فرق أهل السنّة

صالح الورداني

فرق أهل السنّة

المؤلف:

صالح الورداني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ليلى
الطبعة: ٢
ISBN: 964-319-433-7
الصفحات: ٣١١

وقد جمع لنا الشهرستاني هذه الخلافات والصدامات التي وقعت على مستوى الصحابة والتي واجهها أهل السنة بتأويلات وتبريرات كانت السبب المباشر في تصدع الصف الإسلامي وتعدد اتجاهات المسلمين.

قال الشهرستاني : أول تنازع في مرضه ( عليه السلام ) فيما رواه البخاري لما اشتد بالنبي مرضه الذي مات فيه ، قال أئتوني بدواة وقرطاس اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي. فقال عمر : إن رسول الله غلبه الوجع حسبنا كتاب الله وكثر اللغط. فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) قوموا عني لا ينبغي عندي التنازع. قال ابن عباس : الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (١).

الخلاف الثاني في مرضه ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : جهّزوا جيش أسامة ، لعن الله من تخلّف عنها ، فقال قوم : يجب علينا امتثال أمره.

وقال قوم : اشتد مرض النبي ، فلا تسع قلوبنا مفارقته (٢).

الخلاف الثالث فى موته ( صلى الله عليه وآله ).

قال عمر : من قال إن محمداً مات قتلته بسيفي هذا.

وقال أبو بكر : من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات (٣).

الخلاف الرابع في موضوع دفنه ( صلى الله عليه وآله ) : أراد أهل مكة من المهاجرين ردّه

__________________

١ ـ انظر : البخاري كتاب العلم. باب كتابة العلم. وشرحه في فتح الباري ج ١ / ٢٠٨ وج ٨ / كتاب المغازي. وانظر لنا كتاب السيف والسياسة وانظر مسلم كتاب الوصية

٢ ـ انظر البخاري كتاب المغازي وشرحه في فتح البارى ج ٨ / ١٥٢. وانظر طبقات ابن سعد ج ٢ / ١٩١. وانظر سيرة ابن هشام وكتب التاريخ فترة وفاة الرسول.

٣ ـ انظر ابن سعد وابن هشام وكتب التاريخ.

٢١

إلى مكة. وأراد أهل المدينة من الأنصار دفنه في المدينة.

وأرادت جماعة نقله إلى بيت المقدس لأنها موضع دفن الأنبياء (١).

الخلاف الخامس في الإمامة. وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة ، إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان ، وقد سهل الله تعالى ذلك في الصدر الأول فاختلف المهاجرون والأنصار فيها (٢).

الخلاف السادس في أمر فدك والتوارث عن النبى ( صلى الله عليه وآله ) ودعوى فاطمة وراثة تارة وتمليكاً أخرى (٣).

الخلاف السابع فى قتال مانعي الزكاة فقال قوم لا نقاتلهم قتال الكفرة.

وقال قوم بل نقاتلهم (٤).

الخلاف الثامن في تنصيص أبي بكر على عمر بالخلافة وقت الوفاة ، فمن الناس من قال قد وليت علينا فظاً غليظاً وارتفع الخلاف (٥).

__________________

١ ـ انظر كتب التاريخ فترة وفاة الرسول.

٢ ـ انظر أحداث سقيفة بني ساعدة بعد وفاة الرسول في كتب التاريخ. وانظر لنا كتاب السيف والسياسة.

٣ ـ انظر البخاري كتاب الخمس. وكتاب الفرائض. ومستدرك البخاري ، ومسلم ج ٣ / ١٥٣.

٤ ـ انظر الخلاف بين أبي بكر وعمر حول قتال مانعي الزكاة في كتب التاريخ عام تولى أبو بكر الخلافة. وانظر البخارى كتاب الزكاة ، باب وجوب الزكاة ، ومسلم كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس.

٥ ـ انظر كتب التاريخ فترة مرض أبي بكر ووفاته ، وانظر لنا السيف والسياسة.

٢٢

الخلاف التاسع في أمر الشورى واختلاف الآراء فيها على بيعة عثمان (١).

الخلاف العاشر في عهد أمير المؤمنين علي وحرب الجمل وصفين والخوارج (٢).

وهذه الخلافات العشرة التي رصدها الشهرستاني إنما تصب جميعها في محيط الإمامة ، وقد بنيت على أساسها مواقف ومعتقدات كان لها دورها الفاعل فيما بعد في نشأة الفرق الإسلامية.

وكان لابد من تجديد الموقف الشرعي الواضح من هذه الخلافات على أساس النصوص الصريحة ، إلا أن اختفاء هذا الموقف واكب اختفاء الإمامة ، فمن ثم برز مكانه الموقف التأويلي التبريري الذي عبّر عن الخط السائد والذي عجز عن تكوين رؤية مقنعة تعبر عن حقيقة الإسلام لا عن مصالح ونفوذ الطبقة الحاكمة.

لقد كانت أول الفرق بروزاً فى واقع المسلمين فرقة القبليين بزعامة عمر بن الخطاب ، وهذه الفرقة هي التي أوصلت أبا بكر إلى الحكم وقد احتوت على المهاجرين وبعض القبائل.

ثم برزت في مواجهتها فرقة الأنصار التى تكونت من الأوس والخزرج.

ولما استقر الأمر للقبليين ضرب الأنصار وأهل البيت وساد النهج

__________________

١ ـ انظر المراجع السابقة.

٢ ـ انظر المراجع السابقة. وكتابنا الإمام علي سيف الله المسلول.

٢٣

القبلي حتى عصر عثمان الذي برزت على بدية فرقة الأمويين التي دخلت فى صدام مع أهل البيت والإمام علي حين تسلّم السلطة بعد مصرع عثمان.

وفرقة الأمويين كانت بزعامة معاوية بن أبى سفيان وقد أخذت دفعتها الأولى على حين تسلم السلطة بعد مصرع عثمان.

وفرقة الأمويين كانت بزعامة معاوية بن أبى سفيان وقد أخذت دفعتها الأولى على يد عمر بن الخطاب حين قام بتعيين معاوية حاكماً للشام فمنحه القوة والسلطة التى أهلته لتكوين فرقته ، وقد استقطب هذه الفرقة الكثير من المهاجرين من خصوم أهل البيت على رأسهم عمرو بن العاص وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة بالإضافة إلى أهل الشام (١).

وظهرت في مواجهة الإمام علي فرقة الجمل بقيادة عائشة زوج النبي ( صلى الله عليه وآله ) وضمت طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وآخرين.

كما برزت في مواجهته فرقة الخوارج التي ضمت الكثير من الأعراب والقبليين الذين يتميزون بضيق الأفق وقلة الفهم والسطحية.

ولما قتل الإمام علي واستتب الأمر لمعاوية أعلن الملكية لأول مرة في تاريخ المسلمين وبدأ فى اختراع الروايات بمعونة أبى هريرة وغيره واستخدامها كغطاء شرعي ، ومن هنا وضع حجر الأساس لفرقة أهل السنة.

__________________

١ ـ حول علاقة عمر بمعاوية ، انظر سيرة عمر مع معاوية حين ولاه الشام في كتب التاريخ. وانظر الإصابة في تمييز الصحابة ترجمة معاوية رقم ٨٠٦٨. وانظر لنا السيف والسياسة.

٢٤

وأطلق على اتباع البيت لفظ الشيعة ، وانتهى دور الفرق القبلية عدا فرقة الخوارج.

وأصبح هناك ثلاثة فرق رئيسية على الساحة الإسلامية :

الأولى الفرقة الحكومية نواة أهل السنة.

الثانية فرقة الشيعة.

الثالثة فرقة الخوارج.

ثم برزت فرقة المرجئة بعد ذلك كفرقة محايدة تجاه الصراع الدائر بين الفرق الثلاث السابقة.

فرقة معاوية التي لا تعترف بالشيعة والخوارج.

وفرقة الشيعة التي لا تعترف بمعاوية والخوارج.

وفرقة الخوارج التي تكفّر الفرقتين.

وقد احتوت المرجئة عدداً من الصحابة والتابعين الذين وقفوا على الحياد تجاه الصراع الدائر على الساحة.

وجاء بعد ذلك الحسن البصري ليبرز بفرقته التي تميل إلى الزهد والعزلة عن الواقع والبعد عن متاهات السياسة.

وانشق على البصرى واصل بن عطاء واصطدم به حول الموقف من صاحب الكبيرة والإشارة بالكبيرة كان يقصد بها الحكام الذين ارتكبوا الكبائر في حق الإسلام والمسلمين دون أن يظهر الموقف الشرعي المطلوب تجاههم ، فأثار واصل هذه المسألة من باب إيقاظ العقل المسلم من سباته الطويل منذ معاوية وحتى عصره وقام بعد ذلك بتأسيس

٢٥

فرقة المعتزلة.

وكان قد برزت فى ذلك الوقت فرقة الأحناف بالعراق وفرقة المالكية بمدينة الرسول ( صلى الله عليه وآله ).

وكردّ فعل لفرقة المعتزلة برزت فرقة أهل الحديث التي صبت جهودها فى مجال الرواية وتحجيم دور العقل وكانت نواة فرقة الحنابلة فيما بعد.

ثم برزت بعد ذلك فرقة الشافعية والحنابلة والسفيانية والأوزاعية.

الشافعية في العراق ثم فى مصر.

والحنابلة في العراق.

والسفيانية في العراق.

والأوزاعية في الشام.

وفي مواجهة هذه الفرق السنية برزت فرقة الجبرية وفرقة القدرية ، ثم فرقة الأشاعرة السنية التي حاولت التوفيق بين النقل والعقل ، ولحقت بها فرقة الماتردية التى برزت في بلاد ما وراء النهر.

وقامت حكومات في بلاد المشرق تبنّت الفرقة الحنفية فى الفقة والفرقة الماتردية في الاعتقاد.

وقامت حكومات أخرى في الشام ومصر تبنت الفرقة الشافعية في الفقة والفرقة الأشعرية في الاعتقاد.

وقامت حكومات ثالثة في بلاد المغرب والأندلس ، فتبنت الفرقة المالكية في الفقة والأشعرية في الاعتقاد.

وهكذا أسهمت السياسة فى سيادة الفرق السنية وانتشارها على

٢٦

حساب الفرق الأخرى.

ولم يكن لتحدث هذه الازدواجية فى الاعتقاد والتلقي في دائرة أهل السنة إلاّ بضغط الحكام الذين سار الفقهاء في ركابهم ، وهو أمر إن دل على شيء فإنما يدل على مدى النقص والخلل في أطروحات فرق أهل السنة بحيث تحتاج الفرق إلى أن تكمل بعضها.

وهذه الفرق مجملة هي التي ظلت ترتع في واقع المسلمين حتى بروز فرقة ابن تيمية في القرن الثامن الهجري والتي ضربت في حينها ثم عادت للبروز من جديد في إطار الفرقة الوهابية التي تفرخت منها العديد من الفرق السنية المعاصرة مثل :

فرق الإخوان.

وفرقة أنصار السنة.

وفرقة السلفيين.

وفرقة الجهاد.

وفرقة طالبان.

وفرقة جند الصحابة.

وفرقة الشريعة المحمدية.

وفرقة التبليغ.

وفرقة جيهمان.

وفرقة الألبانيون.

وفرقة أهل الحديث.

٢٧

بالإضافة إلى فرق سنية أخرى خارج دائرة الوهابية مثل الفرق الصوفية وفرقة حزب التحرير وفرقة التكفير وفرقة القطبيين وفرقة الجمعية الشرعية وفرقة الأزاهرة في مصر وفرقة النورسية في تركيا والجماعة الإسلامية في باكستان ومصر.

وكما كان أهل السنة في الماضي هم سبب الخلاف والتعددية ، أصبحوا اليوم أيضاً من أسباب الفرقة والخلاف فى واقع المسلمين بل أن الحالة انعكست عليهم فأصابهم بالفرقة والشتات بصورة لم تحدث لهم من قبل.

ولم تحقق لهم حالة الأمن والاستقرار والانتشار التي عاشوها في حماية الحكام. الوحدة المنشودة والتماسك الفكري والعقائدي فذهبوا كل مذهب.

ومما سبق يمكن القول أن السبب المباشر في حدوث الفرقة والخلاف في واقع المسلمين يكمن فى الانحراف عن فكرة الإمامة ، ذلك الانحراف الذي بدأ على يد فرقة القبليين التى سلمت الدفة لفرقة الأمويين التي استثمرت الرواية لتتسلم الدفة منها فرقة العباسيين وتبرز فى ظلها فرق أهل السنة التي اعتمدت على الروايات الموروثة من العصر الأموي والتي برزت في العصر العباسي لتؤسس معتقد انحصار الإمامة في الحكام.

ولو كان أهل السنة قد أقروا أن الإمام غير الحاكم أو بصورة أخرى أكثر تحديداً قالوا إن الحاكم ليس إماماً ولا يجوز له أن يكون إماماً ، لما برز الخلاف من الأصل بين المسلمين ، ولاتجه المسلمون على الفور نحو الإمام يرجعون إليه في أمور دينهم فيحسم لهم الخلاف ويقض على

٢٨

الشبهات ويكون حجة عليهم ولا يملك أحد منهم مخالفته ، لأنه الإمام الحق ولأنه يملك البرهان الساطع والدليل القاطع النابع من علم الكتاب ، وقد كانت الأمة في تلك الفترة ـ فترة القرن الأول والثاني ـ في طور التلقي ، ولما غاب الإمام أصبحت تتلقى الدين من الحاكم الذي فرض على واقعها صورة مشوهة للإسلام باركها فقهاء أهل السنة تحت ضغط الروايات التي هي من اختراع الحكام الذين مثّلوا الاتجاه السائد الذي سلطت عليه الأضواء وأصبح هو الاتجاه الوحيد المشروع للتعبير عن الإسلام وتلقته الأجيال المسلمة جيلا من بعد جيل بمنطق تقليد الموروث أو بمنطق اتباع السلف ( الصالح ) وأصبح الخارج عن هذه الدائرة يعد من الزنادقة المبتدعة الضالين.

من هنا برزت النزعة العدائية من قبل أهل السنة تجاه الفرق الأخرى المخالفة التى نادت بفكرة الإمامة الحقة مثل الشيعة ، أو التى نادت بإحياء دور العقل مثل المعتزلة أو التى نادت بالتحرر من الروايات فيما يتعلق بصفات الله مثل الجهمية وغيرها.

وفي الفصول القادمة سوف نعرض جوانب أخرى تتعلّق بنهج أهل السنة وفرقهم وطرح الفرق الأخرى.

٢٩
٣٠

الحكام والفرق

٣١
٣٢

لم يعمل الحكام على التقارب مع فرقة الخوارج والشيعة والمعتزلة وغيرهم من الفرق المخالفة لأهل السنة ، وذلك لكون أفكار هذه الفرق وأطروحاتها تصطدم بمصالحهم ونفوذهم مما يجعل استثمارها لخدمتهم يضربهم (١).

إلاّ أنهم تقاربوا مع فرق أهل السنة واستثمروها لدعم نفوذهم ومصالحهم وتحالفت معهم فرق أهل السنة من أجل تثبيت أقدامها في واقع المسلمين ودعم أنشطتها وتوسيع رقعتها وتصفية خصومها من الفرق الأخرى.

__________________

١ ـ استثمر المأمون العباسي المعتزلة والشيعة بعض الوقت ثم بطش بهما ، أنظر كتب التاريخ فترة حكم المأمون.

٣٣
٣٤

نصوص أهل السنة :

إن المتأمل في أطروحة أهل السنة بفرقها المختلفة يتبيّن له أنّها تتخذ موقفاً واحداً من الحكّام ، وهو موقف الاعتراف والمسالمة والسمع والطاعة في جميع الأحوال مهما كانت سياساتهم ووضعهم الشرعي.

وسوف نعرض هنا نصوص عقائد أهل السنة في الحكام كما وضعها كبار رموزهم.

يقول ابن حنبل : الخلافة في قريش ما بقى من الناس اثنان ، ليس لأحد من الناس أن ينازعهم فيها ولا يخرج عليهم ولا نقر لغيرهم بها إلى قيام الساعة. والجهاد ماض قائم مع الأئمة ، بروا أو فجروا ، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل. والجمعة والعيدان والحج مع الأئمة وإن لم يكونوا بررة عدولا أتقياء ، ودفع الصدقات والخراج والأعشار والفيء والغنائم إلى الأمراء عدلوا فيها أم جاروا. والانقياد إلى من ولاه الله أمركم لا تنزع يداً من طاعة ، ولا تخرج عليه بسيفك حتى يجعل الله لك فرجاً ومخرجاً ولا تخرج على السلطان وتسمع وتستطيع ولا تنكث بيعته ، فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف مفارق للجماعة (١).

__________________

١ ـ رسالة السنة ط السعودية.

٣٥

وقال الأشعري : وأجمعوا ـ أي أهل السنة ـ على السمع والطاعة لأئمة المسلمين ، وعلى أن كل شيء من أمورهم عن رضا أو غلبة من بر وفاجر لا يلزمهم الخروج عليهم بالسيف جاروا أو عدلوا ، وعلى أن يعززوا معهم العدو ويحج معهم وتدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها ، ويصلي خلفهم الجمع والأعياد (١).

وقال ابن قدامة : ومن السنة السمع والطاعة لأئمة المسلمين وأمراء المؤمنين برهم وفاجرهم ، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به أو غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمى أمير المؤمنين وجبت طاعته وحرمت مخالفته والخروج عليه وشق عصا المسلمين (٢).

ويقول ابن تيمية : ويرون ـ أي أهل السنة ـ إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً (٣).

ويقول الطحاوي : الحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين ، برّهم وفاجرهم إلى قيام الساعة لا يبطلها شيء ولا ينقضها (٤).

وما سبق عرضه تلتزم به جميع فرق أهل السنة من الماضي والحاضر باستثناء فرقة الجهاد على ما سوف نبين عند الحديث عن الفرق.

__________________

١ ـ عقيدة أهل السنة المسماة برسالة أهل الثغر. ط القاهرة.

٢ ـ لمعة الاعتقاد ، ط القاهرة. وانظر الاعتقاد على مذهب السلف أهل السنة والجماعة للبيهقي ط. بيروت.

٣ ـ أنظر العقيدة الواسطية.

٤ ـ أنظر العقيدة الطحاوية.

٣٦

من هنا فإن التحالف القائم بين أهل السنة والحكام ـ الذي له ما يبرره من خلال عقائدهم التي استثمرها الحكام فى إضفاء المشروعية على حكوماتهم ـ أتاح لحكام العصور الحديثة من تأسيس ما سمى بالمؤسسة الدينية الحكومية وابتداع فكرة شيخ الإسلام لتكون لسان حال الدين الذي يخدم مصالح الحكام ويستقطب الجماهير المستضعفة إلى صفوفهم مما يضعف الفرق والاتجاهات الأخرى المعارضة ويسهل على الحكام استئصالهم وتصفيتهم.

إن المتتبع لحركة الصدام بين فرق أهل السنة والفرق المخالفة يتبين أن الحكام استثمروا أهل السنة بدوافعهم العقائدية التي تنبذ الآخر وتعاديه في ضرب هذه الفرق تحت ستار شرعي.

وهذا التحالف بين أهل السنة والحكام في مواجهة المعارضة قائم ومستمر حتى اليوم ويتجلّى بوضوح من خلال مواقف المؤسسات الدينية الحكومية المعاصرة في مواجهة المعارضين للحكم والخارجين عن طاعته حتى من أهل السنة (١).

__________________

١ ـ أنظر مواقف فرقة الأزاهرة أو المؤسسة الأزهرية الحكومية في مصر من فرقة الإخوان وفرقة الجهاد وفرقة التكفير وسائر فرق أهل السنة المخالفة لهم والاتجاهات الأخرى المعارضة لهم ـ في كتابنا الحركة الإسلامية في مصر. وأنظر فصل فرقة الأزاهرة من هذا الكتاب.

وأنظر تحالف المؤسسة الوهابية في الجزيرة العربية مع حكام آل سعود.

٣٧
٣٨

القمع الحكومي :

وفي الوقت الذي كان فيه أهل السنة في سلام ووئام مع الحكام كانت الفرق والاتجاهات الأخرى تعيش في خوف وتقوقع وتشتت في الآفاق هرباً من بطش الحكام وإرهابهم الدائم لهم ، وقد فرضوا الحظر على انشطتهم وطاردوا رموزهم وأعدموا العديد منهم.

٣٩
٤٠