هي الحقيقة

قاسم عبد السلام كتمبو

هي الحقيقة

المؤلف:

قاسم عبد السلام كتمبو


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-70-6
الصفحات: ٦٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم من قريش » (١).

وهؤلاء الخلفاء الاثنى عشر تتوقف عليهم عزّة الإسلام ومنعته ودوامه ، وهذه الأوصاف لا تنطبق على الخلفاء الأمويين والعباسيين قط ، بل ولا على الخلفاء الثلاثة.

وأئمة الشيعة الاثنا عشر هم :

١ ـ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، المولود قبل البعثة بعشر سنوات والمستشهد عام ٤٠ للهجرة والمدفون في النجف الأشرف بالعراق.

٢ ـ الإمام الحسن بن علي المجتبى ( ٣ ـ ٥٠ ه‍ ) المدفون في البقيع بالمدينة.

٣ ـ الإمام الحسين بن علي سيّد الشهداء ( ٤ ـ ٦١ ه‍ ) المدفون في كربلاء بالعراق.

٤ ـ الإمام علي بن الحسين بن علي زين العابدين ( ٣٨ ـ ٩٤ ه‍ ) المدفون في البقيع.

٥ ـ الإمام محمّد بن علي باقر العلوم ( ٥٧ ـ ١١٤ ه‍ ) المدفون في البقيع.

٦ ـ الإمام جعفر بن محمّد الصادق ( ٨٣ ـ ١٤٨ ه‍ ) المدفون في البقيع.

__________________

(١) صحيح مسلم ٦ : ٤ وانظر : مسند أحمد ٥ : ٨٦ و ٨٨ و ٨٩ ومستدرك الحاكم ٣ : ٦١٧ و ٦١٨.

٢١

٧ ـ الإمام موسى بن جعفر الكاظم ( ١٢٧ ـ ١٨٣ ه‍ ) المدفون في الكاظمية بالعراق.

٨ ـ الإمام علي بن موسى الرضا ( ١٤٨ ـ ٢٠٣ ه‍ ) المدفون في خراسان بإيران.

٩ ـ الإمام محمّد بن علي الجواد ( ١٩٥ ـ ٢٢٠ ه‍ ) المدفون في الكاظمية بالعراق.

١٠ ـ الإمام علي بن محمّد الهادي ( ٢١٢ ـ ٢٥٤ ه‍ ) المدفون في سامراء بالعراق.

١١ ـ الإمام الحسن بن علي العسكري ( ٢٣٣ ـ ٢٦٠ ه‍ ) المدفون في سامراء بالعراق.

١٢ ـ الإمام محمّد بن الحسن المعروف بالمهدي الحجّة ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ وهو الإمام الثاني عشر ، وهو حيُّ حتّى يظهر بأمر الله تعالى طبقاً للوعود الواردة في القرآن والسنة :

قال تعالى : ( إِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) (١).

وقال تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (٢).

__________________

(١) النور (٢٤) : ٥٤.

(٢) الصف (٦١) : ٩.

٢٢

وقال تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِاللهِ شَهِيدًا ) (١).

ففي عهده عليه‌السلام يعلو الدين الإسلامي على كلّ الأديان ويقيم الحكومة الإلهيّة في جميع أنحاء الكرة الأرضيّة.

وهذا الإمام الثاني عشر لا يزال حيّاً ، يتولّى منصب الإمامة بإرادة الله تعالى.

وأهل التحقيق من العلماء قد ذكروا حوالي ٦٥٧ حديثاً حول ظهور رجلٍ من أهل بيت الرسالة لإقامة حكومة الله العادلة العالميّة في آخر الحياة البشرية بعد أن تملأ الأرض ظلماً وجوراً ، وأنّها لمن مسلّمات العقائد الإسلامية التي اتّفق عليها جمهور المسلمين ، ونقلوا في هذا المجال أحاديث بلغت حدّ التواتر ، منها ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده :

قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : « لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله عزّ وجلّ رجل منا يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً » (٢).

وعلى هذا الأساس يكون قيام رجل من أهل البيت النبويّ وظهوره في آخر الزمن موضع اتفاق بين المسلمين شيعة وسنة.

__________________

(١) الفتح (٤٨) : ٢٨.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٩٩ ، ولاحظ مسند أحمد ٣ : ١٧.

٢٣

ولا شك في وجود مثل هذا المصلح العالمي في مستقبل البشرية ، لأنّه أمرٌ مقطوع به ومسلّم من حيث الروايات والأحاديث الإسلامية بحيث لا يمكن التشكيك فيه.

أمّا ما ورد من خصوصيات هذا المصلح العالمي فيه في الروايات الإسلامية التي نقلها الفريقان ، فهي على النحو التالي :

١ ـ أنّه من أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ٣٨٩ رواية (١).

٢ ـ أنّه من أولاد الإمام علي عليه‌السلام ، ٢١٤ رواية (٢).

٣ ـ أنّه من أولاد فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، ١٩٢ رواية (٣).

٤ ـ أنّه تاسع ولد الحسين عليه‌السلام ، ١٤٨ رواية (٤).

٥ ـ أنّه من أولاد الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام ، ١٨٥ رواية (٥).

__________________

(١) المستدرك ٤ : ٥٥٧ وفيه : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « المهدي منّا أهل البيت... ».

(٢) ينابيع المودّة ٣ : ٢٥٠ الحديث ٤٦ الباب ٧١ وكمال الدين : ١٥٢ الحديث ١٥ الباب السادس في غيبة موسى عليه‌السلام.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٦٨ الحديث ٤٠٨٦ وسنن أبي داود ٢ : ٣١٠ الحديث ٤٢٨٤ وفيه : « المهدي من عترتي من ولد فاطمة ».

(٤) الإمامة والتبصرة : ١١٠ باب إنّ المهدي من ولد الحسين عليه‌السلام وفيه : « قال هو : ... وأبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم ».

(٥) بصائر الدرجات : ٣٩٢ الحديث ١٦ باب « في الفرق بين الأنبياء... ».

٢٤

٦ ـ أنّه ابن الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام ، ١٤٦ رواية (١).

٧ ـ أنّه الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، ١٣٦ رواية (٢).

٨ ـ الروايات التي تتحدّث عن ولادته ، ٢١٤ رواية (٣).

٩ ـ الروايات التي تقول : إنّه يعمر طويلاً ، ٣١٨ رواية (٤).

١٠ ـ الروايات التي تقول : إنّ غيبته ستكون طويلة ، ٩١ رواية (٥).

١١ ـ الروايات التي تقول : إنّ الإسلام سينتشر في العالم بعد ظهوره ، ٢٧ رواية (٦).

١٢ ـ الروايات التي تقول : إنّ الأرض ستُملأ عدلاً وقسطاً عند ظهوره ، ١٣٢ رواية (٧).

__________________

(١) الإمامة والتبصرة : ١٠٥ الحديث ٩٢.

(٢) الإمامة والتبصرة : ١٠٥ الحديث ٩٢.

(٣) كمال الدين : ٤٢٤ « باب ٤٢ ما روي في ميلاد القائم... ».

(٤) كمال الدين : ٣٢٢ الحديث ٤ و ٥ الباب ٣١ « ما اخبر به سيد العابدين... ».

(٥) كمال الدين : ٣٠٣ الحديث ١٤ الباب ٢٦ « ما أخبر به أمير المؤمنين... ».

(٦) كمال الدين : ٣٣١ الحديث ١٦ الباب ٣٢ « ما اخبر به أبو جعفر... ».

(٧) الكافي ١ : ٥٢٦ الحديث ١ باب « ما جاء في الاثني عشر و... ».

ولمزيد من التفاصيل حول المهدي عليه‌السلام راجع المصادر التالية :

مسند أحمد ١ : ٨٤ و ٣ : ٢٧ و ٢٨ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ١٣٦٦ باب « خروج المهدي » ، وسنن أبي داود ٢ : ٣٠٩ ـ ٣١ كتاب المهدي ، وسنن الترمذي ٣ : ٣٤٣ باب « ما جاء في المهدي » ، والمستدرك على الصحيحين ٤ : ٤٦٤ و ٥٠٢

٢٥

مصادر التشريع عند الشيعة

مصادر التشريع عند الشيعة هي الكتاب والسنّة ، والسنّة يرويها أئمة أهل البيت عليهم‌السلام عن جدّهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم تحدّثوا بها أمام أصحابهم وتلاميذهم ، فدوّنوها في مدّونات صغيرة ، حتّى جاء علماء الحديث كالشيخين الكليني والصدوق وجمعوا هذه المدوّنات في كتبهم ، وهي وما زالت معتمد الشيعة إلى الآن.

فالشيعة يروون أحاديثهم عن طريق الثقات عن أئمة آل البيت عليهم‌السلام ، يستند الشيعة في كتبهم الفقهية إلى روايات منقولة عن طريق رواة من أهل

__________________

و ٥٠٤ و ٥٥٧ و ٥٥٨ ، ومجمع الزوائد ٧ : ٣١٣ باب « ما جاء في المهدي » ، والمصنف لابن أبي شيبة ٨ : ٦٧٨ الأحاديث ١٨٤ ـ ١٨٧ و ١٩٠ ـ ١٩٦ و... وبغية الباحث عن زوائد مسند حارث : ٢٤٨ الحديث٧٨٩ ، ومسند أبي يعلى ١ : ٣٥٩ الحديث ٤٦٥ مسند علي بن أبي طالب و ٢ : ٣٦٧ الحديث ١٥٤ مسند أبي سعيد الخدري ، وصحيح ابن حبّان ١٥ : ٢٣٦ ، والمعجم الأوسط ٢ : ٥٥ و ٩ : ١٧٦ ، والمعجم الكبير ١٠ : ١٣٣ ـ ١٣٧ الأحاديث ١٠٢١٣ ـ ١٠٢٣٠ ، وكنز العمال ١٤ : ٢٦١ « خروج المهدي » ، وينابيع المودة ١ : ٢٥٣ الحديث ١٠ باب ١٥ و ٢ : ٧٠ الحديث ٢ و ٨٢ ـ ٨٣ الاحاديث ١٢٤ ـ ١٢٨ و ٨٧ الحديث١٨٣ و ١٠٠ الحديث٢٦٤ و ٢٦٦ باب ٥٦.

بحث حول المهدي للشهيد محمّد باقر الصدر ١٠٥ ـ ١٠٦.

٢٦

السنّة أيضاً ، وذلك إذا كان الراوي السنّي ثقة فإنّه يصحّ العمل بخبره وإخباره ، ويُسمّى هذا النوع من الحديث ـ الذي نصنّف أقسامه إلى أربعة أقسام بالموثق.

إنّ الفقه الشيعيّ الإماميّ يقوم ـ أساساً ـ على : الكتاب ، والسنّة ، والعقل ، والإجماع.

والسنّة عبارة عن قول المعصومين عليهم‌السلام وفعلهم وتقريرهم ، وعلى رأسهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعلى هذا إذا روى شخص ثقة حديثاً عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واشتمل ذلك الحديث على قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو فعله أو تقريره ، كان معتبراً في نظر الشيعة الإماميّة وتلقوه بالقبول وعملوا وفقه.

وما نجده في مؤلّفات الشيعة ومصنّفاتهم شاهد صدق على هذا القول.

وينبغي الالتفات إلى أنّ الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام ليسوا بمجتهدين أو مفتين ـ بالمعنى الاصطلاحي الرائج للفظتين ـ بل كلّ ما ينقل عنهم حقائق حصلوا عليهم بطريق النقل عن جدّهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « خلفاً عن سلف وكابراً عن كابر » ثم رووها للناس.

إنّ هذا النوع من الأحاديث والروايات التي يرويها كلّ ! إمام عن الإمام السابق إلى أن يصل السند إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرة في أحاديث الشيعة الإماميّة.

٢٧

الغلو

الغلو في اللغة هو التجاوز عن الحد (١) ، قال تعالى : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ ) (٢). لأنّ أهل الكتاب كانوا يغالون في حق السيّد المسيح عليه‌السلام ويتجاوزون الحدّ ، بقولهم إنّه إله ، أو ابن الله ، أو ربّ.

وبعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ظهرت فرق وطوائف غالت فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو في الأئمة المعصومين عليهم‌السلام وتجاوزت الحدّ ، ووصفوهم بمقامات مختصّة بالله وحده ، ومن هنا سمّي هؤلاء بالغلاة ، لتجاوزهم حدود الحقّ.

قال الشيخ المفيد : « الغلاة من المتظاهرين بالإسلام هم الذين نسبوا أمير المؤمنين والأئمة من ذريته عليهم‌السلام إلى الإلوهية والنبوّة ، ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحدّ ، وخرجوا عن القصد » (٣).

إنّ الغلوّ في النبيّ والأئمة عليهم‌السلام إنّما يكون بالقول بإلوهيتهم ، أو

__________________

(١) الصحاح ٦ : ٢٤٤٨ (( غلا )) وفيه : (( غلا في الأمر يغلو غلواً ، أي جاوز فيه الحد )).

(٢) النساء (٤) : ١٧١.

(٣) تصحيح الاعتقاد : ١٣١.

٢٨

بكونهم شركاء الله تعالى في العبوديّة ، أو في الخلق أو الرزق ، أو أنّ الله حلّ فيهم ، أو اتّحد بهم... أو القول في الأئمة أنّهم كانوا أنبياء ، أو القول بأنّ معرفتهم تغني عن جميع الطاعات ، ولا تكليف معها بترك المعاصي ، وهذا ممّا لا تقول به الشيعة.

٢٩

التقيّة

إنّ التقية اسم ل‍ « اتّقى يتّقي » والتاء بدل من الواو ، وأصله من الوقاية ، ذلك إطلاق التقوى على طاعة الله ، لأنّ المطيع يتخذها وقاية له من النار والعذاب.

وأصل اتّقى : أو تقي فقلبت الواو ياء لكسرة وسلم قبلها ثم أبدلت تاء وأدغمت ، ومنه حديث الإمام علي عليه‌السلام : « كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ، أي : جعلناه وقاية من العدوّ (١).

مفهوم التقية :

إنّ التقية هي اتّخاذ الوقاية من الشرّ ، فمفهومها هو إظهار الكفر وإبطان الإيمان أو التظاهر بالباطل وإخفاء الحق ، فهي تقابل النفاق ؛ لأنّ النفاق عبارة عن إظهار الإيمان وإبطان الكفر والتظاهر بالحق وإخفاء الباطل ، إذن التباين بينهما ظاهر ولا يصحّ عدّ التقية من فروع النفاق.

إنّ حدّ المنافق هو قوله تعالى : ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) (٢) ، فهو لا

__________________

(١) ابن الأثير في النهاية ٥ : ٢١٧.

(٢) المنافقون (٦٣) : ١.

٣٠

يعمّ من يستعمل التقية اتّجاه الكفّار والعصاة فيخفي إيمانه ويظهر الموافقة لغاية صيانة النفس والعرض والمال ، والتقية من المفاهيم القرآنية التي وردت في أكثر من موضع في القرآن الكريم ، وكما استعملها مؤمن آل فرعون لصيانة الكليم عن القتل والتنكيل ( وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ) (١) ، ولاذ بها عمّار عندما أخذ وأسر وهُدّد بالقتل ( مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) (٢).

فالتجأ إلى التظاهر بالكفر خوفاً من أعداء الإسلام وقال تعالى : ( إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) (٣) ، وقوله تعالى : ( وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ) (٤).

فالعقل يحكم أنّ ورودها في التشريع الإسلامي لا يتناسب ولا ينسجم بأن نعدّها من أقسام النفاق ، وإلاّ لكان ذلك أمراً قبيحاً ويستحيل

__________________

(١) القصص (٢٨) : ٢٠.

(٢) النحل (١٦) : ١٠٦. راجع مجمع البيان ٦ : ٢٠٣ ، والكشّاف عن حقائق التنزيل ٢ : ٤٣٠ ، والجامع لأحكام القرآن ١٠ : ١٨٠ ، وتفسير الخازن ٣ : ١٠٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣ ، شرح حديث رقم ١٥٠ ، السراج المنير في تفسير القرآن.

(٣) آل عمران (٣) : ٢٨.

(٤) غافر (٤٠) : ٢٨.

٣١

على الحكيم أن يأمر به ، ( قُلْ إِنَّ اللهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) (١).

إنّ التقية جائزة لصون النفس ، أو المال لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حرمة مال المسلم كحرمة دمه » ، وقوله أيضاً : « من قتل دون ماله فهو شهيد » (٢) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما وقى المؤمن به عرضه فهو صدقة » (٣) ، وروي عن صادق آل البيت عليه‌السلام في الحديث الصحيح : « التقيّة ديني ودين آبائي » (٤).

__________________

(١) الأعراف (٧) : ٢٨.

(٢) مفاتيح الغيب للفخر الرازي ٨ : ١٤.

(٣) تفسير الثعلبي ٨ : ٩٢ وفيه : (( وما وقى به عرضه فهو صدقة )) الجامع لأحكام القرآن ٤ : ٣٠٧ وفيه : (( وما وقى به الرجل عرضه فهو صدقة )) ، وتفسير الآلوسي ٣ : ١٢٢ وفيه : (( ما وقى به المؤمن عرضه فهو صدقة )).

(٤) الكافي ٢ : ٢٢٤ حديث ٨ ، مختصر بصائر الدرجات : ١٠١ ، المحاسن ١ : ٢٥٥ حديث٢٨٦ وراجع : تصحيح الاعتقادات من مصنفات الشيخ المفيد ١٣٧ ، أصل الشيعة وأصولها ٣١٥ ، واقع التقية عند المذاهب الإسلامية من غير الشيعة الإمامية ، للسيّد ثامر العميدي ، وفيه إيضاح على أن التقية والقول بها لا يختصّ فقط بالشيعة الإماميّة ، والإسفراييني : التبصير في الدين : ١٨٥ ، ونشأة الأشعرية وتطوّرها : ٧٨ ـ ٨٨ ، التبيان في تفسير القرآن ٢ : ٤٣٥ ، مجمع البيان في تفسير القرآن ٦ : ٢٠٢ ، جامع البيان ٣ : ٣١٠ ، التفسير الكبير ٨ : ١٤ ، الكامل في التاريخ ١ : ٤١ و ٣ : ٥١٨ و ٦ : ٥١٥.

٣٢

غاية التقية :

التقية هي كتمان الحقّ ، وستر الاعتقاد به ، ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين والدنيا ، وهي من الأمور التي يشنّع بعض الناس ويزدري بها على الشيعة جهلاً منهم بمعناها وبموقعها وحقيقة مغزاها ، ولو تثبّتوا في الأمر وتريّثوا وصبروا وتبصّروا لعرفوا أنّ التقية لا تختصّ بالشيعة ولم ينفردوا بها ، بل هي من ضروري العقل ، وعليه جبلة الطباع وغرائز البشر رائدها العلم ، وقائدها العقل ولا تنفكّ عنهما قيد شعرة ، إذ كلّ إنسان مجبول على الدفاع عن نفسه والمحافظة على حياته.

وقد تحرم التقية في الأعمال التي تستوجب قتل النفس المحترمة ، أو فساد في الدين ، أو ضرراً بالغاً على المسلمين بإضلالهم ، أو إفشاء الظلم والجور فيهم ، حيث ورد عن الإمام الباقر عليه‌السلام الحديث التالي : عن محمّد ابن مسلم ، عنه عليه‌السلام : « إنّما جعلت التقية ليحقن بها الدم ، فإذا بلغ الدم فليس تقية » (١).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٢٢٠ حديث ١٦.

٣٣

الشيعة والقرآن

لاشكّ أنّ إسناد عقيدة إلى طائفة من الطوائف يكون على ضوء أقوال أكابر علماء تلك الطائفة أو بالاعتماد على مصادرها المعتبرة.

فلنر ماذا قال علماء الشيعة منذ القرن الثالث إلى يومنا الحاضر في كتبهم الاعتقادية حول موضوع القرآن والتحريف.

قال الصدوق : « اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس بأكثر من ذلك ، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة ، وعندنا أنّ الضحى وألم نشرح سورة واحدة ، ولإيلاف قريش وألم تر كيف سورة واحدة ، ومن نسب إلينا أنّا نقول : إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب ... » (١) ،

يقول الشيخ المفيد : « وقد قال جماعة من أهل الإمامة : إنّه لم ينقص من كلمة ولا من آية ، ولا من سورة ، ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه‌السلام من تأويله ، وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثبتاً منزلاً وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز ...

__________________

(١) هو الشيخ محمّد بن بابويه القمي ـ الملقب بالصدوق ـ المتوفى سنة ٣٨١ ه‍ ، رسالة الاعتقادات : ٨٤.

٣٤

وعندي أن هذا القول أشبه من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل ، وإليه أميل ، والله أسأل توفيقه للصواب » (١).

يقول علم الهدى (٢) : « إنّ العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان ، والحوادث الكبار ، والوقائع العظام ، والكتب المشهورة ، وأشعار العرب المسطورة ، فإنّ العناية اشتدّت والدواعي توفّّرت على نقله وحراسته ، وبلغت إلى حدّ لم يبلغه في ما ذكرناه ، لأنّ القرآن معجزة النبوّة ، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية ، حتّى عرفوا كلّ شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد ؟! (٣).

وقد عرف قول المرتضى هذا واشتهر حتّى ذكره عنه علماء أهل السنّة الكبار ، وأضافوا أنّه كان يكفّر من قال بتحريف القرآن ، فقد نقل ابن حجر العسقلاني عن ابن حزم قوله فيه : « كان من كبار المعتزلة الدعاة ، وكان

__________________

(١) هو الشيخ محمّد بن محمّد النعمان ، الملقب بالمفيد ، البغدادي ، المتوفى سنة ٤١٣ ه‍ ، أوائل المقالات في المذاهب المختارات : ٨١.

(٢) وهو الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي المتوفى سنة ٤٣٦ ه‍.

(٣) نقل هذا في مجمع البيان ١ : ٤٣ ، عن المسائل الطرابلسيات للسيد المرتضى.

٣٥

إمامياً ، لكنّه يكفّر من زعم أنّ القرآن بدّل أو زيد فيه ، أو نقص منه ، وكذا كان صاحباه أبو القاسم الرازي وأبو يعلى الطوسي » (١).

وذكر المرتضى : « إنّ من خالف في ذلك من الإماميّة والحشوية لا يعتدّ بخلافهم ، فإنّ الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث ، نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا صحّتها ، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته » (٢).

ويقول شيخ الطائفة : « والمقصود من هذا الكتاب علم معانيه ، وفنون أغراضه ، وأما الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق به أيضاً ، لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، والنقصان منه ، فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى ـ رحمه الله تعالى ـ وهو الظاهر في الروايات » (٣).

يقول أمين الإسلام الطبرسي : « ... ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه ، فإنّه لا يليق بالتفسير ، فأما الزيادة فمجمع على بطلانه ، وأما

__________________

(١) لسان الميزان ٤ : ٢٢٤ ، والظاهر قد ورد سهواً في لسان الميزان ، لأنّه لا يوجد للمرتضى تلميذ بهذا الاسم وإنما هو أبو يعلى الديلمي وليس الطوسي.

(٢) نقل هذا في مجمع البيان ١ : ٤٣ ، عن المسائل الطرابلسيات للسيّد المرتضى.

(٣) هو الشيخ محمّد بن الحسن أبو جعفر الطوسي الملقب بشيخ الطائفة ـ المتوفى سنه٤٦٠ ه‍ ، التبيان في تفسير القرآن ١ : ٣.

٣٦

النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامّة أنّ في القرآن تغييراً أو نقصاناً.

والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه ، وهو الذي نصره المرتضى ـ قدس الله روحه ـ واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات » (١).

قال السيّد أبو القاسم علي المعروف بابن طاووس الحلّي : « فيقال له : كلّ ما ذكرته من طعن وقدح على من يذكر أنّ القرآن وقع فيه تبديل وتغيير فهو متوجّه على سيّدك عثمان بن عفان ، لأنّ المسلمين أطبقوا أنّه جمع الناس على هذا المصحف الشريف وحرّف وأحرق ما عداه من المصاحف ، فلولا اعتراف عثمان بأنّه وقع تبديل وتغيير من الصحابة ما كان هناك مصحف محرّف وكانت تكون متساوية.

ويقال له أنت مقرّ بهؤلاء القرّاء السبعة... فمن ترى ادّعى اختلاف القرآن وتغييره ؟ أنتم وسلفكم ، لا الرافضة ومن المعلوم من مذهب الذي تسميهم رافضة أن قولهم واحد في القرآن... » (٢).

« وقد اختار البلخي العدم ـ على أنّ القرآن مصون من الزيادة

__________________

(١) هو الشيخ الفاضل بن الحسن أبو علي الطبرسي ـ المتوفى سنة ٥٤٨ ه‍ ، مجمع البيان ١ : ٤٢ ـ ٤٣.

(٢) راجع كتابه القيّم : سعد السعود : ١٤٤ ـ ١٤٥ توفي سنة ٦٦٤ ه‍.

٣٧

والنقصان كما يقتضيه العقل والشرع » (١).

يقول العلاّمة الحلّي في بعض أجوبته : « الحق أنّه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه ، وأنّه لم يزد ولم ينقص ، ونعوذ بالله تعالى من أن يعتقد مثل ذلك وأمثال ذلك ، فإنه يوجب التطرق إلى معجزة الرسول عليه وآله السلام المنقولة بالتواتر » (٢).

يقول الشيخ زين البياضي العاملي : « علم بالضرورة تواتر القرآن بجملته وتفاصيله وكان التشديد في حفظه أتمّ ، حتّى نازعوا في أسماء السور والتفسيرات ، وإنّما اشتغل الأكثر عن حفظه بالتفكّر في معانيه وأحكامه ، ولو زيد فيه أو نقص لعلمه كلّ عاقل وإن لم يحفظه لمخالفة فصاحته وأسلوبه » (٣).

ويقول العلاّمة التوني : « والمشهور أنّه محفوظ ومضبوط كما أنزل ، لم يتبدّل ولم يتغيّر ، حفظه الحكيم الخبير ، قال الله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (٤).

__________________

(١) سعد السعود : ١٩٢.

(٢) أجوبة المسائل المهناوية : ١٢١ ، المتوفى سنة ٧٢٦ ه‍.

(٣) هو المتوفى سنة ٨٧٧ ه‍ ، الصراط المستقيم ١ : ٤٥.

(٤) الوافية في الأصول ١٤٧ ـ ١٤٨ ، المتوفى سنة ١٠٧١ ه‍ ، والآية في سورة الحجر (١٥) : ٩.

٣٨

صرّح السيد حسين الكوه كمري بعدم تحريف القرآن ، واستدلّ على ذلك بأمور نلخّصها فيما يلي :

١ ـ الأصل ، كون التحريف حادثاً مشكوك فيه.

٢ ـ الإجماع.

٣ ـ منافاة التحريف لكون القرآن معجزة.

٤ ـ قوله تعالى : ( لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (١).

٥ ـ مفاد حديث الثقلين.

٦ ـ الأخبار الآمرة بالأخذ بهذا القرآن (٢).

وأثبت أيضاً عدم التحريف بالأدلّة الوافية السيّد محمّد حسين الشهرستاني الحائري في رسالة له اسمها « رسالة في حفظ الكتاب الشريف عن شبهة بالتحريف » (٣).

__________________

(١) فصّلت (٤١) : ٤٢.

(٢) مجلة تراثنا ٦ : ١٣٨.

(٣) المعارف الجليّة للسيّد عبد الرضا الشهرستاني : ١ : ٢١ ، المتوفى سنة ١٣١٥.

٣٩

أدلّتنا على نفي التحريف

القرآن الكريم تبيان كلّ شيء ، وهذا يدلّ على كونه تبياناً لنفسه أيضاً ، فيلزمنا الرجوع إليه لندقق هل فيه ما يدلّ على نقصانه أو عكس ما يتصور ؟

وفي الواقع أنّ في القرآن الكريم آيات تنصّ على صيانته عن أيّ تحريف ، بل حفظه عن كلّ تلاعب ، وأنّ كلّ أشكال التصرّف فيه منتفية.

قال تعالى : ( اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (١).

فالقرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ووقوع النقصان فيه ، من أظهر مصاديق الباطل ، وهو غير حاصل.

فهو إذاً مصون من قبل الله تعالى عن النقصان منذ نزوله وإلى الأبد.

وقال تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (٢).

لا يخفى أنّ المراد هنا هو القرآن الكريم كما أنزله الله سبحانه على

__________________

(١) فصّلت (٤١) : ٤٠ ـ ٤٢.

(٢) الحجر (١٥) : ٩.

٤٠