الإمام علي الهادي عليه السلام

الشيخ علي الكوراني العاملي

الإمام علي الهادي عليه السلام

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠

النعش . قالوا جميعاً : فلما خرج النعش وعليه أبو الحسن ، خرج أبومحمد حافي القدم مكشوف الرأس ، محلل الإزرار خلف النعش ، مشقوق الجيب مُخْضَلَّ اللحية بدموع على عينيه ، يمشي راجلاً خلف النعش ، مرةً عن يمين النعش ومرةً عن شمال النعش ، ولا يتقدم النعش .

وخرج جعفر أخوه خلف النعش بدراريع يسحب ذيولها ، معتمٌّ محبتكُ الإزار ، طلق الوجه ، على حمار يماني ، يتقدم النعش . فلما نظر إليه أهل الدولة وكبراء الناس والشيعة ، ورأوا زي أبي محمد وفعله ، ترجل الناس وخلعوا أخفافهم ، وكشفوا عمائمهم ، ومنهم من شق جيبه ، وحل إزاره ، ولم يمش بالخفاف من الأمراء وأولياء السلطان أحد ، فأكثروا اللعن والسب لجعفر الكذاب ، وركوبه وخلافه على أخيه ...

لما تلا النعش إلى دار السلطان سبق بالخبر إليه ، فأمر بأن يوضع على ساحة الدار على مصطبة عالية كانت على باب الديوان ، وأمر أحمد بن فتيان وهو المعتمد بالخروج إليه والصلاة عليه ، وأقام السلطان في داره للصلاة عليه إلى صلاة العامة ، وأمر السلطان بالإعلان والتكبير ، وخرج المعتمد بخف وعمامة ودراريع فصلى عليه خمس تكبيرات ، وصلى السلطان بصلاتهم ..

وبقي الإمام أبومحمد الحسن بن علي عليه‌السلام ثلاثة أيام مردود الأبواب ، يُسمع من داره القراءة والتسبيح والبكاء ، ولا يؤكل في الدار إلا خبز الخشكار والملح ، ويشرب الشربات . وجعفر بغير هذه الصفة ، ويفعل ما يقبح ذكره من الأفعال .

٤٤١

قالوا جميعاً : وسمعنا الناس يقولون : هكذا كنا نحن جميعاً نعلم ما عند سيدنا أبي محمد الحسن من شق جيبه . قالوا جميعاً : فخرج توقيع منه عليه‌السلام في اليوم الرابع من المصيبة . بسم الله الرحمن الرحيم . أما بعد فممن شق جيبه على الذرية : يعقوب على يوسف حزناً . قال : يا أسفي على يوسف ، فإنه قَدَّ جيبه فشقه » .

وفي الهداية الكبرى / ٣٨٣ : « حدثني أبو الحسن علي بن بلال وجماعة من إخواننا : أنه لما كان في اليوم الرابع من زيارة سيدنا أبي الحسن عليه‌السلام أمر المعتز بأن ينفذ إلى أبي محمد من يستركبه إلى المعتز ليعزيه ويسليه ، فركب أبو محمد إلى المعتز ، فلما دخل عليه رحب به وعزاه وأمر فرتب بمرتبة أبيه عليه‌السلام وأثبت له رزقه وزاد فيه ، فكان الذي يراه لا يشك إلا أنه في صورة أبيه عليه‌السلام ، واجتمعت الشيعة كلها من المهتدين على أبي محمد بعد أبيه ، إلا أصحاب فارس بن ماهَوَيْه ، فإنهم قالوا بإمامة جعفر بن علي العسكري عليه‌السلام » .

وفي إثبات الوصية للمسعودى « ١ / ٢٤٢ » : « واعتل أبوالحسن علته التي مضى فيها صلى الله عليه في سنة أربع وخمسين ومائتين ، فأحضر أبا محمد ابنه عليه‌السلام فسلم إليه النور والحكمة ومواريث الأنبياء عليهم‌السلام والسلاح ، وأوصى إليه ، ومضى صلى الله عليه ، وَسِنُّه أربعون سنة .

وكان مولده في رجب سنة أربع عشرة ومائتين من الهجرة ، فأقام مع أبيه عليهما‌السلام نحو سبع سنين ، وأقام منفرداً بالإمامة ثلاث وثلاثين سنة وشهوراً .

٤٤٢

وحدثنا جماعة كل واحد منهم يحكي أنه دخل الدار ، وقد اجتمع فيها جملة بني هاشم من الطالبيين والعباسيين ، واجتمع خلق من الشيعة ، ولم يكن ظهر عندهم أمر أبي محمد عليه‌السلام ولا عرف خبره إلا الثقات الذين نص أبوالحسن عندهم عليه ، فحكوا أنهم كانوا في مصيبة وحيرة ، فهم في ذلك إذْ خرج من الدار الداخلة خادمٌ فصاح بخادم آخر : يا رَيَّاشُ خذ هذه الرقعة وامض بها الى دار أمير المؤمنين وأعطها الى فلان وقل له : هذه رقعة الحسن بن علي . فاستشرف الناس لذلك ، ثم فتح من صدر الرواق بابٌ وخرج خادمٌ أسود ، ثم خرج بعده أبومحمد عليه‌السلام حاسراً مكشوف الرأس ، مشقوق الثياب ، وعليه مبطنة بيضاء ، وكان وجهه وجه أبيه عليه‌السلام لا يخطئ منه شيئاً ، وكان في الدار أولاد المتوكل وبعضهم ولاة العهود ، فلم يبق أحد إلا قام على رجله ، ووثب إليه أبومحمد الموفق فقصده أبومحمد عليه‌السلام فعانقه ثم قال له : مرحباً بابن العم . وجلس بين بابي الرواق ، والناس كلهم بين يديه .

وكانت الدار كالسوق بالأحاديث ، فلما خرج وجلس أمسك الناس ، فما كنا نسمع شيئاً إلا العطسة والسعلة ، وخرجت جارية تندب أبا الحسن عليه‌السلام فقال أبومحمد : ما هاهنا من يكفي مؤونة هذه الجاهلة ؟ فبادر الشيعة إليها ، فدخلت الدار ، ثم خرج خادم فوقف بحذاء أبي محمد عليه‌السلام فنهض صلى الله عليه وأخرجت الجنازة ، وخرج يمشي حتى أخرج بها الى الشارع الذي بازاء دار

٤٤٣

موسى بن بقا ، وقد كان أبومحمد صلى عليه قبل أن يخرج الى الناس ، وصلى عليه لما أخرج المعتمد ، ثم دفن في دار من دوره .

واشتد الحر على أبي محمد عليه‌السلام وضغطه الناس في طريقه ومنصرفه من الشارع بعد الصلاة عليه ، فصار في طريقه الى دكان بقال رآه مرشوشاً « مصطبة » فسلم واستأذنه في الجلوس فأذن له وجلس ، ووقف الناس حوله . فبينا نحن كذلك إذ أتاه شابٌّ حسن الوجه نظيف الكسوة ، على بغلة شهباء على سرج ببرذون أبيض ، قد نزل عنه فسأله أن يركبه ، فركب حتى أتى الدار ونزل .

وخرج في تلك العشية الى الناس ، ما كان يَخْرِمُ عن أبي الحسن عليه‌السلام حتى لم يفقدوا منه إلا الشخص . وتكلمت الشيعة في شق ثيابه وقال بعضهم : هل رأيتم أحداً من الأئمة شق ثوبه في مثل هذه الحال ؟فوقَّعَ الى من قال ذلك : يا أحمق ما يدريك ما هذا ، قد شق موسى على هرون . وقام أبومحمد الحسن بن علي مقام أبيه عليهما‌السلام » .

ملاحظات على شهادة الإمام عليه‌السلام ومراسم جنازته

١. شاء الله عز وجل أن يحفظ الإمام الهادي عليه‌السلام من المتوكل ، وأفشل محاولاته لقتل الإمام عليه‌السلام . وأن يُقِرَّ عين وليه الإمام الهادي عليه‌السلام فيريه نهاية عدوه المتوكل فسلط عليه غلمانه الأتراك ، فقتلوه وهو سكران ذاهب العقل !

كما شاء عز وجل أن تكون شهادة الإمام عليه‌السلام بيد المعتز ، وهو الزبير بن المتوكل وكانت أمه جميلة جداً فسماها المتوكل قبيحة لإبعاد الحسد عنها ، وقد جمعت ثروةً طائلة لكنها بخلت أن تنقذ ابنها من القتل ! وقد صح الحديث بأنه لايقتل

٤٤٤

الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام إلا أولاد الحرام ، فقد سئل الصادق عليه‌السلام عن قوله تعالى : وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ .. فقيل له : من كان يمنعه ؟ قال : منعه أنه كان لرَشْدَةٍ ، لأن الأنبياء والحجج لايقتلهم إلا أولاد زنا ! « كامل الزيارات / ١٦٣ » .

٢. كانت شهادة الإمام عليه‌السلام بعد حرب استمرت سنة بين سامراء وبغداد ، من محرم ٢٥١ الى ٢٥٢ ، بين خليفتين هما : المعتز والمستعين « الطبري : ٧ / ٤٤٥ » وحكم المعتز بعدها نحو ثلاث سنين الى سنة ٢٥٥ ، وأقدم على قتل الإمام عليه‌السلام في رجب في سنة ٢٥٤ ، ثم ثار عليه الأتراك وقتلوه في السنة التالية ٢٥٥ ، ونصبوا المهتدي .

فمن هو المستفيد من قتل الإمام الهادي عليه‌السلام ، ومن الذي خطط لقتله ؟

الأمر المرجح أن المخطِّط والمنفِّذ هو المعتز ، فقد قتل المستعين مع أنه خلع نفسه وبايعه ، ولعله كان يخاف من تفاقم الثورات العلوية ، وأن يرفع ثائر منها إسم الإمام عليه‌السلام فينجذب الناس الى بيعته ويبايعوه !

٣. أمر المعتز أخاه المعتمد أن يقيم للإمام عليه‌السلام تشييعاً كبيراً ، وأن تحمل جنازته الى دار الخلافة ليصلي عليها ، قال في الهداية / ٢٤٨ : « فإن السلطان لما عرف خبر وفاته ، أمر سائر أهل المدينة بالركوب إلى جنازته ، وأن يُحمل إلى دار السلطان حتى يصلي عليه » . فصلوا عليه في دار الخليفة ، ثم صلوا عليه في شارع كبير ، ثم صلوا عليه في داره ودفنوه حيث أوصى . « مروج الذهب : ٤ / ٨٤ ، واليعقوبي : ٢ / ٥٠٠ » .

٤. كانت سياسة السلطة القرشية دائماً المبالغة في تشييع الإمام من العترة الطاهرة عليهم‌السلام ، ولهم في ذلك أغراض ، أولها أن يبعدوا عن أنفسهم جريمة قتله !

٤٤٥

بل كانوا يحرصون على الكشف الطبي على جنازته ، وإشهاد كبار القضاة والشهود بأن بدنه سالمٌ وأنه مات حتف أنفه ! حتى لايطالب بنو هاشم بدمه .

واستعملوا هذا الأسلوب مع خلفائهم الذين قتلوهم ، فكانوا يقتلون الخليفة بالتعذيب أو عصر خصيتيه ، ثم يأتون بالشهود فيشهدون أنه مات حتف أنفه !

قال في معالم الخلافة « ٣ / ٣٧١ » : « لما وليَ المعتز لم يمض إلا مدة حتى أُحضر الناس وأخرج المؤيد فقيل : إشهدوا أنه دعي فأجاب وليس به أثر !

ثم مضت أشهر فأحضر الناس وأخرج المستعين ، فقال : إن منيته أتت عليه وها هو لا أثر فيه ، فأشهدوا !

ثم مضت مُدَيْدَة واستخلف المهتدي فأخرج المعتز ميتاً وقيل : إشهدوا أنه قد مات حتف أنفه ولا أثر به ! ثم لم تكمل السنة حتى استخلف المعتمد فأخرج المهتدي ميتاً وقيل : إشهدوا أنه قد مات حتف أنفه من جراحته » !

لكنهم كانوا يسلمون جنازة الخليفة الى أقاربه ، ولايهتمون بالصلاة عليه وتشييعه ، لأنه ليس له جماهير محبة كالإمام عليه‌السلام ليكسبها لخليفة الجديد بذلك !

٥. يتضح من أخبار تشييع الإمام عليه‌السلام ودفنه ، أنهم كانوا يهتمون بالتشييع والصلاة على الجنازة والدفن . وفي اليوم الثاني يجلس أهل الميت لقبول التعزية . ففي الهداية / ٢٤٩ : « وبقي الإمام أبومحمد الحسن بن علي عليهما‌السلام ثلاثة أيام مردود الأبواب ، يُسمع من داره القراءة والتسبيح والبكاء ، ولا يؤكل في الدار إلا خبز الخشكار والملح .. قالوا جميعاً : فخرج توقيع منه عليه‌السلام في اليوم الرابع من المصيبة .

٤٤٦

بسم الله الرحمن الرحيم . أما بعد فممن شق جيبه على الذرية : يعقوب على يوسف حزناً . قال : يا أسفي على يوسف ، فإنه قَدَّ جيبه فشقه » .

٦. اشترى النبي وعترته الطاهرون صلوات الله عليهم ، محال قبورهم الشريفة على سنة أبيهم إبراهيم عليه‌السلام ، فقد نصت التوراة ومصادرنا على أنه اشترى مكان قبره في الخليل من عفرون الحثي ، وكان مزرعة فيها الغار الذي دفن فيه هو وأسرته عليهم‌السلام . واشترى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مكان مسجدة وبيوته وقبره الشريف ، عندما بركت قربه الناقة : « وسأل عن المربد فأخبر أنه لسهل وسهيل يتيمين لمعاذ بن عفراء ، فأرضاهما معاذ » . « مناقب آل أبي طالب : ١ / ١٦٠ » .

واشترى الإمام الهادي عليه‌السلام داره في سامراء ، ثم اشترى دوراً ضمها اليها .

قال في تاريخ بغداد « ١٢ / ٥٧ » : « وفي هذه السنة ، يعني سنة أربع وخمسين ومائتين ، توفي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بسر من رأى ، في داره التي ابتاعها من دليل بن يعقوب النصراني » .

وفي إثبات الوصية للمسعودي « ١ / ٢٤٣ » : « وقد كان أبو محمد صلى عليه قبل أن يخرج الى الناس ، وصلى عليه لما أخرجه المعتمد ، ثم دفن في دار من دوره » .

فهو يدل على أنها كانت دورٌ متعددة متصلة ببعضها ، وتدل عليه نصوص كثيرة وصفت دار أبي الحسن الهادي وأبي محمد العسكري عليهما‌السلام .

منها ما رواه في الإرشاد « ٢ / ٣١٧ » يصف ساحة إحداها ولعلها الدار الأساسية : « عن سعد بن عبد الله عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسين الأفطس

٤٤٧

أنهم حضروا يوم توفي محمد بن علي بن محمد دار أبي الحسن عليه‌السلام وقد بسط له في صحن داره والناس جلوس حوله ، فقالوا قدرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني العباس وقريش مائة وخمسون رجلاً سوى مواليه وسائر الناس » .

ومنها قول الخادم كما في الكافي « ١ / ٣٢٩ » : « وكنت أدخل عليهم من غير إذن إذا كان في دار الرجال ، قال : فدخلت عليه يوماً وهو في دار الرجال » .

شاعران من أصحاب الإمام عليه‌السلام رثياه

أبو الغوث المنبجي الطهوي :

قال ابن عياش الجوهري في مقتضب الأثر / ٥٠ : « وأنشدني أبو منصور عبد المنعم بن النعمان العبادي قال : أنشدني الحسن بن مسلم الوهبي أن أبا الغوث الطهوي المنبجي شاعر آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أنشده بعسكر سر من رأى . قال الوهبي : وإسم أبي الغوث أسلم بن مهوز من أهل منبج . وكان البحتري يمدح الملوك ، وهذا يمدح آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان البحتري أبو عبادة ينشد هذه القصيدة لأبي الغوث :

وَلِهْتُ إلى رُؤياكم وَلَهَ الصَّادي

يُذادُ عن الورد الرَّوِيِّ بِذَوَّادِ

مُحَلَّىً عن الورد اللذيذِ مساغُهُ

إذا طافَ وُرَّادٌ به بعدَ ُوَّراد

فأعملت فيكم كل هوجاء جسرةٍ

ذمولِ السُّرَى تَقتاد في كل مُقتاد

أجوبُ بها بيدَ الفَلا وتجوبُ بي

إليكَ ومالي غيرَ ذكركَ من زاد

فلما تراءتْ سُرَّ من رَا تَجَشَّمَتْ

إليك فَعَوْمُ الماء في مُفْعِمِ الوادي

فأدَّت إلينا تشتكي ألمَ السرى

فقلت اقصري فالعزمُ ليسَ بميَّاد

إذا ما بلغتِ الصادقينَ بني الرضا

فحسبُك من هادٍ يُشيرُ إلى هاد

٤٤٨

مقاويلُ إن قالوا بهاليلُ إن دُعوا

وُفَاةٌ بميعاد كُفَاةٌ لمرتاد

إذا أوعدوا أعْفَوْا وإن وعدوا وَفَوْا

فهم أهل فضلٍ عند وعدٍ وإيعاد

كرامٌ إذا ما أنفقوا المالَ أنفدوا

وليس لعلمٍ أنفقوهُ بإنفاد

ينابيعُ علم الله أطوادُ دينه

فهل من نفادٍ إن علمتَ لأطواد

نجومٌ متى نجمٌ خَبَا مثلُهُ بَدا

فصلى على الخابي المهمينُ والبادي

عبادٌ لمولاهم موالي عبادِه

شهودٌ عليهم يومَ حشر وإشهاد

هم حججُ الله اثنتي عشرةٍ متى

عددتَ فثاني عشرهم خَلَفُ الهادي

بميلاده الأنباءُ جاءتْ شهيرةً

فأعظمْ بمولودٍ وأكرمْ بميلاد

وقال ابن عياش : وهي طويلة كتبنا منها موضع الحاجة إلى الشاهد » .

محمد بن إسماعيل بن صالح الصيمري :

وروى ابن عياش الجوهري في مقتضب الأثر / ٥٣ : أن محمد بن إسماعيل بن صالح الصيمري ، وهو من أصحاب الإمام الهادي عليه‌السلام قال عند مرض الإمام عليه‌السلام :

مَادت الأرضُ بي وآذتْ

فؤادي واعترتني مواردُ العَرْوَاء

حينَ قيل الإمامُ نِضْوٌ عليلٌ

قلتُ نفسي فدتهُ كلَّ الفداء

مرضَ الدينُ لاعتلالك واعتلَّ

وغارت لهُ نجومُ السماء

عجباً إن مُنيت بالداء والسقم

وأنت الإمامُ حسمُ الداء

وأنت أسى الأدواء في الدين

والدنيا ومُحْي الأموات والأحياء

وقال بعد شهادته يرثيه ويعزي ابنه أبا محمد عليهما‌السلام أولها :

الأرض حزناً زلزلتْ زلزالها

وأخرجتْ من جزعٍ أثقالها

ثم عدد الأئمة وتكملتهم بالخلف المهدي عليهم‌السلام وذلك قبل ميلاده :

عشرُ نجوم أفَلَتْ في فُلكها

ويُطلع الله لنا أمثالها

٤٤٩

بالحسن الهادي أبي محمد

تُدْرِكُ أشياعُ الهدى آمالها

وبعده من يرتجى طلوعُهُ

يَظل جوابَ الفلا جزَّالها

ذو الغيبة الطولى وبالحق التي

لا يقبل الله من استطالها

يا حجج الرحمن إحدى عشرةٍ

آلف بثاني عشرها مآلها »

أقول : في قصيديتي المنبجي والصيمري دلالات عديدة ، منها : أن مرض الإمام الهادي عليه‌السلام طال ، وقد يكون سقي السم عدة مرات كما حدث لعدد من آبائه عليهم‌السلام ، ولم تصلنا تفاصيل أخبار سمه ومرضه صلوات الله عليه .

ومنها : أنه استقر عند المتشرعة أن كلمة الإمام على إطلاقها تعني المعصوم من العترة .

ومنها : أن مذهب الإمامة كان منتشراً معروفاً بين الناس ، وأنهم يقولون بإمامة اثني عشر إماماً ربانياً ، كما بشر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأن الإمام الهادي عليه‌السلام هو العاشر ، وأن حفيده هو المهدي الموعود عليه‌السلام الذي سيغيب طويلاً .

٤٥٠

الفصل السابع عشر

بشارة الإمام الهادي بحفيده الإمام المهدي عليه‌السلام

نصه على إمامة ابنه الحسن العسكري عليه‌السلام

عقد في الكافي باباً « ١ / ٣٢٥ » بعنوان : باب الإشارة والنص على أبي محمد عليه‌السلام ، أورد فيه بضعة عشر حديثاً ، نص فيها على إمامة ولده الحسن بعده وبشر فيها بحفيده الإمام المهدي عليهم‌السلام . منها عن يحيى بن يسار القنبري قال : « أوصى أبو الحسن عليه‌السلام إلى ابنه الحسن قبل مضيه بأربعة أشهر ، وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي .

وعن علي بن عمر النوفلي : « كنت مع أبي الحسن عليه‌السلام في صحن داره فمر بنا محمد ابنه فقلت له : جلعت فداك هذا صاحبنا بعدك ؟فقال :لا،صاحبكم بعدي الحسن » .

وعن أحمد بن مروان الأنباري قال : « كنت حاضراً عند مضيِّ أبي جعفر محمد بن علي ، فجاء أبو الحسن عليه‌السلام فوُضع له كرسي فجلس عليه وحوله أهل بيته ، وأبو محمد قائم في ناحية ، فلما فرغ من أمر أبي جعفر التفت إلى أبي محمد عليه‌السلام فقال : يا بنيَّ أحدث لله تبارك وتعالى شكراً ، فقد أحدث فيك أمراً » .

أي أظهرَ الله تعالى أنك الإمام بعدي وليس أخاك الأكبر الذي توفي ، كما تصور البعض ، لأن أئمة العترة عليهم‌السلام كما قال الله تعالى : ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .

ومن ذلك : « عن جماعة من بني هاشم ، منهم الحسن بن الحسن الأفطس أنهم حضروا يوم توفي محمد بن علي بن محمد بابَ أبي الحسن يعزونه وقد بسط له في

٤٥١

صحن داره والناس جلوس حوله ، فقالوا : قدرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني هاشم وقريش مائة وخمسون رجلاً ، سوى مواليه وسائر الناس ، إذ نظر إلى الحسن بن علي قد جاء مشقوق الجيب حتى قام عن يمينه ونحن لانعرفه فنظر إليه أبوالحسن عليه‌السلام بعد ساعة فقال : يا بنيَّ أحدثْ لله عز وجل شكراً ، فقد أحدث فيك أمراً . فبكى الفتى وحمد الله تعالى واسترجع وقال : الحمد لله رب العالمين ، وأنا أسأل الله عز وجل تمام نعمه لنا فيك ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .

فسألنا عنه فقيل هذا الحسن ابنه ، وقدرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة ، أو أرجح ، فيومئذ عرفناه وعلمنا أنه قد أشار إليه بالإمامة ، وأقامهُ مقامه » .

وعن أبي بكر الفهفكي قال : « كتبت الى أبي الحسن عليه‌السلام أسأله عن مسائل ، فلما نفذ الكتاب قلت في نفسي : لو أني كتبت فيما كتبت أسأله عن الخلف من بعده ، وذلك بعد مضي محمد ابنه . فأجابني عن مسائلي : وكنتَ أردتَ أن تسألني عن الخلف ، وأبو محمد ابني أصح آل محمد غريزةً ، وأوثقهم عقيدةً بعدي ، وهو الأكبر من ولدي ، إليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامها . فما كنت سائلاً عنه فسله فعنده علم ما يُحتاج إليه ، والحمد لله » .

وعن الجلاب قال : « كتب إليَّ أبو الحسن في كتاب : أردتَ أن تسأل عن الخلف بعد أبي جعفر وقلقت لذلك ، فلا تغتم فإن الله عز وجل : لا يضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون . وصاحبك بعدي أبو محمد ابني ، وعنده ما

٤٥٢

تحتاجون إليه ، يقدم ما يشاء الله ويؤخر ما يشاء : مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا » .

تبشيره بحفيده المهدي الموعود عليه‌السلام

عن داود بن القاسم قال : « سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : الخلف من بعدي الحسن ، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف ؟ فقلت : ولم جعلني الله فداك ؟ فقال : إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه ، فقلت : فكيف نذكره ؟ فقال : قولوا : الحجة من آل محمد عليهم‌السلام » . « الكافي : ١ / ٣٢٧ » .

وفي كمال الدين / ٣٨٣ : « عبد الله بن أحمد الموصلي قال : حدثنا الصقر بن أبي دلف قال : سمعت علي بن محمد بن علي الرضا عليهم‌السلام يقول : إن الإمام بعدي الحسن ابني وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » .

وفي تفسير العسكري / ٣٤٤ ، عن الهادي عليه‌السلام قال : « لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم من العلماء الداعين إليه ، والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله ، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب ، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله . ولكنهم الذين يمسكون أزمَّةَ قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها ، أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل » .

٤٥٣

أولاد الإمام الهادي عليه‌السلام

قال المفيد في الإرشاد « ٢ / ٣١٢ » : « وتوفي أبو الحسن عليه‌السلام في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ، ودفن في داره بسر من رأى ، وخلف من الولد : أبا محمد الحسن ابنه وهو الإمام من بعده ، والحسين ، ومحمداً ، وجعفراً ، وابنته عائشة . وكان مقامه بسر من رأى إلى أن قبض عشر سنين وأشهراً ، وتوفي وسنه يومئذ على ما قدمناه إحدى وأربعون سنة » .

وفي الهداية الكبرى / ٣١٣ : « وله من الولد : الحسن الإمام ، ومحمد ، والحسين ، وجعفر المدعي الإمامة المعروف بالكذاب ، المذكور بحديث جعفر الصادق عليه‌السلام » .

وقال الفخر الرازي في الشجرة المباركة في أنساب الطالبية / ٧٨ : « أما أبو الحسن علي النقي فله من الأبناء ستة : أبو محمد الحسن العسكري الإمام ، وأبو عبد الله جعفر الذي لقبوه ب‍الكذاب لا لطعن في نسبه ، بل لأنه طعن في إمامة صاحب الزمان . والحسين مات قبل أبيه بسر من رأى ، وموسى ، ومحمد هو أكبر أولاده ، وعلي . واتفقوا على أن المعقب من أولاده ابنان : الحسن العسكري الإمام ، وجعفر الكذاب . وله من البنات ثلاثة : عائشة ، وفاطمة ، وبريهة ، وزوج بريهة محمد بن موسى بن محمد التقي » .

أقول : تفرد الفخر الرازي بذكر ثلاث بنات للهادي عليه‌السلام ، ولعلها واحدة كان يطلق عليه أكثر من إسم ، وبريهة التي ترجم لها لعلها بنت جعفر الكذاب ، وكانت صالحة .

٤٥٤

وقال السيد ضامن بن شدقم في تحفة الأزهار في نسب أبناء الأئمة الأطهار / ٤٦١ : « فأبو الحسن علي النقي عليه‌السلام خلف أربعة بنين : أبا محمد الحسن العسكري عليه‌السلام ، أمه أم ولد ، والحسين ، وأبا علي محمداً ، وأبا كرين جعفراً الكذاب ، وعايشة . أمهاتهم أمهات أولاد ، وعقبهم أربعة أصول .. الخ . » .

وفي عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب لابن عنبة / ١٩٩ : « وأعقب من رجلين هما الإمام أبومحمد الحسن العسكري عليه‌السلام كان من الزهد والعلم على أمر عظيم ، وهو والد الإمام محمد المهدي صلوات الله عليه ثاني عشر الأئمة عند الإمامية ، وهو القائم المنتظر عندهم ، من أم ولد إسمها نرجس .

وإسم أخيه أبوعبد الله جعفر الملقب بالكذاب ، لادعائه الإمامة بعد أخيه الحسن ، ويدعى أبا كرين « أبا البنين خ . ل » لأنه أولد مائة وعشرين ولداً ، ويقال لولده الرضويون نسبة إلى جده الرضا .

وأعقب من جماعة ، انتشر منهم عقب ستة ما بين مقل ومكثر ، وهم إسماعيل حريفا ، وطاهر ، ويحيى الصوفي ، وهارون ، وعلي ، وإدريس » .

أقول : اتفقت مصادر الأنساب على أن أبناء الإمام الهادي عليه‌السلام ثلاثة غير الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام : وهم محمد وحسين وجعفر ، المعروف بجعفر الكذاب :

محمد بن الإمام الهادي ، المعروف بالسيد محمد

ويعرف بالسيد محمد ، وقبره قرب بلد ، يزار وله كرامات . ويسمونه : سبع الدجيل . وكان أكبر أولاد الإمام الهادي ، وتوفي في حياة أبيه ، فصار الحسن أكبرهم عليهم‌السلام .

٤٥٥

قال السيد الأمين في أعيان الشيعة « ١٠ / ٥ » : « السيد أبو جعفر محمد بن الإمام علي أبي الحسن الهادي عليه‌السلام . توفي في حدود سنة ٢٥٢ . جليل القدر ، عظيم الشأن ، كانت الشيعة تظن أنه الإمام بعد أبيه عليه‌السلام ، فلما توفي نص أبوه على أخيه أبي محمد الحسن الزكي عليه‌السلام . وكان أبوه خلفه بالمدينة طفلاً لما أتي به إلى العراق ثم قدم عليه في سامراء . ثم أراد الرجوع إلى الحجاز ، فلما بلغ القرية التي يقال لها بلد على تسعة فراسخ من سامراء مرض وتوفي ودفن قريباً منها ، ومشهده هناك معروف . ولما توفي شق أخوه أبو محمد ثوبه ، وقال في جواب من لامَهُ على ذلك : قد شقَّ موسى على أخيه هارون عليه‌السلام » .

وفي كتاب المصطفى والعترة للشاكري « ١٤ / ٢١ » : « الحسين بن الإمام الهادي عليه‌السلام : نقل السيد محمد كاظم القزويني عن كتاب شجرة الأولياء : أن الحسين كان زاهداً عابداً معترفاً بإمامة أخيه أبي محمد الحسن العسكري عليه‌السلام ، وكان صوت الإمام المهدي عليه‌السلام يشبه صوت عمه الحسين . وكان الناس يعبرون عنه وعن أخيه الإمام الحسن العسكري بالسبطين ، تشبيهاً لهما بالإمامين الحسن والحسين عليهما‌السلام .

وكان له من الأولاد أربعة ، وقد رحلوا بعد وفاة أبيهم عن سامراء إلى مدينة لار من بلاد فارس في إيران ، فقتلوا بعد وصولهم إليها » .

٤٥٦

الحسين بن الإمام الهادي عليه‌السلام

ورد تشبيه صوت الإمام المهدي عليه‌السلام بصوته . « أمالي الطوسي / ٢٨٨ » .

وفي مستدركات الشيخ النمازي « ٣ / ١٧١ » : « الحسين بن علي بن محمد الإمام الهادي عليه‌السلام : هو أخو الحسن العسكري عليه‌السلام يسميان بالسبطين ، تشبيهاً لهما بجدهما الحسن والحسين صلوات الله عليهما . كان جليل القدر عظيم الشأن » .

وفي مسند الإمام العسكري « ١ / ٥٢ » : « أولاد الإمام أبي الحسن الهادي عليه‌السلام وهم جعفر ومحمد والحسين . أما محمد بن الإمام الهادي : هو صاحب الروضة المعروفة والقبة المشهورة في بلد بين بغداد وسامراء ، تقصده الزوار من شتى النواحي . أما الحسين فقد كان ممتازاً في الديانة من سائر أقرانه وأمثاله ، تابعاً لأخيه الحسن عليه‌السلام معتقداً بإمامته ، ودفن في حرم العسكريين عليهما‌السلام تحت قدميهما ، كما ورد في هامش بحار الأنوار في باب أحوال أولاد الإمام الهادي عليه‌السلام » .

جعفر الكذاب

ادعى جعفر الكذاب الإمامة بعد وفاة أبيه ، ثم بعد وفاة أخيه الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام . ويعرف بأبي كرين لكثرة أولاده ، وقيل إن أبناءه بلغوا مئة وعشرين ابناً غير الإناث . وذريته كثيرة وفيهم صالحون أجلاء . ولم أجد ضبطاً لكلمة كرين أو معنى يربطها بكثرة الأولاد . ولعل أصلها « أبو الكُرَّيْن » مثنى كُر ، ويقال كُرُّ حنطة أو كُرُّ ماء . وسيأتي موقفه في سيرة الإمام العسكري عليه‌السلام . والذي يهون الخطب أنه أعرض عن ادعاء الإمامة ، وقيل تاب وأناب . قال الشبراوي في الإتحاف بحب الأشراف

٤٥٧

« ١ / ٣٧٢ » : « لكن إرادة الله غالبة ، إذ سرعان ما انكشف زيف أمره ، ثم ندم على ما فعل ، وتاب على ما قيل ولذا سمي بجعفر الكذاب ، ثم جعفر التواب . علماً بأنه من الناس العاديين الذين يجوز عليم الكذب والخطأ والنسيان والعصيان ، وادعاء الباطل والحسد . وهذا ليس بغريب في الكون وقد سبقه قابيل بقتل أخيه هابيل ، وإخوة يوسف عند ما ألقوا يوسف في الجب » .

وقال الشيخ مُغنية في الشيعة في الميزان / ٢٥٠ : « كان للإمام العسكري أخ يسمى جعفراً ، وكان يكيد له ويدس عليه وعلى شيعته الدسائس عند الخلفاء ، وقد لحق بالموالين الأذى والحبس والتشريد من وشايته وافتراءاته ، وادعى الإمامة بعد أخيه ، ولذلك قيل له الكذاب .

وجاء جعفر هذا إلى الوزير ابن خاقان بعد أن قُبض أخوه الإمام وقال له : اجعل لي مرتبة أبي وأخي ، وأعطيك في كل سنة عشرين ألف دينار . فنهره الوزير وقال له : يا أحمق إن السلطان جرد سيفه وسوطه على الذين والوا أباك وأخاك ليردهم عن ذلك فلم يقدر ، وجهد أن يزيل أباك وأخاك عن تلك المرتبة فلم يتهيأ له ، فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة بك إلى إمام يرتبك مراتبهم ، وإن لم تكن عندهم بهذه المرتبة لم تنلها ، وإن ساندك السلطان وغيره . ثم أمر الوزير أن يحجب عنه جعفر ولا يؤذن له عليه بالدخول .

٤٥٨

وصدق ابن خاقان ، فإن منصب الإمامة والرياسة عند الشيعة لا يناط بإرادة الحكام ، ولا ينال بالشفاعات والوساطات ، كما هو الشأن في تعيين المشيخات والقضاة والمفتين . إن الرياسة عند الإمامية تعود إلى إرادة الله سبحانه » .

وروى الصدوق في كمال الدين / ٣١٩ ، عن فاطمة بنت محمد بن الهيثم ، قالت : « كنت في دار أبي الحسن علي بن محمد العسكري في الوقت الذي ولد فيه جعفر ، فرأيت أهل الدار قد سُرُّوا به ، فصرت إلى أبي الحسن عليه‌السلام فلم أره مسروراً بذلك فقلت له : يا سيدي ، ما لي أراك غير مسرور بهذا المولود ؟ فقال عليه‌السلام : هَوِّني عليك أمره ، إنه سيُضَلُّ خلقاً كثيراً » . ورواه المسعودي في إثبات الوصية ٢٣٩ ، عن جماعة .

وروى في الكافي « ١ / ٥٠٣ » حديثاً بليغاً يعطي صورة واضحة عن الإمام العسكري عليه‌السلام وأخيه جعفر ، قال : « كان أحمد بن عبيد الله بن خاقان على الضياع والخراج بقم فجرى في مجلسه يوماً ذكر العلوية ومذاهبهم ، وكان شديد النصب فقال : ما رأيتُ ولا عرفتُ بسر من رأى رجلاً من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا ، في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه ، عند أهل بيته وبني هاشم ، وتقديمهم إياه على ذوي السن منهم والخطر ، وكذلك القواد والوزراء وعامة الناس . فإني كنت يوماً قائماً على رأس أبي « كان أبوه رئيس وزراء » وهو يوم مجلسه للناس ، إذ دخل عليه حجابه فقالوا : أبو محمد ابن الرضا بالباب ، فقال بصوت عال : ائذنوا له ، فتعجبت مما سمعت منهم أنهم جسروا يكنون رجلاً على أبي بحضرته ولم يكن عنده إلا خليفة أو ولي عهد أو من أمر السلطان أن يكنى ! فدخل رجل أسمر ، حسن القامة ، جميل الوجه ، جيد البدن ، حدث السن ، له جلالة وهيبة ، فلما نظر إليه أبي قام يمشي إليه خُطىً ولا أعلمه فعل

٤٥٩

هذا بأحد من بني هاشم والقواد ، فلما دنا منه عانقه وقبل وجهه وصدره ، وأخذ بيده وأجلسه على مصلاه الذي كان عليه ، وجلس إلى جنبه مقبلاً عليه بوجهه ، وجعل يكلمه ويفديه بنفسه ، وأنا متعجب مما أرى منه إذ دخل الحاجب فقال : الموفق قد جاء وكان الموفق إذا دخل على أبي ، تقدم حجابه وخاصة قواده ، فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين إلى أن يدخل ويخرج ، فلم يزل أبي مقبلاً على أبي محمد يحدثه حتى نظر إلى غلمان الخاصة ، قال حينئذ : إذا شئت جعلني الله فداك ، ثم قال لحجابه : خذوا به خلف السماطين حتى لا يراه هذا يعني الموفق ، فقام وقام أبي وعانقه ومضى .

فقلت لحُجَّاب أبي وغلمانه : ويلكم من هذا الذي كنيتموه على أبي ، وفعل به أبي هذا الفعل ؟ فقالوا : هذا علوي يقال له الحسن بن علي ، يعرف بابن الرضا فازددت تعجباً ، ولم أزل يومي ذلك قلقاً متفكراً في أمره وأمر أبي وما رأيت فيه ، حتى كان الليل ، وكانت عادته أن يصلي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات « أي المشاورات » وما يرفعه إلى السلطان ، فلما صلى وجلس ، جئت فجلست بين يديه وليس عنده أحد فقال لي : يا أحمد لك حاجة ؟ قلت : نعم يا أبه فإن أذنت لي سألتك عنها ؟ فقال : قد أذنت لك يا بني فقل ما أحببت ، قلت : يا أبه من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال والكرامة والتبجيل وفديته بنفسك وأبويك ؟ فقال : يا بني ذاك إمام الرافضة ، ذاك الحسن بن علي المعروف بابن الرضا ، فسكت ساعة ، ثم قال : يا بني لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غير هذا ، وإن هذا ليستحقها في فضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه . ولو رأيت أباه رأيت رجلاً جزلاً نبيلاً فاضلاً ! فازددت قلقاً وتفكراً وغيظاً على أبي وما سمعت منه ، واستزدته في فعله وقوله فيه ما قال ، فلم يكن

٤٦٠