المسلمون قوّة الوحدة في عالم القوى

عبد القادر الإدريسي السوداني

المسلمون قوّة الوحدة في عالم القوى

المؤلف:

عبد القادر الإدريسي السوداني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-86-7
الصفحات: ٣٥٤

مسؤولية الوحدة

دور العلماء :

إنّ منهجيّة الإنسان في التفكير تحدّد ـ عادة ـ مستقبل حياته ، فمن الأبعاد الأساسية في منهجيّة التفكير هو الفكر اللامسؤول ، والثّقافة اللامسؤولة ، ذلك لأنّ الفكر على نوعين.

نوع يدفعك نحو تحمّل المسؤولية ، ويرفعك إلى مستوى العطاء والتصدّي ، وتحمّل الأمانة.

والنوع الآخر من الفكر هو ذلك الذي يكرّس فيك حالة الخمول ، والتردّد ، والتراجع ، ويزودّك بالتبريرات والأعذار ، ويضع على قلبك الأغلال والقيود.

ومن هذا المنطلق فإنّ على الإنسان وهو يواجه الأفكار المختلفة في حياته أن يتساءل دوماً : هل هذا الفكر هو فكر مسؤول أم لا؟ وهل هو فكر الثورة أم التبرير؟ فكر التصدّي أم فكر الهزيمة؟

إنّنا ـ للأسف الشديد ـ فقدنا إرادتنا أمام المستعمرين ، ولذنا بمنهجيّة التبرير التي كلّفتنا الكثير من الهزائم والنكسات ، والتي هي في حقيقتها منهجيّة إلقاء المسؤولية على الآخرين والتملّص منها فإذا بالمجتمع مسؤول،والحكومة مسؤولة ، والتأريخ مسؤول فكلّ شيء مسؤول ولكنّني أنا الوحيد الذي أعدّ نفسي غير مسؤول.

٢١

إنّ هذا النوع من التفكير هو الذي جعلنا نصل إلى هذا المستوى المتردّي ، فلنحاول أن نغيّر من أنفسنا ، وأن نقول منذ اليوم : نحن المسؤولون لا غيرنا ، فنحن مركز هذا العالم ، وإذا ما غيّرنا أنفسنا فإنّ الله جلّ وعلا سيغيّر واقعنا ، وواقع أُمّتنا.

فلنفكّر بهذا الأسلوب ولنرى ماذا سيحدث ، ولنبدأ من هذا الوضع القائم ، ومن أوضاعنا بالذات.

إنّ منهجية أولئك الذين يتملّصون من المسؤولية هي منهجية التفكير الذي يبعث على الخمول ، واللامسؤولية ، وهذه المنهجية هي المسؤولة عن واقعنا ، ونحن إن لم نبادر إلى تغييرها لما كان بإمكاننا أن نفعل شيئاً من هنا هو لابدّ من القول بأنّنا بحاجة إلى الوحدة التي تشبه إلى حدّ كبير الصحّة والعافية في الجسد ؛ إذ العافية لا يمكن أن تصدق على جسم متهاوٍ ، وعين عمياء ، ويد شلاء ، ورجل عرجاء ، وهكذا الحال بالنسبة إلى الأُمّة الواحدة ؛ حيث لابدّ أن تتوافر لديها عشرات الشروط والعوامل لكي تكون أُمّة واحدة ، ذات هدف واحد ، واستراتيجية واحدة ، وأُفق وتطلّع واحد يسعى بذمتها أدناها ، وتكون كالجسد الواحد.

ونحن كأمّة إسلامية جسمنا يتقطّع من أطرافه ، ولكنّنا لا نتحسّس ، ولا نشعر فترانا منشغلين في التوافه ، والشعارات والأسماء ، والأوهام.

في الوقت الذي يجب علينا أن نعود إلى الوحدة الحقيقية ، التي تعني ذلك الصرح المتكامل ، وتلك العوامل التي تجعل الأُمّة سليمة متعافية ونقيّة ، أُمّة ليس فيها مكان للغشّ ، والاختلاف ، والغيبة ، والنميمة ، أُمّة الفكر المسؤول أساسها وشعارها ومنطلقها.

٢٢

الوحدة منطلق الوحدة :

إنّ الوحدة تبدأ من إيجاد التكتّلات الإيمانية التي تعني أنّ الإنسان المؤمن لا يعيش إلّا ضمن وحدة وتجمّع كما يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : والزمو السواد الأعظم فإنّ يد الله على الجماعة ، وإياكم والفرقة! فإنّ الشاذّ من الناس للشيطان ، كما أنّ الشاذّ من الغنم للذئب (١).

إنّ الوحدة لا يمكن أن تتحقّق برفع شعاراتها ، وإنشاء الأشعار ، وإلقاء الخطب بشأنها ، فالوحدة هي حقيقة لابدّ من أن نوحدها في أنفسنا أوّلاً ، فهي بذرة تنبت في قلب المؤمن ثمّ تنمو شيئاً فشيئاً حتّى تصبح دورة وارفة الظّلال عظيمة الثّمار ، فهي تبدأ من حسن الظّن بإخواننا المؤمنين ، فالّذي يُسيء الظن بإخوته لا يمكنه أن يتحدّ معهم ، لأنّ الوحدة تعني أن تُحبّ لأخيك ما تحبُّ لنفسك.

والوحدة تعني أيضاً أن نقول الكلمة الطّيبة كما يشير إلى ذلك قوله تعالى : ( وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ).

والوحدة تعني بالإضافة إلى ذلك التعاون ، كما يؤكّد على ذلك سبحانه في قوله : ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) (٢) ، أمّا عندما تكفّ يد التعاون عن إخوانك ، وتنطوي على نفسك في زاوية ، وتريد أن تعمل لوحدك ، فهل هذه الظاهرة تخدم الوحدة ، وهل من الصحيح أن نتعوّد على الفردية والانطواء والابتعاد عن السّاحة ، وهل مثل هذا المنحى يُنمّى فينا الوحدة؟!

__________________

١ ـ نهج البلاغة ٢ : ٨ ، الخطبة : ١٢٧.

٢ ـ المائدة (٥) : ٢.

٢٣

إنّ من ضمن المعاني الأخرى للوحدة أن نصبر على أذى إخواننا ، وأن نفكّر أن يبادر الآخرون إلى إعطائنا من أنفسهم ، فمثل هذا التفكير لا يمكن أن يقودنا إلى الاتحاد معهم ذلك ، لأنّ الوحدة تعني من ضمن ما تعنيه أنّ يدنا هي العليا في العطاء.

والوحدة تقتضي أيضاً أن نجعل هدفنا واضحاً ، وأن نحدّد هذا الهدف منذ البدء ، فهل هدفنا هو أن نتخاصم ونتنافس من أجل أن يكون أحدنا أبرز من الآخر في تظاهرة ما ، ومن أجل أن تكون أسماؤنا قبل أسماء الآخرين في احتفال ما؟!

ليس ثمّة شك إذا كانت أهدافنا غير واضحة ، فإنّ الشيطان سيخلط علينا الأمور ، وسيدفعنا إلى طرح الناوين والأسماء المثيرة للحزازات والاختلافات.

فلنتنافس على العمل لا على الشعارات الخاوية ، ولنتنافس بمقدار الإنجاز لا بإسلوبه ، كما يقول تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إلى الله مَرْجِعُكُمْ) (١).

وعلى هذا فإنّ الوحدة ليست كلمات ولا شعارات ، بل هي عمل وتضحية وسعي ، وخضوع لبرامج الله ، وتحلّ بالأخلاق الحميدة التي أمر الله بها ، فالوحدة يجب أن تتمخّض عن تطبيق القرآن الكريم ، والقرآن يقول : ( وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) (٢) ، فهو يأمرنا بالتعاون ، وحسن الظّن ، وقول الكلمة الطيبة. وهذه الصّفات كلّها هي أسباب الوحدة.

__________________

١ ـ المائدة (٥) : ٤٨.

٢ ـ آل عمران (٣) : ١٥٩.

٢٤

وإنّ الإنسان ـ بطبعه ـ لا يميل إلى الوحدة ، فلو تٌرِكَ لشأنه لاختار الفرقة ذلك لأنّ طبائع النّاس وآراءهم وأذواقهم متفرّقة ومتفاوتة ، فلكلّ واحد منهم مصلحة وفكرة وطريقة ، ثمّ إنّ الأهواء هي مختلفة بذاتها أمّا العامل الأساسي الذي يوحّد فهو الدين والرسالة ، والرسالة التي توحّد النّاس لا توحّدهم من خلال الكلمات والشعارات ، بل عبر الأشخاص وبالذات علماء الدين لأنّهم المراكز التي تتجلّى فيها بركة الله سبحانه وتعالى ، ورسالته الإلهية.

إنّ عالِمَ الدّين يكون في المجتمع محوراً للوحدة ، وحبلاً للاعتصام يتمسّك به الجميع ، لأنّه متصل بحبل الله الذي يقول عنه ربّنا جلّ وعلا : (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) (١) ، فإذا كان عالم الدين وسيلة للتفرقة ، وسبباً للخلاف ، ومثاراً للفتن ، فإنّ ذلك يعني وجود خلل فيه لا في الدين ، ونقص في ثقافته الرساليّة التي لم تترسّخ في نفسه بعد بشكل كامل.

__________________

١ ـ آل عمران (٣) : ١٠٣.

٢٥

الوحدة تحدّي

الوحدة الإسلامية والعوامل المضادّة :

كلّما كانت الأفكار أعمق وأسمى ، وكلّما ارتبطت بصميم مشاكل الأُمّة وقضاياها ، كلّما كانت لغة الحديث قائمة على أساس الإشارات والتلميحات ، حيث تزدحم على الموضوع مواقف مختلفة ، وعقبات عديدة تحول دون الإفصاح ، وحتّى كتابنا المقدّس ( القرآن الكريم ) فإنّه يستخدم ( الإشارات والرموز ) كلغة بينه وبين أوليائه ، لأنّ النّاس ليسوا جميعاً في مستوى تلقّي المعارف القرآنية السّامية ، وحديثنا ـ نحن أيضاً ـ سيكون مستنداً إلى هذه اللغة في جزء منه.

فهم السّنن منفعة للحاضر وهدى للمستقبل :

ونبدأ هذا الحديث بالقول أنّ فهم السنن التي يشير إليها البارئ وعجل الله تعالى فرجه في قوله : (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) (١) ، يشكّل منفعة لحاضرنا وهدى لمستقبلنا ، فما تراجعت أُمّة عرفت سنن الله تعالى ، وتعاملت معها تعاملاً حسناً ، وما تقدّمت أُمّة تولّت عن هذه السّنن وجهلتها أو تجاهلتها.

والعوامل التي تسبّبت اليوم في بثّ الفرقة بين المسلمين هي ذاتها التي كانت وراء اختلافاتهم في الماضي ، والدواعي التي تفرّق بين أمّة وأخرى ،

__________________

١ ـ فاطر (٣٥) : ٤٣.

٢٦

وبين أشياع مذهب وآخر ، هي نفسها التي تُفرّق بيننا كأفراد وجماعات وأحزاب وخطوط.

والمهم أن نبحث في التأريخ لنلتقط تلك السّنن العامة التي تعيننا على معرفة التأريخ ، وبالتالي تنفعنا في طريق التخطيط للمستقبل.

وفي الواقع فإنّ أعظم نقمة ينزلها الخالق على البشر هي سلبهم هداه ، وعلى سبيل المثال فإنّ سورة الحمد التي هي أعظم سورة في القرآن نجد أنّ آياتها السبع تتمحور حول أعظم وأهم آية وهي قوله سبحانه وتعالى : (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) (١) ؛ أي أنّها تتمحور حول مسألة ( الهدى ) التي لو كانت هناك نعمة أفضل منها لبحث الإنسان عنها ، بل ولأمر الله بالبحث عنها.

__________________

١ ـ الفاتحة (١) : ٦.

٢٧

العوامل الأساسية للوحدة

لقد عاش البشر منذ بدء ظهوره على هذه الأرض فرداً وحيداً كما هو شأن سائر الأحياء ، ولكن بفضل الله سبحانه وتعالى حصّل للبشرية تقدّم حضاري فتكونّت الأسرة ، ثمّ تكوّنت القبيلة ، ثمّ الدّولة ، وبالرغم من هذا التقدّم المضطرد ما يزال الإنسان يعيش منذ عهد بعيد وإلى اليوم مرحلة سابقة لمرحلة ( الوحدة المبدئية ) ، وما يزال يعيش حالة الطفولة فيما يرتبط بتلك الوحدة.

وبناءً على ذلك فإنّنا بحاجة إلى أن نرفع مستوى الوعي لدى البشرية لتصل إلى مستوى الوحدة على أساس المبدأ ، فالقرآن الكريم إنّما نزل من أجل خلق هذا المستوى ، والنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة من بعده سعوا بكلّ ما في وسعهم من أجل توحيد هذه الأُمّة ، والحيلولة دون تمزّقها وتفرّقها.

ومع ذلك فإنّ الإنسان لم يعِ هذه الضرورة ( ضرورة الوحدة ) ، وكان يهيمن عليه التفكير السلبي المتخلّف ممّا أوحى إليه إذا أراد أن يحيا حياةً حرّةً كريمةً فما عليه إلّا أن يدع الآخرين يعيشون مثلما يعيش هو ، فإذا بالمصالح تتقولب حسب الآراء المختلفة؟!

إنّ الاختلاف في الرأي سيبقى ما دام الاختلاف في المستويات لدى الإنسان قائماً ، فكما أنّ أصابع اليد الواحدة لا يمكن أن تتساوى وتتماثل ، فإنّ البشر أيضاً لا يمكن أن يولدوا بمستوى واحد من العلم والفهم والوعي ، لأنّ التنوّع يمثّل طبيعة بشرية.

٢٨

وعلى هذا فإنّ كلّ شيء يتغيّر ويختلف عند الإنسان ، وهذا الاختلاف إنّما تمليه عليه غريزة حبّ التنوّع والتي تتغيّر بدورها تبعاً لنموّه ، وحسب الظروف المحيط به ، وطبقاً لمعلوماته وإراداته وأهوائه وعشرات العوامل المؤثّرة فيه.

إنّ المشكلة القائمة اليوم لا تكمن في الاختلاف ذاته ، أو الاختلاف المبدئي والفكري ، وليست كامنة في الاستراتيجية والرؤية ، ولكن في طريقة التعامل مع هذا الاختلاف الأمر الذي أدّى تلقائياً إلى حدوث التفرقة والتفكّك والتناحر.

وعلى سبيل المثال فقد نجد في الأسرة الواحدة اختلافاً ، ولكن طريقة التعامل مع هذا الاختلاف تتباين من أسرة إلى أخرى فمنهم من يفضّه بالطلاق ، ومنهم من يفضّه بالمشاجرات ، ومنهم من يحلّه من خلال التفاوض ... وبصورة عامة فإنّ كلّ أسرة من تلك الأسر تحلّ الاختلاف بطريقتها المفضّلة.

وهكذا كان حال البشرية التي كانت كثيراً ما تتوسّل بالحروب لتحلّ خلافاتها ، وللأسف فإنّ الجاهلية ما زالت متأصّلة بالبشرية حيث تنفق اليوم آلاف الملايين من الدولارات على صناعة الأسلحة ، وحتّى إذا فرضنا أنّ البشرية لا تريد استخدام هذه الأسلحة الفتّاكة إلّا أنّ صناعتها تمتصّ الخيرات والثروات كلّها ، حيث نرى الفقر المدقع منتشراً في جميع أرجاء العالم وخصوصاً في بلدان العالم الثالث؟!

اغتيال الشخصيات :

إنّ البشرية كانت وما زالت بحاجة إلى نموّ فكري لكي تتجاوز مرحلة حلّ الخلافات بالسلاح ، ونحن قد نستطيع أن نحمد الله تعالى على اجتياز هذه

٢٩

المرحلة ، فربّما لا نستخدم السّلاح ضد بعضنا البعض في حلّ الخلافات ، ولكن تجاوز هذه المرحلة ليس كافياً لأنّنا قد ندخل في مرحلة أخطر ألَا وهي مرحلة اغتيال الشخصيات.

فإذا عمل كلّ واحد منّا لوحده ، وبدأ يغتال شخصيات الآخرين من خلال اغتيابهم ، وتوجيه التهم إليهم ؛ فإنّما هو يرتكب ذنوباً كبيرة لا يحقّ له استصغارها كما قال تعالى : (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ) (١) ، فسبّ الآخرين واغتيابهم والتحدّث عنهم بما لا يليق كلّ ذلك وغيره إنّما هو اغتيال لهم أشدّ خطراً من القتل المادي نفسه.

وعندما ينتشر مثل هذا الأسلوب بين أوساط الأُمّة فإنّ الله جلّ وعلا سيعذّبها ، ويسلّط عليهم حاكماً يسومها سوء العذاب وكما تؤكّد ذلك الآية القرآنية التالية : (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا) (٢) ، أي : أنّ الله سبحانه يجعل الظالمين يحكم بعضهم بعضاً لأنّهم ظلموا أنفسهم بأنفسهم ، واختاروا مثل هذا النّظام ، ولم يكونوا أهلاً للدولة الإسلامية ، وللنّظام الإسلامي العادل ، وكما يؤكّد ذلك الحديث القدسي الشريف : الظالم سيفي انتقم به وانتقم منه (٣).

وعلى هذا فلكي لا يسلّط الله الظالمين علينا يجب أن نطهّر أنفسنا ، ونزكيّها من الآن ، وأمّا الخلافات فيجب أن تبقى في حدود التسابق إلى الخيرات : (فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ) (٤).

__________________

١ ـ النور (٢٤) : ١٥.

٢ ـ الأنعام (٦) : ١٢٩.

٣ ـ الشفاء الروحي : ٨٦.

٤ ـ المائدة (٥) : ٤٨.

٣٠

عوامل بقاء الصراع :

والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح في هذا المجال هو : لماذا بقيت الصراعات بين المسلمين؟ أو بالأحرى الفئات المؤمنة.

وسنحاول أن نلخّص الجواب على السّؤال السّابق بذكر العوامل التالية :

(١) ـ غياب الرؤية :

فالإنسان المسلم لم يعِ أنّ المطلوب منه أن يكون في مستوى التحدّيات.

(٢) ـ قوى الاستكبار :

إنّ القوى السياسية التي كانت موجودة في السابق ، والتي تريد إبقاء وتكريس الخلافات ، والمؤمنة بمبدأ ( فَرّقْ تَسْدْ ) ما تزال موجودة حتّى الآن ؛ وهذا ما يمكن أن يفهمه ، ويلمسه كلّ فرد واع ، فالإنسان الذي لا يملك وعياً ليس له الحقّ في ممارسة أيّ دورٍ في الحياة ، لأنّ مَثَلهُ كمَثَلِ الذي لا يرى والذي يقع دائماً في مختلف المطبّات ، وهكذا الحال بالنسبة إلى الأُمّة التي تعيش مرحلة الجهل ، وتجهل العلم وأهمّيته وأهمّية العلماء العاملين في سبيل هذه الأُمّة ، فإنّها هي الأُخرى لا حقّ لها في الحياة.

ومما يجب أن نعيه أنّ مؤامرات الأعداء المكشوفة هي دليل دامغ على وجود تلك القوى السياسية المخرّبة ، فالأعداء المستعمرون لا يقولون للشعب صراحة إنّهم يريدون أن يقودوهم ، وإنّما يستخدمون شتّى الأساليب والوسائل للقضاء عليه.

وهكذا فعلى كلّ واحد منّا أن يكون في وعي كامل لكلّ ما يجري علينا ، فالأساليب الخبيثة تتطوّر شيئاً فشيئاً حتّى تتحوّل إلى مؤامرة ، ولذلك يجب أن

٣١

نكون حذرين فلا نصدّق كلّ ما يُقال ويّلفّق حول هذه الجماعة أو تلك لأنّ كلامهم يلقى هوى في نفوسنا ، أو لأنّنا لا نحبّ تلك الجماعة ، فهذا لا يجوز حتّى بالنسبة إلى عدوّنا إلّا إذا كانت التهمة ثابتة وصحيحة وإلّا فإنّنا سنتورّط في الجهالة فنصبح على ما فعلنا نادمين.

فهناك العشرات من الكتب تسود بين الفينة والأخرى ، وتنشر بين المسلمين ، وتحاول إثارة الفتن ، ولذلك يجدر بنا أن نكون في مستوى التحدّي والتصدّي لها ، وأن نتبع هدى القرآن ، ونعتصم بالله تعالى وبرسوله وبالقيادة الإسلامية التي تنتهج نهج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتتقي الله حقّ تقاته ، علماً أنّ التقوى لا يمكن أن تجدي نفعاً إلّا إذا استمرّت في نفس الإنسان حتّى الممات ، فالقرآن الكريم يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) (١).

فالتقوى يجب أن تشمل جميع مرافق الحياة ، ولذلك يأمرنا القرآن بالاعتصام بحبل الله وهو ( التّقوى ) ومن يجسّد القرآن في الواقع : (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (٢) ، فالهداية هي رأس كلّ خير ، وقمّة كلّ فضيلة.

ممارسة الإصلاح :

ومن أجل أن نحافظ على الوحدة لابدّ أن يقوم كلّ واحد منّا بدور

__________________

١ ـ آل عمران (٣) : ١٠٢.

٢ ـ آل عمران (٣) : ١٠٣.

٣٢

المصلح ، وليحاول أن يقوم بدوره الّذي كلّفه الله سبحانه به ، كما يؤكّد على ذلك في قوله الكريم : ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١).

فيجب ـ إذن ـ أن نقوم بدور الإصلاح سواء خسرنا أم ربحنا ، فليس من الصحيح أن نعطّل دور الإصلاح فنقول : نحن بانتظار نمو القوّة السياسية الفلانية لنكون معها ، لأنّ الحسابات السياسية عادة منا تكون فاشلة ، فروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال لبعض أصحابه : كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فإنّ موسى بن عمران عليه السلام خرج ليقتبس لأهله ناراً فرجع إليهم وهو رسول نبيّ فأصلح الله تبارك وتعالى أمر عبده ونبيه موسى في ليلة ... (٢).

لنحاول أن لا نكون ممّن يصطادون في الماء العكر ، ويحبّون الصعود مع القوى السياسية الصاعدة فنكون انتهازيين ، ولنسع من أجل أن نكون مصلحين ، ونبحث عن الحقّ أنّي كان.

فأولئك الذين يدخلون في الصّراعات ، ويتحوّلون إلى وقود لها سوف يعذّبون في الدّنيا والآخرة ، حيث يقول الله سبحانه وتعالى عنهم : ( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (٣).

التفرّق في الدّين عقبة الوحدة :

هناك حقيقة لو وعيناها لوعينا من العلم شيئاً كثيراً ، ألَا وهي أنّ المسافة بيننا وبين ما يدعونا إليه القرآن الكريم ما يزال مسافة شاسعة ، وأنّ علينا أن

__________________

١ ـ آل عمران (٣) ١٠٤.

٢ ـ بحار الأنوار ١٣ : ٤٢ ، وروي في الكافي بمضمونه تارة عن الإمام الصادق عليه السلام وأخرى عن أمير المؤمنين عليه السلام ، الكافي ٥ : ٨٣ الحديث ٢ و ٣ باب ( الرزق من حيث لا يحتسب ).

٣ ـ آل عمران (٣) : ١٠٥.

٣٣

نسعى سعياً حثيثاً وجذرياً ودؤباً لعلّنا نصل إلى ما يدعونا إليه القرآن.

ترى أين نحن ، وأين ذلك المستوى الأسمى الذي يأمرنا القرآن الكريم أن نرقى إليه؟ إنّ هناك مقياساً لا مناص لنا من أن نعود إليه لكي نعرف أنفسنا ، وهل نحن كما نتمنّى وكما ندّعي ، أم أنّ واقعنا يختلف بشكل جذري عمّا نحلم به؟

إنّه القرآن الكريم ، فلنعرض أنفسنا عليه ، ولنسأل أنفسنا : هل نحن في مستوى ما يدعونا إليه القرآن أم لا؟

إنّ القرآن يدعونا إلى أن يكون وعينا بالسّاعة وعياً حاضراً لا يغيب عنّا لحظة واحدة ، ويدعونا إلى أن تكون عقيدتنا بالله تعالى خالصة من كلّ شائبة ، وأن لا نعتقد بأنّ هناك من يؤثّر في حياتنا سوى الله ، وبالتالي فإنّ كلّ شيء يعود إليه. كما ويدعونا القرآن الكريم إلى أن يكون خوفنا ورجاؤنا وأملنا وثقتنا بالله سبحانه وتعالى ، وأن يكون المقياس الذي نرجع إليه هو الدّين ، وبالتالي أن يكون المعيار واحداً ، وأن لا نتفرّق في الدّين لأنّه واحد ، وجميعنا نتبعه ، فلماذا التفرّق إذاً؟

إنّ هذا التفرّق الموجود فيما بيننا لهو دليل على أنّ بيننا وبين الدّين فواصل ؛ أي أنّنا لسنا مع الدّين كلّه ، بل معه ومع أهوائنا في نفس الوقت ، فقد خلطنا الدّين بالأهواء ، ولذلك يقول تعالى في سورة الشورى مذكّراً إيّانا بهذه الحقيقة : (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا) (١).

__________________

١ ـ الشورى (٤٢) : ١٣.

٣٤

فالذي يريد أن يحقّق هدفاً عظيماً مثل إقامة الدّين وإقامة حكم الله في الأرض لابدّ أن يدفع ثمن هذا الهدف العظيم.

فعندما تدعوك نفسك إلى مخالفة صاحبك تساءل في نفسك : هل من الصحيح أن أضحّي بهدفي العظيم الذي هو إقامة الدّين في الحياة ، وإنقاذ النّاس من الضّلالة ، من أجل أن أشبع غرور نفسي ورياءها ، وأتحدّى صاحبي؟

ونحن نرى في بعض الأحيان أنّ هناك أعمالاً تصل إلى مستوى إسقاط الطاغوت من بعد العلم كما يقول سبحانه : ( وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) (١) ، فالإنسان الذي يريد أن يوحّد نفسه فإنّ بإمكانه ذلك ، ولكنّه لا يريد لأنّه يبحث عن البغي.

طبيعة عدوانية :

والمشكلة الرئيسية التي يعاني منها الإنسان إجمالاً هي الإنسان يريد أن يسرق جهود غيره ؛ فروحه تدعوه دوماً إلى العدوان على الآخرين ، ولذلك نجد أنّ أكثر أسباب التفرّق تبع من هذه الطبيعة البشرية غير المهذّبة ، فإذا رضي كلّ إنسان بما يعمله وينتجه لما حدثت مشكلة في العالم ، ولكن كلّ واحد يريد أن يأخذ من الآخرين زيادة على ما يمتلكه ، فكل إنسان يتصوّر أنّه أعلى وأسمى من الآخرين ، وكلّ واحد يظن أنّ حقوقه أكثر من الآخرين ، وأنه يستحقّ أكثر مما يعطى له ، وهنا يستغلّ الشيطان هذه الثغرة في نفس الإنسان ليُوسوس ، وليُوحي إليه أنّه من المفترض أن يحتلّ المنزلة الفلانية ، وأن حقّه مهضوم ، وأنّ الآخرين لا يقدّرونه حق تقديره ، في حين أنّ هذا التصوّر مغلوط من الأساس ، لأنّ الإنسان لا يستطيع أن يقيم نفسه حسب ما

__________________

١ ـ الشورى (٤٢) : ١٤.

٣٥

يشاء.

أمّا إذا سادت الحالة المعاكسة في نفس الإنسان ، فإنّه سيستشعر التقصير دائماً في نفسه ، ويتّهم ذاته ، ويشعر أنّه لم يصل إلى المستوى المطلوب من العطاء والتضحية ، وفي هذه الحالة فإنّ مسيرتنا ستكون في حالة تقدّم مستمرّ ، لأنّنا نطالب بأقلّ مما نعطي ، ونستهلك أقلّ مما ننتج ، فالتقدّم سيكون في هذه الحالة أكثر ، فعندما يكون الإنتاج ذا مستوى أعلى ، والعمل في المستوى المطلوب ، فإنّنا سنرى أنفسنا أنّنا في حالة تقدّم ، أمّا إذا اعتدنا أن ننتج يومياً رغيفاً من الخبز في حين نطالب بثلاثة أرغفة ، فإنّ النتيجة ستكون أنّ الواحد منها سيعمد إلى السرقة من الآخرين ، وبالتالي سوف لا نحصل على شيء سوى التخلّف والتمزّق والانهيار ، فلا يحبّنا أحد لا في السّماء ولا في الأرض ، ونخسر الدّنيا والآخرة.

الإيمان جوهرة عظمى :

وبناءً على ذلك فإنّ الجوهرة العظمى هي جوهرة الإيمان ، فلنحرص على أن لا تضيع من أيدينا ، وحتّى إذا حصلنا على ملك الدّنيا ، فما فائدة هذا الملك إذا فقدنا الإيمان.؟

فلنستغلّ الفرص ، ولننبذ جانباً الأفكار الشيطانية ، ولنطهّر أنفسنا ممّا يؤدّي إلى تفرّقنا ، ولنتوحّد تحت راية الدين حينئذ من حقّنا أن ننتظر رحمة الله تبارك وتعالى ، والنصر الإلهي ، فالنصر عندما يأتي من الله فإنّه يأتي نصراً مؤزراً ، لأنّه قائم على أساس ظاهر نزيه ، وقائم على أساس عدم التضحية بديننا وأخلاقنا ومبادئنا ، فهو نصر حقيقي من النّوع الذي يحبّه الله تعالى ويريده لعباده المؤمنين في الدّنيا حيث ستكون العاقبة لهم ، وسينصرهم الخالق نصراً عزيزاً على أعداء الدين والرسالة ليقيموا حكمه في ربوع الأرض.

٣٦

الإعداد لتحقيق الوحدة :

إنّ الوحدة هي قوّة لابدّ أن نعدّها لساعة المواجهة في برنامج طويل علينا أن نجهد أنفسنا من أجل تطبيعه ، فالوحدة تمثّل بناء متكاملاً لابدّ أن نضع لبناته الواحدة فوق الأخرى ، فهي تبدأ من الأفراد ، ثمّ المجاميع الصغيرة حتّى تبلغ ذروتها على نطاق الأمّة الإسلامية ، وهذا البناء المتكامل لا يمكن أن يشيّد مرّة واحدة ، بل بشكل تدريجي ، وبعد أن يجهد العاملون أنفسهم في وضع أحجاره ولبناته فوق بعضها ، والوحدة لا يمكن أن تتحقّق عندما يتبع البعض أفكاراً غريبة عن الأمّة ، وإنّما تتمّ إذا كان مصدر التوجيه واحداً ، ولذلك يؤكّد القرآن الكريم هذه الحقيقة قائلاً : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) (١) ، فعندما يطيع المؤمنون فريقاً من الذين أوتوا الكتاب فإنّ وحدتهم سوف يعتريها الضعف والنقص ، لأنّ هؤلاء لا يستهدفون تقوية الكيان الإسلامي ، بل تقويضه وهدمه.

وبالإضافة إلى ذلك فإنّ الوحدة لا تتمّ إلّا بعد إيجاد قيمتين متفاعلتين في الأُمّة وهما : قيمة الرّسالة ، وقيمة الرسول.

فالرسول أو الإمام هو الذي يجسّد المنهج ، ويكون مَثَلاً حياً له ، وهو وليّ الأمر ، ولذلك يقول سبحانه وتعالى : ( وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ) (٢).

وهذان هما الثقلان اللذان أوصى بهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اللحظات الأخيرة من حياته قائلاً : إنّي تارك فيكم الثقلين ما إنْ تمسّكتم بهما لن تضلوا بعدي

__________________

١ ـ آل عمران (٣) : ١٠٠.

٢ ـ آل عمران (٣) : ١٠١.

٣٧

كتاب الله وعترتي أهل بيتي ... (١).

إنّ الله وعجل الله تعالى فرجه هو الذي أنزل الآيات ، وبعث الرسول ؛ فهو بالتالي المحور الذي يلتفّ حوله ، وعندما يذكّرنا القرآن بضرورة الاعتصام بحبل الله فإنّ هذا يعني التمسّك بكتاب الله ، واتّباع رسوله.

الاستقامة أداة الوحدة :

ومن أركان الوحدة الاستقامة والثبات على المبدأ ، وإلّا فإنّنا سوف لا نستطيع أن نبني كياناً مستقلاً موحّداً ، كما أنّ الآخرين سوف لا يعود بإمكانهم أن يعتمدوا علينا ، لأنّنا في هذه الحالة سنتحوّل إلى أشخاص مهزوزين ، ففي لحظة واحدة من الممكن أن ننقلّب على أعقابنا ، وهذا ما يهدّد الوحدة الإسلامية.

ولذلك نرى أنّ السياق القرآني الكريم يذكرنا عند حديثه عن الوحدة بهذه الحقيقة فيقول : (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (٢).

فالاستقامة هي التي تجعل عاقبة الإنسان إلى خير ، وهي التي تجعله لا يخشى الموت ، كما يقول الإمام علي عليه السلام : والله ما يبالي ابن أبي

__________________

١ ـ بحار الأنوار ٢ : ١٠٠ ، وحديث الثقلين من الأحاديث المتواترة بين الفريقين على اختلاف لفظه نذكر بعض المصادر عن طريق أهل السنة :

مسند أحمد ٣ : ١٤ وج٤ ، ص٣٧١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٨ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٦٣ ، المصنف لابن أبي شيبة ٧ : ١٧٦ ، كتاب السنة لعمرو بن أبي عاصم : ٦٢٩ ، الحديث١٥٥١ و ١٥٥٤ ، مسند أبي يعلي ٢ : ٠٣٣ الحديث١٠٢٧ ، المعجم الأوسط للطبراني ٣ : ٣٧٤ ، وج٤ ، ص٣٣ ، المعجم الصغير للطبراني ١ : ١٣١ وج٥ ، ص١٥٤ وص١٦٦ و ١٧٠ و ١٨٦ ، الفوائد المنتقاة : ٧٤ ، كنز العمال ١ : ١٧٨ و ...

٢ ـ آل عمران (٣) : ١٠٢.

٣٨

طالب أوقع على الموت ، أم وقع الموت عليه (١) ، أمّا الإنسان الذي يتردّد ، ويكون له في كلّ يوم شأن فإنّه إنسان متعلّق بالدنيا ، وهو يخشى على نفسه من الموت.

ومن أجل تكريس الوحدة والمحافظة عليها وبقائها ، لابدّ أن يكون هناك تجمّع من المؤمنين الصالحين الذين يشبهون إلى حد بعيد الهيكل الحديدي الذي يدعم بناء الأُمّة ، ويحول دون انهيارها ؛ هؤلاء المؤمنون يمثّلون التجمّع الطليعي ، والتنظيم القيادي ، والمجموعة التي نذرت نفسها في سبيل الله تعالى ، وهم الصنف الأوّل الذي يشير إليه أمير المؤمنين عليه السلام في قوله : الناسُ ثلاثةُ : عالمٌ ربّانيّ ، ومتعلّمٌ على سبيل نجاةٍ ، وهمج رعاع (٢).

وهذا التجمّع القوي في داخل الأُمّة يمثّل في الواقع قدرة الأُمّة على المقاومة ، فكلّما ضعفت نية أو خارت عزيمة بادر هذا التجمّع إلى تدارك ذلك بالنصيحة والتوجيه والعمل والتحريض ، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا التجمّع في قوله : (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٣).

ولا يغيب عنّا أنّ هذه الوحدة لا يمكن لها أن ترى النور من دون تضحيات ، فالواجب علينا أن نخرج من أنانياتنا ، ونضحّي بمصالحنا ، بل وحتّى بمستقبلنا من أجل مصلحة المجموع ، فأيّ بناء لابدّ أن يقوم على أساس رصين ، والتضحيات هي هذا الأساس.

عقبات في الطريق :

ونحن ـ كأُمّة ـ عشنا إلى الآن ألواناً من التفرقة ، فهناك تفرقة طائفية

__________________

١ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ١٧٢ ، الحديث٩ ، المجلسي٢٣.

٢ ـ الأمالي للشيخ المفيد : ٢٤٧ ، الحديث٣ ، المجلسي٢٩.

٣ ـ آل عمران (٣) : ١٠٤.

٣٩

كانت وما زالت مستمرّة ، وهناك تفرقة عنصرية ، وإقليمية ، وعشائرية ... بل إنّ الخلاف كان ـ للأسف الشديد ـ أصلاً في بلادنا.

ونحن الآن نريد أن نتّجه إلى الوحدة ، ولابدّ أن تعترضنا الحواجز التي إذا لم نستعدّ لتجاوزها فإنّها سوف لا تدعنا نصل إلى أهدافنا ، ومن هذه العقبات والحواجز الرئيسية العادات والتقاليد ، وهذه العقبة لو أردنا أن نتجاوزها فإنّ هناك من يدافع عنها ، ويقف في وجهنا ، وفي هذا الطريق لابدّ أن نكون صلبي الإيمان ، لا نخاف في الله تبارك وتعالى لومة لائم كي يكون بإمكاننا تجاوز هذه العقبة.

أمّا العقبة الأخرى التي تقف حاجزاً أمامنا في طريق الوحدة فهي عقبة المتاجرة بالدّين الذي قد يتّخذ وسيلة للتفريق على أسس مختلفة ، وبأساليب عديدة.

وهناك عقبة ثالثة نجدها في الاختلافات الجزئية الهامشية التي يحاول البعض إثارتها كالتفريق بين مراجع التقليد ، والتعصّب لعالم دون آخر ، في حين أنّ الإسلام هو الأصل ، وأنّ التقليد إنّما هو طريق إلى الإسلام ، فنحن قد عرفنا الله جلّ وعلا أوّلاً ، ومن ثمّ عرفنا رسوله وولاة أمره وقادة شريعتنا ، وبذلك عرفنا ديننا ، ومن خلال معرفتنا به استطعنا أن نقيّم الرجال ، فعرفناهم بالحقّ الذي عرفناه ، وإذا ما عكسنا الأمر فعرفنا الحقّ بالرجال فإنّنا سنكون قد سلكنا طريق الضلال والتفرقة ، فالحقّ هو الأصل ، وهو المقياس ، ونحن نستطيع أن نعرف مدى صلاح الرجال ، أو انحرافهم ، بمقدار قربهم ، أو بعدهم عن محور الحق.

والعقبة الأخرى التي تقف حاجزاً أمامنا هي العقبات الشخصية ، فهناك

٤٠