الإمام علي الهادي عليه السلام

الشيخ علي الكوراني العاملي

الإمام علي الهادي عليه السلام

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠

وقال : « ذكرت كلام ثلاثة من المؤرخين ، الأول منهم وهو إمامهم ابن جرير الطبري ولم يذكر شيئاً من النصب ، بل نقل عملاً عظيماً من أعمال جدي الخليفة المتوكل الجليلة في نصرة العقيدة والسنة ، وهو هدم ما بني على قبر سيد شباب أهل الجنة الحسين رضي الله عنه ، وقد ذكرنا هذا ضمن جهوده في نصرة العقيدة والسنة في كتابنا عقيدة بني العباس » !

يقصد أن الطبري لم يَذكر عنه شيئاً من نصب المتوكل ، وكأن الطبري عندما ذكر هدمه لقبر الحسين عليه‌السلام كان يمدحه بذلك ويثبت حبه للحسين عليه‌السلام !

ثم احتج باضطراب كلام إمامه الذهبي ، قال : وقد اضطرب كلامه في هذا ، فمرة يقول : وكان في المتوكل نصب . ومرة يقول : وكان معروفاً بالنصب . ومرة قال : ولم يصح عنه النصب . فلذلك كان لابد من الرجوع لما يذكرونه من قصص وحوادث يستدلون بها على نصبه رحمه الله تعالى وحاشاه !

هكذا يتصور هذا الوهابي أنه بجرة قلم يجعل المتوكل تقياً ، ويمحو عنه فحشاءه ومنكراته ، ونصبه وعداوته لأهل البيت عليهم‌السلام !

وقد دلس في كلام الذهبي وغيَّبه ، فلاحظ ما قاله الذهبي لتعرف أنهم يُغيبون حتى كلام أئمتهم بسبب هواهم وتعصبهم !

قال الذهبي في سيره « ١٨ / ٥٥٢ » : « ويروى أن المتوكل نظر إلى ولديه المعتز والمؤيد فقال لابن السكيت : من أحب إليك ، هما ، أو الحسن والحسين قال : قنبر ، يعني مولى علي ، خير منهما . قال : فأمر الأتراك فداسوا بطنه حتى كاد يهلك ، فبقي

١٦١

يوما ومات . ومنهم من قال : حمل ميتاً في بساط ، وبعث إلى ابنه بديته . وكان في المتوكل نُصب بلا خلاف » .

وقال في سيره « ١٣ / ١٨ » : « ويروى أن المتوكل نظر إلى ابنيه المعتز والمؤيد فقال لابن السكيت : من أحب إليك : هما أو الحسن والحسين ؟ فقال : بل قنبر ، فأمر الأتراك فداسوا بطنه فمات بعد يوم . وقيل : حمل ميتاً في بساط . وكان في المتوكل نصب ، نسأل الله العفو . مات سنة أربع وأربعين ومئتين » .

وقال في سيره « ١٢ / ٢٥ » : « وفي سنة ست وثلاثين هدم المتوكل قبر الحسين رضي الله عنه ، فقال البسامي أبياتاً منها :

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا

في قتله فتتبعوه رميما

وكان المتوكل فيه نصبٌ وانحراف ، فهدم هذا المكان وما حوله من الدور ، وأمر أن يزرع ، ومنع الناس من انتيابه » .

وقال في سيره « ١٢ / ١٣٦ » : « عبد الله بن أحمد بن حنبل : حدثني نصر بن علي أخبرني علي بن جعفر بن محمد ، حدثني أخي موسى ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن علي بن حسين ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم : أخذ بيد حسن وحسين فقال : من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما ، كان معي في درجتي يوم القيامة . قلت : هذا حديث منكر جداً .

ثم قال عبد الله بن أحمد : لما حدث نصر بهذا ، أمر المتوكل بضربه ألف سوط ، فكلمه جعفر بن عبد الواحد وجعل يقول له : الرجل من أهل السنة ولم يزل به

١٦٢

حتى تركه . وكان له أرزاق فوفرها عليه موسى . قال أبو بكر الخطيب عقيبه : إنما أمر المتوكل بضربه ، لأنه ظنه رافضياً . قلت : والمتوكل سني لكن فيه نصب ، وما في رواة الخبر إلا ثقةٌ ما خلا علي بن جعفر ، فلعله لم يضبط لفظ الحديث ، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم من حبه وبث فضيلة الحسنين ليجعل كل من أحبهما في درجته في الجنة ، فلعله قال : فهو معي في الجنة . وقد تواتر قوله عليه‌السلام : المرء مع من أحب . ونصرُ بن علي ، فمن أئمة السنة الأثبات » .

لاحظ أن الذهبي صحح الحديث ، لكن مع تخفيف بعض ألفاظه ، وحكم بنُصب المتوكل في عدة موارد ونصوص !

وقال الذهبي في تاريخه : ١٧ / ١٨ : « أمر المتوكل بهدم قبر السيد الحسين بن علي رضي الله عنهما ، وهدم ما حوله من الدور ، وأن تعمل مزارع . ومنع الناس من زيارته وحُرث وبقي صحراء ! وكان معروفاً بالنصب ، فتألم المسلمون لذلك ، وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد ، وهجاه الشعراء ، دعبل وغيره » .

وفي سير أعلام النبلاء : ١٢ / ٣٥ : « وعفَّى قبر الشهيد الحسين وما حوله من الدور ، فكتب الناس شتم المتوكل على الحيطان ، وهجته الشعراء كدعبل وغيره » .

أما قوله : ولم يصح عنه النصب ، الذي حاول هذا الوهابي أن يتشبث به ، فجاء في سيره « ١٢ / ٤١ » : « وقيل : لم يصح عنه النصب ، وقد بكى من وعظ علي بن محمد العسكري العلوي ، وأعطاه أربعة آلاف دينار . فالله أعلم » .

١٦٣

وقال في سيره « ٩ / ٤٤٨ » : « وبويع المنتصر من الغد بالقصر الجعفري يوم خامس شوال سنة سبع وأربعين ومائتين ، وقيل : لم يصح عنه النصب ، وقد بكى من وعظ علي بن محمد العسكري العلوي ، وأعطاه أربعة آلاف دينار ، فالله أعلم » .

فما زال مع مدحه يحكم بأنه ناصبي ، ويذكر نفي نصبه بقيلَ ، ولا يقبله .

وقال في تاريخه « ١٨ / ١٩٩ » : « ورد أن بعضهم رآه في النوم فقال له : ما فعل الله بك قال : غفر لي بقليل من السنة أحييتها . وقد كان المتوكل منهمكاً في اللذات والشرب ، فلعله رُحم بالسنة ولم يَصح عنه النصب » .

فهو يقول : قيل إن المتوكل نجا في الآخرة حسب هذا المنام ، فإن صح ذلك فربما كانت نصرته للسنة توجب غفران انهماكه في الشهوات .

ثم يقول : أما قضية نُصبه فلا تغفر بذلك ، فإن صح هذا المنام وكان حجة ، فلعل أخبار نصبه الثابتة لم تكن صحيحة . فهو احتمال مطلق في مقابل اليقين !

فاعجب لمن يتشبثون باحتمال في مقابل يقين ، وبمنام رؤيَ في مقابل حق مبين !

* *

١٦٤

الفصل الثامن:

ثورات العلويين بعد هدم قبر الحسين عليهم‌السلام

اضطهد المتوكل العلويين فاتجهوا الى الثورة

قال أبوالفرج في مقاتل الطالبيين / ٣٩٥ : « لما وليَ المتوكل تفرق آل أبي طالب في النواحي ، فغلب الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن زيد علي طبرستان ونواحي الديلم . وخرج بالري : محمد بن جعفر بن الحسن بن عمر بن علي بن الحسين ، يدعو إلى الحسن بن زيد ، فأخذه عبد الله بن طاهر فحبسه بنيسابور ، فلم يزل في حبسه حتى هلك .. وكان ممن خرج معه عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب .

ثم خرج من بعده بالري : أحمد بن عيسى بن علي بن الحسين بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب ، يدعو إلى الحسين بن زيد .

وخرج الكوكبي ، وهو الحسين بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله الأرقط بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب .

ولهؤلاء أخبار قد ذكرناها في الكتاب الكبير ، لم يحمل هذا الكتاب إعادتها لطولها ، ولأنا شرطنا ذكر خبر من قتل منهم ، دون من خرج فلم يقتل » .

أقول : المتأمل في تاريخ الإسلام يجد أن الثورات بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كلها علوية ، وغيرها تقليدٌ لها ، أو سرقةٌ منها . فأول الثائرين على القرشيين أهل السقيفة : هو

١٦٥

علي عليه‌السلام ثم ولده الحسين عليه‌السلام سنة ستين للهجرة ، ثم ولده زيد بن علي رضي الله عنه في الكوفة سنة ١٢١ للهجرة ، ثم واصل ثورته ابنه يحيى بن زيد رضي الله عنه في خراسان ، ثم ورثها الحسنيون والعباسيون حتى أسقطوا الدولة الأموية سنة ١٣٢ هجرية . وتواصلت ثورات العلويين ضد ظلم العباسيين ، وتوزعت على بلاد مختلفة ، كما رأيت في نص أبي الفرج ، وقد حفل بها كتابه : مقاتل الطالبيين .

وقد انتشر العلويون في بلاد العالم الإسلامي شرقاً وغرباً ، فظهرت ثوراتهم في اليمن ومصر وإفريقيا والمغرب غرباً ، وإيران وما وراء النهر شرقاً .

وقد حاول المأمون أن ينهي ثورات العلويين ، بإعطاء ولاية عهده شكلياً للإمام الرضا عليه‌السلام ، فخفت ثوراتهم في زمنه ، لكنها لم تنتهِ .

وكانت سياسة المأمون وبعده المعتصم والواثق لينة نسبياً مع أهل البيت عليهم‌السلام لأنها سمحت برواية فضائلهم في الإسلام ، لكنها في نفس الوقت عملت لقتل أئمتهم المعصومين عليهم‌السلام واستعملت الشدة والقمع مع الثائرين منهم .

ثم جاء المتوكل بسياسة العداء لأهل البيت عليه‌السلام فنقم عليه عامة المسلمين لهدمه قبر الحسين عليه‌السلام ، وكتبوا شتمه على جدران بغداد .

واندفع بعض العلويين الى الثورة في عصره ، ولا يتسع المجال لتأريخ الثورات العلوية في عهد المتوكل ، لكن نشير الى أن نجاح بعضها كثورة الحسنيين في المغرب والزيديين في شمال إيران ، أوجد جواً عاماً في بغداد ، مؤيداً لأهل البيت ومستنكراً للظلم العباسي .

١٦٦

وقد تصاعد هذا الجو حتى جاءت قوة آل بُويَه العسكرية الشيعية مقابل القوة التركية العباسية ، وسيطر البويهيون على بغداد سنة ٣٢٠ هجرية ، وصار الخليفة العباسي بيدهم . وكان ذلك بعد ثمانين عاماً من هدم قبر الحسين عليه‌السلام . واستمر حكم البويهيين الشيعة أكثر من قرن حتى نشأت قوة الأتراك السلاجقة ، فسيطروا على بغداد سنة ٤٤٧ ، وعاد الخليفة العباسي الى أيدي الأتراك السنة .

الموجة الشعبية المؤيدة للإمام الهادي عليه‌السلام

اتفق المؤرخون على ثلاث ظواهر حدثت في الأمة بسبب هدم المتوكل لقبر الحسين عليه‌السلام ، وكلها تدل على تعاطف الناس مع العلويين والإمام الهادي عليه‌السلام !

أولاها : أن شتم المتوكل كتب على جدران بغداد ، وقد ذكر ذلك عامة المؤرخين ولم يذكروا نص هذه الشتائم ، ولا أن الدولة استطاعت أن تعاقب عليها .

قال السيوطي في تاريخ الخلفاء / ٣٧٤ : « أمر بهدم قبر الحسين ، وهدم ما حوله من الدور ، وأن يعمل مزارع ، ومنع الناس من زيارته وخُرِّبَ وبقيَ صحراء . وكان المتوكل معروفاً بالتعصب فتألم المسلمون من ذلك ، وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد ، وهجاه الشعراء ، فمما قيل في ذلك .. » .

وقال الذهبي في تاريخه : ١٧ / ١٨ : « أمر المتوكل بهدم قبر السيد الحسين بن علي رضي الله عنهما ، وهدم ما حوله من الدور ، وأن تعمل مزارع . ومنع الناس من زيارته وحُرث وبقي صحراء ! وكان معروفاً بالنصب ، فتألم المسلمون لذلك ، وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد ، وهجاه الشعراء ، دعبل وغيره » .

١٦٧

وفي سير أعلام النبلاء : ١٢ / ٣٥ : « وعفَّى قبر الشهيد الحسين وما حوله من الدور ، فكتب الناس شتم المتوكل على الحيطان ، وهجته الشعراء كدعبل وغيره » .

وفي طبقات الشافعية : ٢ / ٥٤ : « أمر بهدم قبر الحسين رضي الله عنه وهدم ما حوله من الدور ، وأن يعمل مزارع ، ومنع الناس من زيارته ، وحُرث وبقي صحراء فتألم المسلمون لذلك ، وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد ، وهجاه دعبل وغيره من الشعراء » .

وقال التنوخي في نشوار المحاضرة : ٦ / ٣٢١ : « كان المتوكل معروفاً بالنصب ، أمر في السنة ٢٣٦ بهدم قبر الحسين .. فكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان ، وقال البسامي .. » . ونحوه الصفدي في الوافي : ١١ / ١٠٢ ، والنجوم الزاهرة : ٢ / ٢٨٣ .

والظاهرة الثانية : أن أحمد بن حنبل كان من جماعة المتوكل ، لكن لما جاءت الى المتوكل إخبارية بأن أحمد خبَّأَ علوياً في بيته وهو يأخذ له البيعة ليثور ، سارع بإرسال قوة وفتشوا بيت أحمد بن حنبل حتى غرف النساء والبئر وغيرها !

وهذا يدل على أن موجة التأييد للعلويين والكره للمتوكل كانت قوية الى حد أن المتوكل احتمل أن يكون صاحبه ابن حنبل وقع تحت تأثيرها ودخل فيها !

والظاهرة الثالثة : التعاطف العلني مع الثوار العلويين ، ويكفي مثالاً لذلك أن البغداديين منعوا السلطة من صلب رأس العلوي الثائر يحيى بن عمر رحمه‌الله .

١٦٨

قال الطبري « ٧ / ٤٢٨ » : « ثم إن محمد بن عبد الله بن طاهر « والي بغداد » أمر بحمل رأسه إلى المستعين من غد اليوم الذي وافاه فيه ، وكتب إليه بالفتح بيده ، ونصب رأسه بباب العامة بسامرا ، واجتمع الناس لذلك وكثروا وتذمروا !

وتولى إبراهيم الديزج نصبه لأن إبراهيم بن إسحاق خليفة محمد بن عبد الله أمره فنصبه لحظة ، ثم حُطَّ ورُدَّ إلى بغداد لينصب بها بباب الجسر فلم يتهيأ ذلك لمحمد بن عبد الله ، لكثرة من اجتمع من الناس ! وذكر لمحمد بن عبد الله أنهم على أخذه اجتمعوا ، فلم ينصبه وجعله في صندوق في بيت السلاح في داره » .

لذلك تعاظم تأييد الناس للإمام الهادي عليه‌السلام حتى : « كتب بُرَيْحَة العباسي صاحب الصلاة بالحرمين الى المتوكل : إن كان لك في الحرمين حاجة فأخرج علي بن محمد منهما ، فإنه قد دعا الى نفسه واتبعه خلق كثير » . « إثبات الوصية : ١ / ٢٣٢ » .

من الثورات العلوية في زمن المتوكل

ثورة يحيى بن عمر :

قال المسعودي في مروج الذهب : ٤ / ٦٣ : « ظهر في هذه السنة وهي سنة ثمان وأربعين ومائتين بالكوفة : أبوالحسن يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الطيار ، وأمه فاطمة بنت الحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الطيار . وقيل إن ظهوره كان بالكوفة سنة خمسين ومائتين ، فقُتل وحمُل رأسه إلى بغداد وصُلب ، فضج الناس من ذلك لما كان في نفوسهم من المحبة له ، لأنه استفتح أموره بالكَفِّ عن

١٦٩

الدماء ، والتوَرُّع عن أخذ شئ من أموال الناس ، وأظهر العدل والإنصاف ، وكان ظهوره لذلٍّ نزل به ، وجفوةٍ لحقته ، ومحنةٍ نالته من المتوكل وغيره من الأتراك . ودخل الناس الى محمد بن عبد الله بن طاهر « القائد العباسي والي بغداد » يهنئونه بالفتح ، ودخل فيهم أبوهاشم الجعفري ، وهو داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، بينه وبين جعفر الطيار ثلاثة آباء ، ولم يكن يعرف في ذلك الوقت أقعد نسباً في آل أبي طالب وسائر بني هاشم وقريش منه ، وكان ذا زهد وورع ونسك وعلم ، صحيح العقل سليم الحواس منتصب القامة ، وقبره مشهور وقد أتينا على خبره وما روي عنه من الرواية عن أبيه ومن شاهد من سلفه في كتاب حدائق الأذهان في أخبار آل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لابن طاهر : أيها الأمير إنك لتُهَنَّأُ بقتل رجل لوكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حياً لعُزِّيَ به !

فلم يجبه محمد ، وخرج من داره وهويقول : يا بني طاهر .. البيتين .

وقد كان المستعين أمر بنصب الرأس ، فأمر ابن طاهر بإنزاله لما رأى من الناس وما هم عليه ، وفي ذلك يقول أبوهاشم الجعفري :

يا بني طاهرٍ كُلُوه وبِيًّا

إنَّ لحمَ النبيِّ غَيْرُ مَرِيِّ

إن وتراً يكون طالبُهُ اللهُ

لوِتْرٌ بالفوْتِ غَيْرُ حَرِيِّ

وقد رُثيَ أبوالحسين يحيى بن عمر بأشعار كثيرة ، وقد أتينا على خبر مقتله وما رثي به من الشعر في الكتاب الأوسط .

وكان يحيى دَيِّناً كثير التعطف والمعروف على عوام الناس ، باراً بخواصهم ، واصلًا لأهل بيته ، مؤثراً لهم على نفسه ، مُثقَلَ الظهر بالطالبيات ، يجهد نفسه

١٧٠

ببرّهن والتحنن عليهن ، لم تظهر له زلة ، ولا عرفت له خِزْيَة . ومما رثي به ما قاله فيه أحمد بن طاهر الشاعر ، من قصيدة طويلة :

سلامٌ على الإسلام فهومودِّعٌ

إذا ما مضى آلُ النبيِّ فودَّعُوا

فَقَدْنا العُلا والمجدَ عند افتقادهم

وأضحت عروشُ المكرمات تَضعضع

أتجمع عَيْنٌ بين نومٍ ومضجعٍ

ولابن رسول الله في التربِ مضجع

فقد أقفَرَتْ دار النبيِّ محمدٍ

من الدين والإسلام فالدارُ بلْقَعُ

وقُتِّل آلُ المصطفى في خلالها

وبُدِّدَ شملٌ منهمُ ليس يجمع

ألم ترَ آلَ المصطفى كيف تصطفي

نفوسَهُمُ أمُّ المنون فتتبع

بني طاهر واللؤم منكم سجيةٌ

وللغدر منكم حاسرٌ ومُقنَّعُ

قواطعكم في الترك غير قواطعٍ

ولكنها في آل أحمد تقطع

لكم كل يوم مشربٌ من دمائهم

وغُلَّتها من شربها ليس تُنْقَعُ

رماحُكُمُ للطالبيينَ شُرَّعٌ

وفيكم رماحُ الترك بالقتل شُرَّع

لكم مرتعٌ في دار آل محمَّدٍ

وداركمُ للترك والجيش مرتع

أخِلْتم بأن الله يرعى حقوقكم

وحقُّ رسول الله فيكم مضيع

وأضحوا يُرَجُّون الشفاعة عنده

وليس لمن يرميه بالوِتْرِ يَشفع

ولما قُتل يحيى جزعت عليه نفوس الناس جزعاً كثيراً ، ورثاه القريب والبعيد ، وحزن عليه الصغير والكبير ، وجزع لقتله الملئ والدنئ ، وفي ذلك يقول بعض شعراء عصره ومن جزع على فقده :

بكت الخيلُ شَجْوَها بعد يحيى

وبَكاهُ المهنَّدُ المصقولُ

وبكتهُ العراقُ شرقاً وغرباً

وبكاهُ الكتابُ والتنزيلُ

والمصلَّى والبيتُ والركنُ والحِجْرُ

جميعاً لهم عليه عويل

١٧١

كيف لم تسقط السماء علينا

يوم قالوا : أبوالحسين قتيلُ

وبنات النبيِّ يندبن شَجْواً

مُوجَعاتٍ دموعُهُنَّ تسيل

ويؤبِّنَّ للرزية بدراً

فقدُهُ مفظعٌ عزيزٌ جليل

قَطَّعت وجهه سيوف الأعادي

بأبي وجههُ الوسيمُ الجميل

وليحيى الفتى بقلبي غليلٌ

كيف يؤذى بالجسم ذاك الغليل

قَتْلُه مُذْكِرٌ لقتل عليٍّ

وحسينٍ ويومَ أودى الرسول

فصلاة الإله وقفاً عليهم

ما بكى مُوجَعٌ وحَنَّ ثَكُول

وكان ممن رثاه علي بن محمد بن جعفر العلوي الِحمَّاني الشاعر ، وكان ينزل بالكوفة في حِمَّان ، فأضيف اليهم ، فقال :

يا بقايا السَّلَف الصا

لح وَالتَّجْرِ الرَّبِيحْ

نحنُ للأيامِ من

بينِ قَتيلٍ وجريحْ

خاب وجهُ الأرضِ كَمْ

غَيَّبَ من وَجْهٍ صبيحْ

آهِ من يومك ما أَوْ

دَاهُ للقلبِ القَريحْ

وفيه يقول :

تضَوَّع مسكاً جانب القبر إذ ثوى

وما كان لولا شِلوُه يَتَضَوَّعُ

مصارعُ فتيانٍ كرامٍ أعزةٍ

أتيحَ ليحيى الخيرِ منهنَّ مَصْرَعُ

ومما رثى به علي بن محمد أيضاً أبا الحسين يحيى بن عمر فأجاد فيه ، وافتخر على غيرهم من قريش ، قوله :

لعمري لئن سُرَّتْ قريشٌ بِهَلْكِهِ

لما كانَ وقَّافاً غداةَ التَّوَقُّفِ

فإن ماتَ تلقاءَ الرماح فإنهُ

لمن معشرٍ يَشْنَوْنَ موتَ التترف

فلا تشمتوا فالقوم من يبقَ منهم

على سنن منهم مقام المخلف

١٧٢

لهم معكم إما جدعتم أنوفكم

مقامات ما بين الصَّفا والمعرَّف

تراثٌ لهم من آدمٍ ومحمدٍ

الى الثقلين من وصاياً ومِصحف »

وروى الطبري ثورة يحيى بن عمر بنحوما رواها المسعودي ، وجاء فيها « ٧ / ٤٢٥ » : « ظهور يحيى بن عمر بن يحيى بن حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، المكنى بأبي الحسين بالكوفة ، وفيها كان مقتله ..

نالته ضيقة شديدة ولزمه دين ضاق به ذرعاً فلقى عمر بن فرج وهو يتولى أمر الطالبيين عند مقدمه من خراسان ، أيام المتوكل فكلمه في صلته فأغلظ عليه عمر القول ، فقذفه يحيى بن عمر في مجلسه فحُبس ، فلم يزل محبوساً إلى أن كفل به أهله ، فأطلق بشخص إلى مدينة السلام « بشرط السكن في بغداد » فأقام بها بحال سيئة ، ثم صار إلى سامرا فلقي وصيفاً في رزقٍ يُجرى له ، فأغلظ له وصيف في القول وقال : لأي شيء يجرى على مثلك ! فانصرف عنه ، فذكر ابن أبي طاهر أن ابن الصوفي الطالبي حدثه أنه أتاه في الليلة التي كان خروجه في صبيحتها ، فبات عنده ولم يعلمه بشئ مما عزم عليه ، وأنه عرض عليه الطعام وتبين فيه أنه جائع ، فأبى أن يأكل وقال : إن عشنا أكلنا !

قال : فتبينت أنه قد عزم على فتكةٍ . وخرج من عندي فجعل وجهه إلى الكوفة وبها أيوب بن الحسن بن موسى بن جعفر بن سليمان عاملاً عليها ، من قبل محمد بن عبد الله بن طاهر ، فجمع يحيى بن عمر جمعاً كثيراً من الأعراب وضوى إليه جماعة من أهل الكوفة ، فأتى الفلوجة فصار إلى قرية تعرف بالعمد ...

فمضى يحيى بن عمر في سبعة نفر من الفرسان إلى الكوفة فدخلها وصار إلى بيت مالها فأخذ ما فيه ، والذي وجد فيه ألفا دينار وزيادة شئ ، ومن الورق

١٧٣

سبعون ألف درهم ، وأظهر أمره بالكوفة وفتح السجنين ، وأخرج جميع من كان فيهما وأخرج عمالها عنها ، فلقيه عبد الله بن محمود السرخسي ، وكان في عداد الشاكرية ، فضربه يحيى بن عمر ضربة على قصاص شعره في وجهه أثخنته فانهزم ابن محمود مع أصحابه ، وحوى يحيى ما كان مع ابن محمود من الدواب والمال . ثم خرج يحيى بن عمر من الكوفة إلى سوادها ... وتبعته جماعة من الزيدية ... ثم أقام بالبستان فكثر جمعه .

فوجه محمد بن عبد الله لمحاربته الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن مصعب ، وضم إليه من ذوي البأس والنجدة من قواده جماعة ... وجماعة من خاصة الخراسانية ... ومضى يحيى بن عمر نحو الكوفة فلقيه عبد الرحمن بن الخطاب فقاتله بقرب جسر الكوفة قتالاً شديداً ، فانهزم عبد الرحمن بن الخطاب ..

ودخل يحيى بن عمر الكوفة واجتمعت إليه الزيدية ، ودعا إلى الرضا من آل محمد ، وكثف أمره واجتمعت إليه جماعة من الناس وأحبوه ، وتولاه العامة من أهل بغداد ، ولا يعلم أنهم تولوا من أهل بيته غيره .

وبايعه بالكوفة جماعة لهم بصائر وتدبير في تشيعهم ، ودخل فيهم أخلاط لاديانة لهم ... فانهزم رجالة أهل الكوفة وأكثرهم عُزَّلٌ بغير سلاح ضعيفي القوى خلقان الثياب ، فداستهم الخيل ، وانكشف العسكر عن يحيى بن عمر وعليه جوشن تَبَّتِي ، وقد تقطر به البرذون ... فنزل إليه فذبحه وأخذ رأسه وجعله في

١٧٤

قوصرة ، ووجهه مع عمر بن الخطاب أخي عبد الرحمن بن الخطاب ، إلى محمد بن عبد الله بن طاهر ، وادعى قتله غير واحد ...

ثم إن محمد بن عبد الله بن طاهر أمر بحمل رأسه إلى المستعين من غد .. ونصب رأسه بباب العامة بسامرا .. ثم حُطَّ ورُدَّ إلى بغداد ليُنصب بها بباب الجسر ، فلم يتهيأ ذلك لمحمد بن عبد الله ، لكثرة من اجتمع من الناس .. » .

قصيدة ابن الرومي في رثاء يحيى العلوي

روى أبوالفرج في مقاتل الطالبيين / ٤٢٠ ، ثورة يحيى بن عمر بشئ من التفصيل ، ومما جاء فيه : « كان خرج في أيام المتوكل إلى خراسان فرده عبد الله بن طاهر ، فأمر المتوكل بتسليمه إلى عمر بن الفرج الرخجي فسُلم إليه ، فكلمه بكلام فيه بعض الغلظة فرد عليه يحيى وشتمه ، فشكى ذلك إلى المتوكل ، فأمر به فضُرب درراً ، ثم حبسه في دار الفتح بن خاقان ، فمكث على ذلك مدة ، ثم أطلق فمضى إلى بغداد فلم يزل بها حيناً حتى خرج إلى الكوفة فدعا إلى الرضا من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكان رضي الله عنه رجلاً فارساً شجاعاً ، شديد البدن مجتمع القلب ، بعيداً من رهق الشباب وما يعاب به مثله . كان مقيماً ببغداد ، وكان له عمود حديد ثقيل يكون معه في منزله ، وكان ربما سخط على العبد أو الأمة من حشمه ، فيلوي العمود في عنقه ، فلا يقدر أحد أن يحله عنه حتى يحله يحيى رضي الله عنه .

قال أبو الفرج : حدثني أحمد بن عبيد الله قال : حدثني أبوعبدالله بن أبي الحصين : أن يحيى بن عمر بما أراد الخروج بدأ فزار قبر الحسين عليه‌السلام وأظهر لمن حضره من

١٧٥

الزوار ما أراده ، فاجتمعت إليه جماعة من الأعراب ، ومضى فقصد شاهي فأقام بها إلى الليل ، ثم دخل الكوفة ليلاً ، وجعل أصحابه ينادون : أيها الناس أجيبوا داعي الله ، حتى اجتمع إليه خلق كثير ..

ثم وصف معاركه وشهادته وقال : ولم يتحقق أهل الكوفة قتل يحيى ، فوجه إليهم الحسين بن إسماعيل أبا جعفر الحسني يعلمهم أنه قد قتل ، فشتموه وأسمعوه ما يكره وهموا به وقتلوا غلاماً له ، فوجه إليهم أخاً كان لأبي الحسن يحيى بن عمر من أمه يعرف بعلي بن محمد الصوفي من ولد عمر بن علي بن أبي طالب ، وكان رجلاً رفيقاً مقبولاً ، فعرف الناس قتل أخيه فضجوا بالبكاء والصراخ والعويل وانصرفوا ، وانكفأ الحسين بن إسماعيل إلى بغداد ومعه رأس يحيى بن عمر . فلما دخل بغداد جعل أهلها يصيحون من ذلك إنكاراً له ويقولون : إن يحيى لم يقتل ، ميلاً منهم إليه ، وشاع ذلك حتى كان الغوغاء والصبيان يصيحون في الطرقات : ما قتل وما فر ، ولكن دخل البر !

وقد كان خرج مع يحيى بن عمر جماعة من وجوه أهل الكوفة وأولى الفضل منهم ، فسمعت بعض مشايخنا من الكوفيين يذكر وهو محمد بن الحسين ، أن أبا محمد عبد الله بن زيدان البجلي خرج معه معلماً ، وكان أحد فرسان أصحابه .

وقد لقيته أنا وكتبت عنه ، وكنت أرى فيه من الحذر والتوقى من كثير من الناس ما يدل على صدق ما ذكر عنه . وما بلغني أن أحداً ممن قتل في الدولة العباسية من آل أبي طالب ، رُثِيَ بأكثر مما رثيَ به يحيى ، واتفق في وقت مقتله

١٧٦

عدة شعراء مجيدون للقول ، أولوا هوى في هذا المذهب ، إلا أنني ذكرت بعض ذلك ، كراهية الإطالة .

فمنه قول علي بن العباس الرومي يرثيه ، وهي من مختار ما رُثيَ به ، بل إن قلت إنها عين ذلك والمنظور إليه ، لم أكن مبعداً ، لولا أنه أفسدها بأن جاوز الحد وأغرق في النزع ، تعدى المقدار بسب مواليه من بني العباس ، وقوله فيهم من الباطل مالا يجوز .. ثم أوردها أبو الفرج وهي مئة وعشرة أبيات ، نختار منها :

أمامك فانظر أيَّ نهيجك تنهج

طريقان شتى مستقيمٌ وأعوجُ

ألا أيهذا الناسُ طالَ ضريرُكم

بآل رسول الله فاخشوا أوارتجوا

أكلُّ أوانٍ للنبيِّ محمدٍ

قتيل زكي بالدماء مضرَّج

تبيعون فيه الدين شر أئمة

فلله دين الله قد كاد يُمْرَج

بني المصطفى كم يأكلُ الناس شِلوَكم

لبلواكمُ عما قليلٍ مُفَرِّجُ

أما فيهمُ راعٍ لحق نبيهِ

ولا خائفٌ من ربه يتحرجُ

أبَعْدَ المكَنَّى بالحسين شهيدكم

تضاءُ مصابيحُ السماء فتُسرج

لنا وعلينا لا عليه ولا لهُ

تسجسجُ أسرابُ الدموع وتَنْشُجُ

وكيف نبكِّي فائزاً عند ربه

له في جنان الخلد عيشٌ مخرفج

فإلا يكن حياٌ لدينا فإنه

لدى الله حيٌّ في الجنان مزوج

وقد نال في الدنيا سناءً وصيةً

وقام مقاماً لم يقمه مزلَّج

أبيتُ إذا نام الخليُّ كأنما

تبطَّنَ أجفاني سيالٌ وعوسج

أيحيى العلا لهفي لذكراك لهفهُ

يباشر مكواها الفؤاد فينضج

أحين تراءتك العيون جلاءها

وأقذاءها أضحت مراثيك تنسج

١٧٧

بنفسي وإن فات الفداء بك الردى

محاسنك اللاتي تمخُّ فتنهج

لمن تستجد الأرض بعدك زينةً

فتصبحُ في أثوابها تتبرج

سلامٌ وريحانٌ وروحٌ ورحمةٌ

عليك وممدودٌ من الظل سجسجُ

ولا بَرِحَ القاعُ الذي أنت جارُه

يرفُّ عليه الأقحوانُ المفلج

ألا أيها المستبشرون بيومه

أظلت عليكم غمةٌ لا تُفَرَّجُ

أكلكم أمسى اطمأن مهاده

بأن رسول الله في القبر مزعج

فلا تشمتوا وليخسأ المرء منكم

بوجه كأن اللون منه اليرندج

كدأب علي في المواطن قبله

أبي حسن والغصن من حيث يخرج

كأني به كالليث يحمي عرينه

وأشباله لا يزدهيه المهجهج

كأني أراهُ والرماح تنوشُهُ

شوارعُ كالأشطان تُدلى وتُخلج

كأني أراهُ إذ هوى عن جواده

وعُفر بالترب الجبين المشجج

أجنوا بني العباس من شنآنكم

وشدوا على ما في العياب واشرجوا

وخلوا ولاة السوء منكم وغيهم

فأحر بهم أن يغرقوا حيث لججوا

نظارٌ لكم إن يرجع الحق راجع

إلى أهله يوماً فتشجوا كما شجوا

على حين لا عذري لمعتذريكم

ولا لكم من حجة الله مخرج

فلا تلقحوا الآن الضغائن بينكم

وبينهم إن اللواقح تنتج

غررتم إذا صدقتم أن حالةً

تدوم لكم والدهر لونان أخرج

لعل لهم في منطوى الغيث ثائراً

سيسمو لكم والصبح في الليل مولج

بمجر تضيق الأرض من زفراته

له زجل ينفي الوحوش وهزمج

يؤيده ركنان ثبتان : رجلة

وخيل كإرسال الجراد وأوثج

عليها رجال كالليوث بسالة

بأمثالهم بثنى الأبي فيعنج

١٧٨

تدانوا فما للنفع فيهم خصاصة

تنفسه عن خيلهم حين ترهج

محضتكم نصحي وإني بعدها

لأعنق فيما ساءكم وأهملج

مهْ لا تعادوا غرة البغي بينكم

كما يتعادى شعلة النار عرفج

أفي الحق أن يمسوا خماصاً وأنتم

يكاد أخوكم بطنه يتبعج

تمشون مختالين في حجراتكم

ثقال الخطا أكفالكم تترجرج

وليدهم بادي الطوى ووليدكم

من الريف ريان العظام خدلج

تذودونهم عن حوضهم بسيوفكم

ويشرع فيه أرتبيل وأبلج

فقد ألجمتهم خيفة القتل عنكم

وبالقوم جاج في الحيازم حوج

بنفسي الأولى كظتهم حسراتكم

فقد علزوا قبل الممات وحشرجوا

ولم تقنعوا حتى استثارت قبورهم

كلابكم منها بهيم وديزج

وعيرتموهم بالسواد ولم يزل

من العرب المحاص أخضر أدعج

ولكنكم زرق يزين وجوهكم

بني الروم ألوان من الروم نعج

لئن لم تكن بالهاشميين عاهة

لما شكلكم تالله إلا المعلهج

بآية ألا يبرح المرء منكم

يكب على حر الجبين فيعفج

يبيت إذا الصهباء روت مشاشه

يساوره علج من الروم أعلج

فيطعنه في سبة السوء طعنة

يقوم لها من تحته وهو أفحج

لذاك بني العباس يصبر مثلكم

ويصبر للموت الكمي المدجج

فهل عاهة إلا كهذي وإنكم

لأكذب مسؤول عن الحق يلهج

أبى الله إلا أن يطيبوا وتخبثوا

وأن يسبقوا بالصالحات ويفلجوا

وإن كنتم منهم وكان أبوكم

أباهم فإن الصفو بالرنق يمزج

أروني امرأ منهم يزن بأبنة

ولا تنطقوا البهتان والحق أبلج

لعمري لقد أغرى القلوب ابن طاهر

ببغضائكم ما دامت الريح تنأج

١٧٩

وإني على الاسلام منكم لخائف

بوائق شتى بابها الآن مرتج

وفي الحزم أن يستدرك الناس أمركم

وحبلهم مستحكم العقد مدمج

نظارٌ فإن الله طالب وتره

بني مصعب لن يسبق الله مدلج

لعل قلوباً قد أطلتم غليلها

ستظفر منكم بالشفاء فتثلج

« وهي في ديوان ابن الرومي : ١ / ٥٦ »

ملاحظات

١. من فوائد انتقال الخليفة الى سامراء وغيابه عن بغداد أن أهل بغداد تنفسوا الحرية ، فكانوا يجهرون بتأييدهم للثائر العلوي ، وإذا أمر الخليفة بصلب رأسه في بغداد ، اعترضوا عليه وتجمهروا ، فاضطر الوالي أن يخالف أمر الخليفة !

٢. من الطبيعي في هذا الجو الموالي لأهل البيت عليهم‌السلام أن يخاف المتوكل إذا وصل اليه خبرٌ بأن شخصية من العلويين موجودٌ في بغداد ، وأنه يأخذ البيعة ليثور ، وأنه مختبئ في بيت أحمد بن حنبل !

قال الذهبي في تاريخه « ١٨ / ٨٤ » : « رفع إلى المتوكل أن أحمد بن حنبل ربَّصَ « خبأ » علوياً في منزله ، وأنه يريد أن يُخرجه ويُبايع عليه ولم يكن عندنا علم .. وقال ابن الكلبي « آمر السرية » : قد أمرني أمير المؤمنين أن أحُلِّفَكَ . قال : فأحْلفه بالطلاق ثلاثاً أن ما عنده طَلِبَةُ أمير المؤمنين . قال : وفتشوا منزل أبي عبد الله والسرب والغرف والسطوح ، وفتشوا تابوت الكتب ، وفتشوا النساء والمنازل ، فلم يروا شيئاً ولم يحسوا بشئ : ورد الله الذين كفروا بغيظهم . فكتب بذلك إلى المتوكل فوقع منه موقعاً حسناً ، وعلم أن أبا عبد الله مكذوب عليه » .

١٨٠