فهجموا علينا وقصدوا المتوكل ، وصعد باغر وآخر إلى السرير فصاح الفتح : ويلكم مولاكم ! وتهارب الغلمان والجلساء والندماء وبقي الفتح ، فما رأيت أحداً أقوى نفساً منه ، بقي يمانعهم ، فسمعت صيحة المتوكل إذ ضربه باغر بالسيف المذكور على عاتقه فقدَّه إلى خاصرته ، وبعج آخر الفتح بسيفه فأخرجه من ظهره وهو صابرٌ لايزول ، ثم طرح نفسه على المتوكل فماتا ، فَلُفَّا في بساط ثم دفنا معاً . وكان بُغا الصغير استوحش من المتوكل لكلام ، وكان المنتصر يتألف الأتراك ، لا سيما من يُبعده أبوه » .
وتقدم من سمط النجوم « ٣ / ٤٦٦ » : « فضربهما باغر ضربة ثانية فماتا جميعاً ، فلفهما معا في بساط ، ومضى هو ومن معه ، ولم ينتطح في ذلك عنزان » .
أقول : لم ينتطح في المتوكل عنزان ، لأن غير الأتراك لا قرونَ لهم ، والأتراك أصحاب القرون أمسكوا برقبة الخلافة ، ينصبون من يعجبهم ويعزلون من لا يعجبهم .
سيطرة المماليك على خلافة العباسيين !
كان شراء المماليك في زمن بني أمية رائجاً ، ففي تاريخ الطبري « ٥ / ٥٣٣ » : « وفي هذه السنة « ١٢٥ هجرية » كتب يوسف بن عمر « والي العراق الأموي » إلى نصر بن سيار « والي خراسان » يأمره بالقدوم عليه ، ويحمل معه ما قدر عليه من الهدايا والأموال .. فلما أتى نصراً كتابه ، قسَّم على أهل خراسان الهدايا ، وعلى عماله « أي شراءها » فلم يدع بخراسان جارية ولا عبداً ، ولا برذوناً فارهاً إلا أعده ، واشترى ألف مملوك وأعطاهم السلاح ، وحملهم على الخيل .
قال : وقال بعضهم كان قد أعد خمس مائة وصيفة ، وأمر بصنعة أباريق الذهب والفضة وتماثيل الظباء ورؤوس السباع والأيايل وغير ذلك ، فلما فرغ من ذلك كله كتب إليه الوليد يستحثه فسرح الهدايا حتى بلغ أوائلها ببيهق ، فكتب إليه الوليد يأمره أن يبعث إليه ببرابط وطنابير ، فقال بعض شعرائهم :
أبشرْ يا أمينَ الله |
|
أبشر بتباشيرْ |
بإبلٍ يحُمل الما |
|
لُ عليها كالأنابيرْ |
بغالٌ تحمل الخمرَ |
|
حقائبُها طنابيرْ |
ودَلُّ البربريات |
|
بصوتِ البّمِّ والزِّيرْ |
وقرع الدفِّ أحياناً |
|
ونفخٍ بالمزاميرْ |
فهذا لك في الدنيا |
|
وفي الجنة تحبيرْ » . |
وقال الدكتور شفيق جاسر أحمد في كتابه : المماليك البحرية « ١ / ١٠٩ » : « رُويَ عن أبي جعفر المنصور أنه سأل أحد الأمويين عمن وجدوا عندهم الوفاء بعدما أصابهم ؟ فقال : الموالي ، فقرر المنصور أن يعتمد على مواليه ويستعين بهم . وكان الخليفة المأمون العباسي أول من استكثر من المماليك ، ثم تلاه أخوه المعتصم الذي أراد أن يحد من نفوذ جنوده من الفرس والعرب ، فكون جيشاً أغلبه من التركمان . كان يشتريهم صغاراً ويربيهم ، حتى وصل عددهم إلى عشرين ألفاً » .
وفي الفخري في الآداب السلطانية « ١ / ٢٢٨ » : « وقيل إن المعتصم استكثر من المماليك ، فضاقت بهم بغداد وتأذى بهم الناس وزاحموهم في دورهم ، وتعرضوا للنساء ، فكان في كل يوم ربما قتل منهم جماعة .. وسار إلى موضع سامرا فبناها ، وكان ذلك في سنة إحدى وعشرين ومائتين » .
وفي موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر ، بقلم هيئة التحرير / ٦٢٨ : « يُعد الخليفة المعتصم أول من بدأ بجلب المماليك الأتراك ، ليقوى بهم في الحروب التي واجهته ، وليكونوا موضع ثقته ، بعد أن خاف أن يكون هوى الجند العرب مع منافسيه العلويين » !
أقول : كانت أم المعتصم تركية فكان يجيد التركية ، واعتنى باقتناء غلمان الترك لحراسته : « وكان يجلبهم من بلاد ما وراء النهر ، من سمرقند وفرغانة والسند ، وأشروسنة والشاش والقوقاز ، وأعالي نهر جيحون وخوارزم ونيسابور ومرو ، وبلغاريا الممتدة من بحر قزوين إلى الأدرياتيكي . وراجت بسببه تجارة الرقيق الترك ، ونشط يهود سكسونيا الشرقية ، وأنشؤوا مراكز تجمع للرقيق ، ومراكز خصاء ، فبلغ ما اقتناه المعتصم منهم بضعة عشر ألفاً ، ثم تزايد العدد أضعافاً .
وكانوا يسلمون المماليك إلى فقهاء ليربوهم على الإسلام ، ثم يلحقونهم بالخدمة العسكرية ، ثم يرقُّونهم من الإسطبلات إلى الحراسة الأمنية ، إلى قيادة عشرة ، إلى إمارة السرايا والجيوش » . « تحفة الترك « ١ / ٧ » لنجم الدين الحنفي المتوفى ٧٥٨ » .
وقد راجت تجارة الغلمان خاصة من آسيا الوسطى ، وصار العصابات تسرق الناس لتبيعهم الى الخليفة ووكلائه !
ومن رواياتهم أنهم سرقوا جماعة كان فيهم عالم دين ، فكانوا في طريقهم يَحُلُّون وثاقه ليصلي بهم إماماً ، فقال لهم يوماً : هل يجوز بيع القرآن ؟ قالوا : لا ، فقال : إن الإمام كالقرآن فلا يجوز لكم بيعي فأطلقوني !
فتشاوروا بينهم ثم قالوا له : هل يجوز إهداء القرآن ؟ قال نعم . قالوا له : أنت كالقرآن لا نبيعك بيعاً ، بل نهديك لوكيل الخليفة هديةً !
وكان الخليفة يختار القادة الكبار لجنده ، لكنه كان ملزماً بتعيين من يرضون قيادته ويحبونه ، فكان القائد التركي الناجح هو الذي يكسب رضا الجنود ورضا الخليفة ، ورضا القائد الأكبر منه .
وكان كبار قادة الأتراك : إيتاخ الذي قتله المتوكل ، ووصيف ، وابنه صالح ، وبُغا الصغير ، وبُغا الكبير ، وموسى بن بغا ، وبايكباك ، وأوتامش .. الخ .
أما المستوى الثقافي والسلوكي لهم فكان واطئاً خشناً ، وقل منهم من دخل الإيمان قلبه ، واتصف بالتقوى والورع ، أو تصرف بنبل ومكارم أخلاق . وسترى نماذج من تصرفاتهم وقسوتهم !
أجيال الترك الأوائل لم يدخل الإيمان في قلوبهم
كان غالب المماليك الترك من آسيا الوسطى ، قرب الصين ومنغوليا ، وأصولهم مغولية أو قريبة منها ، وكلهم يقدسون جنكيز خان ، ويرجعون في خلافاتهم الى شريعته المكتوبة بإسم : اليَاسَة !
وحتى الذين أسلموا منهم كانوا يقدسون الياسة ويقبلون أحكامها !
لافرق في ذلك بين مماليك المعتصم ، ومغول هولاكو الذين حكموا العراق ، والمماليك الشراكسة الذين حكموا مصر وسوريا ، فكلهم يقدسون الإلياسة ، ويشربون الخمر ويفعلون الفواحش ، لا تكاد تستثني منهم أحداً !
ولم أجد في ملوكهم صادقاً في إسلامه والتزامه بالشريعة ، مثل محمد خدابنده الذي أسلم على يد نصير الدين الطوسي والعلامة الحلي ، رضي الله عنهم .
أما عامتهم فهم أسرى الثقافة المغولية ، فشبابهم مثلاً يلعبون ألعاب الفروسية ويجعلون جزاء من يخسر أن يلوط به الرابح في ساحة الرماية !
فكان سلطان مصر ابن الظاهر بيبرس يلعب معهم ، وعندما يخسر يفعلون به ! قال في النجوم الزاهرة « ٧ / ٢٥٩ » : « الخامس من ملوك الترك بمصر سميَ بركة خان على اسم جده لأمه بركة خان بن دولة خان الخوارزمي » . حفيد هولاكو .
وفي نهاية ابن كثير « ١٣ / ٣٣٨ » : « غلبت عليه الخاصكية فجعل يلعب معهم في الميدان الأخضر فيما قيل ، فربما جاءت النَّوْبة عليه فينزل لهم « أي يفعلون به » ! فأنكرت الأمراء الكبار ذلك ، وأنِفوا أن يكون مَلِكُهم يلعب مع الغلمان ، ويجعل نفسه كأحدهم ، فراسلوه في ذلك ليرجع عما هو عليه ، فلم يقبل » !
وينبغي التنبيه هنا الى أن طريقتهم التي قتلوا بها أكثر الخلفاء بعصر خصيتيه ، مأخوذة من طريقتهم في ذبح الحيوان بمرس قلبه أو خصيتيه :
قال المقريزي في السلوك « ٣ / ١٠٧ » : « كانوا يعتمدون في ذبح الحيوان أن تكتف قوائمه ويشق جوفه ، ويدخل أحدهم يده إلى قلبه ويهرسه فركاً حتى يموت ، أو يخرج قلبه . ومن ذبح كذبيحة المسلمين ذُبح ! ومن وقع جمله أو فرسه وثقله في كر أوفر ، ومر عليه من يتلوه بعده ، ولم ينزل لمساعدته ، قُتل » .
ويظهر أن اختيارهم هذه الطريقة للمحافظة على دم الذبيحة ، لأنه باعتقادهم غذاءٌ . كما أن عصر الخصيتين لاتظهر فيه آثار القتل على جسد المقتول !
وليس كل أحد يجيد مَرْس الخصيتين ، بل هو تخصص كما يظهر ، حيث ورد في قتلهم للخليفة المهتدي « الطبري : ٧ / ٥٨٢ » : « فدخلوا عليه فجعلوا يصفعونه ويبزقون في وجهه ، وسألوه عن ثمن ما باع من المتاع والخُرْثي « الأثاث » فأقر لهم بست مائة ألف قد أودعها الكرخيُّ الناسَ ببغداد .. فأخذوا رقعته بست مائة ألف دينار ، ودفعوه إلى رجل ، فوطأ على خصييه حتى قتله » .
ويمكن إرجاع بعض أنواع التعذيب في السجون المصرية والعربية ، الى هذه الثقافة . كما أن الذين قتلوا النسائي المحدث ، لأنه ألف كتاباً في فضائل علي عليهالسلام فداسوا خصيتيه ، كانوا شراكسة ، أو مثقفين بثقافتهم !
الخليفة المنتصر بن المتوكل
١. قال الطبري « ٧ / ٣٩٩ » : « وفيها « سنة ٢٤٧ » بويع للمنتصر محمد بن جعفر بالخلافة في يوم الأربعاء لأربع خلون من شوال وهو ابن خمس وعشرين سنة .. حضر الناس الجعفرية من القواد والكتاب والوجوه والشاكرية والجند وغيرهم ، فقرأ عليهم أحمد بن الخصيب كتاباً يخبر فيه عن أمير المؤمنين المنتصر أن الفتح بن خاقان قتل أباه جعفر المتوكل فقتله به ، فبايع الناس . وحضر عبيد الله بن يحيى بن خاقان فبايع ، وانصرف » .
وقال الطبري « ٧ / ٤٠٨ » : « ذكر أن محمداً المنتصر بالله لما استقامت له الأمور قال أحمد بن الخصيب لوصيف وبغا : إنا لا نأمن الحَدَثَان وأن يموت أمير المؤمنين فيلي الأمر المعتز ، فلا يُبقى منا باقية ويُبيد خضراءنا ، والرأي أن نعمل في خلع هذين الغلامين قبل أن يظفرا بنا ، فَجَدَّ الأتراك في ذلك وألحُّوا على المنتصر وقالوا : يا أمير المؤمنين تخلعهما من الخلافة وتبايع لابنك عبد الوهاب ، فلم يزالوا به حتى فعل ، ولم يزل مكرماً المعتز والمؤيد على ميل منه شديد إلى المؤيد » .
وقال المسعودي في التنبيه / ٣١٤ : « وتوفي بسر من رأى لأربع خلون من شهر ربيع الآخر سنة ٢٤٨ ، وله ثمان وعشرون سنة ، مسموماً فيما قيل ، وإن الموالي لما علموا سوء نيته فيهم وأنه على التدبير عليهم بادروه بذلك ، فكانت خلافته ستة أشهر ويوماً . وكان مربوعاً ، حسن الوجه ، أسمر ، مسمناً ، ذا شهامة ومعرفة .
كان المنتصر أظهر الإنصاف في الرعية ، فمالوا إليه مع شدة هيبته .
وقال علي بن يحيى المنجم : ما رأيت مثل المنتصر ، ولا أكرم فعالاً بغير تبجح ، لقد رآني مغموماً فسألني فوريت ، فاستحلفني فذكرت إضاقة في ثمن ضيعة ، فوصلني بعشرين ألفاً . وكان قد أبعد وصيفاً في عسكر إلى ثغر الروم ، وكان قد ألح عليه هو وبغا وابن الخصيب في خلع إخوته ، خوفاً من أن يلي المعتز فيستأصلهم .. فقال المنتصر : أترياني خلعتكما طمعاً في أن أعيش بعدكما حتى يكبر ابني عبد الوهاب وأعهد إليه ! والله ماطمعت في ذلك ، ولكن هؤلاء ألحوا عليَّ وخفت عليكما من القتل . فقبَّلا يده ، وضمَّهما إليه » .
٢. بادر المنتصر الى تطبيق سياسته المخالفة لسياسة أبيه ، فمنع اضطهاد العلويين ورفع حظر زيارة كربلاء وبنى مشهد الحسين عليهالسلام ردَّ فدك الى ورثة فاطمة عليهاالسلام . وأمر قاضي البصرة بالإمساك عن إصدار الأحكام . وعزل والي المدينة ومكة . وأكد على الوالي الجديد احترام العلويين .
قال الطبري « ٧ / ٤١٦ » : « كان أول شئ أحدث من الأمور عَزْلُ صالح عن المدينة وتوليةُ علي بن الحسين بن إسماعيل بن العباس بن محمد إياها ، فذكر عن علي بن الحسين أنه قال : دخلت عليه أودعه ، فقال لي : يا علي إني أوجهك إلى لحمي ودمي ، ومد جلد ساعده وقال : إلى هذا وجهتك ، فانظر كيف تكون للقوم وكيف تعاملهم ، يعني آل أبي طالب . فقلت : أرجو أن أمتثل رأي أمير المؤمنين أيده الله فيهم إن شاء الله ، فقال : إذاً تسعد بذلك عندي » .
وقال المسعودي في مروج الذهب « ٤ / ٥١ » : « وكان آل أبي طالب قبل خلافته في محنة عظيمة وخوف على دمائهم ، قد مُنعوا زيارة قبر الحسين ، والغري من أرض الكوفة ، وكذلك منع غيرهم من شيعتهم حضور هذه المشاهد .. فأمن الناس ، وتقدم بالكف عن آل أبي طالب ، وترك البحث عن أخبارهم ، وأن لا يمنع أحد زيارة الحِير ، لقبر الحسين رضي الله تعالى عنه ، ولا قبر غيره من آل أبي طالب ، وأمر برد فدَكَ إلى ولد الحسن والحسين ، وأطْلَقَ أوقاف آل أبي طالب ، وترك التعرض لشيعتهم ودفع الأذى عنهم » .
وفي مناقب آل أبي طالب « ٢ / ٥٣ » : « فأحسن المنتصر سيرته ، وأعاد التربة في أيامه .
والمعتز حرق المشهد بمقابر قريش على ساكنه السلام » .
وفي مستدرك سفينة البحار « ٢ / ٤٧٦ » : « تاريخ عمارة الحائر الحسيني في كربلاء ، على ما رأيته في بعض المكاتيب واستنسخته في كربلاء : أوله بناء بني أسد لما دفنوا الشهداء مع مولانا الإمام السجاد عليهالسلام ، بنوا على قبورهم الشريفة رسوماً لكي يعرف الزائرون مواضع الزيارة . ثم إن المختار بن أبي عبيدة الثقفي شيد المشهد ، وأسس قرية صغيرة حوله وبقي معموراً . وكان للحائر الحسيني بابان شرقي وغربي يزوره المؤمنون . هكذا إلى أيام خلافة هارون الرشيد ، وهو هَدَمَ البناء حتى أمر بقطع السدرة التي كانت في وسط المشهد الشريف .
ولما تولى المأمون الخلافة ، أمر بإعادة البناء ، وبقي معموراً إلى زمان المتوكل .
وفي سنة ٢٣٧ جرى من المتوكل ما جرى على حائر الحسين عليهالسلام وأرسل ديزج اليهودي ، فأمر بهدم البناء الشريف ، ومنع من زيارته ، كما هو المشهور .
ولما تولى ابنه المنتصر سار على منهج المأمون ، فأمر بإعادة البناء ، وأقام عليه ميلاً لإرشاد الزائرين . وفي سنة ٢٧٣ تداعت بناية المنتصر ، فقام بتجديدها محمد بن زيد القائم بطبرستان . وفي سنة ٣٦٩ بناها عمران بن شاهين مع أحد الأروقة في المشهد المقدس . وفي سنة ٣٧٠ زار عضد الدولة البويهي المشهد الحسيني ، فأمر بتعمير عام في كافة أنحاء المشهد وما حوله .
وفي سنة ٤٠٧ وقعت النار حول الضريح من شمعتين فانهدم ، فقام بإعادتها مع السور الحسن بن الفضل وزير الدولة البويهية .
وفي سنة ٤٦٧ في عهد السلطان أويس أمر بتجديد البناء ، وأكملها ابنه السلطان حسين . وفي سنة ٤٧٩ زار ملك شاه ، فأمر بترميم سور المشهد .
وفي سنة ٩١٤ لما فتح إسماعيل الصفوي بغداد ذهب إلى زيارة مشهد الحسين وأمر بتذهيب حواشي الضريح ، وأهدى اثني عشر قنديلاً من الذهب ، وهذا أول إدخال الذهب على العمارة المقدسة .
وفي سنة ٩٣٢ أهدى السلطان إسماعيل الصفوي الثاني شبكة بديعة الصنع من الفضة ، لتوضع على القبر الشريف .
وفي سنة ٩٨٣ في عهد علي باشا والي بغداد جدد بناء القبة السامية .
وفي سنة ١٠٤٨ شيد السلطان مراد الرابع العثماني للقبة وجصصها من الخارج .
وفي سنة ١١٣٥ أمرت زوجة نادر شاه بتعمير عام فيه وأنفقت له أموالاً كثيرة .
وفي سنة ١٢٢٧ تضعضعت بناية المشهد فكتب أهل كربلاء إلى السلطان فتح علي شاه ، فأمر بتجديدها وتبديل صفائح الذهب وعمل الترسيم ، وأهدى شبكة من الفضة لتوضع على قبر الحسين عليهالسلام وأمر ببناء قبتي الحسين والعباس وتذهيبهما . ويتولى الإنفاق الصدر الأعظم إبراهيم خان الشيرازي ، وكان ذلك في سنة ١٢٥٠ . وفي سنة ١٢٨٧ جاء السلطان ناصر الدين شاه القاجار إلى العراق بدعوة رسمية من الحكومة العثمانية ، فزار ، وأمر بتجديد الأبنية في المشهد الحسيني ، وتبديل صفائح الذهب ، وتذهيب القبة الطاهرة السامية ، واستملك دوراً فأضافها إلى الصحن الشريف من الجهة الغربية » .
هل قتل المنتصر أباه المتوكل ؟
توجد قرائن تشير الى أن المنتصر كان وراء الأتراك في قتلهم لأبيه المتوكل :
منها : ما رواه الطوسي في أماليه / ١٢٨ : « قال أبوالفضل : إن المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة ، فسأل رجلاً من الناس عن ذلك ، فقال له : قد وجب عليه القتل ، إلا أنه من قتل أباه لم يطل له عمر . قال : ما أبالي إذا أطعت الله بقتله ، أن لا يطول لي عمر ، فقتله وعاش بعده سبعة أشهر » . ونحوه في مناقب آل أبي طالب « ٣ / ٢٢١ » .
ومنها : قول اليعقوبي « ٢ / ٤٩٢ » : « وكان المتوكل قد جفا ابنه محمداً المنتصر ، فأغروه به ودبروا على الوثوب عليه ، فلما كان يوم الثلاثاء لثلاث خلون من شوال سنة ٢٤٧ ، دخل جماعة من الأتراك منهم : بغا الصغير ، وأوتامش صاحب المنتصر ، وباغر ، وبغلو ، ويربد ، وواجن ، وسعلفه ، وكنداش ، وكان المتوكل في مجلس خلوة ، فوثبوا عليه فقتلوه بأسيافهم ، وقتلوا الفتح بن خاقان معه » .
فقوله : أغروه به ، وكون أوتامش صاحبه وكان صاحب الكلمة الأولى في خلافته ، قرينةٌ على أن المنتصر هو المدبر والأمر بقتل أبيه .
ومنها : رواية الحضيني : « إن هذا الطاغية يبني مدينة يكون حتفه فيها على يد ابنه المسمى بالمنتصر ، وأعوانه عليه الترك » . « الهداية الكبرى / ٣٢٠ » .
لكن توجد قرائن تقابلها تدل على أن الفاعل الأتراك ، وقد يكون المنتصر على اطلاع :
فمنها : أن الأتراك تحملوا نسبة القتل اليهم ، ولم يتهموا المنتصر .
ومنها : أنهم جاهروا بأن لهم عند المتوكل ثأراً بقتله قائدهم إيتاخ ، وأنه باشر بمصادرة أموال وصيف ، وبنقل صلاحياته الى الفتح بن خاقان .
ومنها : أن المتوكل قَتل إيتاخ في أوائل خلافته ، ومن يومها أخذ الأتراك يعملون للثأر منه ، قال المسعودي في مروج الذهب « ٤ / ٣٣ » : « كان الأتراك قد رأوا أن يقتلوا المتوكل بدمشق ، فلم يمكنهم فيه حيلة بسبب بُغا الكبير ، فإنهم دبروا في إبعاده عنه ، فطرحوا في مضرب المتوكل الرقاع يقولون فيها : إن بُغا دبَّر أن يقتل أمير المؤمنين .. فقرأ المتوكل الرقاع فبُهت مما تضمنته » .
ومنها : أن المنتصر كان يجهر بأنهم قتلوا أباه ، وبدأ بإبعاد كبير قادتهم وصيف عن العاصمة ، وقد صرحت الروايات بأنهم دبروا قتله .
ومنها : ما رواه الذهبي في تاريخه « ١٨ / ٢٠٠ » أن بغا الصغير دعا بباغر التركي ، وكان باغر أهوج مقداماً ، فكلمه واختبره في أشياء فوجده مسارعاً إليها ، فقال : « يا باغر هذا المنتصر قد صح عندي أنه عامل على قتلي وأريد أن تقتله فكيف قلبك ؟ ففكر طويلاً ثم قال : هذا لا شئ ، كيف نقتله وأبوه يعني المتوكل باقٍ ، إذاٍ يقتلكم أبوه . قال : فما الرأي عندك ؟ قال : نبدأ بالأب . قال : ويحك وتفعل ؟ قال : نعم ، وهو الصواب » . فرتبوا قتل المتوكل .
ومنها : أن ميزان القوة انتقل من المتوكل الى الأتراك ، ثم لم يرجع الى أحد من الخلفاء العباسيين ، حتى جاء البويهيون وقضوا على الأتراك .
فهذه القرائن المتقابلة توجب التوقف في نسبة قتل المتوكل الى المنتصر ، نعم يظهر أنه كان مطلعاً على نيتهم ، أو محركاً إضافياً لهم .
لم يستفد المنتصر من توجيه الإمام الهادي عليهالسلام
لم أجد مديحاً من الأئمة عليهمالسلام للمنتصر ، ولا أنه كان يراجع إمامه الهادي عليهالسلام في أموره أو مشكلاته ، والمرجح عندي أن تشيعه كان ناقصاً ، وأنه كان يعمل برأيه وكأنه كان لايرى ضرورةً لأخذ توجيه الإمام عليهالسلام !
فقد ورد أنه لما سمع من أبيه المتوكل شتم الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليهاالسلام استشار أستاذه أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي الكوفي الديلمي ، المعروف بأبي عصيدة ، فأفتى له بوجوب قتل أبيه « الكنى والألقاب : ١ / ١٢٤ » وهذا عجيبٌ منه ، لأنه إن كان شيعياً فلماذا لم يستشر الإمام الهادي عليهالسلام .
وقد يكون المنتصر كبعض من كان في محيطه ممن يعتقد بأن الإمام الهادي عليهالسلام ولي الله ، كأم المتوكل ، وكانت تنذر له النذور ليقضي الله حاجتها ، والمسيحي الذي خاف من المتوكل فنذر للإمام عليهالسلام وقال : اشتريت نفسي بهذا النذر .
والمفروض أن يكون تدين المنتصر حسناً ، لكن لم نجد دليلاً عليه من سلوكه ، ولا من شهادة الإمام عليهالسلام ، بل كثرت الرواية عن مجالس لهوه وشربه الخمر !
وتُشعر الرواية التالية ببعده عملياً عن الإمام عليهالسلام ، فعن المعلى بن محمد قال : « قال أبوالحسن علي بن محمد عليهالسلام : إن هذا الطاغية يبني مدينة يقال لها سامرا ، يكون حتفه فيها على يد ابنه المسمى بالمنتصر ، وأعوانه عليه الترك » . « الهداية الكبرى / ٣٢٠ » . فقوله عليهالسلام : المسمى بالمنتصر ، يشعر بنقد التسمية وصاحبها .
وقال أبوالفرج في مقاتل الطالبيين / ٤١٩ : « وكان المنتصر يظهر الميل إلى أهل هذا البيت ، ويخالف أباه في أفعاله . فلم يجر منه على أحد منهم قتل أو حبس ، ولا مكروه فيما بلغنا ، والله أعلم » . أي لم يبلغه أنه آذى أحداً منهم ، وقد يكون فعل !
وقع المنتصر فيما وقع فيه أبوه !
وقع المنتصر في خطأ أبيه ، ففتح المعركة مع الأتراك ، فقتلوه وقرروا أن لايولوا أحداً من أولاد المتوكل ، لئلا ينتقم منهم ويثأر لأبيه ، فجاؤوا بالمستعين حفيد المعتصم وبايعوه ، وكان ليناً مطيعاً للقائدين وصيف وبُغا .
لكن الخلاف وقع بين القادة الأتراك أنفسهم ، فخاف المستعين أن يقتلوه مع وصيف وبغا ، وذهبوا ثلاثتهم مغاضبين الى بغداد ، فحاول الأتراك إرجاعهم واسترضاء المستعين فلم يرض ، فبايعوا المعتز وطلبوا من المستعين أن يخلع نفسه فلم يقبل ، فنشبت الحرب بينه وبين المعتز لمدة سنة ، وتدهور الوضع في بغداد وسامراء وبقية المناطق . ثم ضعف المستعين ، وطلب الإمان ليخلع نفسه ، فأعطوه الإمان وخلع نفسه وبايع المعتز ، لكن المعتز قتله . وكان حكمه أقل من أربع سنوات ، وكذلك كان مصير قاتله المعتز ، فقد أجبروه على خلع نفسه وأعطوه الإمان ، فخلع نفسه ، ثم قتلوه شر قتلة !
وذكرت
المصادر أن المنتصر مات قتلاً بالسم ، فعن جعفر بن عبد الواحد قال :
« دخلت على المنتصر بالله فقال لي : يا جعفر لقد عولجت فما أسمع بأذني ولا أبصر
بعيني وكان في مرضه الذي مات فيه .. أصابته الذبحة في حلقه .. ويقال إن الطيفوري سمه في محاجمه » . « تاريخ بغداد : ٢ / ١١٩ » .
وفي تاريخ الطبري « ٥ / ٣٥٢ » عن موسى بن عيسى الكاتب : « أن المنتصر لما أفضت الخلافة إليه ، كان يكثر إذا سَكِرَ قتل أبيه المتوكل ويقول في الأتراك : هؤلاء قتلة الخلفاء ، ويذكر من ذلك ما تخوفوه ، فجعلوا لخادم له ثلاثين ألف دينار على أن يحتال في سمه ، وجعلوا لعلي بن طيفور جملة ، وكان المنتصر يكثر أكل الكمثرى إذا قدمت إليه الفاكهة ، فعمد ابن طيفور إلى كمثراة كبيرة نضيجة ، فأدخل في رأسها خلالة ثم سقاها سماً ، فجعلها الخادم في أعلى الكمثرى الذي قدمه إليه فلما نظر إليها المنتصر أمره أن يقشرها ويطعمه إياها فقشرها وقطعها ، ثم أعطاه قطعة قطعة حتى أتى عليها . فلما أكلها وجد فترة فقال لابن طيفور : أجد حرارة فقال يا أمير المؤمنين ، إحتجم تبرأ من علة الدم .. ففصده بمبضع مسموم » !
وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي / ٣٨٥ : « كان مليح الوجه ، أسمر ، أعين ، أقنى ، ربعة جسيماً ، بطيناً ، مليحاً ، مهيباً ، وافر العقل ، راغباً في الخير ، قليل الظلم ، محسناً إلى العلويين وصولاً لهم ، أزال عن آل أبي طالب ما كانوا فيه من الخوف والمحنة بمنعهم من زيارة قبر الحسين .. ولما وليَ صار يسب الأتراك ويقول هؤلاء قتلة الخلفاء ! فعملوا عليه ، وهمُّوا به فعجزوا عنه لأنه كان مهيباً شجاعاً فطناً متحرزاً ، فتحيلوا إلى أن دسوا إلى طبيبه ابن طيفور ثلاثين ألف دينار في مرضه ، فأشار بفصده ، ثم فصده بريشة مسمومة ، فمات » .
قَتل المنتصر ونَصب المستعين « أحمد بن محمد بن المعتصم »
قال اليعقوبي في البلدان / ٦٨ : « مات المنتصر بسر من رأى في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين ، وولي المستعين أحمد بن محمد بن المعتصم ، فأقام بسر من رأى سنتين وثمانية أشهر ، حتى اضطربت أموره فانحدر إلى بغداد في المحرم سنة إحدى وخمسين ومائتين ، فأقام بها يحارب أصحاب المعتز سنة كاملة والمعتز بسر من رأى معه الأتراك وسائر الموالي ، ثم خُلع المستعين ووليَ المعتز ، فأقام بها حتى قتل ثلاث سنين وسبعة أشهر ، بعد خلع المستعين .
وبويع محمد المهتدي بن الواثق في رجب سنة خمس وخمسين ومائتين ، فأقام حولاً كاملاً ينزل الجوسق ، حتى قتل .
وولي أحمد المعتمد بن المتوكل ، فأقام بسر من رأى في الجوسق وقصور الخلافة ، ثم انتقل إلى الجانب الشرقي بسر من رأى ، فبنى قصراً موصوفاً بالحسن سماه المعشوق ، فنزله فأقام به حتى اضطربت الأمور فانتقل إلى بغداد ثم إلى المدائن » .
وقال
ابن العمراني في الإنباء في تاريخ الخلفاء « ١ / ١٢٥ » :
« ثم دخلت سنة إحدى وخمسين ومائتين ، واستشعر المستعين من باغر وقيل له : إنه قد اجتمع جماعة من الأتراك وتبايعوا وتحالفوا على قتلك وقتل بغا ووصيف . فاستدعى وصيفاً وبُغا الصغير وانحدر إلى بغداد في رابع محرم من هذه السنة ، وهما في صحبته ، وبقي الأتراك بسامراء متحيرين ، فنفذوا جماعة لترضيه واستلال ما في نفسه منهم
فردهم ولم يعد ، فاجتمعوا وتشاوروا وقالوا : نبايع غيره . فاجتمع رأيهم على مبايعة المعتز فبايعوه وأجلسوه على سرير الخلافة .
وضعف أمر المستعين ببغداد لأن دار الملك إذ ذاك كانت سامراء والمعتز بها مع جمهور العسكر ، وبها خزائن الأموال والسلاح . وخاف على نفسه منهم فنفذوا إليه وطلبوا منه أن يخلع نفسه فأبى ، ثم لما رأى ضعف أمره وقلة المال والعساكر عنده ، أجابهم إلى ذلك بشرط أن يعطوه خمسين ألف دينار ، ويقطعوه ما يرتفع منه ثلاثون ألف دينار ويقيم بالبصرة .. وكانت خلافته ثلاث سنين وتسعة أشهر . وقتل وله ثلاث وثلاثون سنة » .
وفي سير الذهبي « ١٢ / ٤٧ » « وكان أحمر الوجه ، رَبْع القامة ، خفيف العارضين ، مليح الصورة ، بوجهه أثر جدري ، بمقدم رأسه طول . يلثغ بالسين كالثاء . وأمه أم ولد . وكان متلافاً للمال مبذراً ، فرق الجواهر وفاخر الثياب .
اختلت الخلافة بولايته واضطربت الأمور . استوزر أبا موسى أوتامش بإشارة كاتبه شجاع بن القاسم ، ثم قتلهما ، واستوزر أحمد بن صالح بن شيرزاذ » .
وفي مروج الذهب « ٤ / ٩٤ » : « أحدث لبس الأكمام الواسعة ولم يكن يعهد ذلك ، فجعل عرضها ثلاثة أشبار ونحو ذلك ، وصغَّر القلانس ، وكانت قبل ذلك طوالاً كأقباع القضاة » !
قَتل المستعين ونصب المعتز « الزبير بن المتوكل »
في تاريخ دمشق « ١٨ / ٣٠٨ » : « فلما بويع المعتز بالله بالخلافة وانتصب للأمر والنهي والتدبير ، وجه أخاه أبا أحمد بن المتوكل على الله إلى بغداد لحرب المستعين بالله ، وأوعز معه بالجيوش والكراع والسلاح والعدة والآلة ، فصار أبو أحمد بالجيش إلى أكناف بغداد ، وأخذ محمد بن عبد الله بن طاهر في الإستعداد للحرب ببغداد وبنى سور ببغداد وأحكمه وحفر خندقها وحصنها ، ونزل أبو أحمد بن المتوكل على الله على بغداد ، فحضر المستعين بالله ومن معه من الناس ، ونصب لهم الحرب ، وتجرد من بغداد للقتال فغدوا وراحوا على الحرب ، ونصب المجانيق والعرادات حول سور بغداد ، فلم يزل القتال بينهم سنة اثنا عشر شهراً ، وعظمت الفتنة وكثر القتل ، وغلت الأسعار ببغداد بشدة الحصار ، وأضر ذلك بالناس وجهدوا .. وداهن محمد بن عبد الله بن طاهر « والي بغداد » في نصرة المستعين ومال إلى المعتز وكاتبه سراً فضعف أمر المستعين .. وسعى في الصلح على خلع المستعين وتسليم الأمر للمعتز ، حتى تقرر الأمر على ذلك » .
وقال ابن العمراني في الإنباء في تاريخ الخلفاء « ١ / ١٢٥ » : « وضعف أمر المستعين ببغداد لأن دار الملك إذ ذاك كانت سامراء والمعتز بها مع جمهور العسكر ، وبها خزائن الأموال والسلاح . وخاف على نفسه منهم ، فنفذوا إليه وطلبوا منه أن يخلع نفسه فأبى ، ثم لما رأى ضعف أمره وقلة المال والعساكر عنده ، أجابهم » .
وفي سمط النجوم « ٣ / ٤٧٢ » : « ولقبوه المعتز بالله وبايعوه وعمره تسعة عشر عاماً ، وجيَّشوا على المستعين بالله جيشاً إلى أن خلع نفسه وأشهد القضاة والعدول على نفسه بذلك ، وانحدروا به إلى واسط وحبسوه تسعة أشهر ، ثم دسوا إليه سعيداً الحاجب فذبحه في الحبس في ثالث شوال سنة اثنتين وخمسين ومائتين ، وجاء برأسه إلى المعتز وهو يلعب الشطرنج ، فقيل له هذا رأس المخلوع ، فقال : دعوه هناك حتى أفرغ من اللعب » !
ووصف المسعودي العداء المستحكم بين المعتز وبغا الصغير ، فقال في مروج الذهب « ٤ / ٩١ » : « وكان المعتز في حياة بُغا لا يلتذ بالنوم ، ولا يخلع سلاحه لا في ليل ولا نهار خوفاً من بغا ، وقال : لا أزال على هذه الحالة حتى أعلم لبغا رأسي أو رأسه لي ! وكان يقول : إني لأخاف أن ينزل عليَّ بُغا من السماء أو يخرج عليَّ من الأرض وقد كان بغا عزم على أن ينحدر سراً فيصل الى سامرا في الليل ، ويصرف الأتراك عن المعتز ، ويفيض فيهم الأموال » .
وقد وصف الطبري في عدة روايات « ٧ / ٤٣٤ » الحرب العبثية بين المعتز ، والمستعين !
قتل المعتز ونصب المهتدي « محمد بن الواثق »
في
مروج الذهب « ٤ / ٩٢ » :
« ولما رأى الأتراك إقدام المعتز على قتل رؤسائهم ، وإعماله الحيلة في فنائهم ، وأنه قد اصطنع المغاربة والفراغنة دونهم ، صاروا إليه بأجمعهم ، وذلك لأربع بقين من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين ، وجعلوا يقرعونه بذنوبه ، ويوبخونه على أفعاله وطالبوه بالأموال ، وكان المدبر لذلك صالح بن وصيف مع قواد الأتراك ، فلجَّ وأنكرَ أن يكون قِبَلَهُ شئ من المال ،
فلما حصل المعتز في أيديهم بعث « وصيف » إلى مدينة السلام في محمد بن الواثق الملقب بالمهتدي ، وقد كان المعتز نفاه إليها واعتقله فيها ، فأتى به في يوم وليلة إلى سامرا ، فتلقاه الأولياء في الطريق ودخل إلى الجوسق ، وأجاب المعتز إلى الخلع » .
وفي تاريخ مختصر الدول / ١٤٧ : « وفي سنة خمس وخمسين ومائتين صار الأتراك إلى المعتز يطلبون أرزاقهم فماطلهم بحقهم ، فلما رأوا أنه لا يحصل منه شئ دخل إليه جماعة منهم فجروا برجله إلى باب الحجرة وضربوه بالدبابيس ، وأقاموه في الشمس في الدار ، وكان يرفع رجلاً ويضع رجلاً لشدة الحر ! ثم سلَّموه إلى من يعذبه ، فمنعه الطعام والشراب ثلاثة أيام ، ثم أدخلوه سرداباً وجصصوا عليه فمات . وكانت خلافته .. أربع سنين وسبعة أشهر » .
أقول : كانت أمه من أجمل جواري المتوكل ، وسماها قبيحة ليرد عنها الحسد ! وكانت تجمع الأموال والذهب والكنوز ، فلما احتاج ابنها المعتز رواتب لجنوده ليخلص نفسه من القتل ، بخلت عليه ، فقتلوا ابنها قاتل الإمام الهادي عليهالسلام . ثم وجدوها واستخرجوا ثروتها الهائلة .
قال
في النجوم الزاهرة «
٣ / ٢١ »
: « وفيها «
سنة ٢٥٥ » عظم أمر ابن وصيف ، وقبض على حواشى المعتز بالله الخليفة ، فسأله المعتز فى إطلاق واحد منهم فلم يفعل ، ولا زال أمره يعظم إلى أن خلع المعتز بالله من الخلافة في رجب ، ثم قتل بعد خلعه بأيام . واختفت أم المعتز قبيحة ، ثم ظهرت فصادرها صالح بن وصيف المذكور ، وأخذ منها أموالاً عظيمة ، ثم نفاها إلى مكة ، وكان مما أخذ منها ابن