وجاء به فقال : أخاف أن يكون الواثق لم يمت ، قال : فمرَّ به فنظر إليه مُسَجَّىً ، فجاء فجلس فألبسه أحمد بن أبي دؤاد الطويلة وعممه وقبَّله بين عينيه ، وقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته . ثم غُسِّلَ الواثق وصُلِّيَ عليه ودفن ، ثم صاروا من فورهم إلى دار العامة ولم يكن لُقَّبَ المتوكل . وذكر أنه كان يوم بويع له ابن ست وعشرين سنة ، ووضع العطاء للجند لثمانية أشهر ، وكان الذي كتب البيعة له محمد بن عبد الملك الزيات ، وهو إذ ذاك على ديوان الرسائل واجتمعوا بعد ذلك على اختيار لقب له ، فقال ابن الزيات : نسميه المنتصر بالله وخاض الناس فيها حتى لم يشكوا فيها ، فلما كان غداة يوم بَكَّرَ أحمد بن أبي دؤاد إلى المتوكل فقال : قد رَوِيتُ « وصلتُ اليه بعد رَوِيَّة » في لقب أرجو أن يكون موافقاً حسناً إن شاء الله وهو : المتوكل على الله . وأمر بإمضائه ، وأحضر محمد بن عبد الملك فأمر بالكتاب بذلك إلى الناس فنفذت إليهم الكتب نسخة ذلك : بسم الله الرحمن الرحيم أَمَرَ ، أبقاك الله ، أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ، أن يكون الرسم الذي يجرى به ذكره على أعواد منابره ، وفى كتبه إلى قضاته وكتابه وعماله وأصحاب قضاته وكتابه وعماله وأصحاب دواوينه ، وغيرهم من سائر من تجرى المكاتبة بينه وبينه : من عبد الله جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين . فرأيك في العمل بذلك ، وإعلامي بوصول كتابي إليك ، موفقاً إن شاء الله .
وذُكر أنه لما أمر للأتراك برزق أربعة أشهر
، وللجند والشاكرية ومن يجرى مجراهم من الهاشميين برزق ثمانية أشهر ، أمر للمغاربة برزق ثلاثة أشهر ، فأبوا
أن يقبضوا فأرسل إليهم من كان منكم مملوكاً فليمض إلى أحمد بن أبي دؤاد حتى يبيعه ، ومن كان حراً صيرناه أسوة الجند ، فرضوا بذلك ، وتكلم وصيف فيهم « مع المتوكل » حتى رضيَ عنهم فأعطوا ثلاثة ، ثم أجروا بعد ذلك مجرى الأتراك .
وبويع للمتوكل ساعة مات الواثق بيعة الخاصة ، وبايعته العامة حين زالت الشمس من ذلك اليوم » .
وفي وفيات الأعيان « ٥ / ٩٩ » : « لما مات الواثق بالله أخ المتوكل ، أشار محمد المذكور « الزيات » بتولية ولد الواثق ، وأشار القاضي أحمد بن أبي دواد المذكور بتولية المتوكل وقام في ذلك وقعد حتى عممه بيده وألبسه البُرْدَة ، وقبَّله بين عينيه » .
وقال الخطيب البغدادي في تاريخه « ٣ / ١٤٥ » : « كان بين محمد بن عبد الملك وبين أحمد بن أبي دؤاد عداوةٌ شديدةٌ ، فلما وليَ المتوكل دارَ ابن أبي داود على محمد ، وأغرى به المتوكل حتى قبض عليه وطالبه بالأموال » .
وقال المسعودي في مروج الذهب « ٤ / ٣ » : « فلما كان في اليوم الثاني لقبه أحمد بن أبي داود المتوكل على الله » .
أقول : لكن روايتنا تدل على أنه كان يوجد صراع على الخلافة بعد الواثق ، بين رئيس وزرائه ابن الزيات من جهة ، وبين إيتاخ القائد التركي الذي ربى المتوكل ومعه القائد التركي وصيف ، ومعهما القاضي ابن أبي دؤاد من جهة أخرى . وكان المتوكل في السجن فتمكن وصيف وابن دُؤاد من إخراجه ، وعقدوا له البيعة ولقَّبَوه بالمتوكل !
قال خيران الأسباطي : « قدمت على أبي الحسن « الإمام الهادي عليهالسلام » المدينة فقال لي : ما خبر الواثق عندك ؟ قلت : جعلت فداك خَلَّفْتُهُ في عافية ، أنا من أقرب الناس عهداً به ، عهدي به منذ عشرة أيام . قال فقال لي : إن أهل المدينة يقولون : إنه مات . فلما أن قال لي : الناس ، علمت أنه هو . ثم قال لي : ما فعل جعفر « المتوكل » ؟ قلت : تركته أسوأ الناس حالاً في السجن . قال فقال : أما إنه صاحب الأمر !
ما فعل ابن الزيات ؟ قلت : جعلت فداك الناس معه ، والأمر أمره . قال فقال : أما إنه شؤم عليه . قال : ثم سكت وقال لي : لابد أن تجري مقادير الله تعالى وأحكامه . يا خيران ، مات الواثق وقد قعد المتوكل جعفر ، وقد قتل ابن الزيات . فقلت : متى جعلت فداك ؟ قال : بعد خروجك بستة أيام » . « الكافي : ١ / ٤٩٨ » .
وقد كتبنا فقرات عن ابن دؤاد في سيرة الإمام الهادي عليهالسلام ، وسنكتب عنه وعن القادة الأتراك ، فقرات في هذه السيرة .
وكان لحضرة الخليفة ندماء مخانيث !
في الإكمال لابن ماكولا العجلي « ٦ / ٢٨ » : « وأما عَبَّادَة بفتح العين وتشديد الباء ، فهو عبادة المخنث ، كان ينادم المتوكل ، له نوادر ومضاحيك » .
وفي تاريخ الذهبي « ١٨ / ٣٠٤ » : « قال البخاري : مات في شوال سنة خمسين ومئتين عَبَّادة المخنث » .
وفي
كتاب الديارات « ١ / ٤٤ » :
« قال المتوكل لعَبَّادة ذات يوم : دع التخنث حتى أزوجك . قال : أنت خليفة أو دلَّالة ؟ وقال له ابن حمدون : يا عبَّادة ، لو حججتَ
لاكتسبت أجراً ورآك الناس في مثل هذا الوجه المبارك . فقال : إسمعوا ويلكم إلى هذا العيار : يريد أن ينفيني من سامراء على جمل » !
وفي تذكرة ابن حمدون « ٣ / ١٦٤ » : « كان المتوكل على بِرْكة يصيد السمك ، وعنده عبادة المخنث ، فتحرك المتوكل فخرجت منه ريح ، فقال لعبادة : أكتمها عليَّ فإنك إن ذكرتها ضربت عنقك ! ودخل الفتح فقال : أي شئ صدتم اليوم ؟ فقال له عبادة : ما صدنا شيئاً ، والذي كان معنا أفلت » !
وفي العقد الفريد « ٦ / ٤٣٧ » : « كنا عند المتوكل يوماً وبين يديه عبادة المخنث ، فأمر به فألقي في بعض البرك في الشتاء فابتل وكاد يموت برداً ، قال : ثم أخرج من البركة وكسي وجعل في ناحية في المجلس ، فقال له : يا عبادة كيف أنت وما حالك ؟ قال : يا أمير المؤمنين جئت من الآخرة . فقال له : كيف تركت أخي الواثق ؟ قال : لم أجُزْ بجهنم ! فضحك المتوكل وأمر له بصلة » .
وفي تاريخ دمشق « ٢٦ / ٢٢٢ » : « كان لرجل على عبادة المخنث دينٌ ، فكان يتردد إليه كل يوم فيقال ليس هو في البيت ، فغلس عليه يوماً في الثلث الأخير فدق الباب ، فقيل ليس هو هاهنا . فصاح الرجل واستغاث بالجيران ، فلما اجتمعوا قال يا معشر الناس في الدنيا أحد ليس هو في بيته الساعة ، فأشرف عليه عبادة من طاق له قال : نعم يا ابن الفاعلة هو ذا أنت ليس في بيتك الساعة » .
وفي
جمع الجواهر للحصري «
١ / ٦٨ »
: « كان المتوكل قد بسط من عبادة المخنث للدخول معه على كل حال ، فدخل عليه وهو نائم مع سوداء كان يحبها ، فلما رآه
أمرها أن تغطي وجهها . فقال : يا أمير المؤمنين ومن معك ؟ قال : ويلك ، وبلغ فضولك إلى هذا الموضع ! ومدت الجارية رجلها فبانت سوداء . فقال : يا أمير المؤمنين تنام ورجلك في الخف !
فقال المتوكل : قم عليك لعنة الله ، وضحك وأمر له بصلة ، فأخذها وانصرف . وكان عبادة يشرب بين يديه ويترك في القدح فضلة ، فقال : يا عبادة ما تدري ما يقول الناس ؟ قال : وما هو ؟ قال : يقولون إن شارب النبيذ إذا شرب وعبس وجهه وفضلت في القدح فضلة فإن إبليس يضرب قفاه ، ويقول : إشرب فضلة ما استطبت . فمضت الأيام واصطبح المتوكل وعبادة حاضر ، وشرب قدحاً كان في يديه وفضلت فضلة . فقال : يا أمير المؤمنين ، جاءك الرجل !
وتجارى الجواري بحضرة المتوكل فسبقتهن جارية ممشوقة ، فقال المتوكل لعبادة : إجْرِ معها حتى ننظر من يسبق صاحبه . فقال عبادة : إن سبقتها فما لي ؟ قال : هي لك ، وإن سَبَقَتْكَ صَفَعَتْكَ . . » .
وفي كتاب الديارات لأبي الحسن الشايستي « ١ / ٤٥ » : « خرج عَبَّادة يوماً في السحر إلى الحمام ، فلقي غلاماً من أولاد الأتراك ، فأعطاه عشرة دراهم وقال : إقطع أمر عمك ! فبينا الغلام فوقه خلف الدرب ، إذ أشرفت عجوز من غرفة لها فرأتهما فصاحت : اللصوص ! فقال عبادة : يا عجوز السوء النَّقْبُ في إستي ، صياحك أنت من أيش » !
وفي جمع الجواهر للحصري « ١ / ١٢٩ » : « وركب المتوكل زُلالاً « قارباً » ومعه قَطَّاطة وعبَّادة المخنثان ، وكان قطاطة طويلاً جداً فجعل يغني إلى أن هبت ريح . . »
وفي نثر الدرر « ٥ / ١٩٤ » : ركب يوماً زلالاً ومعه جماعة ، فيهم كنيز المخنث ! وسيأتي أن شاعر المتوكل ومستشاره علي بن جهم كان مخنثاً أيضاً !
وكان حضرة الخليفة خَمَّاراً يهوى الغلمان !
وقد شاع ذلك عنه وذاع ، وروت المصادر أنه أراد أن إجبار الإمام الهادي عليهالسلام على أن يشرب معه فامتنع ، ووعظه بشعر فأبكاه !
وممن رواه الذهبي في تاريخه « ١٨ / ١٩٩ » قال : « كان قد سُعِيَ بأبي الحسن إلى المتوكل وأن في منزله سلاحاً وكتباً من أهل قم ، ومن نيته التوثب . فكَبَسَ بيته ليلاً ، فوُجد في بيت عليه مِدْرَعَةُ صوف ، متوجهٌ إلى ربه ، يترنمُ بآيات ، فأُخذ كهيئته إلى المتوكل وهويشرب ، فأعظمه وأجلسه إلى جانبه وناوله الكأس ، فقال : ما خامر لحمي ودمي قط ، فاعفني منه ، فأعفاه وقال : أنشدني شعراً ، فأنشده :
باتوا على قُلَلِ الأجبال تحرسهمْ |
|
غُلْبُ الرجالِ فما أغنتهمُ القُللُ |
واستُنْزِلُوا بعد عِزٍّ عن مَعَاقِلهمْ |
|
فأُودعُوا حُفَراً يا بِئسَ ما نَزلوا |
ناداهُمُ صارخٌ من بعد ما قُبروا |
|
أينَ الأسِرَّةُ والتيجانُ والحُلَلُ |
أينَ الوجوهُ التي كانت مُنَعَّمَةً |
|
من دونها تُضرُب الأستارُ والكِللُ |
فأفصحَ القبرُ عنهمْ حين ساءلهمْ |
|
تلكَ الوجوهُ عليها الدُّودُ يَقْتَتِل |
قد طالَ ما أكلُوا دهراً وما شربوا |
|
فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكِلوا |
وطالما عَمروا دوراً لتحصنهمْ |
|
ففارقوا الدورَ والأهلينَ وانتقلوا |
وطالما كنزوا الأموالَ وادَّخروا |
|
فخلَّفُوها على الأعداء وارتحلوا |
أضحت مَنازِلُهم قَفْراً مُعَطَّلَةً |
|
وساكِنُوهَا إلى الأجْدَاثِ قد رَحَلُوا » |
لكن بكاء المتوكل من ذكر الموت وخوفه من الله تعالى كان آنياً ، فقد بقي كل عمره يشرب ويسرف في الشرب ، حتى قُتل وهو سكران !
قال نديمه علي بن الجهم : « كنت يوماً عند المتوكل وهو يشرب ونحن بين يديه ، فدفع إلى محبوبة تفاحة مغلَّفة فقبَّلتها ، وانصرفت عن حضرته إلى الموضع الذي كانت تجلس فيه إذا شرب » . « الأغاني : ٢٢ / ٤٠٨ » .
وقال الثعالبي في ثمار القلوب « ١ / ١٥٥ » : « كان بنانُ وزَنَامُ مُطْرِبَيْ المتوكل ، وكان كل منهما منقطع القرين فى طبقته ، فإذا اجتمعا على الضرب والزمر أحسنا وفَتَنَا وأعْجَبَا وعَجَّبا ، وكان المتوكل لا يشرب إلا على سماعهما » .
وقال ابن كثير الناصبي في النهاية « ١٠ / ٣٤٣ » : « شرب ليلةً مع المتوكل ، فعربد عليه المتوكل فهمَّ إيتاخ بقتله ، فلما كان الصباح اعتذر المتوكل إليه وقال له : أنت أبي وأنت ربيتني ، ودسَّ اليه من يشير إليه بأن يستأذن للحج .. » .
وروى
الشابستي في الديارات خبر مجالس خمر كثيرة للمتوكل ، قال « ١ / ٣٧ » :
« اجتمع مشايخ الكتاب بين يدي المتوكل ، وكان فيهم يحيى بن خاقان ، وابنه عبيد الله إذ ذاك الوزير ، وهو واقف موقف الخدم بقباء ومنطقة ، وكان يحيى لايشرب النبيذ فقال المتوكل لعبيد الله : خذ قدحاً من تلك الأقداح واصبب فيه نبيذاً وصيَّر على
كتفك منديلاً ، وامض إلى أبيك يحيى فضعه في كفه . قال ففعل ، فرفع يحيى رأسه إلى ابنه فقال المتوكل : يا يحيى لاترده . قال : لا يا أمير المؤمنين ، ثم شربه وقال : قد جَلَّتْ نعمتك عندنا يا أمير المؤمنين فهنأك الله النعمة ولاسلبنا ما أنعم به علينا منك . فقال : يا يحيى ، إنما أردت أن يخدمك وزير بين يدي خليفة » .
وفي تاريخ بغداد « ١٣ / ٤٥٤ » : « حدثني أبوالعباس بن طومار قال : كنتُ أنادمُ المتوكل فكنت عنده يوماً ومعنا البحتري وكان بين يديه غلام حسن الوجه يقال له راحْ . فقال المتوكل للفتح : يا فتح إن البحتري يعشق راحاً ، فنظر إليه الفتح وأدمن النظر ، فلم يره ينظر إليه ، فقال له الفتح : يا أمير المؤمنين أرى البحتري في شغل عنه ، فقال : ذاك دليلي عليه ، ثم قال المتوكل : يا راح خذ رطل بلور فاملأه شراباً وادفعه إليه ، ففعل .. » .
وفي ديوان الصبابة « ١ / ٢١ » : « كان للمتوكل غلامٌ إسمه شفيع ، وكان من أحسن الفتيان ، فكان المتوكل يجن به جنوناً ، فأحب يوماً أن ينادم حسين بن الضحاك وأن يرى ما بقي من شهوته ، وكان قد أسن فأحضره فسقاه حتى سكر ، وقال لشفيع : إسقه فسقاه وحياه بوردة ، وكانت على شفيع ثياب موردة ، فمد حسين يده إلى ذراع شفيع فقال المتوكل : أتخمش أخمص قدمي بحضرتي ، فكيف لو خلوت به ، ما أحوجك إلى الأدب . وكان المتوكل قد غمز شفيعاً على العبث به فدعا بدواة فكتب .. » .
وفي جمع الجواهر للحصري « ١ / ١١٤ » : « شرب ابن حمدون النديم مع المتوكل وبحضرته غلامٌ مليح الوجه ، فتأمله ابن حمدون تأملاً شديداً ، وقد حمل الشراب إليه . فقال المتوكل : يا ابن حمدون ، ما الحكم في الرجل إذا نظر إلى غلامِ فتى ؟ قال : أن تقطع أذنه . قال : ليُحكم عليك بحكمك .. » .
أقول : يقصد المتوكل أن غلامه كزوجته ، والناظر اليه ناظر الى عرضه ! فاعجب لمن يدعي أنه خليفة النبي صلىاللهعليهوآله ويتجاهر بالفاحشة ، ويطبق شرائع الجاهلية في الغلمان !
وكان لحضرة الخليفة أربعة آلاف جارية !
١. قال السيوطي في تاريخ الخلفاء / ٣٧٧ : « وكان منهمكاً في اللذات والشراب ، وكان له أربعة آلاف سرية ، ووطأ الجميع » !
وقال الوائلي في فقه الجنس / ٢٣٩ : « الخليفة جعفر المتوكل ـ محيي السنة ومميت البدعة ـ كان له أربعة آلاف سرية ، وإنه كما يقولون وطأ الجميع ، وهو أمر لو أردنا تصديقه وقلنا إنه يقوى على الوطأ مرتين في اليوم ، فلا يلحق الجارية إلا حصة واحدة كل خمس سنوات أو أكثر !
وليت شعري كيف يتسع وقت الخليفة المتوكل بالإضافة إلى مهام الخلافة ، وسهره المتواصل ليلاً يَعُبُّ الخمر حتى الصباح ، وكان سكيراً شديد السكر !
يقول عنه المؤرخون : كان يبغض علياً عليهالسلام وينتقصه ويغلو في بغض علي ويكثر الوقيعة والإستخفاف به . . ولي سؤال واحد في نهاية هذه الخاطرة : لو أن المتوكل كان يبغض عمر بن الخطاب ويشتمه ، فهل سيبقى محيي السنة ومميت البدعة ؟!
إن هذا العدد من الجواري والمحظيات ترك في تاريخنا صوراً مشوهةً ، وعكسَنَا أمام الناس بأننا جنسٌ متجسد ، وسعارُ نهمٍ لا حدود لاستشرائه ، فما جاء الإسلام ليحيل الدنيا إلى حمئة من الجنس يغرق فيها الإنسان ويجمع من الجواري ما لايستطيع تغطية حاجاته من النكاح ، وبالتالي يوفر له سبل الإنحراف » !
٢. وفي نهاية الإرب « ٥ / ١١٢ » : « وقال علي بن الجهم : كانت محبوبةُ لعبد الله بن طاهر ، أهداها إلى المتوكل في جملة أربع مائة جارية ، وكانت بارعة الحسن والظَّرف والأدب ، مغنيةً محسنةً ، فحظيت عند المتوكل حتى كان يجلسها خلف الستارة وراء ظهره ، إذا جلس للشرب ، فيدخل رأسه إليها فيراها ويحدثها في كل ساعة » .
وفي مروج الذهب « ٤ / ٤٢ » : « لما أفضت الخلافة الى أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله ، أهدى اليه الناس على أقدارهم ، وأهدى اليه ابن طاهر هدية فيها مائتا وصيفة ووصيف ، وفي الهدية جارية يقال لها محبوبة كانت لرجل من أهل الطائف ، قد أدبها وثقفها وعلمها من صنوف العلم ، وكانت تقول الشعر وتلحنه وتغني به على العود ، وكانت تحسن كل ما يحسنه علماء الناس ، فحسن موقعها من المتوكل ، وحلت من قلبه محلاً جليلاً ، لم يكن أحد يعدلها عنده .
قال علي « بن الجهم نديمه »
: فدخلت عليه يوماً للمنادمة ، فلما استقر بي المجلس قام فدخل بعض المقاصير ، ثم خرج وهو يضحك ، فقال لي : ويلك يا علي ، دخلت
فرأيت قيْنةً قد كتبت في خدها بالمسك جعفراً فما رأيت أحسن منه ، فقل فيه شيئاً ، فقلت : يا سيدي ، وحدي أو أنا ومحبوبة .. » .
٣. وفي مطالع البدور للبهائي الدمشقي « ١ / ٢١٥ » : « ومن ظرائف الهدايا ما أهدته شجرة الدر جارية المتوكل ، وكان يميل إليها ميلاً كبيراً ، ويفضلها على سائر حظاياه ، فلما كان يوم المهرجان أهدى إليه حظاياه هدايا نفيسة ، واحتفلن في ذلك ، فجاءت شجرة الدر بعشرين غزالاً تربيةً ، عليهن عشرون سراجاً صينياً على كل غزال خرج صغير مشبك حرير ، فيه المسك والعنبر والغالية ، وأصناف الطيب ، ومع كل غزال وصيفة بمنطقة ذهب ، وفي يدها قضيب ذهب ، وفي رأسه جوهرة ، فقال المتوكل لحظاياه وقد سر بالهدية : ما فيكن من تحسن مثل هذا وتقدر عليه ! فحسدنها وعملن على قتلها بشئ سقينه لها ، فماتت » !
٤. وفي مسالك الأبصار للعدوي العمري « ١٠ / ٤٦٨ » : « بنان : جارية المتوكل وكانت تخجل القمر بصفحتها ، والغزال بلمحتها ، والقضيب المتأود بقدها ، والتفاح الجني بخدها ، وتغير القلائد بنظمها الذي لا يحليه إلا مبسمها ، ولا يضاهيه إلا الثريا لمن يتوسمها ، لا تجئ عريبٌ لها بإصبع من بنان ، ولا دنانيرُ إلا مما لا يُدخر للإمتنان ، ولا سابقة تلحق إلا وهي معها في طيِّ عنان » .
٥. وفي نهاية الأرب « ٤ / ١٨ » : « قال المتوكل لجارية استعرضها : أنت بكر أم إيش ؟ قالت : أنا إيش يا أمير المؤمنين . فضحك وابتاعها » .
٦. وفي نثر الدر للآبى « ٤ / ١٨٦ » : « عرضت على المتوكل جارية فقال لها : إيش تحسنين ؟ قالت : عشرين لوناً رهزاً . فأعجبته فاشتراها » .
٧. وفي منتخب ربيع الأبرار للأماسي / ٩٩ : « طلب المتوكل جارية الدقاق بالمدينة ، [ وكان من أقران الجنيد ومن أكابر مصر ] فكاد يزول عقله لفرط حبها ! فقالت لمولاها : أحسن الظن بالله وبي ، فإني كفيلة لك بما تحب . فحملت اليه ، فقال لها المتوكل : إقرئي ، فقرأت : إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة ! ففهم المتوكل ما أرادت فردها » .
٨. وفي الجماهر للبيروني « ١ / ٦ » : « حُكِيَ عن المتوكل أن أعضاؤه ضعفت عن حركات الرهز ، ولم يشبع من الجماع ، فملئ له حوض من الزئبق ، وبُسط عليه النطع ليحركه الزئبق من غير أن يتحرك ، فاستلذه . وسأل عن معدنه فأشير إلى الشيز بآذربيجان ، فولى حمدون النديم ثَمَّ ٠، ليجهز إليه الزئبق » !
عنده آلاف الجواري واغتصب بنت رئيس وزرائه !
روى الجاحظ في المحاسن / ١١٨ ، والتنوخي في نشوار المحاضرة « ٦ / ٣٢٣ » قصةً تدل على فسق المتوكل وتجبره،حيث أمر وزيره الرخجي في الليل أن يأتيه بابنته ! قالا :
« وُصِفت للمتوكل عائشة بنت عمر بن فرج الرخجي ، فوجه في جوف الليل والسماء تهطل ، إلى عمر أن احمل إليَّ عائشة ، فسأله أن يصفح عنها فإنها القيمة بأمره ، فأبى ! فانصرف عمر وهو يقول : اللهم قني شر عبدك جعفر ، ثم حملها بالليل فوطأها ، ثم ردها إلى منزل أبيها » .
دخل جِنِّيٌ في جارية المتوكل فأخرجه ابن حنبل بالقبقاب !
روى أبو يعلى في طبقات الحنابلة « ١ / ٢٣٣ » : « حدثني أبي عن جدي قال : كنت في مسجد أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ، فأنفذ إليه المتوكل بصاحب له يعلمه أن له جارية بها صَرَعٌ ، وسأله أن يدعو الله لها بالعافية ، فأخرج له أحمد نعل خشب بشراك خوص للوضوء ، فدفعه إلى صاحب له وقال له : تمضي إلى دار أمير المؤمنين وتجلس عند رأس الجارية وتقول له : يقول لك أحمد : أيما أحب إليك تخرج من هذه الجارية أو أصفع الآخر بهذه النعل ! فمضى إليه وقال له مثل ما قال أحمد ، فقال المارد على لسان الجارية : السمع والطاعة ، لو أمرنا أحمد أن لا نقيم في العراق ما أقمنا به ! إنه أطاع الله ، ومن أطاع الله أطاعه كل شئ ، وخرج من الجارية وهدأت ، وزوجت ورزقت أولاداً .
فلما مات أحمد عاودها المارد ، فأنفذ المتوكل إلى صاحبه أبي بكر المروذي وعرفه الحال ، فأخذ المروذي النعل ومضى إلى الجارية فكلمه العفريت على لسانها : لا أخرج من هذه الجارية ولا أطيعك ولا أقبل منك ، أحمد بن حنبل أطاع الله فأُمرنا بطاعته » !
أقول : المروزي المذكور أقرب تلاميذ أحمد ، وهو إمام عندهم ، لكن قبقابه لم يعمل !
وفي
شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي «
٢ / ١١٥ »
: « وروى علي بن الجهم قال : لما أفضت الخلافة إلى المتوكل أهدى له الناس على أقدارهم فأهدى له محمد بن عبد الله بن طاهر ثلاث مائة جارية من أصناف الجواري ، وكان فيهن جارية يقال لها
محبوبة ، وقد نشأت بالطائف فوقعت من قلب المتوكل موقعاً عظيماً وحلت من نفسه محلاً جسيماً ، وكانت تسامره ولا تفارقه ، فغاضبها يوماً وأمرها بلزوم مقصورتها ، وأمر أن لا يدخل الجواري عليها .
قال علي بن الجهم : فبينا أنا عنده جالسٌ يوماً إذ قال لي : يا علي رأيت البارحة كأنني صالحتُ محبوبة ! فقلت : أقر الله عينيك وجعله حقيقة في اليقظة .
وإنا لفي ذلك إذ أقبلت وصيفة كانت تقف على رأسه فقالت : يا أمير المؤمنين سمعت الساعة في منزل محبوبة غناءً ، فقال لي : يا علي قم بنا الساعة ، فإنا سنرد على بوادر ظريفة ، فأخذ بيدي وجعلنا نمشي رويداً لئلا يُسْمَعَ حِسُّنَا ، فوقف على باب المقصورة ، وإذا بها تضرب بالعود وتغني :
أدورُ في القصر لا أرى أحداً |
|
أشكو إليه ولا يكلمني |
حتى كأني جنيتُ معصيةً |
|
ليست لها توبةٌ تُخلصني |
فهل شفيعٌ لنا إلى ملكٍ |
|
قد زارني في الكرى وصالحني |
حتى إذا ما الصباح لاحَ لنا |
|
عاد إلى هَجْره فصارمني |
فنفر المتوكل طرباً ونفرتُ معه لنفيره ، فأحسَّت بنا فخرجت حافية ، ثم أكبَّت على رجلي أمير المؤمنين ويديه ورأسه ، ثم قالت : يا أمير المؤمنين رأيت البارحة في النوم كأني قد صالحتك ! فقال لها : وأنا والله رأيت مثل ذلك .
قالت : فإن رأى أمير المؤمنين أن يتمم المنة فهو المنعم على كل حال . فقال : أدخلي فإنا سنرد على ما نحب . قال : فمكثنا ثلاثة أيام ونحن كأننا في بعض رياض الجنة ، ووصلني بعد ذلك ببدرة ، فأخذتها وانصرفت » !
وكان حضرة الخليفة مسرفاً مبذراً لأموال المسلمين
قال المسعودي في مروج الذهب « ٤ / ٤٠ » : « وقد قيل : إنه لم تكن النفقات في عصر من الأعصار ولا وقت من الأوقات ، مثلَها في أيام المتوكل !
ويقال : إنه أنفق على الهاروني والجوسق الجعفري أكثر من مائة ألف ألف درهم ، هذا مع كثرة الموالي والجند والشاكرية ، ودُور العطاء لهم ، وجليل ما كانوا يقبضونه في كل شهر ، من الجوائز والهبات » .
وفي كتاب الديارات « ١ / ٣٨ » : « القادسية ، من أحسن المواضع وأنزهها ، وهي من معادن الشراب ومناخات المتطربين . جامعة لما يطلب أهل البطالة والخسارة .
وبالقادسية بنى المتوكل قصره المعروف بِبُرْكَوَار ، ولما فرغ من بنائه وهبه لابنه المعتز وجعل إعذاره « ختانه » فيه ، وكان من أحسن أبنية المتوكل وأجلها ، وبلغت النفقة عليه عشرين ألف ألف درهم .
قال : ولما صح عزمه على إعذار «
ختان » أبي عبد الله المعتز ، أمر الفتح بن
خاقان بالتأهب له ، وأن يلتمس في خزائن الفرش
بساطاً للإيوان في عرضه وطوله ، وكان طوله مائة ذراع وعرضه خمسون ذراعاً
، فلم يوجد إلا فيما قبض عن بني أمية ، فإنه وجد في أمتعة هشام بن عبد
الملك على طول الإيوان وعرضه ، وكان
بساطاً إبريسماً غَرْزٌ مُذَهَّبٌ مفروز مبطَّن ، فلما رآه المتوكل أعجب به وأراد أن يعرف قيمته ، فجمع عليه التجار فذكر أنه قُوَّم على أوسط القيم عشرة آلاف دينار . فبسط في الإيوان وبسط للخليفة في صدر الإيوان سرير ، ومُدَّ بين يديه أربعة آلاف مرفع ذهب مرصعة بالجوهر ، فيها تماثيل العنبر والنِّد والكافور المعمول على مثل الصور ، منها ما هو مرصع بالجوهر مفرداً ، ومنها ما عليه ذهب وجوهر ، وجعلت بساطاً ممدوداً ، وتغدى المتوكل والناس .
وجلس على السرير ، وأحضر الأمراء والقواد والندماء وأصحاب المراتب ، فأجلسوا على مراتبهم ، وجعل بين صوانيهم والسماط فُرْجة .
وجاء الفراشون بزُبُل « جمع زنبيل » قد غُشِّيت بأدَم مملوءة دنانير ودراهم نصفين ، فصبت في تلك الفرج حتى ارتفعت ، وقام الغلمان فوقها ، وأمروا الناس عن الخليفة بالشرب ، وأن يَتَنَقَّلَ « من النُّقْل وهو ما يؤكل مع الخمر » كل من يشرب بثلاث حفنات ، ما حملت يداه من ذلك المال . فكان إذ أثقل الواحد منهم ما اجتمع في كمه أخرجه إلى غلمانه فدفعه إليهم وعاد إلى مجلسه ، وكلما فرغ موضع أتى الفراشون بما يملؤونه به حتى يعود إلى حاله .
وخلع على سائر من حضر ثلاث خلع كل واحد ، وأقاموا إلى أن صليت العصر والمغرب ، وحملوا عند انصرافهم على الأفراس والشهاري « البغال » .
وأعتق المتوكل عن المعتز ألف عبد ، وأمر
لكل واحد منهم بمائة درهم وثلاثة أثواب . وكان في صحن الدار بين يدي الإيوان أربع مائة بلية «
بالة » عليهن أنواع
الثياب ، وبين يديهن ألف نبيجة « صينية » خيزران ، فيها أنواع الفواكه من الأترج والنارنج على قلته كان في ذلك الوقت ، والتفاح الشامي والليموه ، وخمسة آلاف باقة نرجس ، وعشرة آلاف باقة بنفسج .
وتقدم إلى الفتح بأن ينثر على البليات وخدم الدار والحاشية ، ما كان أعده لهم وهو عشرون ألف ألف درهم ، فلم يُقدم أحد على التقاط شئ ، فأخذ الفتح درهماً ، فأكبت الجماعة على المال فنهب .
وكانت قبيحة « أم المعتز » قد تقدمت بأن تُضرب دراهم عليها : بركةٌ من الله ، لإعذار أبي عبد الله المعتز بالله . فضرب لها ألف ألف درهم ، نُثرت على المزين ومن في حيزه والغلمان والشاكرية وقهارمة الدار والخدم الخاصة ، من البيضان والسودان . وكان ممن حضر المجلس ذلك اليوم ، محمد المنتصر وأبو أحمد وأبوسليمان ابنا الرشيد ، وأحمد والعباس ابنا المعتصم ، وموسى بن المأمون ، وابنا حمدون النديم وأحمد بن أبي رؤيم ، والحسين بن الضحاك ، وعلي بن الجهم ، وعلي بن يحيى المنجم ، وأخوه أحمد .
ومن المغنين : عمرو بن بانة ، أحمد بن أبي العلاء ، ابن الحفصي ، ابن المكي ، سلمك الرازي ، عثعث ، سليمان الطبال ، المسدود ، أبو حشيشة ، ابن القصار ، صالح الدفاف ، زنام الزامر ، تفاح الزامر .
ومن المغنيات : عريب ، بدعة جاريتها ، سراب ، شارية وجواريها ، ندمان ، منعم ، نجلة ، تركية ، فريدة ، عرفان .
وقال إبراهيم بن العباس : سألت أبا حرملة المزين في هذا اليوم ، فقلت : كم حصل لك إلى أن وضع الطعام ؟ فقال : نيف وثمانون ألف دينار ، سوى الصياغات والخواتيم والجواهر العتيدات .
قال : وأقام المتوكل ببركوارا ثلاثة أيام ، ثم أصعد إلى قصره الجعفري . وتقدم بإحضار إبراهيم بن العباس ، وأمره أن يعمل له عملاً بما أنفق في هذا الإعذار ويعرضه عليه ففعل ذلك ، فاشتمل العمل على ستة وثمانين ألف ألف درهم .
وكان الناس يستكثرون ما أنفقه الحسن بن
سهل في عرس ابنته بوران ، حتى أرخ ذلك في الكتب ، وسميت دعوة الإسلام ، ثم أتى من دعوة المتوكل ما أنسى ذلك . وكانت الدعوات المشهورة في الإسلام ثلاثاً لم يكن مثلها ، فمنها : دعوة المعتز هذه المذكورة ، ومنها عرس زبيدة بن جعفر بن أبي جعفر ، فإن المهدي ، زوج ابنه الرشيد بأم جعفر ابنة أخيه ، فاستعد لها ما لم يستعد لامرأة قبلها من الآلة وصناديق الجوهر والحلي والتيجان والأكاليل وقباب الفضة والذهب والطيب والكسوة ... ولم يُرَ في الإسلام مثلها ، وحشر الناس من الآفاق ، وفُرق فيهم من الأموال أمر عظيم . فكانت الدنانير تجعل في جامات فضة ، والدراهم في جامعات ذهب ، ونوافج المسك وجماجم العنبر والغالية في بواطي زجاج ، ويفرق ذلك على الناس ، ويخلع عليهم خلع الوشي المنسوجة ، وأوقد بين يديه في تلك الليلة شمع العنبر في أتوار الذهب . وأحضر نساء بني
هاشم ، وكان يدفع إلى كل واحدة منهن كيس فيه دنانير وكيس فيه دراهم وصينية كبيرة وفضة فيها طيب ، ويخلع عليها خلعة وشي مثقل .
وبلغت النفقة في هذا العرس من بيت مال الخاصة ، سوى ما أنفقه الرشيد من ماله ، خمسين ألف ألف درهم ...
ومنها عُرْسُ المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل ، بفم الصلح « قرب واسط » . وكانت النفقة عليه أمراً عظيماً . وسأل المأمون زبيدة عن تقدير النفقة في العرس ، فقالت : ما بين خمسة وثلاثين ألف ألف إلى سبعة وثلاثين ألف ألف .
ذكر ابن خرداذبه : أن المتوكل ، أنفق على الأبنية التي بناها ، وهي : بركوارا ، والشاه ، والعروس ، والبركة ، والجوسق ، والمختار ، والجعفري ، والغريب ، والبديع ، والصبيح ، والمليح ، والسندان ، والقصر ، والجامع ، والقلاية ، والبرج ، وقصر المتوكلية ، والبهو ، واللؤلؤة : مائتي ألف ألف وأربعة وسبعين ألف ألف درهم . ومن العين مائة ألف ألف دينار .
تكون قيمة الورق عيناً بصرف الوقت مع ما فيه من العين ثلاثة عشر ألف ألف دينار ، وخمس مائة ألف دينار ، وخمسة وعشرين ألف دينار .
قال : شرب المتوكل يوماً في بركوارا ،
فقال لندمائه : أرأيتم إن لم يكن أيام الورد لا نعمل نحن شاذكلاه « فارسية بمعنى : طربوش الفرح »
قالوا : يا أمير المؤمنين ، لا يكون الشاذكلاه إلا بالورد . فقال : بلى . أدعوا لي عبيد الله بن يحيى ، فحضر فقال : تقدم بأن تضرب لي دراهم ، في كل درهم حبتان . قال : كم المقدار يا أمير
المؤمنين ؟ قال : خمسة آلاف ألف درهم . فتقدم عبيد الله في ضربها فضربت ، وعرفه الخبر . فقال : إصبغ منها بالحمرة والصفرة والسواد ، واترك بعضها على حاله . ففعل . ثم تقدم إلى الدم والحواشي ، وكانوا سبع مائة ، أن يعد كل واحد منهم قباءً جديداً وقلنسوةً على خلاف لون قباء الآخر وقلنسوته ، ففعلوا .
ثم عمد إلى يوم تحركت فيه الريح ، فنصبت له قبة لها أربعون باباً ، فاصطبح فيها ، والندماء حوله . ولبس الخدم الكسوة التي أعدها ، وأمر بنثر الدراهم كما ينثر الورد . فنثرت أولاً أولاً ، فكانت الريح تحمل الدراهم فتقف بين السماء والأرض كما يقف الورد . فكان من أحسن أيام المتوكل وأظرفه .
وكان البرج من أحسن أبنيته ، فجعل فيه صوراً عظاماً من الذهب والفضة ، وبركة عظيمة جعل فرشها ظاهرها وباطنها صفائح الفضة ، وجعل عليها شجرة ذهب ، فيها كل طائر يصوت ويصفر ، مكللة بالجوهر ، وسماها طوبى . وعمل له سرير من الذهب كبير ، عليه صورتا سَبْعَيْن عظيمين ، ودرج عليها صور السباع والنسور وغير ذلك ، على ما يوصف به سرير سليمان بن داود عليهاالسلام . وجعل حيطان القصر من داخل وخارج ملبسة بالفسيفساء والرخام المذهب . فبلغت النفقة على هذا القصر ألف ألف وسبعمائة ألف دينار .
وجلس فيه على السرير الذهب ، وعليه ثياب الوشي المثقلة ، وأمر ألا يدخل عليه أحد إلا في ثياب وشي منسوجة ، أو ديباج ظاهرة .