ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

حسينة حسن الدّريب

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

المؤلف:

حسينة حسن الدّريب


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-50-8
الصفحات: ٣٨٤

الحديث يقول : ( أهدت امرأة من الأنصار إلى رسول الله طيرين بين رغيفين ، فقدّمت إليه الطيرين ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك ، ورفع صوته ، فقال رسول الله : من هذا؟ فقال : علي ) (١).

مسند أبي يعلى :

حدّثنا قطن بن نسير ، حدّثنا جعفر بن سليمان الضبعي ، حدّثنا عبد الله بن مثنى ، حدّثنا عبد الله بن أنس ، عن أنس قال : ( أهدي لرسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وسلم ) حجل مشوي ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام ، فقالت عائشة : اللهم اجعله أبي ، وقالت حفصة : اللهم اجعله أبي ، قال أنس : فقلت أنا : اللهم اجعله سعد بن عبادة ، قال أنس : سمعت حركة الباب ، فإذا علي ، فسلّم ، فقلت : إن رسول الله على حاجة ، فانصرف ، ثمّ سمعت حركة الباب ، فسلّم علي ، فسمع رسول الله صوته ، أي : رفع علي صوته ، فسمع رسول الله صوته ، فقال : انظر من هذا؟ فخرجت ، فإذا علي ، فجئت إلى رسول الله فأخبرته ، فقال : ائذن له ، فأذنت له ) (٢).

السنن الكبرى للنسائي :

( إنّ النبي ( صلى‌الله‌عليه‌وسلم ) كان عنده طائر ، فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر ، فجاء أبو بكر فردّه ، ثمّ جاء عمر فردّه ، ثمّ جاء علي فأذن له ) (٣).

__________________

١ ـ فضائل الإمام علي عليه السلام لابن حنبل : ٤٢ رقم ٦٨ ، تحقيق : السيّد عبد العزيز الطباطبائي.

٢ ـ البداية والنهاية ، ابن كثير ٧ : ٣٨٧.

٣ ـ السنن الكبرى ٥ : ١٠٧.

٣٠١
٣٠٢

محاولة فاشلة

أوّلاً الطعن في الحديث :

١ ـ قد حاول بعضهم أن يمسّ بوثاقة أحد رجال هذا السند ، وهو السدي.

والجواب :

إنّ أحمد وغيره من كبار العلماء يقولون في ترجمته : ( ثقة ). وابن عدي يقول : هو مستقيم الحديث صدوق ، بل إنّه من مشايخ شعبة ، ومن رجال مسلم والترمذي والنسائي وأبي داود وابن ماجة. وممن يعترف بهذا المعنى هو ابن تيمية ، وينقل السبكي كلامه في كتابه شفاء الأسقام (١).

٢ ـ ردّ الحديث بدون دليل لأنّ قلوبهم لا تقبله!!

ومن هؤلاء الذين قلوبهم لا تقبله ابن كثير حيث يذكر في تاريخه حديث الطير ، ويرويه عن الترمذي ، وعن أبي يعلى ، وعن الخطيب البغدادي ، وعن الذهبي ، وعن غيرهم ، إلى أنّ قال : وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنّفات مفردة ، منهم : أبو بكر بن مردويه ، والحافظ أبو طاهر محمّد بن أحمد بن حمدان فيما رواه شيخنا أبو عبد الله الذهبي يقول : ورأيت مجلداً في جمع طرقه وألفاظه لأبي جعفر بن جرير الطبري المفسّر صاحب التاريخ ، ثمّ وقفت على مجلد كبير في ردّه وتضعيفه سنداً ومتناً للقاضي أبي بكر الباقلاني المتكلّم.

ثمّ يذكر ابن كثير رأيه في هذا الحديث قائلاً : وبالجملة ، ففي القلب من

__________________

١ ـ شفاء الأسقام في زيارة خير الأنام ص ١٠

٣٠٣

صحّة هذا الحديث نظر وإن كثرت طرقه.

يعني لم يجد مناقشة علمية لردّ الحديث فرفضه قلبه ، كما أنّ قلب أبي جهل يساعد على قبول القرآن.

وكذا الذهبي الذي يقول في تلخيصه للمستدرك في ذيل إنّ أوّل من يدخل الجنّة أنا وفاطمة والحسن والحسين ، قلت : يا رسول الله ، فمحبّونا؟ قال : من ورائكم. قال : الحديث منكر من القول ، يشهد القلب بوضعه.

فلم يناقشا في سند الحديث أو شيء علمي آخر ، وإنّما شهد قلبهم بوضعه!

وعلى القارئ نقدهما وبكلّ بساطة.

ثانياً : محاولة صرفه عن موضعه :

١ ـ لقد حملوا لفظ الحديث الذي يقول : ( اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك ) ، على أنّ المراد اللهم ائتني بمن هو من أحبّ خلقك إليك وإلى رسولك ، فحينئذٍ لا إشكال ؛ لأن مشايخ القوم أحبّ الخلق إليه أيضاً ، فيكون علي أيضاً من أحبّ الخلق إليه (١).

الجواب :

أنّه خلاف ظاهر اللفظ ، إذ اللفظ صفة أفعل بـ ( أحب ) وليس تبعيض بـ ( من ) ، وهذا كلام لا يقبله عاقل ، وإلاّ لتلاعب كلّ إنسان بالنصوص على هواه.

٢ ـ قال صاحب التحفة الاثني عشرية : ( إنّ القضية إنّما كانت في وقت كان الشيخان في خارج المدينة المنوّرة ، فلذا لم يحضرا فحضر علي ) (٢).

__________________

١ ـ المرقاة في شرح المشكاة : ٢١٢ ، وشروح مصابيح السنة.

٢ ـ التحفة الاثني عشرية : ٢١٢.

٣٠٤

الجواب :

كما في حديث النسائي : ( إنّه جاء أبو بكر فردّه ، جاء عمر فردّه. وفي مسند أبي يعلي : أنّ حفصة وعائشة دعتا أن يكون أحبّ الخلق إلى الله أباهما ، فلو كانا غائبين ما دعتا.

وحتّى لو فرضنا غيابهم فالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أطلق الصفة فجعله أحبّ الخلق إلى الله عزّ وجلّ ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويعلم أنّهما غائبان لِمَ يستثنهما أو يؤجّل الدعاء حتّى يأتيا ، وهو يعلم بأهمية كلامه ، وأنّه حجّة الله ، وأنّه يسجّل أقواله وأفعاله في التاريخ. إلى أنّ هناك روايات كثيرة تكررت فيها عبارات فيها لفظ : ( أنّ علياً أحبّ الخلق عند الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، منها :

ما رواه المسعودي في مروج الذهب عن كتاب الأخبار لأبي الحسن علي بن محمّد بن سليمان النوفلي بإسناده عن العباس بن عبد المطلب قال : ( كنت عند رسول الله صلّى الله عليه وآله إذ أقبل علي بن أبي طالب فلمّا رآه أسفر في وجهه فقلت : يا رسول الله ، إنّك لتسفر في وجه هذا الغلام. فقال : يا عم رسول الله ، والله لله أشدّ حبّا له منّي ، ولم يكن نبي إلّا وذريته الباقية بعده من صلبه ، وإنّ ذريتي بعدي من صلب هذا ، إنّه إذا كان يوم القيامة دعا الناس بأسمائهم وأسماء أمهاتهم إلّا هذا وشيعته فإنّهم يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم لصحة ولادتهم ) (١).

ومنها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ...لأعطين الراية غدا رجلاً يحبه الله ورسوله ) وهذا الحديث وغيره سنبحثه فيما ياتي ان شاء الله تعالى.

__________________

١ ـ مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٤٢٨.

٣٠٥
٣٠٦

الدليل الثامن عشر : حديث مدينة العلم

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب ).

إنّ هذا الحديث من الأحاديث الثابتة لدى أرباب الحديث وأصحاب السير ، وقد تواتر نقله عن الصحابة والتابعين وعلماء الإسلام على اختلاف طبقاتهم وتوالي العصور والأزمنة.

نصّ ماجاء في المستدرك للحاكم النيسابوري :

عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب ). هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ...

المعجم الكبير للطبراني :

وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه ) (١).

روح المعاني للآلوسي :

يسمّي علياً عليه السلام بباب مدينة العلم (٢).

__________________

١ ـ المعجم الكبيرللطبراني : ج ١١ ، ص ٥٥.

٢ ـ روح المعاني : ج ٢٧ ، ص ٣.

٣٠٧

صحّة السند :

قال الذهبي في تذكرة الحفاظ عن صحيح الحافظ السمرقندي ، ثمّ قال : هذا الحديث صحيح.

وقال مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروز آبادي في كتابه ( النقد الصحيح ) قال : ( ولم يأت من تكلّم على حديث أنا مدينة العلم بجواب عن هذه الروايات الثابتة عن يحيى بن معين ، والحكم بالوضع عليه باطل قطعاً ، ولا يكون ضعيفاً فضلاً عن أنّ يكون موضوعاً ).

والسيوطي ذكره في ( الجامع الصغير وفي غير واحد من تآليفه ، وحسّنه في كثير منها ، ثمّ حكم بصحته في جمع الجوامع فقال : ( كنت أجيب بهذا حسن الحديث ـ يعني حسن الحديث ـ دهراً إلى أن وقفت على صحيح ابن جرير ، فجزمت بارتقاء الحديث من مرتبة الحسن إلى مرتبة الصحة والله أعلم ).

والقندوزي ذكره بطرق كثيرة ، نقلاً عن جمع من الحفاظ والأعلام تنتهي إسنادهم إلى أمير المؤمنين ، وابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، وحذيفة بن اليمان ، والحسن بن علي ، وابن مسعود ، وأنس بن مالك ، وعبد الله بن عمر.

والمولوي حسن الزمان ذكره في القول المستحسن في فخر الحسن ، وعدّه من المشهور الصحيح وقال : ( صححه جماعات من الأئمة ، وعدّ منهم : ابن معين ، والخطيب ، وابن جرير ، والحاكم ، والفيروز آبادي في النقد الصحيح ) (١).

__________________

١ ـ الجامع الصغير ج ١ ص ٣٧٤ ، ينابيع المودّة ص ٦٥ ، ٧٢ ، ٧٣ ، ٤٠٠ ، ٤١٩.

٣٠٨

أحاديث أخرى تؤيّد صحة هذا الحديث :

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أنا دار الحكمة وعلي بابها ) (١). و( أنا دار العلم وعلي بابها ) (٢). و( أنا ميزان العلم وعلي كفتاه ). و( أنا ميزان الحكمة وعلي لسانه ). و( أنا المدينة وأنت الباب ، ولا يؤتى المدينة إلّا من بابها ). و( أنا مدينة الفقه وعلي بابها ). و( ما علمت شيئاً إلّا علمته علياً فهو باب مدينة علمي ). و( علي باب علمي ، ومبيّن لأمتّي ، ما أرسلت به من بعدي ). و( أنت باب علمي ). و( يا أم سلمة ، اشهدي واسمعي هذا علي أمير المؤمنين ، وسيّد المسلمين ، وعيبة علمي ، وبأبي الذي أوتى منه ) (٣).

وفي فيض القدير : ( علي عيبة علمي ). أي : ( مظنة استفصاحي وخاصّتي ، وموضع سرّي ، ومعدن نفائسي ، والعيبة ما يحرز الرجل فيه نفائسه قال ابن دريد : وهذا من كلامه الموجز الذي لم يسبق ضرب المثل به في إرادة اختصاصه بأموره الباطنة التي لا يطلع عليها أحد غيره ، وذلك غاية في مدح علي ، وقد

__________________

١ ـ أخرجه الترمذي في صحيحه ، وابن جرير ، ونقله عنهما غير واحد من الأعلام كالمتقي الهندي في ص ٤٠١ من الجزء السادس من كنزه ، وقال : قال ابن جرير : هذا خبر عندنا صحيح سنده ، ونقله عن الترمذي جلال الدين السيوطي في حرف الهمزة من جامع الجوامع ، والجامع الصغير ج ١ص ١٧٠.

٢ ـ أخرجه البغوي في مصابيح السنة ، والطبري في ذخائر العقبى ص ٧٧٠.

٣ ـ العجلوني في كشف الخفاء ١ ص و٢٣٦ ، زين الفتى في شرح سورة هل أتى للعاصمي ، تذكرة الخواص ابن الجوزي : ص ٦٥٣ ، تفسير الثعلبي : ص ١٢٢ ، المناقب ، ابن المغازلي ، كنز العمال : ج ١١ ص ٦١٤ ، ح ٣٢٩٨١ ، ص ٢٣٦ ، الجامع الصحيح للترمذي ٢ ص : ٢١٤ ، حلية الأولياء لأبي نعيم ١ ص ٦٤ ، مصابيح السنة للبغوي ص ٢٧٥ ، وذكره الطبري في ذخائر العقبى ص ٧٧٠ ، والقندوزي في الينابيع ص ٧١ ، والقول الجلي في فضائل علي للسيوطي الحديث الثامن والثلاثين.

٣٠٩

كانت ضمائر أعدائه منطوية على اعتقاد تعظيمه ) (١).

وفي كنز العمال عن علي عليه‌السلام قال : ( علمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألف باب كلّ باب يفتح ألف باب ) (٢).

وفيه عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) قال : ( إن علياً خطب الناس ، فقال : يا أيها الناس ما هذه المقالة السيئة التي تبلغني عنكم؟ والله لتقتلن طلحة والزبير ولتفتحن البصرة ، ولتأتينكم مادة من الكوفة ستة آلاف وخمسمائة وستين أو خمسة آلاف وستمائة وخمسين ، قال ابن عباس : فقلت : الحرب خدعة ، قال : فخرجت فأقبلت أسأل الناس : كم أنتم؟ فقالوا : كما قال ، فقلت : هذا مما أسره إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّه علّمه ألف كلمة ، كلّ كلمة تفتح ألف ألف كلمة ) (٣).

وفي تفسير الفخر الرازي في ذيل تفسير قوله تعالى : ( إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ) قال : ( قال علي عليه السلام : علّمني رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم ألف باب من العلم ، واستنبطت من كلّ باب ألف باب ) ثمّ قال : ( فإذا كان حال المولى هكذا فكيف حال النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم ).

وفي ترجمة الإمام علي عليه‌السلام من تاريخ مدينة دمشق أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في مرضه : ( ادعوا لي أخي ، فدعي له علي بن أبي طالب ، فستره بثوب وانكب عليه ،

__________________

١ ـ فيض القدير ٤ ص ٣٥٦

٢ ـ كنز العمال ١٣ : ١١٤.

٣ ـ كنز العمال ١٣ : ١٦٥.

٣١٠

فلمّا خرج من عنده قيل له : ما قال النبي لك؟ قال : ( علّمني ألف باب يفتح كلّ باب ألف باب ).

وفي الاستيعاب وغيره عن ابن عباس قال : ( والله لقد أعطي علي بن أبي طالب عليه السلام تسعة أعشار العلم ، وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر ) (١).

أحاديث مجعولة ومحرّفة :

١ ـ جعل البعض حديثاً في مقابل حديث مدينة العلم المشهور الذي لا يحتاج إلى تعريف فهو كالنار على علم ، لكن من في قلبه مرض لا يسلّم ويلجأ لأيّ وسيلةٍ لتضعيف ماجاء في أهل البيت عليهم‌السلام أو وضع ما يقابلها لسواهم ولو كان جعلاً مفضوحاً كما عن ابن حجر فإنّه بعد أن منع صحّة الحديث قال : ( وعلى تسليم صحّته أو حسنه فأبو بكر محرابها ) ، ولم يعلم أنّ المدينة لا ينسب إليها المحراب ، وإنّما ينسب إلى المسجد.

ثمّ قال : ( ورواية فمن أراد العلم فليأت الباب لا تقتضي الأعلمية ، فقد يكون غير الأعلم يقصد لما عنده من زيادة الإيضاح والبيان والتفرّغ للناس بخلاف الأعلم ، على أنّ تلك الرواية معارضة بخبر الفردوس : أنا مدينة العلم ، وأبو بكر أساسها ، وعمر حيطانها ، وعثمان سقفها ، وعلي بابها ، فهذه صريحة في أنّ أبا بكر أعلمهم ، وحينئذٍ فالأمر بقصد الباب إنّما هو لنحو ما قلناه لا لزيادة

__________________

١ ـ التفسير الكبير للفخر الرازي ٨ / ٢١ ، تاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٣٨٥ ، الاستيعاب ٣ / ٤٠ ، أسد الغابة ٤ / ١٠٠ ، الرياض النضرة ٣ / ١٤١.

٣١١

شرفه على ما قلته ، لما هو معلوم ضرورة أنّ كّلاً من الأساس والحيطان والسقف أعلى من الباب ).

الجواب :

أ ـ قد بيّنا نصوص العلماء على صحّة حديث : ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ). وأنّها لم تذكر أحداً غيره عليه‌السلام ، وأنّ الحديث قد ورد بطرق كثيرة عن كثير من الصحابة ولم يذكروا فيها أبا بكر ولا غيره ، فقد أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه ، والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم والخطيب والعقيلي وابن عدي وابن حيان وغيرهم كثير (١).

وأمّا ما ذكره من رواية الفردوس فلا يختلف اثنان في ضعفها ، وابن حجر نفسه من أولئك الذين زيّفوه ، وحكموا عليه بالضعف ، كما في كتابه الفتاوى الحديثية ، فقال : حديث ضعيف ، ومعاوية حلقتها فهو ضعيف أيضاً.

وقال العجلوني : روى الديلمي في ( الفردوس ) بلا إسناد عن ابن مسعود : أنا مدينة العلم وأبو بكر أساسها ، وعمر حيطانها ، وعثمان سقفها ، وعلي بابها ). وروى أيضاً عن أنس مرفوعاً : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، ومعاوية حلقتها.

قال في المقاصد : وبالجملة فكلّها ضعيفة ، وألفاظ أكثرها ركيكة.

وقال السيّد محمّد درويش الحوت : أنا مدينة العلم ، أبو بكر أساسها ، وعمر حيطانها. وذلك لا ينبغي ذكره في كتب العلم ، لا سيما مثل ابن حجر الهيتمي

__________________

١ ـ وللتوسّع راجع : موسوعة نفحات الأزهار ، الأجزاء ١٠ ـ ١٢ ، وتشييد المراجعات ٣ : ٣٠٩ ـ ٣١٠ و٣٣٨ ـ ٣٤٤ ، و" فتح الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم علي " فقد جمع فيه طرقه ، وأثبت فيه صحّة الحديث بتسعة مسالك.

٣١٢

ذكر ذلك في الصواعق والزواجر ، وهو غير جيّد من مثله (١).

ب ـ ولا يخفى أنّ الحيطان حاجبة ، والمدينة لا سقف لها ، والأساس هو الأصل ، فيكون علم أبي بكر أقوى وأثبت من علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ت ـ قول صاحب ( الوشيعة ) : ( كان عمر أفقه الصحابة وأعلم الصحابة في زمنه على الإطلاق ، وإنّما كان أعرف الفقهاء بمواقع السنن والقرآن الكريم ، وكان مدّة عمره في جميع أموره يعمل بالكتاب والسنة ، وكان يعرف مواقع السنن ، ويفهم معاني الكتاب ).

والجواب :

إنّ لعمر أقوالاً كثيرة ، منها : لولا علي لهلك عمر.

وقوله : لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن.

وقوله : كلّ الناس أفقه من عمر حتّى ربّات الحجال (٢).

ث ـ أمّا ابن تيمية فلا عجب من تضعيفه أو تكذيبه لشيء مما جاء في أهل بيت النبوّة عليهم‌السلام لأنّ هذا هو منهاجه المعروف ، فقد قال كما هي عادته : ( وحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها أضعف وأوهى ، ولهذا إنّما يعدّ في الموضوعات ) (٣).

والجواب :

أنّ هذا الحديث من رواته : يحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل ، والترمذي ، والبزار وابن جرير الطبري ، والطبراني ، والحاكم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ،

__________________

١ ـ أسنى المطالب ص ٧٣.

٢ ـ راجع : الغدير ٦ : ٨٢ ، فما بعد.

٣ ـ منهاج السنة ٧ / ٥١٥

٣١٣

والبيهقي ، وابن الأثير ، وابن حجر العسقلاني ، والسيوطي ، وابن حجر المكي ، والمناوي ، وغيرهم ، وقد صححه غير واحد من هؤلاء الأئمة.

هناك حديث ينسبونه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( ما صب الله في صدري شيئاً إلّا وصببته في صدر أبي بكر ).

والجواب :

أ ـ إنّ آثار الاختلاق على هذا الحديث ظاهرة ؛ لأنّ مفاده المساواة بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي بكر في جميع العلوم ، وهذا مما يقطع ببطلانه كلّ مسلم.

ب ـ تصريح العلماء ببطلانه ووضعه ، كابن الجوزي ، والطيّبي ، وابن قيم الجوزية ، والفيروزآبادي ، والشوكاني ، وغيرهم ، قال القاري نقلاً عن ابن القيم : ( ومما وضعه جهلة المنتسبين إلى السنة في فضل الصدّيق حديث : إنّ الله يتجلّى للناس عامة يوم القيامة ولأبي بكر خاصة. وحديث : ما صبّ الله في صدري شيئاً إلّا وصببته في صدر أبي بكر. وحديث : كان إذا اشتاق إلى الجنّة قبّل شيبة أبي بكر ).

وعدّه الفيروزآبادي في خاتمة ( سفر السعادة ) من أشهر الموضوعات في باب فضائل أبي بكر.

ج ـ شهد هو بجهله عندما سئل عن قوله تعالى : ( وفاكهة وأباً ) فقال : أيّ سماء تظلّني؟ أو أي أرض تقلّني؟ إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟

قال الحافظ النووي في كتاب تهذيب الأسماء واللغات حيث يترجم لعلي عليه‌السلام : ( ... ونقلوا عن ابن مسعود قال : كنّا نتحدّث أنّ أقضى المدينة علي.

قال ابن المسيب : ما كان أحد يقول : سلوني غير علي.

٣١٤

وقال ابن عباس : أعطي علي تسعة أعشار العلم ، ووالله لقد شاركهم في العشر الباقي.

قال ابن عباس : وإذا ثبت لنا الشيء عن علي لم نعدل إلى غيره.

ثمّ يقول النووي : وسؤال كبار الصحابة ورجوعهم إلى فتاواه وأقواله في المواطن الكثيرة والمسائل المعضلات ، مشهور ) (١).

وقول ابن حزم : ( ووجدناهم ـ أي : الصحابة ـ يقرّون ويعترفون بأنّهم لم يبلغهم كثير من السنن ، وهكذا الحديث المشهور عن أبي هريرة يقول : إنّ إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق ، وإنّ إخواني من الأنصار كان يشغلهم القيام على أموالهم ، وعلي ما شغله الصفق في الأسواق ، ولم يشغله القيام بأمواله ، وإنّما لازم رسول الله ليلاً ونهاراً.

ويقول ابن حزم أيضاً : وهذا أبو بكر لم يعرف فرض ميراث الجدّة ، وعرّفه محمّد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة ، وهذا أبو بكر سأل عائشة في كم كفن كفّن رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وسلم

ثمّ يقول : وهذا عمر يقول في حديث الاستئذان : خفي عليّ ، ألهاني الصفق في الأسواق ، وقد جهل أيضاً أمر إملاص المرأة وعرّفه غيره ، وغضب على عيينة ابن حصن حتّى ذكره الحر بن قيس ، وخفي عليه أمر رسول الله بإجلاء اليهود ، وخفي على أبي بكر قبله ، وخفي على عمر أمره بترك الإقدام على الوباء وعرف ذلك عبد الرحمن بن عوف ، وسأل عمر أبا واقد الليثي عمّا كان يقرأ به رسول الله في صلاتي الفطر والأضحى ، هذا وقد صلاّهما رسول الله أعواماً كثيرة.

__________________

١ ـ تهذيب الأسماء واللغات ١ : ٣٤٤ ـ ٣٤٦.

٣١٥

عجيب : صلّى رسول الله الفطر والأضحى أعواماً كثيرة ، وعمر جهل أنّ رسول الله أيّ سورة كان يقرأ في هاتين الصلاتين ، وسأل أبا واقد الليثي!!

ثمّ يقول ابن حزم : ولم يدر [ أي : عمر ] ما يصنع بالمجوس حتّى ذكره عبد الرحمن بأمر رسول الله ، ونسي قبوله الجزية من مجوس البحرين وهو أمر مشهور ، ولعله قد أخذ من ذلك المال حظّاً كما أخذ غيره ، ونسي أمره بتيمم الجنب فقال : لا يتيمم أبداً ، ولا يصلّي ما لم يجد الماء ، وذكّره بذلك عمار ، وأراد قسمة مال الكعبة حتّى ذكّره بعض الصحابة.

ثمّ ينتقل ابن حزم إلى عثمان وغيره فيقول : وهذا عثمان .. ، وهذه عائشة .. ، وهذه حفصة .. ، وهذا ابن عمر .. ، وهذا زيد بن ثابت .. ، وليس ولا مورداً واحداً يذكره كشاهد على جهل علي بمسألة فيكون محتاجاً إلى غيره ليسأله عن تلك المسألة ) (١).

ونختم هذا المطاف بكلام مولانا أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، وهو يذكر بعض خصائصه وأوصافه في الخطبة القاصعة.

( قد علمتم موضعي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا ولد ، يضمّني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويمسّني جسده ، ويشمّني عرفه ، وكان يمضغ الشيء ، ثمّ يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة بقول ولا خطلة في فعل ، ولقد قرن الله به صلى‌الله‌عليه‌وآله من لدن أنّ كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته ، يسلك به طريق المكارم ، ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره ، ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمه ، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً ،

__________________

١ ـ الإحكام في أصول الأحكام المجلد الأوّل الجزء ٢ : ١٥١ ـ ١٥٣.

٣١٦

ويأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء ، فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة ، وأشمّ ريح النبوّة ، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه ، فقلت : يا رسول الله ، ما هذه الرنّة؟ فقال : هذا الشيطان أيس من عبادته. إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلّا أنّك لست بنبي ولكنّك وزير ، وإنّك لعلى خير ) (١).

__________________

١ ـ نهج البلاغة ٢ : ١٥٧ ، رقم ١٩٢.

٣١٧
٣١٨

الدليل التاسع عشر : وجوب طاعة أولي الأمر

قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم ) (١).

إنّ هذا هو الأمر إلهي للمؤمنين بطاعة أولي الأمر ، ولكن ليس كما يزعم البعض أنّ أولي الأمر هم كلّ من تسلّطوا على رقاب الناس ولو بالسيف ، فإنّ أولي الأمر لابدّ أن يكونوا معصومين وإلاّ كيف تقرن طاعتهم بطاعة الله ورسوله بدون استثناء ولا قيد؟! وهذا ما سنبحثه هنا ان شاء الله تعالى ولنبدأ بذكر المصادر ، ثمّ نشخّص من هم مصاديق الآية الشريفة.

شواهد التنزيل :

عن علي قال : قال رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : ( شركائي الذين قرنهم الله بنفسه وبي وأنزل فيهم : ( يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) الآية ، فإنّ خفتم تنازعاً في أمر فارجعوه إلى الله والرسول وأولي الأمر ، قلت : يا نبي الله ، من هم؟ قال : أنت أولهم ).

عن مجاهد في قوله تعالى : ( يا أيـّها الذين آمنوا ) يعني : صدّقوا بالتوحيد ، ( أطيعوا الله ) يعني : في فرائضه ، ( وأطيعوا الرسول ) يعني : في سنته ، ( وأولي الأمر منكم ) قال : ( نزلت في أمير المؤمنين حين خلّفه رسول الله

__________________

١ ـ النساء (٣) : ٥٩.

٣١٩

بالمدينة ، فقال : أتخلّفني على النساء والصبيان؟ فقال : أما ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى حين قال له : اخلفني في قومي وأصلح. فقال الله : ( وأولي الأمر منكم ) قال : علي بن أبي طالب ولاّه الله الأمر بعد محمّد في حياته حين خلّفه رسول الله بالمدينة ، فأمر الله العباد بطاعته وترك خلافه ).

عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ، أنّه سأله عن قول الله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ) قال : نزلت في علي بن أبى طالب. قلت : إنّ الناس يقولون : فما منعه أنّ يسمّي علياً وأهل بيته في كتابه؟ فقال أبو جعفر : قولوا لهم : إنّ الله أنزل على رسوله الصلاة ولم يسم ثلاثاً ولا أربعاً حتّى كان رسول الله هو الذي فسّر ذلك ، وأنزل الحج فلم ينزل طوفوا سبعاً حتّى فسّر ذلك لهم رسول الله. وأنزل : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) فنزلت في علي والحسن والحسين ، وقال رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي إنّي سألت الله أنّ لا يفرّق بينهما حتّى يوردهما عليّ الحوض فأعطاني ذلك ).

عن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : ( لما نزل رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وسلم ) الجرف لحقه علي بن أبي طالب يحمل سلاحاً ، فقال : يا رسول الله ، خلفتني عنك ولم أتخلّف عن غزوة قبلها ، وقد أرجف المنافقون بى إنّك خلّفتني لما استثقلتني!! قال سعد : فسمعت رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وسلم ) يقول : يا علي ، أما ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ) (١).

__________________

١ ـ شواهد التنزيل ١ : ١٨٩ ـ ١٩٢.

٣٢٠