ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

حسينة حسن الدّريب

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

المؤلف:

حسينة حسن الدّريب


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-50-8
الصفحات: ٣٨٤

جامع البيان ، الطبري :

عن قتادة في قوله : ( فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) قال : بلغنا أنّ نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج ليلاً عن أهل نجران ، فلمّا رأوه خرج ، هابوا وفرقوا ، فرجعوا. قال معمر ، قال قتادة : لما أراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أهل نجران أخذ بيد حسن وحسين وقال لفاطمة : ( اتّبعينا ) ، فلمّا رأى ذلك أعداء الله رجعوا.

حدّثنا الحسن بن يحيى ، قال : ( أخبرنا ) عبد الرزاق ، قال : ( أخبرنا ) معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لو خرج الذين يباهلون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا مالاً.

حدّثنا أبو كريب ، قال : ثنا زكريا ، عن عدّي قال : ثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مثله.

حدّثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( والذي نفسي بيده لو لاعنوني ما حال الحول وبحضرتهم منهم أحد إلّا أهلك الله الكاذبين ).

حدّثني يونس ، قال : ( أخبرنا ) ابن وهب ، قال : ثنا ابن زيد ، قال : قيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو لاعنت القوم بمن كنت تأتي حين قلت ( أبناءنا وأبناءكم )؟ قال : ( حسن وحسين ).

حدّثني محمّد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الحنفي ، قال : ثنا المنذر بن ثعلبة ، قال : ثنا علباء بن أحمر اليشكري ، قال : لما نزلت هذه الآية : ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ) الآية ، أرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين ، ودعا اليهود ليلاعنهم فقال شاب من اليهود :

٢٤١

ويحكم أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير؟ لا تلاعنوا! فانتهوا ) (١).

صحيح مسلم :

( ... ولما نزلت هذه الآية ( فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ) دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال اللهم هؤلاء أهلي ) (٢).

وقفة مع شاهد في كلامهم يجب الالتفات إليه :

١ ـ عبارة : ( الدلالة على أنّ الحسن والحسين ابنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأنه أخذ بيد الحسن والحسين حين أراد حضور المباهلة وقال تعالوا : ندع أبناءنا وأبناءكم ، ولم يكن هناك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنون غيرهما ).

٢ ـ عبارة : ( وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال للحسن رضي الله عنه : إنّ ابني هذا سيّد وقال حين بال عليه أحدهما وهو صغير : لا تزرموا ابني. وهما من ذريته أيضاً كما جعل الله تعالى عيسى من ذرية إبراهيم عليهما السلام ).

٣ ـ قال معاوية لسعد : ما منعك ان تسبّ أبا تراب؟ قال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلن أسبّه ( معاوية يأمر بسبّ علي ، وعليك التعليق ).

٤ ـ ( أنفسنا وأنفسكم ) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلي بن أبي

__________________

١ ـ جامع البيان عن تأويل آي القرآن لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري٣ : ٤٠٩.

٢ ـ صحيح مسلم ٧ : ١٢٠ ، باب فضائل علي عليه‌السلام ، مسند أحمد ١ : ١٨٥ ، مسند أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص.

٢٤٢

طالب ( وأبناءنا ) الحسن والحسين ( ونساءنا ) فاطمة.

٥ ـ فقال اللهم هؤلاء أهلي.

٦ ـ عبارة : ( وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة وله يومئذ عدّة نسوة ).

٧ ـ لو لم يكن من دليل إلّا احتجاج أمير المؤمنين عليه‌السلام في الشورى على الحاضرين بجملة من فضائله ومناقبه ، فكان من احتجاجه آية المباهلة ، وهذه القصّة مشهورة ، وكلّهم أقروا بما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام وصدقوه في ما قال ، وهذا الاحتجاج في الشورى مروي من طرق السنة أنفسهم ، كما في الصواعق المحرقة لابن حجر : ( أخرج الدارقطني ان علياً يوم الشورى احتجّ على أهلها ، فقال لهم : أنشدكم بالله ، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الرحم منّي ، ومن جعله صلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه وأبناءه أبناءه ونساءه نساءه غيري؟ قالوا : اللهم لا ) (١).

وكذلك هناك روايات كثيرة في احتجاج أبناء الإمام علي عليه‌السلام ، ومن ذلك ما روي أنّ المأمون العباسي سأل الإمام الرضا عليه‌السلام بقوله : هل لك دليل من القرآن الكريم على إمامة علي ، أو أفضلية علي؟ فذكرله الإمام عليه‌السلام آية المباهلة ، واستدل بكلمة : ( وأنفسنا ) ، كما جاء في الفصول المختارة للشيخ المفيد ما هذا نصّه.

وحدّثني الشيخ أدام الله عزّه أيضاً قال : قال المأمون يوماً للرضا عليه السلام : أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام يدلّ عليها القرآن قال : فقال له الرضا عليه السلام : فضيلته في المباهلة ، قال الله جلّ جلاله : ( فمن حاجّك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا

__________________

١ ـ الصواعق المحرقة ٢ : ٤٥٤ ، الباب الحادي عشر ، الآية التاسعة.

٢٤٣

ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذببن ) ، فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن والحسين عليهما السلام فكانا ابنيه ، ودعا فاطمة عليها السلام فكانت في هذا الموضع نساءه ، ودعا أمير المؤمنين عليه السلام فكان نفسه بحكم الله عزوجل ، وقد ثبت أنّه ليس أحد من خلق الله سبحانه أجل من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأفضل فوجب أنّ لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بحكم الله عزّ وجلّ.

قال : فقال له المأمون : أليس قد ذكر الله الأبناء بلفظ الجمع وإنّما دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ابنيه خاصّة ، وذكر النساء بلفظ الجمع وإنّما دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ابنته وحدها ، فلم لا جاز أنّ يذكر الدعاء لمن هو نفسه ويكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره فلا يكون لأمير المؤمنين عليه السلام ما ذكرت من الفضل؟ قال : فقال له الرضا عليه السلام : ليس بصحيح ما ذكرت يا أمير المؤمنين ؛ وذلك أنّ الداعي إنّما يكون داعياً لغيره ، كما يكون الآمرآمراً لغيره ، ولا يصح أنّ يكون داعياً لنفسه في الحقيقة ، كما لا يكون آمراً لها في الحقيقة ، وإذا لم يدع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رجلاً في المباهلة إلّا أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد ثبت أنّه نفسه التي عناها الله تعالى في كتابه ، وجعل حكمه ذلك في تنزيله. قال : فقال المأمون : إذا ورد الجواب سقط السؤال ) (١).

٨ ـ اعتراف ابن تيمية ـ الذي من طبيعته تكذيب فضائل أهل البيت عليهم‌السلام ـ بعدم خروج أحد مع رسول الله صلى الله عليه وآله في قضية المباهلة غير هؤلاء

__________________

١ ـ عن الفصول المختارة للشيخ المفيد : ٣٨.

٢٤٤

الأربعة إلّا أنّه يقول بأن عادة العرب في المباهلة كانت أنّ يخرجوا الأقرب نسباً وإن لم يكن ذا فضيلة ، وإن لم يكن ذا تقوى ، وإن لم يكن ذا منزلة خاصّة أو مرتبة عند الله سبحانه وتعالى. لكنه يعترض على نفسه ويقول : إن كان كذلك ، فلم لم يخرج العباس عمه معه ، والعباس أقرب إلى رسول الله من علي؟ ويقول في الجواب على نفسه : بأنّ العباس لم يكن في تلك المرتبة لأن يحضر مثل هذه القضية ، فلذا يكون لعلي في هذه القضية نوع فضيلة (١).

ونجيبه على قوله : إنّ العرب تأخذ الأقرب في المباهلة بقولنا :

أوّلاً : أنّ الرسول هو القدوة الحسنة لكلّ مسلم ، وكلامه وفعله ليس عن الهوى ، ولا يقلّد العرب ، ولا غيرهم في شيء ، وأنّ كلامه وأفعاله ما هي إلّا وحي يوحى.

ثانياً : أنّ العباس ( رضي الله عنه ) هو أقرب من علي عليه‌السلام ، إذ بالإجماع أنّ العم أقرب من ابن العم ، فلِمَ لم يأخذ إلّا علي عليه‌السلام؟ وقد اعترف بذلك بنفسه.

ثالثاً : أنّ الإمام علي عليه‌السلام له فضائل ودلائل غير آية المباهلة تدلّ على أولويته بالخلافة ، بل ثبت وجوب اتّباعه من الصحاح والمسانيد والتفاسير السنية المعتبرة ، مضافاً إلى اجماع الشيعة.

رابعاً : يعترض ابن تيمية بقوله : ( لم تكن الفضيلة هذه لعلي فقط ، وإنّما كانت لفاطمة والحسنين أيضاً ، إذن ، لم تختص هذه الفضيلة بعلي ).

نقول : إنّ البحث لم يكن في تفضيل علي على فاطمة والحسنين عليهم

__________________

١ ـ منهاج السنّة ٧ : ١٢٢ ـ ١٣٠.

٢٤٥

السلام ، وهل الحسنان وفاطمة يدّعون التقدّم على علي؟ بل الكلام في تفضيل علي على أبي بكر وعمر وعثمان ، وقد أثبتنا من الصحاح والمسانيد والتفاسير المعتبرة أنّ علياً عليه‌السلام لا يقاس به أحد من الصحابة ، فهو أفضلهم مطلقاً.

نعم ، هناك حديث في السيرة الحلبية بلا سند ، يضيف عمر بن الخطّاب وعائشة وحفصة ، وأنّهما خرجتا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للمباهلة (١).

وفي كتاب تاريخ المدينة المنوّرة لابن شبّه أنّه كان مع هؤلاء ناس من الصحابة (٢).

وفي رواية في ترجمة عثمان بن عفان من تاريخ ابن عساكر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج ومعه علي وفاطمة والحسنان وأبو بكر وولده وعمر وولده وعثمان وولده (٣).

والجواب :

إنّ هذه الروايات التي تضيف غير الخمسة أهل الكساء عليهم السلام باطلة لعدّة أسباب ، منها :

١ ـ إنّها مقابل ما ذكرنا من الكتب المشهورة المعتبرة ، بل الصحيحة عند أهل السنّة ، كما نقلنا نبذة منها ، ومنها صحيح مسلم ومسند أحمد ، ولم يضيفوا أحد مع الخمسة أهل الكساء عليهم‌السلام فهل يتّهم الحنابلة إمامهم أو من يدّعون عصمة الصحاح يتّهمونها بالزيادة أو النقصان؟! إذن لذهبت حرمتها ، ولم يعد عليها اعتماد بينهم.

__________________

١ ـ السيرة الحلبية ٣ : ٢٣٦.

٢ ـ تايخ المدينة المنوّرة ١ : ٥٨١.

٣ ـ ترجمة عثمان من تاريخ مدينة دمشق : ١٦٨.

٢٤٦

٢ ـ إنّ الروايات التي أضافت غير الخمسة عليهم‌السلام روايات آحاد.

٣ ـ إنّ الروايات التي اضافت غير الخمسة عليهم‌السلام روايات متضاربة فيما بينها ، فبعضها يقول : عمر بن الخطّاب وعائشة وحفصة ، وبعضها يقول : ناساً من الصحابة ، وبعضها يقول أبا بكر وولده ، وعمر وولده ، وعثمان وولده ، وهكذا.

٤ ـ إنّ الروايات التي أضافت غير الخمسة عليهم‌السلام روايات انفرد رواتها بها ، وليست من الروايات المتّفق عليها ، وبعضها ليس لها أسانيد ، وبعضها أسانيدها ضعيفة.

وأمّا من فسّرها في علي وفاطمة وابنيهما فقد نقلنا من النصوص من الصحاح والمسانيد ما يوجب عدم الشك في ذلك.

سؤال وهو : لماذا اختار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله هؤلاء بالذات؟ وما هي الفضيلة في ذلك؟

والجواب :

هذه الآية تشير إلى فضائل ، منها :

١ ـ إنّ أهل بيت الرسول عليهم‌السلام أحبّ خلق الله عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولذا يقول البيضاوي في تفسيره : ( أي : يدع كلّ منّا ومنكم نفسه ، وأعزّ أهله ، وألصقهم بقلبه إلى المباهلة ) (١).

٢ ـ إنّ أمر المباهلة أمر حسّاس وخطير ، ويحتاج إلى دعاء ، فاختيار النبيّ صلى الله عليه وآله هؤلاء لأمر المباهلة بنفسه يدلّ على أفضليتهم.

__________________

١ ـ تفسير البيضاوي ٢ : ٤٦.

٢٤٧

٣ ـ حتّى نصارى نجران أدركوا وجود هذه الفضيلة فيهم ؛ فلذا انصرفوا عن المباهلة ، وقال أسقفهم : ( إنّي لأرى وجوهاً لو طلبوا من الله سبحانه وتعالى أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله ) (١).

٤ ـ هذه الآية تدلّ على وجود فضيلة خاصّة لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهو أنّه أفضل من جميع الأنبياء إلّا النبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ وذلك بمقتضى كونه نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

١ ـ تفسير البيضاوي ٢ : ٤٧.

٢٤٨

الدليل الثالث عشر : آية التطهير

نصّ ما جاء في صحيح مسلم :

حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمّد بن عبد الله بن نمير ( واللفظ لأبي بكر ) قالا : حدّثنا محمّد بن بشر ، عن زكرياء ، عن مصعب بن شيبة ، عن صفية بنت شيبه قالت : قالت عائشة : خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن على فأدخله ، ثمّ جاء الحسين فدخل معه ، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها ، ثمّ جاء علي فأدخله ، ثمّ قال إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) (١).

نصّ ما جاء في مسند أحمد بن حنبل :

حدّثنا عبد الله ، حدثنى أبي ، ثنا أبو النضر هاشم بن القاسم ، ثنا عبد الحميد يعني : ابن بهرام ، قال : حدّثني شهر بن حوشب ، قال : ( سمعت أم سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين جاء نعي الحسين بن علي لعنت أهل العراق فقالت : قتلوه قتلهم الله ، غرّوه وذلّوه لعنهم الله (٢) ، فإنّى رأيت رسول الله صلّى الله

__________________

١ ـ صحيح مسلم ٧ : ١٣٠ ، باب فضائل أهل بيت النبي عليهم السلام.

٢ ـ ملاحظة هامّة : بعض أهل الأغراض يقول : إنّ الشيعة هم الذين قتلوا الحسين عليه السلام ولكنّا نقول : إنّ من قتله يصبح عدّوه ؛ لأنّه خرج عن اسم شيعته ، فالشيعي من أحبّ وتابع وناصر ، فإذا خذل وقتل صار عدّواً له ، وهذا يفهمه كلّ عاقل.

٢٤٩

عليه وسلّم جاءته فاطمة غديّة ببرمة قد صنعت له فيها عصيدةً تحمله في طبق لها حتّى وضعتها بين يديه ، فقال لها : أين ابن عمّك؟ قالت : هو في البيت ، قال : فاذهبي فادعيه وائتني بابنيه ، قالت : فجاءت تقود ابنيها كلّ واحد منهما بيد وعلي يمشي في إثرهما حتّى دخلوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأجلسهما في حجره ، وجلس علي عن يمينه ، وجلست فاطمة عن يساره ، قالت أم سلمة : فاجتبذب من تحتي كساء خيبرياً كان بساطاً لنا على المنامة في المدينة فلفّه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليهم جميعاً فأخذ بشماله طرفي الكساء وألوى بيده اليمنى إلى ربّه عزّ وجلّ. قال : اللهم أهلى أذهب عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً ، اللهم أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً اللهم أهل بيتى أذهب عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً ، قلت : يا رسول الله ، ألست من أهلك؟ قال : بلى ، فادخلي في الكساء ، قالت : فدخلت في الكساء بعدما قضى دعاءه لابن عمّه علي وابنيه وابنته فاطمة رضي الله عنهم (١).

حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، ثنا أبو أحمد الزبيري ، ثنا سفيان ، عن زبيد ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جلل على علي وحسن وحسين وفاطمة كساء ، ثمّ قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي ، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً ، فقالت أم سلمة : يارسول الله ، أنا منهم؟ قال : إنّك إلى خير ) (٢).

وفي مسند أحمد أيضاً :

__________________

١ ـ مسند أحمد ٦ : ٢٩٨.

٢ ـ مسند أحمد ٦ : ٣٠٤.

٢٥٠

( ... وقعوا في رجل قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لأبعثن رجلاً لا يخزيه الله أبداً يحبّ الله ورسوله قال : فاستشرف لها من استشرف ، قال : أين علي؟ قالوا : هو في الرحل يطحن ، قال وما كان أحدكم ليطحن. قال : فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر ، قال : فنفث في عينيه ، ثمّ هزّ الراية ثلاثاً ، فأعطاها إياه ، فجاء بصفية بنت حيي ، قال : ثمّ بعث فلاناً بسورة التوبة ، فبعث علياً خلفه ، فأخذها منه ، قال : لا يذهب بها إلّا رجل منّي وأنا منه ، قال : وقال لبني عمّه : أيّكم يواليني في الدنيا والآخرة ، قال وعلي معه جالس فأبوا ، فقال علي : أنا أواليك في الدنيا والآخرة ، قال : أنت وليي في الدنيا والآخرة ، قال : فتركه ، ثمّ أقبل على رجل منهم ، فقال : أيّكم يواليني في الدنيا والآخرة فأبوا قال : فقال علي : أنا أواليك في الدنيا والآخرة ، فقال : أنت وليي في الدنيا والآخرة ، قال : وكان أوّل من أسلم من الناس بعد خديجة ، قال : وأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين ، فقال : إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) ، وقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أنت وليي في كلّ مؤمن بعدي ) (١).

وفي مسند أحمد أيضاً :

حدّثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا أسود بن عامر ، ثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أنس بن مالك : ( أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى الفجر فيقول : الصلاة يا أهل البيت ، إنّما يريد الله

__________________

١ ـ مسند أحمد : ج ١ ، ص ٣٣١.

٢٥١

ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) (١).

وفي مسند أحمد أيضاً :

حدّثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا محمّد بن مصعب ، قال : ثنا الأوزاعي ، عن شداد أبي عمار ، قال : ( دخلت على واثلة بن الاسقع وعنده قوم فذكروا علياً ، فلمّا قاموا ، قال لي : ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قلت بلى ، قال : أتيت فاطمة رضي الله تعالى عنها أسألها عن علي ، قالت : توجّه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجلست أنتظره حتّى جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه علي وحسن وحسين رضي الله تعالى عنهم ، آخذ كلّ واحد منهما بيده حتّى دخل ، فأدنى علياً وفاطمة فأجلسهما بين يديه ، وأجلس حسناً وحسيناً كلّ واحد منهما على فخذه ، ثمّ لفّ عليهم ثوبه أو قال : كساء ، ثمّ تلا هذه الآية ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) ، وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتى وأهل بيتى أحق ) (٢).

ملاحظات هامة في النصوص :

١ ـ إنّ عائشة الراوية للحديث ـ كما ذكر مسلم ـ لم تدع أنّها من أهل الكساء عليهم‌السلام وهي المعروفة بذكر فضائل نفسها ، فلا يمكن أن تغفل عن ذلك لولا أنّها متأكّده أنّها ليست ممن طهّروا تطهيراً.

٢ ـ ما أكثر ما يكررون لفظ ( فلان ) عندما لا يريدون ذكر من يزعمون تقديسه ، ولكن نسو أنّهم في أماكن أخرى يذكرون هذا الفلان باسمه ، كما في

__________________

١ ـ مسند أحمد : ج ٣ ، ص ٢٥٩ ، و٢٨٥.

٢ ـ مسند أحمد : ج ٤ ، ص ١٠٧.

٢٥٢

مسند أحمد قال : ( ثمّ بعث فلاناً بسورة التوبة ، فبعث علياً خلفه ، فأخذها منه ، قال : لا يذهب بها إلّا رجل منّي وأنا منه ).

٣ ـ قال : لا يذهب بها إلّا رجل منّي وأنا منه ، ( ففلان ليس من النبي ، ولا هو منه ، ولم يؤتمنه على تحمّل مسؤولية إبلاغ سورة ، فكيف بأمَّة )؟!

٤ ـ وقعوا في رجل قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( لأبعثن رجلاً لا يخزيه الله أبداً يحبّ الله ورسوله ) قال : فاستشرف لها من استشرف ، قال : ( أين على ).

٥ ـ قال : فنفث في عينيه ، ( وهذا دليل على أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يستشفى بريقه ).

٦ ـ قال : أنت وليي في الدنيا والآخرة. ( راجع لفظ ( ولي ) و( مولى ) في حديث الغدير ).

٧ ـ إنّه لا ينبغي أنّ أذهب إلّا وأنت خليفتي ، ( فكيف يذهب عن الدنيا بلا خليفة )؟!

٨ ـ كان أوّل من أسلم من الناس بعد خديجة ، قال : من الناس ، ولم يقل من الصبيان.

٩ ـ أنت وليّ في كلّ مؤمن بعدي. ( بعدي وليس الرابع ).

١٠ ـ أكثر طرق الحديث عن أم سلمة ، وأنّها أرادت الدخول مع الخمسة عليهم‌السلام تحت الكساء ، وقالت : أنا منهم؟ قال : إنّك إلى خير.

١١ ـ كان يمرّ ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى الفجر ، فيقول : الصلاة يا أهل البيت ، إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً.

٢٥٣

( لماذا كان يمرّ؟ الجواب واضح إنّه يريد أن يُعرّف للملاء من هم أهل بيته ).

١٢ ـ يوجد الحديث في صحيح مسلم ومسند أحمد ، ويوجد في تفسير الطبري ، وأسباب النزول ، وغيرها (١) ، وبألفاظ متعددة والمصب والمضمون واحد ، وهو نزولها في الخمسة عليهم‌السلام ، وأنّها دالة على عصمتهم.

__________________

١ ـ صحيح مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل أهل بيت النبي ج ٢ / ٣٦٨ ط عيسى الحلبي ، و ج ١٥ / ١٩٤ ط مصر بشرح النووي ، صحيح الترمذي ج ٥ / ٣٠ ح ٣٢٥٨ ، و ج ٥ / ٣٢٨ ح ٣٨٧٥ ط دار الفكر ، و ج ٢ / ٢٠٩ و ٣٠٨ و ٣١٩ ط بولاق ، مسند أحمد بن حنبل ج ١ / ٣٣٠ ط الميمنية بمصر ، و ج ٥ / ٢٥ ط دار المعارف بمصر بسند صحيح ، وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج ٢ / ١١ ـ ٩٢ ، حديث ٦٣٧ و ٦٣٨ و ٦٣٩ و ٦٤٠ و ... ط ١ بيروت ، وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٤ ط التقدم العلمية بمصر ، وص ٨ ط بيروت ، وص ٤٩ ط الحيدرية ، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٣٧٦ ط الحيدرية ، وص ١٣ و ٢٢٧ و ٢٣٠ وصححه و ٢٣١ و ٢٣٢ ط الغري ، أسباب النزول للواحدي ص ٢٠٣ ط الحلبي بمصر ، تفسير الطبري ج ٢٢ / ٦ و ٧ و ٨ الطبعة الثانية ، طبعة الحلبي بمصر ، أحكام القرآن للجصاص ج ٥ / ٢٣٠ ط عبد الرحمن محمّد ، وص ٤٤٣ ط القاهرة ، مصابيح السنة للبغوي الشافعي ج ٢ / ٢٧٨ ط محمّد علي صبيح ، و ج ٢ / ٢٠٤ ط الخشاب ، الكشاف للزمخشري ج ١ / ١٩٣ ط مصطفى محمّد ، و ج ١ / ٣٦٩ ط بيروت ، مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي ج ١ / ١٩ و ٢٠ ط دار الكتب في النجف ، وص ٨ ط طهران ، أحكام القرآن لابن عربي ج ٢ / ١٦٦ ط مصر ، تفسير القرطبي ج ١٤ ص ١٨٢ ط١ بالقاهرة ، تفسير ابن كثير ج ٣ / ٤٨٣ ـ ٤٨٥ الطبعة الثانية بمصر ، الإصابة لابن حجر الشافعي ج ٢ / ٥٠٢ و ج ٤ / ٣٦٧ ط مصطفى محمّد ، و ج ٢ / ٥٠٩ و ج ٤ / ٣٧٨ ط السعادة بمصر ، الاتقان في علوم القرآن للسيوطي ج ٤ / ٢٤٠ ، مطبعة المشهد الحسيني بمصر ، الصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ص ٨٥ و ١٣٧ ط الميمنية بمصر ، وص ١٤١ و ٢٢٧ ط المحمّدية بمصر ، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية ج ٣ / ٣٢٩ و ٣٣٠ ، المطبعة البهية بمصر ، و ج ٣ / ٣٦٥ ط محمّد علي صبيح بمصر.

٢٥٤

نعم ، إنّ العصمة لا تعني الجبر على ترك الذنب ، بل إنّ المعصومين عليهم‌السلام انكشفت لهم الحقائق ، فهم يرونها رأي العين ، فمثلاً : المسلم العاقل لا يمكن ان يخرج إلى الشارع عريان ؛ لأنّه يعلم بقبح ذلك شرعاً وعقلاً.

والمعصومون عليهم‌السلام يرون قبح أدنى خطأ ذنباً كبيراً ؛ لهذا تنزهوا عن فعل الذنوب كبيرها وصغيرها بشهادة القرآن الكريم والسنة الصحيحة ؛ ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر فاطمة عليها‌السلام بأنّ تأتي هي وزوجها وولداها ، ولم يأمرها بأن تدعو أحداً غير هؤلاء ، وكان له أقرباء كثيرون ، وأزواجه في البيت عنده ، بل لم يأذن لأم سلمة أنّ تدخل معهم تحت الكساء ، كما روته أم سلمة نفسها ، فالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عندما لم يأذن لأم سلمة أنّ تدخل معهم تحت الكساء دليل على أنّ لهذه القضية شأن ومقام يختص بمن هم ورثته على أمّته ، وهم : الإمام علي والحسن والحسين عليهم‌السلام وأم الأئمة البتول الزهراء عليها‌السلام فقط ، ولا عبرة لمن قال : إنّها نازلة في نسائه كالضحاك وعكرمة وأمثالهما ، ونبطل قول من قال : إنّها في نسائه بحجّة إنّها في سياق آيات تتحدث عن نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بما يلي :

١ ـ إنّها تعارض ما روته الصحاح والسنن والمسانيد عن ابن عباس ، وجابر ابن عبد الله ، وعن زيد بن أرقم ، وأم سلمة ، وعائشة وغيرهم : أنّها نزلت في الخمسة أهل الكساء عليهم‌السلام فقط وفقط ، وبيّنوا من هم أهل الكساء عليهم‌السلام.

٢ ـ إنّ أم سلمة وعائشة من جملة القائلين باختصاص الآية المباركة بالخمسة أهل الكساء عليهم‌السلام ، وإنّهن لسن منهم.

٣ ـ وممن قال إنّها في نساء النبي : عكرمة ، وقوله هذا غير منقول عن أحد من الصحابة ، وهو كان من دعاة الخوارج كما قال الذهبي ، وقد نصّ كثير من أئمّة القوم على أنّه كان كذّاباً.

٢٥٥

٤ ـ اعتراف ابن تيمية ـ الذي من عادته تكذيب الواضحات في فضل أهل البيت عليهم‌السلام ـ بنزول الآية في أهل البيت واختصاصها بهم (١).

٥ ـ لا أحد يدّعي العصمة لزوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والآية صريحة بالعصمة ؛ لأنّ الله تعالى طهرهم من الرجس كلّه كبيره وصغيره ، إذ التطهير مطلق غير مقيّد ، ونساء النبي ورد في الصحاح وغيرها الكثير من أعمالهن غير الصالحة ، بل آيات تؤنّبهن ، كما في قوله عزّ من قائل : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ) (٢) ، وقوله تعالى : ( عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارا ) (٣) ، ( إِنْ تَتُوبَا إلى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فإنّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) (٤).

فهذه الآيات أمر إلهي بأن لا يخرجن للقتال ونحوه ، وتهديدهما بالطلاق ووصفهما بالمؤامرة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وغير ذلك مما هو ثابت ، ولا ينكره المخالف ، وإنّما المخالف يحاول تبرير ما اقترفاه من موبقات كالجمل وسفك الدماء وأنهما ندما على ما فعلاه ، وحتّى لو فرضنا صحّة الندم ، فهل الندم يكفّر عن ذنب قتل سبعة عشر ألف ممّن قتلوا في معركة الجمل المعروفة ، مضافاً الى ألف من أصحاب الإمام عليه‌السلام؟! كما جاء في نهج البلاغة للامام علي عليه‌السلام ما

__________________

١ ـ الفتاوي الكبرى ، ابن تيمية ج ٣ص ١٥٤.

٢ ـ الأحزاب (٣٣) : ٣٣.

٣ ـ التحريم (٦٦) : ٥.

٤ ـ التحريم (٦٦) : ٤.

٢٥٦

هذا نصّه : ( كنتم جند المرأة ، وأتباع البهيمة ، رغا فأجبتم ، وعقر فهربتم ، أخلاقكم دقاق ، وعهدكم شقاق ، ودينكم نفاق ، وماؤكم زعاق ، والمقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه ، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربّه كأنّي بمسجدكم كجؤجؤ سفينة قد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها وغرق من في ضمنها ). ويقول محمّد عبده في شرحه : ( ومجمل القصّة أنّ طلحة والزبير بعد ما بايعا أمير المؤمنين فارقاه في المدينة وأتيا مكّة مغاضبين ، فالتقيا بعائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسألتهما الأخبار ، فقالا : إنّا تحمّلنا هرباً من غوغاء العرب بالمدينة ، وفارقنا قومنا حيارى لا يعرفون حقّاً ولا ينكرون باطلاً ولا يمنعون أنفسهم ، فقالت : ننهض إلى هذه الغوغاء أو نأتي الشام. فقال أحد الحاضرين : لا حاجة لكم في الشام قد كفاكم أمرها معاوية فلنأت البصرة فإنّ لأهلها هوى مع طلحة ، فعزموا على المسير ، وجهّزهم يعلى بن منبه ، وكان والياً لعثمان على اليمن ، وعزله علي كرّم الله وجهه ، وأعطى للسيّدة عائشة جملاً اسمه عسكر ، ونادى مناديها في الناس بطلب ثأر عثمان ، فاجتمع نحو ثلاثة آلاف ، فسارت فيهم إلى البصرة ، وبلغ الخبر علياً ، فأوسع لهم النصيحة وحذّرهم الفتنة ، فلم ينجح النصح ، فتجهّز لهم وأدركهم بالبصرة ، وبعد محاولات كثيرة منه يبغي بها حقن الدماء نشبت الحرب بين الفريقين واشتّد القتال ، وكان الجمل يعسوب البصريين قتل دونه خلق كثير من الفئتين ، وأخذ خطامه سبعون قرشياً ما نجا منهم أحد ، وانتهت الموقعة بنصر علي كرّم الله وجهه بعد عقر الجمل. وفيها قتل طلحة

٢٥٧

والزبير ، وقتل سبعة عشر ألفاً من أصحاب الجمل ، وكانوا ثلاثين ألفاً. وقتل من أصحاب علي ألف وسبعون ) (١).

فمن المسؤول عن قتل هؤلاء الذين كانوا يشهدون الشهادتين؟!

وقد تنّبأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بمعركة الجمل كما قال في معجم البلدان : وقال أبو منصور : الحوأب : موضع بئر نبحت كلابه على عائشة عند مقبلها إلى البصرة ...

وفي الحديث : إنّ عائشة لما أرادت المضي إلى البصرة في وقعة الجمل مرّت بهذا الموضع فسمعت نباح الكلاب فقالت : ما هذا الموضع؟ فقيل لها : هذا موضع يقال له : الحوأب : فقالت : إنّا لله ما أراني إلّا صاحبة القصّة!! فقيل لها : وأيّ قصة؟ قالت : سمعت رسول الله يقول ـ وعنده نساؤه ـ : ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب سائرة إلى الشرق في كتيبة!! وهمّت بالرجوع فغالطوها وحلفوا لها أنّه ليس بالحوأب ) (٢).

وروى أحمد بن حنبل عن قيس قال : ( لما أقبلت عائشة وبلغت مياه بني عامر ليلاً نبحت الكلاب. قالت : أيّ ماء هذا؟ قالوا : ماء الحوأب ، قالت : ما أظنني إلّا أنّي راجعة فقال بعض من كان معها : بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم. قالت : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لها ذات يوم : كيف بإحداكّن تنبح عليها كلاب الحوأب ) (٣).

__________________

١ ـ نهج البلاغة مع شرح محمّد عبده ١ : ٤٤.

٢ ـ مجمع البلدان ٢ : ٣١٤.

٣ ـ مسند أحمد بن حنبل ج ٦ ص ٥٢.

٢٥٨

وفي الطبقات الكبرى لابن سعد : ( حدّثنا أحمد بن محمّد بن الوليد الأزرقي المكي ، حدّثنا مسلم بن خالد ، حدّثني زياد بن سعد ، عن محمّد بن المنكدر ، عن عائشة قالت : ( ياليتني كنت نباتاً من نبات الأرض ولم أكن شيئاً مذكوراً ) (١) ، وعن عمارة بن عمير قال : ( كانت عائشة إذا قرأت هذه الآية : ( وقرن في بيوتكن ) بكت حتّى تبل خمارها ) (٢).

لكن السؤال هو : هل يبرر ذنب قتل الصحابة أنّ عائشة خدعوها بأنّها ليس هذا المكان هو الحوأب؟! وعلى فرض صحّة ذلك ، فهي تعرف من هو علي ومنزلته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتعرف أنّه مع الحق والحق معه ، ومن نازعه فهو على باطل كائناً من كان.

وإن فرضنا صحّة توبتها فهي لمّا أقدمت على حرب أمير المؤمنين تعرف من هو علي ، وماذا قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتعلم انه سيكون قتلى فهل ينفع الندم لو صح ( إنّما التوبة على الله للذين يعملون السؤ بجهالة ثمّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيما * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حتّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ .. ) (٣).

فهل تقاس من تمنّت أنّها لم تكن شيئاً مذكوراً بمن قال عندما ضُرب : ( فزت ورب الكعبة )؟!

فالنفس المطمئنة ترجع إلى ربها راضية مرضية ، وأمّا غير المطمئنة فهي تندم

__________________

١ ـ الطبقات الكبرى ٨ : ٧٦

٢ ـ الطبقات الكبرى ٨ : ٨١.

٣ ـ النساء (٤) : ١٧ ـ ١٨.

٢٥٩

على ما قدّمت وتتمنّى أن تكون تراباً.

ومما أوردت الصحاح من معضلات عائشة وحفصة قصة احتيالهن أو تظاهرهن كما وصفه القرآن الكريم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونزول الآية فيهما : ( إِِنْ تَتُوبَا إلى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فإنّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) (١).

فجاء في صحيح البخاري :

حدّثنا سفيان ، حدّثنا يحيى بن سعيد ، قال : سمعت عبيد بن حنين ، يقول : سمعت ابن عباس يقول :

( أردت أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فمكثت سنة فلم أجد له موضعاً حتّى خرجت معه حاجّاً ، فلمّا كنّا بظهران ذهب عمر لحاجته ، فقال : أدركني بالوضوء ، فأدركته بالإداوة ، فجعلت أسكب عليه ، ورأيت موضعاً ، فقلت : يا أمير المؤمنين من المرأتان اللتان تظاهرتا ، قال ابن عباس : فما أتممت كلامي حتّى قال عائشة وحفصة ) (٢).

وفي صحيح مسلم :

( ... ونزلت هذه الآية آية التخيير ( عسى ربّه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكنّ ) ( وإن تظاهرا عليه فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ) ، وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على

__________________

١ ـ التحريم (٦٦) : ٤.

٢ ـ صحيح البخاري ٦ : ٧١.

٢٦٠