فرق أهل السنّة

صالح الورداني

فرق أهل السنّة

المؤلف:

صالح الورداني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ليلى
الطبعة: ٢
ISBN: 964-319-433-7
الصفحات: ٣١١

ومن أشهر أتباع فرقة الأحناف : زفر بن الهذيل التميمي وسفيان الثوري وعبد الله بن يزيد المقرى ومحمد بن الحسن الشيباني ووكيع بن الجراح وعبد الله بن المبارك ويعقوب بن إبراهيم الأنصاري ويزيد بن هارون وغيرهم كثير (١).

__________________

١ ـ زفر من الزهاد وثقه علماء الحديث وهو من أصحاب الحديث وكان يخلف أبا حنيفة في مجلسه إذا غاب ويعد من أبرز الأحناف وأكثرهم فقهاً.

وسفيان الثوري كان يلقب بأمير المؤمنين في الحديث ، وُثق من قبل علماء الحديث ، جمع بين الفقه والحديث والزهد والورع.

والمقري من رجال الحديث المعتمدين ، روى عنه ابن حنبل والبخاري وآخرون.

والشيباني هو صاحب كتب الفرقة تولى القضاء أيام الرشيد صنف الكثير من الكتب.

ووكيع هو محدث العراق وأحد الأعلام ، روى له أصحاب السنن وتتلمذ عليه الشافعي.

وابن المبارك من مشاهير العباد جمع بين العلوم المختلفة وروى عنه الكثير من الرواة.

والأنصاري هو القاضي أبو يوسف من أشهر الأحناف ، ولي القضاء أيام المهدي والهادي وهارون الرشيد.

ويزيد بن هارون هو من الحفاظ روى عنه ابن حنبل وغيره.

انظر تراجم هؤلاء في : تذكرة الحفاظ للذهبي ، وتهذيب التهذيب لابن حجر ، وميزان الأعتدال للذهبي وسير أعلام النبلاء له ايضاً ، والفوائد البهية في تراجم الحنفية.

وانظر ترجمة أبو حنيفة في كتب التراجم والتاريخ.

١٢١
١٢٢

الأوزاعية

تنسب هذه الفرقة إلى عبدالرحمن بن عمرو الأوزاعي ، نسبة إلى محلة الأوزاع بدمشق (١).

وكان الأوزاعي قد ذاع صيته في محيط الشام في النصف الأول من القرن الثاني الهجري.

وفترة بروز الأوزاعي كانت فترة التابعين ، وقد عاصر الكثيرين منهم ، وحدّث عنهم ، مثل عطاء بن رباح ومكحول والزهري ومحمد بن سيرين ونافع مولى ابن عمر وغيرهم.

وقد استطاع أن يكوّن لنفسه فرقة ومذهباً مستقلا ساد الشام لفترة من الزمن ثم اندثر (٢).

__________________

١ ـ انظر سير أعلام النبلاء للذهبي ج ٧ ترجمة رقم ٤٨ ط بيروت.

وأنظر تهذيب التهذيب لابن حجر ج ٦ ترجمة رقم ٤٨٤ ط الهند.

والبداية والنهاية لابن كثير ج ١٠ أحداث عام ١٥٧ هـ. وطبقات ابن سعد ج ٧ ترجمة رقم ٣٩٨٧. وانظر ابن عساكر وحلية الأولياء وسميت الأوزاع لكونها قد سكنت من قبل قبائل عربية شتى.

٢ ـ سادت فرقة الأوزاعية الأندلس لفترة أيضاً ثم غلبت عليها فرقة المالكية انظر ابن

١٢٣

ويمكن تركيز أفكار ومعتقدات الأوزاعي فيما يلي :

ـ ان الله تعالى فوق عرشه.

ـ الإيمان بصفات الله التي وردت في السنة.

ـ العلم ما جاء عن أصحاب الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقط.

ـ الاعتماد على النقل والرواية في الفتيا.

ـ علامة الإيمان حب علي وعثمان.

ـ لزوم الجماعة ولزوم السنة.

ولم يترك الأوزاعي تصانيف أو كتب ، وقيل ان كتبه احترقت في حادثة الرجفة (١).

وكان الأوزاعي قد قال في أبي حنيفة : إنّا لا ننقم على أبي حنيفة أنه رأى ، كلنا نرى ، ولكننا ننقم عليه أنه رأى الشيء عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فخالفه (٢).

__________________

حجر تهذيب التهذيب. وانظر تاريخ الإسلام للذهبي حوادث عام ١٤١ : ١٦٠ هـ ، تراجم الطبقة : ١٦ ، حرف العين ، ط بيروت.

١ ـ هي زلزلة عظيمة وقعت بالشام والقدس خاصة عام ١٣٠ هـ.

٢ ـ تاريخ الإسلام للذهبي المرجع السابق ص٤٩٢.

١٢٤

المالكية :

تنسب هذه الفرقة لمالك بن أنس ، وكان موطنها مدينة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) التي برزت فيها في حدود القرن الثاني الهجري.

وقد اشتهر مالك وذاع صيته ، وجذبت فرقته المسلمين فى كل مكان ، وسلطت عليها الأضواء حتى قيل أن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تنبأ وبشر به.

وما يميز هذه الفرقة تركيزها على الرواية وتبنيها عمل أهل المدينة كمصدر من مصادر الفقة والاجتهاد ، واتخاذها هذا النهج كان محاولة للتحصن من الفرق الكلامية والفكرية والثقافية التي برزت في عصر مالك.

من هنا يمكن القول أن أفكار هذه الفرقة التي تسلحت بها في مواجهة الفرق الأخرى هي ما يلي :

ـ الإيمان يزيد والتوقف في القول بنقصانه.

ـ القرآن كلام الله لا مخلوق.

ـ مرتكب الكبيرة والذنوب عموماً مؤمن.

ـ أقوال الصحابة وفتاواهم من السنة.

ـ القول بطهارة الكلب.

ـ جواز قصر الصلاة في سفر المعصية.

ـ عدم جواز إقامة الجمعة إلاّ في الجامع.

١٢٥

ـ من أكل أو شرب ناسياً في رمضان أفطر ويجب عليه القضاء.

ـ أنكحة الكفار باطلة.

ـ أقصى مدة للحمل خمس سنين.

وغير هذه الأفكار كثيرة ، وهي متناثرة في كتب الفرقة المالكية التي دونت فى حياة مالك وهي من تصنيفه والتي دونت من قبل تلاميذه ورموز الفرقة من بعده (١).

وتنتشر الفرقة المالكية في بلاد الحجاز والخليج ومصر وبلاد المغرب.

__________________

١ ـ كان الشافعي من تلاميذ مالك. ومن أشهر المالكية عبدالله بن وهب الفهري ، له الموطأ الكبير والموطأ الصغير وغيرهما وأشهب بن عبدالعزيز التيمي صاحب المدونة في فقه مالك. وابن الماجشون عبدالملك ابن عبدالعزيز التيمي وهو من الفقهاء البارزين في دائرة الفرقة. توفي ابن وهب عام ١٩٩ هـ وأشهب عام ٢٠٤ هـ. وابن الماجشون عام ٢١٢ هـ. انظر طبقات الفقهاء وسيرة مالك في كتب التاريخ والتراجم.

١٢٦

الشافعية :

برز محمد بن إدريس الشافعي في حياة مالك رافعاً لواء التجديد والتوفيق بين فرقة الأحناف أصحاب الرأي وفرقة المالكية أصحاب الحديث ، واستقطب كثير من المسلمين إلى فرقته وخطف الأضواء من الفرق الأخرى.

وقد تجاوزت الأفكار التي طرحها الشافعي وفرقته حدود الفقة والعقيدة والسنة لتدخل في الإمامة والسياسة والأدب والفكر الإسلامي.

ومن أهم أفكار الشافعية :

ـ نبذ علم الكلام.

ـ القرآن كلام الله قديم غير مخلوق.

ـ الأحاديث حجة بعد القرآن.

ـ الجمع بين فقه الرأي وفقه الحديث.

ـ تقنين الفقة وأصوله.

ـ الإمامة في قريش.

ـ جواز تخصيص القرآن بالسنة.

ـ الالتزام بالقياس ورفض الاجتهاد بالرأي.

ـ القول بطهارة المني.

ـ جواز دخول المشركين المساجد إلاّ المسجد الحرام.

١٢٧

ـ جواز تقديم العصر على الظهر في الجمع بين الصلاتين.

ـ عدم جواز الصلاة على الشهيد.

ـ وجوب الزكاة على الطفل.

ـ المرتد لا يبطل اعتكافه.

ـ جواز نكاح الرجل ابنته من الزنا.

ـ النكاح الفاسد يحلل الزوجة المطلقة ثلاثاً.

ـ جواز أن يطلق السلطان عن الزوج.

ـ يجوز أكل الذبيحة التي لم يسم عليها عمداً.

ـ الغناء ليس حراماً ولا يفسق فاعله ولا ترد شهادته.

ولقد قدر للفرقة الشافعية أن تكون أكثر الفرق انتشاراً في عالم المسلمين في المشرق والمغرب في بلاد المسلمين وغير المسلمين مثل الهند وأوروبا.

ونظراً لهذا الوضع فقد واجه الشافعي وفرقته عداوات كثيرة من الفرق الأخرى ودبرت المؤامرات له ولفرقته (١).

__________________

١ ـ من أشهر أتباع الشافعية في مكة : أبو بكر الحميري المحدث الفقيه وابن أبي الجارود الفقيه ، وفي بغداد أبو علي الكرابيس وأبو ثور الكلبي وأحمد بن حنبل واسحاق بن راهوية استاذ البخاري ، وفي مصر : حرملة بن يحيى وإسماعيل بن يحيى المزني صاحب المصنفات الكثيرة في الشافعية.

أنظر تراجم هؤلاء وغيرهم في كتاب توالي التأسيس لابن حجر. وانظر طبقات الفقهاء. وطبقات الشافعية للسبكي. وانظر ترجمة الشافعي في كتب التاريخ والتراجم.

١٢٨

الحنابلة :

قام بتأسيس هذه الفرقة أحمد بن حنبل الشيباني في بغداد في النصف الأول من القرن الثالث الهجري وكانت اهتماماته تتجه نحو الحديث وفتاوى الصحابة وآرائهم ولم يكن يميل إلى الاجتهاد برأيه.

وتعد فرقة الحنابلة أول من زرع بذور الشقاق والتطرف والخصومة في واقع المسلمين بسبب تعصبها الشديد وانغلاقها على الحديث والمأثور فمن ثم كان الرأي والاجتهاد يمثّل استفزازاً كبيراً لها.

وقد اشتهرت فتن الحنابلة واعتداءاتهم على خصومهم من الفرق الأخرى واكتظت كتب التاريخ بحوادثهم.

وكان أحمد بن حنبل واحداً من تلاميذ الشافعي ، وكان ميله الشديد نحو الحديث وتتبعه من رواته وحفظته قد أدى بالشافعي إلى أن يقر بتفوقه في هذا المجال الذي أثمر في النهاية عن كتابه المسند الذي جمع فيه الأحاديث التي رواها وتلقاها من مصادر طوال حياته وهى تصل إلى حوالي أربعين ألف حديث.

ويعد المسند هو المرجع الأول عند فرقة الحنابلة.

ـ نماذج من الأفكار الحنبلية :

ـ الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص.

١٢٩

ـ مرتكب الكبيرة أمره مفوض إلى الله.

ـ محاربة الجدل ونبذ علم الكلام وأهله.

ـ الإيمان بصفات الله كما وردت في القرآن والأحاديث.

ـ القرآن غير مخلوق.

ـ رؤية الله تعالى يوم القيامة.

ـ لا يجوز الخروج على الحاكم ولو كان ظالماً فاسقاً.

ـ عدالة جميع الصحابة.

ـ الخير والشر من قضاء الله وقدره.

ـ الخلافة في قريش.

ـ الجهاد ماض قائم مع الإمام براً كان أو فاجراً وكذلك الجمعة والحج والعيدان.

ـ دفع الصدقات والفيء والخراج والغنائم إلى الأمراء عدلوا فيها أو جاروا.

ـ عدم جواز الصلاة خلف أهل البدع أو الصلاة على من مات منهم.

ـ كفر تارك الصلاة وعدم جواز الصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين.

ومثل هذه الأفكار وغيرها مما تكتظ به كتب الحنابلة قد أتت بنتائج عكسية طوقت فرقة الحنابلة وجعلتها من أقل فرق أهل السنة شأناً وانتشاراً في بقاع المسلمين ، وإن كان بروز الفرقة الوهابية وسيطرتها على جزيرة العرب قد جعل هذه الفرقة تسودها وتخترق بها بقاع أخرى كثيرة بفضل النفط.

وقد اختلف المؤرخون والفقهاء في أمر الحنابلة وتصنيفهم هل هي

١٣٠

فرقة حديث أم فرقة فقه؟

والحق أنها فرقة حديث وفقه وعقائد شاذة لا زالت تلقى بظلالها على واقع المسلمين وتسهم في تأصيل الخلاف والتطرف.

ومن أشهر الحنابلة صالح بن أحمد بن حنبل وأخيه عبد الله ، وكلاهما نقل فقه أبيهما وعقائده وأفكاره إلى الناس ، وعبد الله هو الذي روى المسند وتممه عن أبيه وتوفي عام ٢٩٠ هـ.

وأحمد بن الحجاج المروزي وهو الذي نقل كتاب الورع عن ابن حنبل وكان من خواصه ، توفي عام ٢٧٥ هـ.

وأحمد بن هارون أبو بكر الخلال وهو الذي قام بجمع فقه ابن حنبل وتوفي عام ٣١١ هـ (١).

__________________

١ ـ أنظر المناقب لابن الجوزي. وكتب التراجم والتاريخ.

١٣١
١٣٢

الأشاعرة :

تنسب هذه الفرقة إلى أبى الحسن الأشعري الذي كان من أتباع فرقة المعتزلة ثم انشق عنها وقام بطرح أفكاره الجديدة التي قامت على أساسها فرقة الأشاعرة وهي أفكار تتعلق بالاعتقاد ، وأما ما يتعلق بالفقة فقد التزم فيه بفرقة الشافعي.

وجاء الأشعري بأفكاره هذه من أجل التوفيق بين العقل والنقل ، أي بين الفرق التي أسرفت في الاعتماد على أحاديث وأقوال الصحابة والتابعين والفرق التي أسرفت في استخدام العقل إلاّ أنه مال أكثر لأهل السنة.

ويمكن تحديد أفكار الأشعري التي تميز بها فيما يلي :

ـ كلام الله قديم بمعانية حادث بألفاظه.

ـ الإيمان بصفات الله بلا تشبيه ولا تكييف.

ـ صفات الله حقيقة لا مجاز.

ـ الله سبحانه وتعالى فوق السموات على عرشه دون أرضه.

ـ المؤمنون يرون ربّهم يوم القيامة.

ـ الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ويفعل ما يشاء.

ـ إن الله قسم خلقه فرقتين : فرقة خلقهم للجنة وفرقة خلقهم للسعير.

١٣٣

ـ الإيمان يزيد وينقص.

ـ الكبيرة لا تخرج عن الإيمان.

ـ عذاب القبر حق.

ـ شفاعة النبي لأهل الكبائر من أمته.

ـ السمع والطاعة لأئمة المسلمين عن رضى أو غلبة جاروا أو عدلوا يغزوا معهم ويحجوا معهم ويدفعون لهم الصدقات.

ـ الكف عن ذكر الصحابة بسوء.

ـ ذم أهل البدع والتبري منهم.

ـ عدم جواز الخروج عن أقوال السلف فيما اجتمعوا عليه.

ـ العقل يميّز بين الخير والشر وفق أحكام الشرع.

ـ الإنسان يريد الفعل باختياره والله ينفذه له.

ولقد كانت فرقة الأشاعرة أكثر حظاً من فرق أخرى كثيرة إذ تبنتها الدولة الأيوبية ثم المملوكية من بعدها وفرضتها على مصر والشام لتأخذ دفعة قوية نحو الانتشار والبقاء في واقع المسلمين حتى يومنا هذا (١).

ومن أبرز أئمة هذه الفرقة :

القاضي أبو بكر الباقلاني ( ٣٢٨ / ٤٠٣ هـ ) وهو من كبار علماء الكلام ،

__________________

١ ـ اعتبرت الأشاعرة الجناح الأيمن لأهل السنة بينما اعتبرت فرقة الماتريدية الجناح الأيسر وهي تدرّس في المدارس حتى اليوم. ويذكر أن صلاح الدين فرض الأشاعرة على الشام ومصر بالقوة واعتبر الخارج عن معتقداتها في دائرة الزائغ المتزندق وعقوبته الموت ، وهذا الحكم كان موجهاً لاتباع الفرق والاتجاهات الأخرى.

١٣٤

وقام بتنقيح طرح الأشعري ، له الكثير من المصنفات منها : دقائق الكلام ، إعجاز القرآن ، الاستبصار ، كشف أسرار الباطنية ، الملل والنحل.

وأبو حامد الغزالي ( ٤٥٠ / ٥٠٥ هـ ).

وأبو اسحاق الأسفراييني المتوفى عام ٤١٨ هـ ، له كتاب كبير في علم الكلام أسماه الجامع في أصول الدين والرد على الملحدين.

وأبو المعالي الجويني ( ٤١٩ / ٤٧٨ هـ ) له كتاب غياث الأمم في التياث الظلم.

الفخر الرازي ( ٥٤٤ / ٦٠٦ هـ ) له أساس التقديس في علم الكلام ، والبيان والبرهان في الرد على أهل الزيغ والضلال بالإضافة إلى تفسيره الشهير للقرآن.

١٣٥
١٣٦

الماتريدية :

وهي فرقة تنسب لأبي منصور محمد الماتريدي السمرقندي ، وقد برز بفرقته في بلاد ما وراء النهر في ظل حكم يدين بالولاء لأهل السنة وفي ظل واقع تسوده فرقة الأحناف ، فمن ثم أخذ الماتريدي في التركيز على الجانب العقائدي تاركاً أمور الفقة لفرقة الأحناف التي كان ينتمي إليها.

وقد دخل الماتريدي في صدامات مع الفرق الأخرى من فرق أهل السنة وغيرهم ، وصنف الكثير من الكتب والردود.

ولم يبرز الماتريدي بأفكار جوهرية تميّزه عن فرقة الأشاعرة أو الحنابلة في مجال الإعتقاد إلاّ أن أفكاره أخذت قيمتها وسلطت عليها الأضواء لكونها برزت في ظل واقع كان خالياً ممن يزوّد عن اهل السنة ويبرز عقائدهم في مواجهة الفرق المتربصة بهم في منطقة الماتريدي.

إن هناك خلافات طفيفة بين الماتريدي والأشعري دفعت بالأشاعرة إلى الطعن في الماتريدي وفرقته.

وهذا ما دفع ببعض المتأخرين إلى اعتبار الأشاعرة والماتريدية هما جناحا أهل السنة ، وإذا كان الأشعري قد برز للتوفيق بين أهل السنة ( أهل الحديث ) وأهل العقل ( المعتزلة ) ، فإن الماتريدي برز للتوفيق بين الأشاعرة والمعتزلة حيث أن الأشاعرة لم يقدّروا العقل حق قدره

١٣٧

والمعتزلة لم يقدّروا الوحي حق قدره.

من هنا فإن الأفكار التي برز بها الماتريدي تدور في هذا المحيط ، وهي تنحصر فيما يلي :

ـ العقل يستقبل بمعرفة الله لا معرفة الأحكام.

ـ صفات الله غير ذاته.

ـ كلام الله قديم غير مؤلف من حروف ولا كلمات حادثة ، وهي تدل على المعنى.

ـ رؤية الله يوم القيامة اختص الله بكيفيتها وأحوالها.

ـ العقل يستطيع أن يدرك حسن بعض الأشياء وقبحها.

ـ أفعال الله تعالى تكون على مقتضى الحكمة.

ـ أفعال العباد مخلوقة ولا عقاب ولا ثواب إلاّ وللعبد اختيار فيما يستحق عليه الثواب وما يستحق عليه العقاب.

ومن سوء حظ فرقة الماتريدية أن الدول التي احتضنتها في بلاد ما وراء النهر قد زالت مثل دولة السامانيون ، وحلت محلها دول أخرى مما أثّر بالسلب على أفكار الفرقة وحصرها في دائرة موطنها وحال دون انتشارها في بقاع أخرى (١).

ومن أبرز رموز هذه الفرقة : أبو المعين النسفي ( ٤٣٨ / ٥٠٨ هـ ) له كتاب تبصره الأدلة ، وهو المرجع الأساسي للفرقة ، وله كتاب بحر الكلام.

ونجم الدين عمر النسفي ( ٤٦٢ / ٥٣٧ هـ ) كان صاحب نشاط واسع

__________________

١ ـ سلّطت الأضواء بصورة أكثر على الأشاعرة كما أشرنا سابقاً.

١٣٨

وله الكثير من الاتباع ، وصنف الكثير من الكتب التى تخدم خط الماتريدية ، منها :

العقائد النسفية وهو يترجم عقائد الماتريدية.

مجمع العلوم ، والنجاح في شرح كتاب أخبار الصحاح وهو في شرح البخاري.

١٣٩
١٤٠