ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

حسينة حسن الدّريب

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

المؤلف:

حسينة حسن الدّريب


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-50-8
الصفحات: ٣٨٤

وبالعشي سبعين مرّة ، ومع ذلك يصححون خبره ، ويروون عنه ويوثّقوه!!

ومن هنا يمكن للباحث الحر أنّ يعرف موازين هؤلاء ومعاييرهم في تصحيح الحديث وتوثيق الراوي وحتّى لا تكن من هؤلاء أيّها القارئ المنصف عليك أن تحكّم عقلك ، ولا تكن ممن يبرر لنفسه حبّهم أو التكتّم عليهم بحجّة من الحجج ، كمن قال عن قتلة أهل البيت عليهم‌السلام إنّه ليس منافقاً ، وإنّما اجتهد فأخطأ ، كما برروا لقادة الجمل وصفين وكربلاء!!

ولكننا نلفت أذهان القرّاء الكرام أن يستخدموا مشاعرهم وعقولهم في أنّه هل هذا عذر مقبول أم لا؟ فهذا نتركه على عاتق الباحث المنصف ليصل هو للجواب السليم.

وعلى ذكر كلمة طليق أنقل كلام سمعته لأحد قابلته القناة التلفزيونية الفضائية المسمّاة بـ ( المستقلة ) في أوائل عام ٢٠٠٧ م قال : إنّه لا يوجد في كلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لآل أبي سفيان : ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ). حتّى يدلّ على أنّهم لم يكونوا مسلمين قبل عام الفتح ، بل هم أسلموا وحسن إسلامهم وأبلوا في سبيل الله تعالى بلاءً حسناً قبل عام الفتح!!

ونحن نترك جوابه على الذهبي في تعريفه للطلقاء بقوله : ( الطلقاء هم كّفار قريش الذين جمعهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد فتح مكّة ، وقال لهم : ما تظنون أنّي فاعل بكم؟ فقالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ، فقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء ) (١).

وقال ابن قتيبة في تعريف الطلقاء أيضاً : ( طليق ، يعني : من الطلقاء الذين

__________________

١ ـ سير أعلام النبلاء للذهبي ج ٤ ص ٤٩٥.

٢٠١

قال لهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكّة اذهبوا فأنتم الطلقاء ) (١) ..

وذكر الطبري : ( .. ثمّ تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ( يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ) (٢) الآية ، يا معشر قريش ، ويا أهل مكّة ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا : خيراً أخ كريم وابن أخ كريم ، ثمّ قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء ، فأعتقهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنوة ، وكانوا له فيأً ، فبذلك يسمّى أهل مكّة الطلقاء ، ثمّ اجتمع الناس بمكّة لبيعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الإسلام ) (٣).

وفي تاريخ ابن خلدون : ( ... ثم تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ( يأيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى ) إلى خبير ، يا معشر قريش ، ويا أهل مكّة ما ترون أنّي فاعل فيكم؟ قالوا : خيراً أخ كريم ، ثمّ قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء ، وأعتقهم على الإسلام ، وجلس لهم فيما قيل على الصفا فبايعوه على السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا ) (٤).

وفي تاريخ ابن خلدون أيضاً : ( ... واستغلظت رياسة بني أمية في قريش ، ثمّ استحكمتها مشيخة قريش من سائر البطون في بدر ، وهلك فيها عظماء بنى عبد شمس عتبة وربيعة والوليد وعقبة بن أبي معيط وغيرهم ، فاستقل أبو سفيان

__________________

١ ـ الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزيني ج ١ ص ٨٩.

٢ ـ الحجرات (٤٩) : ١٣.

٣ ـ تاريخ لطبري ج ٢ ، ص ٣٣٧ ، والبداية والنهاية لابن كثير ج ٤ ص ٣٤٤.

٤ ـ تاريخ ابن خلدون ج ٢ ، ص ٤٥.

٢٠٢

بشرف بني أمية والتقدّم في قريش ، وكان رئيسهم في أحد ، وقائدهم في الأحزاب وما بعدها ، ولمّا كان الفتح قال العباس للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لما أسلم أبو سفيان ليلتئذ كما هو معروف ، وكان صديقاً له ـ : يا رسول الله إنّ أبا سفيان رجل يحبّ الفخر فاجعل له ذكراً فقال : من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ، ثمّ منّ على قريش بعد أنّ ملكهم يومئذٍ وقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء وأسلموا ) (١).

نكات مهمّة وردت في هذه النصوص يجب الالتفات إليها :

١ ـ الطلقاء هم كّفار قريش.

٢ ـ اذهبوا فأنتم الطلقاء.

٣ ـ وأعتقهم على الإسلام.

٤ ـ لمّا أسلم أبو سفيان.

وليت كلّ منصف يسمع كلام هذا الرجل الذي يدافع عن أبي سفيان ، ويفكر في معركة بدر وأُحد ، ثمّ الجمل وصفين ، ثمّ وكربلا كم جرت فيها من دماء بسبب من يصفهم أنّهم أبلوا في سبيل الله.

نعم ، إنّهم عندما يحسّوا بقوّة الدليل يقولون : لا يجوز ذكر مساوئهم ، بل لهم ما كسبوا ولنا ما كسبنا ، ويستدلون بقوله تعالى : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (٢). على أنّه لا يجوز ذكر الماضين بسوء ، ويقرءون ( تسألون ) بفتح التاء ، أي : لا تسألوا أنتم عن عملهم ، والآية واضحة أنّها بضم التاء ، أي : أنّ الله لا يسألكم عن عملهم ،

__________________

١ ـ تاريخ ابن خلدون ج ٣ ، ص ٣.

٢ ـ البقرة (٢) : ١٣.

٢٠٣

أي : لا يؤاخذكم بذنبهم ، فلن يأمرنا أن لا نسأل عن عمل الماضيين وهو تعالى قد حثّنا في القرآن الكريم على استطلاع أخبار الأمم السابقة لنستخلص منها العبر ، فقد حكى الله لنا عن فرعون وهامان ونمرود وقارون وعن الأنبياء السابقين وشعوبهم ، وذلك لا للتسلية ولكن ليعرفنا الحق من الباطل ، ولكي نعرف أولياء الله فنواليهم ، ونعرف أعداؤه تعالى فنعاديهم ، وهذا ما طلبه منا القرآن الكريم ، بل نحن نرى ونسمع من خطابات القوم ومواعظهم ودروسهم ذكر أعمال أصحاب موسى وعيسى ، فلم عندما يصل الدور إلى أصحاب نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله هنا لا يجوز ذكر أعمالهم غير الصالحة أمّا مدحهم فهو ثواب عظيم؟! فالآية واضحة أنّها تعني أنّ الله تعالى لا يسأل قوم عن عمل آخرين ، أي : لا يؤاخذهم بذنوبهم ، وهذا مصداق لقوله تعالى : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىُ ) (١).

وأنقل نصّاً عن تفسير الشيخ الطوسي ( رحمه الله ) : ( قوله تعالى : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ، المعنى : قيل : في تكرار قوله ( تلك أمّة قد خلت ) قولان :

أحدهما : أنّه عني بالأوّل : إبراهيم ومن ذكر معه من الأنبياء.

والثاني : عنى به أسلافهم من آبائهم الذين هم على ملّتهم.

والقول الثاني : إنّ الجواب إذا اختلفت أوقاته فكان الثاني في غير موطن الأوّل ، وكان بعد مدّة من وقوع الأوّل بحسب ما اقتضاه الحال لم يك ذلك معيباً

__________________

١ ـ فاطر : ١٨.

٢٠٤

عند أهل اللغة ولا عند العقلاء ، والاعتراض عليهم بقوله : ( تلك أمّة قد خلت ) أنّه إذا لم تشكوا أنّ يكون فرضهم غير فرض الأمّة التي قد خلت قبلكم ، ولا تحتجّوا بأنّه لا يجوز أنّ يخالفوا عليه ، ولو سلم لكم أنّهم كانوا على ما تذكرونه ما جاز لكم أنّ تتركوا ما نقل لكم الله عنه على لسان رسوله محمّد صلّى الله عليه وآله ، إذ لله تعالى أن ينسخ من الشريعة ما شاء على ما يعلم في ذلك من وجوه الحكمة ، وعموم المصلحة.

وقيل : أن ذلك ورد مورد الوعظ لهم بأنّه : إذا كان لا يؤخذ الإنسان إلّا بعمله فينبغي أن تحذروا على أنفسكم ، وتبادروا بما يلزمكم ، ولا تتكلوا على فضائل الأباء والأجداد ، فإنّ ذلك لا ينفعكم إذا خالفتم أمر الله فيما أوجب عليكم.

والمعني بقوله : ( تلك أمّة قد خلت ) على قول قتادة والربيع : إبراهيم عليه السلام ومن ذكر معه.

وعلى قول الجبائي ، وغيره : من سلف من آبائهم الذين كانوا على ملّتهم اليهودية والنصرانية.

وقد بيّنا فيما مضى أنّ الأمّة : الجماعة التي تؤم جهة واحدة كأمّة محمّد صلّى الله عليه وآله التي تؤم العمل على ما دعا إليه ، وكذلك أمم سائر الأنبياء صلّى الله عليه وعليهم.

والخلاء الفراغ يقال : فرغ من عمله ، وفرغ من مكانه. وإنّما قيل لما مضى : خلا ؛ لأنّه خلا منه مكانه.

والكسب : الفعل الذي يجرّ لفاعله نفعاً أو يدفع به ضرراً. وإنّما قيل : كسب السيئة ؛ لأنّه أجلب النفع عاجلاً.

٢٠٥

وقوله : ( ولا تسألون ) معناه لا تطالبون. والسؤال الطلب. وهو أيضاً الإخبار الذي اقتضاه ما تقدّم من الكلام ، أي : لا يقال لكم : لم عصي آباؤكم؟ وإنّما يقال لكم : لم عصيتم ولم ظلمتم )؟ (١).

نعود لحديث المنزلة الذي هو محور هذا البحث بعد أن نقلنا نصوصه من الكتب المعتبرة ، وبيّنا بعضاً مما يجب تبيينه وأمّا من حيث السند فنقول :

كلّ ذي اطّلاع ومطالعة يعلم بأنّ المشهور بين إخواننا من أهل السنّة قطعية أحاديث الصحيحين ، لكن البعض منهم لم يلتزموا بهذه القاعدة ؛ لأنّهم يناقشون في سند حديث المنزلة فلم يسلّموا بصحته رغم أنّه في الصحاح ، فيظهر أنّه ليس هناك قاعدة يلجؤون إليها ويلتزمون بها دائماً ، وإنّما هي أهواء يسمونها قواعد وأسس ، فيطبقونها متى ما شاؤا ويتركونها متى ما شاؤا!!

ورواة هذا الحديث من الصحابة أكثر من ثلاثين ، وربما يبلغون الأربعين رجل وامرأة.

وأقرّ بصحته وتواتره أعلامهم ، يقول ابن عبد البر في الاستيعاب عن هذا الحديث : ( هومن أثبت الأخبار وأصحّها. قال : وطرق حديث سعد بن أبي وقاص كثيرة جدّاً. فذكر عدّة من الصحابة الذين رووا هذا الحديث ، ثمّ قال : وجماعة يطول ذكرهم ). ويقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري بعد أنّ يذكر أسامي عدّة من الصحابة ، ويروي نصوص روايات جمع منهم يقول : ( وقد استوعب طرقه ابن عساكر في ترجمة علي ) (٢).

__________________

١ ـ التبيان ، الشيخ الطوسي ، تفسير الآية المذكورة ١ : ٤٩١.

٢ ـ الاستيعاب٣ : ١٠٩٧ ، وتهذيب الكمال٢ : ٤٨٣ ، فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٧ : ٦٠.

٢٠٦

فهذا الحديث مضافاً إلى أنّه متواتر عند أصحابنا الإمامية هو من الأحاديث الصحيحة المعروفة المشهورة عند أهل السنة ، بل هو من الأحاديث المتواترة عندهم كذلك.

يقول الحاكم النيسابوري : ( هذا حديث دخل في حدّ التواتر ) (١). كما أنّ الحافظ السيوطي أورد هذا الحديث في كتابه الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة ، وتبعه الشيخ علي المتقي في كتابه قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة.

كذبة مفضوحة :

١ ـ إنّهم لم يكتفوا بحذف وتضعيف ماجاء في أهل بيت النبوّة عليهم‌السلام بل عمد بعضهم إلى وضع حديث المنزلة للشيخين ، فروى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( أبو بكر وعمر منّي بمنزلة هارون من موسى ) (٢).

ونقول في الجواب :

ما أسرع ما ينقض الكذب نفسه أو يفضحه أبناء جنسه ، فلقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ، وقال : ( حديث لا يصح ) (٣). ويقول الذهبي في كتابه ميزان الاعتدال : ( هذا حديث منكر )

__________________

١ ـ كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب للحافظ الكنجي : ٢٨٣ ، الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة : حرف الألف.

٢ ـ تاريخ بغداد ١١ / ٣٨٥ رقم ٦٢٥٧ ، كنوز الحقائق من حديث خير الخلائق ـ هامش الجامع الصغير ـ حرف الألف.

٣ ـ العلل المتناهية ١ / ١٩٩ رقم ٣١٢.

٢٠٧

وقال في مكان آخر : ( خبر كذب ) (١). وابن حجر العسقلاني أيضاً يكذّب هذا الحديث في لسان الميزان (٢).

فهذا الحديث الموضوع الذي شيعة أبي بكر أنفسهم ينصّون على عدم صحّته ، بالاضافة أنّه غير موجود في شيء من الصحاح والمسانيد والسنن ، ويفهم حتّى الطفل أنّه وضع مقابل حديث المنزلة الذي ذكرنا مصادره آنفا ، فماذا يسمى هذا أيّها الأحرار في دينكم وضمائركم؟!

٢ ـ قالوا : إنّ هارون لم يخلف موسى إلّا في فترة ذهابه فقط ، فكذا علي خلفه في فترة غيابه صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة تبوك.

والجواب :

١ ـ لقد بيّنا آنفاً منازل هارون من موسى ، وكلّها ثابتة للإمام علي عليه‌السلام بالنصّ إلّا النبوّة فقد استثنيت ولم يستثنى غيرها من المنازل.

٢ ـ لقد كرر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حديث المنزلة في موارد عديدة ، منها :

أ ـ غزوة تبوك ، على ما مرّ تفصيله.

ب ـ يوم غدير خمّ ، كما بيّنا في حديث الغدير.

ج ـ يوم المؤاخاة ، كما أخرجه أحمد بإسناده عن محدوج بن زيد الباهلي قال : ( آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين المهاجرين والأنصار فبكى علي عليه السلام ، فقال رسول الله : ما يبكيك؟ فقال : لم تواخ بيني وبين أحد ، فقال :

__________________

١ ـ ميزان الاعتدال ٥ / ٤٧٣ رقم ٦٩٠٠.

٢ ـ لسان الميزان ٥ / ٩ رقم ٥٨٢٨.

٢٠٨

إنّما ادخرتك لنفسي ثمّ قال : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ) (١).

د ـ عندما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في دار أم سلمة ، إذ أقبل علي يريد الدخول على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ( يا أم سلمة هل تعرفين هذا؟ قالت : نعم. قال : هذا علي سيط لحمه بلحمي ودمه بدمي ، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي ) (٢).

وعن ابن عباس أنّه قال : سمعت عمر وعنده جماعة ، فتذاكروا السابقين إلى الإسلام ، فقال عمر : ( أمّا علي ، فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول فيه ثلاث خصال ، لوددت أنّ تكون لي واحدة منهن ، كانت أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس ، كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من أصحابه ، إذ ضرب النبي صلّى الله عليه وآله على منكب علي فقال له : يا علي أنت أوّل المؤمنين إيماناً ، وأوّل المسلمين إسلاماً ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ) (٣).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما في حديث الدار : ( فأيّكم يوآزرني على أمري هذا؟ قال علي : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ، فقال : إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعواً. وفي رواية : ( وزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من

__________________

١ ـ فراجع مصادر حديث الغدير والمؤاخاة في هذا الكتاب.

٢ ـ ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ١ / ٧٨ ح ١٢٥ و ٤٠٦ ، والمناقب للخوارزمي ص ٨٦ ، وينابيع المودّة للقندوزي ١ : ١٥٨ ، ٣٨٩ ، ومجمع الزوائد ج ٩ / ١١١ ، وكفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ١٦٨ ط الحيدرية وص ٧٠ ط الغري ، وميزان الاعتدال ج ٢ / ٣ ، فرائد السمطين ج ١ / ١٥٠.

٣ ـ رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج ، والخوارزمي في مناقبه ، وابن عساكر في تاريخ دمشق : ٣ / ٣٣١ ، والمتقي الهندي في كنز العمال : ١٥ / ١٠٨ و ١٠٩.

٢٠٩

بعدي ).

وعن أسماء بنت عميس قالت : ( سمعت رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وسلم ) يقول : اللهم إنّي أقول كما قال أخي موسى : اللهم اجعل لي وزيراً من أهلي أخي علياً ، اشدد به أزري ، وأشركه في أمري ، كي نسبحك كثيراً ، ونذكرك كثيراً ، إنّك كنت بنا بصيراً ) (١).

٣ ـ إنّ خليفة موسى هو يوشع ؛ لأنّ هارون مات في زمن موسى.

والجواب :

إنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بيّن أنّ منزلة علي منه هي منزلة هارون من موسى ، ولم يقل إنّ ما يحصل لهارون يحصل لعلي.

__________________

١ ـ الرياض النضرة ٣ : ١١٨ ، ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق ١ / ١٢٠ ـ ١٢١ رقم ١٤٧ ، الدر المنثور ٥ / ٥٦٦ ، ولمزيد من المصادر راجع مصادر حديث الدار في هذا الكتاب.

٢١٠

الدليل العاشر : حديث النجوم

إنّ حدبث النجوم وحديث السفينة وحديث الثقلين وغيرها كلّها تؤكد أنّ أهل البيت عليهم‌السلام هم الفرقة الناجية من بين (٧٣) فرقة ؛ لأنّ لفظ ( من ركبها نجا ) ، ولفظ ( لن تضلّوا ما ان تمسكتم بهما أبداً ) ولفظ ( أمان لأهل الأرض ) كلّها تدلّ بوضوح أنّهم الفرقة الناجية من الضلال والانحراف.

وفيها دلالة على العصمة ؛ إذ إنّهم أمان فمن تبعهم أمن على دينه ونفسه ، وهذا لا يكون إلّا مع معصومين لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه ، وقد بيّنا في آية التطهير وغيرها من هم أهل البيت عليهم‌السلام أكثر فكن معنا.

وأمّا نصوص حديث النجوم من كتب أهل السنة المعتبرة :

الصواعق لابن حجر :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب ، اختلفوا فصاروا حزب إبليس ) (١).

__________________

١ ـ الصواعق المحرقة لابن حجر ٢ : ٤٤٥ ، ونحوه في ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي ٢ : ٤٤٣ ط اسلامبول ، وجواهر البحار للنبهاني ج ١ / ٣٦١ ط الحلبي بمصر ، وذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص ١٧ ، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص ٢٣٤ ، إحياء الميت للسيوطي بهامش الاتحاف ص ١١٢ ، الجامع الصغير للسيوطي ٢ : ٦٨٠ ، إسعاف الراغبين للصبّان الشافعي بهامش نور الأبصار ص ١٢٨ ط السعيدية وص ١١٧.

٢١١

كنز العمّال :

( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لامتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ).

( النجوم أمان لأهل السماء ، فإذا ذهبت أتاها ما يوعدون ، وأنا أمان لأصحابي ما كنت فيهم ، فإذا ذهبت أتاهم ما يوعدون ، وأهل بيتي أمان لأمّتي ، فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعدون ) (١).

المستدرك على الصحيحين :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ) (٢).

قال الحاكم : ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ).

محاولة تحريف الكلم عن مواضعه :

١ ـ قال ابن حجر : ( قال بعضهم : يحتمل أنّ المراد بأهل البيت ـ الذين هم أمان ـ علماؤهم ؛ لأنّهم الذين يهتدى بهم كالنجوم ، والذين إذا فقدوا جاء أهل الأرض من الآيات ما يوعدون ) (٣).

أقول : يكفي من ابن حجر وأمثاله الاعتراف بهذا الحديث ، أمّا محاولته

__________________

١ ـ كنز العمال ج ١٢ ، ص ١٠٢.

٢ ـ المستدرك ٣ : ١٤٩. ونوه في ٢ : ٤٤٨.

٣ ـ الصواعق المحرقة : ١٥٢.

٢١٢

صرف الحديث عن المعصومين عليهم‌السلام وجعله عام في العلماء ، فهذا لايجد له مجالاً في عقول أهل العلم والتحقيق والإنصاف ؛ لأنّ علماءهم مختلفون إلى مذاهب شتّى فأيّهم الأمان من الضلال؟!

أمّا من هم أهل البيت الذين يعنيهم الحديث؟ فالجواب في حديث الكساء ، ذلك الحديث الذي أكثر طرقه عن أم سلمة ، حيث أرادت الدخول مع الخمسة عليهم‌السلام تحت الكساء ، فجذب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الكساء ، ولم يأذن لها بالدخول ، وقال لها : ( وإنك على خير أو إلى خير ) والحديث أيضاً وارد عن عائشة.

أخرج الترمذي عن عمرو بن أبي سلمة ، قال : لمّا نزلت هذه الآية على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، في بيت أم سلمة ؛ فدعا فاطمة وحسناً وحسيناً ، فجللهم بكساء ، وعلي خلف ظهره ، فجلله بكساء ، ثم قال : ( اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس ، وظهّرهم تطهيراً ) ، قالت أمّ سلمة : وأنا معهم يا رسول الله؟ قال : ( أنت على خير ) (١).

وقال الألباني : ( صحيح ) (٢).

٢ ـ هناك حديث يروونه وهو : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ).

الجواب :

__________________

١ ـ سنن الترمذي ٥ : ٣٢٨ ، كتاب تفسير القرآن.

٢ ـ صحيح سنن الترمذي ٣ : ٣٠٦.

٢١٣

إنّ مصير محاولاتهم الفشل ؛ لأنّهم يكذّب بعضهم بعضاً ، وأمّا أهل البيت عليهم‌السلام فيدعم بعضهم بعضاً.

ولقد ضعّف حديث أصحابي كالنجوم أعلامهم ومفسّريهم ومحدّثيهم ، كالحافظ الدارقطني ، إذ أخرجه في كتابه ( غرائب مالك ) ، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني.

وكذّبه ابن حزم وحكم ببطلانه وكونه موضوعاً.

وذكر ذلك جماعة ، منهم : أبو حيّان حيث قال عند ذكره هذا الحديث : ( قال الحافظ أبو محمّد بن أحمد بن حزم في رسالته في ( إبطال الرأي والقياس والاستحسان والتعليل والتقليد ) ما نصّه : ( وهذا خبر مكذوب موضوع باطل لم يصح قط ) (١).

وضعّف حديث أصحابي كالنجوم الحافظ البيهقي في كتابه ( المدخل ) على ما نقل عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني (٢).

وقال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر ما نصّه : قد روى أبو شهاب الحناط ، عن حمزة الجزري ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أصحابي مثل النجوم فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم.

وهذا إسناد لا يصح ، ولا يرويه عن نافع من يحتج به.

وقد روى في هذا الحديث إسناد غير ما ذكر البزار عن سلام بن سليم قال :

__________________

١ ـ المحيط ٥ / ٥٢٨ ، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ١ / ٧٨.

٢ ـ الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف المطبوع على هامش الكشاف ٢ / ٦٢٨.

٢١٤

حدّثنا الحارث بن غصين ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم.

قال أبو عمرو : هذا إسناد لا تقوم به حجّة ، لأنّ الحارث بن غصين مجهول (١).

وصرّح بضعف حديث أصحابي كالنجوم الحافظ ابن عساكر.

وقال الحافظ ابن الجوزي ما نصّه : روى نعيم بن حماد ، قال : نا عبد الرحيم ابن زيد العمي ، عن أبيه ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سألت ربّي فيما يختلف فيه أصحابي من بعدي ، فأوحى إليّ يا محمّد : إنّ أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء بعضها أضوأ من بعض ، فمن أخذ بشيء مما عليه من اختلافهم فهو على هدى.

وقال يحيى بن معين : عبد الرحيم كذّاب (٢).

قدح الحافظ ابن دحية في حديث أصحابي كالنجوم ونفى صحتّه ، فقد قال الحافظ الزين العراقي ما نصّه : ( وقال ابن دحية ـ وقد ذكر حديث أصحابي كالنجوم ـ حديث لا يصح (٣).

وقال الحافظ أبو محمّد بن أحمد بن حزم في رسالته ( إبطال الرأي والقياس والاستحسان والتعليل والتقليد ) ما نصّه : وهذا خبر مكذوب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مما في أيدي العامة ترويه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : إنما مثل أصحابي كمثل النجوم ـ أو كالنجوم ـ بأيّها اقتدوا اهتدوا.

__________________

١ ـ جامع بيان العلم ٢ / ٩٠ ـ ٩١.

٢ ـ العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ، وفيض القدير في شرح الجامع الصغير ٤ / ٧٦.

٣ ـ تعليق تخريج أحاديث منهاج البيضاوي. جاء ذلك عنه في عبقات الأنوار.

٢١٥

وهذا كلام لم يصح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رواه عبد الرحيم بن زيد العمى ، عن أبيه ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وإنّما أتى ضعف هذا الحديث من قبل عبد الرحيم ، لأنّ أهل العلم سكتوا عن الرواية لحديثه.

والكلام أيضاً منكر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يثبت ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يبيح الاختلاف من بعده من أصحابه.

قال ابن معين : عبد الرحيم بن زيد كذّاب ليس بشيء ، وقال البخاري : هو متروك.

وقدح شمس الدين ابن القيم الجوزية في حديث النجوم ، حيث قال في ردّ المقلّدين وأدلّتهم :

الوجه الخامس والأربعون : قولهم : يكفي في صحة التقليد الحديث المشهور : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.

جوابه من وجوه :

أحدها : إنّ هذا الحديث قد روي من طريق الأعمش عن أبي سفيان بن جابر ، ومن حديث سعيد بن المسيب عن ابن عمر ، ومن طريق حمزة الجزري عن نافع عن ابن عمر ، ولا يثبت شيء منها.

قال ابن عبد البر : حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن سعيد : إنّ أبا عبد الله بن مفرح حدّثهم ثنا محمّد بن أيوب الصّموت قال : قال لنا البزار : وأمّا ما يروى عن النبي

٢١٦

صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم فهذا الكلام لا يصح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

وقال الحافظ الزين العراقي ما نصّه : ( حديث أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم : رواه الدارقطني في ( الفضائل ) وابن عبد البر في ( العلم ) من طريقه من حديث جابر وقال : هذا إسناد لا تقوم به حجّة ، لأنّ الحارث بن غصين مجهول.

ورواه عبد بن حميد في ( مسنده ) من رواية عبد الرحيم بن زيد العمي ، عن أبيه ، عن ابن المسيب ، عن ابن عمر. قال البزار : منكر لا يصح.

ورواه ابن عدي في ( الكامل ) من رواية حمزة بن أبي حمزة النصيبي ، عن نافع ، عن ابن عمر بلفظ : فأيّهم أخذتم بقوله ـ بدل اقتديتم ـ وإسناده ضعيف من أجل حمزة فقد اتّهم بالكذب.

ورواه البيهقي في ( المدخل ) من حديث عمر ومن حديث ابن عباس بنحوه ، ومن وجه آخر مرسلاً وقال : متنه مشهور وأسانيده ضعيفة لم يثبت في هذا إسناد.

قال البيهقي : ويؤدّي بعض معناه حديث أبي موسى : النجوم أمنة لأهل السماء ـ وفيه ـ : أصحابي أمنة لأمّتي الحديث.

والدارقطني في ( المؤتلف ) من رواية سلام بن سليم ، عن الحارث بن غصين ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر مرفوعاً ، وسلام ضعيف.

__________________

١ ـ إعلام الموقعين ٢ / ٢٢٣.

٢١٧

وأخرجه في ( غرائب مالك ) من طريق حميد بن زيد ، عن مالك ، عن جعفر ابن محمّد ، عن أبيه ، عن جابر في أثناء حديث وفيه : فبأيّ قول أصحابي أخذتم اهتديتم ، إنما مثل أصحابي مثل النجوم من أخذ بنجم منها اهتدى ، وقال : لا يثبت عن مالك ، ورواته دون مالك مجهولون.

ورواه عبد بن حميد والدارقطني في ( الفضائل ) من حديث حمزة الجزري ، عن نافع ، عن ابن حمزة. وحمزة اتّهموه بالوضع.

ورواه القضاعي في ( مسند شهاب ) من حديث أبي هريرة ، وفيه جعفر ابن عبد الواحد الهاشمي ، وقد كذّبوه.

ورواه ابن طاهر من رواية بشر بن الحسن ، عن الزبيري عدي ، عن أنس ، وبشر كان متّهماً أيضاً.

وأخرجه البيهقي في ( المدخل ) من رواية جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس. وجويبر متروك ، ومن رواية جويبر عن جوّاب بن عبيد الله مرفوعاً. وهو مرسل.

قال البيهقي : هذا المتن مشهور وأسانيده كلّها ضعيفة.

وروى في ( المدخل ) أيضاً عن ابن عمر : سألت ربّي فيما يختلف فيه أصحابي من بعدي ، فأوحى إليّ يا محمّد أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء بعضها أضوأ من بعض فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى. وفي إسناده عبد الرحيم بن زيد العمي. وهو متروك (١).

__________________

١ ـ الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف المطبوع بهامش الكتاب ، ٢ / ٦٢٨.

٢١٨

وقال القاضي الشوكاني في مبحث الإجماع : وهكذا حديث أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ، يفيد حجّية قول كلّ واحد منهم.

وفيه مقال معروف ، لأنّ في رجاله عبد الرحيم العمي عن أبيه ، وهما ضعيفان جدّاً ، بل قال ابن معين : إنّ عبد الرحيم كذّاب ، وقال البخاري : متروك ، وكذا قال أبو حاتم.

وله طريق آخر فيه : حمزة النصيبي وهو ضعيف جدّاً ، قال البخاري : منكر الحديث ، وقال ابن معين : لا يساوي فلساً ، وقال ابن عدي : عامّة مروياته موضوعة.

وروى أيضاً من طريق : جميل بن زيد ، وهو مجهول (١).

وما ذكرناه كان على سبيل المثال ، إذ إنّ هناك علماء كثيرين غيرهم يصرّحون بضعف حديث أصحابي كالنجوم ، فراجع (٢).

هذه نبذة من أقوالهم في ردّ حديث أصحابي كالنجوم وتضعيفه والحكم بوضعه ، فثبت أنّه مجعول لأغراض سياسية ، ( وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ). بل إنّه لا يمكن أن يكون كلّ الصحابة أمان لمن تبعهم ؛ لأنّه صحب الرسول حتّى المنافقين ، كعبد الله بن أبي ومعاوية وامثالهم وممن انقلبوا من بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله على أعقابهم خاسرين فقد ورد في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما من تبيين حال بعض الصحابة ماهذا نصّه : ( وإنّ أناساً من أصحابي

__________________

١ ـ إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول : ٨٣.

٢ ـ راجع : سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية.

٢١٩

يؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : أصحابي أصحابي فيقال : إنّهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم ) (١).

وفي موضع آخر : ليرفعن رجال منكم ، ثمّ ليختلجن دوني فأقول : يا ربّ أصحابي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك (٢).

وفي موضع آخر : أقول : إنّهم منّي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول : سحقاً لمن غيّر بعدي (٣).

وفي آخر : فأقول : يا ربّ أصحابي ، فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى.

وفي آخر : بينا أنا قائم إذا زمرة حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، فقال : هلمّ ، فقلت : أين؟ قال : إلى النار والله ، قلت : وما شأنهم؟ قال : إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى ، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم (٤).

قال القسطلاني في شرح صحيح البخاري في هذا الحديث : همل ، بفتح الهاء والميم : ضوال الإبل ، واحدها : هامل ، أو : الإبل بلا راع ، ولا يقال ذلك في الغنم ، يعني : أنّ الناجي منهم قليل في قلّة النعم الضالّة ، وهذا يشعر بأنّهم صنفان كفّار وعصاة.

نعم ، إنّ الصحابة لا يصح أن يكونوا كلّهم أمان ونجاة لمن اقتدى بهم ،

__________________

١ ـ صحيح البخاري ج ٤ ص ١١٠ ، وج ٥ ص ١٩١ وص ٢٤١ ، و ج ٧ ص ١٩٥ ، وسنن الترمذي ج ٤ ص ٣٨ ، وسنن النسائي ج ٤ ص ١١٧ ، وصحيح مسلم ج ٨ ص ١٥٧.

٢ ـ صحيح البخاري ٨ : ١٤٨ ، وسنن ابن ماجه ج ٢ص ١٠١٦ ، وسنن الترمذي ج ٥ص ٤.

٣ ـ صحيح البخاري ٨ : ١٥٠ و ٩ : ٥٩.

٤ ـ صحيح البخاري ٨ : ١٥٠ ـ ١٥١.

٢٢٠