النظريّة المهدويّة في فلسفة التاريخ

الأسعد بن علي قيدارة

النظريّة المهدويّة في فلسفة التاريخ

المؤلف:

الأسعد بن علي قيدارة


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-93-5
الصفحات: ٢٢١

ثالثاً : إعلان عالمية الرسالة الإسلامية والتأكيد عليها :

( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) [ الأنبياء ].

( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) [ الحج ].

( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَ كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) [ سبأ ].

رابعاً : المزج بين الدعوة السلمية والجهاد المسلّح في تبليغ الرسالة ، وكسر الموانع من انتشار الرسالة الإسلامية في ربوع العالم ، ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) [ النحل ].

( وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [ التوبة ].

خامساً : معجزة مستمرّة دائمة : بخلاف معجزات الأنبياء السابقين عليهم‌السلام كانت معجزة النبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله صالحة لكلّ الأحقاب التاريخية مما يؤمّن خلود هذه الرسالة وديمومة تفاعلها مع الحياة والإنسان قصد بلوغ الأهداف النهائية للمسيرة البشرية على الأرض.

سادساً : التأكيد على مستقبل البشرية السعيد في القرآن الكريم وعلى لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في مَرويات كثيرة جدّاً ، والتأكيد على أنّ ذلك يتوقّف على تطبيق المنهج الربّاني الذي جاءت به شريعة الإسلام.

سابعاً : تقديم تفصيلات دقيقة لم تعرفها النبوات السابقة عن الحياة الأخروية والجزاء الأخروي ، ولذلك نرى القرآن الكريم يعجّ بالآيات في هذا المعنى.

بعد فترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تبدأ فترة الأئمة عليهم‌السلام ، ويفترض أن تمتدّ فترة الوصاية الإلهية عبر سلسلة الأئمة عليهم‌السلام ولمدّة قرنين ونصف من التطبيق الصحيح والتفاعل الناضج بين الأُمّة والرسالة ، لتكون كافية لبلوغ المجتمع الإسلامي درجة تؤهّله لإدارة نفسه بنفسه ، ولكن كما أشرنا سابقاً الإرادة الحرّة للإنسان والتحوّلات التي عرفها تاريخ المسلمين بإقصاء الأوصياء من ممارسة دورهم الطبيعي ألجأ الأمور إلى شكل آخر من التسلسل فكانت الغيبة ( سيأتي توضيحها أكثر في فلسفة الغيبة ).

١٢١

وربّما لو أخذ التاريخ مجراه الطبيعي كما تستوجبه الضرورات الحضارية ( وصاية الإمامة وقيادتها الفكرية ) لَتَغيّر وجهه تماماً.

لذلك كانت فترة ثالثة في مرحلة النبوة الخاتمة : فترة الغيبة.

هذه الفترة تستهدف استكمال الشرائط الموضوعية الكاملة لقيام المجتمع العالمي وولوج التاريخ المرحلة الخامسة والأخيرة : مرحلة المجتمع العادل.

مرحلة المجتمع العالمي العادل

هذه المرحلة فيها ثلاث حقبات أو عصور :

ـ عصر الظهور.

ـ عصر الأولياء الصالحين.

ـ عصر المجتمع المعصوم.

لن يتحقّق ظهور الإمام إلا بتوافر شرائط قيام هذا المجتمع العالمي العادل ( سنفصّلها في البحوث القادمة ).

ويدخل المجتمع في عصر ازدهار ورخاء وعدل وتطوّر لم تعرف البشرية له مثيلاً، وفي الأصل الرابع من هذا الفصل سنشرح أكثر مظاهر هذا المستقبل السعيد زمن الظهور.

وبغضّ النظر عن المدّة التاريخية التي تمتدّ فيها هذه الحقبة ( عصر الظهور ) ، فبعض الروايات تقول : سبع سنين ، وبعضها الآخر : تسع أو سبعة عشر ، وحتّى أربعين سنة ، ولكن في كلّ الأحوال بعد المهدي يدخل التاريخ حقبة جديدة : عصر المهديين أو كما يسمّيه السيد الشهيد محمّد صادق الصدر ـ الأولياء الصالحين ـ ، فبعد المهدي يسير المجتمع العالمي بقيادة معيّنة : المهديون ، ونستفيد هذا المعنى من بعض النصوص نذكر منها:

أوّلاً : حديث ـ يا علي سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ، ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً فأنت يا عليّ أوّل الاثني عشر الإمام ـ (١).

ثانياً : ما جاء في الدعاء : ـ اللّهم صلّ على ولاة عهده والأئمة من بعده ، وبلّغهم آمالهم ، وزد في آجالهم ، وأعزّ نصرهم ، وأتمّ ما أسندت إليهم من أمرك لهم ، وثبّت دعائمهم ، واجعلنا لهم أعواناً وعلى دينك أنصاراً ـ (٢).

__________________

١ ـ المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٣٦ ، ص ٢٦١.

٢ ـ المصدر نفسه ، ج ٩٢ ، ص ٣٣٢.

١٢٢

ويقول الشهيد السيد محمّد صادق الصدر رحمه‌الله : ـ سيكون حكم الأولياء الصالحين فترة تمهيدية أو انتقالية يوصل المجتمع العالمي إلى عصر العصمة حيث يكون الرأي العام المتفق معصوماً. وعندئذٍ سترتفع الحاجة إلى التعيين في الرئاسة العامة كما كان عليه الحال خلال حكم الأولياء الصالحين ، وستوكّل الرئاسة إلى الانتخابات أو الشورى ـ (١).

بعد فترة المهديين أو الأولياء الصالحين التي تمتدّ لعشرات السنين ـ اثني عشر مهدياً ـ تبدأ الفترة الأخيرة للتاريخ البشري : فترة المجتمع المعصوم الذي يستقلّ فيه المجتمع الإنساني بإدارة شؤونه دون وصاية ، ويحكم فيه حكّام منتخبون ، وهؤلاء أيضاً هم أولياء صالحون ـ ولكن الفرق أنّ الأولياء الصالحين من المهديين كانوا إفرازاً طبيعياً لتربية خاصّة مسلّطة من سلطة وفق الأصول والقواعد الموروثة من الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه وأمّا الحاكم المنتخب فهو إفراز من الرأي العام الصالح الذي سيوجد أفراد بلغوا درجة عالية من العدالة تصل إلى حدّ العصمة غير الواجبة ـ (٢).

والأرجح أن تمتدّ هذه الفترة إلى قرون متطاولة لا كما تدعي بعض النظريات أنّ عصر المجتمع العادل فترة قصيرة سرعان ما ينتكس بعدها التاريخ البشري في الظلم والظلمات مستندة إلى روايات غير معتبرة مفادها : ـ أنّ الساعة تقوم على شرار الناس ـ.

فمنطق العدل الإلهي يقتضي أن يمتدّ عصر المجتمع العادل وفترة المجتمع المعصوم لأطول مدّة ممكنة حتّى تعوّض الإنسان عن تلك العهود الطويلة من الظلم والاضطهاد التي تجرع مرارتها.

إضافة إلى ما نجده من مؤيّدات في بعض النصوص مثال ذلك :

ـ إنّ أهل الحقّ لم يزالوا منذ كانوا في شدّة أما إنّ ذلك إلى مدّة قريبة وعافية طويلة ـ (٣).

فالحديث يشير إلى عافية طويلة لا إلى عصر قصير سرعان ما يزول.

__________________

١ ـ تاريخ ما بعد الظهور ، ص ٦٤٧.

٢ ـ المصدر نفسه.

٣ ـ المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٦٤ ، ص ٢١٣.

١٢٣

وفي حديث قدسي عن الأوصياء عليهم‌السلام : ـ وعزتي وجلالي لأظهرنّ بهم ديني ، ولأعلينّ بهم كلمتي ، ولأطهّرنّ الأرض بآخرهم من أعدائي ، ولأملّكنّه مشارق الأرض ومغاربها ، ولأسخرنّ له الرياح ، ولأذللّنّ له السحاب الصعاب ، ولأرقيّنّه في الأسباب ، ولأنصرنّه بجندي ، ولأمدّنّه بملائكتي حتّى يعلن دعوتي ، ويجمع الخلق على توحيدي ، ثمّ لأديمنّ ملكه ، ولأداولنّ الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة ـ (١).

وهذا صريح في استمرار المجتمع العادل الذي يقيمه المهدي إلى يوم القيامة.

هكذا يدخل هذا المجتمع مدارات من الرقي الروحي والمعنوي بعد أن حلّ كلّ مشاكل الاقتصاد والسياسة والإدارة وتوزيع الثروات ليبلغ مرحلة يعيش فيها الفرد درجة من الالتحام الروحي بخالقه ، ـ حتّى يكون كلّ فرد مترقّباً لقاء الله جلّ شأنه ، مسروراً بالوصول إلى رضاه العظيم ونعيمه المقيم ، فيشاء الله عزّ وجلّ أن يأخذهم جميعاً إليه كما تزفّ العروس إلى عريسها والحبيب إلى حبيبه فيموتون جميعاً موتاً كشمّ الرياحين ، وبذلك تنتهي البشرية ويبدأ بذلك يوم القيامة ـ (٢) ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

وهذه صورة رائعة أخرى تفتح قلوبنا وعقولنا لقوله تعالى للملائكة : ( اني اعلم بما تعلمون ).

الأصل الرابع : تفاصيل المستقبل السعيد في ضوء عقيدة المهدي عجل الله تعالى فرجه

في الفصل السابق وفي مبحث الأسس العامّة للنظرية الإسلامية تحدّثنا عن تفاؤلية هذه النظرية ورؤيتها الإيجابية لنهاية التاريخ السعيدة ، فالقرآن والروايات عموماً يبشّران بمستقبل بشري رغيد يعمّ فيه العدل والحرّية ويسود فيه المتقون والصالحون.

وفي النظرية الخاصّة تدعيم وتأكيد لهذه الحقيقة كما رأينا في تفاصيل مراحل التاريخ ، وتعجّ الروايات الخاصّة والعامّة أيضاً بتفاصيل عن المهدي عجل الله تعالى فرجه وعصره ، ونحاول

__________________

١ ـ المصدر نفسه ، ج ٥٢ ، ص ٣١٢.

٢ ـ محمّد صادق الصدر ، تاريخ ما بعد الظهور ، ص ٦٦٥.

١٢٤

أن نحيط ببعض التفاصيل عن هذه المرحلة الأخيرة من التاريخ الإنساني مرحلة المجتمع العادل خاصّة حقبة الظهور وما يشيعه من تقدّم ورخاء على كلّ الأصعدة :

النظام السياسي

تؤكّد الأحاديث على السمة البارزة للنظام السياسي والاجتماعي لهذا العصر : العدل والحقّ والمحبّة والأخوة بين عناصر المجتمع.

ـ لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ـ (١).

عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ المهدي منّي ، أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً ـ (٢).

وفي البحار عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : ـ لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها ، ولأخرجت الأرض نباتها ، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد ، واصطلحت السباع والبهائم ، حتّى تمشي المرأة من العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلا على النبات وعلى رأسها زنبيلها لا يهيجها سبع ولا تخافه ـ (٣).

عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فإذا خرج أشرقت الأرض بنور ربّها ، ووضع الميزان العدل بين الناس فلا يظلم أحد أحداً ـ (٤).

الصعيد الاقتصادي

روايات كثيرة من المصادر العامّة والخاصّة تحدّثنا عن وفرة المال والرخاء الاقتصادي في عهد الظهور :

في البحار : ـ يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، يأتيه الرجل والمال كدوس فيقول يا مهدي أعطني ، فيقول : خذ ـ (٥).

__________________

١ ـ مهدي الفقيه الإيماني ، الإمام المهدي عند أهل السنّة ، ص ٣٨ ، نقلاً عن سنن أبي داود كتاب المهدي.

٢ ـ المصدر نفسه.

٣ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٣١٦.

٤ ـ المصدر نفسه ، ص ٣٢٢.

٥ ـ المصدر نفسه ، ص ٣٥٩.

١٢٥

وعن أبي سعيد الخدري خشينا أن يكون بعد نبيّنا حدث فسألنا نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ـ إنّ في أُمّتي المهدي يخرج يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً فيجيء إليه رجل فيقول : يا مهدي أعطني قال فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله ـ (١).

ونقلاً عن المستدرك ( كتاب الأموال ) عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ـ يكون في أُمّتي المهدي إن قصر فسبع وإلا فتسع ، تنعم فيه أُمّتي نعمة لم ينعموا مثلها قط ، تؤتي الأرض أكلها لا تدخر عنهم شيئاً ، والمال يومئذٍ كدوس ، يقوم الرجل فيقول : يا مهدي أعطني ، فيقول : خذ ـ (٢).

هذا الرخاء الاقتصادي وهذه الوفرة في الخيرات تنعكس أيضاً خصوبة في الصحاري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ لا تقوم الساعة حتّى يكثر المال ويفيض حتّى يخرج الرجل زكاته فلا يجد أحد يقبلها منه ، وحتّى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً ـ (٣).

وهكذا يتمظهر الوضع الاقتصادي لهذا المجتمع اكتفاءً ذاتياً لجميع أفراد المجتمع ، انعدام حالة الفقر ، لا يجد صاحب الزكاة مريداً لزكاته ، وخصوبة واخضرار لكلّ الأراضي.

الصعيد الفكري والثقافي

ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه ووجوده بين الناس سيمكّن الناس من معرفة الكثير من حقائق الدين والحياة التي ربّما كثر اللغط حولها وحجبها الجدال الطويل ، ولذلك يتميّز هذا العصر بدرجة من التكامل الفكري والعقلي :

عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ـ إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت بها أحلامهم ـ (٤).

ويحدّثنا الصادق عليه‌السلام بأسلوب الكناية عن الطفرة العلمية المعرفية زمن ظهور الإمام :

__________________

١ ـ مهدي الفقيه الإيماني ، الإمام المهدي عند أهل السنة ، ص ١٤٤ ، نقلاً عن الترمذي.

٢ ـ م س ، ص ٧٢.

٣ ـ المصدر نفسه ، ص ٨٣.

٤ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٣٣٨.

١٢٦

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : العلم سبعة وعشرون حرفاً ، فجميع ما جاءت به الرسل حرفان ، فلم يعرف الناس حتّى اليوم غير الحرفين ، فإذا قام قائمنا أخرج الخمس والعشرين حرفاً فبثّها في الناس وضمّ إليها الحرفين حتّى يبثّها سبعة وعشرين حرفاً ـ (١).

وفي ضوء هذا التقدّم العلمي والثقافي نقرأ ونفهم الروايات التي تحدّثت عن ـ الأمر الجديد ـ و ـ المستأنف ـ وهي كلّها عبارة عن الفهم العميق والمستجد للإسلام والقرآن والذي يتناسب مع ذلك العصر وما بلغه الناس من كمال عقلي ورقي فكري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : ـ إذا قام القائم جاء بأمر غير الذي كان ـ (٢).

وعن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام قال ـ كيف أنتم لو ضرب أصحاب القائم الفساطيط في مسجد كوفان ثمّ يخرج إليهم المثال المستأنف أمر جديد على العرب شديد ـ (٣).

ولا تستثني الروايات المرأة فيما تعرفه من تكامل علمي ومعرفي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : ـ وتؤتون الحكمة في زمانه ، حتّى إنّ المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله وسُنّة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ (٤).

القوة البدنية والمعنوية لأنصار المهدي

تبشّرنا الروايات بقوى استثنائية يتوافر عليها جيل المهدي ، وهي ليست غريبة في سياق التحوّلات التي سيعرفها العالم في ذلك العصر ، ومن ذلك ذهاب العاهات والأمراض والقوّة الروحية والمعنوية والجرأة وهيمنتهم وسيطرتهم على الكائنات الطبيعية والقوى من حولهم :

عن أبي عبد الله عليه‌السلام : ـ إذا قام القائم أذهب الله عن كلّ مؤمن العاهة وردّ قوّته ـ (٥).

عن الصادق عليه‌السلام : ـ إنّ الله عزّ وجلّ يلقي في قلوب شيعتنا الرعب فإذا قام قائمنا وظهر مهدينا كان الرجل أجرأ من ليث وأمضى من سنان ـ (٦).

__________________

١ ـ المصدر نفسه ، ص ٣٣٦.

٢ ـ المصدر نفسه ، ص ٣٣٢.

٣ ـ النعماني ، الغيبة ، ص ٢١٨.

٤ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٣٥٢.

٥ ـ النعماني ، الغيبة ، ص ٢١٧.

٦ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٣٧١.

١٢٧

وعن أبي جعفر عليه‌السلام : ـ كأنّي بأصحاب القائم وقد أحاطوا بما بين الخافقين ليس من شيء إلا وهو مطيع لهم حتّى سباع الأرض وسباع الطير تطلب رضاهم في كلّ شيء حتّى تفخر الأرض على الأرض وتقول مرّ بي اليوم رجل من أصحاب القائم ـ (١).

وعن جعفر بن محمّد عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام قال : ـ إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض وفي كلّ إقليم رجلاً يقول : عهدك في كفك فإذا ورد عليك مالا تفهمه ، ولا تعرف القضاء فيه ، فانظر في كفك واعمل بما فيها ـ (٢).

مواجهة التحريف والتزييف

من السمات البارزة لعصر الظهور المواجهة التي يخوضها المهدي عجل الله تعالى فرجه والحروب مع أعداء العدل وقيم المجتمع العالمي ، وستكون المواجهة صعبة يدفع الأنصار ثمنها دماً أو كما تقول الروايات ـ علقاً وعرقاً ـ.

ولكن هناك مواجهة أخرى مع دين مزيّف يواجه المهدي عجل الله تعالى فرجه؛ لأنّه يهدّد مصالحه ومواقعه التي استطاع أن يحتلّها ويفرضها على الناس زمن الغيبة :

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ـ إنّ القائم يلقى في حربه ما لم يلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتاهم وهم يعبدون الحجارة المنقورة والخشبة المنحوتة ، وإنّ القائم يخرجون عليه فيتأوّلون عليه كتاب الله ويقاتلون عليه ـ (٣).

عن فضيل بن يسار قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ـ إنّ قائمنا إذا قام استقبل من جهة الناس أشدّ مما استقبله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من جهّال الجاهلية. فقلت : وكيف ذلك؟ قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة ، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلّهم يتأوّل عليه كتاب الله ويحتجّ عليه به ثمّ قال : والله ليدخلنّ عليهم عدله أما والله ليدخلنّ عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحرّ والقرّ ـ (٤).

__________________

١ ـ المصدر نفسه ، ص ٣٢٧.

٢ ـ النعماني ، الغيبة ، ص ٢١٨.

٣ ـ م س ، ص ٢٢٠.

٤ ـ م س ، ص ٢٣٠.

١٢٨

نعم ، كما ينتصر المهدي على سلاطين السياسات والجور ينتصر على ـ سلاطين الدين ـ والتزييف والتحريف الذين يوظّفون الدين لخدمة أمجادهم وفرض مصالحهم وأطماعهم.

الأصل الخامس : التزامن بين التكامل التشريعي والتكامل التكويني

السمة الأخيرة للوعي التاريخي من منظور خاص والتي يجب التأكيد عليها هي التزامن العجيب بين التكاملين التكويني والتشريعي.

عالم التشريع : هو عالم الجعل والتقنين ( الأحكام الشرعية وتطبيقاتها في الواقع ).

عالم التكوين : هو عالم الخلق والإيجاد ( الطبيعة ).

صار واضحاً مما سبق أنّ المجتمع والتاريخ والطبيعة كلّها خاضعة لقانون التكامل : الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى )) [ الأعلى ] ، ( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) [ طه ].

ورأينا أنّ التاريخ يتكامل ، ورغم كلّ النكسات الموضعية والانحرافات الحاصلة هنا وهناك ، ورغم كلّ الحروب والمظالم التي تعجّ بها الأرض ، فإنّ المسيرة تسير صوب الهدف والمستقبل السعيد ، فالتزام البشر بالأحكام التشريعية والانحياز نحو القيم الإلهية والاستماتة في الدفاع عن معاني الحقّ والعدالة كلّها اتجاهات تتعمّق مع الزمن متحدية الاستكبار العالمي الذي يحاول إبقاء هيمنته على العالم وثقافته واقتصاده وقدراته.

فالبشرية تتجه أكثر فأكثر إلى المعنويات والقيم الفكرية والدينية ، وهذا التوجه ينبئ أننا سنصل في يوم ما لمجتمع عادل ينشد العدالة والقيم قبل أن يبحث عن المأكل والملبس والمسكن ، فهذا المجتمع لا يعيش أزمة غذاء ولا نقل ولا سكن لأنه يستحق الرفاه المادي ويجده ببركات النظام العادل الذي يقيمهُ.

وعلى مستوى التكوين ، كلّ مفردة في الكون لها مسار تكويني تتحرّك فيه قهرياً والكون بمجموعه يتحرّك نحو نهاية محدودة : ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ )

١٢٩

[ الذاريات ] ، ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) [ يس ].

ولكن الغريب الذي تطرحه النظرية المهدوية أنّ هذا الأوج الذي يصل إليه عالم التكوين يتزامن ـ يَتّحد زماناً ـ مع التكامل التشريعي للإنسان.

فالتكامل التاريخي يبلغ ذروته مع قيام المجتمع العالمي العادل الذي يصل فيه البشر في رؤيتهم النوعية إلى أعلى درجات العلم والتقوى والالتزام والورع ( مجتمع معصوم ).

وكذلك الطبيعة أيضاً تبلغ أعلى درجات عطائها ووفرتها كما حدّثت بذلك الروايات المنقولة الواردة في الأصل الرابع ، فلا تترك السماء مطراً إلا أنزلته وتتبدّل الأرض الصحراوية إلى سهول خصبة وتظهر الأرض معادنها على سطحها ، حتّى السباع تتصالح في البراري ، ....

هذا الانقلاب الكوني يتساوق مع قيام المجتمع العالمي العادل ، هذا التزامن ليس صدفة إنّه جزء من التخطيط الإلهي الذي يجمع بشكل باهر حرّية الإنسان وعلاقة الطبيعة بالمجتمع والقوانين التاريخية والأهداف النهائية للمسيرة البشرية في منظومة متناسقة ، فتعطي هذه النتيجة المدهشة الرائعة حقّاً.

إنّها صورة جميلة لهذا التخطيط كتلك الصورة التي رأينا في مرحلة الحضانة كيف جمع التخطيط الإلهي الحكيم بين الدور السلبي الإرادي للشيطان في غواية آدم عليه‌السلام وبين نهي آدم عن أكل الشجرة ليظلّ في الجنّة وتنضج استعداداته أكثر ، وبين الإرادة الإلهية الأولى ليكون آدم خليفة على الأرض وما يتوقّف على ذلك من استعدادات.

لقد ربط التخطيط الإلهي كلّ ذلك وتحرّكت الأحداث بإرادة جميع الأطراف في الاتجاه الذي يخدم الأهداف المرحلية والنهائية لخلق الإنسان.

إنّه شكل من أشكال الإعجاز الذي يقف العقل أمامه حائراً حقّاً!

١٣٠

الفصل الخامس

فلسفة الغيبة

بعد طرح أصول الوعي التاريخي في المنظور المهدوي لابدّ لأجل استكمال بناء النظرية من استعراض ثلاث مقولات مركزية للقضية المهدوية ألا وهي : الغيبة ، الانتظار ، تعجيل الظهور.

في هذا الفصل نبحث في المقولة الأولى ، وفي الفصل السادس نعالج المقولة الثانية ، ونترك المقولة الثالثة للفصل السابع والأخير.

لقد كثر اللغط والجدل حول غيبة الإمام حتّى أحيطت بظلال قاتمة من الحيرة والغرابة زلّت معها الكثير من الأقدام في أوحال التشكيك والتكذيب ، عن الإمام العسكري عليه‌السلام : ـ ألا إنّ لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلا من عصمه الله عزّ وجلّ ـ (١).

هذه الغيوم زادها اتساعاً إعراض الكثيرين عن الكتابة في الموضوع مما جعل ( الثقافة المهدوية ) تفتقر إلى الكثير من البحوث والدراسات الشاملة والمعمّقة فيما يتعلّق بهذه المسألة بالذات ( الغيبة فلسفتها وأبعادها ).

و ـ الثقافة المهدوية ـ بكونها الأرضية الفكرية والعقائدية للارتباط بالمهدي ، والقاعدة التربوية لتنشئة جيل مهدوي عاطفياً ومفاهيمياً وسلوكياً ، عليها أن تتصدّى لهذا البعد المُهمَل نسبياً ، ولابدّ ألاّ تكتفي لتفسير المسألة بالبعد الغيبي فقط ـ وإن كان لهذا العامل دور مركزي في المسألة ـ ولكن عليها أيضاً أن تعالج الفكرة في عمقها التاريخي والحضاري وفي ضوء تصوّر الإسلام لحركة الإنسان وحركة المجتمع.

من هنا نحاول في هذا الفصل من ـ النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ ـ سدّ هذه الثغرة في نسق ثقافتنا المهدوية سائلين المولى وعجل أن يُثَبِّتَنا على دينه وأن يُليِّن قلوبنا لولي أمره وأن يعافينا بما امتحن به خلقه ، ـ اللّهم وثبّتني على طاعة ولي أمرك الذي سترته عن خلقك ، وبإذنك غاب عن بريتك ، وأمرك ينتظر ، وأنت العالم غير المعلَّم بالوقت الذي

__________________

١ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥١ ، ص ١٦٠.

١٣١

فيه صلاح أمر وليك في الإذن له بإظهار أمره ، وكشف سرّه ، فصبّرني على ذلك حتّى لا أحبّ تعجيل ما أخّرت ، ولا تأخير ما عجّلت ، ولا كشف ما سترت ، ولا البحث عمّا كشفت ، ولا أنازعك في تدبيرك ، ولا أقول لِمَ وكيف ، وما بالُ ولي أمرك لا يظهر ، وقد امتلأت الأرض من الجور ، وأفوّض أموري كلّها إليك ـ (١).

الغيبة الصغرى ودلالاتها

للمهدي عجل الله تعالى فرجه غيبتان : صغرى وكبرى ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ـ إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين ـ (٢).

وعن حازم بن حبيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ـ يا حازم إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين فمن جاءك يقول : إنّه نفض يده من تراب قبره فلا تصدّقه ـ (٣).

وتبدأ الغيبة الصغرى من حين تولّي الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه مسؤولية الإمامة بعد وفاة أبيه ( سنة ٢٦٠ هـ ) وعمره حينذاك خمس سنين ، ( يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) [ مريم ] ، ويذهب بعض العلماء إلى أنّ الغيبة الصغرى تبدأ من حين الولادة ( سنة ٢٥٥ هـ ) وتمتدّ الغيبة إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته ، ولقد كان اتجاه الأئمة عليهم‌السلام منذ عصر الإمام الجواد والهادي عليهما‌السلام التخفيف من الاتصال بمواليهم ، واعتمدوا أسلوب المراسلة عن طريق الكتب والتواقيع لشدّة الحصار المضروب عليهم والطوق الذي تحكمه السلطات على تحرّكاتهم خاصّة زمن الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام لِما اشتهر في الآفاق أنّه سيولد الإمام الثاني عشر ، ويقتلع جذور الطغاة ، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، ولذلك حرص الإمام العسكري أن تتمّ الولادة المباركة في كنف السرّية التامّة ولم يَرَ الإمام المهدي سوى خاصّته.

وحتّى عند وفاة الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام في ٨ / ربيع الأول / سنة ٢٦٠ هـ ، لم يظهر المهدي عجل الله تعالى فرجه إلا للخاصّة ، وبدأت حينها السفارة بينه وبين الشيعة التي امتدت طيلة

__________________

١ ـ عباس القمي ، مفاتيح الجنان ، دعاء زمن الغيبة ، ص ١٠٦.

٢ ـ النعماني ، الغيبة ، ص ١١٣.

٣ ـ المصدر نفسه ، ص ١١٤.

١٣٢

تسع وستين عاماً وستة أشهر وخمسة عشر يوماً كما ينقل المؤرّخون ، وسفراؤه هم على التوالي :

الأوّل : عثمان بن سعيد بن عمرو العمري.

الثاني : محمّد بن عثمان بن سعيد.

الثالث : حسين بن روح النوبختي.

الرابع : علي بن محمّد السمري.

ولما استوفت الغيبة الصغرى أغراضها صَدَر من الإمام عليه‌السلام إلى السفير الرابع توقيعه الأخير سنة ٣٢٩ هـ وهو : ـ بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمّد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك؛ فإنّك ميّت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع أمرك ولا توصِ لأحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة الثانية فلا ظهور إلا بإذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً ـ (١).

ولقد حقّقت الغيبة الصغرى جملة من الأهداف ، أهمّها :

أوّلاً : إثبات وجود المهدي لما حفّت ولادته من ظروف من خلال ما يصل إلى الشيعة عنه عبر السفراء والوكلاء من تواقيع وبيّنات وبيانات.

ثانياً : اعتياد الناس على أسلوب استتار الإمام واحتجابه بعد ما كانوا يعاصرون الأئمة السابقين عليهم‌السلام ويتمكّنون من مقابلتهم والاتصال بهم مباشرة.

ثالثاً : التدرّج مع الناس في اختفاء الإمام؛ لأنّ انسحاب القائد بشكل مباشر من الساحة قد يصدم الناس ولا يستطيعون مواجهة الأحداث وتدبير أمورهم الدينية والدنيوية بمعزل عن الإمام ـ لأنّ هذه القواعد كانت معتادة على الاتصال بالإمام عليه‌السلام في كلّ عصر والتفاعل معه والرجوع إليه في حلّ المشاكل المتنوّعة فإذا غاب الإمام عن شيعته فجأة وشعروا بالانقطاع عن قيادتهم الروحية والفكرية سبّبت هذه الغيبة المفاجأة الإحساس بفراغ دفعي هائل قد يعصف بالكيان كلّه ويشتّت شمله ـ (٢) ، وهذا يفسّر حكمة الإمام

__________________

١ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥١ ، ص ٣٦١.

٢ ـ محمّد باقر الصدر ، بحث حول المهدي ، ص ٦٨.

١٣٣

المهدي في تدرّجه في الاحتجاب فهو أقلّ اعتزالاً في الفترة الأولى من السفارة ولكن لم نبلغ عصر السفير الرابع حتّى لا يكاد ينقل عن الحجّة عجل الله تعالى فرجه أي مشاهدة.

ولم تنته هذه المرحلة ـ فترة السفارة ـ حتّى نشأ جيل جديد مستعدّ لتقبّل غيبة الإمام والتعامل مع القيادة بشكل غير مباشر ، ولا يرى بأساً في انقطاع السفارة واحتجاب الإمام عن قواعده.

لكن السؤال يطرح نفسه في مقام البحث : لماذا لم يتواصل أسلوب السفارة وبالتالي استمرار الغيبة الصغرى؟ لماذا انقطع هذا الأسلوب من الاتصال لتبدأ الغيبة الثانية؟

ويمكن إرجاع الجواب إلى العوامل التالية :

أوّلاً : حقّق الغرض من أسلوب السفارة ـ وهو كما رأينا ـ : تعويد الذهنية والنفسية العامّة على التعامل مع أسلوب جديد في الارتباط بالإمام : ألا وهو الارتباط بإمام مستور.

ثانياً : تشديد الحصار على المهدي عجل الله تعالى فرجه من قبل السلطات وتكثيف المراقبة عليه وعلى مواليه وعلى سفرائه أيضاً مما يهدّد وجود المهدي نفسه.

ثالثاً : إنّ استمرار أسلوب السفارة وامتداده أكثر يعني انكشاف أمر المهدي لعدم إمكان الجمع بين أسلوب السفارة إلى أجل غير محدود والسرّية كقاعدة في العمل.

الغيبة الكبرى وأبعادها

بدأت الغيبة الكبرى سنة ٣٢٩ هـ حين أعلن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه في توقيعه الأخير نهاية السفارة ، وكان ذلك إيذاناً بغياب الإمام واستتاره ، وأنّه لن يظهر إلا بعد انتهاء أمد هذه الغيبة بعد أن يأذن له الله بذلك ، ويساوق هذا بدء حقبة هامّة في التاريخ الإسلامي ـ في مرحلة النبوّة الخاتمة ـ وهي تمهّد للمرحلة الأخيرة من مراحل التاريخ ، وهي مرحلة الظهور وقيام المجتمع الرشيد كما شرحنا ذلك في الفصل السابق.

وتمتاز الغيبة الكبرى عن الغيبة الأولى من عدّة جهات :

الأولى : النيابة في عصر الغيبة الصغرى كانت لأشخاص معيّنين بذواتهم ، وكانوا يمارسون دور النيابة في أسلوب السفارة ، أمّا في زمن الغيبة الكبرى فإنّ النيابة تكون لخطّ

١٣٤

عام ضبطه الإمام من خلال الخصائص العامّة الذي يجب أن تتوافر في الفقيه ، فقد ورد في توقيع الحجّة : ـ فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مخالفاً لهواه ، مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه ـ (١).

الثانية : الغيبة الكبرى هي المرحلة الأساسية في الاستتار ، وما الغيبة الصغرى سوى مقدّمة للغيبة الثانية ، فإن كانت الأولى قد استنفذت أغراضها بما أنّها مهّدت فعلاً للثانية ، فإنّ الغيبة الكبرى لا تزال ممتدّة قصد استكمال الشرائط الأساسية للظهور بعد ضمان الأطروحة الكاملة المتمثّلة بالإسلام كنظام اجتماعي شامل لتلك الدولة العالمية والقائد المعصوم لهذه الدولة ، ولم يبق سوى تأمين الطليعة من الأنصار الذين سينصرون المهدي ويساعدونه في مواجهته ومعركته الكبرى ، وانتظار توافر الظرف السياسي العام الملائم لقيام هذه الدولة العالمية.

الثالثة : إن توافر الشرطين السابقين يحتاج إلى أمد طويل مما يستوجب طول الغيبة ، وما يلزم من ذلك من حيرة واضطراب تصل بالبعض إلى درجة الشكّ ، فعن علي بن الحسين عليه‌السلام : ـ إنّ للقائم منا غيبتين إحداهما تطول حتّى يقول بعضهم : مات ، ويقول بعضهم : قتل ، ويقول بعضهم : ذهب ، حتّى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير (٢) ـ.

و تجعل الغيبة الكبرى المؤمنين على محك الامتحان والابتلاء الذي يشكّل قانوناً عامّاً يحكم هذه الفترة؛ لأنّه لا يمكن فرز الجيش المهدوي المقاتل إلا في أجواء المحن والشدائد حتّى يولد من رحم هذا الواقع الصعب أنصار المهدي الذين يعيشون أعلى درجات الارتباط والولاء ، ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) [ الصف ].

وهذه الخصائص التي توافرت عليها الغيبة الكبرى : استطالة في الزمن ، احتجاب الإمام ، الوضع العالمي غير المستقرّ ، اضطراب حال المسلمين عموماً ... ، توجب على المتابع أن يسأل عن علّة الغيبة ولماذا حُرِمت الأُمّة من إمامها في ظروف هي أحوج ما تكون إليه؟

__________________

١ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٢ ، ص ٨٨.

٢ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ١٥٣.

١٣٥

وكيف يظهر الباطل على الحقّ في أكثر من موقع وتعجّ الأرض بالمظالم والانتهاكات والإمام لا يظهر؟ هذه الأسئلة وغيرها تراود الكثيرين واستند إليها البعض للتشكيك في أصل المعتقد.

ونحن نسلّم أنّ أفعال الله معلَّلة بأغراض ، وأنّه ما من فعل يصدر من المولى وعجل إلا وله حكمة ومصلحة للخلق ، ولا يبرّر عدم قدرتنا على فهم هذه الحكمة والإحاطة التامة بملاك هذه الوقائع الرّدّ والإنكار ، عن الصادق عليه‌السلام : ـ إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لابدَّ منها يرتاب فيها كلّ مبطل ، فقلت : ولمَ جعلت فداك؟ قال : الأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم. فقلت : فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال : وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدّمه من حجج الله تعالى ذكره؛ إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما آتاه الخضر عليه‌السلام من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى عليه‌السلام إلى وقت اقترافها يا ابن الفضل؛ إنّ هذا الأمر أمر من أمر الله تعالى ، وسرّ من سر الله ، وغيب من غيب الله ، ومتى علمنا أنّه عزّ وجلّ حكيم صدّقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف ـ (١).

فالعقل البشري لا يمكن أن يدرك كلّ أسرار الغيبة إلا بعد ظهور الإمام؛ لأنّنا مهما أوتينا من علم لا يمكن أن تنكشف لنا كلّ الحقائق والنواميس الكونية والإلهية التي تحكم العالم والتاريخ.

ولكنّنا مع الإقرار بهذه الحقيقة يمكن أن نتلمّس الطريق لمعرفة بعض وجوه وأبعاد الغيبة بالمقدار الذي دلّت عليه روايات أهل البيت عليهم‌السلام وبما نستوحيه من نظرة الإسلام العامّة للكون والحياة وفلسفته لحركة التاريخ والمجتمع. فلا منافاة بين تلك الحقيقة وهذا المبدأ؛ لأنّ الأولى تستبعد الإحاطة التفصيلية بكلّ الأسرار أمّا هذا المبدأ فينصّ على إمكان المعرفة الإجمالية لبعض الأبعاد :

١. البعد القيادي للغيبة

والمقصود منه العوامل المرتبطة بالإمام نفسه وأدّت لغيابه ، فالقائد لابدّ أن يمتلك

__________________

١ ـ الصدوق ، كمال الدين وتمام النعمة ، ص ٤٨٢.

١٣٦

كلّ الظروف الملائمة التي تخوّل له قيادة المسيرة بسلام ، خاصّة بالنسبة لقائد عالمي كالمهدي عجل الله تعالى فرجه الذي يمتاز عن أي قائد آخر بالامتداد الأفقي لساحته التغيرية حيث تتّسع لكلّ العالم ويمتاز أيضاً بالرفض المطلق لكلّ أنظمة الظلم ورؤوسه وبالتالي فهو قائد ثورة شاملة معلنة لا تقية فيها ، وهذه الأبعاد القيادية للغيبة يمكن إرجاعها إلى العناصر التالية :

أ. الخوف من القتل : قد وردت أحاديث كثيرة عن الأئمة عليهم‌السلام تعلّل الغيبة بالخوف من القتل والخوف من الذبح وما قارب هذا المعنى ، وهي تؤكّد أنّ الإمام بما هو مستودع الوصاية الإلهية يمثّل الحفاظ على حياته أهمّيّة قصوى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : ـ يا زرارة لابدّ للقائم عليه‌السلام من غيبة ، قلت : ولم؟ قال يخاف على نفسه وأومأ إلى بطنه ـ (١).

وعن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ـ للغلام غيبة قبل وفاته. قلت : ولم؟ قال : يخاف على نفسه الذبح ـ (٢).

إنّ خوف الإمام على نفسه من القتل ، وحرصه على وجوده الشريف ، ليس إخلالاً بدوره القيادي ـ كما يتوهّم ـ في الحياة والتاريخ ، وإنّما هو حرص على الرسالة ، وهي حالة عاشها كلّ الأنبياء عبر التاريخ في صراعهم مع الطواغيت ، فهذا الحرص لا ينبع من نزعة أنانية منغلقة على الذات ، وخاضعة لغريزة حبّ البقاء ، وإنّما هو شعور ينشأ عن إصرار على أداء الأمانة وتبليغ الرسالة ، وذلك متوقّف عقلاً على وجود وحياة الولي نفسه ، عن المفضّل بن عمر عن أبي عبد الله عليه‌السلام : ـ إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة ، يقول فيها : ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربّي حكماً وجعلني من المرسلين ـ (٣).

ونواجه في هذا المقام إشكالاً فحواه أنّ الأئمة عليهم‌السلام كلّهم كانوا في مَعْرض القتل فلماذا لم يتواروا كالمهدي عجل الله تعالى فرجه بل كانوا ظاهرين؟

إنّ السائل غاب عنه أنّ حال المهدي يختلف عن حال آبائه ، فهو معروف عنه أنّه لن يترك مملكة لظُلم ولا سلطان لجائر وأنّه سيملأ الأرض عدْلاً وقسطاً وسيقتلع كلّ

__________________

١ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٩٥.

٢ ـ المصدر نفسه ، ص ٩٧.

٣ ـ النعماني ، الغيبة ، ص ١١٦.

١٣٧

الطواغيت من الأرض ، ومن كان هذا شأنه لا يخرج عن دائرة الرصد والمراقبة والملاحقة خوفاً من قومه ، ومن جهة أخرى ـ آباؤه إنّما ظهروا؛ لأنّه كان من المعلوم أنّه لو حدث لهم حادث لكان هناك من يقوم مقامهم وسند يسندهم من أولادهم ، وليس كذلك صاحب الزمان؛ لأنّ المعلوم أنّه ليس بعده من يقوم مقامه قبل حضور وقت قيامه بالسيف ، ولذلك وجب استتاره وغيبته وفارق حاله حال آبائه ـ عليهم‌السلام (١).

ب. الاستقلالية في القرار : إنّ القائد العالمي الذي يحمل مشروع خلاص الأرض والإنسان من مآسي امتدّت قرون طويلة والذي يعلنها حرباً لا هوادة فيها على كلّ الذين حرموا الإنسانية نعمة العدل والأمن والرفاه ، لابدّ أن يكون مستقلاً في قراره غير ملزم بولاء أو عهد لأي جهة كانت ولأي سلطة غاشمة.

عن المهدي عجل الله تعالى فرجه : ـ إنّه لم يكن أحد من آبائي إلاّ وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي ـ (٢) ، فغيبة الإمام وابتعاده عن ضغوطات الحكومات الجائرة تحول دونه ودون الالتزام بعقد أو عهد مع هؤلاء الجبارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : ـ يقوم القائم وليس لأحد في عنقه عهد ولا عقد ولا بيعة ـ (٣).

لقد انطلق التخطيط الإلهي لتحقيق هذه الاستقلالية والأصالة في القرار وعدم التبعية لأحد مبكّراً منذ ولادة المهدي نفسه وما اكتنفها من إغماض وتكتّم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : ـ صاحب هذا الأمر تعمى ولادته على الخلق لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج ـ (٤).

ج. تكامل القائد ( تكامل ما بعد العصمة ) : لمّا اقتضت الإرادة الإلهية أن يتحقّق الوعد الإلهي بقيام دولة العدل العالمية على يد الإمام الثاني عشر عليه‌السلام ، تدخّلت لحفظ هذا الإمام الذي يمثّل الحلقة الأخيرة من سلسلة أوصياء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والذي يتوقّف على

__________________

١ ـ الطوسي ، الغيبة ، ص ٣٣٠.

٢ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٩٢.

٣ ـ الكليني ، أصول الكافي ، ج ١ ، ص ٣٤٢.

٤ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٩٥.

١٣٨

وجوده وظهوره جهاد كلّ الأنبياء والأوصياء عبر التاريخ ، فكانت الغيبة الكبرى تستهدف أساساً حفظ هذا القائد العظيم لصون هذا العطاء النبوي عبر الزمن وتحقيقاً للإرادة الإلهية التي يستحيل أن تتخلّف ، وفي أجواء الغيبة حفّت المهدي عناية إلهية خاصّة لتضمن له التكامل ( تكامل ما بعد العصمة ) ـ أي ذلك الكمال الذي يؤهّله إلى مرتبة أعلى وأعمق وأسهل في نفس الوقت من أساليب القيادة العالمية ـ (١).

ولهذا اعتبر الشهيد الصدر رحمه‌الله : ـ إنّ غيبة الإمام وطول عمره من عوامل نجاح المهدي في مهمّته؛ لأنّ التغيير العالمي الذي سيمارسه المهدي يتطلّب وضعاً نفسياً في القائد الممارس مشحوناً بالشعور بالتفوّق والإحساس بضآلة الكيانات الشامخة التي أُعدّ للقضاء عليها لتحويلها حضارياً إلى عالم جديد ـ (٢) ، فهو يقصد أساساً عامل ( هيبة التاريخ ) الذي يقف حائلاً أمام العديد من الثوّار والمصلحين ، ويشلّ حركتهم في التغيير ، هذه الهيبة لابدّ أن تزول من نفس القائد والإمام بمعاصرته لحضارات عديدة ودول كثيرة قامت ثمّ زالت ، وهذا العامل يجعل القائد متماسكاً في نفسه ولن يرهب أية قوّة حضارية مهما كان مداها ، من ناحية ثانية إنّ مواكبته لهذه الحضارات من شأنها أن تعمّق الخبرة القيادية للمهدي عجل الله تعالى فرجه ؛لأنّ الغيبة تضعه أمام تجارب كثيرة للآخرين بكلّ ما فيها من نقاط القوة والضعف.

وناقش بعضهم (٣) هذا البعد القيادي من أبعاد الغيبة ولم يستسغ أن يكون للإمام مدارج كمال يرتقيها وراء العصمة فقال : ـ إنّ ما ذكره الشهيد الصدر رحمه‌الله خطير جدّاً على المستوى العقائدي؛ لاستلزامه نسف الأسس الفكرية العظمى الذي يتحلّى بها الإمام الخليفة المسدّد من قبل السماء والمحيط بتفاصيل الأمور العلمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وإلاّ فجهله بها تعدّ بخساً في درجته ومنزلته وحطّاً من كرامته عليه‌السلام مضافاً لاستلزامه الجهل والاحتياج إلى غيره وهو قبيح عقلاً ونقلاً ـ (٤) ، ولكن هذه المناقشة مردودة لعدّة وجوه :

__________________

١ ـ محمّد صادق الصدر ، تاريخ الغيبة الصغرى ، ص ٢٧٧.

٢ ـ محمّد باقر الصدر ، بحث حول المهدي ، ص ٤٢.

٣ ـ محمّد حمود العاملي ، الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية ، ج ٢.

٤ ـ المصدر نفسه ، ج ٢ ، ص ٢٥٩.

١٣٩

أوّلاً : إنّ هذا التصوير مبني أساساً لمن لا يريد جواباً غيبياً عندما يسأل عن فائدة هذه الغيبة الطويلة ، بل يطالب بتفسير اجتماعي للظاهر ، وهذا ما صرّح به الشهيد الصدر رحمه‌الله في بحثه (١).

ثانياً : إنّ الجدل العقائدي حول علم الإمام لم يصل إلى نتيجة حاسمة يتفق حولها الجميع تلزم الكل بأنّ الإمام يعلم كلّ شيء ، وأنّه بلغ في علمه درجة الكمال المطلق ، بل المتفق حوله أنّ الإمام أعلم الخلق بما يتوقّف عليه هداية الناس ، وإقامة الدين وأنّ طرق علم الإمام الخاصّة به من إلهام وكشف لا تنافي مشاركة الآخرين في الطرق التحصيلية خاصّة إذا كان هذا التحصيل بتسديد من الله كما هو الحال في الغيبة حيث ترعاه العناية الإلهية لمعاصرة كلّ هذه التجارب وهذه الدورات الحضارية المتعاقبة.

ثالثاً : إنّ درجات التكامل المتصوّرة للعقل لا نهائية ، وكلّما وصل الفرد إلى مرتبة منها استحقّ أن يرقى إلى درجة بعدها ، وهذه الدرجات تبدأ بأوّل مرتبة من مراتب الإيمان وتنتهي بالوجود اللانهائي الجامع لكلّ صفات الكمال ، وهو الله عزّ وجلّ ، وحصول الإنسان على الكمال اللانهائي غير ممكن إلا أن تصاعده من الكمال إلى الأكمل في غاية الإمكان والوضوح ، وكلّ درجة يصل إليها الفرد فهي محدودة بما في ذلك المعصوم ، فعلى الرغم مما ما يبلغه من الكمال يمكن له أن يتقدّم خطوة أخرى نحو الأمام ، وهذا معنى تكامل ما بعد العصمة ، وهذا ما تساعد على فهمه بعض النصوص من أنّ علم الأئمة عليهم‌السلام في ازدياد.

والعوامل التي تساعد المهدي على هذا التكامل إضافة إلى ما ذكر سابقاً ، الإلهام ، فالروايات وردت أنّ الإمام عليه‌السلام ـ إذا أراد أن يعلم الشيء أعلمنا تعالى ذلك ـ (٢).

والعامل الثاني : ما يمرُّ به القائد من مصائب ومحن توجب تصاعد كماله الروحي.

والعامل الثالث : ما يقوم به القائد من أعمال وتضحيات في سبيل الرسالة ، ترسّخ عمقها في نفسه.

__________________

١ ـ محمّد باقر الصدر ، بحث حول المهدي ، ص ٤١.

٢ ـ الكليني ، أصول الكافي ، ج ١ ، ص ٢٥٧.

١٤٠