الإمام علي الهادي عليه السلام

الشيخ علي الكوراني العاملي

الإمام علي الهادي عليه السلام

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠

موقف الإمام الرضا عليه‌السلام من الذين ألَّهُوه

وكذلك موقف الإمام الرضا عليه‌السلام : ففي معجم رجال الحديث « ١٨ / ١٣٥ » : « قال أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : آذاني محمد بن الفرات ، آذاه الله وأذاقه الله حر الحديد ، آذاني لعنه الله ما آذى أبو الخطاب لعنه الله جعفر بن محمد عليه‌السلام بمثله ، وما كذب علينا خطابي مثل ما كذب محمد بن الفرات ، والله ما من أحد يكذب علينا إلا ويذيقه الله حر الحديد . قال محمد بن عيسى : فأخبراني وغيرهما : أنه ما لبث محمد بن الفرات إلا قليلاً حتى قتله إبراهيم بن شكلة ، أخبث قتلة » .

وفي الإعتقادات للصدوق / ٩٩ : « كان الرضا عليه‌السلام يقول في دعائه : اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك ، لا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً . اللهم من زعم أننا أربابٌ فنحن إليك منه براء ، ومن زعم أن إلينا الخلق وعلينا الرزق ، فنحن إليك منه براء ، كبراءة عيسى من النصارى » .

موقف الإمام الهادي عليه‌السلام من الذين ألَّهُوه

ففي رجال الطوسي « ٢ / ٨٠٥ » : « قال نصر بن الصباح : الحسن بن محمد المعروف بابن بابا ، ومحمد بن نصير النميري ، وفارس بن حاتم القزويني . لعن هؤلاء الثلاثة عليُّ بن محمد العسكري عليه‌السلام . وذكر أبو محمد الفضل بن شاذان في بعض كتبه أن من الكذابين المشهورين : ابن بابا القمي . قال سعد : حدثني العبيدي قال : كتب إلي العسكري عليه‌السلام ابتداءً منه : أبرأ إلى الله من الفهري والحسن بن محمد بن بابا القمي فأبرأ منهما ، فإني محذرك وجميع مواليَّ ، وإني ألعنهما عليهما لعنة الله ،

٣٠١

مستأكليْن يأكلان بنا الناس ، فتَّانيْن مؤذييْن آذاهما الله وأركسهما في الفتنة ركساً . يزعم ابن بابا أني بعثته نبياً وأنه باب ! عليه لعنة الله ، سخر منه الشيطان فأغواه ، فلعن الله من قبل منه ذلك ! يا محمد إن قدرت أن تشدخ رأسه بالحجر فافعل ، فإنه قد آذاني آذاه الله في الدنيا والآخرة » .

ونلاحظ أن أغلب هؤلاء المذمومين الملعونين على لسان الأئمة عليهم‌السلام كانوا شخصيات في عصرهم ، وبعضهم كان يساندهم خلفاء أو وزراء ! وقد زاد عددهم في زمن الإمام الهادي عليه‌السلام الى نحو عشرين شخصاً . وكان له منهم مواقف حاسمة !

وسوف نأتي على خبرهم في سيرة الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام .

سند الزيارة الجامعة وشروحها

١. بحث علماؤنا سند الزيارة الجامعة ووثاقة رواتها ، وتوقف بعضهم في موسى بن عمران النخعي ، ووثقه بعضهم لوروده في سند كتاب كامل الزيارة ، الذي نص مؤلفه أنه لايروي إلا عن ثقات ، ووثقه السيد الخوئي لأنه ورد في سند علي بن إبراهيم القمي في تفسيره . ووثقه آخرون لأنه راوي أحاديث عمه الحسين بن يزيد النوفلي ، وشيخه إسماعيل بن أبي زياد السكوني ، وقد عمل الأصحاب بروايات السكوني ، فيكون عملهم توثيقاً له .. الخ .

والصحيح أنه يكفي في توثيق موسى بن عمران ، رواية كامل الزيارة عنه ، فكيف إذا ضم الى ذلك بقية الأدلة والمؤشرات .

٣٠٢

وقد تعجبت من تشكيك المحقق الميرزا النوري رحمه‌الله في رواية الصدوق « مستدرك الوسائل : ١١ / ١٧١ » واعتماده رواية الكفعمي المرسلة ! وقد كفانا الرد عليه السيد الخوئي قدس‌سره « معجم رجال الحديث : ١٧ / ٣٤٧ » .

بل لا يحتاج الأمر عندي الى بحث السند بعد أن بلغ المتن مستوى من العلو والتميز بحيث يجزم من له خبرة بالعربية والقرآن والسنة ، بأنه صادر من معدن العلم النبوي ، وأن الرواة لو اجتمعوا على أن يضعوا مثله لما استطاعوا !

ويكفي لتصديق ما ذكرنا أن تتأمل في فقراتٍ من هذه الزيارة الفريدة .

إنها نوعٌ من الكلام الشامخ ، تعيا عن غوره الأذهان ، وتعجز عن أبعاده العقول ، وتكل عنه المشاعر ، وتنوء بحمله الصدور .

وكذلك هي لغة أهل البيت ومقاماتهم صلوات الله عليهم ، فالأولى بمن صَعُبَ عليه شئ من معانيها أن لا يتعجل بنفيه ، فلعل المشكلة في فهمه لا في النص .

٢. للزيارة الجامعة بعض الشروح ، من أوسعها شرح الشيخ أحمد الأحسائي رحمه‌الله وهو مكتوب بلغة خاصة ومَشرب خاص ، قلَّ من يستوعبه ويجزم بمقصوده .

ومن أحدث الشروح كتاب آية الله السيد الميلاني دام ظله ، وقد رأيت منه مجلداً وهو شرح جيد نافع ، جزى الله مؤلفه خيراً .

وينبغي الإلفات الى أن الزيارة الجامعة في عمقها وجمالها من نوع تعبير الصحيفة السجادية ، وأنها مع الشروح الموجودة لها تحتاج الى شروح أخرى ، تركز على أبعادها البلاغية ، والفكرية ، والكلامية المقارنة ، والإجتماعية السياسية .

٣٠٣

نص الزيارة الجامعة

قال الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام « ١ / ٣٠٤ » : « حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه ، ومحمد بن أحمد السناني ، وعلي بن عبد الوراق ، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتَّب ، قالوا : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، وأبوالحسين الأسدي قالوا : حدثنا محمد بن إسماعيل المكي البرمكي قال : حدثنا موسى بن عمران النخعي قال : قلت لعلي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام : علمني يا ابن رسول الله قولاً أقوله بليغاً كاملاً إذا زرتُ واحداً منكم ، فقال : إذا صرت إلى الباب فقف واشهد الشهادتين ، وأنت على غسل . فإذا دخلت ورأيت القبر فقف وقل : الله أكبر ثلاثين مرة .

ثم امش قليلاً وعليك السكينة والوقار ، وقارب بين خطاك ، ثم قف وكبر الله عز وجل ثلاثين مرة . ثم ادْنُ من القبر وكبر الله أربعين مرة ، تمام مئة تكبيرة ، ثم قل :

السلام عليكم يا أهلَ بيت النبوة ، وموضعَ الرسالة ، ومختلفَ الملائكة ، ومهبطَ الوحي ، ومعدنَ الرسالة ، وخزانَ العلم ، ومنتهى الحلم ، وأصولَ الكرم ، وقادةَ الأمم وأولياءَ النعم ، وعناصرَ الأبرار ، ودعائمَ الأخيار ، وساسةَ العباد ، وأركانَ البلاد ، وأبوابَ الإيمان ، وأمناءَ الرحمن ، وسلالةَ النبيين ، وصفوةَ المرسلين ، وعترةَ خِيرة رب العالمين ، ورحمة الله وبركاته .

السلام على أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، وأعلام التقى ، وذوي النهى ، وأولي الحجى ، وكهف الورى ، وورثة الأنبيا ، والمثل الأعلى ، والدعوة الحسنى ، وحجج الله على أهل الآخرة والأولى ، ورحمة الله وبركاته .

٣٠٤

السلام على محالِّ معرفة الله ، ومساكن بركة الله ، ومعادن حكمة الله ، وحفظة سر الله وحملة كتاب الله ، وأوصياء نبي الله ، وذرية رسول الله ، ورحمة الله وبركاته .

السلام على الدعاة إلى الله ، والأدلاء على مرضات الله ، والمستقرين في أمر الله ونهيه ، والتامين في محبة الله ، والمخلصين في توحيد الله ، والمظهرين لأمر الله ونهيه ، وعباده المكرمين ، لايسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، ورحمة الله وبركاته .

السلام على الأئمة الدُّعاة ، والقادة الهُداة ، والسادة الوُلاة ، والذادة الحُماة ، أهلِ الذكر وأولي الأمر ، وبقيةِ الله ، وخيرته ، وحزبه ، وعيبة علمه ، وحجته ، وصراطه ، ونوره ، وبرهانه ، ورحمة الله وبركاته .

أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، كما شهد الله لنفسه ، وشهدت له ملائكته وأولوالعلم من خلقه ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم .

وأشهد أن محمداً عبده المصطفى ، ورسوله المرتضى ، أرسله بالهدى ودين الحق ، ليظهره على الدين كله ، ولوكره المشركون .

وأشهد أنكم الأئمة الراشدون ، المهديون المعصومون ، المكرمون المقربون ، المتقون الصادقون ، المصطفوْن المطيعون لله ، القوَّامون بأمره ، العاملون بإرادته ، الفائزون بكرامته ، اصطفاكم بعلمه ، وارتضاكم لدينه ، واختاركم لسره ، واجتباكم بقدرته ، وأعزكم بهداه ، وخصكم ببرهانه ، وانتجبكم لنوره ، وأيدكم بروحه ، ورضيكم خلفاءَ في أرضه ، وحججاً على بريته ، وأنصاراً لدينه وحفظةً لسره ، وخزنةً لعلمه ومستودعاً لحكمته ، وتراجمةً لوحيه ، وأركاناً لتوحيده ، وشهداء على خلقه ، وأعلاماً لعباده ، ومناراً في بلاده ، وأدلاء على صراطه . عصمكم الله من الزلل ، وآمنكم من الفتن ، وطهركم من الدنس ، وأذهب عنكم الرجس ، وطهركم تطهيرا .

٣٠٥

فعظمتم جلاله ، وكبَّرتم شانَه ، ومجَّدتم كرمه ، وأدَمْتُم ذكره ، ووكَّدتم ميثاقه ، وأحكمتم عقدَ طاعته ، ونصحتم له في السر والعلانية ، ودعوتم إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وبذلتم أنفسكم في مرضاته ، وصبرتم على ما أصابكم في جنبه ، وأقمتم الصلاة ، وآتيتم الزكاة ، وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر ، وجاهدتم في الله حق جهاده ، حتى أعلنتم دعوته ، وبينتم فرائضه ، وأقمتم حدوده ، ونشرتم شرائع أحكامه ، وسننتم سنته ، وصرتم في ذلك منه إلى الرضا ، وسلمتم له القضا ، وصدقتم من رسله من مضى . فالراغب عنكم مارق ، واللازم لكم لاحق ، والمقصر في حقكم زاهق ، والحق معكم وفيكم ، ومنكم وإليكم ، وأنتم أهله ومعدنه .

وميراث النبوة عندكم ، وإياب الخلق إليكم ، وحسابهم عليكم ، وفصل الخطاب عندكم ، وآيات الله لديكم ، وعزائمه فيكم ، ونوره وبرهانه عندكم ، وأمره إليكم .

من والاكم فقد والى الله ، ومن عاداكم فقد عادى الله ، ومن أحبكم فقد أحب الله ، ومن اعتصم بكم فقد اعتصم بالله .

أنتم السبيلُ الأعظم ، والصراطُ الأقوم ، وشهداءُ دار الفناء ، وشفعاءُ دار البقاء ، والرحمةُ الموصولة ، والآيةُ المخزونة ، والأمانةُ المحفوظة ، والبابُ المبتلى به الناس ، من أتاكم نجا ، ومن لم يأتكم هلك ، إلى الله تدعون ، وعليه تدلون ، وبه تؤمنون ، وله تسلمون ، وبأمره تعملون ، وإلى سبيله ترشدون ، وبقوله تحكمون .

سَعِدَ والله من والاكم ، وهلك من عاداكم ، وخاب من جحدكم ، وضل من فارقكم وفاز من تمسك بكم ، وأمِنَ من لجأ إليكم ، وسَلِمَ من صدَّقكم ، وهُدِيَ من اعتصم بكم . من اتبعكم فالجنة مأواه ، ومن خالفكم فالنارُ مثواه ، ومن جحدكم كافر ، ومن حاربكم مشرك ، ومن رد عليكم فهو في أسفل درك من الجحيم .

٣٠٦

أشهد أن هذا سابق لكم فيما مضى ، وجارٍ لكم فيما بقي ، وأن أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة ، طابت وطهرت ، بعضها من بعض . خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه مُحْدِقِين ، حتى منَّ علينا فجعلكم الله في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، وجعل صلاتنا عليكم وما خصنا به من ولايتكم طِيباً لخَلقنا ، وطهارةً لأنفسنا ، وتزكيةً لنا ، وكفارةً لذنوبنا ، فكنا عنده مُسْلِمين بفضلكم ، ومعروفين بتصديقنا إياكم .

فبلغ الله بكم أشرف محل المكرمين ، وأعلى منازل المقربين ، وأرفع درجات أوصياء المرسلين ، حيث لا يلحقه لاحق ، ولا يفوقه فائق ، ولا يسبقه سابق ، ولا يطمع في إدراكه طامع ، حتى لا يبقى ملكٌ مقرب ولا نبيٌّ مرسل ، ولا صديقٌ ولا شهيدٌ ، ولا عالمٌ ولا جاهل ، ولا دنيٌّ ولا فاضل ، ولا مؤمنٌ صالح ، ولا فاجرٌ طالح ، ولا جبارٌ عنيد ، ولا شيطانٌ مريد ، ولا خلقٌ فيما بين ذلك شهيد ، إلا عَرَّفَهُمْ جلالة أمركم ، وعِظَمَ خَطَرِكُم ، وكِبَر شأنكم ، وتمام نوركم ، وصِدق مقاعدكم ، وثبات مقامكم ، وشرف محلكم ومنزلتكم عنده ، وكرامتكم عليه وخاصتكم لديه ، وقرب منزلتكم منه .

بأبي أنتم وأمي ، وأهلي ومالي وأسرتي ، أشهد الله وأشهدكم أني مؤمن بكم وبما آمنتم به . كافرٌ بعدوكم وبما كفرتم به ، مستبصرٌ بشأنكم وبضلالة من خالفكم ، موالٍ لكم ولأوليائكم ، مبغضٌ لأعدائكم ومعاد لهم ، وسلمٌ لمن سالمكم ، وحرب لمن حاربكم ، محقق لما حققتم ، مبطل لما أبطلتم ، مطيع لكم ، عارفٌ بحقكم ، مقرٌّ بفضلكم ، محتملٌ لعلمكم ، محتجبٌ بذمتكم ، معترفٌ بكم ، مؤمنٌ بإيابكم ، مصدقٌ برجعتكم ، منتظرٌ لأمركم ، مرتقبٌ لدولتكم ، آخذٌ بقولكم ، عاملٌ بأمركم ، مستجيرٌ بكم ، زائرٌ لكم عائذٌ بكم ، لائذٌ بقبوركم ، مستشفعٌ إلى الله عز وجل بكم ، ومتقربٌ بكم إليه ، ومقدمُكم أمام طلبتي وحوائجي وإرادتي ، في كل أحوالي وأموري ، مؤمنٌ بسركم

٣٠٧

وعلانيتكم ، وشاهدكم وغائبكم ، وأولكم وآخركم ، ومفوضٌ في ذلك كله إليكم ، ومسلِّمٌ فيه معكم ، وقلبي لكم مؤمن ، ورأيي لكم تبع ، ونصرتي لكم معدة ، حتى يحيي الله تعالى دينه بكم ، ويردكم في أيامه ، ويظهركم لعدله ، ويمكنكم في أرضه .

فمعكم معكم لا مع عدوكم ، آمنت بكم ، وتوليت آخركم بما توليت به أولكم ، وبرئت إلى الله تعالى من أعدائكم ، ومن الجبت والطاغوت ، والشياطين وحزبهم الظالمين لكم ، والجاحدين لحقكم ، والمارقين من ولايتكم ، والغاصبين لإرثكم ، الشاكين فيكم ، المنحرفين عنكم ، ومن كل وليجة دونكم ، وكل مُطاعٍ سواكم ، ومن الأئمة الذين يدعون إلى النار .

فثبتني الله أبداً ما حييت على موالاتكم ومحبتكم ودينكم ، ووفقني لطاعتكم ، ورزقني شفاعتكم ، وجعلني من خيار مواليكم ، التابعين لما دعوتم إليه ، وجعلني ممن يقتص آثاركم ، ويسلك سبيلكم ، ويهتدي بهداكم ، ويحشر في زمرتكم ، ويَكِرُّ في رجعتكم ، ويُمَلَّكُ في دولتكم ، ويُشَرَّفُ في عافيتكم ، ويُمَكَّنُ في أيامكم ، وتقر عينه غداً برؤيتكم .

بأبي أنتم وأمي ، ونفسي وأهلي ومالي ، من أراد الله بدأ بكم ، ومن وحده قبل عنكم ، ومن قصده توجه إليكم ، مواليَّ ، لا أحصي ثناءكم ، ولا أبلغ من المدح كنهكم ، ومن الوصف قدركم ، وأنتم نور الأخيار ، وهداة الأبرار ، وحجج الجبار .

بكم فتح الله ، وبكم يختم ، وبكم ينزل الغيث ، وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا باذنه ، وبكم يُنَفِّسُ الهمَّ ، وبكم يكشف الضرَّ ، وعندكم ما تنزل به رسله ، وهبطت به ملائكته ، وإلى جدكم بعث الروح الأمين . آتاكم الله ما يؤت أحداً من العالمين ، طأطأ كل شريف لشرفكم ، وَبَخَعَ كل متكبر لطاعتكم ، وخضع كل جبار

٣٠٨

لفضلكم ، وذلَّ كل شئ لكم ، وأشرقت الأرض بنوركم ، وفاز الفائزون بولايتكم ، بكم يسلك إلى الرضوان ، وعلى من جحد ولايتكم غضب الرحمن .

بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي ، ذِكْرُكُم في الذاكرين ، وأسماؤكم في الأسماء وأجسادكم في الأجساد ، وأرواحكم في الأرواح ، وأنفسكم في النفوس ، وآثاركم في الآثار ، وقبوركم في القبور . فما أحلى أسماءكم ، وأكرم أنفسكم ، وأعظم شأنكم ، وأجل خطركم ، وأوفى عهدكم . كلامكم نورٌ ، وأمركم رشدٌ ، ووصيتكم التقوى ، وفعلكم الخير ، وعادتكم الإحسان ، وسجيتكم الكرم ، وشأنكم الحق والصدق والرفق ، وقولكم حُكم وحَتم ، ورأيكم علم وحلم وحزم ، إن ذكر الخير كنتم أوله ، وأصله ، وفرعه ، ومعدنه ، ومأواه ، ومنتهاه .

بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي ، كيف أصف حسن ثنائكم ، وكيف أحصي جميل بلائكم ، وبكم أخرجنا الله من الذل ، وفرج عنا غمرات الكروب ، وأنقذنا من شفا جرف الهلكات ومن النار .

بأبي أنتم وأمي ونفسي ، بموالاتكم علمنا الله معالمَ ديننا ، وأصلح ما كان فسد من دنيانا ، وبموالاتكم تمت الكلمة ، وعظمت النعمة ، وائتلفت الفرقة ، وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة ، ولكم المودة الواجبة ، والدرجات الرفيعة ، والمقام المحمود عند الله تعالى ، والمكان المعلوم ، والجاه العظيم ، والشأن الرفيع ، والشفاعة المقبولة .

ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين . ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب . سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا .

٣٠٩

ياوليَّ الله ، إن بينى وبين الله ذنوباً لا يأتي عليها إلا رضاكم ، فبحقِّ من ائتمنكم على سره ، واسترعاكم أمرَ خلقه ، وقَرَنَ طاعتكم بطاعته ، لمَّا استوهبتم ذنوبي ، وكنتم شفعائي ، إني لكم مطيع ، من أطاعكم فقد أطاع الله ، ومن عصاكم عصى الله ، ومن أحبكم فقد أحب الله ، ومن أبغضكم فقد أبغض الله .

اللهم إني لو وجدت شفعاءَ أقرب إليك من محمد وأهل بيته الأخيار الأئمة الأبرار لجعلتهم شفعائي ، فبحقهم الذي أوجبت لهم عليك ، أسألك أن تدخلني في جملة العارفين بهم ، وبحقهم ، وفي زمرة المرجوين لشفاعتهم ، إنك أرحم الراحمين » .

فهرس أولي للزيارة الجامعة

تتكون الزيارة الجامعة من الفصول التالية :

الفصل الأول : مراسم الزيارة ومقدماتها :

وهي الإغتسال للزيارة ، والتشهد عند الوصول الى الباب ، والتكبير مئة مرة أثناء الدخول الى مشهد المعصوم عليه‌السلام .

الفصل الثاني : التسليمات الخمس على الأئمة عليه‌السلام :

السلام الأول : فيه تسع عشرة صفة للأئمة عليهم‌السلام ، تبدأ بقوله : « السلام عليكم يا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة » الى قوله : « وعترة خيرة رب العالمين » .

السلام الثاني : فيه عشر صفات للأئمة عليهم‌السلام ، تبدأ بقوله : « السلام على أئمة الهدى ومصابيح الدجى » الى قوله : « وحجج الله على أهل الآخرة والأولى » .

٣١٠

السلام الثالث : فيه سبع صفات للأئمة عليهم‌السلام ، تبدأ بقوله : « السلام على محال معرفة الله » الى قوله : « وذرية رسول الله » .

السلام الرابع : فيه سبع صفات للأئمة عليهم‌السلام ، تبدأ بقوله : « السلام على الدعاة إلى الله » الى قوله : « وهم بأمره يعملون » .

السلام الخامس : فيه أربع عشرة صفة للأئمة عليهم‌السلام ، تبدأ بقوله : « السلام على الأئمة الدعاة والقادة الهداة » الى قوله : « وصراطه ونوره وبرهانه » .

الفصل الثالث : التشهد .. والشهادة للأئمة عليهم‌السلام :

وهو تشهد لله تعالى بالوحدانية ، ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة ، وشهادةٌ بإمامة الأئمة عليهم‌السلام ومقاماتهم وسيرتهم ، وقد تضمن أكثر من مئة صفة لهم عليهم‌السلام .

وتتكون الشهادة لهم من خمس فقرات :

الفقرة الأولى ، الشهادة بما أعطاهم الله من نعم :

من قوله : « وأشهد أنكم الأئمة الراشدون » الى قوله : « وطهركم تطهيرا » .

الفقرة الثانية ، أنهم قابلوا نعم الله بالطاعة والعبودية :

من قوله : « فعظمتم جلاله وكبَّرْتم شَانَهُ » الى : « وصدقتم من رسله من مضى » .

الفقرة الثالثة ، أنهم عليهم‌السلام ميزان الهدى والضلال والنجاة والهلاك :

من قوله : « فالراغب عنكم مارق » الى قوله : « ومن رد عليكم فهو في أسفل درك » .

الفقرة الرابعة ، في وحدة نور النبي والأئمة عليهم‌السلام في عالم الخلق والحجة :

٣١١

من قوله : « أشهد أن هذا سابقٌ لكم فيما مضى وجار لكم فيما بقي » . الى قوله : « فكنا عنده مسلمين بفضلكم ، ومعروفين بتصديقنا إياكم » .

الفقرة الخامسة ، الدعاء للأئمة عليهم‌السلام أن يبلغ الله فيهم هدفه :

من قوله : « فبلغ الله بكم أشرف محل المكرمين » الى قوله : « وخاصتكم لديه » .

الفقرة السادسة ، الشهادة لله بولايتهم عليهم‌السلام والبراءة من أعدائهم :

من قوله : « بأبي أنتم وأمي وأهلي ومالي وأسرتي » الى قوله : « ومن الأئمة الذين يدعون إلى النار » .

الفصل الرابع : في أنهم عليهم‌السلام الطريق الى الله تعالى دون غيرهم :

من قوله : « بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي ، من أراد الله بدأ بكم » الى قوله : « وعلى من جحد ولايتكم غضب الرحمن » .

الفصل الخامس : أن الله منَّ على البشر فجعل فيهم النبي وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

من قوله : « بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي » الى قوله : « إن ذكر الخير كنتم أوله وأصله وفرعه » .

الفصل السادس : بيان نعمة النبي والأئمة عليهم‌السلام على شيعتهم ومحبيهم :

من قوله : « بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي » الى قوله : « سبحان ربنا » .

الفصل السابع : الإستشفاع والتوسل الى الله تعالى بالنبي والأئمة عليهم‌السلام :

من قوله : « يا ولي الله إن بينى وبين الله ذنوباً » الى قوله : « وفي زمرة المرجوين لشفاعتهم » .

٣١٢

الفصل الثاني عشر :

شخصيات عاصرت الإمام الهادي عليه‌السلام

قضاة القضاة

قاضي القضاة يحيى بن أكثم :

كتبنا له ترجمة مختصرة في سيرة الإمام الجواد عليه‌السلام ، وقلنا إنه شاب خراساني مولى لبني تميم ، أُعجب به المأمون واختاره من خاصته ، ثم أرسله قاضياً على البصرة وشكا منه أهل البصرة لافتضاحه باللواط ، فلم يقبل منهم المأمون ، ثم زادت شكواهم بأنه أفسد أولادهم ، فأخذه المأمون الى البلاط في بغداد .

قال المسعودي في مروج الذهب « ٣ / ٤٣٤ » : « فرُفع إلى المأمون أنه أفسد أولادهم بكثرة لواطه ، فقال المأمون : لو طعنوا عليه في أحكامه قُبِل ذلك منهم ! قالوا : يا أمير المؤمنين قد ظهرت منه الفواحش وارتكاب الكبائر ، واستفاض ذلك عنه ، وهو القائل يا أمير المؤمنين ، في صفة الغلمان وطبقاتهم ومراتبهم وفي أوصافهم ... وبلغ من إذاعته ومجاهرته باللواط ، أن المأمون أمره أن يفرض لنفسه فرضاً يركبون بركوبه ويتصرفون في أموره ، ففرض أربع مائة غلام مُرْداً ، اختارهم حسان الوجوه فافتضح بهم ، وقال في ذلك راشد بن إسحاق ، يذكر ما كان من أمر يحيى .. » .

٣١٣

قال في وفيات الأعيان « ١ / ٨٥ » : « قدم يحيى بن أكثم قاضياً على البصرة من خراسان من قِبَل المأمون في آخر سنة ٢٠٢ ، وهو حَدَث سِنُّهُ نيف وعشرون .

فلما قدم المأمون بغداد في سنة أربع ومائتين قال ليحيى : إختر لي من أصحابك جماعة يجالسونني ويكثرون الدخول إلي ، فاختار منهم عشرين ، فيهم ابن أبي دؤاد » .

وفي تاريخ بغداد « ١٤ / ٢٠١ » : « وغلب على المأمون حتى لم يتقدمه أحد عنده من الناس جميعاً ، وكان المأمون ممن برع في العلوم ، فعرف من حال يحيى بن أكثم وما هو عليه من العلم والعقل ما أخذ بمجامع قلبه ، حتى قلده قضاء القضاء ، وتدبير أهل مملكته ، فكانت الوزراء لا تعمل في تدبير الملك شيئاً ، إلا بعد مطالعة يحيى بن أكثم ، ولا نعلم أحداً غلب على سلطانه في زمانه ، إلا يحيى بن أكثم ، وابن أبي دؤاد » .

وفي تاريخ اليعقوبي « ٢ / ٤٦٥ » : « وشى يحيى بن أكثم بالمعتصم إلى المأمون ، وقال له : إنه بلغني أنه يحاول الخلع ، فوجه إليه يأمره بالقدوم » .

ولم تنفع احتياطات المأمون ، فغلب بعده أخوه المعتصم على ابنه الضعيف العباس وأخذ منه الخلافة ، وكان أول ما فعله المعتصم أن عزل يحيى بن أكثم ، ونصب بدله صديقه ابن أبي دؤاد ، ونقل الخلافة من أولاد المأمون الى أولاده ، فتولاها ابنه الواثق ، ثم أخوه المتوكل !

قال ابن خلكان في وفيات الأعيان « ١ / ٨٥ » : « ولما ولي المعتصم الخلافة جعل ابن أبي دؤاد قاضي القضاة ، وعزل يحيى بن أكثم » .

٣١٤

وكان المأمون طلب من يحيى بن أكثم أن يختار له ندماء خاصين ، فاختار له مجموعة منهم ابن أبي دؤاد ، الذي فاق ابن أكثم وتسلط على المأمون ، ثم دبَّر الخلافة للمعتصم وقتل ابن المأمون ، ثم دبرها للواثق ، وبعده للمتوكل .

وحكم ابن أبي دؤاد نحو عشرين سنة ، في خلافة المعتصم والواثق وقسم من خلافة المتوكل ، ثم غضب عليه المتوكل فعزله وأعاد خصمه ابن أكثم ، وأيد ذلك أحمد بن حنبل ، لأن ابن أكثم كان يتقرب اليهم بالقول بعدم خلق القرآن .

وقال الخطيب في تاريخ بغداد « ١٤ / ٢٠١ » : « سمعت يحيى بن أكثم يقول : القرآن كلام الله ، فمن قال مخلوق يستتاب ، فإن تاب وإلا ضربت عنقه » !

قال المسعودي في مروج الذهب « ٤ / ١٤ » : « وفي سنة تسع وثلاثين ومائتين رضي المتوكل عن أبي محمد يحيى بن أكثم ، فأُشخص الى سر من رأى وولي قضاء القضاة ، وسخط على أحمد بن أبي دُواد وولده أبي الوليد محمد بن أحمد ، وكان على القضاء ، وأخذ من أبي الوليد مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار ، وجوهراً بأربعين ألف دينار ، وأحضر إلى بغداد » .

وفي تاريخ بغداد « ١ / ٣١٤ » : « عزل المتوكل أبا الوليد محمد بن أحمد بن أبي دؤاد .. ووليها يحيى بن أكثم لسبع بقين من شهر رمضان سنة سبع وثلاثين ومائتين » .

لكن لم يطل رضا المتوكل على ابن أكثم ، ففي الكامل لابن الأثير « ٧ / ٧٥ » : « في هذه السنة « ٢٤٠ » عَزل يحيى بن أكثم عن القضاء ، وقبض منه ما مبلغه خمسة وسبعون ألف دينار ، وأربعة آلاف جريب بالبصرة » !

٣١٥

ومات ابن أكثم سنة ٢٤٢ ، عن عمر امتد ثلاثاً وثمانين سنة ، وامتلأ بالفتاوى المخالفة للشرع ، وبأحكامٍ بالقتل والحبس ومصادرة الأموال ، شملت ألوف المسلمين . وكانت أكبر جرائمه أن الحجة تمت عليه بإمامة الرضا والجواد والهادي عليهم‌السلام ، فكتمها وأمر بكتمانها ، ثم شارك في قتلهم !

قاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد :

وقد كتبنا له ترجمة مختصرة أيضاً في سيرة الإمام الجواد عليه‌السلام ، وقلنا إنه حكم الأمة الإسلامية بلا منازع نحو عشرين سنة ، حتى غضب عليه المتوكل . ولم يكن سلوكه أفضل من سلوك ابن أكثم ، بل كان أشد نُصباً وعداوةً لأهل البيت عليهم‌السلام .

روى في تاريخ بغداد « ١ / ٣١٤ » عن محمد بن يحيى الصولي قال : « كان المتوكل يوجب لأحمد بن أبي دؤاد ويستحي أن ينكبه ، وإن كان يكره مذهبه ، لما كان يقوم به من أمره أيام الواثق ، وعقد الأمر له والقيام به من بين الناس . فلما فُلج أحمد بن أبي دؤاد في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين ومائتين ، أول ما ولي المتوكل الخلافة ، ولَّى المتوكل ابنه محمد بن أحمد أبا الوليد القضاء ومظالم العسكر مكان أبيه ، ثم عزله عنها يوم الأربعاء لعشر بقين من صفر سنة أربعين ومائتين ووكل بضياعه وضياع أبيه . ثم صولح على ألف ألف دينار ، وأشهد على ابن أبي دؤاد وابنه بشراء ضياعهم ، وحَدَّرَهم إلى بغداد ، وولى يحيى بن أكثم .

ومات أبوالوليد محمد بن أحمد ببغداد في ذي القعدة سنة أربعين ومائتين ، ومات أبوه أحمد بعده بعشرين يوماً » .

٣١٦

أقول : سبحان مغير الأحوال ، فقد كان ابن أبي دؤاد مطيعاً لسيده ابن أكثم ، فاختاره نديماً للمأمون فصارت له عنده مكانة ، وأراد إزاحة ابن أكثم فلم يستطع .

ثم وضع خطة للمعتصم فسرق الخلافة من ابن أخيه المأمون ، فصار المعتصم خليفة وصار ابن أبي دؤاد مدبر المملكة ، وحاكمها المطلق !

لقد عمل هذان القاضيان بقواعد سياسة القصور ومكائدها ، بالخبث ، والتجسس والتآمر ، والتزلف ، والتزييف ، والكذب ، والنفاق ، والخديعة ، والتلاعب بأحكام الله تعالى ، ومفاهيم الدين ، وقتل الخصم بالسم ، وبأي طريقة ممكنة ! كل ذلك من أجل البقاء في منصب ، أو الحصول عليه ، أو شفاء غيض ، أو إثبات الذات ، وإرضاء غرورها وكبريائها . أعاذنا الله وعباده المؤمنين .

قاضي القضاة ابن أبي الشوارب :

كان محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب كبير أسرة أبي الشوارب ، وهو أموي من ذرية أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس .

كان محدثاً معروفاً في البصرة ، وفيه ميلٌ الى التشيع ، وقد أحضره المتوكل الى سامراء ، فاتفق مع زميله إبراهيم التيمي أن لا يقبلا القضاء ، فنكث التيمي !

قال في تاريخ بغداد « ٦ / ١٤٨ » : « أشخص إبراهيم بن محمد التيمي ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، فلما حضرا دار المتوكل أمر بإدخال ابن أبي الشوارب ، فلما دخل عليه قال : إني أريدك للقضاء . فقال : يا أمير المؤمنين لا أصلح له . فقال : تأبون يا بنى أمية إلا كبراً ! فقال : والله يا أمير المؤمنين ما بي كبر ، ولكني لا

٣١٧

أصلح للحكم . فأمر بإخراجه ! وكان هو وإبراهيم التيمي قد تعاقدا أن لا يتولى واحد منهما القضاء ، فدعا بإبراهيم فقال له المتوكل : إني أريدك للقضاء ، فقال : على شريطة يا أمير المؤمنين . قال : وما هي ؟ قال : أن تدعو لي دعوة فإن دعوة الإمام العادل مستجابة ! فولاه » .

أقول : لقد وفى ابن عبد الملك بعهده ، لكن إبراهيم التيمي نكث ، ثم تزلف الى المتوكل وطلب منه أن يدعوله ، لأن دعاء الإمام العادل مستجاب !

ثم نجح المتوكل في إقناع الحسن بن أبي الشوارب ، ونصبه قاضي القضاة .

قال في تاريخ بغداد « ٧ / ٤٢٢ » : « الحسن بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، القرشي ثم الأموي : وليَ القضاء بسر من رأى في أيام جعفر المتوكل وبعده » .

وقال الذهبي في سيره « ١١ / ١٠٤ » : « لما ولي ولده الحسن بن أبي الشوارب القضاء تخوف عليه ، وقال : يا حسن : أعيذ وجهك الحسن من النار » .

وقال في تاريخ بغداد « ٥ / ٢٥١ » : « قال أبوالعلاء : فيرى الناس أن بَركة امتناع محمد بن عبد الملك دخلت على ولده ، فوليَ منهم أربعة وعشرون قاضياً ، منهم ثمانية تقلدوا قضاء القضاة ، آخرهم أبوالحسن أحمد بن محمد بن عبد الله ، وما رأينا مثله جلالة ونزاهة وصيانة » .

أقول : كيف يكون منصب القضاء مذموماً وتركه فضيلة ، ثم يكون نعمةً على أولاده ببركة تركه له ! فالأصح أن يقال إنه ترك القضاء ، وتورط فيه أولاده . وقد رووا عنه

٣١٨

أنه كان يمدح المتوكل بأنه رد الدين وأحياه . « الأنساب : ٣ / ٤٦٥ » لكن امتناعه عن القضاء ، يدل على الجو العام الذي يرى منصب القضاء منصب ظلم !

وسبب وصفه بالتشيع : أن جده عتاب بن أسيد الأموي محسوب على بني هاشم لأنه كان والي مكة من قبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فكرهته قريش عندما بايعت أبا بكر ، وحسبته على بني هاشم ، ثم مات مسموماً .

ولعل السبب الأهم : ما رواه عنه الموفق الخوارزمي في المناقب / ٣١٦ في فضل علي عليه‌السلام : « عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، عن جعفر بن سليمان الضبعي ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ قال : سئل سلمان الفارسي عن علي بن أبي طالب وفاطمة ، فقال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : عليكم بعلي بن أبي طالب ، فإنه مولاكم فأحبوه ، وكبيركم فاتبعوه ، وعالمكم فأكرموه ، وقائدكم إلى الجنة فعززوه ، وإذا دعاكم فأجيبوه ، وإذا أمركم فأطيعوه أحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي ، ما قلت لكم في علي إلا ما أمرني به ربي جلت عظمته » .

وما رواه عنه الصدوق في معاني الأخبار / ١١٨ : « عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب القرشي ، عن ابن سليمان ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، قال : كنت عند علي بن أبي طالب في الشهر الذي أصيب فيه وهو شهر رمضان فدعا ابنه الحسن ثم قال : يا أبا محمد أعل المنبر فاحمد الله كثيراً وأثن عليه واذكر جدك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأحسن الذكر ، وقل : لعن الله ولداً عق أبويه ، لعن الله ولداً عق أبويه ، لعن الله ولداً عق أبويه ، لعن الله عبداً أبق من مواليه ، لعن الله غنماً ضلت عن الراعي . وانزل ! فلما فرغ من خطبته ونزل ، اجتمع الناس إليه

٣١٩

فقالوا : يا ابن أمير المؤمنين وابن بنت رسول الله نبئنا الجواب . فقال : الجواب على أمير المؤمنين ، فقال أمير المؤمنين : إني كنت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في صلاة صلاها فضرب بيده اليمنى إلى يدي اليمنى ، فاجتذبها فضمها إلى صدره ضماً شديداً ، ثم قال لي : يا علي ، قلت : لبيك يا رسول الله . قال : أنا وأنت أبَوَا هذه الأمة ، فلعن الله من عقنا ، قل : آمين ، قلت : آمين .

ثم قال : أنا وأنت مَوْلَيَا هذه الأمة فلعن الله من أبق عنا ، قل : آمين ، قلت : آمين .

ثم قال : أنا وأنت رَاعِيَا هذه الأمة فلعن الله من ضل عنا ، قل : آمين .

قال أمير المؤمنين : وسمعت قائليْن يقولان معي : آمين ، فقلت : يا رسول الله ومن القائلان معي : آمين ؟ قال : جبرئيل وميكائيل عليهما‌السلام » .

أقول : يبدو أن محمد بن عبد الملك تأثر بابن عمه الأموي خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه ، وكان من كبار شيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقد وقف أيام السقيفة هو وأحد عشر مهاجراً وأنصارياً ، وواجهوا أبا بكر وعمر بشدة وخطبوا . وكان خالد من أبطال الإسلام ، وقد ترجمنا له في : قراءة جديدة في الفتوحات .

أما أولاد محمد بن عبد الملك ، فلم يكونوا مثل أبيهم ، وسيأتي ذكر بعضهم في سيرة الإمام الهادي ، والإمام الحسن العسكري عليهما‌السلام .

* *

٣٢٠