صلاة التراويح

الدكتور الشيخ جعفر الباقري [ سامي صبيح علي ]

صلاة التراويح

المؤلف:

الدكتور الشيخ جعفر الباقري [ سامي صبيح علي ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-04-8
الصفحات: ٢٧١

وآلِهِ وسَلَّمَ ) على الخليفة من بعده ، وأشادوا كلَّ معتقداتهم وأفكارهم ورؤاهم على هذا الأساس.

وعندَ القول بأنَّ رسولَ اللّهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد عيَّنَ أربعةَ خلفاء من بعدهِ ، وهم ( أبو بكر ) و ( عمر ) و ( عثمان ) ، وعلي عليه‌السلام ، أو يزيدونَ على ذلك كما في بعض التفاسير ، وأنَّهم هم المقصودونَ بلفظةِ ( الخلفاءِ الراشدين ) ، وأنَّ سُنَّتَهم يجبُ أنْ تُتبعَ ، ويُعضُّ عليها بالنواجذ ، فإنَّ هذا يعني وجودَ النصِّ على أمرِ الخلافة الإسلامية بعدَ رسولِ اللّهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، خصوصاً معَ ملاحظة ما يرتّبونه من آثار عمليةٍ شاملة لجميع الأحكام وخصوصيات التشريع على تسليمهم لهذا الحديث ، وتوجيههم لمختلف التشريعات الصادرةِ عن ( عمر ) و ( أبي بكر ) و ( عثمان ) عن طريق التشبُّث به ، والتمسكِ بمؤداه ، وهذا يعني وجودَ النصِّ على الخلافة ، الأمرُ الذي يرفضه جمهور مدرسةِ الخلفاءِ رفضاً قاطعا.ً

الدليل الرابع

حجم الحديثِ لا يتناسبُ مَعَ موقعِ الخلافةِ وأهميتِها

في الإسلام

إنّ حديثَ ( سُنَّة الخلفاء الراشدين ) ، والنزر القليل المدَّعى معه في الدلالة على وجوب اتباع سُنَّةِ ( الخلفاءِ الراشدين ) على النحو المتقدم لدى أتباع مدرسة الخلفاء ، لا يتناسبُ في حجم مؤداه مَعَ أمرِ الولايةِ الإسلامية وخطورته؛ إذ لا يمكنُ لحديثٍ هزيلٍ من ناحية السند ، ومبهمٍ من ناحية الدلالة ، أنْ يرتفعَ إلى مستوى تغطية هذا الأمر الحساس والوفاءِ به.

٢٠١

إنَّ قضيةَ الخلافةِ الإسلامية والولاية على أمر التشريع لهي من أهمِّ ما يفكّرُ فيه رائدٌ إنساني مثل النبي الخاتَم ( صلى الّه عليه وآله وسلم ) ، الذي بُعثَ ليقدّمَ للبشرية جمعاء منهجاً متكاملاً يغطّي جوانب الحياة ، ويستجيب لمختلف احتياجاتها ومتطلباتها؛ ليودِّع أُمََّتَه بعد ذلك وهو مطمئنٌ على سلامة ما أتى به من مبادئ وأحكام ..

على أنَّ علماءَ مدرسة الخلفاء ومحدثيهم يروون الحشدَ الكبيرَ من الروايات الدالة على استخلاف ( أبي بكر ) لـ ( عمر ) من بعده ، كما أنَّ ( عمرَ ) قد جعلَ الخلافةَ من بعده في واحدٍ من ستة نفرٍ شخَّصهم بأسمائهم (١).

__________________

(١) رُويَ أنَّ أبا بكر : ( دعا عثمانَ بنَ عفان فقالَ : اكتب : بسمِ اللّهِ الرحمنِ الرحيمِ ، هذا ما عهد أبو بكر بنُ أبي قحافة في آخر عهده من الدنيا خارجاً عنها ، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها ، حيثُ يؤمنُ الكافرُ ، ويوقنُ الفاجرُ ، ويصدِّق الكاذبُ ، إنّي استخلفتُ عليكم بعدي عمرَ بنَ الخطاب ، فاسمعوا له وأطيعوا ) : علاء الدين الهندي ، كنز العمال ، ج : ٥ ، ح : ١٤١٧٥ ، ص : ٦٧٤.

ورُويَ أيضاً أن أبا بكر قالَ لعمر : ( أدعوكَ لأمرٍ متعب لمن وُلّيه ، فاتقِ اللّهَ يا عمرُ بطاعته ، وأطعه بتقواه ) : علاء الدين الهندي ، كنز العمال ، ج : ٥ ، ح : ١٤١٧٦ ، ص : ٦٧٧.

ورُويَ أنَّ الناسَ قالَوا لعمر عند ما دنت إليه الوفاةُ : استخلفْ ، فقالَ ( لا أجدُ أحداً أحقَّ بهذا الأمر من هؤلاءِ النفر الذين تُوفيَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ وهو عنهم راضٍ ، فأيُّهم استُخلفَ فهو الخليفةُ بعدي ، فسمّى علياً وعثمانَ وطلحة والزبيرَ وعبدَ الرحمن بنَ عوف وسعداً ) : علاء الدين الهندي ، كنز العمال ، ج : ٥ ، ح : ١٤٢٤٥ ، ص : ٧٣٠.

وعنه أنَّه قالَ : ( وان اجتمعَ رأي ثلاثة ثلاثة فاتبعوا صنفَ عبد الرحمنِ بنِ عوف واسمعوا وأطيعوا ) : علاء الدين الهندي ، كنز العمال ، ج : ٥ ، ح : ١٤٢٥١ ، ص : ٧٣٣.

وليُنظر إلى ما يرويه ( ابنُ عباس ) عن ( عمر ) حيث يقولُ : ( إنّي لجالسٌ مَعَ عمر بن الخطاب ذاتَ يوم إذ تنفَّسَ تنفساً ظننتُ أنَّ أضلاعَه قد تفرَّجت ، فقلتُ : يا أميرَ المؤمنين ، ما أخرجَ هذا منكَ إلاّ شرٌّ ، قالَ : شرٌّ واللّهِ ، إنّي لا أدري إلى مَن أجعلُ هذا الأمرَ بعدي ، ثم التفتَ إليَّ فقالَ : لعلَّك ترى صاحبَكَ لها أهلاً ، فقلتُ : إنَّه لأهلُ ذلكَ في سابقته وفضله ، قالَ : إنَّه لكما قلتَ ، ولكنَّه امرؤٌ فيه دعابة ) : علاء الدين الهندي ، كنز العمال ، ج : ٥ ، ح : ١٤٢٦٢ ، ص : ٧٣٧.

٢٠٢

فكيف يمكن للنبي الخاتَم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أُؤتمنَ على أوسعِ الشرايع السماوية وأكثرها شموليةً ، أنْ يخرجَ عن السير على ضوء هذهِ القاعدةِ العقلائية المسلَّمة ، ويتعاملَ مَعَ أمر الاستخلاف بهذه الطريقة المزعومة ، ومن خلال حديثٍ متناقضٍ في مضمونه ، ومجمل في دلالته ، ويتيم في مؤداه؟!!

إنَّ مَن يستعرضُ مفردات الشريعة الإسلامية وتعاليمها ، يجدُ أنَّها تعطي القضايا التي تلي أمرَ الخلافةِ في الأهمية الشيءَ الكثيرَ من التركيز ، وتغطّيه بالعددِ الغفير من الأحاديث ، كيفَ وأمرُ الخلافةِ والولاية هو الدعامة الأُولى للدين ، والأساسُ الرئيسي الذي تُشادُ عليه بقية التعاليم (١)؟

فكيفَ يمكنُ لهذا البناء الفكري الذي يقرُّ بعدم وجود النصِّ في أمر الخلافةِ ، والذي آمنَ به أبناءُ مدرسة الخلفاء لمئات السنين ، واختطّوا نهجَه ، وتسالموا على تعاطيه ، خلالَ الحقبِ الزمنية المتمادية ... كيفَ يمكنُ لهذا البناء أنْ يتعامل مع هذه الرواية الهزيلةِ التي عليها ما عليها من الإشكالات والإيرادات؟

وكيفَ يمكنُ أنْ يُستظهرَ منها الأمرُ بوجوب اتباع سُنَّه ( الخلفاءِ الأربعة ) مجتمعين على ما زعموا ، في مقابل الحشدِ الكبير ، والسيلِ المتدفق من الآياتِ الكريمة والأحاديثِ النبوية المتواترةِ منها والمستفيضة ، التي دلَّت على إيكال أمرِ الخلافةِ

__________________

(١) يقولُ الامام الباقر عليه‌السلام على ما رواه ( زرارةُ ) عنه : ( بُنيَ الإسلامُ على خمسة أشياء : على الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصوم ، والولاية ، قالَ زرارةُ : وأيُّ شيءٍ من ذلكَ أفضل؟ فقالَ عَليهِ السلامُ : الولايةُ أفضل؛ لأنَّها مفتاحُهنَّ ، والوالي هو الدليلُ عليهنَّ ) : محمد بن يعقوب الكليني ، الأصول من الكافي ، ج : ٢ ، باب : دعائم الإسلام ، ح : ٥ ، ص : ١٨.

ويقولُ عليه‌السلام : ( بُنيَ الإسلامُ على خمسٍ ، على الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والولاية ، ولم ينادَ بشيءٍ كما نُودي بالولاية ) : محمد بن يعقوب الكليني ، الأصول من الكافي ، ج : ٢ ، باب : دعائم الإسلام ، ح : ١ ، ص : ١٨.

٢٠٣

والولاية إلى أهل بيت العصمة والطهارة عليهم‌السلام ، كـ ( آية الولاية ) ، و ( آية المباهلة ) ، و ( آية التطهير ) ، و ( آية المودة ) ، و ( آية التبليغ ) ... وكـ ( حديث الغدير ) ، و ( حديث الثقلين ) ، و ( حديث السفينة ) ، و ( حديث المنزلة ) ... إلى غير ذلك من الأحاديث التي طفحت بها كتب الفريقين ، ومما ملأ ذكرهُ الخافقَين.

الدليل الخامس

أئمة أهلِ البيتِ خلفاءُ الرسولِ بنص منه

نَقَل أعلامُ مدرسة الخلفاء في مصادرهم المعتبرة أنَّ رسولَ اللّهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد نصَّ على أنَّ خلفاءَ الأُمة الإسلامية من بعده هم ( اثنا عشر ) خليفةً ، وأنَّهم من ( قريش ) ، فتكونُ هذهِ الأحاديثُ مفسِّرةً للمراد من لفظة ( الخلفاء الراشدين ) الوارد ذكرُها في حديث ( سُنَّة الخلفاءِ الراشدين ) ، باعتبار انطباقها على أئمةِ أهل البيت ( صلواتُ اللّهِ عَليهم أجمعينَ ).

جاءَ في ( صحيح البخاري ) وفي ( سنن الترمذي ) عن ( جابر بن سَمُرة ) قالَ :

( سمعتُ النبي صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ يقولُ : يكونُ اثنا عشرَ أميراً ، فقالَ كلمةً لم اسمعها ، فقالَ أبي : إنَّه قالَ : كلُّهم من قريش ) (١).

وفي هذا المضمون وردت أحاديثُ كثيرةٌ مستفيضةٌ (٢) ، لا يمكنُ أن تفسّرَ إلاّ على أساسِ نظرية الأئمة الإثني عشر التي يؤمن بها أتباعُ مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام

__________________

(١) البخاري ، صحيح البخاري ، ج : ٨ ، كتاب الأحكام ، ص : ١٢٧.

وانظر : سنن الترمذي ، ج : ٤ ، باب : ٤٦ ما جاءَ في الخلفاء ، ح : ٢٣٢٣ ، ص : ٤٣٤.

(٢) ورد في ( صحيح البخاري ) عن رسولِ اللّهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنَّه قالَ : ( لا يزالُ هذا الأمرُ في قريش ما بقي منهم اثنان ) : البخاري ، صحيح البخاري ، ج : ٨ ، كتاب الأحكام ، ح : ٤.

٢٠٤

والتي تضمن دوام أمر الخلافةِ إلى آخرِ مطافِ البشرية ، وملازمتهم للقرآن الكريم المحفوظ برعاية اللهِ حتى آخرِ لحظاتِ الوجود.

وقد وردَ في بعضِ مصادر مدرسة الخلفاء المعتبرة أيضاً النصُّ على أسمائهم ، أو البعضِ منهم ، علاوة على تحديدِ عددهم بأنَّهم اثنا عشرَ خليفةً ، وتحديدِ أصلهم وهو أنَّهم من قريش.

فقد جاءَ في كتاب ( مودة القربى ) أنَّ رسولَ اللّهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قالَ للحسين بن علي عليه‌السلام :

( أنتَ إمامٌ ابنُ إمامٍ ، أخو إمام ، أبو أئمةٍ ، وأنتَ حجّةٌ ابنُ حجّةٍ ، أخو حجةٍ أبو حججٍ تسعٍ ، تاسعُهم قائمُهم ) (١).

كما وردَ النصُّ على طرفي هذهِ السلسلة المباركة وتشخيصِ أولِ فردٍ فيها وهو الإمامُ علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وآخرِ فردٍ فيها وهو الإمام محمد المهدي عليه‌السلام ، وأمّا تشخيصُ الأئمةِ بأسمائهم جميعاً فقد وردَ في مجاميع غفيرة من مصادرنا المعتبرة ، وكذلك بعض المصادرِ القليلة المنصفة لدى مدرسة الخلفاء ، وقد

__________________

وفي ( صحيح مسلم ) عن ( جابر بن سَمُرة ) قالَ : ( دخلتُ مع أبي على النبي صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ فسمعتُه يقولُ : إنَّ هذا الأمرَ لا ينقضي حتى يمضيَ فيهم اثنا عشرَ خليفةً ، ثم تكلّمَ بكلامٍ خفي عليَّ ، قالَ : فقلتُ لأبي : ما قالَ؟ قالَ : كلُّهم من قريش ) : مسلم ، صحيح مسلم بشرح النووي ، ج : ١٢ ، ص : ٢٠١.

وفيه أيضاً عن ( جابر بن سَمُرة ) قالَ : ( سمعتُ رسولَ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ يقولُ : لا يزالُ الإسلامُ عزيزاً إلى اثني عشر خليفة ، ثم قالَ كلمةً لم أفهمها ، فقلتُ لأبي : ما قالَ؟ فقالَ كلُّهم من قريش ) : مسلم ، صحيح مسلم بشرح النووي ، ج : ١٢ ، ص : ٢٠٢.

وفيه أيضاً عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا يزالُ الإسلامُ عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة ) : مسلم ، صحيح مسلم بشرح النووي ، ج : ١٢ ، ص : ٢٠٣.

وفيه أيضاً عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلُّهم من قريش ) : مسلم ، صحيح مسلم بشرح النووي ، ج : ١٢ ، ص : ٢٠٣.

(١) الزين ، محمد حسين ، الشيعة في التاريخ ، ص : ٢٣ عن ينابيع المودة للحنفي ص : ١٣٩.

٢٠٥

غابت هذه الأسماءُ اللامعة في كتبهم المشهورة لأسبابٍ شتى عالجناها في كتابنا ( الخلفاء الإثني عشر ) بإسهابٍ وتفصيل.

فأمّا ما وردَ بشأن سيد الأئمةِ أمير المؤمنين علي عليه‌السلام فقد تقدمت الإشارة إلى طرفٍ بين طيات هذهِ الدراسة ، وأمّا ما وردَ بشأن الإمام الثاني عشر عَليهِ السلامُ فهو أحاديث كثيرة أيضاً منها ما روي في ( ينابيع المودة ) للشيخ ( سليمان الحنفي ) من أنَّ رسولَ اللّهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالَ :

( إنَّ خلفائي وأوصيائي وحجج اللّه على الخلق بعدي الاثنا عشر ، أولهم علي ، وآخرهم المهدي ) (١).

وتواترت هذه الأخبارُ لدى مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام وهو مذكورٌ في مظانِّه الخاصة.

__________________

(١) الزين ، محمد حسين ، الشيعة في التاريخ ، ص : ٢٣ عن ينابيع المودة للحنفي ص : ٣٧٤.

٢٠٦

الفصل السادس

صلاةُ التراويح .. اجتهاد في مقابلِ السُنَّة

١ ـ اختصاص التشريع باللهِ تعالى

٢ ـ تبريران لإقحام التراويحِ ضمنَ السُنَّة

التبرير الأول : التراويح دعوة إلى الصلاةِ وتشدّد في حفظِ القرآن

التبرير الثاني : التراويح تشبهُ اختراعَ الإنسانِ لعبادةٍ نافعة

٢٠٧
٢٠٨

نظرة

على الفصل السادس

إنَّ من الأسرارِ العظيمةِ التي تقفُ وراءَ حفظِ تعاليمِ الشريعةِ الإسلاميةِ من التحريفِ والتشويه هو اختصاصُ أمرِ التشريعِ باللهِ تعالى ، والتأكيدُ على عدمِ جوازِ الاجتهاد في مقابلِ النصوصِ الإلهيةِ من قبلِ جميعِ البشرِ بشكلٍ قاطعٍ؛ ولذا نلمسُ اللهجةَ الحادةَ في محاربةِ البِدعِ ، باعتبارِ أنَّها لونٌ من ألوانِ الكذبِ والافتراءِ على اللهِ ( جَلَّ وَعَلا ) ورسولهِ الأمين (ص).

وقد حاولَ بعضُ المدافعينَ عن ( التراويح ) إقحامها ضمنَ السُنَّةِ من خلالِ ادِّعائهم بأنَّها من قبيل الاجتهادِ الجائزِ المستندِ على الأُصولِ الشرعيةِ ، فكانَ التبريرُ الأولُ يستندُ في مشروعيةِ ( التراويح ) على القولِ بأنَّ فيها دعوةً إلى الصلاةِ وتشدداً في حفظ القرآنِ الكريمِ ، وفاتَ هؤلاءِ أنَّ هذا التبريرَ صالحٌ لإدخالِ آلافِ البِدعِ المحدثةِ في الدينِ ، والزيادةِ على كلِّ النوافلِ المسنونةِ ، بل والمفروضة ، وابتكارِ المزيدِ من العبادات!!

والتبريرُ الثاني مبنيٌّ على القولِ بأنَّ بإمكانِ الإنسانِ أنْ يبتكرَ عباداتٍ وصلواتٍ من عند نفسهِ ، ولا يُقالُ أنَّ ذلك ( بدعة ) ، و ( التراويح ) كذلك ، وسوفَ نثبتُ بطلانَ هذا الكلامِ من جهةِ أنَّ الصلوات عباداتٌ توقيفيةٌ في جوهرها وأساسياتها ، كما أنَّ الإتيانَ بالعملِ العبادي المشمولِ بالعموميات الشرعيةِ يتحولُ إلى ( بدعةٍ ) إذا ما نُسبَ بكيفيتهِ المخصوصة المبتكرةِ الجديدةِ إلى الدين.

صلاةُ التراويح

٢٠٩
٢١٠

(١)

اختصاص التشريع باللهِ تعالى

إنَّ التشريعَ الإلهي أمرٌ توقيفي لا يجوزُ الاجتهادُ في مقابله ، أو الإدلاء برأي شخصي في شأنه؛ لأنَّه صادرٌ من الكمال المطلق المحيطِ بكلِّ جزئيات الحياة ، والمستوعبِ لمختلف أجوائها وظروفها ، ولذلك شدَّدت الشريعةُ الإسلاميةُ على أيةِ ظاهرةٍ تشريعية تحاولُ أنْ تُحدثَ منفذاً في هذا الإطار العام ، أو تضعَ نفسها بديلاً عن القوانين الإلهية الشاملة ، وكانَ بسبب ذلك أنْ حذَّرت الشريعةُ الإسلاميةُ تحذيراً شديداً من الكذب والافتراء على اللّه ورسوله ، من خلال حشدٍ كبير من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة.

فمن ذلك قوله ( جَلَّ وَعَلا ) :

( فَمن أظَلمُ مَمنِ افترى عَلى اللّهِ كَذِباً أو كَذَّبَ بِآيَاتهِ إِنَّهُ لا يُفلحُ المُجرِمونَ ) (١).

وقوله ( جَلَّ وعَلا ) :

( قُل أَرأيتُم مَّا أَنزَل اللّهُ لَكُم مِن رِزقٍ فَجَعلتُم مِنُه حَرَاماً وَحَلالاً قُل ءآللّه أذِنَ لَكُم أم عَلى اللّهِ تَفترونَ ) (٢).

وقوله ( جَلَّ وَعَلا ) :

( إنّمَا يَفترِي الكَذِبَ الَّذينَ لا يؤمِنونَ بِآيَاتِ اللّهِ ) (٣).

وقوله ( جَلَّ وَعَلا ) :

__________________

(١) يونس / ١٧.

(٢) يونس / ٥٩.

(٣) النحل / ١٠٥.

٢١١

( وَلا تَقولُوا لِما تَصِف ألسنتُكم الكَذِبَ هَذَا حَلال وَهَذَا حَرام لِتفترُوا عَلَى اللّهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفترُون عَلَى اللّهِ الكَذِب لا يُفلحُون ) (١).

وقوله ( جَلَّ وَعَلا ) :

( وَيَومَ القِيامَةِ تَرى الَّذِينَ كَذبُوا عَلَى اللّهِ وُجُوههُم مُّسوَدّة أليسَ فِي جَهنَّم مَثوى لِلمُتكَبرِينَ ) (٢).

وعن رسول اللّه ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسِلَّمَ ) انه قال :

ـ ( اتقوا تكذيب اللّه! ، قيل :

ـ يا رسول اللّه وكيف ذاك؟ قال :

ـ يقول أحدكم : قال اللّه ، فيقول اللّه عزَّ وجلَّ : كذبت لم أقله ، ويقول لم يقل اللّه ، فيقول عزَّ وجلَّ : كذبت قد قلته ) (٣).

وعنه ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسِلَّمَ ) أنه قال :

( مَن قال عليَّ ما لم أقله فليتبوأْ مقعده من النار ) (٤).

وفي حديث آخر بنفس المعنى عنه ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسِلَّمَ ) أنه قال :

( مَن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ) (٥).

 وعن الامام علي الرضا عليه‌السلام أنه قال :

( واللّه ما أحد يكذّب علينا إلاّ ويذيقه اللّه حرَّ الحديد ) (٦).

__________________

(١) النحل / ١١٦.

(٢) الزمر / ٦٠.

(٣) المجلسي ، محمد باقر ، بحار الأنوار ، ج : ٢ ، باب : ١٦ ، ح : ١٦ ، ص : ١١٧.

(٤) البرقي ، أبو جعفر ، المحاسن ، ج ١ ، ح ٣٧٤ ، ص : ٢٠٩.

(٥) ابن ماجة ، سنن ابن ماجة ، ج : ١ ، باب التغليظ في تعمّد الكذب على رسول اللّه صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسِلَّمَ ، ص : ١٣ ح : ٣٠ و ٣٣.

(٦) المجلسي ، محمد باقر ، بحار الأنوار ، ج : ٢ ، باب : ١٦ ، ح : ١٨ ، ص : ١١٧.

٢١٢

كما حذَّرت الشريعة تحذيراً شديداً من أي لونٍ من ألوان الاستدلال العقلي الذي لا يحمل غطاءاً شرعياً ، ولا يستند إلى أساس راسخٍ في الدين ، من أمثال الرأي والقياس والاستحسان ، وغلَّظت على هذه الحالة الدخيلة في مجموعة كبيرة من الآيات والروايات أيضاً ، كما قال ( جَلَّ وعَلا ) :

( وَمَن أضَلُّ مِمَّنِ اتَّبعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدىً مِنَ اللّهِ ) (١).

وقال ( جَلَّ وَعَلا ) :

( وَلا تَتبعِ الهَوى فَيضلكَ عَن سَبيلِ اللّهِ إنَّ الَّذِينَ يَضلّونَ عَن سَبيلِ اللّهِ لَهُم عَذاب شَدِيد بِمَا نَسُوا يَومَ الحِسابِ ) (٢).

وقال ( جَلَّ وَعَلا ) :

( أَم لَهُم شُركَاء شَرعُوا لَهمُ مِن الدِينِ مَا لَم يَأذَن بِهِ اللّهُ ) (٣).

وعن رسول اللّه ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسِلَّمَ ) أنه قال :

( قال اللّه جلَّ جلاله : ما آمن بي مَن فسَّر برأيه كلامي ، وما عرفني مَن شبَّهني بخلقي ، وما على ديني مَن استعمل القياس في ديني ) (٤).

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال :

( لا رأيَ في الدين ) (٥).

وعن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام أنه قال :

__________________

(١) القصص / ٥٠.

(٢) ص : ٢٦.

(٣) حمعسق / ٢١.

(٤) الصدوق ، أبو جعفر ، أمالي الصدوق ، المجلس الثاني ، ح : ٣ ، ص : ١٥.

(٥) البرقي ، أبو جعفر ، المحاسن ، ج : ١ ، ح : ٧٨ ، ص : ٣٣٣.

٢١٣

( إنَّ السُنَّةَ لا تُقاس ، وكيف تُقاسُ السُنَّةُ والحائضُ تقضي الصيامَ ولا تقضي الصلاةَ ) (١).

وعن سعيد الأعرج قال : قلتُ لأبي عبد اللّه عليه‌السلام : إنَّ من عندنا ممن يتفقه يقولون : يرد علينا ما لا نعرفه في كتاب اللّه ولا في السُنَّة ، فنقول فيه برأينا ، فقال أبو عبد اللّه عليه‌السلام :

( كذبوا ، ليس شيء إلا وقد جاءَ في الكتاب ، وجاءت فيه السنة ) (٢).

وعن ( سماعة ) قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : إنَّ عندنا مَن قد أدرك أباك وجدَّك ، وانَّ الرجل منّا يُبتلى بالشيء لا يكون عندنا فيه شيء ، فيقيس؟ فقال عليه‌السلام :

( إنَّما هلكَ مَن كان قبلكم حين قاسوا ) (٣).

 (٢)

تبريران لإقحام التراويحِ ضمنَ السُنَّة

وبعد أن انهار الأصل الرئيسي الذي بنى على أساسه علماء مدرسة الخلفاء مشروعية ( التراويح ) ، وهو تقسيم البدعة إلى ممدوحة ومذمومة ، وبما أن الفريقين اللذين قالا بالتقسيم ولم يقولا به قد أخفقا في هذه المهمة؛ فقد طلعت علينا تبريرات

__________________

(١) المحاسن ، أبو جعفر ، ج : ١ ، ح : ٩٥ ، ص : ٣٣٨.

(٢) المجلسي ، محمد باقر ، بحار الأنوار ، ج : ٢ ، باب : ٣٤ ، ح : ٤٧ ، ص : ٣٠٤.

(٣) البرقي ، أبو جعفر ، المحاسن ج : ١ ، ح : ٨٦ ، ص : ٣٣٥.

٢١٤

أخرى لتوجيه ( التراويح ) ، وهي تصبُّ في التخفيف من حدة التشريع الشخصي في مقابل النص الإلهي ، وسوف نتناول أهم تبريرين ضمن هذا الفصل من الدراسة.

التبرير الأول

التراويح دعوة إلى الصلاة وتشدد في حفظ القرآن

من الغريب حقاً ما قامَ به صاحب كتاب ( المغني ) من محاولات متعسّفة لتبرير هذهِ ( البدعة ) حيث يقول :

( وإذا كان فيه الدعاء إلى الصلاة ، والتشدد في حفظ القرآن ، فما الذي يمنع أن يعمل به على وجه أنه مسنون ) (١)؟!!

فهل أنَّ الأمر المختلف فيه أمرٌ ذوقي يمكن بشأنه الإرجاع إلى حكم العقل البشري القاصر عن إدراك المصالح والمفاسد بأبعادها وتفاصيلها الغائبة عنه؟!

على أنَّ الأدلة الشرعية القاطعة تضافرت على نبذ هذا النمط من الاستدلال الذي يعتمد على العقل والذوق ، والردع عن ذلك ، باعتبار أنَّ دين اللّه لا يُصابُ بالعقول.

وهل هذا إلا تحكيم للرأي الذي يتقاطع مَعَ تعاليم الشرع المبين ، ويخالف فلسفة التشريع من الأساس؟ وهل يمكن لنا من خلال إدراك مصلحة معيّنة في فعلٍ معين من أن نشرّع ذلك العمل ، ونعدّه مندوباً؟!

( وهل كان عمر أشفق على المسلمين ، وأعرف بمصلحتهم من ربِّهم ونبيِّهم ) (٢)؟

__________________

(١) نقله الشريف المرتضى في الشافي في الإمامة ، ج : ٤ ، ص : ٢١٧.

(٢) ابن طاووس الحسني ، رضي الدين علي بن موسى ، الطرائف في معرفة المذاهب والطوائف ، ص : ٤٥٦.

٢١٥

ثم ما أدرانا أنَّ الدعاء إلى الصلاة ، والتشدد في حفظ القرآن الكريم ، يتوقف على الالتزام بمثل هذا العمل ، وإضفاء صفة الشرعية عليه؟ ولو كان الأمر كذلك فلماذا لم يكن أصل الائتمام بالنافلة مشروعاً ومندوباً؟ ولماذا هذا التخصيص بنافلة شهر رمضان دون بقية النوافل الأخرى؟ أليس في بقية النوافل دعاء إلى الصلاة ، وتشدد في حفظ القرآن الكريم؟؟!

يقول اللّه ( جَلَّ وَعَلا ) :

( وَما كانَ لِمُؤمِنٍ ولا مُؤمِنَةٍ إذا قَضَى اللّهُ وَرسُولُه أَمراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الِخيَرةُ مِن أَمرِهِم وَمَن يَعصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً ) (١).

وقال رسول اللّه ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسِلَّمَ ) في الحديث المتفق عليه :

( من أحدثَ في أمرنا هذا ما ليسَ منه فهو ردٌّ ) (٢).

إنَّ هذا الاستدلال لا يعدو أن يكون محاولة يائسة ، وخارقة لجميع الأسس التي اتفق عليها المسلمون بمختلف المذاهب والمشارب.

يقول الدكتور ( يوسف القرضاوي ) بشأن التوقيف في العبادات :

( قال شيخ الإسلام ابن تيمية : إنَّ تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان : عبادات يصلح بها دينهم ، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم ، فباستقراء أصول الشريعة نعلم أنَّ العبادات التي أوجبها اللّه ، أو أحبَّها ، لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع ، وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه ، والأصل فيه عدم الحظر ، فلا الحظر منه إلا ما حظره اللّه سبحانه وتعالى؛ وذلكَ لأنَّ الأمر والنهي هما شرع اللّه ، والعبادة

__________________

(١) الأحزاب / ٣٦.

(٢) المتقي الهندي ، علاء الدين ، كنز العمال ، ج : ١ ، ح : ١١٠١ ، ص : ٢١٩.

٢١٦

لا بدَّ أن تكون مأموراً بها ، فما لم يثبت أنَّه مأمور به كيف يحكم عليه بأنَّه محظور )؟

وعلَّقَ على قولِ ( ابنِ تيميةَ ) بالقول :

( ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون : إنَّ الأصل في العبادات التوقيف ، فلا يشرع منها إلا ما شرعه اللّه ، والا دخلنا في معنى قوله تعالى : ( أَم لَهُم شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُم مّنَ الدينِ ما لَم يَأذَن بِهِ اللّهُ ) (١).

 فهل غابت كل هذهِ الأدلة عن بال صاحب ( المغني ) فادّعى ذلكَ غفلةً ، أو علم بذلك إلا أنَّه كابر متعسفاً؟!

التبرير الثاني

التراويح تشبه اختراعَ الإنسانِ لعبادةٍ نافعة

على أنَّ الأكثر غرابةً من ادّعاء صاحب ( المغني ) المذكور حول ( التراويح ) ، هو المغالطة التي حاول من خلالها ( ابنُ أبي الحديد المعتزلي ) تبريرَ بدعة ( التراويح ) ، والانتصار إلى مُحدِثها ، وإقحامها ضمنَ مفرداتِ الشريعةِ؛ حيثُ يمهِّدُ للتغطيةِ على عدم مشروعيتها بالقول :

( أليس يجوز للإنسان أن يخترع من النوافل صلوات مخصوصة بكيفيات مخصوصة وأعداد ركعات مخصوصة ، ولا يكون ذلك مكروهاً ولا حراماً؟ نحو أن يصلّي ثلاثين ركعة بتسليمة واحدة ،

__________________

(١) القرضاوي ، د. يوسف ، الحلال والحرام في الإسلام ، ص : ٣٦.

٢١٧

ويقرأ في كل ركعة منها سورةً من قصار المفصل! أفيقول أحد إنَّ هذا بدعة ، لأنه لم يرد فيه نص ولا سبق إليه المسلمون من قبل )؟!

ثم يضيف مبرراً لبدعة ( التراويح ) دخولها في دائرة الجواز بزعمه :

( فإن قال : هذا يسوغ ، فإنَّه داخل تحت عموم ما ورد في فضل صلاة النافلة ، قيل له : والتراويح جائزة ومسنونة لأنَّها داخلة تحت عموم ما ورد في فضل صلاة الجماعة ) (١).

ولنا على كلام ( المعتزلي ) هذا ملاحظتان :

الملاحظة الاولى :

إنَّ العمل العبادي الذي نعته ( ابن أبي الحديد ) بالجواز ، وادّعى انَّه ليس بمكروه ولا حرام باتفاق الجميع ، لا يخلو من نقاش ، إذ أنَّ هناك خلافاً مستفيضاً بين الفقهاء في أنَّه هل يجوز الإتيان بالنوافل على أية هيئة كانت ، أو أنَّ صلاة النافلة لا بدَّ أن تُراعى فيها الشروط التوقيفية التي ذكرتها الشريعة الإسلامية لها؟؟

فالرأي الذي عليه أتباع مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام هو عدم جواز الإتيان بالنافلة التطوعية إلا بصورتها التوقيفية التي رويت عن النبي الخاتَم ( صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسِلَّمَ ) ، وأهل بيته الطاهرين عليهم‌السلام ، وهي أن تكون ركعتين ركعتين.

قال السيّد ( محمد كاظم اليزدي ) في ( العروة الوثقى ) :

( يجب الإتيان بالنوافل ركعتين ركعتين ) (٢).

وقال الشيخ ( الطوسي ) في ( الخلاف ) :

__________________

(١) المعتزلي ، ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، ج : ١٢ ، ص : ٢٨٣.

(٢) اليزدي ، محمد كاظم ، العروة الوثقى ، ج : ١ ، ص : ٥١٥ ، مسألة : ١.

٢١٨

( ينبغي لمن يصلي النافلة أن يتشهد في كل ركعتين ويسلِّمُ بعدَهُ ، ولا يصلّي ثلاثاً ولا أربعاً ولا مازاد على ذلك بتسليم واحد ولا بتشهد واحد ، وأن يتشهد في كل ركعتين ويسلِّم ، سواءٌ كانَ ليلاً أو نهاراً ، فإن خالفَ ذلكَ خالفَ السنة ) (١).

فصلاة النافلة وان كان أصلها عملاً تطوعياً مندوباً ، وداخلاً في صميم التشريع ، إلا أنَّ الإتيان بها بقصد التقرب إلى اللّه جل ثناؤُه لا بدَّ أن تُلحظ فيه المقومات الدخيلة في أصل ماهيتها ، فمثلاً من شروط إيقاع النافلة أن تكون مَعَ فاتحة الكتاب ، وأن يكون المصلّي على طهور ، فقد وردَ أنَّه :

( لا صلاةَ إلا بفاتحةِ الكتاب ) (٢).

وورد أيضاً :

( لا صلاة إلا بطهور ) (٣).

ولا يمكن تعدّي هذهِ الشروط ، والإتيان بصلاة النافلة من دون فاتحة الكتاب ، أو من دون طهورٍ مثلاً ، وهكذا الأمر بالنسبة إلى تحديد ركعات النافلة ، إذ لا يمكن على رأي مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام أنْ يُؤتى بها بأية هيئة أو كيفية كانت ، وإنما يجب التقيد بالإتيان بها ركعتين ركعتين.

نعم هناك أفعال مرنة ضمن إطار صلاة النافلة نفسها ، يمكن للمكلَّف أن يتحرك في ظلِّها باختياره ، كالتحكّم في طبيعة ( السورة ) التي يقرأها بعد فاتحة الكتاب ، أو

__________________

(١) الطوسي ، أبو جعفر محمد بن الحسن ، الخلاف ، ج : ١ ، ص : ٥٢٧ ، مسألة : ٢٦٧.

(٢) الحفيد ، ابن رشد ، بداية المجتهد ونهاية المقتصد ، ج : ١ ، ص : ١٠٤.

وانظر : ابن قدامة ، المغني ، ج : ١ ، ص : ٥٢٠.

وانظر : سيد سابق ، فقه السنة ، ج : ١ ، ص : ١٣٥.

وانظر : علي بن الحسين المحقق الكركي ، رسائل الكركي ، تحقيق : محمد الحسون ، ج : ٣ ، ص : ٢٧.

(٣) الحفيد ، ابن رشد ، بداية المجتهد ونهاية المقتصد ، ج : ١ ، ص : ٢٧٥.

٢١٩

نوع الدعاء الذي يدعو به ، أو كميّة الذكر الذي يأتي به .. أو غير ذلك من الأمور التي أُوكل التصرف فيها إلى نفس المكلَّف ، شريطة أن تبقى محتفظة بسمة الشرعية ، ومندرجة تحت العموميات الثابت ورودها عن الشريعة المقدسة.

يبقى أمر يجدر التنبيه عنه ، وهو أنَّ الخروج من كيفية الركعتين في النافلة لا يتم إلا عن طريق الدليل الشرعي؛ إذ الأصل هو الركعتان إلا ما خرجَ بالدليل ، ومثال ما خرجَ بالدليل ركعة الوتر التي تُختم بها صلاة الليل.

وأما أبناء العامة ، فعلى مستوى الرأي الفقهي فقد اختلفوا في ذلك أيضاً ، وإن كان أكثرهم على الجواز ، إلا أنَّ بعضهم نصَّ على أنَّ الزيادة على الركعتين أمر مكروه ، وبعضهم قصر الزيادة على الأربع .. وهكذا.

قال ( النووي ) في ( المجموع ) عن كيفية أداء ( التراويح ) :

( وليصلها ركعتين ركعتين كما هو العادة ، فلو صلى أربع ركعات بتسليمة لم يصح ، ذكره القاضي حسين في فتاويه لأنه خلاف المشروع ) (١).

وقال ( الخطيب الشافعي ) في ( الإقناع ) عن عدد ركعات ( التراويح ) :

( ولو صلى أربعاً بتسليمة لم يصح؛ لأنه خلاف المشروع ، بخلاف سنة الظهر والعصر ) (٢).

وقال ( المليباري الهندي ) في ( فتح المعين ) :

__________________

(١) النووي ، أبو زكريا محيي الدين بن شرف ، المجموع شرح المهذب ، ج : ٤ ، ص : ٣٢.

وانظر : أبو زكريا النووي ، روضة الطالبين ، ج : ١ ، ص : ٤٣٧.

(٢) الشربيني الخطيب الشافعي ، شمس الدين أحمد بن محمد ، الإقناع في حلِّ ألفاظ أبي شجاع ، ج : ١ ، ص : ١٠٧.

٢٢٠