ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

حسينة حسن الدّريب

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

المؤلف:

حسينة حسن الدّريب


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-50-8
الصفحات: ٣٨٤

الأمر إلينا ، ضيّقنا عليهم وقتلناهم أكثر من بني أمية إياهم ) (١).

وأمّا الإمام الجواد عليه‌السلام فقال الذهبي عنه : ( من سادات أهل بيت النبوّة ).

وقال الصفدي ذلك.

وفي تاريخ الخطيب ما يفيد أنّه كان يرجع اليه في معاني الأخبار وحقائق الأحكام.

وله مناظرات معروفة مع يحيى بن أكثم وغيره.

وكما وجّهت له الكثير من الأسئلة بعد رحلة والده عليه‌السلام فأجاب عليها إجابات حاسمة بهتت المخالف والمؤالف ) (٢).

نعم ، إنّ التاريخ لم يذكر كثيراً من فضائله ، ولا من بعده من الأئمة عليهم‌السلام بسبب الحصار الذي كان من قبل أعداء آل محمّد عليهم‌السلام فمثلاً : المأمون لمّا رأى من فضل الإمام الجواد عليه‌السلام على صغر سنّه حبس علومه عن الناس لكي لا يفتنوا به ، ولكن لم يستطيعوا إخماد نور الله ، فإمامتهم ثبتت رغم كلّ المحاولات ، فحديث الاثنى عشر ذاع وانتشر رغم خطورته على مناصب السلف والخلف المخالف للذريّة الطاهرة ، ويؤيّد ذلك الأخبار الواردة عند

__________________

١ ـ تهذيب التهذيب٧ : ٣٣٩ ، ١٤٠٤. والمنتظم لابن الجوزي١٠ : ١١٩ ـ١٢٠ رقم ١١١٤ ، وسير أعلام النبلاء ٩ : ٣٨٨ ، وتاريخ الإسلام من ص ٢٠١ ـ٢٢٠ : ٢٧٠ ، ينابيع الموّدة ٣ : ٣٧٦ ، باب ٩٢.

ملاحظة : الشيعة تعتقد أنّ المأمون خبيث وعدوٌ لآل محمّد عليهم‌السلام ، إنّما كان يتظاهر باحترام الإمام أمام الناس خوفاً منهم حتّى أنّه قتله وتظاهر بالحزن عليه.

٢ ـ راجع تاريخ بغداد : ٣ : ٥٤ ، ودلائل الإمامة للطبري : ٢٠٤ ، والإمام الجواد من المهد إلى اللحد للقزويني : ص ١٦٨ ـ ١٧٢.

١٨١

السنة ، بل وردت أحاديث تذكرهم بصفاتهم وأسمائهم (١).

ونحن قبل أن نناقش مسألة أنّه هل يمكن أن يأخذ الإمام منصب الإمامة في الصغر أم لا؟ لابدّ أن نثبت أنّ الإمامة منصب إلهي كالنبوّة ، فإذا اقتنع المخالف بذلك ، فسنقول له كذلك أوتي يحيى وعيسى الحكم والنبوّة في صغرهما كما بيّن ذلك القرآن الكريم (٢) ، واذا لم يقتنع بذلك فلا داعي للمناقشة في مسألة متفرّعة على الإيمان بذلك الأصل.

وقد أثبت المحققون والمؤلّفون الشيعة بأدلّة كافية أنّ ولاية أهل البيت عليهم‌السلام منصب إلهي وأمر سماوي لاسلطة للبشر فيه ، وهم الأئمة الاثنى عشر عليهم‌السلام.

وقلنا إنّ الأئمة عليهم‌السلام حوصروا من قبل الحكّام كالإمام الهادي عليه‌السلام وشهد بذلك المؤرّخون من أبناء السنّة كالخطيب في تاريخه قال : ( أشخصه جعفر المتوكل من مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بغداد ، ثمّ إلى سرّ من رأى ، فقدمها وأقام فيها عشرين سنة وتسعة اشهر ولذا عرف بالعسكري ) (٣).

ورغم كلّ ذلك فقد بزغ نور النبوّة ولو كره الكارهون ، وشهد أعلام أهل السنة بذلك ، واعترفوا بفقهه وعبادته وزهده ، قال اليافعي : ( كان الإمام علي الهادي متعبّداً فقيهاً إماماً ).

__________________

١ ـ راجع كتابي ( ( وعرفت من هم أهل البيت عليهم‌السلام ) ) فإنّي قد أوردت ما فيه الكفاية حول الأئمة الاثنى عشر عليهم‌السلام.

٢ ـ ( يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً ) مريم : ١٢. ( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً).مريم : ٢٩.

٣ ـ تاريخ بغداد ج ١٢ / ٥٦ مرآة الجنان ٢١١٩ ـ.

١٨٢

وقال ابن كثير : ( كان عابداً زاهداً ) (١).

وقد ظهرت منزلته العلمية في قضية اتّفقت للمتوكل ، عجز العلماء عن إعطاء الرأي الصحيح فيها ، فحلّها الإمام عليه‌السلام ، وقد ذكر القصّة الخطيب البغدادي في تاريخه (٢).

والإمام العسكري عليه‌السلام الذي كان أكثر عمره الشريف تحت النظر والحصار ، وممنوع من الالتقاء به ونشر علمه ، ومع ذلك فقد ظهرت منه فوائد وكرامات نقلت عنه في كتب أهل السنّة (٣).

وقد عرف الإمامان الهادي والعسكري عليهما‌السلام بالعسكريين لحصرهما في المعسكر العباسي ، ورغم ذلك فهم لم يستطيعوا أن يطفؤوا نور الله ، ولم ولن يستطيع من كان قبلهم ولا من أتى بعدهم.

ثمّ بعده الإمام الثاني عشر محمّد بن الحسن المهدي المنتظر ( عجل الله فرجه ) ، وفيه بحث خاص حول وجوده الشريف ، وغيبته ، وما يتعلّق بذلك بالأدلّة الوثيقة من كتب الزيدية والسنة ، وذلك في كتابي ( وعرفت من هم أهل البيت عليهم‌السلام ) فراجع.

وبعد أن سردنا بالدليل أقوال أئمة أهل البيت عليهم‌السلام في أنفسهم ، وأقوال من خالفهم فيهم وفي أنفسهم نسرد بالدليل أيضاً أقوال الأئمة الأربعة في أنفسهم

__________________

١ ـ البداية والنهاية ٦ : ١١ ـ ١٥.

٢ ـ تاريخ بغداد ج ١٢ص ٥٦ ـ ٥٧.

٣ ـ راجع : الفصول المهمة في معرفة الأئمة ص ٢٨٤ ـ ٢٩٠ ـ ، وروض الرياحين لليافعي ، وعنه جواهر العقدين ق ٢ج ٢٤٣١ ، وجامع كرامات الأولياء للنبهاني٢١٨.

١٨٣

لنرى الفرق بين من يقول : ( اسألوني قبل أن تفقدوني ).

( ونحن حجج الله وبيّناته ). وبين من يقول : ( أقيلوني فلست بخيركم ).

( ونقول القول ونرجع عنه غداً ). و( قولنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه ، فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منّا ... )

هذه الاقوال وعليكم التحليل وأخذ النتيجة.

قال الأئمة الأربعة عن أنفسهم :

١ ـ أبو حنيفة :

( لا يحلّ لأحد أنّ يأخذ بقولنا ما لم يعرف من أين أخذناه ).

وفي رواية : ( لا ينبغي لمن لم يعرف دليلي أنّ يفتي بكلامي ). وزاد في رواية : ( فإنّنا بشر نقول القول ونرجع عنه غداً ).

قولنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه ، فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منّا ).

وقيل لأبي حنيفة : يا أبا حنيفة هذا الذي تفتي فيه هو الحق الذي لا شك فيه؟ فقال : ( لا أدري ، لعله الباطل الذي لا شك فيه ).

وقال زفر : ( كنّا نختلف إلى أبي حنيفة ومعنا أبو يوسف ومحمّد بن الحسن فكنّا نكتب عنه ، فقال يوماً لأبي يوسف : ويحك يعقوب! لا تكتب كلّ ما تسمعه منّي ، فإنّي قد أرى الرأي اليوم فأتركه غداً ، وأرى الرأي غداً فأتركه بعد غد ) (١).

__________________

١ ـ الانتقاء ، ابن عبد البر : ص ١٤٥ ، إعلام الموقعين ، ابن القيم ٢ / ٣٠٩ ، القول المفيد ، الشوكاني : ص ٤٩ ، مجموعة الرسائل المنيرية ، الصنعاني ١ / ٢٨ ، حجّة الله البالغة ، الشاه دهلوي ١ / ١٥٨ ، إسلامنا ، مصطفى الرافعي : ص ٦٢ ، ملخص إبطال القياس والرأي ، ابن حزم : ص ٦٦ ، تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي ٣ / ٤٢ ، مجموعة فتاوى ابن تيمية ٢٠ / ٢١١ ، الميزان ، الشعراني ١ / ٥٥ ، أدب الاختلاف في الإسلام ، طه العلواني : ص ٧٥. أبو زهرة نقلاً عن تاريخ بغداد ٣ / ٤٢ ، وانظر الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء ، حاشية ابن عابدين ١ / ٦٣ ، رسالة رسم المفتي ١ / ٤ من مجموع رسائل ابن عابدين.

١٨٤

٢ ـ مالك بن أنس :

( إنّما أنا بشر أخطئ وأصيب ، فانظروا في رأيي فكلّ ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به ، وكلّ ما لا يوافق الكتاب والسنة فاتركوه ) (١).

قال ابن حزم : ( فهذا مالك ينهى عن تقليده ، وكذلك أبو حنيفة ، وكذلك الشافعي ، فلاح الحق لمن لم يغش نفسه ، ولم تسبق إليه الضلالة ، نعوذ بالله منها ).

وقال الشوكاني : ( ولا يخفى عليك أنّ هذا تصريح منه بالمنع من تقليده ).

وقال مالك أيضاً : ( ليس لأحد بعد النبي ( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) إلّا ويؤخذ من قوله ويترك إلّا النبي ).

وذكر الطبري في كتاب تهذيب الآثار ، بإسناده إلى مالك ، قال : قال مالك : ( قبض رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) وقد تمّ هذا الأمر واستكمل ، فإنّما ينبغي أنّ تتبع آثار رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) ، ولا تتبع الرأي ، فإنّه متى اتّبع الرأي جاء رجل آخر أقوى في الرأي منك فاتبعته ، فأنت كلّما جاء رجل عليك اتّبعته ، أرى هذا لا يتم ) (٢).

__________________

١ ـ الجامع ، ابن عبد البر٢ : ٣٢ ، الإيقاظ : ص ٧٢ ، الأتباع : ص ٧٩ ، ملخص إبطال القياس : ص ٦٦ ـ ٦٧ ، مجموع فتاوى ابن تيمية : ٢٠ / ٢١١ ، مختصر المؤمل : ص ٦١ ، معنى قول الإمام المطلبي إذا صحّ الحديث فهو مذهبي ، تقي الدين السبكي ، تحقيق : علي نايف بقاعي ، ص ١٢٥.

٢ ـ الإحكام : ٦ / ٢٩٤ ، القول المفيد : ص ٥٠ ، إرشاد السالك ، ابن عبد الهادي وصححه : ١ / ٢٢٧ ، حجّة الله البالغة : ٢ / ١٥٠ و ١٥٧ ، مختصر المؤمل : ص ١٦٠ و ١٦٦ ، إحياء علوم الدين ، الغزالي : ١ / ٧٨ ، الإنصاف : ص ٥٣ و ١٠٤ ، معنى قول

١٨٥

وقال القعنبي : ( دخلت على مالك في مرضه الذي مات فيه ، فسلّمت عليه ، فرأيته يبكي ، فقلت : يا أبا عبد الله ما الذي يبكيك؟ فقال لي : يا ابن قعنب ومالي لا أبكي! ومن أحقّ بالبكاء منّي! لوددت أنّي ضربت سوطاً وقد كانت لي السعة فيما سبقت إليه ، وليتني لم أفت بالرأي ). يقول ابن حزم : ( فهذا رجوع منه عن كلّ ما أفتى منه برأي ، وهذا ثبت عنه ).

وروي أنّ مالكاً أفتى في طلاق البتة ـ أي : الطلاق الذي لا رجعة فيه ـ أنّها ثلاث ، فنظر إلى أشهب قد كتبها ، فقال : امحها ، أنا كلما قلت قولاً جعلتموه قرآناً! أما يدريك! لعلّي سأرجع عنها غداً فأقول : هي واحدة ) (١).

٣ ـ الإمام الشافعي :

قال حرملة بن يحيى : قال الشافعي : ( ما قلت وكان النبي ( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قد قال بخلاف قولي ، فما صحّ من حديث النبي أولى ولا تقلّدوني ).

وقال : ( كلّ مسألة صحّ فيها الخبر عن رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) عند أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد مماتي ).

قال الربيع بن سليمان : سمعت الشافعي يقول : ( إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) فقولوا بها ودعوا ما قلت ) (٢).

__________________

الإمام المطلبي : ١٢٧ ، جامع بيان العلم وفضله : ٢ / ٣٣. إعلام الموقعين : ١ / ٧٨ ، الإيقاظ : ص ١٨.

١ ـ إعلام الموقعين ج ٢ / ١٩٩.

٢ ـ الحاوي : ص ١٨ ، آداب الشافعي ومناقبه ، ابن أبي حاتم الرازي : ص ٩٣ ، سير أعلام النبلاء ، ١٠ / ٣٣ ، القول المفيد : ص ٦٢ ، إعلام الموقعين ٢ / ٢٨٥ ، مختصر المؤمل ، أبي شامة : ص ٥٨ ، إرشاد النقاد : ص ١٤٢ ، الإيقاظ : ص ٥٠وص ١٠٠ ، تحفة الأنام : ص ٣٤ ، تاريخ دمشق لابن عساكر : ٥١ / ٣٨٩ ، أبو نعيم ٩ / ١٠٧ ، المجموع ،

١٨٦

٤ ـ أحمد بن حنبل :

( لا تقلّدني!! ولا تقلّد مالكاً!! ولا الشافعي!! ولا الأوزاعي! ولا الثوري! وخذ من حيث أخذوا ).

وقال : ( رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي سفيان كلّه رأي ، وهو عندي سواء ، وإنّما الحجّة في الآثار ).

وقال : ( اُنظروا في أمر دينكم فإنّ التقليد لغير المعصوم مذموم ، وفيه عمى للبصيرة ) (١).

وقفة ضمير :

بعد كلّ هذه الأخبار عن سلفكم وأئمتكم وعلمائكم ، هل يصح الإعراض عن أهل البيت عليهم‌السلام القائلين : نحن حجج الله عليكم ، نحن قرناء القرآن؟!

وبعد شهادة سلفكم ( الصحابة ) وأئمتكم ( الأئمة الأربعة ) في حقّ أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين الميامين عليهم‌السلام هل يبقى شك في وجوب اتّباع سفينة النجاة؟! سؤال موجّه إلى كلّ ذي ضمير حي لا يقلّد في دينه أحد فإنّ كان شكّه في الدليل فها هو ، وان كان شكّه في المصدر فليبحث بنفسه ، ويتأكّد من صدق

__________________

الهروي ١ / ٤٧ ، مختصر المؤمل : ص ٥٧ ، مقدمة الحاوي ، الماوردي الشافعي : ص ١٨ ، صفوة الصفوة ٢ / ٢٥٧.

١ ـ حجّة الله البالغة : ١ / ١٥٧ ، الإنصاف : ص ١٠٥ ، والمدخل لدراسة الشريعة الإسلامية ، أحمد الشافعي : ص ١٠٥ ، إسلامنا : ص ٦٢ ، مختصر المؤمل ، أبي شامة الشافعي : ص ٦٠. ٥ ، مجموع فتاوى ابن تيمية : ٢٠ / ٢١١ ـ ٢١٢ ، إعلام الموقعين : ٢ / ٢٠١ ، الإيقاظ : ص ١١٣ ، مجموعة الرسائل المنيرية : ١ / ٢٧ ، الجامع : ٢ / ١٠٨٢ ، أضواء على السنة المحمّدية ، محمود أبو رية : ص ٣٨٤ نقلا عن الإسلام الصحيح : ص ٢٩٧.

١٨٧

أدلّتنا بانصاف وأمانه وتعقّل ، وليس كغيره ممن يفضّلون الخلفاء الثلاثة على الإمام عليه‌السلام بلا دليل وبرهان.

ولكن هذا من هوان الدنيا على الله أن يصبر على كثير من الناس وهو يراهم يعرضون عن أوليائه ، وقد بيّن لهم السبيل ، وهداهم لأوليائه.

نعم ، قد يقال : إنّ اسم أهل البيت عليهم‌السلام لم يصرح به في القرآن الكريم ، وهذا السؤال كثيراً ما سمعته أجيب من واجهني بالسؤال أو تسائل عبر الفضائيات أو عبر أيّ وسيلة أو حتّى مع نفسه بما يلي :

إنّ القرآن الكريم قال : أقيموا الصلاة ، ولم يبيّن أنّ عدد ركعات الظهر كذا والعصر كذا.

وكذلك قال : آتوا الزكاة ، ولم يبيّن مقدارها.

وقال : جاهدوا في سبيل الله ، لكنه ترك تعيين وقت الجهاد على ولي الأمر في كلّ عصر ، فكذلك الإمامة قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) ، فقد قرن الله تعالى طاعته بطاعة رسوله وأولي الأمر من بعده ، إذن كلّ مسلم لابدّ أن يعرف من هم أولي الأمر الذين قرن الله سبحانه طاعتهم بطاعته بدون استثناء ، هنا ترك الجواب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما ترك تبيين عدد الركعات وتفصيل الصلاة التي هي عمود الدين إليه.

وفي هذا الكتاب بحثنا هذه الآية بحثا وافياً ، وعرفنا من هم أولي الأمر الذين تجب طاعتهم على كلّ مكلّف ، فتابع.

__________________

١ ـ النساء : ٥٩.

١٨٨

الدليل التاسع : حديث المنزلة

سوف نبيّن فيما يأتي مامعنى المنزلة وأهميتها ، ولكن نبدأ بمصادرها من الكتب المعتبرة عند أهل السنة ، وأهمّها صحيح البخاري ، فقد جاء فيه ما يلي :

حدّثنا محمّد بن بشار ، حدّثنا غندر ، حدّثنا شعبة ، عن سعد قال : سمعت إبراهيم بن سعد عن أبيه [ أي سعد بن أبي وقاص ] قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي : ( أما ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ) (١).

قال : وحدّثنا مسدد ، حدّثنا يحيى ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مصعب ـ مصعب بن سعد بن أبي وقاص ـ عن أبيه : ( إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج إلى تبوك فاستخلّف علياً فقال : أتكلّفني بالصبيان والنساء؟ قال : ألا ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه ليس بعدي نبي ) (٢).

صحيح مسلم :

حدّثنا محمّد بن المنكدر ، عن سعيد بن المسيب ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي : ( انت منّى بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي قال سعيد : فأحببت أن أشافه بها سعداً فلقيت سعداً فحدّثته بما حدّثنى عامر ، فقال : أنا سمعته ، فقلت : أنت

__________________

١ ـ صحيح البخاري ٤ : ٢٠٨.

٢ ـ صحيح البخاري ٥ : ١٢٩.

١٨٩

سمعته؟ فوضع إصبعيه على أذنيه فقال : نعم ، وإلاّ فاستكّتا.

وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدّثنا غندر ، عن شعبة ح ، وحدّثنا محمّد بن المثنى وابن بشار قالا : حدّثنا محمّد بن جعفر حدّثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص ، عن سعد بن أبي وقاص قال : ( خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك فقال يا رسول الله تخلّفني في النساء والصبيان؟ فقال : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي ).

حدّثنا عبيد الله بن معاذ ، حدّثنا أبي حدّثنا شعبة في هذا الإسناد.

حدّثنا قتيبة بن سعيد ومحمّد بن عباد ( وتقاربا في اللفظ ) قالا : حدّثنا حاتم ( وهو ابن إسماعيل ) عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن تسبّ أبا التراب؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلن أسبّه لأن تكون لي واحدة منهن احبّ إلى من حمر النعم ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول له خلفه في بعض مغازيه فقال له علي : يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أما ترضى ان تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوّة بعدي وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله. قال : فتطاولنا لها فقال : ادعوا لي علياً ، فأتي به أرمد ، فبصق في عينه ، ودفع الراية إليه ففتح الله عليه. ولمّا نزلت هذه الآية ( فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ) دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللهم هؤلاء أهلي ).

حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدّثنا غندر ، عن شعبة ح ، وحدّثنا محمّد بن

١٩٠

المثنى وابن بشار قالا : حدّثنا محمّد بن جعفر ، حدّثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم سمعت إبراهيم بن سعد ، عن سعد ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال لعلي : ( أما ترضى ان تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ).

حدّثنا قتيبة بن سعيد ، حدّثنا يعقوب ( يعني : ابن عبد الرحمن القاري ) عن سهيل ، عن أبيه عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم خيبر : ( لأعطين هذه الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ، يفتح الله على يديه. قال عمر بن الخطاب : ما أحببت الإمارة إلّا يومئذٍ ، قال : فتساورت لها رجاء أن أدعى لها ، قال : فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على بن أبي طالب فاعطاه إياها ، وقال : امش ولا تلتفت حتّى يفتح الله عليك ، قال : فسار علي شيئاً ، ثمّ وقف ولم يلتفت فصرخ يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟ قال : قاتلهم حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله ، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها وحسابهم على الله ).

حدّثنا قتيبة بن سعيد ، حدّثنا عبد العزيز ( يعني : ابن أبي حازم ) عن أبي حازم عن سهل ح ، وحدّثنا قتيبة بن سعيد ( واللفظ هذا ) حدّثنا يعقوب ( يعني : ابن عبد الرحمن ) عن أبي حازم ، أخبرني سهل بن سعد أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم خيبر : ( لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله على يديه يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله قال : فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها ، قال : فلمّا أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلّهم يرجون أن يعطاها ، فقال : أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا : هو يارسول الله يشتكي عينيه ، قال : فارسلوا إليه ، فأتي به ، فبصق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عينيه ، ودعا له فبرأ حتّى كأن لم يكن به وجع ، فاعطاه الراية ، فقال علي : يارسول الله أقاتلهم

١٩١

حتّى يكونوا مثلنا ، فقال : انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم ، ثمّ ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم ).

حدّثنا قتيبة بن سعيد ، حدّثنا حاتم ( يعني : ابن إسماعيل ) عن يزيد بن أبي عبيد ، عن سلمة بن الأكوع قال : ( كان علي قد تخلّف عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في خيبر ، وكان رمداً ، فقال : أنا أتخلّف عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟! فخرج علي فلحق بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلمّا كان مساء الليلة التي فتحها الله في صباحها قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لأعطين الراية أو ليأخذن بالراية غداً رجل يحبّه الله ورسوله ، أو قال : يحبّ الله ورسوله يفتح الله عليه. فإذا نحن بعلي وما نرجوه فقالوا : هذا علي ، فأعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية ، ففتح الله عليه ) (١).

سنن الترمذي :

حدّثنا قتيبة ، ( أخبرنا ) حاتم بن إسماعيل ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : ( أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أنّ تسب أبا تراب؟ قال : أما ما ذكرت ; ثلاثاً قالهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلن أسبّه لأن تكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول لعلي : وخلفه في بعض مغازيه؟ فقال له : يارسول الله تخلّفني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أما ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوّة بعدى.

__________________

١ ـ صحيح مسلم : ج ٧ ، ص ١٢٠ ـ ١٢٢.

١٩٢

وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. قال : فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا لي علياً ، قال : فأتاه وبه رمد ، فبصق في عينه ، فدفع الراية إليه ، ففتح الله عليه ، وأنزلت هذه الآية : ( ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ) الآية ، دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللهم هؤلاء أهلي )

حدّثنا علي بن المنذر ، ( أخبرنا ) ابن فضيل ، عن سالم ابن أبي حفصة ، عن عطية عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي : ( يا علي لا يحلّ لأحد أنّ يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك. قال علي بن المنذر : قلت لضرار بن صرد : ما معنى هذا الحديث؟ قال : لا يحلّ لأحد يستطرقه جنباً غيري وغيرك به ).

حدّثنا القاسم بن دينار الكوفي ، ( أخبرنا ) أبو نعيم ، عن عبد السلام بن حرب ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن سعد بن أبي وقاص : ( أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلي : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ).

هذا حديث حسن صحيح.

حدّثنا محمود بن غيلان ، ( أخبرنا ) أبو أحمد الزبيري ، عن شريك ، عن عبد الله بن محمّد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله : ( أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلي : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي ) (١).

فضائل الصحابة :

أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار ، قال : أنا أبو نعيم ، قال ثنا عبد السلام ،

__________________

١ ـ سنن الترمذي ج ٥ : ص ٣٠١ ـ ٣٠٤.

١٩٣

عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن سعد بن أبي وقاص أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلي : ( أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ).

أخبرنا علي بن مسلم ، قال : ثنا يوسف بن يعقوب الماجشون أبو سلمة ، قال : أخبرني محمّد بن المنكدر ، عن سعيد بن المسيب قال : ( سألت سعد بن أبي وقاص فهل سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلي : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه ليس معي أو بعدي نبي؟ قال : نعم سمعته. قلت : أنت سمعته؟ فأدخل إصبعيه في أذنيه قال : نعم وإلا فاستكتا ).

أخبرنا محمّد بن المثنى ومحمّد بن بشار قالا : أنا محمّد ، قال : أنا شعبة ، عن الحكم ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد قال : خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك فقال : يا رسول الله تخلّفني في النساء والصبيان؟ فقال : ( أما ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي ).

أخبرنا محمّد بن بشار ، قال : أنا محمّد ، قال أنا : شعبة ، عن سعد بن إبراهيم قال : سمعت إبراهيم بن سعد يحدّث عن أبيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال لعلي : ( أما ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ).

أخبرنا عمرو بن علي ، قال : أنا يحيى بن سعيد ، قال : أنا موسى الجهني قال : دخلت على فاطمة بنت علي فقال لها رفيقي : عندك شيء عن والدك مثبت قالت : حدّثتني أسماء بنت عميس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلي : ( أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي ) (١).

__________________

١ ـ فضائل الصحابة ، للنسائي : ١٣ ـ ١٤.

١٩٤

مسند أحمد :

( ... فقال له علي : أخرج معك؟ قال : فقال له نبي الله : لا ، فبكى علي ، فقال له : أما ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّك لست بنبي ، إنّه لا ينبغي أنّ أذهب إلّا وأنت خليفتي. قال : وقال له رسول الله : أنت وليي في كلّ مؤمن بعدي. وقال : سدّوا أبواب المسجد غير باب علي فقال : فيدخل المسجد جنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره قال : وقال : من كنت مولاه فإنّ مولاه علي ) (١).

المستدرك للحاكم النيسابوري :

الحسن بن محمّد بن إسحاق الأسفراييني ، ثنا عمير بن مرداس ، ثنا عبد الله ابن بكير الغنوي ، ثنا حكيم بن جبير ، عن الحسن بن سعد مولى على عن علي رضي الله عنه : ( أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أراد أن يغزو غزاة له قال : فدعا جعفراً فأمره أن يتخلّف على المدينة ، فقال : لا أتخلّف بعدك يا رسول الله أبداً ، قال : فدعاني رسول الله صلّى الله عليه وآله فعزم على لما تخلّفت قبل أن أتكّلم ، قال : فبكيت فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ما يبكيك يا علي؟ قلت : يا رسول الله يبكيني خصال غير واحدة ، تقول قريش غداً : ما أسرع ما تخلّف عن ابن عمّه وخذله ، ويبكيني خصلة أخرى كنت أريد أن أتعرّض للجهاد في سبيل الله ؛ لأنّ الله يقول : ( ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً ) إلى آخر الآية ، فكنت أريد أن أتعرّض لفضل الله ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أمّا قولك تقول قريش ما أسرع ما تخلّف عن ابن عمّه وخذله ، فإنّ لك بى

__________________

١ ـ مسند أحمد بن حنبل ج ١ ، ص ٣٣١.

١٩٥

أسوة قد قالوا : ساحر وكاهن وكذّاب أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لانبي بعدي؟ وما قولك أتعرّض لفضل الله فهذه أبهار من فلفل جاءنا من اليمن فبعه واستمتع به أنت وفاطمة حتّى يأتيكم الله من فضله ، فإنّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بك ).

هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه (١).

طبقات ابن سعد :

عن البراء بن عازب وعن زيد بن أرقم قالا : ( لما كان عند غزوة جيش العسرة وهي تبوك قال رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وسلم ) لعلي بن أبي طالب : إنّه لابدّ أنّ أقيم أو تقيم فخلّفه. فلمّا فصل رسول الله غازياً قال ناس ما خلّف علياً رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وسلم ) إلّا لشيء كرهه منه ، فبلغ ذلك علياً ، فأتبع رسول الله حتّى انتهى إليه ، فقال له : ما جاء بك يا علي؟ قال : لا يا رسول الله ، إلّا أنيّ سمعت ناساً يزعمون أنّك إنّما خلّفتني لشيء كرهته منّي ، فتضاحك رسول الله وقال : يا علي أما ترضى أنّ تكون منّي كهارون من موسى إلّا أنّك لست بنبي؟ قال : بلى يا رسول الله ، قال : فإنّه كذلك ) (٢).

الشاهد في هذه النصوص :

١ ـ أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى.

٢ ـ رجلاً يحبّ الله ورسوله.

٣ ـ يفتح الله على يديه.

__________________

١ ـ المستدرك للحاكم النيسابوري ج ٢ ص ٣٣٧.

٢ ـ طبقات ابن سعد ٣ / ٢٤.

١٩٦

٤ ـ قال عمر بن الخطاب : ما أحببت الإمارة إلّا يومئذٍ قال : فتساورت لها رجاء أن أُدعى لها. قال : فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علي بن أبي طالب فاعطاه اياها.

٥ ـ لا ينبغي أنّ أذهب إلّا وأنت خليفتي.

٦ ـ قال له رسول الله أنت وليي في كلّ مؤمن بعدي.

٧ ـ وقال : سدّوا أبواب المسجد غير باب علي ، فقال : فيدخل المسجد جنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره.

٨ ـ قال ناس ما خلّف علياً ما خلفه رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وسلم ) إلّا لشيء كرهه منه.

٩ ـ فإنّ لك بي أسوة قد قالوا : ساحر وكاهن وكذّاب.

١٠ ـ إنّه لابدّ أنّ أقيم أو تقيم.

١١ ـ تمنّي سعد خصلة من خصال علي.

١٢ ـ معاوية يأمر الصحابة بسبّ علي.

عندما يمتنع الصحابة عن سبّ علي ، عليه‌السلام ويستدلون بحديث المنزلة على فضله ، بل ويتمنّون ذلك فيهم ، فهذا دليل على أهمية هذه المنزلة فلو كانت أمراً عادياً كما يزعم البعض ـ أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله خلّف الإمام عليه‌السلام في تلك الفترة ، وليس هو خليفة بعده لما تمنّاها سعد ، وامتنع عن سبّ الإمام عليه‌السلام لسبب سماعها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّ علي عليه‌السلام.

بل يعترف بهذه المنزلة ويتمنّاها حتّى أعدائه ، والفضل ما شهدت به الأعداء ، كما في تاريخ دمشق والصواعق المحرقة وغيرهما : ( أنّ رجلاً سأل معاوية عن مسألة فقال : سل عنها علياً فهو أعلم ، قال الرجل : جوابك فيها أحبّ إليّ من

١٩٧

جواب علي ، قال معاوية : بئس ما قلت ، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وسلم ) يغرّه بالعلم غرّا ، ولقد قال له : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي ، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه ) (١).

وفي الرواية مقاطع تدلّ على أهميتها ، منها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّه لابدّ أنّ أقيم ). وبقوله : ( لا ينبغى أنّ أذهب إلّا وأنت خليفتي ). وهذا يدلّ على أنّه لو لم يبق علي عليه‌السلام لبقي هو ، وأنّه يرى علياً كنفسه ، فلا يبقى مجال لمن ادّعى أنّ الخلافة فقط في تلك الفترة كما كان هارون خليفة موسى عندما ذهب لمناجاة ربّه.

ويبيّن ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لله أنت وليي في كلّ مؤمن بعدي ، يعني بعد موتي ويبيّن ذلك منازل هارون عليه‌السلام من موسى عليه‌السلام وهي : الوزارة والخلافة.

ويؤيدّ ذلك أنّ حديث المنزلة تكرر في أكثر من مرّة ، وليس في استخلافه صلى‌الله‌عليه‌وآله له عليه‌السلام في غزوة تبوك.

وكذلك أخبار كثيرة كحديث الغدير الذي فيه : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ). وغيره من الأحاديث والأيات التي أوردت لفظ ( خليفة ) أو ( ولي ) بعد الرسول ، كما سنفصّل فيما بعد ان شاء الله تعالى.

ثمّ إنّ منازل هارون من موسى ليست منحصرة في الخلافة عندما ذهب موسى يناجي ربّه ، بل هي أكثر من ذلك كما بيّن لنا القرآن الكريم ، ومنها :

١ ـ الأخوّة : قال تعالى : ( وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً ) (٢).

__________________

١ ـ ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق ١ / ٣٩٦ رقم ٤١٠ ، الرياض النضرة ٣ / ١٦٢ ، مناقب الإمام علي للمغازلي : ٣٤ رقم ٥٢.

٢ ـ مريم : ٥٣.

١٩٨

٢ ـ الخلافة : ( وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِين ) (١).

٣ ـ شدّ الأزر : ( واجعل لي وزيراّ من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري ) (٢).

٤ ـ الوزارة : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً ) (٣).

فالإمام عليه السلام ليس خليفة النبي عندما ذهب للغزو فقط ؛ لأنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قد بيّن أنّه لا نبي بعده ، وله عليه‌السلام جميع المنازل التي كانت لهارون إلّا النبوّة ، ومن ألمنازل التي كانت لهارون الخلافة ، فيكون هذا الحديث نصّاً في الخلافة والإمامة والولاية بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتترتب على ذلك : وجوب الطاعة والانقياد المطلق.

وليس هذا هو الحديث الوحيد الذي بيّن فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ علياً خليفته ووصيّه ، بلّ إنّ هناك أحاديث كثيرة سنذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى.

جريمة لا تغفر :

إنّه يوجد من يجهل ما جاء في وجوب اتّباع أهل البيت عليهم‌السلام ، ويوجد من هو يعرف لكنه لايفهم معنى الولاية والبراءة ، ويفكّر أنّ الحبّ في القلب ممكن لهم ولعدوهم في نفس الوقت ومع ذلك قد تناله شفاعة ، وقد يغفر ويكّفر ذنبه

__________________

١ ـ الأعراف : ١٤٢.

٢ ـ طه : ٢٩.

٣ ـ الفرقان : ٣٥.

١٩٩

حسب مابذل من جهد للمعرفة ، وقد وقد ...

ولكن الجريمة التي لا تغفر هي جريمة من يتعمد التحريف والتزييف والتضعيف ونصب العداء لاهل بيت النبوّة عليهم‌السلام بطمس فضائلهم ، بل قد وصل الأمر إلى أنّ البعض من النواصب بعد أنّ عرفوا أنّ لا جدوى في المكابرة في أسانيد الحديث حرّفوه لفظيا!! ولكن ما أشنعها وأقبحها من صنيعه ، كما في ترجمة حريز بن عثمان من تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ، وأيضاً في كتاب تهذيب التهذيب لابن حجرالعسقلاني ، يروون عن حريز قوله : ( هذا الذي يرويه الناس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال لعلي : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، هذا حقّ ، ولكن أخطأ السامع. يقول الراوي : قلت : ما هو؟ قال : إنّما هو : أنت منّي بمنزلة قارون من موسى ، قلت : عمن ترويه؟ قال : سمعت الوليد بن عبد الملك يقوله وهو على المنبر ) (١).

و حريز هذا من رجال الصحاح سوى مسلم ، وكلّهم يعتمدون عليه وينقلون عنه ويصححون خبره!! فكيف تكون صحاح وهي تنقل عمن يقول ذلك في حقّ علي بن أبي طالب الصحابي الجليل والخليفة الشرعي والرابع في نظرهم ، وهم يكّفرون من سبّ معاوية الطليق ، ويعتبرون رواياته غير مقبولة؟!

وعن أحمد بن حنبل أنّه عندما سئل عن هذا الرجل قال : ثقة ثقة ثقة. وفي ترجمة هذا الرجل : أنّه كان يشتم علياً ، ويتحامل عليه بشدّة ، ونصّوا على أنّه كان ناصبياً ، وأنّه كان يقول : لا أحبّ علياً قتل آبائي ، وكان يقول : لنا إمامنا ـ يعني : معاوية ـ ولكم إمامكم ـ يعني : علياً ـ وكان يلعن علياً بالغداة سبعين مرّة ،

__________________

١ ـ تاريخ بغداد ٨ / ٢٦٨ رقم ٤٣٦٥ ، تهذيب التهذيب ٢ / ٢٠٩.

٢٠٠