام على المسح ، وهل يمكن الاتفاق على المسح مع اعتقاد كبيرهم بالغسل ؟! إنّ المؤكّد هو أنّ هذه الرواية موضوعة عن لسان الإمام ليثيروا الشك بين اتباعه وشيعته.

٣ ـ ما روي عن عبد الله بن عمرو في الصحيحين قال : « تخلّف عنّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفره ، فأدركنا وقد أرهقنا العصر ، وجعلنا نتوضّأ ونمسح على أرجلنا ، قال : فنادى بأعلى صوته : « ويل للأعقاب من النار » مرتين أو ثلاث (٢).

وجوابه : أنّ هذه الرواية على تعيّن المسح أدلّ من دلالتها على غسل الرجلين ، لأنّها صريحة في أنّ الصحابة يمسحون ، وهذا دليل على أنّ المعروف عندهم هو المسح ، وما ذكره البخاري من أنّ الإنكار عليهم كان

__________________

(١) جامع البيان ٦ : ١٧٣ وفيه : (( قرأ عَلَيّ الحسن والحسين رضوان الله عليهما ، فقرءا : ( وأرجلَكم إلى الكعبين ) فسمح عَلِيّ رضي الله عنه ذلك ، وكان يقضي بين الناس ، فقال : ( وأرجلِكم ) هذا من المقدم والمؤخر من الكلام )).

(٢) صحيح البخاري ١ : ٤٩ وصحيح مسلم ١ : ١٤٨.

٤٩

بسبب المسح لا بسبب الاقتصار على بعض الرجل ، اجتهاداً منه ، وهو حجّة عليه لا على غيره.

وروي : أنّ قوماً من أجلاف العرب ، كانوا يبولون وهم قيام ، فينتشر البول على أعقابهم وأرجلهم فلا يغسلونها ويدخلون المسجد للصلاة وكان ذلك سبباً لذلك الوعيد... (١).

ثمّ على فرض كون المراد ما ذكره البخاري ، فلا تتمكّن هذه الرواية من الوقوف أمام النص الوارد في القرآن الكريم.

٤ ـ روى ابن ماجة القزويني عن أبي إسحاق عن أبي حيّة ، قال : رأيت عليّاً توضّأ فغسل قدميه إلى الكعبين ثمّ قال : « أردت أن أريكم طهور نبيّكم » (٢).

وجوابه : أنّ أباحيّة مجهول لا يعرف ، وأبا إسحاق قد ترك الناس (٣) روايته ، هذا الحديث يعارض ما رواه أهل البيت عليهم‌السلام عن علي عليه‌السلام في المسح.

٥ ـ قال صاحب المنار : « وأقوى الحجج اللفظية لأهل السنّة على

__________________

(١) الانتصار : ١١٢ ومجمع البيان ٣ : ٢٨٨.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ١٥٥ حديث ٤٥٦.

(٣) ميزان الاعتدال للذهبي ٤ : ٥١٩ ، برقم ١٠١٣٨ و ص ٤٨٩ باب (( أبو إسحاق )).

٥٠

الإمامية جعل الكعبين غاية طهارة الرجلين ، وهذا لا يحصل إلاّ باستيعابهما بالماء ؛ لأن الكعبين هما العظمان الناتئان في جانبي الرجل » (١).

لو فرضنا صحة قوله ، فلماذا لا تحصل تلك الغاية إلاّ باستيعابهما بالماء ؟ مع أنّه يمكن تحصيل تلك الغاية بمسحهما بالنداوة المتبقية في اليد ، والاختيار سهل ، ونحن لا نرى في العمل اعضالاً وعسراً.

٦ ـ وقال صاحب المنار : الإمامية يمسحون ظاهر القدم إلى معقد الشراك عند المفصل بين الساق والقدم ، ويقولون : هو الكعب ، ففي الرجل كعب واحد على رأيهم ولو صحّ هذا لقال : إلى الكعاب كما قال في اليدين : ( الْمَرَافِقِ ) (٢).

وجوابه : أنّ تفسير الكعب بقيّة القدم التي هي معقد الشراك هو المشهور بين الإمامية. وعلى كلّ تقدير ، يصحّ إطلاق الكعبين ، وإن كان حدّ المسح هو معقد الشراك أو المفصل ، فيكون المعنى ، فامسحوا بأرجلكم إلى الكعبين إذ لا شك أنّ كلّ مكلّف يملك كعبين في رجليه.

بعد وضوح دلالة الآية ، وإجماع أئمّة أهل البيت‏‎‏‎ عليهم‌السلام على المسح ، واستناداً إلى جملة الأدلة الواضحة ، فإنّ القول بما يخالفها يبدو ضعيفاً ولا يصمد أمام البحث العلمي.

__________________

(١) المنار ٦ : ١٩٤.

(٢) المصدر السابق.

٥١



التوسل والزيارة

إنّ التوسل بالأنبياء والأولياء وزيارة أضرحتهم أمر جائز شرعاً ، واستيعاب أدلّته من القرآن والسنّة وسيرة العلماء ممّا يقصر عنه بحثنا هذا ، ومالا يدرك كلّه لا يترك جلّه.

نعم ، حين قام محمّد بن عبد الوهاب وأعلن دعوته أعاد أفكار ابن تيمية للوجود ، والتي كان منها ـ تحريم زيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ التي دعت قضاة المذاهب الأربعة في ذلك العصر بتكفيره.

ومن الأفكار التي دعت إليها الوهابية تحريم التوسل بالأولياء وزيارتهم ، وقد خالفوا بذلك كلّ المسلمين ورموهم بالشرك.

والحق أنّ المسلمين في زيارتهم لقبور الأولياء واستغاثتهم بهم ، يتوسّلون بصاحب القبر ولا يعبدونه ليقربهم إلى الله زلفى كما تقول الوهابية.

لقد شبّة الوهابية هؤلاء بعبدة الأصنام ، والواقع أنّ قيام المسلمين وتشبيههم بالمشركين وعبدة الأصنام قياس مع الفارق ، فقصد المشركين كان تقرباً إلى الله زلفى ، بينما المسلمون يعبدون الله وحده لا شريك له ، ولا أدري متى فحصوا نياتهم حتّى صارت الزيارة كالعبادة ، ولو صحّ أنّ زيارة القبور والطواف حولها عبادة لها لكان الطواف حول الكعبة والسعي بين

٥٢

الصفا والمروة شركاً وعبادة لها ولكن الأمر بالعكس ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) (١).

فالطائف حول الكعبة لم يعبدها ، والساعي بين الصفا والمروة إنّما يعبد الله في تلك البقاع المقدسة وهكذا زائر القبور.

ومن قال خلاف ذلك فهو خبط وجنون ، أو ليس من الجنون قياس من يعبد الله موحّداً بمن يعبد الأصنام ؟!

وهل أمر الله بالشرك حين دعا الناس لأن يذهبوا إلى رسول الله ويطلبوا الاستغفار منه ؟ بقوله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (٢).

ويحدّثنا الله عن أصحاب الكهف بقوله تعالى : ( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ) (٣).

وهذا هو قول مؤمني ذلك الزمان ، فهل كان قولهم شركاً بالله ؟ ولعلّ مشكلة الوهابية هو الخلط في معرفة معنى العبادة.

إنّ حقيقة العبادة ومصاص معناها ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا

__________________

(١) البقرة (٢) : ١٥٨.

(٢) النساء (٤) : ٦٤.

(٣) الكهف (١٨) : ٢١.

٥٣

لِيَعْبُدُونِ ) (١) هي التظاهر بتلك العبودية الحقيقية باستعمال أقصى مراتب الخضوع في الظاهر بجميع القوى والمشاعر مقروناً باستحضار تلك الجواهر المكنونة ، والدّرر الثمينة ـ جوهرة العبودية ـ وهي الخضوع والخشوع ، والسجود لذلك المنعم الذي أنعم علينا بنعمة الحياة.

وبعبارة أخرى : أنّ حقيقة العبادة هي كون العبد في مقام الاعتراف والإذعان بالعبودية مقروناً بما يليق بها من استعمال ما يدلّ على أقصى مراتب الخضوع والذلّة بالسجود والركوع.

غايته ، أنّ عامة الناس قصرت أفكارهم عن اجتناب ذلك اللب واقتصروا على القشور من العبادة.

فالسؤال هنا : هل رأيت أحداً من زوّار القبور يقصد أنّ القبر الذي يطوف حوله أو صاحبه الملحود فيه هو صانعه وخالقه ، ويريد أن يتظاهر بالعبودية له خلال زيارته فيكون معبوداً له ؟! أو سمعت أنّ أحداً يقول للقبر : يا خالقي ويا رازقي ويا معبودي ؟! كلاّ ثمّ كلاّ.

وكيف كان فإنّ الأمر بخلاف ما تعتقده الوهابية : إذ لو كان كذلك لما خفي على المسلمين وقد جرت سيرتهم العملية على ذلك.

وصلّ اللّهم على محمّد وآله الطاهرين.

__________________

(١) الذاريات (٥١) : ٥٦.

٥٤



المصادر

١. القرآن الكريم.

٢. أصل الشيعة ، الإمام المصلح الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء ( ت ١٣٧٣ ه‍ ) ، تحقيق علاء آل جعفر ، مؤسسة الإمام علي عليه‌السلام ، الطبعة الأولى ١٤١٥ ه‍.

٣. الاعتقادات ، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ( ت ٣٨١ ه‍ ) ، تحقيق عصام عبد السيّد ، دار المفيد ، الطبعة الثانية ١٤١٤ ه‍.

٤. الإمامة والتبصرة من الحيرة ، الفقيه المحدث أبو الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي والد الشيخ الصدوق رحمه‌الله ( ت ٣٢٩ ه‍ ) ، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي عليه‌السلام قم المقدسة ، الطبعة الأولى ١٤٠٤ ه‍ ق ـ ١٣٦٣ ه‍ ش.

٥. الانتصار ، الشريف المرتضى علم الهدى علي بن الحسين الموسوي البغدادي ( ت ٤٣٦ ه‍ ) ، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة ، شوال المكرم ١٤١٥ ه‍.

٦. أوائل المقالات ، الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان ابن المعلم أبي عبد الله العكبري البغدادي ( ت ٤١٣ ه‍ ) ، دار المفيد ،

٥٥

الطبعة الثانية ١٤١٤ ه‍ ـ ١٩٩٣ م طبعت بموافقة اللجنة الخاصة المشرفة على المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع بيروت ـ لبنان.

٧. بحث حول المهدي ـ عجل الله فرجه ـ ، السيد الشهيد محمّد باقر الصدر قدس‌سره ، تحقيق الدكتور عبد الجبار شرارة ، مركز الغدير للدراسات الإسلامية ، قم ، الطبعة الأولى ، ربيع الثاني١٤١٧ ه‍ ـ ١٩٩٦ م.

٨. بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمّد عليهما‌السلام ، أبو جعفر محمّد بن الحسن بن فروخ الصفار ( ت ٢٩٠ ه‍ ) ، تصحيح وتعليق : ميرزا حسن كوجه باغي منشورات الأعلمي طهران ١٤٠٤ ه‍.

٩. بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث ، الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي ( ت ٨٠٧ ه‍ ) ، حققه وعلق عليه : مسعد عبد الحميد محمّد السعدني ، دار الطلائع للنشر والتوزيع والتصدير ، القاهرة.

١٠. تاج العروس من جواهر القاموس ، محمّد مرتضى الزبيدي ( ت ١٢٠٥ ه‍ ) ، تحقيق : علي شيري ، دار الفكر ـ بيروت ١٤١٤ ه‍.

١١. التبيان في تفسير القرآن ، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ( ت ٤٦٠ ه‍ ) ، تحقيق وتصحيح : أحمد حبيب قصير العاملي ، مكتب الإعلام الإسلامي ، الطبعة الأولى ، شهر رمضان المبارك ١٤٠٩ ه‍.

٥٦

١٢. تصحيح اعتقادات الإمامية ، الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان ابن المعلم أبو عبد الله العكبري ، البغدادي ( ت ٤١٣ ه‍ ) ، تحقيق : حسين دركاهي ، الطبعة الثانية ١٤١٤ ه‍ ـ ١٩٩٣ م.

١٣. تفسير الثعلبي ، أبو إسحاق الثعلبي ( ت ٤٢٧ ه‍ ) ، تحقيق : أبي محمّد بن عاشور ، مراجعة وتدقيق الأستاذ نظير الساعدي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ لبنان ، الطبعة الأولى ١٤٢٢ ـ ٢٠٠٢ م.

١٤. تفسير الخازن المسمى لباب التأويل في معاني التنزيل ، علاء الدين علي بن محمّد بن إبراهيم البغدادي الشهير بالخازن ( ت ٧٢٥ ه‍ ) ، ضبطه وصححه عبد السلام محمّد علي شاهين ، دار الكتب العلمية ، بيروت ـ لبنان ، الطبعة الأولى ٢٠٠٤ م.

١٥. تفسير السراج المنير ، محمّد الشربيني الخطيب ، المكتبة الشاملة.

١٦. تفسير القرآن الحكيم المشهور بتفسير المنار ، محمّد رشيد رضا ( ت ١٩٣٥ م ) ، خرج آياته وأحاديثه وشرح عربيه : إبراهيم شمس ، دار الكتب العلمية ، بيروت ـ لبنان ، الطبعة الأولى ١٤٢٠ ه‍ ـ ١٩٩٩ م.

١٧. تفسير النسفي ، النسفي ( ت ٥٣٧ ه‍ ) الإمام الجليل العلاّمة أبي البركات عبد الله ابن أحمد بن محمود النسفي.

١٨. تفسير مجمع البيان ، الفضل بن الحسن الطبرسي ( ت ٥٤٨ ه‍ ) ، تحقيق وتطبيق : لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين ، مؤسسة

٥٧

الأعلمي ، بيروت ، الطبعة الأولى ١٤١٥ ه‍.

١٩. تفسير الرازي المسمى بمفاتيح الغيب ، الفخر الرازي ( ت ٦٠٦ ه‍ ) ، الطبعة الثالثة.

٢٠. تلخيص الشافي ، شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي ( ت ٤٦٠ ه‍ ) ، قدم له وعلق عليه السيّد حسين بحر العلوم ، مؤسسة انتشارات المحبين ، قم ، الطبعة الأولى.

٢١. جامع البيان عن تأويل أيّ القرآن ، أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري ( ت ٣١٠ ه‍ ) ، تقديم : الشيخ خليل الميس ، ضبط وتوثيق وتخريج : صدقي جميل العطار ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ـ لبنان ١٤١٥ ه‍ ـ ١٩٩٥ م.

٢٢. الجامع الكبير المعروف بسنن الترمذي ، أبو عيسى محمّد بن عيسى الترمذي ( ت ٢٧٩ ه‍ ) ، عبد الوهاب عبد اللطيف ، دار الفكر ، بيروت ، الطبعة الثانية ١٤٠٣ ه‍.

٢٣. الجامع لاحكام القرآن ، أبو عبد الله محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي ( ت ٦٧١ ه‍ ) ، أعاد طبعه دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ لبنان ١٤٠٥ ه‍ ـ ١٩٨٥ م.

٢٤. حلية الأولياء ، الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني الشافعي ( ت ٤٣٠ ه‍ ) ، تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا ، دار الكتب

٥٨

العلمية بيروت ، الطبعة الثانية ١٤٢٣ ه‍ ـ ٢٠٠٣ م.

٢٥. خصائص أمير المؤمنين ، الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي الشافعي ( ت ٣٠٣ ه‍ ) ، حققه وصحح أسانيده ووضع فهارسه محمّد هادي ، مكتبة نينوى الحديثة.

٢٦. الدر المنثور ، جلال الدين السيوطي ( ت ٩١١ ه‍ ) ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت ـ لبنان.

٢٧. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، أبو الفضل شهاب الدين السيّد محمود الآلوسي البغدادي ( ت ١٢٧٠ ه‍ ).

٢٨. سعد السعود ، العالم العامل العابد الزاهد رضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس الحسني الحسيني ( ت ٤٦٤ ه‍ ) ، منشورات الرضي ـ قم ، سنة الطبع ١٣٦٣.

٢٩. سلسلة الأحاديث الصحيحة ، محمّد ناصر الألباني ، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع ، الرياض١٤١٥ ه‍ ـ ١٩٩٥ م.

٣٠. سنن ابن ماجة ، الحافظ أبي عبد الله محمّد بن يزيد القزويني ابن ماجة ( ت ٢٧٥ ه‍ ) ، حقق نصوصه ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه ، وعلق عليه : محمّد فؤاد عبد الباقي دار الفكر ـ للطباعة والنشر والتوزيع.

٣١. سنن أبي داود ، الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ( ت ٢٧٥ ه‍ ) ، تحقيق وتعليق : سعيد محمّد اللحام ، دار الفكر

٥٩

للطباعة والنشر والتوزيع.

٣٢. شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم ، تأليف الحافظ الكبير عبيد الله بن عبد الله بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني الحذاء الحنفي النيسابوري ( ق ٥ ) تحقيق وتعليق : الشيخ محمّد باقر المحمودي ، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي مجمع إحياء الثقافة الإسلامية ، طهران ـ إيران ، الطبعة الأولى ١٤١١ ه‍ ـ ١٩٩٠ م.

٣٣. الشيعة في الميزان ، محمّد جواد مغنية ، دار الشروق بيروت ، دار الشروق القاهرة ، الطبعة الرابعة ١٣٩٩ ه‍ ـ ١٩٧٩ م.

٣٤. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ، إسماعيل بن حماد الجوهري ( ت ٣٩٣ ه‍ ) ، تحقيق : أحمد عبد الغفور عطار ، دار العلم للملايين ، بيروت ـ لبنان ، الطبعة الأولى القاهرة ١٣٧٦ ه‍ ـ ١٩٥٦ م الطبعة الرابعة ١٤٠٧ ه‍ ـ ١٩٨٧ م.

٣٥. صحيح ابن حبّان بترتيب ابن بلبان ، الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي ( ت ٧٣٩ ه‍ ) ، حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه : شعيب ، الطبعة الثانية ١٤١٤ ه‍ ١٩٩٣ م.

٣٦. صحيح البخاري ، أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاري الجعفي ( ت ٢٥٦ ه‍ ) ، دار الفكر للطباعة

٦٠