الإمام علي الهادي عليه السلام

الشيخ علي الكوراني العاملي

الإمام علي الهادي عليه السلام

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠

عنك راض وملائكة سماواته عنك راضون ، وملائكة أرضه عنك راضون . قال : ثم خرج فما سأله عن حديث ولا مسألة » .

أحمد حجة الله في أرضه :

في النهاية لابن كثير « ١٠ / ٣٧٠ » : « قال لي علي بن المديني بعدما امتحن أحمد وقيل قبل أن يمتحن : يا ميمون ما قام أحد في الإسلام ما قام أحمد بن حنبل . فعجبت من هذا عجباً شديداً ، وذهبت إلى أبي عبيد القاسم بن سلام فحكيت له مقالة علي بن المديني فقال : صدق ، إن أبا بكر وجد يوم الردة أنصاراً وأعواناً ، وإن أحمد بن حنبل لم يكن له أنصار ولا أعوان . ثم أخذ أبوعبيد يطري أحمد ويقول : لست أعلم في الإسلام مثله .

وقال إسحاق بن راهويه : أحمد حجة بين الله وبين عبيده في أرضه . وقال علي بن المديني : إذا ابتليت بشئ فأفتاني أحمد بن حنبل لم أبال إذا لقيت ربي كيف كان .

وقال أيضاً : إني اتخذت أحمد حجة فيما بيني وبين الله عز وجل ، ثم قال : ومن يقوى على ما يقوى عليه أبوعبد الله » .

فقد أحمد كفقد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

قال المسعودي في مروج الذهب « ٤ / ٢٠ » : « كانت وفاة أحمد بن حنبل في خلافة المتوكل بمدينة السلام ، وذلك في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين ، ودفن بباب حرب في الجانب الغربي ، وصلى عليه محمد بن طاهر ، وحضر جنازته خلق من الناس لم يُرَ مثل ذلك اليوم والإجتماع في جنازة من سلف قبله ،

٢٢١

وكان للعامة فيه كلام كثير جرى بينهم بالعكس والضد في الأمور : منها أن رجلًا منهم كان ينادي : إلعنوا الواقف عند الشبهات ، وهذا بالضد عما جاء عن صاحب الشريعة عليه‌السلام في ذلك . وكان عظيم من عظمائهم ومقدم فيهم يقف موقفاً بعد موقف أمام الجنازة وينادي بأعلى صوته :

وأظلمت الدنيا لفقد محمد

وأظلمت الدنيا لفقد ابن حنبل

يريد بذلك أن الدنيا أظلمت عند وفاة محمد عليه‌السلام ، وأنها أظلمت عند موت ابن حنبل ، كظلمتها عند موت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله » .

من لم يحبه فليس بسني :

في تاريخ دمشق « ٥ / ٢٩٣ » : « سمعت ابن أبي حاتم يقول سمعت أبي يقول : إذا رأيتم الرجل يحب أحمد بن حنبل ، فاعلموا أنه صاحب سنة » .

أجاب في سبعة أيام عن سبعين ألف مسألة :

في طبقات الحنابلة « ١ / ١٢ » : « وقال إسماعيل بن حرب : أحصي ما رد أحمد بن حنبل حين جئ به إلى العسكر ، فإذا هو سبعون ألفاً » .

أي بلغ عدد المسائل التي أجاب عليها في سامراء سبعين ألف مسألة ، وقد بقي فيها نحو أسبوع ! فيكون أجاب في اليوم عن عشرة آلاف !

أحمد يزوره الله في قبره :

في مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي / ٤٥٤ : « حدثني أبوبكر بن مكارم بن أبي يعلى الحربي ، وكان شيخاً صالحاً قال : كان قد جاء في بعض السنين مطرٌ كثير جداً قبل دخول رمضان بأيام ، فنمت ليلة في رمضان فأريت في منامي كأني قد جئت على

٢٢٢

عادتي إلى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره ، فرأيت قبره قد التصق بالأرض حتى بقي بينه وبين الأرض مقدار ساف أو سافين ، فقلت : إنما تم هذا على قبر الإمام أحمد من كثرة الغيث ! فسمعته من القبر وهو يقول : لا ، بل هذا من هيبة الحق عز وجل لأنه عز وجل قد زارني ! فسألته عن سر زيارته إياي في كل عام فقال عز وجل : يا أحمد ، لأنك نصرت كلامي فهو ينشر ويتلى في المحاريب . فأقبلت على لحده أقبله ثم قلت : يا سيدي ما السر في أنه لا يقبل قبر إلا قبرك ؟ فقال لي : يا بني ، ليس هذا كرامة لي ولكن هذا كرامة لرسول الله ! لأن معي شعرات من شعره ! ألا ومن يحبني يزورني في شهر رمضان . قال ذلك مرتين » !

هكذا هكذا ، وإلا فلا ، لا :

قال ابن عربي في الفتوحات « ١ / ٢٤٧ » : « رُوِيَ عن الإمام أحمد بن حنبل ، المتبع ، المقتدي ، سيد وقته ، في تركه أكل البطيخ ، لأنه ما ثبت عنده كيف كان يأكله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ! فدل ذلك على قوة اتباعه كيفيات أحوال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في حركاته وسكناته ، وجميع أفعاله وأحواله . وإنما عرف هذا منه ، لأنه كان في مقام الوراثة في التبليغ والإرشاد ، بالقول والعمل والحال ، لأن ذلك أمكن في نفس السامع فهو « أي ابن حنبل » وأمثاله ، حفاظ الشريعة على هذه الأمة » .

وقال في الفتوحات « ٤ / ٤٥٧ » : « ولقد بلغني عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه ما أكل البطيخ ، فقيل له في ذلك فقال : ما بلغني كيف كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأكله ! فلما لم تبلغ إليه الكيفية في ذلك تركه . وبمثل هذا تقدم علماء هذه

٢٢٣

الأمة على سائر علماء الأمم . هكذا هكذا ، وإلا فلا ، لا . فهذا الإمام علم وتحقق معنى قوله تعالى عن نبيه : فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ . وقوله : لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ » ! ونحوه في الفتوحات « ٤ / ٨٤ » .

أقول : هذا استحمارٌ للناس ! بأن هذا الإمام أحمد كان ملتزماً حرفياً بـ « سنة » النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى في تفاصيل المستحبات والمباحات ! وأنه بلغ من تقواه أنه لم يأكل البطيخ لأنه يريد أن يقتدي فيه برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحيث لم يبلغه كيف كان يأكله ، فقد تركه !

ثم افتخر ابن عربي بفعله وقال : هكذا هكذا ، وإلا فلا ، لا . أي هكذا فليكن التدين والإقتداء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلا فلا !

وعلى هذا يجب على ابن حنبل وابن عربي وتلاميذهم ، أن يتركوا أكثر الأعمال والتصرفات من أكل وشرب ورواح ومجئ ونوم ويقظة وتعلم وتعليم ، إلا ما ثبت لهم فيه السنة وفي تفاصيله ، فيقتدوا به !

هذا ، وفي تاريخ بغداد « ٥ / ١٨٧ » أن أحمد مات سنة ٢٤١ ، وعمره سبع وسبعون سنة .

* *

٢٢٤

الفصل العاشر :

الإمام الهادي عليه‌السلام ينقض مذهب أحمد والمتوكل

المأمون عالمُ الخلفاء والمتوكل من جهالهم

اتفق المؤرخون على أن المأمون أعلم الخلفاء العباسيين والأمويين . وقد ورد وصفه في حديث اللوح الذي أهداه الله تعالى الى الزهراء عليها‌السلام ، وفيه أسماء الأئمة من أبنائها عليهم‌السلام ، فقال عن الثامن منهم : « يقتله عفريت مستكبر ، يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح « ذوالقرنين » إلى جنب شر خلقي . حقَّ القولُ مني لأسرِّنَّهُ بمحمد ابنه ، وخليفته من بعده ووارث علمه » . « الكافي : ١ / ٥٢٧ » .

أما مسألة أن القرآن مخلوق أو غير مخلوق ، فأخذها المأمون من متكلمي المسلمين قبله ، ورفعها شعاراً فقال : من قال إنه غير مخلوق فمعناه أنه قديمٌ مع الله تعالى فيكون شريكاً لله ، أو يكون كلام الله جزءً منه فيكون الله مركباً . وهذا يخالف قوله تعالى : وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ .

وبدأ المأمون في سنة ٢١٢ بامتحان العلماء والمحدثين ، فكان يحبس من لم يقل إن القرآن مخلوق ، ويُحَرِّم عليه أن يكون قاضياً ، أو موظفاً في الدولة .

واستمر الإمتحان عشرين سنة في زمن المأمون والمعتصم والواثق ، حتى تولى المتوكل سنة ٢٣٢ فأوقفه ، وتعصب للرأي الآخر ، وقال إن القرآن قديمٌ غير مخلوق ، وتبنى أحاديث رؤية الله تعالى بالعين .

٢٢٥

وقد اتفق المؤرخون على أن المتوكل لم يكن له بضاعة من العلم ، وأنه كان يتزيا بزي المخنثين فحبسه أخوه الواثق ليمنعه من التخنث . ولم يَدَّعِ ولا ادعى له أحدٌ أنه كان عالماً ، وأنه اختار مذهباً بموازين علمية ، بل كان يعيش في مجتمع فيه صراع بن اتجاهين : اتجاه يؤكد على تنزيه الله تعالى عن الجسم والشبيه ، ويقول بفضائل أهل البيت عليهم‌السلام ، واتجاه يميل الى التجسيم ، ويكره أهل البيت النبوي بشكل صريح أومبطن ، فتبنى هذا الإتجاه .

ومن الظواهر العجيبة أن القول بالتشبيه توأمٌ دائماً مع عداوة أهل البيت عليهم‌السلام . فأينما وجدت مُجسماً فهو ناصبي ، وأينما وجدت ناصيباً فهو مُجسم أو مُشبِّه ! لذلك يترجح عندنا أن المتوكل كان مبغضاً لعلي عليه‌السلام من نشأته ، وعندما صار خليفة تجمع عليه أشكاله فعلموه التشبيه وأحاديث رؤية الله تعالى بالعين !

جواب أهل البيت عليهم‌السلام على مقولة خلق القرآن

كان موقف الأئمة عليهم‌السلام النهي عن الإنشغال بأن القرآن مخلوق أو غير مخلوق .

فقد سئل الإمام الصادق عليه‌السلام قبل المأمون بخمسين سنةً : « يا ابن رسول الله ، ما تقول في القرآن ؟ فقال : هو كلام الله ، وقول الله ، وكتاب الله ، ووحي الله وتنزيله وهو الكتاب العزيز الذي : لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ » . « أمالي الصدوق / ٦٣٨ » .

٢٢٦

وسئل الإمام الكاظم عليه‌السلام : « يا ابن رسول الله ، ما تقول في القرآن ، فقد اختلف فيه من قبلنا ، فقال قوم إنه مخلوق ، وقال قوم إنه غير مخلوق ؟ فقال عليه‌السلام : أما إني لا أقول في ذلك ما يقولون ، ولكني أقول إنه كلام الله عز وجل » . « أمالي الصدوق / ٦٤٧ » .

وكذلك موقف الإمام الرضا عليه‌السلام وهو معاصر للمأمون ، ففي أمالي الصدوق / ٦٣٩ : « عن الحسين بن خالد ، قال : قلت للرضا عليه‌السلام : يا ابن رسول الله ، أخبرني عن القرآن ، أخالق أو مخلوق ؟ فقال : ليس بخالق ولا مخلوق ، ولكنه كلام الله » .

الإمام الهادي عليه‌السلام يشرح مسألة خلق القرآن

وعندما تفاقمت مقولة القرآن مخلوق في زمن الإمام الهادي عليه‌السلام كتب الى بعض شيعته ببغداد : « بسم الله الرحمن الرحيم ، عصمنا الله وإياك من الفتنة ، فإن يفعل فَأَعْظِمْ بها نعمة ، وإلا يفعل فهي الهلكة . نحن نرى أن الجدال في القرآن بدعة اشترك فيها السائل والمجيب ، فتعاطى السائل ما ليس له ، وتكلف المجيب ما ليس عليه . وليس الخالق إلا الله وما سواه مخلوق ، والقرآن كلام الله . لاتجعل له إسماً من عندك فتكون من الضالين . جعلنا الله وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب ، وهم من الساعة مشفقون » . « أمالي الصدوق / ٦٣٩ » .

فقد أعطى الإمام عليه‌السلام القاعدة بأن كل ما سوى الله تعالى مخلوق ، لكنه مَنَعَ من وصف كلامه تعالى بأنه مخلوق ، حتى لايتسرب الى الذهن حدوثٌ للمتكلم .

ومعنى قوله عليه‌السلام : تكلف المجيب ما ليس عليه : أنه أجاب بغير علم وهو لايعرف مفهوم وجود القرآن ، ولا مفهوم المخلوق وغير المخلوق .

٢٢٧

وأما قوله عليه‌السلام : فتعاطى السائل ما ليس له ، فقد يشكل عليه بأنه كيف يصح المنع من السؤال ، وتقسيم المسائل الى ما ينبغي طرحه وما لاينبغي .

والجواب : لأنه لايصح السؤال إلا إذا كان واضحاً محدداً ، وهذا في مسألتنا يتوقف على فهم السائل لمعنى القرآن ومعنى الخلق ، وإلا فلا يحق له السؤال .

والسائل في نظر الإمام عليه‌السلام لايفقه معنى القرآن ، وأنواع وجوده ، قبل نزوله الى جبرئيل ، ثم نزول جبرئيل به الى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم عندنا ، الى أن يتجسد بصورة إنسان في يوم القيامة !

أما معنى الخلق فالسائل أشد جهلاً به ، فهو أنواع ، ونحن لا نعرف كيفية خلق المطر وتكوين ذرَّاته الأولى مع أنه يتم أمام أعيننا . ولا كيفية خلق أنفسنا من عدم ولا كيفية تسويتها بعد ذلك ولا القوى التي سواها الله بها ، وأقسم بها !

وما دام السائل لايفقه جوهر سؤاله ولا مغزاه ، فهو يتعاطى أمراً لايفقهه ، ولا يعرف لغته التي تستعمل فيه ، فيفرض ألفاظه على الموضوع ، كالذي يسأل عن مسألة رياضية معقدة بألفاظ عامية ، لا تصلح للتعبير عنها .

قال الشريف المرتضى في رسائله « ١ / ١٥٢ » : « وسأل أحسن الله توفيقه عن القرآن هل هو مخلوق أو غير مخلوق ؟ الجواب ، وبالله التوفيق : إن القرآن مُحدثٌ لا محالة ، وأمارات الحدث في الكلام أبين وأظهر منها في الأجسام وكثير من الأعراض ، لأن الكلام يعلم تجدده بالإدراك ، ونقيضه بفقد الادراك ، والمتجدد لا يكون إلا محدثاً ، والنقيض لا يكون قديماً ، وما ليس بقديم وهو موجود محدث ، فكيف لا

٢٢٨

يكون القرآن محدثاً وله أول وآخر .. وقد وصف الله تعالى القرآن بأنه محدث مصرحاً غير ملوح ، ولا يجوز أن يصفه بغير ما يستحقه من الأوصاف .

فأما الوصف للقرآن بأنه مخلوق ، فالواجب الإمتناع منه والعدل عن إطلاقه ، لأن اللغة العربية تقتضي فيما وصف من الكلام بأنه مخلوق أو مختلق أنه مكذوب مضاف إلى غير فاعله ، ولهذا قال الله عز وجل : إن هذا إلا اختلاق . وتخلقون إفكاً . ولا فرق بين قول العربي لغيره كذبت ، وبين قوله خلقت كلامك واختلقته .

وقد ورد عن أئمتنا عليهم‌السلام في هذا المعنى أخبار كثيرة تمنع من وصف القرآن بأنه مخلوق ، وأنهم عليهم‌السلام قالوا : لا خالق ولا مخلوق .

وروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال في قصة التحكيم : إنني ما حكمت مخلوقاً وإنما حكمت كتاب الله عز وجل . ويشبه أن يكون الوجه في منع أئمتنا عليهم‌السلام من وصف القرآن بأنه مخلوق ما ذكرناه ، وإن لم يصرحوا عليهم‌السلام به » .

وقال الشيخ الطوسي في كتابه الخلاف « ٦ / ١١٩ » : « كلام الله تعالى : فعله ، وهو محدث ، وامتنع أصحابنا من تسميته بأنه مخلوق لما فيه من الإيهام بكونه منحولاً . وقال أكثر المعتزلة إنه مخلوق ، وفيهم من منع من تسميته بذلك ، وهو قول أبي عبد الله البصري وغيره . وقال أبوحنيفة وأبويوسف ومحمد : إنه مخلوق . قال محمد : وبه قال أهل المدينة . قال الساجي : ما قال به أحد من أهل المدينة .

قال أبويوسف : أول من قال بأن القرآن مخلوق أبوحنيفة . قال سعيد بن سالم : لقيت إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة في دار المأمون ، فقال : إن القرآن مخلوق هذا

٢٢٩

ديني ودين أبي وجدي . وروي عن جماعة من الصحابة الإمتناع من تسميته بأنه مخلوق . وبه قال جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام فإنه سئل عن القرآن فقال : لا خالق ولا مخلوق ، ولكنه كلام الله تعالى ووحيه وتنزيله ، وبه قال أهل الحجاز ..

ولم يُرْوَ عن واحد من هؤلاء أنه قال : القرآن قديم ، أو كلام الله قديم . وأول من قال بذلك الأشعري ومن تبعه على مذهبه ، ومن الفقهاء من ذهب مذهبه .

دليلنا على ما قلناه : ما ذكرناه في الكتاب في الأصول ليس هذا موضعها ، فمنها قوله : مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ ، فسماه محدثاً . وقال : إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ، وقال : بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ . فسماه عربياً والعربية محدثة . وقال : نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ، وقال : وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ، فوصفه بالتنزيل . وهذه كلها صفات المحدث . ومن وصفه بالقدم فقد أثبت مع الله تعالى قديماً آخر » !

الإمام الهادي عليه‌السلام يوضح أصول التوحيد

١. ردَّ الإمام عليه‌السلام ما نسبه المجسمة الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أحاديث عن رؤية الله تعالى بالعين . قال أحمد بن إسحاق الأشعري وهو من كبار علماء قم : « كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام أسأله عن الرؤية وما اختلف فيه الناس فكتب : لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواءٌ ينفذه البصر ، فإذا انقطع الهواء عن الرائي والمرئي لم تصح الرؤية ، وكان في ذلك الإشتباه ، لأن الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الإشتباه ، وكان ذلك التشبيه . لأن الأسباب لابد من اتصالها بالمسببات » . « الكافي : ١ / ٩٧ » .

٢٣٠

٢. في الإحتجاج « ٢ / ٢٥٠ » : « سئل أبوالحسن عليه‌السلام عن التوحيد فقيل له : لم يزل الله وحده لا شئ معه ثم خلق الأشياء بديعاً ، واختار لنفسه الأسماء ، ولم تزل الأسماء والحروف له معه قديمة ؟

فكتب : لم يزل الله موجوداً ثم كَوَّنَ ما أراد ، لا رادَّ لقضائه ولا مُعقب لحكمه ، تاهت أوهام المتوهمين ، وقصر طُرُف الطارفين ، وتلاشت أوصاف الواصفين ، واضمحلت أقاويل المبطلين ، عن الدَّرْكِ لعجيب شأنه ، أو الوقوع بالبلوغ على عُلُوِّ مكانه ، فهو بالموضع الذي لايتناهى ، وبالمكان الذي لم تقع عليه عيون بإشارة ولا عبارة . هيهات هيهات » !

٣. وفي التوحيد للصدوق / ٦١ : « عن الفتح بن يزيد الجرجاني ، قال : لقيته عليه‌السلام على الطريق عند منصرفي من مكة إلى خراسان وهو سائر إلى العراق فسمعته يقول : من اتقى الله يُتقى ، ومن أطاع الله يطاع . فتلطفت في الوصول إليه فوصلت فسلمت فرد علي السلام ، ثم قال : يا فتح من أرضى الخالق لم يبالِ بسخط المخلوق ، ومن أسخط الخالق فَقَمِنٌ أن يُسلط عليه سخط المخلوق ، وإن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه ، وأنى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه والأوهام أن تناله ، والخطرات أن تحده ، والأبصار عن الإحاطة به . جلَّ عما وصفه الواصفون ، وتعالى عما ينعته الناعتون ، نأى في قربه ، وقرب في نأيه ، فهو في بُعده قريب ، وفي قربه بعيد ، كيَّف الكيف فلا يقال له : كيف . وأيَّن الأينَ فلا يقال له أين ، إذ هو مبدع الكيفوفية والأينونية .

٢٣١

يا فتح : كل جسم مُغَذَّى بغذاء إلا الخالق الرزاق ، فإنه جَسَّمَ الأجسام ، وهو ليس بجسم ولا صورة ، لم يتجزأ ، ولم يتناه ، ولم يتزايد ، ولم يتناقص ، مبرأٌ من ذات ، ما رُكب في ذاتٍ من جسمه .

وهو اللطيف الخبير ، السميع البصير ، الواحد الأحد الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ، منشئ الأشياء ، ومجسم الأجسام ، ومصور الصور .

لو كان كما يقول المشبهة ، لم يعرف الخالق من المخلوق ، ولا الرازق من المرزوق ولا المنشئ من المنشأ ، لكنه المنشئ ، فرق بين من جَسَّمَهُ وصَوَّرَه وشَيَّأَه وبيَّنه ، إذ كان لا يشبهه شئ .

قلت : فالله واحد والإنسان واحد ، فليس قد تشابهت الوحدانية ؟

فقال : أَحَلْتَ ثبتك الله ، إنما التشبيه في المعاني ، فأما في الأسماء فهي واحدة ، وهي دلالة على المسمى ، وذلك أن الإنسان وإن قيل واحد ، فإنه يخبر أنه جثة واحدة وليس باثنين ، والإنسان نفسه ليس بواحد ، لأن أعضاءه مختلفة ، وألوانه مختلفة غير واحدة ، وهو أجزاء مجزأة ليس سواء ، دمه غير لحمه ، ولحمه غير دمه ، وعصبه غير عروقه ، وشعره غير بشره ، وسواده غير بياضه ، وكذلك سائر جميع الخلق ، فالإنسان واحد في الإسم ، لا واحد في المعنى ، والله جل جلاله واحد لا واحد غيره ، ولا اختلاف فيه ، ولا تفاوت ، ولا زيادة ، ولا نقصان .

فأما الإنسان المخلوق المصنوع المؤلف ، فمن أجزاء مختلفة وجواهر شتى ، غير أنه بالإجتماع شئ واحد .

٢٣٢

قلت : فقولك : اللطيف فسره لي ، فإني أعلم أن لطفه خلاف لطف غيره للفصل غير أني أحب أن تشرح لي ، فقال : يا فتح إنما قلت : اللطيف للخلق اللطيف ولعلمه بالشئ اللطيف ، ألا ترى إلى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف وفي الخلق اللطيف من أجسام الحيوان من الجرجس والبعوض وما هو أصغر منهما مما لا يكاد تستبينه العيون ، بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الأنثى ، والمولود من القديم ، فلما رأينا صغر ذلك في لطفه واهتدائه للسفاد والهرب من الموت ، والجمع لما يصلحه بما في لجج البحار ، وما في لحاء الأشجار والمفاوز والقفار ، وإفهام بعضها عن بعض منطقها ، وما تفهم به أولادها عنها ، ونقلها الغذاء إليها ، ثم تأليف ألوانها حمرة مع صفرة وبياض مع حمرة ، علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف ، وأن كل صانعِ شئ فمن شئ صنع ، والله الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لا من شئ .

قلت : جعلت فداك وغير الخالق الجليل خالق ؟ قال : إن الله تبارك وتعالى يقول : فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ . فقد أخبر أن في عباده خالقين منهم عيسى بن مريم ، خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله ، فنفخ فيه فصار طائراً بإذن الله ، والسامري خلق لهم عجلاً جسداً له خوار .

قلت : إن عيسى خلق من الطين طيراً دليلاً على نبوته ، والسامري خلق عجلاً جسداً لنقض نبوة موسى ، وشاء الله أن يكون ذلك كذلك ، إن هذا لهو العجب !

٢٣٣

فقال : ويحك يا فتح إن لله إرادتين ومشيتين إرادة حتم وإرادة عزم ، ينهى وهو يشاء ، ويأمر وهو لا يشاء ، أوما رأيت أنه نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة وهو شاء ذلك ، ولو لم يشأ لم يأكلا ، ولو أكلا لغلبت مشيتهما مشية الله . وأمر إبراهيم يذبح ابنه إسماعيل عليهما‌السلام ، وشاء أن لا يذبحه ، ولولم يشأ أن لا يذبحه لغلبت مشية إبراهيم مشيئة الله عز وجل !

قلت : فَرَّجْتَ عني فَرَّجَ الله عنك ، غير أنك قلت : السميع البصير ، سميع بالأذن وبصير بالعين ؟ فقال : إنه يسمع بما يبصر ، ويرى بما يسمع ، بصير لا بعين مثل عين المخلوقين ، وسميع لا بمثل سمع السامعين ، لكن لما لم يخف عليه خافية من أثر الذرة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء تحت الثرى والبحار ، قلنا : بصير ، لا بمثل عين المخلوقين . ولما لم يشتبه عليه ضروب اللغات ، ولم يشغله سمع عن سمع ، قلنا : سميع ، لا مثل سمع السامعين .

قلت : جعلت فداك قد بقيت مسألة ، قال : هات لله أبوك .

قلت : يعلم القديم الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون ؟

قال : ويحك إن مسائلك لصعبة ، أما سمعت الله يقول : لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا . وقوله : وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ . وقال يحكي قول أهل النار : رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ . وقال : وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ، فقد علم الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون .

٢٣٤

فقمت لأقبل يده ورجله ، فأدنى رأسه فقبلت وجهه ورأسه ، وخرجت وبي من السرور والفرح ما أعجز عن وصفه ، لما تبينت من الخير والحظ .

قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : إن الله تبارك وتعالى نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة ، وقد علم أنهما يأكلان منها ، لكنه عز وجل شاء أن لا يحول بينهما وبين الأكل منها بالجبر والقدرة ، كما منعهما من الأكل منها بالنهي والزجر ، فهذا معنى مشيته فيهما ، ولو شاء عز وجل منعهما من الأكل بالجبر ، ثم أكلا منها لكانت مشيتهما قد غلبت مشيته ، كما قال العالم عليه‌السلام » .

٤. ورواه المسعودي في إثبات الوصية « ١ / ٢٣٥ » ، بلفظ آخر وفيه : « كيَّفَ الكيفَ فلا يقال كيف ، وأيَّنَ الأينَ فلا يقال أين ، إذ هو منقطع الكيفية والأينية ، الواحد الأحد جل جلاله . بل كيف يوصف بكنهه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد قرنَ الخليل إسمه باسمه ، وأشركه في طاعته وأوجب لمن أطاعه جزاء طاعته ، فقال : وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ . وقال تبارك اسمه يحكى قول من ترك طاعته : يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا . أم كيف يوصف من قَرَنَ الجليل طاعتَه بطاعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث يقول : أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ .

يا فتح : كما لا يوصف الجليل جل جلاله ، ولا يوصف الحجة ، فكذلك لا يوصف المؤمن المُسَلِّمُ لأمرنا ، فنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل الأنبياء ، ووصينا عليه‌السلام أفضل الأوصياء . ثم قال لي بعد كلام : فأوردِ الأمر إليهم وَسَلِّمْ لهم .

٢٣٥

ثم قال لي : إن شئت . فانصرفت منه . فلما كان في الغد تلطفت في الوصول إليه فسلمت فرد السلام فقلت : يا ابن رسول الله تأذن لي في كلمة اختلجت في صدري ليلتي الماضية ؟ فقال لي : سل وأَصِخْ الى جوابها سمعك ، فإن العالم والمتعلم شريكان في الرشد ، مأموران بالنصيحة ، فأما الذي اختلج في صدرك فإن يشأ العالم أنبأك . إن الله لم يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول ، وكل ما عند الرسول فهو عند العالم ، وكل ما اطلع الرسول عليه ، فقد اطلع أوصياؤه عليه .

يا فتح : عسى الشيطان أراد اللبس عليك فأوهمك في بعض ما أوردت عليك وأشكَّك في بعض ما أنبأتك ، حتى أراد إزالتك عن طريق الله وصراطه المستقيم فقلت : متى أيقنتُ أنهم هكذا : فهم أرباب ! معاذ الله ، إنهم مخلوقون مربوبون مطيعون داخرون راغمون !

فإذا جاءك الشيطان بمثل ما جاءك به ، فاقمعه بمثل ما نبأتك به !

قال فتح : فقلت له : جعلني الله فداك فرجت عني ، وكشفت ما لبس الملعون عليَّ ، فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب . قال : فسجد عليه‌السلام فسمعته يقول في سجوده : راغماً لك يا خالقي داخراً خاضعاً . ثم قال : يا فتح كدت أن تهلك ! وما ضرَّ عيسى أن هلك من هلك . إذا شئت رحمك الله . قال : فخرجت وأنا مسرور بما كشف الله عني من اللبس .

٢٣٦

فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه وهو متكئ ، وبين يديه حنطة مقلوَّة يعبث بها ، وقد كان أوقع الشيطان لعنه الله في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا ولا يشربوا فقال : أجلس يا فتح فإن لنا بالرسل أسوة ، كانوا يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق ، وكل جسم متغذٍّ إلا خالق الأجسام الواحد الأحد ، منشئ الأشياء ومجسم الأجسام ، وهو السميع العليم . تبارك الله عما يقول الظالمون ، وعلا علواً كبيراً . ثم قال : اذا شئت رحمك الله .

وقدم به عليه‌السلام بغداد ، وخرج إسحاق بن إبراهيم وجملة القواد فتلقوه » .

وينفي عن الله تعالى الجسم والصورة

« عن الصقر بن دلف عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام قال : يا ابن دلف ، إن الجسم محدث والله محدثه ومجسمه » . « الفصول المهمة : ١ / ١٤٧ » .

عن حمزة بن محمد قال : « كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام أسأله عن الجسم والصورة فكتب : سبحان من ليس كمثله شئ ، لا جسمٌ ولا صورة » . « الكافي : ١ / ١٠٢ » .

وكتب اليه أيوب بن نوح يسأله عن الله عز وجل : « أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكونها ، أولم يعلم ذلك حتى خلقها ، وأراد خلقها وتكوينها فعلم ما خلق عندما خلق وما كون عندما كون ؟ فوقع بخطه : لم يزل الله عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء ، كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء » . « الكافي : ١ / ١٠٨ » .

٢٣٧

وكتب اليه إبراهيم بن محمد الهمداني : « إن من قِبَلَنا من مواليك قد اختلفوا في التوحيد ، فمنهم من يقول جسم ومنهم من يقول صورة . فكتب عليه‌السلام بخطه : سبحان من لايُحد ولايُوصف ليس كمثله شئ وهو السميع البصير » . « الكافي : ١ / ١٠٢ » .

وفي الكافي « ١ / ١٠٥ » : « عن محمد بن الفرج الرخجي قال : كتبت إلى أبي الحسن أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم ، وهشام بن سالم في الصورة فكتب : دع عنك حيرة الحيران ، واستعذ بالله من الشيطان ، ليس القول ما قال الهشامان » .

أقول : كان هشام بن الحكم رضي الله عنه أقوى المناظرين في بغداد ، وكان هارون الرشيد يعقد له مجالس المناظرة مع كبار علماء المذاهب والأديان ، ويجلس خلف الستار يستمع . ويظهر أن هشاماً قال ذات مرة عن الله تعالى إنه جسم لا كالأجسام ، بدل أن يقول شئ لا كالأشياء ، فطار بها خصومه وقالوا هو مجسم !

أما هشام بن سالم الجواليقي رضي الله عنه ، فربما روى حديث أن الله على صورة الإنسان ، وقد يكون قَبِلَه ، فطار بها خصومه وحرفوا كلامه أيضاً !

قال الشهرستاني في الملل والنحل « ١ / ١٨٥ » : « وقال هشام بن سالم : إنه تعالى على صورة إنسان ، أعلاه مُجَوَّفٌ وأسفله مصمت ، وهو نور ساطعٌ يتلألأ ، وله حواسٌّ خمسٌ ويد ورجلٌ وأنفٌ وأذنٌ وفمٌ . وله وَفْرَةٌ سوداءُ هي نورٌ أسود ، لكنه ليس بلحم ولا دم » .

٢٣٨

وقال الأميني في الغدير « ٢ / ٢٨٤ » عن كتاب الملل والنحل : « هذا الكتاب وإن لم يكن يضاهي الفِصَل في بذاءة المنطق ، غير أن في غضونه نسباً مفتعلة وآراء مختلقة وأكاذيب جمة ، لا يجد القارئ ملتحداً عن تفنيدها ، فإليك نماذج منها :

١ ـ قال : قال هشام بن الحكم متكلم الشيعة : إن الله جسم ذو أبعاض في سبعة أشبار بشبر نفسه ، في مكان مخصوص وجهة مخصوصة .

٢ ـ قال في حق علي : إنه إلهٌ واجب الطاعة .

٣ ـ وقال هشام بن سالم : إن الله على صورة إنسان ، أعلاه مجوف وأسفله مصمت وهو نور ساطع يتلألأ ، وله حواس خمس ، ويد ورجل وأنف وأذن وعين وفم ، وله وفرة سوداء ، وهو نور أسود ، لكنه ليس بلحم ولا دم . وإن هشام هذا أجاز المعصية على الأنبياء ، مع قوله بعصمة الأئمة .

٤ ـ وقال زرارة بن أعين : لم يكن الله قبل خلق الصفات عالماً ، ولا قادراً ولا حياً ولا بصيراً ولا مريداً ولا متكلماً .

٥ ـ قال محمد بن النعمان : إن الله نورٌ على صورة إنسان ، ويأبى أن يكون جسماً .

٦ ـ وزعم يونس بن عبد الرحمن القمي أن الملائكة تحمل العرش ، والعرش تحمل الرب ، وهو من مشبهة الشيعة ، وصنف لهم في ذلك كتباً » . انتهى .

أقول : وكل ذلك مكذوباتهم على الشيعة أو تحريفٌ لكلامهم ، وقد نشروا هذه الأكاذيب يومها ، فسأل الشيعة عنها الأئمة عليهم‌السلام فنفوا مقولة الجسم والصورة .

٢٣٩

المتوكل يمتحن علم الإمام الهادي عليه‌السلام

وفي مناقب آل أبي طالب « ٣ / ٥٠٧ » : « قال المتوكل لابن السكيت : إسأل ابن الرضا مسأله عوصاء بحضرتي ، فسأله فقال : لم بعث الله موسى بالعصا ، وبعث عيسى بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ، وبعث محمداً بالقرآن والسيف ؟

فقال أبوالحسن عليه‌السلام : بعث الله موسى بالعصا واليد البيضاء في زمان الغالب على أهله السحر ، فأتاهم من ذلك ما قهر سحرهم وبهرهم ، وأثبت الحجة عليهم . وبعث عيسى بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله ، في زمان الغالب على أهله الطب ، فأتاهم من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله فقهرهم وبهرهم . وبعث محمداً بالقرآن والسيف في زمان الغالب على أهله السيف والشعر ، فأتاهم من القرآن الزاهر والسيف القاهر ، ما بهر به شعرهم وقهر سيفهم ، وأثبت الحجة عليهم .

فقال ابن السكيت : فما الحجة الآن ؟ قال : العقل يعرف به الكاذب على الله فيكذب . فقال يحيى بن أكثم : ما لابن السكيت ومناظرته ، وإنما هو صاحب نحو وشعر ولغة ، ورفع قرطاساً فيه مسائل فأملى علي بن محمد على ابن السكيت جوابها ، وأمره أن يكتب : سألت عن قول الله تعالى : قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ ، فهو آصف بن برخيا ولم يعجز سليمان عن معرفة ما عرفه آصف ، ولكنه أحب أن يعرف أمته من الجن والإنس أنه الحجة من بعده ، وذلك من علم سليمان عليه‌السلام أودعه آصف بأمر الله ، ففهمه ذلك لئلا يختلف في إمامته وولايته من بعده ، ولتأكيد الحجة على الخلق .

٢٤٠