صلاة التراويح

الدكتور الشيخ جعفر الباقري [ سامي صبيح علي ]

صلاة التراويح

المؤلف:

الدكتور الشيخ جعفر الباقري [ سامي صبيح علي ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-04-8
الصفحات: ٢٧١

( فُرضت على النبي صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ليلةَ أُسريَ بهِ الصلواتُ خمسين ، ثمَّ نقصت حتّى جُعلت خمساً ، ثمَّ نُوديَ :

ـ يا محمد! إنَّه لا يُبدَّلُ القولُ لديَّ ، وإنَّ لك بهذهِ الخمس خمسين ) (١).

وعلى فرضِ صحة ما وردَ في هذه الأحاديث من خشيةِ الافتراض ، فلعلَّ المرادَ بها هو :

( النهي عن التكلُّف فيما لم يَرد فيه أمرٌ ، والتحذيرُ من ارتكابِ البِدعةِ في الدين ) (٢).

فالنبي الخاتَم ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) كانَ يبالغُ في ردع هؤلاءِ المصلين ، ويحذرُهم من التمادي في طلبِ الأُمورِ غير المشروعة ، والوقوعِ في البِدع ، من خلال هذا اللون من الخطاب.

٤ ـ بعد أنْ علمَ رسولُ اللهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) أنَّ هذه الثلةَ جاءَت مرةً أخرى لأداءِ النوافل جماعةً أبطأَ في الخروج إليهم ، لكي يكونَ في ذلك دليلاً لهم على عدم رغبتِهِ في استمرارهم في هذا الأمر غيرِ المشروع ، فـ ( الإبطاءُ ) في الخروج قرينةٌ قويةٌ على عدم مشروعيةِ ( التراويح ) أيضاً.

وإذا لاحظنا ( القرآن المجيد ) نجدُ أنه يتنافى مع أمر ( الإبطاء ) هذا فيما لو كان العمل راجحاً ، وذلك من جانبين :

فمن الجانب الأول : نرى أنَّ اللهَ ( جَلَّ وَعَلا ) يأمر عباده الصالحينَ بالمسارعة في طلب الآخرة والجنة ، ومن ذلكَ قوله ( جَلَّ وَعَلا ) :

__________________

(١) الترمذي ، سنن الترمذي : ج : ١ ، ص : ٤١٧ ، باب : كم فرض اللّه على عباده من الصلوات ، ح : ٢١٣.

(٢) الطبسي ، نجم الدين ، صلاة التراويح بين السُنَّة والبدعة ، ص : ١٥.

٤١

( وَسارِعُوا إلى مَغفرَةٍ من ربِّكُم وَجنَّةٍ عَرضُها السَّمواتُ والأرضُ أُعدَت للمتَّقينَ ) (١).

وقولُه ( جَلَّ وَعَلا ) :

( سابِقُوا إلى مَغفرةٍ من ربِّكُم وجَنَّةٍ عَرضُها كَعَرضِ السماءِ والأرضِ أُعدت للذينَ آمنوا باللهِ ورُسُلِهِ ذلكَ فضلُ اللهِ يؤتيهِ مَن يَشاءُ واللهُ ذو الفضلِ العَظيمِ ) (٢).

ووردَ وصف الله ( جَلَّ وَعَلا ) لهؤلاءِ المؤمنينَ بالقول :

( أولئكَ يُسارِعُونَ في الخَيراتِ وَهم لَها سابقونَ ) (٣).

فلو كانَ أمرُ ( التراويح ) مشروعاً ومندوباً ، فكيفَ يُعقل أن يتباطأ عنه رسولُ اللهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) مع هذه الدعوة القرآنية الصريحة للـ ( مسارعةِ ) والـ ( مسابقةِ ) في الخيرات التي وجهها الله ( جَلَّ وَعَلا ) لعباده المؤمنينَ ، وهو ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) على رأس المؤمنينَ؟

ومن الجانب الثاني : نرى أنَّ هذا الإبطاء يتنافى مع الوصف الملازم للأنبياء ، ويدلُّ على أنَّ ( التراويح ) ليست بـ ( خير ) ، إذ لو كانت ( خيراً ) ؛ لما أبطأَ عنها وهو سيد المرسلين وخاتَم النبيين.

قال ( جَلَّ وَعَلا ) في وصف أنبيائه :

( إنَّهم يُسارِعُونَ في الخَيراتِ وَيدعوننا رَغَباً وَرَهَباً وَكانوا لَنا خاشِعينَ ) (٤).

٥ ـ إنَّ رفعَ هؤلاءِ الثلة أصواتَهم أمامَ بيت النبي ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) ، ومن ثمَّ رشقهم بابَ بيته بالحصى ، لهوَ من الأدلة على المستوى الخُلقي والديني المتدنّي الذي

__________________

(١) آل عمران / ١٣٣.

(٢) الحديد / ٢١.

(٣) المؤمنون / ٦١.

(٤) الأنبياء / ٩٠.

٤٢

كانَ يتصفُ به هؤلاءِ المحتجُّون ، وإنَّ هذا السلوكَ المشين تجاه أطهرِ إنسانٍ أنجبته البشريةُ لهوَ من أقوى الأدلة على أنَّ هؤلاءِ القوم إنَّما أصرّوا على تنفيذ رغباتهم الذاتية ، بقطع النظر عن رضا حاملِ لواءِ الشريعة ، ولا شكَ أنَّ هؤلاء هم أكثرُ الناسِ ابتهاجاً بصلاة ( التراويح ) التي ابتُدعت فيما بعد في زمن خلافة ( عمر بن الخطاب ) ، لأنَّها جاءَت ملبّيةً لرغبتهم الساذجة ، وأهوائهم المضلة ، التي دفعتهم إلى انتهاك حرمةِ الساحةِ المقدّسة لمن أرسلَه اللهُ رحمةً للعالمين ، ولا شكَ أنَّ هؤلاءِ كانوا يشكلونَ النواةَ الأُولى لإقامة صلاة ( التراويح ) ، وهم الذين روَّجوا لها ، وهلَّلوا ، وكبَّروا لاستقبالها؛ لأنَّها أيقظت ما توارى من إصرارهم المبطَّن ، وإلحاحهم الدفين.

جاءَ في كتابِ الله المجيد بصددِ تبجيل رسولِ اللهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) ، وتوقيره ، وتجليله :

( فَالَّذينَ آمَنُوا بِهِ وَعزَّرُوه وَنَصَرُوهُ واتَّبَعوا النُّورَ الَّذي أُنزِلَ مَعَه أُولئِكَ هُمُ المُفلحُون ) (١).

وقد ذكرَ المفسرونَ أنَّ المرادَ من ( التعزير ) الوارد في هذه الآية ليس مطلقَ النصرة ، إذ انَّه أُفرد عن قوله : ( نصروه ) ، ولو كانَ بمعنى مطلق النصرة لما كانَ هناكَ داعٍ للتكرار ، فالمراد من ( التعزير ) هو التبجيلُ ، والتوقيرُ ، والتعظيمُ ، أو النصرةُ مَعَ التعظيم (٢).

كما ذكرَ ( القرآنُ المجيد ) الأدبَ الخاص الذي ينبغي أنْ يتعاملَ به المسلمونَ مَعَ رسولِ الإنسانية ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) ، والمكانةَ التي يتحتمُ عليهم حفظُها له ،

__________________

(١) الأعراف : ١٥٧.

(٢) قالَ ( الطباطبائي ) في تفسير الميزان ، ج : ٨ ، ص : ٢٩٦ : ( التعزير : النصرة مَعَ التعظيم ) ، وقالَ ( الطبرسي ) في مجمع البيان ، ج : ٤ ، ص : ٦٠٤ : ( وعزروه : أي عظموه ووقروه ومنعوا عنه أعداءه ) ، وقالَ ( أبو حيان الأندلسي ) في البحر المحيط ، ج : ٥ ، ص : ١٩٦ : ( وعزروه أثنوا عليه ومدحوه ) ، وقالَ ( ابن كثير ) في تفسير القرآن العظيم ، ج : ٩ ، ص : ٢٦٥ : ( ونصروه : أي عظموه ووقروه ).

٤٣

ورعايتُها بشأنِه ، فقد وردَ النهي عن أنْ يرفعوا أصواتَهم فوق صوته ، أو يجهروا له بالقول؛ لأنَّ ذلك سيكونُ مدعاةً الى أنْ تحبَطَ أعمالُهم ، بخلافِ أولئك الذين يُظهرون أمامَه الأدبَ الرفيع ، ويغضّونَ أصواتَهم عنده ، كما يقولُ اللّهُ ( جَلَّ وَعَلا ) :

( يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرفَعُوا أَصواتَكُم فَوقَ صَوتِ النَّبي وَلا تَجهَرُوا لَهُ بالقَولِ كَجَهرِ بَعضِكُم لِبَعضٍ أنْ تَحبَط أَعمالُكُم وَأنتُم لا تَشعُرُونَ * إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصواتَهُم عِندَ رَسُولِ اللّهِ أُولئكَ الَّذِينَ امتَحَنَ اللّهُ قُلوبَهُم لِلتَّقوى لَهُم مَّغفِرةٌ وأَجرٌ عَظيمٌ ) (١).

كما وردَ النهي في ( القرآنِ المجيد ) عن أنْ يُدعى النبيُّ الخاتَم ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) باسمه كما يُدعى سائرُ الناس ، وذلكَ في قوله ( جَلَّ وَعَلا ) :

( لا تَجعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَينَكُم كَدُعاءِ بَعضِكُم بَعضاً ) (٢).

وكذلكَ وردَ النهي عن التسرُّعِ في إبداء الرأي والنظرِ بين يديه ، كما قالَ ( جَلَّ وَعَلا ) :

( يا أَيُّها الَّذِينَ آمنُوا لا تُقدِّموا بَينَ يَديِ اللّهِ ورسُولهِ واتَّقُوا اللّهَ إنَّ اللّهَ سميعٌ عليمٌ ) (٣).

فأينَ هؤلاءِ المحتجّونَ على عدم خروج النبي ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) لأداء النوافل جماعةً من كلِّ هذا؟!

وماذا يقولُونَ للهِ ( جَلَّ وَعَلا ) بعد أنْ رشقوا بابَ النبي الخاتَمَ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) بالحصى ، وتعالت أصواتُهم بالاعتراضِ والاحتجاج؟؟!

__________________

(١) الحجرات : ٢ ـ ٣.

(٢) النور / ٦٣.

(٣) الحجرات / ١.

٤٤

٦ ـ ومن القرائن المهمة في هذا المقام هو الهيئةُ التي خرجَ عليها رسولُ اللهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) ، فقد خرج مُغضباً ، ومن دون شكٍ أنَّه ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) لا يغضبُ لأمور الدنيا ، ولا للتجاوز على حرمته الشخصية ، وإنَّما يغضبُ لأنَّه يرى دينَ اللهِ مهدَّداً من داخل الكيانِ الإسلامي ، ويغضبُ لأنَّ القومَ كانوا يريدون أنْ يبدِّلوا شريعةَ السماء حسبَ أهوائهم ورغباتهم ، ويغضبُ لأنَّه يريدُ أنْ يقولَ للأجيال القادمة : أنْ لا تتلاعبوا بالتشريع ، ولا تجتهدوا في مقابل النص ، ولا يأتينَّ عليكم يومٌ تبدِّلونَ فيه سُنَّتي ، وتُغيِّرون شريعةَ ربِّكم وربي ، فتبتدعوا قيامَ نوافل الليل جماعةً ، وتورِّثوا ذلك للأجيال من بعدكم ، فتختلطَ الأمورُ ، ويلتبسَ الموقفُ ، ويمتزج الحرامُ بالحلال!!

د ـ النبي (ص) لم يصل التراويحَ في نظرِ كثير من أئمةِ مدرسةِ الصحابة

صرَّح إمامانِ كبيرانِ من أئمة ( مدرسة الصحابة ) وهما ( مالك ) و ( الشافعي ) بأنَّ النبي الخاتَم ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) قد نهى القومَ عن أداء صلاة ( التراويح ) بالكيفيَّة المذكورة ، وأنَّه قد عنَّفهم على فعلها ، وأمرَهم أنْ يصلّوا النوافلَ في بيوتهم على طبقِ تلك القاعدة العامة.

جاءَ في ( المغني ) :

( وقالَ مالكُ والشافعيُّ : قيامُ رمضانَ لمن قويَ في البيتِ أحبُّ إلينا ، لما روى زيدٌ بنُ ثابتٍ قالَ : احتجرَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ حجيرةً بخصفةِ أو حصير ، فخرجَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ فيها فتتبعَ إليهِ رجالٌ ، وجاءوا يصلّونَ بصلاتهِ.

٤٥

قالَ : ثمَّ جاءوا ليلةً فحضروا ، وأبطأَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ عنهم ، فلم يخرجْ إليهم ، فرفَعوا أصواتَهم ، وحصبوا البابَ ، فخرجَ إليهم رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ مُغضباً فقالَ :

ـ ما زالَ بكم صنيعُكم حتى ظننتُ أنَّه سيُكتبُ عَليكم ، فعَليكُم بالصلاةِ في بيوتِكم ، فإنَّ خيرَ صلاةِ المرءِ في بيتِهِ إلاّ الصلاةَ المكتوبةَ ) ، رواه مسلم ) (١).

ومما يدلُّ على أنَّ رسولَ اللّهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) لم يقم بالناس في نافلة شهر رمضانَ ما رُويَ في ( كنز العمّال ) :

( عن أُبي بنِ كعب : أنَّ عمرَ بنَ الخطّابِ أمرَه أنْ يصلّيَ بالليل في رمضانَ ، فقالَ :

ـ إنَّ الناسَ يصومونَ النهارَ ، ولا يحسنونَ أنْ يقرأوا ، فلو قرأتَ عليهم بالليل ، فقالَ :

ـ يا أميرَ المؤمنينَ! هذا شيءٌ لم يكنْ!! فقالَ :

ـ قد علمتُ ، ولكنَّه حَسَنٌ! فصلّى بهم عشرينَ ركعةً ) (٢).

وجاءَ في ( صحيح البخاري ) في باب ( فضل مَن قامَ رمضانَ ) :

( عن أبي هريرةَ رضيَ اللّهُ عنه انَّ رسولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ قالَ :

ـ مَن قامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه.

__________________

(١) ابن قدامة ، موفق الدين ، المغني ، ج : ١ ، ص : ٨٠٠.

وانظر نصَّ الحديث في صحيح البخاري ، ج : ٧ ، ص : ٩٩ ، باب : ما يجوز من الغضب والشدة لأمر اللّه ، ح : ٤ ، وكنز العمال ، ج : ٧ ، ح : ٢١٥٤١ ، ص : ٨١٦ ، وح : ٢١٥٤٣ ، و ٢١٥٤٥ ، ص : ٨١٧.

(٢) المتقي الهندي ، علاء الدين ، كنز العمال ، ج : ٨ ، ح : ٢٣٤٧١ ، ص : ٤٠٩.

٤٦

قالَ ابنُ شهاب : فتُوفيَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ والناسُ على ذلك ، ثمَّ كانَ الأمرُ على ذلكَ في خلافةِ أبي بكر ، وصدراً من خلافةِ عمر رضيَ اللّهُ عنهما ) (١).

فقالَ ( العسقلاني ) في ( فتح الباري ) ضمن شرح الحديث ما نصه :

( قالَ ابنُ شهاب : فتُوفيَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ والناسُ ، في رواية الكشميهني : ـ والأمرُ ـ ( على ذلك ) : أي على تركِ الجماعةِ في التراويح ).

وأضافَ الى ذلك القول :

( ولأحمدَ من روايةِ ابنِ أبي ذئب عن الزهري في هذا الحديث : ولم يكنْ رسولُ اللّهِ صلّى اللّهُ عليهِ وسلَّمَ جمعَ الناسَ على القيام ، وقد أدرجَ بعضُهم قولَ ابنَ أبي شهاب في نفس الخبر ، أخرجَه الترمذي عن طريقِ معمَّر بنِ أبي شهاب ) (٢).

فهذا تصريحٌ واضحٌ وصريح من ( ابن حجر العسقلاني ) بأنَّ رسولَ اللّهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) لم يصلِّ هذهِ الصلاةَ ، ولم يجمعِ الناسَ لها.

ثمَّ يضعِّفُ ( ابن حجر ) بعد ذلك الحديثَ المنتحل الذي يُروى فيه أنَّ رسولَ اللّهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) قد استحسنَ هذهِ الصلاةَ حين رآها! فيذكرُ أنَّ لضعفه سببين :

الأول : إنَّ فيه ( مسلمَ بن خالد ) وهو ضعيف.

والثاني : إنَّ الحديثَ يذكرُ أنَّ النبي ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) قد جَمعَ الناسَ على ( أُبي بنِ كعب ) ، بينما المعروف أنَّ ( عمرَ ) هو الذي صنع ذلك.

وقد قالَ في هذا المجال :

__________________

(١) البخاري ، صحيح البخاري ، ج : ٢ ، ص : ٢٤٩ ـ ٢٥٠.

(٢) العسقلاني ، ابن حجر ، فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، ج : ٤ ، ص : ٢٥٢.

٤٧

( وأمّا ما رواه ابنُ وهب عن أبي هريرة : خرجَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ، وإذا الناسُ في رمضانَ يصلّون في ناحية المسجد ، فقالَ :

ـ ما هذا؟ فقيلَ :

ـ ناسٌ يصلّي بهم أُبي بنُ كعب ، فقالَ :

ـ أصابوا ، ونعمَ ما صنعوا.

ذكرَه ابنُ عبدِ البر ، وفيه مسلمُ بنُ خالد ، وهو ضعيف ، والمحفوظُ أنَّ عمرَ هو الذي جمعَ الناسَ على أُبي بن كعب ) (١).

ولكي نطلعَ على حال ( مسلم بن خالد ) الذي روى أنَّ رسولَ اللّهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) قد استحسنَ صلاةَ التراويح وأقرَّها ، يكفينا أنَّ نطّلعَ على ما ذكره ( المزي ) في ( تهذيب الكمال ) ، حيثُ يقولُ حوله :

( وقالَ علي بنُ المديني :

ـ ليس بشيء. وقالَ البخاري :

ـ منكرُ الحديث. وقالَ النسائي :

ـ ليسَ بالقوي. وقالَ أبو حاتم :

ـ ليسَ بذلك القوي ، منكرُ الحديث ، يُكتب حديثه ولا يُحتجُّ به ، تعرفُ وتُنكرُ ) (٢)

 

وأضافَ ( محقّقُ الكتاب ) في الهامش :

( وذكره أبو زرعة الرازي في كتاب : أسامي الضعفاء ) (٣).

__________________

(١) العسقلاني ، ابن حجر ، فتح الباري ، ج : ٤ ، ص : ٢٥٢.

(٢) المزي ، جمال الدين ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، تحقيق : د. بشار عواد معروف ، ج : ٢٧ ، ص : ٥١٢.

(٣) المزي ، جمال الدين ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، تحقيق : د. بشار عواد معروف ، ج : ٢٧ ، ص : ٥١٢ ، عن : أبو زرعة الرازي : ٦٥٧.

٤٨

( وكذلك ذكره العقيلي وابن الجوزي في جملة الضعفاء ، وكانَ علي بن المديني يضعفه ) (١).

( وقالَ علي : سمعت ابن نمير يقولُ :

ـ مسلم بن خالد الزنجي ليس يُعبأ بحديثه ) (٢).

( وقالَ البزاز :

ـ لم يكن بالحافظ. وقالَ الدارقطني :

ـ سيئ الحفظ ، وساق له الذهبي في الميزان عدةَ أحاديث وقالَ :

ـ هذهِ الأحاديث وأمثالها تُردُّ بها قوةُ الرجل ويُضعف.

وذكره ابن البرقي في باب مَن نُسب إلى الضعف ممن يكتب حديثه ) (٣).

وذكر ( النووي ) في شرحه على ( صحيح مسلم ) ما نصه :

( قولُه : فتُوفي رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ والأمرُ على ذلك ، ثمَّ كانَ الأمرُ على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافةِ عمر ، معناه : استمرَ الأمرُ هذه المدّة على أنَّ كلَّ واحدٍ يقومُ رمضانَ في بيته منفرداً ، حتى انقضى صدرٌ من خلافةِ عمر ، ثمَّ

__________________

(١) المزي ، جمال الدين ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، تحقيق : الدكتور بشار عواد معروف ، ج : ٢٧ ، ص : ٥١٢ ، عن : المعرفة والتاريخ : ٣ / ٥١.

(٢) المزي ، جمال الدين ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، تحقيق : الدكتور بشار عواد معروف ، ج : ٢٧ ، ص : ٥١٢ ، عن : تقدمة الجرح والتعديل : ٣٢٣.

(٣) المزي ، جمال الدين ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، تحقيق : الدكتور بشار عواد معروف ، ج : ٢٧ ، ص : ٥١٣ ـ ٥١٤.

٤٩

جمعهم عمرُ على أُبي بن كعب ، فصلّى بهم جماعةً ، واستمرَ العملُ على فعلها جماعةً ) (١).

وقالَ ( القسطلاني ) في ( إرشاد الساري ) :

( قالَ ابنُ شهاب الزهري : ( فتُوفي رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ والأمرُ على ذلك ) ، أي : على تركِ الجماعةِ في التراويح ، ولغيرِ الكشميهني كما في الفتح : والناسُ على ذلك ، ( ثمَّ كانَ الأمرُ على ذلك ) أيضاً ( في خلافة أبي بكر ) الصدّيق ( وصدراً من خلافة عمر ) رضيَ اللّهُ عنهما ) (٢).

وقالَ في موضع آخر :

( قالَ عمرُ لما رآهم : ( نعمَ البدعةُ هذه ) ، سمّاها بدعةً لأنَّه صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ لم يسنَّ لهم الاجتماعَ لها ، ولا كانت في زمنِ الصدّيق ، ولا أول الليل ، ولا كل ليلةٍ ، ولا هذا العدد ) (٣).

فأينَ هو موضعُ صلاة ( التراويح ) من كلِّ ذلك ، وأينَ الأصلُ المدّعى لها في الدين؟؟!

قالَ الله ( جَلَّ وَعَلا ) :

( وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلِسنَتُكُمُ الكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفتَروا عَلى اللّهِ الكَذِبَ إنَّ الَّذينَ يَفتَرُونَ عَلى اللّهِ الكَذِبَ لا يُفلِحُونَ ) (٤).

__________________

(١) مسلم ، صحيح مسلم بشرح النووي ، ج : ٣ ، ص : ٤٠.

(٢) القسطلاني ، شهاب الدين ، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ، ج : ٤ ، ص : ٦٥٥.

(٣) القسطلاني ، شهاب الدين ، إرشاد الساري ، ج : ٤ ، ص : ٦٥٦.

(٤) النحل / ١١٦.

٥٠

(٢)

أمير المؤمنينَ عليٌّ (ع) ينهى عن صلاةِ التراويح

من المتفق عليه أنَّ أميرَ المؤمنينَ علياً عليه‌السلام هو أعلمُ الصحابة ، وأفقهُهُم ، وأقضاهم ، بنصٍ من رسولِ اللّهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) على ذلك ، وقد روى علماءُ ( مدرسةِ الصحابة ) في كتبهم بهذا الصدد الكثيرَ من الأحاديث التي تدلُّ على هذا المعنى ، فمن ذلك أنَّه ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) قالَ :

( أعلمُ أمتي بالسُنَّة والقضاءِ بَعدي عليُّ بنُ أبي طالب ) (١).

وقالَ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) :

( أعلمُ أمتي من بَعدي عليُّ بنُ أبي طالب ) (٢).

وقالَ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) مخاطباً علياً عليه‌السلام :

( أنتَ تبَيِّنُ لأمتي ما اختلَفوا فيهِ بَعدي ) (٣).

ورُويَ عن ( أنس ) أنَّه قالَ :

( قيلَ :

__________________

(١) راجع : الاستيعاب ، ج : ٢ ، ص ٢٩ ، والرياض النضرة : ج : ٢ ، ص : ١٩٤ ، وتفسير النيسابوري في سورة الأحقاف ، ومناقب الخوارزمي ، ص : ٤٨ ، وتذكرة الخواص ، ص : ٨٧ ، ومطالب السؤول ، ص : ١٢ ، وفيض القدير ، ج : ٤ ، ص : ٢٥٧ ، وأخرجه أحمد ، والعقيلي ، وابن السمّان. ولمزيد من الإطلاع انظر : حسين الشاكري ، علي في الكتاب والسُنَّة ، ج : ٢ ، ص : ١٤١.

(٢) راجع : الخوارزمي في المناقب ، ص : ٤٩ ، ومقتل الحسين ، ج : ١ ، ص : ٤٢ ، والمتقي في كنز العمال ، ج : ٦ ، ص : ١٥٢. ولمزيد من الإطلاع انظر : حسين الشاكري ، علي في الكتاب والسُنَّة ، ج : ٢ ، ص : ١٤٠.

(٣) راجع : الحاكم في المستدرك ، ج : ٢ ، ص : ١٢٢ ، والذهبي في ميزان الاعتدال ، ج : ١ ، ص : ٤٧٢ ، والقندوزي في ينابيع المودة ، ص : ٢٠٣ ، وانظر لمزيد من الإطلاع على مصادر الحديث إحقاق الحق ، ج : ٦ ، ص : ٥٢ ـ ٥٥ ، وج : ١٦ ، ص : ٤٣٥ و ٤٣٦ ، وج : ٢٠ ، ص : ٣١٨ و٣١٦.

٥١

ـ يا رسولَ اللّهِ ، عمَّن نأخذُ العلمَ بعدَكَ؟ فقالَ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ :

ـ عن علي ) (١).

وقالَ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) :

( عليٌّ وعاءُ علمي ، ووصيي ، وبابي الذي أُوتَى منه ) (٢).

وكانَ جميعُ الصحابة يقرّون لعلي عليه‌السلام بالأعلمية ، ويرجعون إليه عندما تشكلُ عليهم أُمورُ الدين ، ويَقبلونَ حكمَه من دون توقف؛ لمعرفتهم بأنَّه بابُ مدينة علمِ النبي ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) ، ووارثُ حكمته ، وقد قالَ فيه ( أبو الفضل بنُ العباس بنُ عتبة بنُ أبي لهب ) :

ما كنتُ أحسبُ أنَّ الأمرَ منصرفٌ

عن هاشمٍ ثمَّ منها عن أبي حَسَنِ

أليسَ أولَ مَن صلّى لقبلتكم

وأعلمَ الناسِ بالقرآنَّ والسُّننِ

وقد ثبتَ تاريخيا أنَّ أمير المؤمنينَ عليه‌السلام قد نهى عن صلاة ( التراويح ) ، وزجرَ الناسَ عندما رآهم يؤدّونها ، فقد رُويَ أنَّه :

( لمّا اجتمعَ الناسُ على أميرِ المؤمنينَ عليه‌السلام بالكوفةِ سألوه أنَّ ينصبَ لهم إماماً يصلّي بهم نافلةَ شهرِ رمضانَ ، فزَجرَهم ، وعرَّفهم أنَّ ذلكَ خلافُ السُنَّة ، فتركوه ، واجتمعوا ، وقدَّموا بعضَهم ، فبعثَ إليهم الحسنَ عَليهِ السَّلامُ ، فدخلَ عليهم المسجدَ ومعه الدرّةُ ، فلمّا رأوه تبادروا الأبوابَ وصاحوا : واعمراه ) (٣)!

__________________

(١) الشاكري ، حسين ، علي في الكتاب والسُنَّة ، ج : ٢ ، ص : ١٤٣ ، عن العلامة قطب الدين شاه في قرة العينين ، ص : ٢٣٤.

(٢) الشاكري ، حسين ، علي في الكتاب والسُنَّة ، ج : ٢ ، ص : ١٤٠ ، عن كفاية الطالب ، ص : ٧٠ و ٩٢ ، وشمس الأخبار ، ص : ٢٩.

(٣) المعتزلي ، ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، ج : ١٢ ، ص : ٢٨٣ ، وانظر : التهذيب للشيخ الطوسي ، ج : ٣ ، ص : ٧٠ ، ح : ٢٢٧ ، ووسائل الشيعة للحر العاملي ، ج : ٥ ، ص : ١٩٢ ، ح : ٢.

٥٢

وروي عن الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام أنَّهما قالا :

( لما كانَ أميرُ المؤمنينَ بالكوفة أتاهُ الناسُ فقالَوا له :

ـ اجعلْ لنا إماماً يؤمُّنا في شهرِ رمضانَ ، فقالَ :

ـ لا!! ونَهاهم أنَّ يجتمعوا فيه ، فلما أمسَوا جَعلوا يقولُون :

ـ ابكُوا شهرَ رمضانَ! واشهرَ رمضانَاه!!

فأتى الحارثُ الأعور في أنَّاسٍ ، فقالَ :

ـ يا أميرَ المؤمنينَ! ضجَّ الناسُ وكرهوا قولَكَ ، فقالَ أميرُ المؤمنينَ عند ذلك :

ـ دعوهم وما يريدون ، ليصلِّ بهم مَن شاؤوا ، ثمَّ قالَ :

ـ ومَن يتبع غيرَ سبيلِ المؤمنينَ نولِّهِ ما تَولّى ونُصلِهِ جَهنَّمَ وساءَت مَصيراً ) (١).

ولنقرأ معاناةَ أميرِ المؤمنينَ عليه‌السلام ، ومشاعرَه التي تجيشُ بالألم واللوعة ، من خلال ما وردَ عنه بهذا الشأنَّ :

( قد عَملت الولاةُ قَبلي أعمالا خالفوا فيها رسولَ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ متعمدينَ لخلافِهِ ، ولو حَملتُ الناسَ على تركها لتفرَّقوا عنّي … واللّهِ لقد أمرتُ الناسَ أنَّ لا يجتمعوا في شهرِ رمضانَ إلا في فريضةٍ ، وأعلمتُهم أنَّ اجتماعَهم في النوافل بدعةٌ ، فتنادى بعضُ أهلِ عسكري ممن يقاتلُ معي : يا أهلَ الإسلام ، غُيِّرت سُنَّةُ عمر! ينهانا عن الصلاةِ في شهر رمضانَ تطوعاً ، ولقد

__________________

(١) البحراني ، يوسف ، الحدائق الناضرة ، ج : ١٠ ، ص : ٥٢٣.

٥٣

خِفتُ أنَّ يثوروا ناحية جانب عسكري ، ما لَقيتُ من هذهِ الأمةِ من الفرقة!! وطاعةِ أئمةِ الضلال!! والدعاةِ إلى النار )؟! (١)

فأمير المؤمنينَ عليٌّ عليه‌السلام ينصُّ هنا على كون الجماعة في نافلة شهر رمضانَ ( بدعةٌ ) ، وأنَّ الجماعةَ لا تشرعُ إلا في الفريضة ، ونصَّ في صدر هذا الحديثِ أيضاً على أنَّ هذهِ الأمور قد أصبحت بمثابة السُنَّة الثابتة في نظر عوام الناس ، على الرغم من أنَّها لم تُشرَّع من قبل صاحب الرسالة ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) ، وأنَّه عليه‌السلام كانَ يعاني من تمسك الناس بهذهِ البدع ، وتركهم لسُنَّة رسولِ اللّهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) ، ولكنَّه عليه‌السلام يؤثرُ السكوتَ ، ويفضّلُ الغضَّ عن ذلك ، خوفاً من وقوع الفتنة بين المسلمين ، وحفظاً لمصلحة الإسلام العليا.

(٣)

أهل البيتِ (ع) يؤكدونَ عدمَ مشروعيةِ التراويح

ومن بعد هذا يأتي دورُ أهلِ البيت عليهم‌السلام في ردع هذه ( البدعة ) الدخيلة على الإسلام ، وتأكيدِهم على نهي النبي الخاتَم ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) عن الإتيان بها.

ولا يخفى مقامُ أهل البيت عليهم‌السلام على مسلمٍ موحّدٍ قط ، ودورُهم في حفظ التشريعات الإسلامية وذبِّهم ودفاعهم عنها ، وأنَّ اللهَ ( جَلَّ وَعَلا ) عصمَهم وطهَّرَهم تطهيراً ، حيثُ يقولُ :

__________________

(١) الحر العاملي ، وسائل الشيعة ، ج : ٥ ، ص : ١٩٣ ، ح : ٤.

وانظر : بحار الأنوار للعلامة المجلسي ، ج : ٩٣ ، ص : ٣٨٤ ، ح : ١.

٥٤

( إنَّمَا يُريدُ اللّهُ لِيُذهبَ عَنكمُ الرّجسَ أَهلَ الَبيتِ ويطهّركُم تطهيراً ) (١).

وأنَّهم قرناءُ الكتاب الكريم كما وردَ في ( حديث الثقلين ) المروي في أُمهات كتب المسلمين ، حيثُ قالَ رسولُ اللهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) :

( إنَّي تاركٌ فيكم ما إنْ تَمسكتُم به لن تضلّوا بعدي ، أحدُهما أعظمُ من الآخر : كتاب اللّهِ حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهلَ بيتي ، ولن يَفترقا حتى يردا عليَّ الحوضَ ، فانظروا كيف تخلِّفوني فيهما ) (٢).

وجاءَ في ( حديث السفينة ) عنه ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) :

( النجومُ أمانٌ لأهل الأرض من الغرق ، وأهلُ بيتي أمانٌ لأُمتي من الاختلاف ) (٣).

ويصفُ لنا أميرُ المؤمنينَ عليٌّ عليه‌السلام دورَ أهل البيت عليهم‌السلام وموقعَهم بالقول :

__________________

(١) الأحزاب : ٣٣ ، انظر ( علي في الكتاب والسُنَّة ) ، ج : ( ١ ، ص : ٤١١ ـ ٤٢٤ ) نقلاً عن الترمذي في ( الجامع الصحيح ) ، ج : ٥ ، ص : ٣٥١ ، ح : ٣٢٠٥ و ص : ٣٥٢ ، ح : ٣٢٠٦ ، وص : ٦٦٣ ، ح ٣٧٨٧ ، وص : ٦٩٩ ، ح : ٣٨٧١ ، وفي مسند أحمد بن حنبل ، ج : ١ ، ص : ٣٣٠ ، و ج : ٤ ، ص : ١٠٧ .. والطبراني في المعجم الصغير ج : ١ ، ص : ٦٥ و ١٣٤ ، وتاريخ بغداد ، ج : ٩ ، ص : ١٢٦ ، وفي فتح الباري ج : ٧ ، ص : ٦٠ وفي الإصابة ج : ٢ ص : ١٦٩ و ٥٠٣ ، و ج : ٤ ، ص : ٣٦٦ ، وغير ذلك من الكتب الحديثية المعتبرة عند أتباع ( مدرسة الصحابة ) فضلاً عن مصادرنا المتواترة بهذا الشأن.

(٢) الترمذي ، محمد بن عيسى بن سورة ، سنن الترمذي ، تحقيق : أحمد محمد شاكر ، المجلد الخامس ، ص : ٦١٢ ، ح : ٣٧٨٦.

والمتقي الهندي في كنز العمال ، ج : ١ ، ص : ٣٨١ ، ح : ١٦٥٧.

وقد أخرج الحفّاظ والمحدّثون هذا الحديث بطرق كثيرة صحيحة ، حتى ناهز عدد رواته من الصحابة بضعة وثلاثين صحابياً وصحابية ، راجع للتفصيل : مجلة ( رسالة الثقلين ) ، العدد الرابع ، ص : ( ١١٢ ـ ١١٩ ).

(٣) الحاكم النيسابوري ، مستدرك الحاكم على الصحيحين ، ج : ٣ ، كتاب معرفة الصحابة ، ص : ١٥١.

٥٥

( هم عيشُ العلم ، وموتُ الجهل ، يخبرُكم حلمُهم عن علمهم ، وظاهرُهم عن باطنهم ، وصمتُهم عن حكمِ منطقِهم ، لا يخالفون الحقَّ ، ولا يختلفونَ فيه ، وهم دعائمُ الإسلام ، وولائجُ الاعتصام ، بهم عادَ الحقُّ إلى نصابه ، وانزاحَ الباطلُ عن مقامه ، وأنَّقطعَ لسانُه عن منبته ، عقلوا الدينَ عقلَ وعايةٍ ورعايةٍ ، لا عقلَ سماعٍ ورواية ) (١).

من هنا كانَ طريقُ أهل البيت عليهم‌السلام أقربَ الطرق إلى معرفة حقائق التشريع؛ لأنَّ أهلَ البيت عليهم‌السلام أدرى بما فيه ، ولأنَّ كلَّ ما يُدلون به من أحاديث إنَّما هو مأخوذٌ من باب مدينة علم النبي الخاتَم ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ) وصيِّه علي عليه‌السلام ، وبالتالي مأخوذٌ عن مدينة العلم ، وعن اللهِ ( جَلَّ وَعَلا ).

يقولُ الإمام جعفرٌ الصادقُ عليه‌السلام :

( حديثي حديثُ أبي ، وحديثُ أبي حديثُ جدّي ، وحديثُ جدّي حديثُ الحسين ، وحديثُ الحسين حديثُ الحسن ، وحديثُ الحسن حديثُ أمير المؤمنينَ ، وحديثُ أمير المؤمنينَ حديثُ رسولِ اللّه صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ، وحديثُ رسولِ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ قولُ اللّه عزَّ وجلَّ ) (٢).

وقد وردَ النهي الصريحُ في أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام عن أداء ( التراويح ) ، واعتبروها ( بدعةً ) محدَثة ، ولا علاقةَ لها مع الدين الحنيف ، وذلك من خلال مجموعةٍ من الأحاديث ، منها ما رُويَ عن الإمام جعفرٍ الصادقِ عليه‌السلام حيثُ يقولُ :

__________________

(١) نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب : الخطبة / ٢٣٩.

(٢) العاملي ، زين الدين ، منية المريد في آداب المفيد والمستفيد ، ص : ١٩٤.

٥٦

( صومُ شهر رمضانَ فريضةٌ ، والقيامُ في جماعةٍ في ليلتِهِ بِدعةٌ ، وما صلاّها رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ في لياليهِ بجماعةٍ ، ولو كانَ خيراً ما تركه ، وقد صلّى في بعض ليالي شهر رمضانَ وحدَه ، فقامَ قومٌ خلفه ، فلَّما أحسَّ بهم ، دخلَ بيتَه ، فعلَ ذلكَ ثلاثَ ليالٍٍ ، فلما أصبحَ بعدَ ثلاث ، صعدَ المنبرَ ، فحمدَ اللّهَ وأثنى عليه ثمَّ قالَ :

ـ أيُّها الناسُ ، لا تصلّوا النافلةَ ليلاً في شهر رمضانَ ، ولا في غيره في جماعةٍ فإنَّها بدعةٌ ، ولا تصلوا ضحىً فإنَّها بدعةٌ ، وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلُّ ضلالةٍ سبيلُها إلى النار ، ثمَّ نزلَ وهو يقولُ :

ـ قليلٌ في سُنَّة خيرٌ من كثيرٍ في بِدعةٍ ) (١).

وقالَ عليه‌السلام :

( إنَّ هذهِ الصلاةَ نافلةٌ ، ولن يُجتمعُ للنافلة ، فليصلِّ كلُّ رجلٍ منكم وحدَه ، وليقل ما علَّمه اللهُ من كتابِهِ ، واعلموا أنَّه لا جماعةَ في نافلةٍ ) (٢).

وقالَ الإمامُ موسى الكاظم عليه‌السلام :

( قيامُ شهر رمضانَ بدعةٌ ، وصيامُهُ مفروضٌ ، قالَ الراوي ، فقلت :

ـ كيفَ أُصلّي في شهر رمضانَ؟ فقالَ :

__________________

(١) الطوسي ، أبو جعفر ، تهذيب الأحكام ، ج : ٣ ، ص : ٦٩ ، ح : ٢٢٦.

وانظر : وسائل الشيعة للحر العاملي ، ج : ٥ ، ص : ١٩٢ ، ح : ١ ، وبحار الأنوار للمجلسي ، ج : ٩٤ ، ص : ٣٨١ ، ح : ٤.

(٢) النراقي ، أحمد بن محمد مهدي ، مستند الشيعة في أحكام الشريعة ، ج : ٨ ، ص : ١٥ ، عن : التهذيب ، ج : ٣ ، ص : ٢١٧ ، والاستبصار ، ١ ، ص : ٤٥٤ ، والوسائل ، ج : ٨ ، ص : ٣٢.

٥٧

ـ عشرَ ركعات ، والوتر ، والركعتانِ قبلَ الفجر ، كذلك كانَ يصلّي رسولُ اللّه صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ ، ولو كانَ خيراً لم يتركهُ ) (١).

ورُويَ عن الامام علي الرضا عليه‌السلام :

( ولا يجوزُ التراويحُ في جماعةٍ ) (٢).

وبخصوص عدم مشروعية صلاة النوافل جماعةً وردَ عن الامام جعفرٍ الصادقِ عليه‌السلام :

( ولايصلّى التطوع في جماعةٍ ، لأنَّ ذلك بدعةٌ ، وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلُّ ضلالةٍ في النار ) (٣).

وقد وردَ استثناءُ بعضِ الصلوات من عموم هذا الإطلاق كصلاة الاستسقاء والعيدين ، مما هو مذكورٌ في محلّه من الأبواب الفقهية.

(٤)

التراويحُ بدعة بإجماعِ علماءِ مدرسةِ أهلِ البيت

من الأُمور التي أجمعَ عليها علماءُ مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام هو أنَّ صلاةَ ( التراويح ) بدعةٌ محدثة ، بناءاً على المنهج الاستدلالي العميق التي اتسمت به مدرسةُ

__________________

(١) المجلسي ، محمد باقر ، بحار الأنوار ، ج : ٩٣ ، ص : ٣٨٤ ، ح : ٣.

(٢) الحراني ، الحسن بن علي بن شعبة ، تحف العقول عن آل الرسول ، تحقيق : علي أكبر الغفاري ، ص : ٤١٩.

(٣) الحر العاملي ، وسائل الشيعة ، ج : ٨ ، ص : ٣٣٤ ، باب : ٢٠ ، ح : ٥.

٥٨

أهل البيت عليهم‌السلام ؛ حيثُ يتمُّ استنباطُ الأحكام ، وصياغةُ الفتاوى ، وتحديدُ النتائج ، بدقةٍ بالغة ، وتتبعٍ مستفيض.

ويكفي المتأملَ في هذا المنهج الاطلاعُ على الكتب الاستدلالية لدى علماءِ مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ككتاب ( جواهر الكلام ) (١) ، ليقف على معالم مدرسةٍ علميةٍ شاملة ، قلَّما عرفَ لها التأريخُ الإنساني نظيراً.

ويضيقُ بنا المقامُ فيما لو أردنا استعراضَ مجملِ فتاوى علماءِ مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام بخصوص عدم مشروعية ( التراويح ) ، فضلاً عن نقل كلماتهم ، واستدلالاتهم ، في هذا المجال ، على أنَّنا سوف نقتصرُ على بعض النماذج من الأحكام التي توصّلَ إليها هؤلاءِ الأعلام :

يقولُ الشيخُ ( الطوسي ) في ( الخلاف ) :

( نوافلُ شهر رمضانَ تُصلى منفرداً ، والجماعةُ فيها بِدعةٌ ) (٢).

ويقولُ السيدُ ( المرتضى ) :

( أما التراويحُ فلا شبهةَ أنَّها بدعةٌ ، وقد روي عن النبي صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ أنَّه قالَ :

ـ أيها الناسُ ، إنَّ الصلاةَ بالليل في شهر رمضانَ من النافلة جماعةً بدعةٌ ) (٣).

وجاءَ في ( الحدائق الناضرة ) للعلامة ( البحراني ) :

__________________

(١) جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام من مؤلفات العلامة الفقيه الشخ محمد حسن النجفي المتوفى سنة ( ١٢٦٦ ) هـ ، وهو كتاب موسوعي يتألف من (٤٣) مجلداً في الفقه الإستدلالي ، يشرح المؤلف فيه كتاب : ( شرائع الإسلام في معرفة الحلال والحرام ) لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن المعروف بالمحقق الحلي المتوفى سنة (٦٧٦) هـ.

(٢) الطوسي ، أبو جعفر محمد بن الحسن ، الخلاف ، تحقيق : جماعة من المحققين ، ج : ١ ، ص : ٥٢٨.

(٣) المرتضى ، تلخيص الشافي ، ج : ١ ، ص : ١٩٣.

٥٩

( لا ريبَ أنَّ الجماعةَ في هذه النافلة محرّمةٌ عند أصحابنا ) (١).

و ( التراويحُ ) في كلمات علماء مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام مشمولةٌ بالفتاوى التي دلَّت على عدم مشروعية أداءِ النوافل الأصلية جماعةً ، واستثنت من ذلك بعضَ الصلوات التي وردَ الدليلُ الشرعي بجوازِ أدائها جماعةً ، كصلاة الاستسقاء ، وصلاةِ العيدين المستحبة.

جاءَ في ( العروةِ الوثقى ) للسيد ( محمد كاظم الطباطبائي ) ، وفي ( منهاج الصالحين ) لكلٍ من السيد ( أبي القاسم الخوئي ) ، والسيد ( علي السيستاني ) ، والسيد ( محمد سعيد الحكيم ) :

( لا تشرع الجماعةُ في شيءٍ من النوافلِ الأصلية ) (٢).

__________________

(١) البحراني ، يوسف ، الحدائق الناضرة ، ج : ١٠ ، ص : ٥٢١.

(٢) الطباطبائي اليزدي ، محمد كاظم ، العروة الوثقى ، ج : ١ ، فصل : في الجماعة ، المسألة : ٢ ، ص : ٥٩٩ ،

وانظر : أبو القاسم الخوئي ، منهاج الصالحين ، ج : ١ ، ص : ٢١٠.

وانظر : علي السيستاني ، منهاج الصالحين ، ج : ١ ، ص : ٢٧١ ، والمسائل المنتخبة له ، ص : ١٥٧.

وانظر : محمد سعيد الحكيم ، منهاج الصالحين ، ج : ١ ، ص : ٢٦٢.

٦٠