ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

حسينة حسن الدّريب

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

المؤلف:

حسينة حسن الدّريب


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-50-8
الصفحات: ٣٨٤

أنصحك أنّ لا ترهقي نفسك بتدريس النحو والتجويد ونحوها من الدروس ، تريدين بهذا مداراة وجذب الطالبات لكي يدخلن في المذهب ، ولكن من لم تكن مخلصة سوف تتعلّم ، ثمّ تصبح وهابية ، بل يجب عليك أنّ تدرّسي العقائد والأحكام بأدلّتها وبالنقاش العلمي ، لكي تكون لديهنّ خبرة عن المذهب الزيدي وبالمذاهب الأُخرى.

فقالت لي : يا أختي نحن الزيدية ليس عندنا عقائد ولا أحكام ، وإنّما نأخذ ديننا من هنا وهناك.

قالت هذا وهي تبدو جادّة في كلامها ، وكأنّها تشكي لي نقطة ضعف تعاني منها ، فسكتُ ولم أجبها ؛ لأنّها قالت : ما كنت أتوقّع أن تجيبني به بصفتي صديقة وهي لم تشك في مخالفتي لها في العقيدة ، فزادتني حيرة إلى حيرتي.

وأنا الآن أقول لها بصفتها من يهمّها أمري أنّ تُفكّر جيّداً لوجه الله فلعلّها تهدي نفسها ومن تحب إلى طريق يرفع لها كلّ الإشكالات ، وتجد فيه كلّ الحلول إن شاء الله تعالى ، فما هي للمذهب الزيدي أشدّ منّي حبّاً وتمسّكاً ، ولكن عندما وجدت من ينبّهني بدأت أشك ، فبدأت أبحث ، فوصلت إلى اليقين.

وأنا الآن أُحمّل كلّ قُرّاء كتابي هذا ، أمانة البحث ليثبت على يقين ، أو يتحوّل إلى اليقين.

وفي الليل سألت والدتها عن الإمام في هذا العصر ، إذ إنّ كلّ الروايات تقول : إنّه لابدّ من إمام ، ومن لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ، وأنّ الإمام هو الحجّة والأمان لأهل الأرض و ...

فقالت : سيّدي مجد الدين المؤيدي هو حجّة العصر.

فقلت لها : ولكنّه لم يدع إلى نفسه ، إذ من شروط الإمام عند الزيدية هو

٢١

الدعوة والقيام.

فقالت : إنّه قد دعى إلى نفسه في عصر آل حميد الدين قبل الثورة في اليمن.

فسكت وبقيت أفكّر كيف يدعو إلى نفسه في زمن إمامة الإمام يحيى أو الإمام أحمد حميد الدين؟! الذين هم أئمة الزيدية ، وذكرهم مجد الدين في كتابه ( التحف ) ، ولا يجوز له أنّ يدعو إلى نفسه في هذه الحالة ، كما ذكر السيّد مجد الدين المؤيدي نفسه في كتابه التحف : أنّه إذا دعى إمام إلى نفسه في وجود إمام آخر قتل المتأخر منهما. وفي مكان آخر : فإنّه ملعون (١).

وهنّ عندما يقرأن كلامي هذا لن يكذّبنه ؛ لأنّه حقيقة واضحة ، وإن شاء الله يكون فاتحة خير لهن بالبحث والوصول للحقّ.

وأذكر مرّة في صنعاء دعينا للغداء من قبل أحد علماء الزيدية الكبار ، وكان من خلف الباب يوصيني أنّ لا أتأثّر بالجعفرية.

فقلت له : ما هو عيبهم؟

قال : والله إنّهم أحسن من الزيدية في كلّ شيء إلّا أنّهم يقولون : يا حسين ، ويا علي ، ويا فلان .. ، وهذا شرك.

فأجابه السيّد : أنّهم يعتقدون أنّ عليّاً ، أو الحسين ، أو حتّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا حول لهم ولا قوّة إلّا بإذن الله ، وإنّما هم يتوسّلون بهم إلى الله ، ولا تجد جعفري يقول : إنّ أهل البيت لهم حول بدون إذن الله ، ومن قال بهذا فهو مشرك بالله.

فقال : هذا جيّد ، ثمّ ذهب ولم يقل شيئاً.

ثمّ سافرنا إلى إيران ، واستمريت في البحث في الكتب ، ولم أستفد من

__________________

١ ـ التحف : ٣٠٩.

٢٢

شخصيات علمية في اليمن ، وقد كنت أظن أنّها ستفيدني في البحث والنقاش ، ولم تحن الفرصة إلّا لبضعة تساؤلات لم تجد لها جواباً مقنعاً ، والتساؤلات والبحث والتحقيق والمقارنة بين كلّ حديث وآخر استمر سنوات عبر الكتب المعتبرة عند الزيدية ، حتّى أعلنت لزوجي حقيقة مذهبي وإيماني به ، رغم أنّه لم يشدّد عليّ ، بل كان يقول لي : إن كان عندك ما يفيدني فسأكون لك شاكراً ، لكنّي صرت في حرب مع نفسي ؛ إذ إنّني لم أجد ما أفيد به نفسي ، فصممت على التصريح بالحقّ ، ولا أخاف في الله لومة لائم ، رغم خوفي الشديد من والدي الكريم ـ حفظه الله ـ الذي أكنّ له الاحترام والتقدير ، وهو يحترمني فوق ما استحق بكثير ، ولي في قلبه مكانة عالية ولله الحمد ، وهذا يعود إلى أنّي أحترم رأيه ، وأهتم بالجانب الديني ، وكنت أعمل بحركة وجدّية ، وهو يشجّعني ، كثيراً فوق ما استحق ولله الحمد.

وأيضاً كنت أفكّر في والدتي وبقية الأقارب والصديقات والزميلات وطالباتي الذين طالما حدّثتهم عن الزيدية ولو أنّي ما كنت أُناقش المسائل مناقشة علمية ، وإنّما كانت أطروحات ، من قبيل : أنّ عقيدتنا هي الحقّ لوجود الأحاديث الواردة في وجوب التمسّك بأهل البيت عليهم‌السلام ، ولكن من دون تطبيق الأحاديث أو مطابقتها على مصاديقها.

ومن قبيل : أنّ الوهابية مجسّمة ومجـبّرة و ...

لقد فكّرت في هؤلاء جميعاً ماذا سيقولون عنّي؟ ولكن قلت لنفسي : إن كنت أنتقد الوهابية وغيرهم من أهل السنّة ؛ إذ لم يتّبعوا الحقّ ويبحثوا عنه ، فها أنا أرى الحقّ ولكنّي أخشى الناس ، وتذكّرت الآية الكريمة : ( وَتَخْشَى النَّاسَ

٢٣

وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ) (١) نعم ، لابدّ أنّ أعلن الحقّ ولا أخشى إلّا الله تعالى ، ولعلّ الله يهديهم ، فيصلوا للحقّ كما وصلت إليه ، وكاتم الحق شيطان أخرس.

نعم ، قد يقال : إنّ في كلّ مذهب نقاط ضعف لو جمعت لوجدت كثيرة ، والجواب : نعم ، هذا صحيح ، ولكن الفرق بين المذهب الشيعي الإمامي وغيره : أنّ الإمامية لا يختلفون في عدد الأئمة ، والقول بعصمتهم ، ووجوب امتثال أمرهم ، ولا يختلف أئمتهم في رأي أبداً ، فإذا وُجدَتْ روايتان مختلفتان فحتماً هناك مشكلة في السند أو في الدلالة أنّهم عليهم‌السلام اختلفوا بالفعل ، وأمّا ما يحصل من اختلاف بين مراجع الشيعة فهو بسبب أنّ أحدهم مثلاً يرى أنّ الحديث يدلّ على مفهوم معـيّن ، والآخر يراه يدلّ على غير ذلك المفهوم ، أو تثبت لأحدهم رواية ، والآخر لم تثبت له تلك الرّواية عن المعصوم ، وأمّا إذا ثبتت فلا يخالفها المرجع أبداً ؛ لأنّه مجتهد في الروايات عن المعصوم ، وليس مجتهداً برأيه مقابل رأي المعصوم ؛ لأنّهم لا يعتقدون أنّ الإمام عليه‌السلام مجتهد يخطأ ويصيب ، إنّما هم سفينة النجاة وباب علم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله و ...

وأمّا باقي المذاهب الأخرى التي ترى عدالة الصحابة جميعاً فالاختلاف بين نفس الصحابة وليس فقط بين علمائهم ، فالفرق كبير وشاسع بينهم.

__________________

١ ـ الأحزاب (٣٣) : ٣٧.

٢٤

المقدّمة

الحمد لله الذي جعلنا من أمّة نبيّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهدانا بالرجوع إلى أُمنائه المعصومين ، وأُصلّي وأُسلّم عليهم ما دامت الدنيا باقية ببقائهم وثابتة بوجودهم.

وبعد ، يسرّني في هذا البحث المتواضع أنّ أكتب عن الإمامة الخاصّة لأهل البيت عليهم‌السلام ، وأُ ثبت ذلك من الكتاب والسنّة ، مخاطبة بذلك المنصفين الذين يشهدون بالحقّ ولو على أنفسهم والأقربين ، وبما أنّني في كتابي ( وعرفت من هم أهل البيت عليهم‌السلام ) كان أكثر خطابي للزيدية ، وإثبات حقيقة المذهب الجعفري ، وإثبات الإمامة في اثنى عشر خليفة من مصادرهم الموثوقة ، فقد جعلت خطابي في هذا الكتاب لمن يُسمّون بأهل السنّة ، أو من هو حيران لا يدري إلى من ينتمي ، أو من هو جاهل لا يعرف التشيع إلّا من لسان أعدائه أو مخالفيه لسبب ما.

نعم ، أنا لا أدّعي أنّني جئت بما لم يجئ به من قبلي ، فقد كتب العلماء والمحقّقون والفضلاء الشيعة من شيخنا المفيد إلى شيخنا الأميني إلى شيخنا الكوراني إلى غيرهم ، ممن كتبوا الكثير حول الولاية ، وأثبتوها بالنصوص القاطعة ، إلّا أنّ ما دفعني لكتابة هذا البحث عدّة أسباب ، منها : أنّني أعرف أخاطب مربيّات الأجيال ومخرّجات الرجال بطريقتهنّ الخاصّة ، ولأنّي قد وُجّهَت إليّ بعض الأسئلة ممن قد لمست منهنّ البراءة وصدق السؤال ، لهذا

٢٥

لخّصت حواري معهنّ حول ماقد دار بيننا ، وماهو محور النقاش الذي أُواجهه في أكثر من مكان ، ومع أكثر من أخت ، ولم تسمح الظروف بالجواب الكافي مع مصدره ، والآن وبحمد الله تعالى تيسّرت الظروف بأن أكتب هذا البحث المتواضع علّه يكون فاتحة خير لنا بالثواب ولهنّ بالهداية ، ومضمون كلامي في هذا البحث لهنّ ولكلّ منصف هو الآتي :

١ ـ جواب على ما رأيته من تساؤلات بعض العيون الحائرة في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفرق والأحزاب : ( كلّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) (١) تلك العيون الحائرة الباحثة عن الحق لاتدري أين هو؟! ولو عرفته لاتّبعته ، وليس المتعصبة عن جهل أوعن علم فهي تدري بالحق ولكن تحرّفه على هواها كما فعله من كان قبلهم : ( مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ) (٢).

نعم ، فقد قرأت البراء ة والحيرة في عيون كثيرة ، وواجهت الكثير من الأسئلة البريئة التي لم تحن الفرصة للوفاء بحقّها ، فأنا هنا أردت أنّ أُبيّن لهم أسباب تعدد الفرق والأحزاب (٣) وأُبيّن الفرقة الناجية من بينها ، وأثبت ذلك بالعقل والنقل ـ إن شاء تعالى ـ علماً أنّ بحثي كلّه من الصحاح والمسانيد والكتب السنيّة المعتبرة ، ولا يعني أنّ كتبهم معتبرة عندنا ، إنّما نحاججهم بما

__________________

١ ـ الروم (٣٠) : ٣٢.

٢ ـ النساء (٤) : ٤٦.

٣ ـ لمزيد من التوضيح حول مسألة الخلاف بين البشر راجع كتاب ( بنور القرآن اهتديت ) للسيّد يحيى طالب مشاري. فقد كان التركيز على هذه المسألة أهمّ عامل في استبصاري.

٢٦

يعتبروه هم صحيح.

٢ ـ جواب لكلّ منصف حيران لا يدري أين الحق هل هو مع السنّة أم هو مع الشيعة؟ فأنا في هذا البحث وضعت أصبعي على نقطة الخلاف ، وهي الولاية لأهل البيت عليهم‌السلام فإنّ ثبتت ثبت مذهب أتباعهم ( الشيعة ) ، وإن لم تثبت فالحقّ مع غيرهم ، ولكن سنثبت إن شاء الله تعالى من الكتاب والسنّة أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ترك أُمّته على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها ، ولم يذهب عن الدنيا إلّا بعد الوصيّة الصريحة بخلافة أهل بيته عليهم‌السلام في أُمّته ، وجعلهم الفرقة الناجية ، المنجية كما سنبيّن ذلك إن شاء الله تعالى.

٣ ـ وأُثبت من الكتاب والسنة أنّ الشيعة ليسو مغالين كما يزعم البعض بأنّهم هم أتباع أهل البيت وأنّ الشيعة مغالون! بل إنّ ما تعتقده الشيعة في أهل البيت عليهم‌السلام وارد فيهم حقّاً ، وأنّ المغالي ماهو إلّا من قال فيهم مالا يستحقّون ، والشيعة تكفّر الغلاة وتتبراء منهم ، أمّا من قال واعتقد في أهل البيت عليهم‌السلام بماجاء به القرآن الكريم والسنّة الصحيحة فهو متبّع ومسلّم للسنّة النبوية وللأمر الإلهي ، ونحن نسرد أدلّتنا على وجوب الولاية من الصحاح والمسانيد ، ونقول : أتلوا كتبكم لعلّكم تهتدون.

٤ ـ وأُثبت بالدليل أنّ الفرق والأحزاب الموجودة الآن ما هي إلّا نتيجة السقيفة ، وتدبير من خالفوا النصّ الواضح الصريح في الأمر الإلهي بالولاية لأهل البيت عليهم‌السلام ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا

٢٧

بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين ) (١) واجتهدوا في دين الله بالهوى ، وغلبهم حبّ السلطة والتسلّط في الأرض ، فكان نتيجة ذلك تعدد الفرق والمذاهب والأحزاب إلى يومنا هذا ، وقد اعترف بذلك الصحابة والتابعين وتابعيهم ، فالحقّ يظهر مهما سعى الأعداء في إخفائه ، فإنّ الله يظهره على ألسنتهم ليكون حجّة عليهم ، كما قال تعالى لأهل الكتاب : ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) (٢).

ولكنهم يحرفونه حسب أهوائهم والله تعالى يخاطبهم بأن يقرأوا كتبهم لتشهد عليهم ( قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) (٣).

ويدّعون أشياء كاذبة بدون دليل فيقول لهم المولى عزّ وجلّ : ( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) (٤).

والشيعة دائماً تقول لمن يفترون عليهم : هاتوا صحاحكم ، هاتوا مسانيدكم وكتبكم المعتبرة لديكم لنرى من الصادق في مدّعاه؟! فإنّ صحاحكم تثبت صدق مدّعانا.

ولكن كما لجأ أهل الكتاب إلى تحريف كتبهم فكذلك حصل للطبعات الأخيرة من الصحاح والمسانيد وغيرها ، ولكن بقي رغم كلّ جهد بُذل في

__________________

١ ـ المائدة (٥) : ٦٧.

٢ ـ البقرة (٢) : ٨٩.

٣ ـ آل عمران (٢) : ٩٣.

٤ ـ البقرة (٢) : ١١١.

٢٨

إخفاء الحقيقة مع مرور الأزمان وتعدد الأيدي والأهداف ما يثبت مدّعانا ، ونحن نطلب النقاش العلمي لعلّ الله يهدي بأيدينا بعضاً من تلك العيون المتحيّرة والقلوب الصافية المنصفة ، ( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أنّ يكون لك حمر النعم ) (١).

٥ ـ وبيّنت أنّ الولاية صمّام الأمان في كلّ مجتمع ، ولسبب جهلها أو سوء الاستفادة منها وجدنا مجتمعاتنا تزرع ولا تجني الثمر ، وفي فشل مستمر كما بيّن ذلك علماء السياسة والتأريخ.

٦ ـ وبيّنت أنّ الفرق والأحزاب قد ظهرت في المجتمع الإسلامي بعد رحيل مؤسس الدولة الإسلامية وواضع منهجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والسبب هو عدم التزام الناس بالقيادة العلياً المنصوبة من قبل الله تعالى على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي .. ) (٢) ، وأنّ سبب كلّ هذه الحيرة والضباب والتفرق ما هو إلّا نتيجة السقيفة ، ثمّ المناهج الأموية ، ثمّ العباسية ، ثمّ تداول الأيدي الحليفة لها أو اللامبالية في دينها ، حتّى وصل الأمر إلى أنّ الطالب العربي أو المسلم في الدول الإسلامية ـ باستثناء إيران الإسلامية الشيعية أو من درس في المعاهد الشيعية الخاصّة ـ يكمل الجامعة وهو يعتقد أنّ خولة بنت الأزور بطلة النساء ، ولا يعرف عن بطلة كربلاء شيئاً!! وأنّ عائشة أفضل النساء وأحبّهنّ إلى قلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يعرف عن قرّة عين

__________________

١ ـ صحيح البخاري ٤ : ٢٠٧ ، كتاب فضائل أصحاب النبي ، باب مناقب علي بن أبي طالب.

٢ ـ المصنّف ٧ : ٤١٨ ، كتاب الفضائل ، حديث٤١.

٢٩

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وبضعته إلّا اليسير!!

وأنّ أبا بكر أفضل الصحابة ، ولا يعرف عن نفس الرسول وحبيبه ووصيّه إلّا اليسير!!

وأنّ خالد بن الوليد هو البطل الضرغام ، وصلاح الدين الأيوبي الفاتح الناصح ، ولا يعرف عن بطل كربلاء شيئاً!!

وأنّ معاوية حليم العرب وعمرو بن العاص داهيتهم ، ولا يعرف عن حليم آل البيت شيئاً!!

وهذا ما أنا متأكّدة منه في مناهجنا الدراسية الأكاديمية ، ولا يعرف الحقيقة إلّا من درس في المعاهد الدينية الشيعية ، أو ذهب إلى إيران الإسلامية ، أو من قرأ كتب الشيعة وتابع علماءهم ولو عبر الفضائيات ونحوها ، وأنا في هذا البحث أُثبت بالعقل والنقل أنّ في مناهجنا الدراسية الكثير من الظلم لأهل بيت النبوّة صلى‌الله‌عليه‌وآله في كتمان فضلهم ، ونشر فضل أعدائهم.

وأنصح كلّ مؤمن منصف يخاف أنّ يظلم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهله أنّ يقرأ هذا البحث وغيره ، ممن بحث هذه المسألة بانصاف حتّى يعرف الحق وأهله ويتّبعه ، ويعلن أمام الورى ظلم الأمّة لأهل بيت نبيها صلوات الله عليهم أجمعين.

٧ ـ بيّنت أنّ ماعند الفرق الإسلامية من بضاعة في موضوع الإمامة أو الخلافة إلى وقتنا الحاضر يؤكّد أنّ أهل السنّة يخلطون بيّن الإمامة والحكم ، وأنّهم استخدموا اصطلاح الإمامة حيناّ والخلافة حيناً آخر للتعبير عن معنى واحد هو رئاسة الدولة ، لكننا لا نقف على شيء من هذا الخلط عند الشيعة الإمامية قديماً وحديثاً ، فكلّما اطّلعت أكثر على عقائدهم كلّما اطمأننت أنّ الحقّ معهم ، وأنّهم سفينة النجاة وأمان لأهل الأرض ، وأنّ تفرّق وتشعّب الفرق المخالفة للشيعة

٣٠

سببه الحكومات التي حكمتنا باسم الإسلام ، وسياسة مبرمجة لإبقاء هذا الجمهور معصوب العينين ، حتّى لا يفهم شيئاً عن حقائقهم المخزية ، ولكن لابدّ من يوم أنّ تظهر فيه الحقيقة ، ويتولّى الحقّ أهله ، ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) (١).

٨ ـ ذكرت بعض القصص الواقعيّة والحوارات الحديثة كشاهد حي يصدقه من شهده ، ويحسّ بصدقه من قرأه ؛ لأنّه حقيقة معاشه وملموسه في واقعنا المعاصر.

٩ ـ من خلال بحثي لما جاء من الأدلّة لإثبات وصيّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أُمّته باتباع أهل بيته عليهم‌السلام مطلقاً أجبنا على بعض الشبهات والتحريفات حول فضائل أهل البيت عليهم‌السلام التي حاول البعض أنّ يحرّفها أو يسرقها لغيرهم أو يكذّبها ؛ لأنّها تدلّ على إمامتهم ، ووجوب موالاتهم ، وأنّه لا يخلو زمن منهم.

ومن هنا رأيت أنّ أدع هذا الكتاب يجد طريقه إلى المنصفين علّه يكون بداية وفاتحة خير ، وجواب لتلك الأسئلة والحائرة التي قرأتها في تلك العيون المتحيّرة ، ووحدة إسلامية تحت ظل ولي أمرهم ، ومن الله تعالى نستمد السداد والتوفيق.

المؤلّفة

حسينة حسن الدريب

__________________

١ ـ الأنبياء (٢١) : ١٠٥.

٣١
٣٢

تمهيد

هل يصدّق عاقل أنّ الصحابة قد أحسّوا بأهميّة إدارة الأُمّة فأجمعوا فشكّلوا اجتماع السقيفة لاختيار مدير لها ، وأدركوا الحاجة إلى الدولة والنظام ، ولم يدرك ذلك الله ورسوله؟! ـ معاذ الله ـ وهو الذي بلّغ الحجّة على أنّ النعمة قد تمّت ، وأنّ الدين قد اكتمل : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينا ) (١) وأنّه مابقي شيء مما يهم الإنسانية في أمور دينها ودنياها إلّا في كتابه العزيز : ( ومَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) (٢).

بل نقول : إنّ القيادة هي أهم أمر شدّد عليه الإسلام ، وكرّره الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في أكثر من موقف ابتداءً بحديث الدار عند نزول آية الإنذار وحتّى حديث الغدير ، بل حتّى أنّ طلب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ يؤتى بدواة وقرطاس يكتب لأُمّته كتاباً لا يضلّوا بعده أبداً ، وهذا الكتاب الذي أراد أنّ يكتبه ويبيّنه هو مفاد حديث الثقلين المشهور والمتواتر بأنّ أهل البيت والقرآن لا يضلّ من تمسك بهما أبداً ، والوصيّة لأهل البيت عليهم‌السلام حتّى آخر الحجج المهدي المنتظر ( عجل الله فرجه ).

لشدّة أهميّة الخلافة الإسلامية ، والقيادة الحكيمة ، وضرورة وحدة القيادة جعل بدوره من ينوب عنه في غيبته لكي لا يسود الهرج والمرج في الأُمّة ، فصدر

__________________

١ ـ المائدة (٥) : ٣.

٢ ـ الأنعام (٦) : ٣٩.

٣٣

التوقيع من الإمام المهدي ( عجل الله فرجه ) ، والذي يقول فيه : ( وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنّهم حجّتي عليكم ، وأنا حجّة الله عليهم ) (١) فهم سلام الله عليهم يهتمّون بأمر القيادة اهتماماً كبيراً لأنّ وحدة القيادة حتمية عقلاً ونقلاً.

بل إنّ الخلفاء أنفسهم أوصى بعضهم لبعض ، كما يقولون إنّ أبا بكر أوصى لعمر ، وعمر أوصى لستة ـ بغضّ النظر عن التخبّط الكبير في موضوع الخلافة ، وهل كانت شورى أو بالنصب ـ بحجّة أنّ القائد الكفوء لابدّ من تعيينه من قبل أهل الخبرة ، فنحن نرى أنّ الله تعالى هو الخبير البصير أخبر رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن القادة على أُمّته وهم أهل بيته ، وأهل بيته اختاروا من ينوب عنهم في الغيبة الكبرى ؛ لأنّ القيادة لابدّ أنّ تكون بأمر الله تعالى وبأمر من أمر الله بطاعته وقيادته.

بل حتّى ابن تيميّة اعتبر الولاية من أعظم واجبات الدين فقد قال : ( إنّ ولاية أمر الناس أعظم واجبات الدين ، بل لا قيام للدين إلّا بها ، فإنّ بني آدم لا تتم مصالحهم إلّا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى البعض ، ولابدّ لهم عند الاجتماع من رأس ، حتّى قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمّروا أحدهم .. فالواجب اتّخاذ الإمارة ديناً وقربة يتقرّب بها إلى الله ، فإنّ التقرّب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات ) (٢).

ولكن لا فرق عنده بين الرئيس وحاكم الجور ، وبين الأئمة الذين أمرنا الله

__________________

١ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ٤٨٤ ، الباب ٤٥ في ذكر التوقيعات.

٢ ـ السياسة الشرعية : ١٦٥ ـ ١٦٦.

٣٤

تعالى بطاعتهم ، وبين القيادة العامّة ، فتأريخنا ينبغي أنّ نحلله وفق مبادئ الإسلام نفسه ، وقواعده التي وضعها ، ونفرّق بين الحكّام الذين أخذوا الحكم بالسيف والجور ، وبين من نصبهم الله تعالى أماناً للأُمّة من الاختلاف والهلاك ، ونخرّب ما بنته أيدي الحكّام الظلمة ، ثمّ تداولته عقول مغفّلة في زمن الحكم المخالف لسفينة النجاة.

والآن ونحن في زمن الغيبة الكبرى ، وتحت ظلّ الثورة الإسلامية الإيرانية حفظها الله تعالى التي قام بها الشعب الإيراني المسلم البطل بقيادة إمام المسلمين ومكسّر أصنام المستعمرين سماحة آية الله العظمى الإمام المجاهد السيّد روح الله الموسوي الخميني ( قدس سره ) ـ يتمتع المسلم الشيعي بإبداء رأيه ، وأفكاره ، وعقيدته ، ومناقشة أبناء المذاهب والأديان الأُخرى بعدما كانوا يضطرّون للتقيّة في أكثر العصور ، فهذه الحكومة الإسلامية التي حققها هذا الشعب البطل ، وبها ثبت أنّ الإسلام قادر على إدارة البلاد والعباد في هذا الزمن الذي يدعوا فيه أعداء الدين إلى فصل الدين عن السياسة.

فإيران الإسلامية تمثّل أعظم دولة في السياسة والعدل ، بل الديمقراطية والحرية في إطار الإسلام ، وإعطاء كلّ ذي حق حقّه عملاً وتطبيقاً لا شعاراً برّاقاً ، وطبّقت ولاية الفقية ، وأخرجتها من دفّات الكتب ، إذ في تأريخ الفكر الشيعي فكرة ولاية الفقيه ثابتة ، لكنها في دفّات الكتب فقط ؛ لأنّها نادت بذلك وهي خارج السلطة ، أمّا الإمام الخميني ( قدس سره ) فقد أثمرت فكرته ؛ لأنّه تمكّن من إقامة نظام جديد ، أمسك فيه بعنان الحكم ، ومن ثمّ اكتسبت أفكاره قوّة من قوّة الحاكم المسلم الشيعي الذي ينهج نهج أمير المؤمنين عليه‌السلام

وولاية الفقيه تعني أنّ الفقيه المجتهد الجامع للشروط نائب الإمام المعصوم

٣٥

في حال غيبته ، وهو الحاكم والرئيس المطلق (١).

له ما للإمام في الفصل في القضايا والحكم بين الناس ، وإنّ ما اتّفق عليه علماء الطائفة الحقّة ، وأثبتوه بالأدلّة والبراهين أنّ الأرض لا تخلو من حجّة ، من إمام ظاهر معلوم أو باطن مستور ، لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ، ولو خليت الأرض لساخت بأهلها ، ولأصبح أعاليها أسافلها ، فصلاحها من الله تعالى بالإمام ، ولو لم يبق في الأرض إلّا اثنان لكان أحدهما الحجّة كما في الأخبار (٢) ، ولذلك انتجب المولى تعالى بحكمته أنبياءه ورسله ، واختارهم أُمناء على وحيه ، وقواماً على خلقه ، وشهداء يوم حشره ، ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) (٣) بالحجج والآيات ، حتّى خاتمهم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد الكائنات.

ولما كانت نبوّات الأنبياء السابقين مختصّة بأزمانهم وأجيالهم ، اقتضت الحكمة أنّ تكون معاجزهم محدودة الأجل ، لتكون حجّة على من رآها ، وحجّة على من سمع بها بالتواتر ، ولابدّ للرسالة الخالدة أيضاً من حجّة خالد ة إلى يوم يبعثون ، ليسير الثقلان جنباً لجنب ، وهذا ما جاء في حديث الثقلين المتواتر ؛ لأنّ أمد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأجله معلوم ، فترك في أُمّته ثقلين ليكونا للأُمّة أمانين من الاختلاف ، الثقل الأوّل ، القرآن الكريم ، وهو حمّال ذو وجوه ( مِنْهُ آيَاتٌ

__________________

١ ـ راجع عقائد الإمامية للشيخ العلاّمة محمّد رضا المظفر : ٢٢ ، تحت عنوان ( عقيدتنا في المجتهد ) ، وغيره من كتب الشيعة التي بحثت ولاية الفقيه مفصّلة.

٢ ـ كمال الدين وتمام النعمة : الباب ٢١ و٢٢.

٣ ـ البقرة (٢) : ١٤٣.

٣٦

مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ) (١) ، والثقل الثاني : هم عترته ، ومن عندهم علم الكتاب.

ولكن البعض لم يقبلوا بالثقل الثاني فنشأت الخلافات ، وبرز الشقاق فاستغلّها أهل الفسوق والنفاق ، في فتن دامسة ، فتركوا الناس فيها تائهون حائرون ، فلو تمسّكوا بالثقل الثاني ، لركبوا سفينة النجاة ، ولأمنوا من دمس الجهل واختلاف الرأي ؛ لأنّهم عليهم‌السلام سفينة النجاة من الغرق في بحر الاختلاف.

ونحن في هذا البحث نثبت أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نصبهم أولياء للناس ، ووصفهم بقرناء القرآن ، وسفينة النجاة ، وأمان أهل الأرض وغيرها من الأوصاف ، ولنا أدلّة كثيرة على ذلك من القرآن الكريم والسنّة الصحيحة.

__________________

١ ـ آل عمران (٣) : ٧.

٣٧
٣٨

الدليل الأوّل : حديث الدار وآية الإنذار

قال الله تعالى لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين ) (١).

إنّ هذا دليل نقلي صحيح متواتر عند نقلة التأريخ والأثر ، حيث إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أوصى إلى علي في مبدأ الدعوة الإسلامية ، حين أنزل الله سبحانه : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين ) ولم يزل بعد ذلك يكرر وصيّته إليه ، ويؤكّدها المرّة بعد المرّة ، حتّى قوله صلّى الله عليه وآله : ( ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ) ، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا : هجر رسول الله ، فقال لهم : ( قوموا عنّي ) (٢) فاكتفى بعهوده اللفظية التي سوف نسردها من كتب التأريخ والحديث والتفسير السنيّة نصّاً صريحاً يصدّق بعضه بعضاً ويشد أزر بعضه بعضاً كالقرآن الكريم يردّ متشابهه لمحكمه ، فيفهمه من أراد فهمه ، ويبقى من في قلبه مرض يتخبّط في لجاجته وعناده.

نصّ ماجاء في السيرة النبوية لابن كثير :

وقال الحافظ أبو بكر البيهقى في الدلائل : ( أخبرنا ) محمّد بن عبد الحافظ ، حدّثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب ، حدّثنا أحمد بن عبد الجبّار ، حدّثنا يونس بن بكير ، عن محمّد بن إسحاق ، قال : فحدّثني من سمع عبد الله بن الحارث بن

__________________

١ ـ الشعراء (٢٦) : ٢١٤.

٢ ـ سوف نورد النص والمصدر في الصفحات التالية إن شاء الله تعالى.

٣٩

نوفل ، واستكتمني اسمه ، عن ابن عباس ، عن على بن أبى طالب ، قال : لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين ) ، ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِين ).

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( عرفت أنّي إن بادأت بها قومي رأيت منهم ما أكره ، فصمت. فجاءني جبريل عليه‌السلام فقال : يا محمّد إن لم تفعل ما أمرك به ربّك عذّبك بالنار ).

قال : فدعاني فقال : ( يا علي إنّ الله قد أمرني أنّ أنذر عشيرتي الأقربين ، فاصنع لنا يا علي شاة على صاع من طعام ، وأعدّ لنا عس لبن ، ثمّ اجمع لي بني عبد المطلب. ففعلت ، فاجتمعوا له يومئذ ، وهم أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون ، فيهم أعمامه : أبو طالب ، وحمزة ، والعباس ، وأبو لهب الكافر الخبيث. فقدّمت إليهم تلك الجفنة ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منها حذية فشقّها بأسنانه ، ثمّ رمى بها في نواحيها وقال : ( كلوا بسم الله ).

فأكل القوم حتّى نهلوا عنه ، ما نرى إلّا آثار أصابعهم ، والله إن كان الرجل ليأكل مثلها. ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( اسقهم يا علي ) ، فجئت بذلك القعب فشربوا منه حتّى نهلوا جميعاً ، وأيم الله إن كان الرجل ليشرب مثله. فلمّا أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ يكلّمهم بدره أبو لهب لعنه الله فقال : لهد ما سحركم صاحبكم! فتفرّقوا ، ولم يكلّمهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فلمّا كان من الغد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( عد لنا مثل الذي كنت صنعت لنا بالأمس من الطعام والشراب ، فإنّ هذا الرجل قد بدر إلى ما سمعت قبل أنّ أكلّم القوم ).

٤٠