المسلمون قوّة الوحدة في عالم القوى

عبد القادر الإدريسي السوداني

المسلمون قوّة الوحدة في عالم القوى

المؤلف:

عبد القادر الإدريسي السوداني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-86-7
الصفحات: ٣٥٤

١

٢

 

٣
٤

مقدّمة المركز

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين

والصلاة والسلام على خاتم المرسلين محمّد وآله الغرّ الميامين

من الثوابت المسلّمة في عملية البناء الحضاري القويم ، استناد الأُمّة إلى قيمها السليمة ومبادئها الأصيلة ، الأمر الذي يمنحها الإرادة الصلبة والعزم الأكيد في التصدّي لمختلف التحدّيات والتهديدات التي تروم نخر كيانها وزلزلة وجودها عبر سلسلة من الأفكار المنحرفة والآثار الضالّة باستخدام أرقى وسائل التقنية الحديثة.

وإن أنصفنا المقام حقّه بعد مزيد من الدقّة والتأمّل ، نلحظ أنّ المرجعية الدينية المباركة كانت ولا زالت هي المنبع الأصيل والملاذ المطمئن لقاصدي الحقيقة ومراتبها الرفيعة ، كيف؟! وهي التي تعكس تعاليم الدين الحنيف وقيمه المقدّسة المستقاة من مدرسة آل العصمة والطهارة عليهم السلام بأبهى صورها وأجلى مصاديقها.

هذا ، وكانت مرجعية سماحة آية الله العظمى السيّد علي الحسيني السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ هي السبّاقة دوماً في مضمار الذبّ عن حمى العقيدة ومفاهيمها الرصينة ، فخطت بذلك خطوات مؤثّرة والتزمت برامج ومشاريع قطفت وستقطف أينع الثمار بحول الله تعالى.

٥

ومركز الأبحاث العقائدية هو واحد من المشاريع المباركة الذي أُسس لأجل نصرة مذهب أهل البيت عليهم السلام وتعاليمه الرفيعة.

ولهذا المركز قسم خاص يهتم بمعتنقي مذهب أهل البيت عليهم السلام على مختلف الجهات ، التي منها ترجمة ما تجود به أقلامهم وأفكارهم من نتاجات وآثار ـ حيث تحكي بوضوح عظمة نعمة الولاء التي منّ الله سبحانه وتعالى بها عليهم ـ إلى مطبوعات توزّع في شتى أرجاء العالم.

وهذا المؤلَّف ـ « المسلمون قوّة الوحدة في عالم القوى » ـ الذي يصدر ضمن « سلسلة الرحلة إلى الثقلين » مصداق حيّ وأثر عملي بارز يؤكّد صحّة هذا المدّعى.

على أنّ الجهود مستمرة في تقديم يد العون والدعم قدر المكنة لكلّ معتنقي المذهب الحقّ بشتى الطرق والأساليب ، مضافاً إلى استقراء واستقصاء سيرة الماضين منهم والمعاصرين وتدوينها في « موسوعة من حياة المستبصرين » التي طبع منها عدّة مجلّدات لحدّ الآن ، والباقي تحت الطبع وقيد المراجعة والتأليف ، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يتقبّل هذا القليل بوافر لطفه وعنايته.

ختاماً نتقدّم بجزيل الشكر والتقدير لكلّ من ساهم في إخراج هذا الكتاب من أعضاء مركز الأبحاث العقائدية ، ونخصّ بالذكر الأخ الكريم الشيخ حكمت الرحمة ، الذي قام بمراجعته واستخراج كافة مصادره ، فلله درّهم وعليه أجرهم.

محمّد الحسّون

مركز الأبحاث العقائدية

١٢ صفر١٤٣٢ هـ

الصفحة على الإنترنيت : www.aqaed.com

البريد الإلكتروني : info@aqaed.com

٦

الإهداء

إليكِ يا قرّةَ عينِ رسولِ اللهِ.

وقرينةَ وصيِّ رسولِ اللهِ.

وحجّةَ اللهِ على الأئمّةِ الهاديين المهديين أولياءِ الله.

يا سيّدتي ومولاتي يا فاطمةُ

إنّ من أدرك مأساتكِ

فقد عرفَ الإسلامَ المحمّدي الأصيل

أهدي انتصاري لأميرِ المؤمنين عليه السلام

٧
٨

المقدمة

نحن اليوم مدعوون أكثر من أيّ وقت مضى إلى إيجاد الوحدة التي لا يمكن من دونها أن يحمل شعب أو أُمّة ما همّ العالم ، فليس من الصحيح أن نفكّر في إنقاذ شعبنا دون الشعوب الأُخرى ، فالعالم كلّه أصبح بمثابة قرية واحدة ، وكلّ جزء منه يؤثّر في سائر الأجزاء شئنا أم أبينا ، فليست هناك ظاهرة سياسية أو علمية أو اجتماعية أو .. في بقعة من بقاع العالم إلّا وكان لها تفاعل مع سائر الظواهر ، وبناءً على ذلك فإنّنا لا نستطيع أن نفكّر في أن نعمل على إنقاذ أُمّة ما أو شعب أو جماعة إلّا بعد أن ننقذ العالم كلّه.

فعالمنا اليوم يشبه إلى حدّ كبير البحر الذي تتفاعل أمواجه ومياهه وتياراته مع بعضها ، فنحن لا نستطيع أن نخلي بقعة صغيرة فقط من هذا البحر الواسع ، لأنّنا لا نلبث أن نرى أنّ هناك أمواجاً أُخرى ستأتي لتعيد تلك البقعة إلى سابق عهدها.

وتأسيساً على ذلك لابدّ أن نحمل همّ العالم ، وأُمّتنا الإسلامية هي المرشّحة لحمله ؛ هذه الأُمّة ذات الألف مليون إنسان ، وذات الامتداد العريض على رقعة واسعة من الأرض ، وذات التاريخ الحضاري المجيد ، هذه الأمّة لا يمكن لها أن تقوم بدورها المنشود ، إلّا إذا اتّحدت.

إنّ هذه الوحدة الكبرى مرهونة بتطبيقنا لكلامه تعالى : ( وَكَذَلِكَ

٩

جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) (١).

هذه الوحدة القائمة على أساس التقوى وعلى أساس التمحور حول القرآن ، هي الأخطر وهي الأقوى والأمضى من بين أسلحة المسلمين ، ولذلك نرى الآخر يعمل دائماً بجدٍّ من أجل مقاومة هذه الوحدة.

إنّهم في السابق جاؤوا بالقوميّات والعنصرية والإقليمية من أجل أن يزرعوا الفرقة بين المسلمين ، واليوم نراهم يتجرّؤون أكثر ويحاولون بثّ الفرقة بين المسلمين ، وإنّها عمياء لو انتشرت في بلادنا لأحرقت الأخضر واليابس ، فعلينا أن نقاوم تلك الفتنة ، وأن نُسكت الأصوات الناشزة التي تبثّ هذه الفتنة الطائفية العمياء ، وتمهّد الطريق للاستعمار بشتّى ضروبه وألوانه.

من هنا يجدر بنا جميعاً أن ننتبه ؛ لأنّ هناك من يسعى ليزرع الفتن بيننا عبر كلماته وممارساته اليومية. ولنعلم أنّ الفتن لا تصيب الذين ظلموا خاصّة ، وإنّما تعمّ فتأخذ البريء بذنب المجرم.

فبالوحدة نستطيع أن نعلن إفلاس الجاهلية الحديثة ونفضح أمرها ، وهذه الوحدة لا يمكن أن تتحقّق إلّا بعد أن نتجاوز العقبات المتمثّلة في الإقليمية والعنصرية والطائفية.

__________________

١ ـ البقرة (٢) : ١٤٣.

١٠

تمهيد

إنّ من أخطر ما ابتليت به البشرية هو الصراع بين بعضهم البعض ، علماً أن الله سبحانه وتعالى قد أنذر بني آدم بأنّهم عندما يهبطون إلى الأرض سوف يكون بعضهم لبعض عدوّاً ، وقد حدث أوّل مظهر من مظاهر الصراع عندما قتل قابيل أخاه هابيل ، منذ ذلك الحين استمرّت المعارك الدامية حيناً ، والباردة أحياناً أُخرى.

ونحن لو تعمّقنا لوجدنا أنّ مشكلة الصراعات بين بني البشر تمثّل أعمق وأخطر معضلة ابتليت بها البشرية ، ويكفينا في هذا المجال أن نلقي نظرة واحدة على ميزانيات التسلّح في هذا العالم ، وعلى الحروب التي تبتلع جهود البشرية ، والإذاعات والصحف ووسائل الإعلام الأخرى الموظّفة لهذه الحروب ، لنعرف مدى عمق هذه المأساة.

وقد أرسل الله وعجل الله تعالى فرجه رسله لكي يُنقذوا البشرية من مآسيها ، ويقدّموا إليها الحلول الناجعة والكفيلة بضمان سعادتها ، ومن جهة أُخرى فقد بيّنوا الأسس الواضحة والمتينة لإقرار الوحدة بين النّاس ، ولعلّنا لا نبالغ إذا قلنا إنّ نصف القرآن الكريم يعالج هذه المشكلة الحادّة في حياة الإنسان ، وكلّما استطعنا أن نكون بمنجى عن هذا الداء العضال لهذه المشكلة العميقة الواسعة التي لم نرَ أنّ الإنسان قد استطاع التخلّص منها في حقبة من حقب التاريخ ، جاء القرآن

١١

الكريم ليقدّم الحلول الناجعة والحاسمة لها ، وهذه الحلول تقوم على أساس أنّ الوحدة لا يمكن أن تُبنى بالمال مضافاً إلى الإعلام ، ولا على أساس القوّة مضافة إلى الإعلام ، بل تقوم على أساس العقل مضافاً إلى الوحي ، فالعقل هو الحجّة الباطنة ، أمّا الوحي فهو الذي يثير دفائن العقل ، ويفجّر طاقات الفكر ، وهو الحجّة الظاهرة لله سبحانه على العباد ، والأساس المتين للوحدة.

وهذه البصيرة القرآنية تعني أنّه ليس من حقّ أحد أن يلغي دور الآخرين ، فالوحدة لا تعني وحدتي أنا فحسب ، بل تعني توحيد الله وحده ، واستظلال ( الأنا ) بظلّ رحمة ربّ العالمين ، وبقاءنا جميعاً في ظلّ رحمته الإلهية الواسعة ، فالذي ينظّم علاقتي بك هو عقلي وعقلك ، والوحي بدوره هو الذي ينظّم عقولنا ، ويفجّر طاقات فكرنا.

الاعتصام أساس الوحدة :

إنّ الله سبحانه وتعالى عندما يبيّن أسس الوحدة يقول : (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) (١).

فما هو حبل الله؟ أهو القومية أو العنصرية أو الديكتاتورية؟ أم هو الإقليم أو الدولة؟ كلا بالطبع ، فالحبل الإلهي يعني أنّ الله جلّ وعلا هو ربُّ كلّ شيءٍ ، وخالقنا جميعاً ، فعلاقة الله بنا ، وعلاقته بالآخرين ، هي علاقة واحدة ؛ لأنّه هو الذي خلقنا جميعاً ؛ فكلّنا عباد له.

الوحدة لا تعني الإلغاء :

ونحن عندما نقول وندعو إلى الوحدة بين السنّة والشيعة فإنّ هذا لا يعني

__________________

١ ـ آل عمران (٣) : ١٠٣.

١٢

أن يترك السنّي مذهبه ، ويترك الشيعي مذهبه ، ولا يعني أن يترك أيّ واحد منهم معتقداته وتقاليده ، بل يعني إيجاد علاقة الحبّ ، ورابطة الإيثار ، والتوحيد بين الطائفتين بمعناهما ، وهذه الرابطة تمتّنها الآيات القرآنية ، وتنمّيها مفاهيم العقل الذي يجلّيه وينمّيه الوحي.

إنّ الله سبحانه وتعالى يقرّر عندما يبيّن لنا المجتمع الإسلامي ، أنّ أموال هذا المجتمع يجب أن تكون تحت إشراف القيادة الرسالية ، فيقول في هذا المجال : (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (١).

وهؤلاء المهاجرون بالمعنيين المادّي والمعنوي هم فقراء ليسوا من أهل البلد الذي هُجّروا إليه ؛ أي أنّ الوحدة بين أبناء الأمّة الإسلامية لابدّ أن تقوم على أساس أنّ أهل البلد يجب أن يهتمّوا بمن يفد إليهم قبل أن يهتمّوا بأنفسهم ، وأنْ يهتمّوا بمن هو على عقيدتهم قبل اهتمامهم بأنفسهم ، وبناءً على ذلك فإنّ علينا أنْ نهتمّ أوّلاً بالغريب ثمّ القريب ، والجار ثمّ الدار.

فلننظر إلى مدى القيمة التي يضفيها القرآن على هذا الإنسان الذي يترك أرضه ، فهو لا يحدّد انتماء هؤلاء المهاجرين ؛ لأنّ الهجرة هي بحدّ ذاتها قيّمة ، فلابدّ أن نحقّق الوحدة من خلالها ، ولابدّ أن نُربِّي المجتمع الذي يحبّ الإنسان المهاجر أكثر ممّا يحبّ أرضه ، ويقول : إنّ هذا الإنسان غريب ومن بلد بعيد وأنّ فطرتي تدعوني إلى أن أحسن إليه ، فإذا ما أحسنت إلى ذلك الغريب الذي لا يمتُّ إليَّ بصلة القربى ، لا اللغة ولا الجنس ولا أعرفه نهائياً ولا يعرفني ، فإنّني أكون بذلك قد أخلصت العمل لله جلّ جلاله ؛ أي ارتفعت ،

__________________

١ ـ الحشر (٥٩) : ٨.

١٣

وتساميت على الاعتبارات المادية إلى مستوى الإيمان الحقّ.

ثمّ من بعد ذلك تأتي الفئة الأخرى التي تمثّل ( الأنصار ) الذين ذكرهم تعالى في محكم كتابه العزيز : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ) (١).

فما هي طبيعة الأنصار يا ترى؟

إنّ في كلّ بلد أنصاراً ، ولكلّ أُمّة أنصاراً ، وهؤلاء الأنصار لا يدورون حول محورهم وذاتهم ، فمن أهمّ الصفات التي يبيّنها القرآن الكريم للأنصار بعد الإيمان أنّه يقول عنهم : (يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) (٢) ، فالأنصار يؤثرون على أنفسهم ، ومن المعلوم أنّ القرآن الكريم لا يمدح أحداً لأنّه يأكل كثيراً ، أو يبني بيتاً واسعاً ، ويتسنّم منصباً مرموقاً ، بل يمدحه لأنّه يؤثر على نفسه وإن كان يعاني من العوز والخصاصة ، وهذا هو الفلاح المبين ، كما يؤكّد على ذلك تعالى في قوله : (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٣).

فإذا أردنا الفلاح فلابدّ أن نخرج من الذات ، ومن هذه الأنا الضيقة ، وأن ننظر إلى الحياة برحابتها ، وسعة أفقها.

ثمّ يضيف عزّ شأنه قائلاً : (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (٤).

__________________

١ ـ الحشر (٥٩) : ٩.

٢ ـ الحشر (٥٩) : ٩.

٣ ـ الحشر (٥٩) : ٩.

٤ ـ الحشر (٥٩) : ١٠.

١٤

وعندما نصل إلى هذا المستوى ، وعندما نمتّن ونقوّي أو اصر الوحدة في قلوبنا عبر الحبّ ، وانتزاع الغلّ من الصدور ، فحينئذ سنكون مؤمنين حقّاً ، وسيحبّنا الله تبارك وتعالى ، وينعم علينا بنعمة الوحدة التي هي سرّ الانتصار على الأعداء.

هكذا نحقـّق الوحدة :

إنّ الوحدة هي أمل المستضعفين ، وروح العزّة والكرامة في الأمّة ، وهي هيبة للصديق ، ورعب للعدو ، ونحن اليوم في صراعنا مع العدو الداخلي المتمثّل في قوّة النفاق والضلالة ، والعدو الخارجي المتمثّل في الإمبريالية المستكبرة في الأرض ، بحاجة للوحدة لأمرين أساسيين :

١ ـ لكي نبثّ الرعب في قلوب الأعداء ، ونهزمهم نفسياً قبل أن نحتاج إلى القوّة المادّية.

٢ ـ لكي نمنع العدو من أن يهزمنا من الناحية النفسية.

إنّ طاقات أُمّتنا عظيمة وهائلة ، ولا يفصلها عن التقدّم والرقي سوى عقبات نفسية صغيرة هي : انعدام الثّقة بالذات ، وقلّة التوكّل على الله ، وعدم ثقة بعضنا ببعض. ولذلك فقد تفرّقت الأُمّة واختلفت ، وتركت عمود عزّها وهو الوحدة ، بعد أن هجرت حبل الله المتين ، ونحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى الوحدة لكي نعطي للأُمّة أملاً ، ومن هنا فإنّ أبرز أهدافنا في الوقت الحاضر هو تحقيق الوحدة على مختلف الصعد.

وهنا من حقّنا أن نتساءل : ما هي شروط الوحدة؟ وكيف نحقّقها في أنفسنا؟

وللجواب على هذا السؤال نقول : إنّ الوحدة شعار ، وما أجمله من شعار ؛

١٥

ولكي نحقّق هذا الشعار في الواقع العملي فإنّنا بحاجة إلى أن نضحّي من أجله بكلّ غالٍ ونفيس.

صفاء الروح والعقل :

إن من أبرز شروط الوحدة ـ سواء على مستوى الأفراد والتجمّعات أو على مستوى الدول والأمم ـ هو صفاء الرّوح والقلب وتزكية النّفس ، وأن لا نبتغي من وراء هذه الوحدة ما ينافيها ، ولا نفكّر فيها من أجل استغلالها لأهدافنا الذاتية.

والوحدة هي نعمة من الله على المؤمنين ، فهو الذي يؤلّف بين قلوبهم ، وهو عليم بما في الصدور ، وإذا كانت الصدور مريضة ، والقلوب عليلة ، والبصائر محجوبة ، فإنّ الله تعالى سوف لا يهب للإنسان هذه النعمة ؛ فإنّ أردناها فلابدّ من أن نُطهّر أنفسنا ، ونُخلّص نياتنا ، وأن لا نطلب هذه الوحدة إلّا من أجل الله ، ومن أجل تحقيق المصالح الكبرى للأمّة.

فنحن لا نستطيع أن نصبح إخواناً إلّا عندما ننسى الحواجز والفوارق والاختلافات ، ونذوب جميعاً في بوتقة الإسلام ، فإذا تجسّدت الوحدة في شخص فينبغي على الجميع أن يسيروا على خطّه ؛ لأنّه هو نفسه كان قد ذاب في هذا الخطّ فلم يعد شخصاً ، ولم يعد حجماً ضمن حدود أو أُطُر معيّنة حتّى استطاع بقلبه الكبير أن يحتوي كلّ تطلّعات الأُمّة ، وإذا تجسّدت الوحدة في هيئة أو مجلس أو أيّ عنوان آخر ، فلابدّ للجميع من أن يذوبوا في هذا العنوان.

إنّ الجماهير هي التي تشكّل الهدف الأوّل من تحرّكنا ، ونحن نريد أن نعمل في سبيل الله تعالى ، ومن أجل إنقاذ الأُمّة ، وإذا كان هذا هو الهدف

١٦

فعلينا أن نذوب في الجماهير بقدر ما تقتضيه أوامر الخالق.

وعلى كلّ مجموعة قيادية أن تكون عارفة بلغة الجماهير وأحاسيسها ومشاعرها وتطلّعاتها وأهدافها ، وبالآلام التي يعانون منها ، وهذا هدف آخر من أهداف الوحدة.

وهنا يطرح السؤال التالي نفسه : ترى من المسؤول عن هذه الوحدة؟

إنّ هذه المسؤولية لا تقتصر على العلماء والمثقّفين ، فنحن جميعاً مسؤولون عن تحقيقها ، والمحافظة عليها ، فالله سبحانه وتعالى يخاطب في كتابه الكريم الجميع قائلاً : ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) (١).

فعلينا أن لا ننسى في نفس الوقت أنّ الجماهير الإسلامية كلّها مسؤولة بشكل مشترك هي الأخرى عن تحقيق هذه الوحدة ، من خلال الالتزام بأوامر القيادة ، ومن خلال الابتعاد عن كلّ سلوك من شأنه أن يفرّق الصفوف ، ويثير الحزازات ، ويؤجّج الاختلافات والفتن ، وتجنّب الصّفات الأخلاقية الذميمة التي تقضي على كيان الوحدة مثل سوء الظنّ والغيبة وتوجيه التهم والنميمة وما إلى ذلك.

__________________

١ ـ آل عمران (٣) : ١٠٣.

١٧
١٨

الباب الأوّل

مشروع الإسلام للوحدة

١٩
٢٠