الإمام علي الهادي عليه السلام

الشيخ علي الكوراني العاملي

الإمام علي الهادي عليه السلام

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠

وصيف ألف ألف دينار وثلاث مائة ألف دينار ، وأخذ منها من الجواهر ما قيمته ألفا ألف دينار .

وكان الجند سألوا المعتز في خمسين ألف دينار ويصطلحون معه ، فسألها المعتز في ذلك فقالت : ما عندي شئ . فلما رأى ابن وصيف هذا المال قال : قبح الله قبيحة عرَّضت ابنها للقتل لأجل خمسين ألف دينار ، وعندها هذا كله » .

وفي تاريخ الخلفاء / ٢٦٢ : « أخذو المعتز بعد خمس ليال من خلعه ، فأدخلوه الحمام فلما اغتسل عطش فمنعوه الماء ، ثم أخرج فسقوه ماء بثلج فشربه وسقط ميتاً ، وذلك في شهر شعبان المعظم سنة خمس وخمسين ومائتين ، واختفت أمه قبيحة ، ثم ظهرت في رمضان وأعطت صالح بن وصيف مالاً عظيماً ، من ذلك ألف ألف دينار وثلاث مائة ألف دينار ، وسفط فيه مكوك زمرد ، وسفط فيه لؤلؤ حب كبار ، وكيلجة ياقوت أحمر وغير ذلك ، فقومت السفاط بألفي ألف دينار !

فلما رأى ابن وصيف ذلك قال : قبحها الله عرضت ابنها للقتل لأجل خمسين ألف دينار ، وعندها هذا ، فأخذ الجميع ونفاها إلى مكة ، فبقيت بها إلى أن تولى المعتمد ، فردها إلى سامرا ، وماتت سنة أربع وستين » .

وقال الذهبي في سيره « ١٢ / ٥٣٥ » : يمدح المهتدي الذي بايعوه بعد المعتز : « وكان المهتدي أسمر رقيقاً مليح الوجه ، ورعاً ، عادلاً ، صالحاً ، متعبداً ، بطلاً ، شجاعاً ، قوياً في أمر الله ، خليقاً للإمارة ، لكنه لم يجد معيناً ولا ناصراً .. وكان شديد الإشراف على أمر الدواوين ، يجلس بنفسه ويُجلس بين يديه الكتاب

٣٨١

يعملون الحساب .. وقد ضرب جماعة من الكبار ، ونفى جعفر بن محمود إلى بغداد لرفضٍ فيه .. وفي أوائل خلافته عَبَّأ موسى بن بغا جيشه ، وشهر السلاح بسامراء لقتل صالح بن وصيف بدم المعتز ، ولأخذه أموال أمه قبيحة وأموال الدواوين .. فهجم بمن معه والمهتدي جالس في دار العدل ، فأقاموه وحملوه على أكدش « بغل » وانتهبوا القصر ..

ثم خرج المهتدي وعليه ثياب بيض وتقلد سيفاً ، وأمر بإدخالهم إليه فقال : قد بلغني شأنكم ، ولست كالمستعين والمعتز ، والله ما خرجت إلا وأنا متحنط وقد أوصيت ، وهذا سيفي فلأضربن به ما استمسك بيدي ، أما دينٌ أما حياءٌ أما رِعَةٌ ؟ كم يكون الخلاف على الخلفاء والجرأة على الله ! فركب المهتدي وصالح بن علي في عنقه المصحف يصيح : أيها الناس ، أنصروا إمامكم ..

وتفلل جمع المهتدي واستحر بهم القتل ، فولى والسيف في يده يقول : أيها الناس قاتلوا عن خليفتكم ، ثم دخل دار صالح بن محمد بن يزداد ، ورمى السلاح ولبس البياض ليهرب من السطح ، وجاء حاجب باكيال فأعلم به ، فهرب فرماه واحد بسهم ونفحه بالسيف ، ثم حمل إلى الحاجب فأركبوه بغلاً وخلفه سائس ، وضربوه وهم يقولون : أين الذهب ؟ فأقرَّ لهم بست مئة ألف دينار مودعة ببغداد ، فأخذوا خطه بها ، وعَصَرَ تركيٌّ على أنثييه فمات ! وقيل : أرادوا منه أن يخلع نفسه فأبى فقتلوه رحمه‌الله ، وبايعوا المعتمد على الله » .

٣٨٢

أقول : نلاحظ أن المهتدي ليس بطلاً كما زعم الذهبي . كما نلاحظ أن الخليفة صار جزءاً من الأطراف التركية المتصارعة ، بل آلةً بيدها !

وأن صراع الأتراك بينهم كان شديداً ، فقد جاء موسى بن بغا من خراسان لينتقم من وصيف ويحاسبه على ثروته الطائلة ، التي حصل عليها !

قتل المهتدي ونصب المعتمد « أحمد بن المتوكل »

حدثت تطورات عديدة بعد شهادة الإمام الهادي عليه‌السلام ، فقد ظهرت حركة الزنج في البصرة ، وحركة الخوارج في الموصل ، وانقسم الترك الى قسمين : قسم مع المهتدي في سامراء بقيادة صالح بن وصيف ، وقسم ضدهم بقيادة موسى بن بغا ، وسيأتي ذلك إن شاء الله في سيرة الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام .

وكانت نهاية المهتدي لأنه حاول أن يوقع بين الأتراك ، فاتفقوا عليه فكشف المهتدي مؤامرتهم ، فقتل القائد بايكباك ، فجاش الترك عليه وهاجموه ، وكانت بينهم معارك انتهت بهزيمة المهتدي وقتله .

قال الطبري « ٧ / ٥٨٢ » : « وفي رجب من هذه السنة « ٢٥٦ » لأربع عشرة ليلة خلت منه خلع المهتدي ، وتوفي يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب .

ذُكر أن ساكني الكرخ بسامرا والدور تحركوا لليلتين خلتا من رجب من هذه السنة يطلبون أرزاقهم ، فوجه إليهم المهتدى طبايغو الرئيس عليهم ، وعبد الله أخا المهتدي ، فكلمهم فلم يقبلوا منهما ، وقالوا نحن نريد أن نكلم أمير المؤمنين

٣٨٣

مشافهة ، وخرج أبو نصر بن بغا تحت ليلته إلى عسكر أخيه وهو بالسن بالقرب من الشاري ، ودخل دار الجوسق جماعة منهم .. » .

ثم ذكر الطبري محاورة المهتدي مع بايكباك ، وكيف قام بقتله وألقى رأسه الى الأتراك فجاشوا واتحدوا ، ليأخذوا منه ثأرهم !

قال الطبري « ٧ / ٥٨٤ » : « فاجتمع جميع الأتراك فصار أمرهم واحداً ، فجاء منهم زهاء عشرة آلاف رجل ، وجاء طوغتيا أخو بايكباك وأحمد بن خاقان حاجب بايكباك في نحو من خمس مائة ، مع من جاء مع طغوتيا من الأتراك والعجم .

وخرج المهتدي ومعه صالح بن علي والمصحف في عنقه يدعو الناس إلى أن ينصروا خليفتهم ، فلما التحم الشر مال الأتراك الذين مع المهتدي إلى أصحابهم الذين مع أخي بايكباك ، وبقي المهتدي في الفراغنة والمغاربة ومن خف معه من العامة ، فحمل عليهم طغوتيا أخو بايكباك حملة ثائر حران موتور فنقض تعبيتهم وهزمهم ، وأكثر فيهم القتل وولوا منهزمين ، ومضى المهتدي يركض منهزماً والسيف في يده مشهور ، وهو ينادى يا معشر الناس أنصروا خليفتكم ! حتى صار إلى دار أبي صالح عبد الله بن محمد بن يزداد وهو بعد خشبة بابك ، وفيها أحمد بن جميل صاحب المعونة ، فدخلها ووضع سلاحه ولبس البياض ليعلوداراً وينزل أخرى ويهرب ، فطلب فلم يوجد .

وجاء أحمد بن خاقان في ثلاثين فارساً يسأل عنه ، حتى وقف على خبره في دار ابن جميل ، فبادرهم ليصعد فرُمِيَ بسهم وبُعِج بالسيف ، ثم حمله أحمد بن خاقان على دابة أو بغل ، وأردف خلفه سائساً حتى صار به إلى داره ، فدخلوا عليه فجعلوا يصفعونه ويبزقون في وجهه ، وسألوه عن ثمن ما باع من المتاع والخرثي ، فأقر لهم بست مائة

٣٨٤

ألف قد أودعها الكرخي الناس ببغداد ، وأصابوا عنده خَسَف الواضحة ، مغنية ، فأخذوا رقعته بست مائة ألف دينار . ودفعوه إلى رجل فوطأ على خصييه حتى قتله » !

أخبار الإمام الهادي عليه‌السلام في عهد المستعين والمعتز

اتضح بما تقدم أن الخلافة كانت بعد المعتز للمهتدي ، ثم للمعتمد ، وكانت شهادة الإمام الهادي عليه‌السلام سنة ٢٥٤ ، في خلافة المعتز ، قبل المعتمد . فعبارة : سمه المعتمد ، التي وردت في سيرته عليه‌السلام تصحيفٌ أو لأن المعتمد كان منفذاً .

وفي مناقب آل أبي طالب « ٣ / ٥٣٠ » : « علي بن محمد بن زياد الصيمري قال : دخلت على أبي أحمد بن عبد الله بن طاهر ، وفي يديه رقعة أبي محمد عليه‌السلام فيها : إني نازلت الله في هذا الطاغي يعني المستعين ، وهو آخذه بعد ثلاث ، فلما كان اليوم الثالث خلع ، وكان من أمره ما كان ، إلى أن قتل » .

وزمن هذه الحادثة لا بد أن يكون سنة ٢٥٢ ، وأن يكون أبا محمد ورد فيها بدل أبا الحسن عليه‌السلام لأن المستعين خلع نفسه في هذه السنة ، ثم قتلوه .

والرواية تدل على أن المستعين كان يؤذي الإمام الهادي عليه‌السلام ويستهدفه فدعا عليه ، وأخبر أن دعاءه يستجاب بعد ثلاثة أيام !

كما توجد حادثة رويت على أنها للمستعين مع الإمام العسكري عليه‌السلام ، فلا بد أن تكون في حياة الإمام الهادي عليه‌السلام أيضاً ، لأن المستعين مات قبل شهادته عليه‌السلام .

وقد رواها الكليني « ١ / ٥٠٧ » وخلاصتها أن المستعين كان عنده بغلٌ عجزت الرَّاضَةُ عن ترويضه ، فقال له بعض ندمائه : يا أمير المؤمنين ألا تبعث إلى الحسن

٣٨٥

بن الرضا حتى يجئ ، فإما أن يركبه وإما أن يقتله فتستريح منه ، قال : فبعث إلى أبي محمد ومضى معه أبي فقال أبي : لما دخل أبو محمد الدار كنت معه فنظر أبو محمد إلى البغل واقفاً في صحن الدار ، فعدل إليه فوشَّع بيده على كفله ، قال فنظرت إلى البغل وقد عرق حتى سال العرق منه ، ثم صار إلى المستعين فسلم عليه فرحب به وقرب ، فقال : يا أبا محمد ألجم هذا البغل .. » ثم تقول الرواية : إنه ألجمه وأسرجه وركبه ، فتعجب الخليفة ووهبه له .

ومعناها أن المستعين دبَّرَ هذه المكيدة للإمام الحسن العسكري عليه‌السلام أو أراد أن يمتحن مقامه عند الله تعالى ، وهل يخضع له البغل الشموس .

وبما أن المستعين مات بدعوة الإمام الهادي فلا بد أن تكون القصة في حياته عليه‌السلام وربما كانت معه هو ، وجعلها الراوي مع ولده الحسن عليه‌السلام . أو يكون الخليفة الذي هو طرفها ، غير المستعين .

* *

٣٨٦

الفصل الرابع عشر :

من معجزات الإمام الهادي عليه‌السلام

الأئمة أفضل أوصياء الأنبياء عليهم‌السلام

لكل واحد من الأئمة عليهم‌السلام معجزات كثيرة ، وقد حفظ الرواة للإمام الهادي عليه‌السلام أكثر من مئة معجزة ، وتقدم عددٌ منها ، ونورد فيما يلي عدداً آخر ، ونذكر قبلها حديثاً يصف ما أعطى الله تعالى لأئمة العترة النبوية .

قال النوفلي « الكافي : ١ / ٢٣١ » : « سمعته عليه‌السلام يقول : إسم الله الأعظم ثلاثةٌ وسبعون حرفاً ، كان عند آصف حرفٌ فتكلم به ، فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ ، فتناول عرش بلقيس حتى صيَّره إلى سليمان عليه‌السلام ، ثم انبسطت الأرض في أقل من طرفة عين ، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفاً . وحرفٌ عند الله مستأثرٌ به في علم الغيب » .

وفي عيون أخبار الرضا عليه‌السلام « ١ / ١٩٢ » : « للإمام علامات : يكون أعلم الناس ، وأحكم الناس ، وأتقى الناس ، وأحلم الناس ، وأشجع الناس ، وأسخى الناس ، وأعبد الناس ، ويولد مختوناً ويكون مطهراً ، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه ، ولا يكون له ظل ، وإذا وقع إلى الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعاً صوته بالشهادتين ، ولا يحتلم ، وتنام عينه ولا ينام قلبه ، ويكون محدثاً ، « تحدثه الملائكة » ويكون دعاؤه مستجاباً حتى أنه لودعا على صخره لانشقت بنصفين .. إن الإمام مؤيدٌ بروح القدس ، وبينه وبين الله عمودٌ من نور ، يرى فيه أعمال العباد وكلما احتاج إليه .. يبسط له فيعلم ، ويقبض عنه فلا يعلم » .

٣٨٧

يحيى بن هرثمة يحدث بمعجزات الإمام عليه‌السلام

يوجد قبر في ضواحي مشهد الإمام الرضا عليه‌السلام يزوره الناس ويسمونه : خاجه مراد ، فقصدناه ووجدنا مكتوباً عليه أنه قبر هرثمة بن أعين ، وقيل قبر يحيى بن هرثمة . فندمنا على سفرنا لأنا لا نزور قبر هرثمة وأمثاله من قادة جيش العباسيين ! فقد كان يحيى كأبيه هرثمة قائداً عند المتوكل ، ينفذ أوامره القذرة في قتل المسلمين ، ثم واصل ذلك مع غيره من الخلفاء . ولا يوجد ليحيى حسنة في تاريخه إلا روايته لمعجزات الإمام الهادي عليه‌السلام ! وقوله إنه تاب وأناب عندما رآها ، وهو مجرد قول بلا عمل .

قال الطبري « ٧ / ٤٧٩ » : « وفيها « سنة ٣٤٨ » كانت وقعة بين يحيى بن هرثمة وأبي الحسين بن قريش ، قتل من الفريقين جماعة ، ثم انهزم أبو الحسين بن قريش » .

وقد أورد السيد الخوئي في معجمه « ٢١ / ١٠٢ » رواية تشيعه ولم يعلق بشئ .

ووصفه في مستدرك سفينة البحار « ٣ / ٢٨ » بحُسْنُ الخاتمة , ولا نعرف له حسنةً إلا روايته لما شاهد من معجزات الإمام الهادي عليه‌السلام ، وذلك بعد موت المتوكل .

١. ظهر الماء في الصحراء ورويت القافلة :

قال المسعودي في إثبات الوصية « ١ / ٢٣٢ » : « وروي عن يحيى بن هرثمة قال : رأيت من دلائل أبي الحسن عليه‌السلام الأعاجيب في طريقنا . منها : أنا نزلنا منزلاً لا ماء فيه فأشفينا ودوابنا وجمالنا من العطش على التلف ، وكان معنا جماعة وقوم قد تبعونا من أهل المدينة ، فقال أبو الحسن عليه‌السلام : كأني أعرف على أميال موضع ماء . فقلنا له : إن نشطت وتفضلت عدلت بنا إليه وكنا معك . فعدل بنا عن الطريق فسرنا نحو ستة أميال « نحو عشرة كيلومتر » فأشرفنا على واد كأنه زهر الرياض فيه

٣٨٨

عيون وأشجار وزروع ، وليس فيها زارع ولا فلاح ولا أحد من الناس ، فنزلنا وشربنا وسقينا دوابنا ، وأقمنا الى بعد العصر ثم تزودنا وارتوينا ، وما معنا من القرب ورحنا راحلين . فلم نبعد أن عطشتُ وكان لي مع بعض غلماني كوز فضة يشده في منطقته . وقد استسقيته فلجلج لسانه بالكلام ، ونظرتُ فإذا هو قد أنسي الكوز في المنزل الذي كنا فيه . فرجعت أضرب بالسوط على فرس لي جواد سريع وأغذ السير ، حتى أشرفت على الوادي فرأيته جدباً يابساً ، قاعاً مَحْلاً ، لاماء فيه ولا زرع ولاخضرة ، ورأيت موضع رحالنا وروث دوابنا وبعر الجمال ومناخاتهم ، والكوز موضوع في موضعه الذي تركه الغلام ! فأخذته وانصرفت ولم أعَرِّفْه شيئاً من الخبر . فلما قربت من القطر والعسكر وجدته عليه‌السلام واقفاً ينتظر فتبسم صلى الله عليه ولم يقل لي شيئاً ، ولا قلت له سوى ما سأل من وجود الكوز فأعلمته أني وجدته !

٢. عرف الإمام بموعد نزول المطر في الصيف :

قال يحيى : وخرج في يوم صائف آخر ونحن في ضحو وشمس حاميةٌ تُحرق ، فركب من مضربه وعليه ممطر ، وذنبُ دابته معقودٌ وتحته لبدٌ طويل ، فجعل كل من في العسكر وأهل القافلة يضحكون تعجباً ويقولون : هذا الحجازي ليس يعرف الرأي ، فما سرنا أميالاً حتى ارتفعت سحابة من ناحية القبلة وأظلمت وأظلتنا بسرعة ، وأتى من المطر الهاطل كأفواه القرب ، فكدنا أن نتلف وغرقنا حتى جرى الماء من ثيابنا الى أبداننا وامتلأت خفافنا ، وكان أسرع وأعجل من

٣٨٩

أن يمكن أن نحط ونخرج اللبابيد ، فصرنا شهرةً ، وما زال عليه‌السلام يتبسم تبسماً ظاهراً تعجباً من أمرنا » . « إثبات الوصية / ٢٣٤ » .

٣. الإمام يشفي عين طفل ويرد بصره :

قال يحيى : وصارت إليه في بعض المنازل امرأة معها ابنٌ لها أرمدُ العين ، ولم تزل تستذل وتقول : معكم رجل علوي دُلوني عليه حتى يرقي عين ابني هذا . فدللناها عليه ففتح عين الصبي حتى رأيتها ولم أشك أنها ذاهبة ، فوضع يده عليها لحظة يحرك شفتيه ثم نحاها فإذا عين الغلام مفتوحة صحيحة ما بها علة » !

٤. رواية أخرى لحادثة المطر في الصيف :

في الخرائج « ١ / ٣٩٢ » والثاقب لابن حمزة / ٥٥١ ، عن يحيى بن هرثمة ، قال : « دعاني المتوكل فقال : إختر ثلاث مائة رجل ممن تريد ، واخرجوا إلى الكوفة ، فخلفوا أثقالكم فيها ، واخرجوا على طريق البادية إلى المدينة فأحضروا علي بن محمد بن الرضا إلى عندي مكرماً معظماً مبجلاً . قال : ففعلت وخرجنا . وكان في أصحابي قائد من الشراة « الخوارج » وكان لي كاتب يتشيع ، وأنا على مذهب الحشوية « أهل الحديث » وكان ذلك الشاري يناظر ذلك الكاتب ، وكنت أستريح إلى مناظرتهما لقطع الطريق . فلما صرنا إلى وسط الطريق قال الشاري للكاتب : أليس من قول صاحبكم علي بن أبي طالب أنه ليس من الأرض بقعة إلا وهي قبر أو ستكون قبراً ؟ فانظر إلى هذه البرية أين من يموت فيها حتى يملأها الله قبوراً كما تزعمون ؟ قال فقلت للكاتب : أهذا من قولكم ؟ قال : نعم . قلت : صدق . أين

٣٩٠

من يموت في هذه البرية العظيمة حتى تمتلئ قبوراً ؟! وتضاحكنا ساعة ، إذ انخذل الكاتب في أيدينا . قال : وسرنا حتى دخلنا المدينة ، فقصدت باب أبي الحسن علي بن محمد بن الرضا فدخلت إليه ، فقرأ كتاب المتوكل فقال : إنزلوا وليس من جهتي خلاف . قال : فلما صرت إليه من الغد ، وكنا في تموز أشد ما يكون من الحر ، فإذا بين يديه خياطٌ وهو يقطع من ثياب غلاظ خفاتين « الخفتان : معطف وهو القفطان » له ولغلمانه ، ثم قال للخياط : إجمع عليها جماعة من الخياطين ، واعمد على الفراغ منها يومك هذا ، وبكر بها إليَّ في هذا الوقت . ثم نظر إلي وقال : يا يحيى ، إقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم ، واعمل على الرحيل غداً في هذا الوقت .

قال : فخرجت من عنده وأنا أتعجب منه من الخفاتين ، وأقول في نفسي : نحن في تموز وحر الحجاز ، وإنما بيننا وبين العراق مسيرة عشرة أيام ، فما يصنع بهذه الثياب ! ثم قلت في نفسي : هذا رجل لم يسافر ، وهو يقدر أن كل سفر يحتاج فيه إلى هذه الثياب ، وأتعجب من الرافضة حيث يقولون بإمامة هذا مع فهمه هذا . فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت فإذا الثياب قد أحضرت ، فقال لغلمانه : أدخلوا وخذوا لنا معكم لبابيد وبرانس . ثم قال : إرحل يا يحيى .

فقلت في نفسي : وهذا أعجب من الأول ، أيخاف أن يلحقنا الشتاء في الطريق حتى أخذ معه اللبابيد والبرانس ! فخرجت وأنا أستصغر فهمه .

٣٩١

فسرنا حتى وصلنا إلى موضع المناظرة في القبور ارتفعت سحابة واسودَّت وأرعدت وأبرقت ، حتى إذا صارت على رؤوسنا أرسلت علينا بَرَداً مثل الصخور ، وقد شدَّ على نفسه وعلى غلمانه الخفاتين ، ولبسوا اللبابيد والبرانس ، وقال لغلمانه : إدفعوا إلى يحيى لبادة ، وإلى الكاتب برنساً .

وتجمعنا والبَرَد يأخذنا حتى قتل من أصحابي ثمانين رجلاً ، وزالت ورجع الحرُّ كما كان ، فقال لي : يا يحيى إنزل أنت ومن بقي من أصحابك ليدفنوا من قد مات من أصحابك . ثم قال : فهكذا يملأ الله هذه البرية قبوراً !

قال : فرميت بنفسي عن دابتي وعدوت إليه فقبَّلت ركابه ورجله ، وقلت : أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، وأنكم خلفاء الله في أرضه ، وقد كنتُ كافراً ، وإنني الآن قد أسلمت على يديك يا مولاي . قال يحيى : وتشيعت ، ولزمت خدمته إلى أن مضى » .

ملاحظة

شَنَّعَ ذلك الخارجي على زميله الكاتب الشيعي بما رويَ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « ليس من الأرض بقعة إلا وهي قبر ، أو ستكون قبراً » ولم أجد هذا الحديث في المصادر المعروفة . لكن معناه صحيح فكل بقعة ، أي كل نوع من الأرض فيه قبور أو سيكون فيه ، وليس معناه أن كل مكان في الأرض قبرٌ أو سيكون قبراً .

قال الخليل في العين « ١ / ١٨٤ » : « البَقْعُ : لونٌ يخالف بعضه بعضاً ، مثل الغراب الأسود في صدره بياض ، غراب أبقع ، وكلب أبقع . والبقعة : قطعة من أرض على غير هيئة التي على جنبها ، كل واحدة منها بقعة وجمعها بقاع وبقع » .

٣٩٢

على أن كل تستعمل للتعميم النسبي ، فقد روي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى عن اليهود : وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ . « الأعراف : ١٦٨ » قال : « هم اليهود بسطهم الله في الأرض ، فليس من الأرض بقعة إلا وفيها عصابة منهم وطائفة » . « تفسير ابن أبي حاتم : ٥ / ١٦٠٥ » وبهذا المعنى وردت البقعة في حديث المهدي عليه‌السلام : « وينزل روح الله عيسى بن مريم عليه‌السلام فيصلي خلفه ، وتشرق الأرض بنور ربها ولا تبقى في الأرض بقعة عبد فيها غير الله عز وجل إلا عبد الله فيها » . « كمال الدين : ٢ / ٣٤٥ » .

وقصد الخارجي من تشنيعه على الكاتب ، تكذيب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولعل الكاتب شكى الى الإمام الهادي عليه‌السلام سخريتهم به ، فأجرى الله على يد عليه‌السلام هذه الكرامة لتصديق ما رواه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام !

أما قول ابن هرثمة : وتشيعت ، ولزمت خدمته إلى أن مضى . فادعاء لم يصح !

٥. رواية ثانية لظهور الماء وريَّ القافلة :

في الخرائج « ١ / ٤١٥ » : « روى أبومحمد البصري ، عن أبي العباس خال شبل كاتب إبراهيم بن محمد ، قال : كلما أجرينا ذكر أبي الحسن عليه‌السلام فقال لي : يا أبا محمد لم أكن في شئ من هذا الأمر وكنت أعيب على أخي ، وعلى أهل هذا القول عيباً شديداً بالذم والشتم ، إلى أن كنت في الوفد الذين أوفد المتوكل إلى المدينة في إحضار أبي الحسن عليه‌السلام فخرجنا إلى المدينة ، فلما خرج وصرنا في بعض الطريق ، طوينا المنزل وكان يوماً صائفاً شديد الحر ، فسألناه أن ينزل قال : لا .

فخرجنا ولم نطعم ولم نشرب ، فلما اشتد الحر والجوع والعطش فينا ، ونحن إذ ذاك في أرض ملساء لا نرى شيئاً ولا ظلاً ولا ماء نستريح إليه ، فجعلنا نشخص

٣٩٣

بأبصارنا نحوه . فقال : ما لكم أحسبكم جياعاً وقد عطشتم ؟ فقلنا : إي والله ، وقد عيينا يا سيدنا . قال : عَرِّسُوا « إنزلوا » وكلوا واشربوا .

فتعجبت من قوله ونحن في صحراء ملساء لا نرى فيها شيئاً نستريح إليه ، ولا نرى ماءً ولا طلاً . قال : ما لكم ! عَرِّسُوا . فابتدرت إلى القطار لأنيخ ثم التفتُّ وإذا أنا بشجرتين عظيمتين يستظل تحتهما عالمٌ من الناس ، وإني لأعرف موضعهما أنه أرض بَرَاحٌ قفرٌ ، وإذا أنا بعين تسيح على وجه الأرض أعذب ماء وأبرده ! فنزلنا وأكلنا وشربنا واسترحنا ، وإن فينا من سلك ذلك الطريق مراراً !

فوقع في قلبي ذلك الوقت أعاجيب ، وجعلت أحد النظر إليه وأتأمله طويلاً ، وإذا نظرت إليه تبسم وزوى وجهه عني ، فقلت في نفسي : والله لأعرفن هذا كيف هو ؟ فأتيت من وراء الشجرة فدفنت سيفي ووضعت عليه حجرين ، وتغوطت في ذلك الموضع ، وتهيأت للصلاة .

فقال أبوالحسن : استرحتم ؟ قلنا : نعم ، قال : فارتحلوا على اسم الله ، فارتحلنا فلما أن سرنا ساعة رجعت على الأثر فأتيت الموضع فوجدت الأثر والسيف كما وضعت والعلامة ، وكأن الله لم يخلق ثم شجرةً ولا ماءً وظلالاً ولا بللاً ! فتعجبت ورفعت يدي إلى السماء فسألت الله بالثبات على المحبة والإيمان به والمعرفة منه . وأخذت الأثر ولحقت القوم ، فالتفت إليَّ أبوالحسن عليه‌السلام وقال : يا أبا العباس فعلتها ؟ قلت : نعم يا سيدي ، لقد كنت شاكاً ، ولقد أصبحت وأنا

٣٩٤

عند نفسي من أغنى الناس بك في الدنيا والآخرة . فقال : هو كذلك ، هم معدودون معلومون ، لا يزيدون رجلاً ولا ينقصون رجلاً » .

أقول : لم أجد ترجمة أبي العباس خال كاتب إبراهيم بن محمد ، والظاهر أن إبراهيم بن محمد هذا هو العباسي المسمى بُرَيْه ، وقد ذكر الطبري « ٦ / ٤٧٢ و ٦٠٤ ، و : ٨ / ١٥ » أنه كان والياً على الحرمين ، وأنه حج بالناس سنة ٢٥٩ .

٦. ما ظهر للفتح بن يزيد الجرجاني :

في إثبات الوصية « ١ / ٢٣٥ » : « وروى الحميري قال : حدثني أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن الفتح بن يزيد الجرجاني قال : ضمني وأبا الحسن عليه‌السلام الطريق لما قدم به المدينة فسمعته في بعض الطريق يقول : من اتقى الله يتقى ومن أطاع الله يطاع .

فلم أزل أدلف حتى قربت منه ودنوت ، فسلمت عليه ورد عليَّ السلام فأول ما ابتدأني أن قال لي : يا فتح من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوقين ، ومن أسخط الخالق فليوقن أن يحل به سخط المخلوقين .

يا فتح إن الله جل جلاله لايوصف إلا بما وصف به نفسه ، فأنى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه ، والأوهام أن تناله ، والخطرات أن تحده ، والأبصار أن تحيط به ، جل عما يصفه الواصفون ، وتعالى عما ينعته الناعتون ، نأى في قربه وقرب في نأيه ، فهو في نأيه قريب ، وفي قربه بعيد ، كيَّفَ الكيف فلا يقال كيف ، وأيَّنَ الأين فلا يقال أين ، إذ هو منقطع الكيفية والأينية ، الواحد الأحد جل جلاله ، بل كيف يوصف بكنهه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد قرن الخليل اسمه باسمه وأشركه

٣٩٥

في طاعته وأوجب لمن أطاعه جزاء طاعته ، فقال : وما نقموا منه إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله . وقال تبارك اسمه يحكي قول من ترك طاعته : يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا . أم كيف يوصف من قرن الجليل طاعته بطاعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث يقول : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم .

يا فتح كما لا يوصف الجليل جل جلاله ، ولايوصف الحجة ، فكذلك لا يوصف المؤمن المسلم لأمرنا . فنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل الأنبياء ووصينا صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل الأوصياء . ثم قال لي بعد كلام : فأورد الأمر إليهم وسلم لهم . ثم قال لي : إن شئت . فانصرفت منه . فلما كان في الغد تلطفت في الوصول إليه فسلمت فرد السلام فقلت : يا ابن رسول الله تأذن لي في كلمة اختلجت في صدري ليلتي الماضية ؟

فقال لي : سل وأصخْ الى جوابها سمعك ، فإن العالم والمتعلم شريكان في الرشد ، مأموران بالنصيحة ، فاما الذي اختلج في صدرك فإن يشأ العالم أنبأك الله ، إن الله لم يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول ، وكل ما عند الرسول فهو عند العالم ، وكل ما اطلع الرسول عليه فقد اطلع أوصياؤه عليه .

يا فتح : عسى الشيطان أراد اللبس عليك فأوهمك في بعض ما أوردت عليك وأشكَّكَ في بعض ما أنبأتك ، حتى أراد إزالتك عن طريق الله وصراطه المستقيم ! فقلتَ متى أيقنت أنهم هكذا فهم أرباب ! معاذ الله ، إنهم مخلوقون مربوبون مطيعون داخرون راغمون . فإذا جاءك الشيطان بمثل ما جاءك به فاقمعه بمثل

٣٩٦

ما نبأتك به . قال فتح : فقلت له : جعلني الله فداك فرجت عني ، وكشفت ما لبَّسَ الملعون عليَّ ، فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب .

قال : فسجد عليه‌السلام فسمعته يقول في سجوده : راغماً لك يا خالقي داخراً خاضعاً .

ثم قال : يا فتح كدت أن تهلك وما ضر عيسى إن هلك من هلك . إذا شئت رحمك الله . قال : فخرجت وأنا مسرور بما كشف الله عني من اللبس .

فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه وهو متكئ وبين يديه حنطة مقلوة يعبث بها ، وقد كان أوقع الشيطان لعنه الله في خلدي أنه لاينبغي أن يأكلوا ولا يشربوا . فقال : أجلس يا فتح ، فإن لنا بالرسل أسوة ، كانوا يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق ، وكل جسم متغذٍّ إلا خالق الأجسام الواحد الأحد ، منشئ الأشياء ومجسم الأجسام وهو السميع العليم . تبارك الله عما يقول الظالمون وعلا علواً كبيراً . ثم قال : إذا شئت رحمك الله » .

٧. قال البغدادون : أقبل بيت الله الحرام :

في إثبات الوصية « ١ / ٢٣٦ » : « وقُدم به عليه‌السلام بغداد وخَرج إسحاق بن إبراهيم وجملة القواد فتلقوه ، فحدث أبوعبد الله محمد بن أحمد الحلبي القاضي قال : حدثني الخضر بن محمد البزاز وكان شيخاً مستوراً ثقة ، يقبله القضاة والناس قال : رأيت في المنام كأني على شاطئ دجلة بمدينة السلام في رحبة الجسر والناس مجتمعون خلق كثير يزحم بعضهم بعضاً ، وهم يقولون : قد أقبل بيت الله الحرام .

٣٩٧

فبينا نحن كذلك إذ رأيت البيت بما عليه من الستائر والديباج والقَباطي ، قد أقبل ماراً على الأرض ، يسير حتى عبر الجسر ، من الجانب الغربي الى الجانب الشرقي ، والناس يطوفون به وبين يديه حتى دخل دار خزيمة ، وهي التي آخر من ملكها بعد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر القمي ، وأبوبكر الفتى بن أخت إسماعيل بن بلبل بدر الكبير الطولوي ، المعروف بالحمامي ، فإنه أقطعها .

فلما كان بعد أيام خرجت في حاجة ، حتى انتهيت الى الجسر ، فرأيت الناس مجتمعين وهم يقولون : قد قدم ابن الرضا من المدينة ، فرأيته قد عبر من الجسر على شهري تحته كبير ، يسير عليه المسير رفيقاً ، والناس بين يديه وخلفه ، وجاء حتى دخل دار خزيمة بن حازم ، فعلمت أنه تأويل الرؤيا التي رأيتها .

ثم خرج الى سر من رأى فتلقاه جملة من أصحاب المتوكل حتى دخل إليهم ، فأعظمه وأكرمه ومهد له . ثم انصرف عنه الى دار أعدت له وأقام بسر من رأى » .

أقول : يدلك هذا على علاقة الناس العقائدية العميقة بالإمام الهادي عليه‌السلام ، فالبزاز هذا من علماء العامة ، وقد رأى هذا المنام عن الإمام عليه‌السلام .

٨. عرف الإمام عليه‌السلام ما في ضميره فاستبصر :

في إثبات الوصية « ١ / ٢٣٧ » : « وروى احمد بن محمد بن قابنداذ الكاتب الإسكافي قال : تقلدت ديار ربيعة وديار مضر ، فخرجت وأقمت بنصيبين ، وقلدت عمالي وأنفذتهم الى نواحي أعمالي ، وتقدمت أن يحمل اليَّ كل واحد منهم كل من يجده في عمله ممن له مذهب ، فكان يردُ علي في اليوم الواحدُ والإثنان والجماعة منهم ،

٣٩٨

فأسمع منهم وأعامل كل واحد بما يستحقه . فأنا ذات يوم جالسٌ إذ ورد كتاب عامل بكفرتوثي يذكر أنه قد وجه إليَّ برجل يقال له إدريس بن زياد ، فدعوت به فرأيته وسيماً قسيماً قبلته نفسي ، ثم ناجيته فرأيته ممطوراً ورأيته من المعرفة بالفقه والأحاديث على ما أعجبني ، فدعوته الى القول بإمامة الإثني عشر عليهم‌السلام فأبى وأنكر عليَّ ذلك وخاصمني فيه !

وسألته بعد مقامه عندي أياماً أن يهب لي زَوْرَةً الى سر من رأى لينظر الى أبي الحسن عليه‌السلام وينصرف فقال لي : أنا أقضي حقك بذلك .

وشخص بعد أن حملته ، فأبطأ عني وتأخر كتابه ، ثم إنه قدم فدخل إليَّ فأول ما رآني أسبل عينيه بالبكاء ، فلما رأيته باكياً لم أتمالك حتى بكيت ، فدنا مني وقبل يدي ورجلي ثم قال : يا أعظم الناس منةً ، نجيتني من النار وأدخلتني الجنة .

وحدثني فقال لي : خرجت من عندك وعزمي إذا لقيت سيدي أبا الحسن عليه‌السلام أن أسأله من مسائل ، وكان فيما أعددته أن أسأله عن عرق الجنب ، هل يجوز الصلاة في القميص الذي أعرق فيه وأنا جنب أم لا ؟ فصرت الى سر من رأى ، فلم أصل إليه وأبطأ من الركوب لعلة كانت به ، ثم سمعت الناس يتحدثون بأنه يركب ، فبادرت ففاتني ودخل دار السلطان فجلست في الشارع ، وعزمت أن لا أبرح أو ينصرف . واشتد الحرُّ عليَّ فعدلت الى باب دار فيه ، فجلست أرقبه ونعست فحملتني عيني فلم أنتبه إلا بمقرعة قد وضعت على كتفي ، ففتحت عيني فإذا هو مولاي أبوالحسن عليه‌السلام واقف على دابته ، فوثبت فقال لي : يا إدريس

٣٩٩

أما آن لك ؟ فقلت : بلى يا سيدي . فقال : إن كان العرق من حلال فحلال ، وإن كان من حرام فحرام . من غير أن أسأله ، فقلت به وسلمت لأمره » .

أقول : قول الإمام عليه‌السلام : أما آن لك يدل على أنه رأى منه آيات قبل أن يجيبه على ما في نفسه . لكنه لم يذكرها في هذا الحديث .

٩. النصراني الكاتب مع الإمام الهادي عليه‌السلام :

في الخرائج « ١ / ٣٩٦ » : « عن هبة الله بن أبي منصور الموصلي ، قال : كان بديار ربيعة كاتب لنا نصراني وكان من أهل كفرتوثا ، يسمى يوسف بن يعقوب ، وكان بينه وبين والدي صداقة . قال : فوافى ونزل عند والدي فقال ما شأنك قدمت في هذا الوقت ؟ قال : قد دعيتُ إلى حضرة المتوكل ، ولا أدري ما يراد مني ، إلا أني قد اشتريت نفسي من الله تعالى بمائة دينار ، قد حملتها لعلي بن محمد بن الرضا ، معي ! فقال له والدي : وفقت في هذا . قال : وخرج إلى حضرة المتوكل وانصرف إلينا بعد أيام قلائل فرحاً مستبشراً ، فقال له أبي : حدثني بحديثك .

قال : سرت إلى سر من رأى وما دخلتها قط ، فنزلت في دار وقلت : يجب أن أوصل المائة دينار إلى أبي الحسن بن الرضا عليه‌السلام قبل مصيري إلى باب المتوكل ، وقبل أن يعرف أحد قدومي . قال : فعرفت أن المتوكل قد منعه من الركوب وأنه ملازم لداره ، فقلت : كيف أصنع ؟ رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا ! لا آمن أن ينذر بي فيكون ذلك زيادة فيما أحاذره . قال : فتفكرت ساعة في ذلك ، فوقع في قلبي أن أركب حماري وأخرج من البلد ، ولا أمنعه من حيث يريد ،

٤٠٠