الإمام علي الهادي عليه السلام

الشيخ علي الكوراني العاملي

الإمام علي الهادي عليه السلام

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠

وجاء به فقال : أخاف أن يكون الواثق لم يمت ، قال : فمرَّ به فنظر إليه مُسَجَّىً ، فجاء فجلس فألبسه أحمد بن أبي دؤاد الطويلة وعممه وقبَّله بين عينيه ، وقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته . ثم غُسِّلَ الواثق وصُلِّيَ عليه ودفن ، ثم صاروا من فورهم إلى دار العامة ولم يكن لُقَّبَ المتوكل . وذكر أنه كان يوم بويع له ابن ست وعشرين سنة ، ووضع العطاء للجند لثمانية أشهر ، وكان الذي كتب البيعة له محمد بن عبد الملك الزيات ، وهو إذ ذاك على ديوان الرسائل واجتمعوا بعد ذلك على اختيار لقب له ، فقال ابن الزيات : نسميه المنتصر بالله وخاض الناس فيها حتى لم يشكوا فيها ، فلما كان غداة يوم بَكَّرَ أحمد بن أبي دؤاد إلى المتوكل فقال : قد رَوِيتُ « وصلتُ اليه بعد رَوِيَّة » في لقب أرجو أن يكون موافقاً حسناً إن شاء الله وهو : المتوكل على الله . وأمر بإمضائه ، وأحضر محمد بن عبد الملك فأمر بالكتاب بذلك إلى الناس فنفذت إليهم الكتب نسخة ذلك : بسم الله الرحمن الرحيم أَمَرَ ، أبقاك الله ، أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ، أن يكون الرسم الذي يجرى به ذكره على أعواد منابره ، وفى كتبه إلى قضاته وكتابه وعماله وأصحاب قضاته وكتابه وعماله وأصحاب دواوينه ، وغيرهم من سائر من تجرى المكاتبة بينه وبينه : من عبد الله جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين . فرأيك في العمل بذلك ، وإعلامي بوصول كتابي إليك ، موفقاً إن شاء الله .

وذُكر أنه لما أمر للأتراك برزق أربعة أشهر ، وللجند والشاكرية ومن يجرى مجراهم من الهاشميين برزق ثمانية أشهر ، أمر للمغاربة برزق ثلاثة أشهر ، فأبوا

٢١

أن يقبضوا فأرسل إليهم من كان منكم مملوكاً فليمض إلى أحمد بن أبي دؤاد حتى يبيعه ، ومن كان حراً صيرناه أسوة الجند ، فرضوا بذلك ، وتكلم وصيف فيهم « مع المتوكل » حتى رضيَ عنهم فأعطوا ثلاثة ، ثم أجروا بعد ذلك مجرى الأتراك .

وبويع للمتوكل ساعة مات الواثق بيعة الخاصة ، وبايعته العامة حين زالت الشمس من ذلك اليوم » .

وفي وفيات الأعيان « ٥ / ٩٩ » : « لما مات الواثق بالله أخ المتوكل ، أشار محمد المذكور « الزيات » بتولية ولد الواثق ، وأشار القاضي أحمد بن أبي دواد المذكور بتولية المتوكل وقام في ذلك وقعد حتى عممه بيده وألبسه البُرْدَة ، وقبَّله بين عينيه » .

وقال الخطيب البغدادي في تاريخه « ٣ / ١٤٥ » : « كان بين محمد بن عبد الملك وبين أحمد بن أبي دؤاد عداوةٌ شديدةٌ ، فلما وليَ المتوكل دارَ ابن أبي داود على محمد ، وأغرى به المتوكل حتى قبض عليه وطالبه بالأموال » .

وقال المسعودي في مروج الذهب « ٤ / ٣ » : « فلما كان في اليوم الثاني لقبه أحمد بن أبي داود المتوكل على الله » .

أقول : لكن روايتنا تدل على أنه كان يوجد صراع على الخلافة بعد الواثق ، بين رئيس وزرائه ابن الزيات من جهة ، وبين إيتاخ القائد التركي الذي ربى المتوكل ومعه القائد التركي وصيف ، ومعهما القاضي ابن أبي دؤاد من جهة أخرى . وكان المتوكل في السجن فتمكن وصيف وابن دُؤاد من إخراجه ، وعقدوا له البيعة ولقَّبَوه بالمتوكل !

٢٢

قال خيران الأسباطي : « قدمت على أبي الحسن « الإمام الهادي عليه‌السلام » المدينة فقال لي : ما خبر الواثق عندك ؟ قلت : جعلت فداك خَلَّفْتُهُ في عافية ، أنا من أقرب الناس عهداً به ، عهدي به منذ عشرة أيام . قال فقال لي : إن أهل المدينة يقولون : إنه مات . فلما أن قال لي : الناس ، علمت أنه هو . ثم قال لي : ما فعل جعفر « المتوكل » ؟ قلت : تركته أسوأ الناس حالاً في السجن . قال فقال : أما إنه صاحب الأمر !

ما فعل ابن الزيات ؟ قلت : جعلت فداك الناس معه ، والأمر أمره . قال فقال : أما إنه شؤم عليه . قال : ثم سكت وقال لي : لابد أن تجري مقادير الله تعالى وأحكامه . يا خيران ، مات الواثق وقد قعد المتوكل جعفر ، وقد قتل ابن الزيات . فقلت : متى جعلت فداك ؟ قال : بعد خروجك بستة أيام » . « الكافي : ١ / ٤٩٨ » .

وقد كتبنا فقرات عن ابن دؤاد في سيرة الإمام الهادي عليه‌السلام ، وسنكتب عنه وعن القادة الأتراك ، فقرات في هذه السيرة .

وكان لحضرة الخليفة ندماء مخانيث !

في الإكمال لابن ماكولا العجلي « ٦ / ٢٨ » : « وأما عَبَّادَة بفتح العين وتشديد الباء ، فهو عبادة المخنث ، كان ينادم المتوكل ، له نوادر ومضاحيك » .

وفي تاريخ الذهبي « ١٨ / ٣٠٤ » : « قال البخاري : مات في شوال سنة خمسين ومئتين عَبَّادة المخنث » .

وفي كتاب الديارات « ١ / ٤٤ » : « قال المتوكل لعَبَّادة ذات يوم : دع التخنث حتى أزوجك . قال : أنت خليفة أو دلَّالة ؟ وقال له ابن حمدون : يا عبَّادة ، لو حججتَ

٢٣

لاكتسبت أجراً ورآك الناس في مثل هذا الوجه المبارك . فقال : إسمعوا ويلكم إلى هذا العيار : يريد أن ينفيني من سامراء على جمل » !

وفي تذكرة ابن حمدون « ٣ / ١٦٤ » : « كان المتوكل على بِرْكة يصيد السمك ، وعنده عبادة المخنث ، فتحرك المتوكل فخرجت منه ريح ، فقال لعبادة : أكتمها عليَّ فإنك إن ذكرتها ضربت عنقك ! ودخل الفتح فقال : أي شئ صدتم اليوم ؟ فقال له عبادة : ما صدنا شيئاً ، والذي كان معنا أفلت » !

وفي العقد الفريد « ٦ / ٤٣٧ » : « كنا عند المتوكل يوماً وبين يديه عبادة المخنث ، فأمر به فألقي في بعض البرك في الشتاء فابتل وكاد يموت برداً ، قال : ثم أخرج من البركة وكسي وجعل في ناحية في المجلس ، فقال له : يا عبادة كيف أنت وما حالك ؟ قال : يا أمير المؤمنين جئت من الآخرة . فقال له : كيف تركت أخي الواثق ؟ قال : لم أجُزْ بجهنم ! فضحك المتوكل وأمر له بصلة » .

وفي تاريخ دمشق « ٢٦ / ٢٢٢ » : « كان لرجل على عبادة المخنث دينٌ ، فكان يتردد إليه كل يوم فيقال ليس هو في البيت ، فغلس عليه يوماً في الثلث الأخير فدق الباب ، فقيل ليس هو هاهنا . فصاح الرجل واستغاث بالجيران ، فلما اجتمعوا قال يا معشر الناس في الدنيا أحد ليس هو في بيته الساعة ، فأشرف عليه عبادة من طاق له قال : نعم يا ابن الفاعلة هو ذا أنت ليس في بيتك الساعة » .

وفي جمع الجواهر للحصري « ١ / ٦٨ » : « كان المتوكل قد بسط من عبادة المخنث للدخول معه على كل حال ، فدخل عليه وهو نائم مع سوداء كان يحبها ، فلما رآه

٢٤

أمرها أن تغطي وجهها . فقال : يا أمير المؤمنين ومن معك ؟ قال : ويلك ، وبلغ فضولك إلى هذا الموضع ! ومدت الجارية رجلها فبانت سوداء . فقال : يا أمير المؤمنين تنام ورجلك في الخف !

فقال المتوكل : قم عليك لعنة الله ، وضحك وأمر له بصلة ، فأخذها وانصرف . وكان عبادة يشرب بين يديه ويترك في القدح فضلة ، فقال : يا عبادة ما تدري ما يقول الناس ؟ قال : وما هو ؟ قال : يقولون إن شارب النبيذ إذا شرب وعبس وجهه وفضلت في القدح فضلة فإن إبليس يضرب قفاه ، ويقول : إشرب فضلة ما استطبت . فمضت الأيام واصطبح المتوكل وعبادة حاضر ، وشرب قدحاً كان في يديه وفضلت فضلة . فقال : يا أمير المؤمنين ، جاءك الرجل !

وتجارى الجواري بحضرة المتوكل فسبقتهن جارية ممشوقة ، فقال المتوكل لعبادة : إجْرِ معها حتى ننظر من يسبق صاحبه . فقال عبادة : إن سبقتها فما لي ؟ قال : هي لك ، وإن سَبَقَتْكَ صَفَعَتْكَ . . » .

وفي كتاب الديارات لأبي الحسن الشايستي « ١ / ٤٥ » : « خرج عَبَّادة يوماً في السحر إلى الحمام ، فلقي غلاماً من أولاد الأتراك ، فأعطاه عشرة دراهم وقال : إقطع أمر عمك ! فبينا الغلام فوقه خلف الدرب ، إذ أشرفت عجوز من غرفة لها فرأتهما فصاحت : اللصوص ! فقال عبادة : يا عجوز السوء النَّقْبُ في إستي ، صياحك أنت من أيش » !

٢٥

وفي جمع الجواهر للحصري « ١ / ١٢٩ » : « وركب المتوكل زُلالاً « قارباً » ومعه قَطَّاطة وعبَّادة المخنثان ، وكان قطاطة طويلاً جداً فجعل يغني إلى أن هبت ريح . . »

وفي نثر الدرر « ٥ / ١٩٤ » : ركب يوماً زلالاً ومعه جماعة ، فيهم كنيز المخنث ! وسيأتي أن شاعر المتوكل ومستشاره علي بن جهم كان مخنثاً أيضاً !

وكان حضرة الخليفة خَمَّاراً يهوى الغلمان !

وقد شاع ذلك عنه وذاع ، وروت المصادر أنه أراد أن إجبار الإمام الهادي عليه‌السلام على أن يشرب معه فامتنع ، ووعظه بشعر فأبكاه !

وممن رواه الذهبي في تاريخه « ١٨ / ١٩٩ » قال : « كان قد سُعِيَ بأبي الحسن إلى المتوكل وأن في منزله سلاحاً وكتباً من أهل قم ، ومن نيته التوثب . فكَبَسَ بيته ليلاً ، فوُجد في بيت عليه مِدْرَعَةُ صوف ، متوجهٌ إلى ربه ، يترنمُ بآيات ، فأُخذ كهيئته إلى المتوكل وهويشرب ، فأعظمه وأجلسه إلى جانبه وناوله الكأس ، فقال : ما خامر لحمي ودمي قط ، فاعفني منه ، فأعفاه وقال : أنشدني شعراً ، فأنشده :

باتوا على قُلَلِ الأجبال تحرسهمْ

غُلْبُ الرجالِ فما أغنتهمُ القُللُ

واستُنْزِلُوا بعد عِزٍّ عن مَعَاقِلهمْ

فأُودعُوا حُفَراً يا بِئسَ ما نَزلوا

ناداهُمُ صارخٌ من بعد ما قُبروا

أينَ الأسِرَّةُ والتيجانُ والحُلَلُ

أينَ الوجوهُ التي كانت مُنَعَّمَةً

من دونها تُضرُب الأستارُ والكِللُ

فأفصحَ القبرُ عنهمْ حين ساءلهمْ

تلكَ الوجوهُ عليها الدُّودُ يَقْتَتِل

قد طالَ ما أكلُوا دهراً وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكِلوا

٢٦

وطالما عَمروا دوراً لتحصنهمْ

ففارقوا الدورَ والأهلينَ وانتقلوا

وطالما كنزوا الأموالَ وادَّخروا

فخلَّفُوها على الأعداء وارتحلوا

أضحت مَنازِلُهم قَفْراً مُعَطَّلَةً

وساكِنُوهَا إلى الأجْدَاثِ قد رَحَلُوا »

لكن بكاء المتوكل من ذكر الموت وخوفه من الله تعالى كان آنياً ، فقد بقي كل عمره يشرب ويسرف في الشرب ، حتى قُتل وهو سكران !

قال نديمه علي بن الجهم : « كنت يوماً عند المتوكل وهو يشرب ونحن بين يديه ، فدفع إلى محبوبة تفاحة مغلَّفة فقبَّلتها ، وانصرفت عن حضرته إلى الموضع الذي كانت تجلس فيه إذا شرب » . « الأغاني : ٢٢ / ٤٠٨ » .

وقال الثعالبي في ثمار القلوب « ١ / ١٥٥ » : « كان بنانُ وزَنَامُ مُطْرِبَيْ المتوكل ، وكان كل منهما منقطع القرين فى طبقته ، فإذا اجتمعا على الضرب والزمر أحسنا وفَتَنَا وأعْجَبَا وعَجَّبا ، وكان المتوكل لا يشرب إلا على سماعهما » .

وقال ابن كثير الناصبي في النهاية « ١٠ / ٣٤٣ » : « شرب ليلةً مع المتوكل ، فعربد عليه المتوكل فهمَّ إيتاخ بقتله ، فلما كان الصباح اعتذر المتوكل إليه وقال له : أنت أبي وأنت ربيتني ، ودسَّ اليه من يشير إليه بأن يستأذن للحج .. » .

وروى الشابستي في الديارات خبر مجالس خمر كثيرة للمتوكل ، قال « ١ / ٣٧ » : « اجتمع مشايخ الكتاب بين يدي المتوكل ، وكان فيهم يحيى بن خاقان ، وابنه عبيد الله إذ ذاك الوزير ، وهو واقف موقف الخدم بقباء ومنطقة ، وكان يحيى لايشرب النبيذ فقال المتوكل لعبيد الله : خذ قدحاً من تلك الأقداح واصبب فيه نبيذاً وصيَّر على

٢٧

كتفك منديلاً ، وامض إلى أبيك يحيى فضعه في كفه . قال ففعل ، فرفع يحيى رأسه إلى ابنه فقال المتوكل : يا يحيى لاترده . قال : لا يا أمير المؤمنين ، ثم شربه وقال : قد جَلَّتْ نعمتك عندنا يا أمير المؤمنين فهنأك الله النعمة ولاسلبنا ما أنعم به علينا منك . فقال : يا يحيى ، إنما أردت أن يخدمك وزير بين يدي خليفة » .

وفي تاريخ بغداد « ١٣ / ٤٥٤ » : « حدثني أبوالعباس بن طومار قال : كنتُ أنادمُ المتوكل فكنت عنده يوماً ومعنا البحتري وكان بين يديه غلام حسن الوجه يقال له راحْ . فقال المتوكل للفتح : يا فتح إن البحتري يعشق راحاً ، فنظر إليه الفتح وأدمن النظر ، فلم يره ينظر إليه ، فقال له الفتح : يا أمير المؤمنين أرى البحتري في شغل عنه ، فقال : ذاك دليلي عليه ، ثم قال المتوكل : يا راح خذ رطل بلور فاملأه شراباً وادفعه إليه ، ففعل .. » .

وفي ديوان الصبابة « ١ / ٢١ » : « كان للمتوكل غلامٌ إسمه شفيع ، وكان من أحسن الفتيان ، فكان المتوكل يجن به جنوناً ، فأحب يوماً أن ينادم حسين بن الضحاك وأن يرى ما بقي من شهوته ، وكان قد أسن فأحضره فسقاه حتى سكر ، وقال لشفيع : إسقه فسقاه وحياه بوردة ، وكانت على شفيع ثياب موردة ، فمد حسين يده إلى ذراع شفيع فقال المتوكل : أتخمش أخمص قدمي بحضرتي ، فكيف لو خلوت به ، ما أحوجك إلى الأدب . وكان المتوكل قد غمز شفيعاً على العبث به فدعا بدواة فكتب .. » .

٢٨

وفي جمع الجواهر للحصري « ١ / ١١٤ » : « شرب ابن حمدون النديم مع المتوكل وبحضرته غلامٌ مليح الوجه ، فتأمله ابن حمدون تأملاً شديداً ، وقد حمل الشراب إليه . فقال المتوكل : يا ابن حمدون ، ما الحكم في الرجل إذا نظر إلى غلامِ فتى ؟ قال : أن تقطع أذنه . قال : ليُحكم عليك بحكمك .. » .

أقول : يقصد المتوكل أن غلامه كزوجته ، والناظر اليه ناظر الى عرضه ! فاعجب لمن يدعي أنه خليفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويتجاهر بالفاحشة ، ويطبق شرائع الجاهلية في الغلمان !

وكان لحضرة الخليفة أربعة آلاف جارية !

١. قال السيوطي في تاريخ الخلفاء / ٣٧٧ : « وكان منهمكاً في اللذات والشراب ، وكان له أربعة آلاف سرية ، ووطأ الجميع » !

وقال الوائلي في فقه الجنس / ٢٣٩ : « الخليفة جعفر المتوكل ـ محيي السنة ومميت البدعة ـ كان له أربعة آلاف سرية ، وإنه كما يقولون وطأ الجميع ، وهو أمر لو أردنا تصديقه وقلنا إنه يقوى على الوطأ مرتين في اليوم ، فلا يلحق الجارية إلا حصة واحدة كل خمس سنوات أو أكثر !

وليت شعري كيف يتسع وقت الخليفة المتوكل بالإضافة إلى مهام الخلافة ، وسهره المتواصل ليلاً يَعُبُّ الخمر حتى الصباح ، وكان سكيراً شديد السكر !

يقول عنه المؤرخون : كان يبغض علياً عليه‌السلام وينتقصه ويغلو في بغض علي ويكثر الوقيعة والإستخفاف به . . ولي سؤال واحد في نهاية هذه الخاطرة : لو أن المتوكل كان يبغض عمر بن الخطاب ويشتمه ، فهل سيبقى محيي السنة ومميت البدعة ؟!

٢٩

إن هذا العدد من الجواري والمحظيات ترك في تاريخنا صوراً مشوهةً ، وعكسَنَا أمام الناس بأننا جنسٌ متجسد ، وسعارُ نهمٍ لا حدود لاستشرائه ، فما جاء الإسلام ليحيل الدنيا إلى حمئة من الجنس يغرق فيها الإنسان ويجمع من الجواري ما لايستطيع تغطية حاجاته من النكاح ، وبالتالي يوفر له سبل الإنحراف » !

٢. وفي نهاية الإرب « ٥ / ١١٢ » : « وقال علي بن الجهم : كانت محبوبةُ لعبد الله بن طاهر ، أهداها إلى المتوكل في جملة أربع مائة جارية ، وكانت بارعة الحسن والظَّرف والأدب ، مغنيةً محسنةً ، فحظيت عند المتوكل حتى كان يجلسها خلف الستارة وراء ظهره ، إذا جلس للشرب ، فيدخل رأسه إليها فيراها ويحدثها في كل ساعة » .

وفي مروج الذهب « ٤ / ٤٢ » : « لما أفضت الخلافة الى أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله ، أهدى اليه الناس على أقدارهم ، وأهدى اليه ابن طاهر هدية فيها مائتا وصيفة ووصيف ، وفي الهدية جارية يقال لها محبوبة كانت لرجل من أهل الطائف ، قد أدبها وثقفها وعلمها من صنوف العلم ، وكانت تقول الشعر وتلحنه وتغني به على العود ، وكانت تحسن كل ما يحسنه علماء الناس ، فحسن موقعها من المتوكل ، وحلت من قلبه محلاً جليلاً ، لم يكن أحد يعدلها عنده .

قال علي « بن الجهم نديمه » : فدخلت عليه يوماً للمنادمة ، فلما استقر بي المجلس قام فدخل بعض المقاصير ، ثم خرج وهو يضحك ، فقال لي : ويلك يا علي ، دخلت

٣٠

فرأيت قيْنةً قد كتبت في خدها بالمسك جعفراً فما رأيت أحسن منه ، فقل فيه شيئاً ، فقلت : يا سيدي ، وحدي أو أنا ومحبوبة .. » .

٣. وفي مطالع البدور للبهائي الدمشقي « ١ / ٢١٥ » : « ومن ظرائف الهدايا ما أهدته شجرة الدر جارية المتوكل ، وكان يميل إليها ميلاً كبيراً ، ويفضلها على سائر حظاياه ، فلما كان يوم المهرجان أهدى إليه حظاياه هدايا نفيسة ، واحتفلن في ذلك ، فجاءت شجرة الدر بعشرين غزالاً تربيةً ، عليهن عشرون سراجاً صينياً على كل غزال خرج صغير مشبك حرير ، فيه المسك والعنبر والغالية ، وأصناف الطيب ، ومع كل غزال وصيفة بمنطقة ذهب ، وفي يدها قضيب ذهب ، وفي رأسه جوهرة ، فقال المتوكل لحظاياه وقد سر بالهدية : ما فيكن من تحسن مثل هذا وتقدر عليه ! فحسدنها وعملن على قتلها بشئ سقينه لها ، فماتت » !

٤. وفي مسالك الأبصار للعدوي العمري « ١٠ / ٤٦٨ » : « بنان : جارية المتوكل وكانت تخجل القمر بصفحتها ، والغزال بلمحتها ، والقضيب المتأود بقدها ، والتفاح الجني بخدها ، وتغير القلائد بنظمها الذي لا يحليه إلا مبسمها ، ولا يضاهيه إلا الثريا لمن يتوسمها ، لا تجئ عريبٌ لها بإصبع من بنان ، ولا دنانيرُ إلا مما لا يُدخر للإمتنان ، ولا سابقة تلحق إلا وهي معها في طيِّ عنان » .

٥. وفي نهاية الأرب « ٤ / ١٨ » : « قال المتوكل لجارية استعرضها : أنت بكر أم إيش ؟ قالت : أنا إيش يا أمير المؤمنين . فضحك وابتاعها » .

٣١

٦. وفي نثر الدر للآبى « ٤ / ١٨٦ » : « عرضت على المتوكل جارية فقال لها : إيش تحسنين ؟ قالت : عشرين لوناً رهزاً . فأعجبته فاشتراها » .

٧. وفي منتخب ربيع الأبرار للأماسي / ٩٩ : « طلب المتوكل جارية الدقاق بالمدينة ، [ وكان من أقران الجنيد ومن أكابر مصر ] فكاد يزول عقله لفرط حبها ! فقالت لمولاها : أحسن الظن بالله وبي ، فإني كفيلة لك بما تحب . فحملت اليه ، فقال لها المتوكل : إقرئي ، فقرأت : إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة ! ففهم المتوكل ما أرادت فردها » .

٨. وفي الجماهر للبيروني « ١ / ٦ » : « حُكِيَ عن المتوكل أن أعضاؤه ضعفت عن حركات الرهز ، ولم يشبع من الجماع ، فملئ له حوض من الزئبق ، وبُسط عليه النطع ليحركه الزئبق من غير أن يتحرك ، فاستلذه . وسأل عن معدنه فأشير إلى الشيز بآذربيجان ، فولى حمدون النديم ثَمَّ ٠، ليجهز إليه الزئبق » !

عنده آلاف الجواري واغتصب بنت رئيس وزرائه !

روى الجاحظ في المحاسن / ١١٨ ، والتنوخي في نشوار المحاضرة « ٦ / ٣٢٣ » قصةً تدل على فسق المتوكل وتجبره،حيث أمر وزيره الرخجي في الليل أن يأتيه بابنته ! قالا :

« وُصِفت للمتوكل عائشة بنت عمر بن فرج الرخجي ، فوجه في جوف الليل والسماء تهطل ، إلى عمر أن احمل إليَّ عائشة ، فسأله أن يصفح عنها فإنها القيمة بأمره ، فأبى ! فانصرف عمر وهو يقول : اللهم قني شر عبدك جعفر ، ثم حملها بالليل فوطأها ، ثم ردها إلى منزل أبيها » .

٣٢

دخل جِنِّيٌ في جارية المتوكل فأخرجه ابن حنبل بالقبقاب !

روى أبو يعلى في طبقات الحنابلة « ١ / ٢٣٣ » : « حدثني أبي عن جدي قال : كنت في مسجد أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ، فأنفذ إليه المتوكل بصاحب له يعلمه أن له جارية بها صَرَعٌ ، وسأله أن يدعو الله لها بالعافية ، فأخرج له أحمد نعل خشب بشراك خوص للوضوء ، فدفعه إلى صاحب له وقال له : تمضي إلى دار أمير المؤمنين وتجلس عند رأس الجارية وتقول له : يقول لك أحمد : أيما أحب إليك تخرج من هذه الجارية أو أصفع الآخر بهذه النعل ! فمضى إليه وقال له مثل ما قال أحمد ، فقال المارد على لسان الجارية : السمع والطاعة ، لو أمرنا أحمد أن لا نقيم في العراق ما أقمنا به ! إنه أطاع الله ، ومن أطاع الله أطاعه كل شئ ، وخرج من الجارية وهدأت ، وزوجت ورزقت أولاداً .

فلما مات أحمد عاودها المارد ، فأنفذ المتوكل إلى صاحبه أبي بكر المروذي وعرفه الحال ، فأخذ المروذي النعل ومضى إلى الجارية فكلمه العفريت على لسانها : لا أخرج من هذه الجارية ولا أطيعك ولا أقبل منك ، أحمد بن حنبل أطاع الله فأُمرنا بطاعته » !

أقول : المروزي المذكور أقرب تلاميذ أحمد ، وهو إمام عندهم ، لكن قبقابه لم يعمل !

وفي شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي « ٢ / ١١٥ » : « وروى علي بن الجهم قال : لما أفضت الخلافة إلى المتوكل أهدى له الناس على أقدارهم فأهدى له محمد بن عبد الله بن طاهر ثلاث مائة جارية من أصناف الجواري ، وكان فيهن جارية يقال لها

٣٣

محبوبة ، وقد نشأت بالطائف فوقعت من قلب المتوكل موقعاً عظيماً وحلت من نفسه محلاً جسيماً ، وكانت تسامره ولا تفارقه ، فغاضبها يوماً وأمرها بلزوم مقصورتها ، وأمر أن لا يدخل الجواري عليها .

قال علي بن الجهم : فبينا أنا عنده جالسٌ يوماً إذ قال لي : يا علي رأيت البارحة كأنني صالحتُ محبوبة ! فقلت : أقر الله عينيك وجعله حقيقة في اليقظة .

وإنا لفي ذلك إذ أقبلت وصيفة كانت تقف على رأسه فقالت : يا أمير المؤمنين سمعت الساعة في منزل محبوبة غناءً ، فقال لي : يا علي قم بنا الساعة ، فإنا سنرد على بوادر ظريفة ، فأخذ بيدي وجعلنا نمشي رويداً لئلا يُسْمَعَ حِسُّنَا ، فوقف على باب المقصورة ، وإذا بها تضرب بالعود وتغني :

أدورُ في القصر لا أرى أحداً

أشكو إليه ولا يكلمني

حتى كأني جنيتُ معصيةً

ليست لها توبةٌ تُخلصني

فهل شفيعٌ لنا إلى ملكٍ

قد زارني في الكرى وصالحني

حتى إذا ما الصباح لاحَ لنا

عاد إلى هَجْره فصارمني

فنفر المتوكل طرباً ونفرتُ معه لنفيره ، فأحسَّت بنا فخرجت حافية ، ثم أكبَّت على رجلي أمير المؤمنين ويديه ورأسه ، ثم قالت : يا أمير المؤمنين رأيت البارحة في النوم كأني قد صالحتك ! فقال لها : وأنا والله رأيت مثل ذلك .

٣٤

قالت : فإن رأى أمير المؤمنين أن يتمم المنة فهو المنعم على كل حال . فقال : أدخلي فإنا سنرد على ما نحب . قال : فمكثنا ثلاثة أيام ونحن كأننا في بعض رياض الجنة ، ووصلني بعد ذلك ببدرة ، فأخذتها وانصرفت » !

وكان حضرة الخليفة مسرفاً مبذراً لأموال المسلمين

قال المسعودي في مروج الذهب « ٤ / ٤٠ » : « وقد قيل : إنه لم تكن النفقات في عصر من الأعصار ولا وقت من الأوقات ، مثلَها في أيام المتوكل !

ويقال : إنه أنفق على الهاروني والجوسق الجعفري أكثر من مائة ألف ألف درهم ، هذا مع كثرة الموالي والجند والشاكرية ، ودُور العطاء لهم ، وجليل ما كانوا يقبضونه في كل شهر ، من الجوائز والهبات » .

وفي كتاب الديارات « ١ / ٣٨ » : « القادسية ، من أحسن المواضع وأنزهها ، وهي من معادن الشراب ومناخات المتطربين . جامعة لما يطلب أهل البطالة والخسارة .

وبالقادسية بنى المتوكل قصره المعروف بِبُرْكَوَار ، ولما فرغ من بنائه وهبه لابنه المعتز وجعل إعذاره « ختانه » فيه ، وكان من أحسن أبنية المتوكل وأجلها ، وبلغت النفقة عليه عشرين ألف ألف درهم .

قال : ولما صح عزمه على إعذار « ختان » أبي عبد الله المعتز ، أمر الفتح بن خاقان بالتأهب له ، وأن يلتمس في خزائن الفرش بساطاً للإيوان في عرضه وطوله ، وكان طوله مائة ذراع وعرضه خمسون ذراعاً ، فلم يوجد إلا فيما قبض عن بني أمية ، فإنه وجد في أمتعة هشام بن عبد الملك على طول الإيوان وعرضه ، وكان

٣٥

بساطاً إبريسماً غَرْزٌ مُذَهَّبٌ مفروز مبطَّن ، فلما رآه المتوكل أعجب به وأراد أن يعرف قيمته ، فجمع عليه التجار فذكر أنه قُوَّم على أوسط القيم عشرة آلاف دينار . فبسط في الإيوان وبسط للخليفة في صدر الإيوان سرير ، ومُدَّ بين يديه أربعة آلاف مرفع ذهب مرصعة بالجوهر ، فيها تماثيل العنبر والنِّد والكافور المعمول على مثل الصور ، منها ما هو مرصع بالجوهر مفرداً ، ومنها ما عليه ذهب وجوهر ، وجعلت بساطاً ممدوداً ، وتغدى المتوكل والناس .

وجلس على السرير ، وأحضر الأمراء والقواد والندماء وأصحاب المراتب ، فأجلسوا على مراتبهم ، وجعل بين صوانيهم والسماط فُرْجة .

وجاء الفراشون بزُبُل « جمع زنبيل » قد غُشِّيت بأدَم مملوءة دنانير ودراهم نصفين ، فصبت في تلك الفرج حتى ارتفعت ، وقام الغلمان فوقها ، وأمروا الناس عن الخليفة بالشرب ، وأن يَتَنَقَّلَ « من النُّقْل وهو ما يؤكل مع الخمر » كل من يشرب بثلاث حفنات ، ما حملت يداه من ذلك المال . فكان إذ أثقل الواحد منهم ما اجتمع في كمه أخرجه إلى غلمانه فدفعه إليهم وعاد إلى مجلسه ، وكلما فرغ موضع أتى الفراشون بما يملؤونه به حتى يعود إلى حاله .

وخلع على سائر من حضر ثلاث خلع كل واحد ، وأقاموا إلى أن صليت العصر والمغرب ، وحملوا عند انصرافهم على الأفراس والشهاري « البغال » .

وأعتق المتوكل عن المعتز ألف عبد ، وأمر لكل واحد منهم بمائة درهم وثلاثة أثواب . وكان في صحن الدار بين يدي الإيوان أربع مائة بلية « بالة » عليهن أنواع

٣٦

الثياب ، وبين يديهن ألف نبيجة « صينية » خيزران ، فيها أنواع الفواكه من الأترج والنارنج على قلته كان في ذلك الوقت ، والتفاح الشامي والليموه ، وخمسة آلاف باقة نرجس ، وعشرة آلاف باقة بنفسج .

وتقدم إلى الفتح بأن ينثر على البليات وخدم الدار والحاشية ، ما كان أعده لهم وهو عشرون ألف ألف درهم ، فلم يُقدم أحد على التقاط شئ ، فأخذ الفتح درهماً ، فأكبت الجماعة على المال فنهب .

وكانت قبيحة « أم المعتز » قد تقدمت بأن تُضرب دراهم عليها : بركةٌ من الله ، لإعذار أبي عبد الله المعتز بالله . فضرب لها ألف ألف درهم ، نُثرت على المزين ومن في حيزه والغلمان والشاكرية وقهارمة الدار والخدم الخاصة ، من البيضان والسودان . وكان ممن حضر المجلس ذلك اليوم ، محمد المنتصر وأبو أحمد وأبوسليمان ابنا الرشيد ، وأحمد والعباس ابنا المعتصم ، وموسى بن المأمون ، وابنا حمدون النديم وأحمد بن أبي رؤيم ، والحسين بن الضحاك ، وعلي بن الجهم ، وعلي بن يحيى المنجم ، وأخوه أحمد .

ومن المغنين : عمرو بن بانة ، أحمد بن أبي العلاء ، ابن الحفصي ، ابن المكي ، سلمك الرازي ، عثعث ، سليمان الطبال ، المسدود ، أبو حشيشة ، ابن القصار ، صالح الدفاف ، زنام الزامر ، تفاح الزامر .

ومن المغنيات : عريب ، بدعة جاريتها ، سراب ، شارية وجواريها ، ندمان ، منعم ، نجلة ، تركية ، فريدة ، عرفان .

٣٧

وقال إبراهيم بن العباس : سألت أبا حرملة المزين في هذا اليوم ، فقلت : كم حصل لك إلى أن وضع الطعام ؟ فقال : نيف وثمانون ألف دينار ، سوى الصياغات والخواتيم والجواهر العتيدات .

قال : وأقام المتوكل ببركوارا ثلاثة أيام ، ثم أصعد إلى قصره الجعفري . وتقدم بإحضار إبراهيم بن العباس ، وأمره أن يعمل له عملاً بما أنفق في هذا الإعذار ويعرضه عليه ففعل ذلك ، فاشتمل العمل على ستة وثمانين ألف ألف درهم .

وكان الناس يستكثرون ما أنفقه الحسن بن سهل في عرس ابنته بوران ، حتى أرخ ذلك في الكتب ، وسميت دعوة الإسلام ، ثم أتى من دعوة المتوكل ما أنسى ذلك . وكانت الدعوات المشهورة في الإسلام ثلاثاً لم يكن مثلها ، فمنها : دعوة المعتز هذه المذكورة ، ومنها عرس زبيدة بن جعفر بن أبي جعفر ، فإن المهدي ، زوج ابنه الرشيد بأم جعفر ابنة أخيه ، فاستعد لها ما لم يستعد لامرأة قبلها من الآلة وصناديق الجوهر والحلي والتيجان والأكاليل وقباب الفضة والذهب والطيب والكسوة ... ولم يُرَ في الإسلام مثلها ، وحشر الناس من الآفاق ، وفُرق فيهم من الأموال أمر عظيم . فكانت الدنانير تجعل في جامات فضة ، والدراهم في جامعات ذهب ، ونوافج المسك وجماجم العنبر والغالية في بواطي زجاج ، ويفرق ذلك على الناس ، ويخلع عليهم خلع الوشي المنسوجة ، وأوقد بين يديه في تلك الليلة شمع العنبر في أتوار الذهب . وأحضر نساء بني

٣٨

هاشم ، وكان يدفع إلى كل واحدة منهن كيس فيه دنانير وكيس فيه دراهم وصينية كبيرة وفضة فيها طيب ، ويخلع عليها خلعة وشي مثقل .

وبلغت النفقة في هذا العرس من بيت مال الخاصة ، سوى ما أنفقه الرشيد من ماله ، خمسين ألف ألف درهم ...

ومنها عُرْسُ المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل ، بفم الصلح « قرب واسط » . وكانت النفقة عليه أمراً عظيماً . وسأل المأمون زبيدة عن تقدير النفقة في العرس ، فقالت : ما بين خمسة وثلاثين ألف ألف إلى سبعة وثلاثين ألف ألف .

ذكر ابن خرداذبه : أن المتوكل ، أنفق على الأبنية التي بناها ، وهي : بركوارا ، والشاه ، والعروس ، والبركة ، والجوسق ، والمختار ، والجعفري ، والغريب ، والبديع ، والصبيح ، والمليح ، والسندان ، والقصر ، والجامع ، والقلاية ، والبرج ، وقصر المتوكلية ، والبهو ، واللؤلؤة : مائتي ألف ألف وأربعة وسبعين ألف ألف درهم . ومن العين مائة ألف ألف دينار .

تكون قيمة الورق عيناً بصرف الوقت مع ما فيه من العين ثلاثة عشر ألف ألف دينار ، وخمس مائة ألف دينار ، وخمسة وعشرين ألف دينار .

قال : شرب المتوكل يوماً في بركوارا ، فقال لندمائه : أرأيتم إن لم يكن أيام الورد لا نعمل نحن شاذكلاه « فارسية بمعنى : طربوش الفرح » قالوا : يا أمير المؤمنين ، لا يكون الشاذكلاه إلا بالورد . فقال : بلى . أدعوا لي عبيد الله بن يحيى ، فحضر فقال : تقدم بأن تضرب لي دراهم ، في كل درهم حبتان . قال : كم المقدار يا أمير

٣٩

المؤمنين ؟ قال : خمسة آلاف ألف درهم . فتقدم عبيد الله في ضربها فضربت ، وعرفه الخبر . فقال : إصبغ منها بالحمرة والصفرة والسواد ، واترك بعضها على حاله . ففعل . ثم تقدم إلى الدم والحواشي ، وكانوا سبع مائة ، أن يعد كل واحد منهم قباءً جديداً وقلنسوةً على خلاف لون قباء الآخر وقلنسوته ، ففعلوا .

ثم عمد إلى يوم تحركت فيه الريح ، فنصبت له قبة لها أربعون باباً ، فاصطبح فيها ، والندماء حوله . ولبس الخدم الكسوة التي أعدها ، وأمر بنثر الدراهم كما ينثر الورد . فنثرت أولاً أولاً ، فكانت الريح تحمل الدراهم فتقف بين السماء والأرض كما يقف الورد . فكان من أحسن أيام المتوكل وأظرفه .

وكان البرج من أحسن أبنيته ، فجعل فيه صوراً عظاماً من الذهب والفضة ، وبركة عظيمة جعل فرشها ظاهرها وباطنها صفائح الفضة ، وجعل عليها شجرة ذهب ، فيها كل طائر يصوت ويصفر ، مكللة بالجوهر ، وسماها طوبى . وعمل له سرير من الذهب كبير ، عليه صورتا سَبْعَيْن عظيمين ، ودرج عليها صور السباع والنسور وغير ذلك ، على ما يوصف به سرير سليمان بن داود عليها‌السلام . وجعل حيطان القصر من داخل وخارج ملبسة بالفسيفساء والرخام المذهب . فبلغت النفقة على هذا القصر ألف ألف وسبعمائة ألف دينار .

وجلس فيه على السرير الذهب ، وعليه ثياب الوشي المثقلة ، وأمر ألا يدخل عليه أحد إلا في ثياب وشي منسوجة ، أو ديباج ظاهرة .

٤٠