المسلمون قوّة الوحدة في عالم القوى

عبد القادر الإدريسي السوداني

المسلمون قوّة الوحدة في عالم القوى

المؤلف:

عبد القادر الإدريسي السوداني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-86-7
الصفحات: ٣٥٤

بيننا حجب لابدّ أن نمتلك الشّجاعة الكافية من أجل اختراقها وإلّا فإنّ كلّ واحد منّا سيعيش فرداً.

إنّ الإنانيّات والذاتيّات والعصبيّات ليست من الإسلام ، فلا يمكن أن يغنينا عن الله شيئاً أن ننتمي إلى الحزب أو التنظيم الفلاني ، بل إنّ بالسعي ، والفرق بين من يسعى وبين من يتمنّى يكمن في الإعداد لساعة المواجهة ، ومن أبرز أنواع الإعداد تركيز الجهود وتكثيفها من خلال الوحدة.

إنّ الوحدة تمثّل بناءً متكاملاً لابدّ أن نبنيه لبنةً بعد أُخرى ، ومن أهمّ واجباتنا اليوم ، وأقربها إلينا تجاوز الحجب والحواجز والعقبات التي وضعها الشيطان وحلفاؤه من الإنس بيننا وبين الأقربين إلينا في العقيدة ، فلنحاول أن نتجاوز هذه الحجب والعقبات لنشيد شيئاً فشيئاً صرح الوحدة الذي سيمكننا بالتأكيد من مواجهة الطغاة وعملائهم ومقاومتهم والقضاء عليهم ذلك لأنّ الوحدة هي سرّ قوتنا واقتدارنا ، ومن دونها نصبح عاجزين عن أداء أيّ عمل مهم.

هكذا نعالج عقبات الوحدة :

ثمّة حقيقة لابدّ من الإشارة إليها ، وهي أنّ سنن الله تبارك وتعالى شاملة وعامة لا تختلف من زمان لآخر ، ولا من إنسان لآخر ، وآيات القرآن الكريم لا تخلو من تفسير وتذكير بهذه السنن ، لذا يجدر بالإنسان أن يستوحي من القرآن الحكيم ما يعالج به أوضاعه ، ويشفي أمراضه.

الانتفاع من القرآن :

ولا يغيب عنّا أن مثل القرآن كمثل الغيث الذي ينزل من السماء ، حيث كلّ بقعة من بقاع الأرض تمتصّ من هذا الماء قدراً معيناً تستفيد منه بالطريقة

٤١

التي تناسبها.

ولذلك لابدّ أن يكون الإنسان مستعدّاً لتلقّي هذا الغيث ، وهذه الرحمة الإلهية ، ومن أعظم ما يجعل الإنسان يستفيد من القرآن الكريم ، والاعتقاد بأنّ آياته تنفعه ، هو طرد الوساوس الشيطانية عن نفسه والتي توحي له بأنّ هذه الآيات لا تنفعه ، وأنّها خاصّة بالمؤمنين ، أو بأصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وبناءً على ذلك فلا علاقة لنا بالقرآن!

في حين أنّ الآيات القرآنية حتّى ولو تحدّثت عن المشركين ، فإنّها تتحدّث عن السنن الإلهية العامّة التي يخضع لها المشركون باعتبارهم بشر يخضعون لها ، ولذلك فإنّ الله سبحانه وتعالى عندما يتحدّث عن المشركين الذين جابهوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما أمرهم بعبادة إلهٍ واحدٍ فإنّه قال عن لسانهم : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ) (١).

وهذه المعارضة لم تكن معارضة شاذّة ؛ أي أنّها لم تكن نابعة من المناخ الذي كان سائداً في مكّة آنذاك ، بل إنّها من طبيعة الإنسان ، ومن انحراف فطرته نتيجة الوسوسة ، فالإنسان يبقى هو الإنسان ، ,الإنسان المكّي في زمن الجاهلية هو الإنسان اليوم في بلاد الإسلام ، فهو يتأثّر بنفس المؤثّرات ، فنحن أيضاً يمكن أن نتّخذ آلهة متعددة ونقول : كيف تكون الآلهة في مصلحة إله واحدٍ؟

ونحن إذا استطعنا أن نفهم القرآن بشكل كامل فإنّه سيكون بالفعل علاجاً لأمراض قلوبنا ، وشفاء لما في صدورنا ، فكلّ واحد منّا يقرأ القرآن ، ويطبّق آياته الكريمة على نفسه وعلى واقعه ومجتمعه ، فسوف يظفر بالسعادة

__________________

١ ـ ص (٣٨) : ٥ ـ ٦.

٤٢

في حياته وآخرته.

الوحدة قضيّة مركزيّة :

ترى لماذا نؤكّد على مسألة الوحدة ، ولماذا نظلّ نركّز على هذه الحقيقة؟

الجواب : لأهمّيّتها وضرورتها ، ولأنّها رمز لمجموعة من الحقائق الأخرى التي لابدّ أن تجتمع إلى بعضها لتكون جسراً للإصلاح.

والوحدة هي رمز لصفاء الذّهن ، وتعبير عن وضوح الرّؤية وعن الإيجابية ، وتعبير عن الأمل ، والخلق الرفيع ، والتسامح والكرم ، والتضحية والفداء ، وتعبير عن الذوبان في القضية.

وهذه كلّها حقائق مختلفة ، ولكن رمزها واحدة وهي كلمة الوحدة ، فعندما نقول : إنّنا قد صلّينا في المسجد ، أو جلسنا في المصلّى ، فإنّ كلمة ( المسجد ) أو ( المصلّى ) هي كلمة واحدة ، ولكنّها تعني مجموعة متكاملة من الحقائق.

فالوحدة هي البناء ، وأعمدتها الرؤية الاستراتيجية وجدرانها الصّفات الحسنة ، وسقفها القيادة السليمة ، وأرضيتها الإيمان الخالص ، والنّفسيّة النّقيّة ، وبالتالي فإنّ كلّ هذه المفردات تجتمع مع بعضها لتكوّن حالة الوحدة.

مسؤولية العلماء في إقرار الوحدة :

ونحن ـ طلبة العلوم الدينية ، والعلماء ، والمفكّرين والخطباء ، والموجّهين الدينيين ـ المعنيون أكثر من غيرنا في هذا المجال ، فنحن لو تعمّقنا في أوضاعنا ، وألقينا عليها نظرة فاحصة لرأينا أنّ طائفة العلماء ؛ أيّ الموجّهين في

٤٣

الأمّة إن فسدوا فإنّ الأمّة كلّها سوف تفسد ، وإن صلحوا صلحت ، وحتّى الأمراء والحكّام فإنّ صلاحهم مستمدّ من صلاح العلماء ، فلا يوجد أمير يصلح من تلقاء نفسه ، بل إنّ السلطة بحدّ ذاتها هي أعظم عامل في إفساد الإنسان ، فالعالم ـ إذن ـ هو وحده الذي يستطيع أن يُصلح السلطة السياسية.

وفي هذا المجال يلهج الناس بقولهم الموافق للحكمة والتجربة إذا فسد العالِم فسد العالَم.

إنّ العلم هو سلاح المستضعفين ضدّ المستكبرين ، والعلم هو الذي يوحد الأُمّة ، وإذا سرقت رسالة العلم من قبل أدعياء العلم فإنّ النتيجة ستكون ـ ولا شكّ ـ لمصلحة المستكبرين ضد المستضعفين.

وبناءً على ذلك فنحن المعنيون بأن نبني بناء الوحدة في أنفسنا ، وهذه الوحدة لابدّ أن تشمل ألفاً وخمسمائة مليون إنسان ، فتكون قاعدة وهذا البناء في مكّة المكرّمة ، وعمودها في حرم الله جلّ وعلا ، فطرف من هذه الخيمة يظلّلنا ، ثمّ يمتدّ من عندنا إلى الصّين ، ثمّ إلى نيجيريا ، وقسم منها يمدّ إلى أعماق أوروبا ، وقسم آخر يظلّل شبه القارة الهندية.

وهذه الخيمة الواسعة الممتدّة التي تشمل الآفاق والعناصر والشعوب المختلفة ، بحاجة إلى أن من يغرز أعمدتها وأوتادها في عمق الأرض ، وأن يجعلها تمتدّ لتشمل العالم الإسلامي كلّه.

فالمطلوب منّا أن ننظر بعمق إلى هذه المسألة.

فالسطحية هي التي أفسدت أفكارنا ، وهي التي جعلتنا نحارب بعضنا البعض ، فإذا بالحكّام الطغاة يتسلّطون علينا ، وإذا بالأفكار السطحية القشرية تسود حياتنا بسبب عدم تعمّقنا في قضايانا الهامّة ، وللأسف الشديد فإنّ تبادل

٤٤

التهم ، وسوء الظن وما إلى ذلك من عوامل الاختلاف والتفرقة منتشرة بيننا ، فلمصلحة من كلّ هذه الاختلافات؟!

إنّنا نرى أنّ كلّ واحد منّا يفسّر الوحدة تفسيراً خاصّاً به ، فنحن نفسّر الوحدة بالتمزّق ، في حين أنّ سنّة الله تبارك وتعالى تفسّر التمزّق والاختلاف بالعذاب الشديد ، وهو القاهر فوق عباده.

وفي آية أخرى يقول سبحانه : ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ) (١).

مسؤوليتنا كبيرة :

إنّ هناك مسؤولية عظيمة ملقاة على عاتقنا في هذا الطريق ، فمهمّتنا تشبه إلى حدّ كبير مهمّة من يحاول أن يجمع الصخور لكي يمهّد طريقه ، فيما أنّنا عاملون في سبيل الله سبحانه وتعالى فسوف نواجه الصعوبات والعقبات والعراقيل ، فلابدّ ـ إذن ـ من أن نتحلّى برحابة الصدر ، والصبر ، والاستقامة ، والشّجاعة لكي نستطيع تجاوز هذه العقبات بنجاح.

ولتكن أنشطتنا تدور حول محور الدّفاع عن النّفس ، لا الهجوم على الآخرين ، وليكن تحرّكنا إيجابياً ، وتوجّهاتنا إيمانية فإنّنا في هذه الحالة سرعان ما نكتشف أنّنا أقوى من العقبات والعراقيل التي يضعها الأعداء أمامنا ، وحينئذ سوف ننال عند الله الجزاء الأوفى ، ونصبح بين أفراد مجتمعاتنا أُنموذجاً للأناس الناجحين في الحياة.

ولنعلم في هذا المجال أنّ صمودنا ، وعدم التفاتنا إلى كلام الجاهلين ،

__________________

١ ـ الأنعام (٦) : ٦٥.

٤٥

والمضي في طريقنا بعزم وإصرار ، كلّ ذلك يعتبر بمثابة حجر نلقم به أعداءنا الذين يحاولون دائماً تثبيطنا ، ووضع العراقيل في طريقنا.

وهكذا فإنّ الواجب علينا أن ندافع عن أنفسنا ، وأن نكفّ ـ في نفس ـ الوقت عن مهاجمة غيرنا ، وأن نسعى من أجل توحيد بلادنا وشعوبنا ، وأن نكثّف من أنشطتنا ، وبذلك سوف نستطيع تحقيق أهدافنا بجدارة ، هذه الأهداف التي تتطلب منّا أن نتجاوز فردياتنا وأنانيّاتنا ، وأن نفكّر تفكيراً جدّياً في معالجة مشاكل الأُمّة ككلّ ، فلابدّ من أن نُوطن أنفسنا على الحقّ مهما كانت المشاكل ، والعقبات التي تواجهنا ، ومهما كان حجم المعاناة لأنّ الوحدة تمثّل هدفاً عظيماً وسامياً لا يمكن أن نصل إليه إلّا ببذل حجم كبير من التضحيات.

٤٦

الباب الثاني

واقع الاختلاف في حياة البشر

٤٧
٤٨

تمهيد

إنّ اختلاف النّاس في أفكارهم وآرائهم ومواقفهم وعاداتهم لأمر طبيعي تقتضيه ظروف حياة البشر ، فلو استقصينا أزمنة التاريخ لما وجدنا البشرية في أيّ لحظة من الزمن تجتمع وتتفق على كلّ الأمور والقضايا بمجملاتها وتفاصيلها ، تلك الفترة البدائية القصيرة التي يتحدّث عنها القرآن الكريم بقوله (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً) (١) ؛ أي قبل أن يعملوا عقولهم ويتنبّهوا إلى ما حولهم من حقائق ومصالح.

وحتّى المجتمعات الإيمانية من أتباع الأنبياء والأئمّة والأولياء لم يكونوا جميعاً على مستوى واحد من الفكر والالتزام ، كما لم تكن متطابقة ولا متفقة على جميع الجزئيات والتفاصيل الدينية والحياتية.

ونلاحظ جلياً في حياتنا كيف يختلف الناس في كلّ شيء حتّى لا نكاد نجد أمراً يتفق عليه الجميع ولعلّنا نستوحي أو نستشفّ من بعض الآيات الكريمة في القرآن الحكيم حتميّة وجود الاختلاف والتفاوت بين أبناء البشر حسبما شاءت إرادة الله تعالى وحكمته.

يقول تعالى : (وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ

__________________

١ ـ البقرة (٢) : ٢١٣.

٤٩

وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) (١) ، (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (٢) ، (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) (٣).

وتوضيحاً لهذه الحقيقة يقول العلامة الطباطبائي في تفسيره للآية الأخيرة : ثمّ الاختلاف ويقابله الاتفاق من الأمور التي لا يرتضيها العقل السليم ، لما فيه من تشتيت القوى وتضعيفها ، وآثار أخرى غير محمودة ، من نزاع ومشاجرة وجدال وقتال وشقاق ، كلّ ذلك يذهب بالأمن والسلام ، غير أنّ نوعاً منه لا مناصّ منه في العالم الإنساني وهو الاختلاف من حيث الطبائع المنتهية إلى اختلاف البنى فإنّ التركيبات البدنية مختلفة في الأفراد وهو يؤدي إلى اختلاف الاستعدادات البدنية والرّوحية ، وبانضمام اختلاف الأجواء والظروف إلى ذلك ، يظهر اختلاف السلائق والسّنن والآداب والمقاصد ، والأعمال النوعية والشخصية في المجتمعات الإنسانية ، وقد أوضحت الأبحاث الاجتماعية أنّه لولا ذلك لم يعش المجتمع الإنساني طرفة عين.

وقد ذكره الله تعالى في كتابه ونسبه إلى نفسه حيث قال : (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا) (٤) ، ولم يذمّه تعالى في شيء من كلامه إلّا إذا صحب هوى

__________________

١ ـ الشورى (٤٢) : ٨.

٢ ـ يونس (١٠) : ١٩.

٣ ـ هود (١١) : ١١٨ ـ ١١٩.

٤ ـ الزخرف (٤٣) : ٣٢.

٥٠

النّفس وخالف هدى العقل (١).

ويقول الشاعر :

ربَّ قبحٍ عندَ زيدٍ

هُوَ حَسَنُ عَنْدَ عَمْرٍ

هُمَا ضدّان فيه

وهو وهمٌ عند بكر

فمن الصّادقُ فيما

يدّعيه ليت شعري

ولماذا ليس للحسن

قياسٌ لستُ أدري (٢)

حديث عن الوحدة :

إنّ الوحدة والتعاون بين أبناء البشر مسألة فطرية وجدانية لا تحتاج إلى استدلال علمي ولا بذل جهد عقلي.

__________________

١ ـ تفسير الميزان ١١ : ٦٠.

٢ ـ تعليقاً على ما ذكره الشاعر عن الخلاف حول الحسن والقبح تجدر الإشارة إلى أنّه يطلق الحسن والقبح على معاني ثلاثة : اثنان منها موضع اتفاق الكلاميين والفلاسفة من المسلمين في إمكان إدراك العقل لها ، وواحد منها موضع الخلاف.

أما موضع الاتفاق منهما فهما :

١ ـ الحسن بمعنى الملائمة للطبع والقبح بمعنى عدمها.

٢ ـ الحسن بمعنى الكمال والقبح بمعنى عدمه ، وموضع الخلاف بعد ذلك هو في المعنى الثالث وهو :

٣ ـ الحُسن بمعنى إدراك أنّ هذا الشيء أو ذاك ممّا ينبغي أن يفعل بحيث لو أقدم عليه الفاعل لكان موضع مدح العقلاء بما هم عقلاء ، والقبح بخلافه ، راجع ( الأصول العامة للفقه المقارن ) للسيد محمّد تقي الحكيم : ٢٨٢.

هذه الأبيات للشاعر إيليا أبو ماضي ( ١٨٨٩ ـ ١٩٥٧ ) له الطلاسم ، صراع وعراك وأول القصيدة :

إنّني اشهد صراعاً وعراكاً

وأرى ذاتي شيطاناً وأحياناً ملاكاً

هل أنا شخصان يأبى هذا مع ذاك اشتراكاً

أم تراني واهماً فيما أراه؟ لست أدري

٥١

ذلك أن الله سبحانه وتعالى أودع في أعماق نفس كلّ إنسان فطرة صافية ووجداناً نقيّاً ، وبالفطرة والوجدان يهتدي الإنسان إلى الخير ويكتشف موارد الشرّ ، وبها يتفق أبناء البشر على المبادئ الخيّرة والبديهيات العقلية ، يقول تعالى : (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) (١).

إلّا إنّ تربية الإنسان والأجواء التي ينشأ فيها قد تلوّث صفاء فطرته ونقاء وجدانه ، يقول صلى الله عليه وآله وسلم : كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجّسانه .. (٢).

إنك لو سألت أيّ إنسان عن رأيه في الوحدة والتفرقة لما تردّد في الإجابة بأنّ الوحدة خير وأنّ التفرقة شرّ بصرف النظر علن التفاصيل والملابسات.

وتشير بعض الآيات الكريمة إلى أنّ البشر في بدء حياتهم على وجه الأرض يوم كانوا يعيشون البساطة والعفوية كانوا متّحدين لم يعرفوا معنى للتفرقة والاختلاف ، ولكن حينما بعث الله الأنبياء والرّسل خالفهم من تلوّثت فطرته ، وهناك بدأ الصراع والاختلاف في حياة الناس ، يقول تعالى : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ) (٣).

فظاهر الآية يدل على أنّ هذا النوع قد مرّ عليهم في حياتهم زمان كانوا على الاتحاد والاتفاق ، وعلى السّذاجة والبساطة ، لا اختلاف بينهم بالمشاجرة

__________________

١ ـ الروم (٣٠) : ٣٠.

٢ ـ صحيح البخاري ٤٢ : ١٠٤.

٣ ـ البقرة (٢) : ٢١٣.

٥٢

والمدافعة في أمور الحياة ، ولا اختلاف في المذاهب والآراء (١).

وعادة ما تتجلّى الفطرة أمام الإنسان في الظروف الخطيرة والدقيقة التي تمرّ عليه فتزيل عن قلبه حجب الغفلة والشهوة ويتصّرف بوحي من فطرته ووجدانه ، ويمكننا أن نلمس هذه الحالة الفطرية في مجتمع الأطفال الصغار قبل أن تستحكم الشهوات والمصالح في نفوسهم فقد يضرب بعضهم بعضاً ، لكن ذلك لا يؤدّي بهم إلى القطيعة والحقد ، بل سرعان ما يتناسون نزاعاتهم ويعودون إلى التّعامل واللعب معاً ، وكثيراً ما يحدث أن يشتكي بعض الأطفال لدى عوائلهم ضد الأطفال الآخرين ويحصل النزاع والاختلاف بين أهالي الأطفال ويبقى لفترة طويلة ، بينما يتناسى الأطفال صراعاتهم ويعودون إلى اللعب معاً.

إذاً فالوحدة والتعاون أمر تدعو إليه الفطرة ويؤيده الوجدان الإنساني.

الأُمّة الإسلامية التي نصّ الله سبحانه وتعالى على وحدتها فقال : (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (٢).

كانت هذه الأُمّة تعيش تحت قيادة واحدة وفي وطن واحد يتعايش فيه جميع المسلمين كمواطنين متساوين في حقوقهم السياسية ، ولكن هذه الأُمّة الواحدة والدّولة الواحدة والوطن الواحد تحوّلَت الآن إلى أكثر من (٤٣) دولة ووطناً! ولكلّ دولة عَلَم وشعار وحدود وعملة خاصة وقوانين معينة! وأصبح انتقال المسلم من بلد إسلامي إلى بلد إسلامي آخر تكتنفه العديد من المشاكل والتعقيدات ، فلابدّ من تأشيرة دخول وجواز وجمارك وتفتيش ، إلى

__________________

١ ـ تفسير الميزان ٢ : ١٢٤.

٢ ـ الأنبياء (٢١) : ٩٢.

٥٣

ما هنالك من قوانين ، إنّ هذا التمزّق السياسي العجيب الذي تعيشه الأُمّة الإسلامية هو سبب رئيسي لتخلّفها ولضياع ثرواتها وخيراتها وهيمنة الأعداء والطامعين عليها.

وعادة ما تنشب الحروب والخلافات بين حكّام هذه الدُّويلات المصطنعة والضحيّة هي مصالح المواطن حيث يقع عليهم التهجير ومصادرة الأموال.

إنّ النداء الإلهي بالوحدة والتعاون موجّه للمؤمنين الصالحين ، فهم الذين يريد الله اتحادهم وتعاونهم على البرّ والتقوى ، وفي تلك الوحدة خير لهم وللبشرية جمعاء لأنّ قوى الحقّ والصّلاح إذا اجتمعت وتكاتفت كانت أقدر على نشر الهدى والخير وبسط العدل ومكافحة الشرّ والظلّم.

ولذلك يوجّه الله سبحانه وتعالى دعوى إلى التعاون للمؤمنين كما في الآيات الأولى من سورة المائدة ، يقول تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ) إلى أن يقول سبحانه : (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (١).

ويقول تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) (٢).

إذاً فالوحدة المطلوبة من قبل الله سبحانه هي وحدة المؤمنين مع بعضهم البعض ، فأمّا الكافرون والظّالمون فإنّ اتحادهم ليس في صالح البشرية لأنّ

__________________

١ ـ المائدة (٥) : ٢.

٢ ـ آل عمران (٣) : ١٠٢ ـ ١٠٣.

٥٤

ذلك يقوّي بغيهم وضلالهم ويهدّد أمن النّاس وحريتهم بالخطر والسّوء.

ولذلك يتوعّد الله المنحرفين بإلقاء العداوة والنزاع في صفوفهم ، فعن أدعياء النصرانية المنحرفين عن منهج الله يقول تعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) (١).

وعن اليهود المجرمين يقول تعالى : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) (٢).

وفي الدّعاء المشهور اللهم اشغل الظالمين بالظالمين (٣). إلى ذلك نخلص إلى أنّ وحدة المؤمنين وتعاونهم يجب أن تتحقّق على مستويين :

المستوى الأول :

الجهات الفاعلة والقيادة في مجتمعاتنا الدينية من مراجع وعلماء وحركات ومراكز ومؤسسات.

المستوى الثاني :

في أوساط الجماهير وبين النّاس المؤمنين مع بعضهم البعض.

__________________

١ ـ المائدة (٥) : ١٤.

٢ ـ المائدة (٥) : ٦٤.

٣ ـ الصحيفة السجادية الكاملة : ١٤٥ ( دعاؤه لأهل الثغور ) وفيه : ( اللهم اشغل المشركين بالمشركين عن تناول أطراف المسلمين ).

٥٥

ومن المؤسف جدّاً أن تعاني أُمّتنا الإسلامية من الخلاف والتمزّق بين المؤمنين حتّى على أعلى المستويات ، بل إنّ عدم توفّر الوحدة والتعاون على المستوى الأوّل هو الذي يسبّب الخلافات والصّراعات على المستوى الثاني ، فحينما لا تستطيع الجهات الفاعلة والقيادية ـ مع ما يفترض فيها من وعي وإخلاص ـ أن تتعاون وتتحد فسوف لن تنعم الجماهير والمجتمعات المتديّنة بأجواء الوحدة والانسجام لانعكاس اختلاف القيادات على أوضاع القاعدة والأتباع.

فعلى صعيد المراجع والعلماء والذين هم القيادة الشرعية لجماهير الأمّة والحماة لوحدتها والحريصون على مصلحتها ، نرى بعض النزاعات والخلافات وبعض المجتمعات الدينية تعاني الآن من الانقسام والتناحر بسبب الخلافات المرجعية والعلمانية.

وعلى صعيد الحركات والتنظيمات الإسلامية وحتّى في المناطق الساخنة والملتهبة كأفغانستان والعراق ولبنان تحدث نزاعات تصل إلى حدّ التقاتل واستخدام السّلاح أو الحرب الإعلامية والدعائية بالتشهير المتبادل والاتهامات الرخيصة.

وعلى صعيد المراكز والمؤسّسات الدينية هناك تنافس غير شريف في بعض الحالات ، وهناك صدامات وتناقض حتّى على مستوى المساجد والحسينيات.

إنّنا لا نريد بهذا أن نرسم صورة قاتمة سوداء لواقع النشاط والتحرّك الإسلامي المعاصر ، فهناك إيجابيات كبيرة ومكاسب عظيمة ، ولكنّنا بصددّ تسليط الأضواء على هذا المرض الخطير الذي ينخر في كيان مسيرتنا

٥٦

الإسلامية لتتحمّس أكثر في مقاومته.

ففي المرحلة الأولى علينا أن نسعى لنزع فتيل الصراع وتهدئة الأجواء وإعلان وقف إطلاق النار على بعضنا البعض ليسير كلّ في برنامجه ويواصل مشروعه دون أن نضطرّ لصرف الجهد والاهتمام لمواجهة إخوانه المؤمنين وتعبئة أتباعه ضدّهم وتحصين أعماله عن تأثيرات تخريبهم ، ثمّ نطمح للوصول إلى مستوى متقدّم وهو الوحدة والتعاون والانسجام.

إنّ كثيراً من المتدينين يعتبر شكل علاقته مع إخوانه المؤمنين عملاً شخصياً يخضع لمزاجه ومصلحته ، وأن لا دخل للدّين في هذه المسألة ، بل له الحرّية الكاملة في أن يعادي أو يتعاون مع من يشاء!

وفي أحسن الفروض يعتبر حسن علاقته مع الآخرين شيئاً كمالياً مستحبّاً لن يسأله الله تعالى عنه ولن يحاسب عليه يوم القيامة.

وسبب هذه التصوّرات الساذجة اعتقاد كثير من المتديّنين انحصار الدّين في القضايا الاعتقادية والأمور العبادية ، أمّا شؤون الحياة وأوضاع المجتمع فذاك لا يرتبط بالدّين.

ولذا يهتمّ هذا الصنف من النّاس بمسائل الطهّارة والصّلاة بشكل تفصيلي ودقيق ويراعون الاحتياطات والمستحبّات في هذه الأمور ، بينما يتجاهلون أبسط مبادئ الأخلاق في التعامل مع الآخرين ويتجاوزون الحقوق الاجتماعية.

فإذا ما شكّ في نطقه للفظ من ألفاظ الصّلاة فإنّه يذهب لسؤال العالِم الديني ويراجع الرسالة الفقهية العملية لمعرفة وظيفته الشرعية ، أمّا إذا شكّ في نوايا ومواقف أخيه المؤمن فهو لا يكلّف نفسه عناء البحث وأخذ رأي

٥٧

الإسلام في المسألة ، بل يحكّم مزاجه وأهواءه والتي غالباً ما تقوده إلى سوء الظنّ واتهّام المؤمنين.

ومقاييسنا في تقويم الناس متأثّرة أيضاً بهذا الفهم السّاذج للدين ، فلكي تثبت لنا عدالة إنسان نهتمّ بمعرفة التزامه بالصّلاة والصّيام وسائر العبادات ، ولا يهمّنا بعد ذلك أخلاقه في التّعامل مع الآخرين ، وأنّ هذه القضية لا تؤثّر في العدالة ولا تخلّ بها!

ولو رأينا شخصاً يترك صلاة أو فريضة أو صيام يوم أو يأكل أو يشرب شيئاً محرّماً لحكمنا عليه بالفسوق وأسقطنا عدالته ، ولكن لو رأينا شخصاً يستغيب مؤمناً أو يفتري عليه أو يشهر به فإنّ ذلك لا يؤثّر على عدالته في نظرنا ولا يزعزع الثّقة في نفوسنا!

إنّ قضية الوحدة والتعاون بين المؤمنين تحتلّ موقعاً هامّاً في ثقافة الإسلام وتعاليمه ، والمؤمن ليس مخيّراً بين السّلوك الوحدوي والأخلاقية التعاونية وبين التفرقة والتخاصم ، بل إنّه ملزم من قبل الله تعالى بوحدة الصّف ولمّ الشّمل. ومكلف بالابتعاد عن التّفرقة والبغضاء.

فالوحدة والتعاون واجب شرعي وتكليف إلهي على كلّ مسلم مراعاته وتطبيقه ، والتّفرقة والعداوة بين المؤمنين عمل محرّم وجريمة نكراء يحرم اقترافها وممارستها.

١ ـ يقول تعالى : (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) (١) ، فالآية تحمل أمراً صريحاً بالاجتماع ، ونهياً واضحاً عن التفرقة.

__________________

١ ـ آل عمران (٣) : ١٠٣.

٥٨

٢ ـ ويقول تعالى : (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (١) ، إنّه تعالى يحذّرنا بلغة جازمة من أن نصبح متنازعين متفرّقين كاليهود والنصارى ويتوعدّنا بالعذاب العظيم إن حدث لنا ذلك.

٣ ـ ويقول تعالى : (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (٢) ، فالوحدة في إطار الدّين والابتعاد عن التّفرقة هي وصيّة الله لكلّ أنبيائه ووصية الأنبياء لأممهم.

٤ ـ ويأمرنا سبحانه بأن نتعاون مع بعضنا على أمور الخير والصّلاح فيقول سبحانه : (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) (٣).

٥ ـ وينهانا الله عن التنازع لأن عاقبته الفشل وذهاب القوة (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (٤).

٦ ـ إنّ انتشار العداوة والبغضاء بين المؤمنين هدف شيطاني ومن يمارسها أو يساعد عليها فإنّها إرادة الشيطان. يقول تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء) (٥).

أمّا الأحاديث الشريفة الواردة عن النبي محمّد وعن الأئمة من آله

__________________

١ ـ آل عمران (٣) : ١٠٥.

٢ ـ الشورى (٤٢) : ١٣.

٣ ـ المائدة (٥) : ٢.

٤ ـ الأنفال (٨) : ٤٦.

٥ ـ المائدة (٥) : ٩١.

٥٩

صلوات الله عليه وعليهم أجمعين ، ففيها حشد هائل من النّصوص التي تؤكّد أهميّة الوحدة والتعاون وأنّها من أساسيات المبادئ الإسلامية ، وتنهى عن التفرقة والمعاداة لأنّها من أخلاق أهل النّار ، ونقتبس من تلك الأحاديث بعض الومضات المشرقة :

الألفة والحبّ :

الأصل في شخصية المؤمن الألفة والحبّ لإخوانه المؤمنين ، أمّا النّفور من الآخرين ومعاداتهم فليس من خلق المؤمن وإنّما هي سمة الفجّار.

يتحدّث الإمام الصادق عليه السلام عن انجذاب قلب المؤمن لأخيه المؤمن مقارناً لها بتنافر قلوب الفاسقين الفجّار فيقول : إنّ ائتلاف قلوب الأبرار إذا التقوا وإن لم يظهروا التودّد بألسنتهم كسرعة اختلاط قطر السّماء على مياه الأنهار ، وإن بعد ائتلاف قلوب الفجّار إذا التقوا وإن أظهروا التودّد بألسنتهم كبعد البهائم من التعاطف ، وإن طال اعتلافها على مذودٍ (١) واحد (٢).

والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يعتبر الألفة مع الناس مقياساً للأفضلية في الخير ، ويصف من يفتقد هذه الخصلة بانعدام الخير في شخصيته.

عنه صلى الله عليه وآله وسلم : خياركم أحاسنكم أخلاقاً الذين يألفون ويُؤلفون (٣).

وأيضاً عنه صلى الله عليه وآله وسلم : ... وخير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يُؤلف (٤).

__________________

١ ـ مذود معلف الدابة ، لسان العرب ٣ : ١٦٨ ، ( ذود ).

٢ ـ الأمالي للشيخ الطوسي : ٤١٢.

٣ ـ مستدرك الوسائل ٨ : ٤٥١ ، الحديث٩٩٧١.

٤ ـ الأمالي للشيخ الطوسي : ٤٦٢.

٦٠