ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

حسينة حسن الدّريب

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

المؤلف:

حسينة حسن الدّريب


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-50-8
الصفحات: ٣٨٤

فضل ذلك في بيت المال ، ثمّ نزل ، فعرضت له امرأة من قريش ، فقالت : يا أمير المؤمنين أكتاب الله تعالى أحق أنّ يتبع أو قولك؟ قال : بل كتاب الله ، فما ذاك؟ قالت : نهيت الناس آنفاً أنّ يغالوا في صداق النساء ، والله تعالى يقول في كتابه : ( وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئا ) (١) فقال عمر : كلّ أحد أفقه من عمر. مرّتين أو ثلاثاً ).

وفي رواية قال عمر : ( امرأة أصابت ورجل أخطأ ).

وفي رواية أخرى قال : ( كلّ أحد أعلم من عمر ).

وفي أخرى قال : ( إن امرأة خاصمت عمر فخصمته ) (٢).

وجاء أيضاً : ( أتي عمر بن الخطاب بامرأة حامل قد اعترفت بالفجور ، فأمر برجمها ، فتلقّاها علي ، فقال : ما بال هذه؟ فقالوا : أمر عمر برجمها ، فردّها علي وقال : هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها؟ ولعلك انتهرتها أو أخفتها؟ قال : قد كان ذلك. قال : أوما سمعت رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قال : ( لا حد على معترف بعد بلاء. إنّه من قيّد أو حبس أو تهدد فلا إقرارله ). وخلّى سبيلها ، ثمّ قال : عجزت النساء أنّ تلدن مثل علي بن أبي طالب ، لولا علي لهلك عمر ) (٣).

__________________

١ ـ النساء : ٢٠.

٢ ـ أخرجه أبو يعلى في مسنده الكبير ، وابن الجوزي في سيرة عمر ص ١٢٩ ، وابن كثير في تفسيره ١ ص ٤٧٧ عن أبي يعلى ، وقال : إسناده جيد قوي ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٤ ص ٢٨٤ ، والسيوطي في الدّر المنثور ٢ ص ١٣٣ ، والشوكاني في فتح القدير ١ ص ٤٠٧ ، والعجلوني في كشف الخفاء ١ ص ٢٦٩ نقلاً عن أبي يعلى ، وقال : سنده جيّد ، وغيرها كثير.

٣ ـ انظر : الرياض النضرة ، ج ٢ ، ص ١٩٦ ، وذخائر العقبى ص ٨٠ ، ومطالب السؤول ص ١٣ ، ومناقب الخوارزمي ص ٨١.

١٦١

وفي حادثة مشابهة لهذه ، قال عمر : ( كلّ أحد أفقه منّي ، ثلاث مرّات ) (١). وعن مجاهد قال : ( قدم عمر بن الخطاب الشام فوجد رجلاً من المسلمين قتل رجلاً من أهل الذمّة فهمّ أنّ يقيده ، فقال له زيد بن ثابت : أتقيد عبدك من أخيك؟ فجعله عمر دية ) (٢) وأخرج البيهقي : ( إن عثمان بن عفان أتى بامرأة قد ولدت في ستة أشهر فأمر بها أنّ ترجم ، فقال علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) : ليس ذلك عليها ، قال الله تبارك وتعالى : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهراً ) ، وقال : ( وفصاله في عامين ) ، وقال ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ) فالرضاعة أربعة وعشرون شهراً ، والحمل ستة أشهر ، فأمر بها عثمان أنّ ترد ، فوجدت قد رجمت ) (٣).

وقول عمر في أكثر مرّة : لولا علي لهلك عمر ) (٤).

وقوله : ( اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب ) (٥).

وقوله : ( لا أبقاني الله بأرض لست فيها أبا الحسن ) (٦).

وقوله : ( لا أبقاني الله بعدك يا علي ) (٧).

وقال سعيد بن المسيب : ( كان عمر يتعوّذ من معضلة ليس بها أبو الحسن ) (٨).

__________________

١ ـ انظر : الرياض النضرة ٢ : ١٩٦ ، ذخائر العقبى : ٨١.

٢ ـ كنز العمّال ١٥ : ٩٧ ، حديث ٤٠٢٤٢.

٣ ـ السنن الكبرى ٧ : ٤٤٢.

٤ ـ مطالب السؤول : ٧٧ ، نظم درر السمطين : ١٣٠.

٥ ـ مناقب الخوارزمي : ٩٧.

٦ ـ أرشاد الساري ٣ : ١٩٥.

٧ ـ الرياض النضرة ٢ : ١٩٧.

٨ ـ الرياض النضرة ٢ : ١٩٤.

١٦٢

وقالوا في الإمام علي وأبنائه المعصومين عليهم‌السلام :

١ ـ إنّ أوّل مادح لعلي عليه‌السلام هو الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كقوله تعالى : ( إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( علي خير البشر فمن أبى فقد كفر ) (١).

٢ ـ لم يذكر أنّ الإمام علي عليه‌السلام أو بنيه قالوا بجهل أنفسهم ، وإنّما تجد تضرّعهم ، ودموعهم ، واستصغارهم ، وتحقير أنفسهم عندما يناجوا الله عزّ وجلّ ، أمّا أمام أصحابهم فهم يقولون : نحن حجّة الله عليكم ، نحن أهل الذكر اسألونا ، وممّا صحّ عن علي قوله عليه‌السلام : ( والله إنّي لأخوه ووليّه وابن عمّه ووارث علمه ، فمن أحقّ به منّي ) (٢).

٣ ـ كلام الإمام السبط الحسن عليه‌السلام في خطبة له يمدح أبيه عليهم‌السلام : ( لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأوّلون ، ولا يدركه الآخرون بعلم ) (٣).

٤ ـ ابن عباس حبر الأمة ، قال : ( قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لو أنّ الغياض أقلام ، والبحار مداد ، والجن حسّاب ، والإنس كتّاب ما أحصوا فضائل

__________________

١ ـ أنظر : كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٢٤٥ ط ـ الحيدرية ، و ، ص ١١٩ ط ـ الغري ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٣٧٢ ، ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي ٢ : ٧٨ ، ميزان الاعتدال للذهبي : ج ٢ : ٢٧١ ، تاريخ بغداد للخطيب ٣ : ٤٠٩ ، ٧ : ٤٣٣ ، فرائد السمطين : ج ١ : ١٥٤.

٢ ـ خصائص النسائي ص ١٨ ، مستدرك الحاكم ٣ ص ١٢٦ وقد صححه هو والذهبي.

٣ ـ أخرجه أحمد ، وابن كثيرفي التاريخ ٧ص ٣٣٢ ، وأبو نعيم في الحلية ١ ص ٦٥ ، وابن الجوزي في صفوة الصفوة ج ١ ص ١٢١.

١٦٣

علي بن أبي طالب عليه السلام ) (١).

عن ابن عباس : ( والذي نفس عبد الله بن العباس بيده ، لو كانت بحار الدنيا مداداً ، والأشجار أقلاماً ، وأهلها كتاباً ، فكتبوا مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام وفضائله ما أحصوها ) (٢).

وعن ابن عباس قال : ( والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم ، وأيّم الله لقد شارككم في العشر العاشر ) (٣).

وقال أيضاً : ( ما علمي وعلم أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم في علم علي رضي الله عنه إلّا كقطرة في سبعة أبحر ) (٤).

وقال أيضاً : ( العلم ستة أسداس ، لعلي من ذلك خمسة أسداس ، وللناس سدس ، ولقد شاركنا في السدس حتّى لهو أعلم به منّا ) (٥).

وقال أيضاً : ( ليس من آية في القرآن ( يا أيّها الذين آمنوا ) إلّا وعلي رأسها وأميرها وشريفها. ولقد عاتب الله أصحاب محمّد ( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) في القرآن وما ذكر علياً إلّا بخير ) (٦).

وقال : ( ما نزل في أحد من كتاب الله تعالى ما نزل في علي ) (٧).

وقال : ( إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلّا له ظهر وبطن ،

__________________

١ ـ المناقب للخوارزمي : ٣٢.

٢ ـ ينابيع المودّة : ١ : ٣٦٥.

٣ ـ الاستيعاب : ج ٣ ، ص ٤٠ ، الرياض النضرة ج ٢ ، ص ١٩٤ ، مطالب السؤول١٦٩.

٤ ـ ينابيع المودّة ١ : ٢١٥.

٥ ـ مناقب الخوارزمي٩٢.

٦ ـ ينابيع المودّة ٢ : ١٧٧.

٧ ـ شواهد التنزيل ١ : ٥٢.

١٦٤

وإنّ علي بن أبي طالب علم الظاهر والباطن ) (١).

وقال : ( أعطي علي عليه‌السلام تسعة أعشار العلم ، وإنّه لأعلمهم بالعشر الباقي ) (٢).

وكانت الصحابة يرجعون إليه ـ أي : إلى علي عليه السلام ـ في أحكام الكتاب ، ويأخذون عنه الفتاوى ، كما قال عمر بن الخطاب في عدّة مواطن : ( لولا علي لهلك عمر ) (٣).

وعن شرح ابن أبي الحديد المعتزلي ، عن ابن عباس المسمّى بحبر الأمّة لغزارة علمه أنّه قيل له : ( أين علمّك من علم ابن عمك علي؟ فقال : كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط ) (٤).

وعن كتاب ( شفاء الصدور ) للنقاش ما يرويه عن ابن عباس ، أيضاً قال : ( إنّ علياً علّمه رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ورسول الله علّمه الله ، فعلم النبي من علم الله ، وعلم علي من علم النبي ، وعلمي من علم علي ، وما علمي وعلم أصحاب محمّد في علم علي إلّا كقطرة من سبعة أبحر ).

ورواه القندوزي الحنفي في ( ينابيع المودّة ) عن الكلبي ، عن ابن عباس (٥).

وروى المحبّ الطبري في ( ذخائر العقبى ) عن ابن عباس أنّه سئل عن علي

__________________

١ ـ ينابيع المودّة ٣ : ١٤٦.

٢ ـ مطالب السؤول : ١٦٩.

٣ ـ انظر : ينابيع المودّة : ج ٢ ، ص ١٧٢ ، وروى ابن عبد البر في الاستيعاب : ج ٢ : ٤٦٢ ، والطبري في ذخائر العقبى ص ٧٨ ، وفي الرياض النضرة : ٢ : ١٩٤ ، والجزري في أسد الغابة : ٤ : ٢٢.

٤ ـ شرح النهج : ج ١ ، ص ١٩ ، وينابيع المودّة : ١ : ٤٤٩.

٥ ـ ينابيع المودّة ١ : ٢١٥.

١٦٥

( رضي الله عنه ) فقال : ( رحمة الله على أبي الحسن ، كان ـ والله ـ علم الهدى ، وكهف التقى ، وطود النهى ، ومحل الحجى ، وغيث الندى ، ومنتهى العلم للورى ، ونوراً أسفر في الدجى ، وداعياً إلى المحجّة العظمى ، مستمسكاً بالعروة الوثقى ، أتقى من تقمّص وارتدى ، وأكرم من شهد النجوى بعد محمّد المصطفى ، وصاحب القبلتين ، وأبو السبطين ، وزوجته خير النساء ، فما يفوقه أحد ، ولم تر عيناي مثله ، ولم أسمع بمثله ) (١).

٥ ـ محمّد بن أبي بكر ، ( كتب إلى معاوية فيما كتب : يا لك الويل ، تعدل نفسك بعلي؟! وهو وارث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصيّه ) (٢).

٦ ـ ابن مسعود ، قال : ( قسّمت الحكمة عشرة أجزاء ، فأعطي علي تسعة أجزاء ، والناس جزءً واحداً ، وهو أعلم بالعشر الباقي ) (٣).

وقال : ( أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب ) (٤).

وقال : ( كنا نتحدّث أنّ أقضى أهل المدينة علي ) (٥).

وقال : ( أفرض أهل المدينة وأقضاها علي ) (٦).

وقال : ( إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلّا وله ظهر

__________________

١ ـ روى مثله في أرجح المطالب : ٤٧ ط. لاهور.

٢ ـ وقعة صفين لنصر بن مزاحم ١٣٣ ، فضائل الخمسة ١ / ٢٨٠.

٣ ـ ينابيع المودّة ١ : ٢١٥.

٤ ـ الاستيعاب ٣ : ٤١.

٥ ـ مستدرك الحاكم ٣ : ١٣٥.

٦ ـ تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٤٠٥.

١٦٦

وبطن ، وإنّ علي بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن ) (١).

وروى القندوزي الحنفي في ( ينابيع المودّة ) عن ( مودّة القربى ) للشافعي ، عن ابن مسعود أنّه قال : ( قرأت سبعين سورة من في رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وقرأت البقية على أعلم هذه الأمّة بعد نبيّها صلّى الله عليه وآله علي بن أبي طالب ) (٢).

وروى نحوه الخوارزمي الحنفي (٣).

وروى القندوزي أيضاً في ينابيعه ، عن ( فرائد السمطين ) للحمويني بسنده ، عن ابن مسعود أنّه قال : ( نزل القرآن على سبعة أحرف ، وله ظهر وبطن ، وإنّ عند علي علم القرآن ظاهره وباطنه ) (٤).

٧ ـ عدي بن حاتم ، قال في خطبة له : ( والله لئن كان إلى العلم بالكتاب والسنة إنّه ـ يعني علياً ـ لأعلم الناس بهما ، ولئن كان إلى الإسلام إنّه لأخو نبي الله ، والرأس في الإسلام ، ولئن كان إلى الزهد والعبادة ، إنّه لأظهر الناس زهداً ، وأنهكهم عبادة ، ولئن كان إلى العقول والنحائز ، إنّه لأشد الناس عقلاً ، وأكرمهم نحيزة ) (٥).

٨ ـ عائشة ، قالت في علي عليه السلام : ( هو أعلم الناس بالسنّة ) (٦).

__________________

١ ـ ينابيع المودّة ١ : ٢٢٣.

٢ ـ ينابيع المودّة ٢ : ٢٧٦.

٣ ـ المناقب : ٩٣.

٤ ـ ينابيع المودّة ١ : ٢١٥.

٥ ـ الإمامة والسياسة : ١٠٦.

٦ ـ المناقب ٩١.

١٦٧

وفي رواية قالت في علي : ( ذلك خير البشر لا يشك إلّا كافر ) (١).

٩ ـ عمر بن الخطاب ، قال : ( والله لولا سيفه ـ يعني علياً ـ لما قام عمود الإسلام ، وهو بعد أقضى الأمّة ، وذو سابقتها وذو شرفها ) (٢).

وقال : ( لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاثاً لأن تكون لي واحدة أحبّ إليّ من حمر النعم : زوجته فاطمة بنت رسول الله ، وسكناه المسجد ، يحلّ له ما يحلّ لرسول الله ، والراية يوم خيبر ) (٣). وقال : ( أقضانا علي بن أبي طالب ) (٤).

١٠ ـ معاوية ، أنّه قال : ( إن علياً كان رسول الله يغرّه العلم غرّاً .. وكان عمر إذا أشكل عليه أمر شيء يأخذ منه ).

وروايات أخذ عمر والصحابة العلم منه عليه‌السلام مستفيضة (٥).

وروى ابن أبي الحديد في شرح النهج ، عن محفن ابن أبي محفن الضبي ، لما قال لمعاوية : ( جئتك من أبخل الناس ـ يعني علياً ـ!! فقال معاوية : ويحك! كيف تقول إنّه أبخل الناس؟! وهو الذي لو ملك بيتاً من تبر وبيتاً من تبن لأنفق بيت

__________________

١ ـ ينابيع المودّة ٢ : ٢٧٣.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ج ١٢ ص ٨٢.

٣ ـ رواه السيوطي في تاريخ الخلفاء ص ١٧٢ ، ورواه أحمد بسند صحيح في مسنده ٢ج ص ٢٦ نحوه ، والهندي في كنز العمّال ج ١٥ ص ١٠١.

٤ ـ ذخائر العقبى ج ٢ ص ٩٨ وطبقات ابن سعدج ٢ ص ٣٣٦. وسير أعلام النبلاء ج ١ ص ٢٨٨.

٥ ـ انظر ذخائر العقبى بتفاوت يسير ، ورواه الحمويني في فرائد السمطين ج ١ باب ٦٨. وترجمة الإمام علي تاريخ دمشق لابن عساكر ج ١ / ٣٣٩ ، وابن الأثير في المختار ص ٧. نظم درر السمطين : ١٣٤ ، أرجح المطالب : ٤٤٩.

١٦٨

تبره قبل تبنه ، وهو ... ) (١).

ولمّا قال له : ( جئتك من عند أعيا الناس!! قال له معاوية : ويحك! كيف يكون أعيا للناس؟ فوالله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره ) (٢).

وروى ابن الصباغ المالكي في ( الفصول المهمة ) ، وابن الجوزي ، وغيرهما من مؤرّخي أهل السنة والجماعة : ( أنّ ضرار بن ضمرة دخل على معاوية ، فقال له : صف لي علياً. فقال : أوتعفني؟ قال : لا أعفيك.

فقال ضرار : أما إذا كان لا بد ، فكان ـ والله ـ بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلاً ويحكم عدلاً ، يتفجّر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويأنس الليل وظلمته.

كان ـ والله ـ غزير الدمعة ، كثيرة الفكرة ، يقلّب كفّه ويخاطب نفسه ، يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جشب.

كان ـ والله ـ كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ، ويأتينا إذا دعوناه ، ونحن ـ والله ـ مع قربه منّا ودنوّه إلينا لا نكلّمه هيبة له ، ولا نبتديه لعظمته ، فإنّ تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم.

يعظم أهل الدين ، ويحبّ المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه ليلة ، وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه ، وقد مثل في محرابه قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، وكأنّي أسمعه وهو يقول :

__________________

١ ـ شرح النهج ١ : ٦ ، ط ـ مصر.

٢ ـ شرح النهج ١ : ٢٤ ، ط. قم.

١٦٩

( يا دنيا غرّي غيري ، ألي تعرّضت ، أم إليّ تشوقت؟! هيهات قد أبنتك ثلاثاً لا رجعة لي منك ، فعمرك قصير ، وعيشك حقير ، وخطرك كبير ، آه من قلّة الزاد ، وبعد السفر ، ووحشة الطريق ).

قال : فذرفت دموع معاوية على لحيته ، فلم يملك ردّها ، وهو ينشفها بكمه ، وقد اختنق القوم بالبكاء.

ثمّ قال معاوية : رحم الله أبا الحسن ، فقد كان ـ والله ـ كذلك ، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ فقال : حزن من ذبح ولدها في حجرها ، فلا ترق عبرتها ، ولا يسكن حزنها ) (١).

وذكر أصحاب السير والتواريخ ، منهم : الخوارزمي الحنفي في مناقبه : ( أنّ معاوية كتب إلى عمرو بن العاص كتاباً حتّى أراد إغواءه ، والانضمام إليه لحرب الإمام عليّ عليه السلام ، فأجابه عمرو بكتاب طويل ، يذكر فيه فضائل علي ومناقبه ، ومما جاء فيه ، قال : ( فأمّا ما دعوتني إليه من خلع ربقة الإسلام من عنقي ، والتهوّر في الضلالة معك ، وإعانتي إياك على الباطل ، واختراط السيف في وجه علي ( رضي الله عنه ) وهو أخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووصيّه ووارثه ، وقاضي دينه ، ومنجز وعده.

ثمّ صار يعدد كلمات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّ علي ، كأقواله صلى‌الله‌عليه‌وآله في غدير خمّ ، وحديث الطير ، وحديث الثقلين ، وغيرها.

__________________

١ ـ رواه ابن الصباغ في الفصول المهمة ١ : ٥٩٨ ، وأبو نعيم في حلية الأولياء : ١ / ٨٤ ، وابن الجوزي في صفوة الصفوة : ١ / ١٢١ ، والشافعي في مطالب السؤول : ١٨٠ ، وابن أبي الحديد في شرح النهج : ١٨ : ٢٢٥.

١٧٠

ثمّ قال لمعاوية : وكتابك يا معاوية الذي هذا جوابه ليس مما ينخدع به من له عقل أو دين ) (١).

اُنظر إلى إقرار هذا الماكر المخادع ، واعترافه بالحقّ المغتصب مع إصراره على الباطل ، وخروجه على إمام زمانه علي عليه‌السلام!! بل الأعجب من ذلك أنّه يوجد من يسمّي هذا الماكر بـ ( داهية العرب ) ، ورأيت كثيراً من المسلسلات عندنا تتكلّم عن حلم الصحابة فتظهر صورة من صور مكر معاوية فتسمّيه حلم! وخبث عمرو بن العاص فتسمّيه دهاء.

أورد القندوزي الحنفي في ( ينابيع المودّة ) عن ابن الجوزي ، عن القاضي أبي يعلى في كتابه قال ـ بعد ذكر موبقات يزيد ـ : ( إنّ معاوية بن يزيد لمّا ولي العهد صعد المنبر ، فقال : إنّ هذه الخلافة حبل الله تعالى ، وإنّ جدّي معاوية نازع الأمر أهله ، ومن هو أحقّ به منه ، علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) ). ثمّ ذكر اغتصاب أبيه الحقّ من الحسين عليه السلام ) (٢).

وروى الدميري في حياة الحيوان ، قال : ( إنّ معاوية بن يزيد قال على المنبر في مجتمع أهل الشام : ألا إنّ جدّي معاوية قد نازع في هذا الأمر من أولى به منه ومن غيره ، لقرابته من رسول الله صلّى الله عليه وآله وعظم فضله وسابقته ، أعظم المهاجرين قدراً ، وأشجعهم قلباً ، وأكثرهم علماً ، وأوّلهم إيماناً ، وأشرفهم منزلة ، وأقدمهم صحبة ، ابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وصهره وأخوه ، زوّجه ابنته فاطمة ، وجعله لها بعلاً ، باختياره لها ، وجعلها له زوجة باختيارها له ، أبو

__________________

١ ـ المناقب : ١٩٩.

٢ ـ ينابيع المودّة : ٣ : ٣٦ ، باب ٦٠.

١٧١

سبطيه سيّدي شباب أهل الجنّة ، وأفضل هذه الأمّة ، تربية الرسول ، وابني فاطمة البتول ، من الشجرة الطيبة الطاهرة الزكية ... ) (١).

وروى الخوارزمي عن عمر بن عبد العزيز ، أنّه قال : ( ما علمنا أنّ أحداّ من هذه الأمّة بعد رسول الله أزهد من علي بن أبي طالب ، ما وضع لبنة على لبنة ، ولا قصبة على قصبة ) (٢).

وروى ابن أبي الحديد المعتزلي في ( شرح النهج ) خبر المحاكمة الشهيرة التي وقعت عند عمر بن عبد العزيز في امرأة حلف زوجها عليها بالطلاق : في أنّ علياً خير هذه الأمّة ، وأفضلها بعد نبيّها صلّى الله عليه وآله ، وادعى أبوها أنّها قد طلقت منه.

فجمع عمر بن عبد العزيز الهاشميين والأمويين عنده ، وعرض عليهم الحكم ، فقام هاشمي من بني عقيل ، وقال : ( برّ قسمه ولم تطلق زوجته ، ثمّ احتجّ على ذلك بما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله من تفضيله لعلي عليه السلام على سائر الأمّة ، فقال عمر : صدقت وبررت يا عقيلي.

ثمّ قال : والله يا بني عبد مناف ما نجهل ما يعلم غيرنا ، وما بنا إلّا عمى في ديننا ) (٣).

نكتفي بما مرّ من أقوال الصحابة ، ونأتي بنبذة من كلام التابعين وتابعيهم :

١ ـ خليل بن أحمد الفراهيدي اللغوي الشهير ، قال في شأن الإمام عليه‌السلام :

__________________

١ ـ حياة الحيوان : ١ / ٨٨.

٢ ـ مناقب الخوارزمي ص ١١٧ ، وأسد الغابة لابن الأثير : ٤ : ٢٤ ، وابن كثير في البداية والنهاية : ٨ : ٥٥.

٣ ـ شرح النهج : ٢٠ : ٢٢٢.

١٧٢

( احتياج الكلّ إليه واستغناؤه عن الكلّ دليل على أنّه إمام الكلّ ).

وقال في حقّه عليه‌السلام لما قيل له : لم لا تمدح علياً؟ قال : ( كيف أقدم في مدح من كتم أحباؤه فضائله خوفاً ، وأعداؤه حسداً ، وظهر بين الكتمانين ما ملأ الخافقين ) (١).

٢ ـ عن سليمان بن مهران ، عن المنصور ، أنّه حدّثه بكرامات جليلة لعلي وفاطمة والحسنين عليهم السلام ، والحديث طويل جدّاً وفي آخره : أنّ سليمان قال للمنصور : لي الأمان؟ فقال : لك الأمان. فقال : ما تقول فيمن يقتل هؤلاء؟ قال المنصور : في النار ، لا أشك في ذلك. قال : فما تقول فيمن قتل أولادهم وأولاد أولادهم؟ قال : فنكس المنصور رأسه ، ثمّ قال : يا سليمان الملك عقيم ) (٢).

٣ ـ أحمد بن حنبل ، وإسماعيل القاضي ، والنسائي ، وأبو علي النيسابوري : ( لم يرد في حقّ أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء في علي ) (٣).

وقال الحاكم في المستدرك في ذيل حديث وراثته عليه‌السلام للنبي دون عمه العباس ما نصّه : ( لا خلاف بين أهل العلم أنّ ابن العم لا يرث مع العم ، فقد ظهر بهذا الإجماع أنّ علياً ورث العلم من النبي دونهم ) (٤).

__________________

١ ـ تنقيح المقال ١ : ٤٠٣ ، رقم ٣٧٦٩.

٢ ـ مناقب للخوارزمي : ص ٨٢.

٣ ـ الصواعق المحرقة ٢ : ٣٥٣ ، وشواهد التنزيل : ج ١ ، ص ٢٦ ، وترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر : ج ٢ ، ص ٤٣٠ ، وذخائر العقبى ص ٨٩ ، ونظم درر السمطين ص ٨٩ ، وينابيع المودّة ٢ : ٣٧١ ، ٣٨٥ ، وتاريخ الخلفاء ص ١٧١ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١١٢ ، والرياض النضرة : ج ٢ ، ص ٢٧٤ ، والسيرة النبوية لدحلان بهامش السيرة الحلبية : ج ٢ ، ص ١١.

٤ ـ المستدرك ٣ : ١٢٦.

١٧٣

ولنا سؤال نوجّهه لأحمد بن أحمد وهو : لماذا يعد الخلفاء الثلاثة أفضل من الإمام علي؟!

ويحكى عن الشافعي أنّه سُئل عن الإمام علي بن أبي طالب ، فقال : ماذا أقول في رجل أسر أولياؤه مناقبه تقية ، وكتمها أعداؤه حنقاً وعداوة ومع ذلك قد شاع منه ما ملأ الخافقين ) (١).

ولقد أنصف الشافعي في مدح أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله بقوله :

يا أهل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الفخر أنّكم

من لم يصلّ عليكم لا صلاة له (٢)

وقوله :

يا راكبا بالمحصب من منى

اهتف بساكن خيفها والناهض

سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى

فيضاً كملتطم الفرات الفائض

إن كان رفضاً حبّ آل محمّد

فليشهد الثقلان أنّي رافضي (٣)

وقوله :

إذا في مجلس ذكروا علياً

وسبطيه وفاطمة الزكية

برئت إلى المهيّمن من أناس

يرون الرفض حبّ الفاطمية

على آل الرسول صلاة ربي

ولعنته لتلك الجاهلية (٤)

__________________

١ ـ الكنى والألقاب للقمي ٢ : ٣٤٩.

٢ ـ ينابيع المودّة ٣ : ١٠٣.

٣ ـ الصواعق المحرقة ٢ : ٣٨٨.

٤ ـ معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول ، للزرندي الشافعي : ٤٥.

١٧٤

وكما شهد التاريخ لأميرالمؤمنين عليه‌السلام فإنّه يشهد لبقيّة الأئمة الطاهرين من أبنائه المعصومين عليهم‌السلام ، وينقل لنا أقوال أصحابهم وأهل زمانهم في كلّ عصر ، وإليك نبذة مما جاء فيهم عليهم‌السلام :

جاء في حلية أبي نعيم ، وتاريخ النسائي ، عن أبي حازم وسفيان بن عيينة والزهري : ( ما رأيت هاشمياً أفضل من زين العابدين ولا أفقه منه ).

( ورأى عليه‌السلام الحسن البصري عند الحجر الأسود يقصّ ، فقال عليه‌السلام : يا هذا أترضى نفسك للموت؟ قال : لا ، قال : فعلمك للحساب؟ قال : لا ، قال : فثمّ دار العمل؟ قال : لا ، قال : فللّه في الأرض معاذ غير هذا البيت؟ قال : لا ، قال : فلم تشغل الناس عن الطواف؟ ثمّ مضى ، قال الحسن : ما دخل مسامعي مثل هذه الكلمات من أحد قط أتعرفون هذا الرجل؟ قالوا : هذا زين العابدين ، فقال الحسن : ذرية بعضها من بعض ).

( وقال عليه‌السلام في قوله تعالى : ( يمحو الله ما يشاء ) ( لولا هذه الآية لأخبرتكم بما هو كائن إلى يوم القيامة ). وسفيان بن عيينة يقول عنه : ( ما كان أكثر مجالستي مع علي بن الحسين ، وما رأيت أحداً أفقه منه ).

وحدّث عبد الله محمّد القرشي ، قال : ( كان علي بن الحسين إذا توضّأ اصفرّ لونه ، فيقول له أهله : ما هذا الذي يغشاك؟ فيقول : أتدرون لمن أتأهّب للقيام بين يديه ).

( وقال الزهري : قدمت على عبد الملك بن مروان فسألني عن علي بن الحسين فأخبرته ، فقال لي : إنّه قد جاءني في يوم فقدوه الأعوان ، فدخل علي فقال : ما أنا وأنت؟! فقلت : أقم عندي ، فقال : لا أحبّ ثمّ خرج فوالله لقد امتلأ ثوبي منه خيفة. قال الزهري : فقلت : يا أمير المؤمنين ليس علي بن الحسين حيث

١٧٥

تظن إنّه مشغول بنفسه ، فقال : حبّذا شغل مثله فنعم ما شغل به. قال : وكان إذا ذكر علي بن الحسين يبكي ويقول : زين العابدين ) (١).

ووصفه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بزين العابدين ، والحديث متّفق عليه ، ومن رواته الحافظ ابن عساكر (٢).

وقال يحيى بن سعيد : ( هو أفضل هاشمي رأيته في المدينة ) (٣).

وللشاعر المشهور ( الفرزدق ) قصيدة في حقّه معروفة ومشهورة ، راجعها ، فقد اشتهرت بحيث قلّ ما تجد مترنّم لا يترنّم بها ؛ لشهرتها (٤).

وكذلك الإمام الباقر عليه‌السلام : أعلم الناس وأفضلهم بعد أبيه عليه‌السلام ولذا لقّبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالباقر ؛ لأنه بقر العلم ، وكان من الآخذين عنه أبو حنيفة وابن جريح والأوزاعي والزهري وغيرهم ، وهؤلاء أئمة أهل السنة في ذلك العصر.

وقال ابن حبان : ( من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلاً ).

وكان جابر إذا حدّث عن الباقر يقول : ( حدّثني وصي الأوصياء ) (٥).

ونقل القندوزي عن ( فصل الخطاب ) لمحمّد خواجة البخاري عند ذكره للإمام الصادق عليه‌السلام : فبعد الثناء العاطر عليه ، ووصفه بالعلم الغزير ، قال : إنّ المنصور قال : ( إئتني بجعفر الصادق حتّى أقتله. قال : قلت : هو رجل أعرض

__________________

١ ـ مختصر تاريخ دمشق ١٧ : ٢٣٦ ، سير أعلام النبلاء ٤ : ٣٩٢ ، طبقات ابن سعد ٥ : ٢١٦ ، حلية الأولياء ٣ : ١٣٣ ، تهذيب الكمال ٢٠ : ٣٨٦.

٢ ـ تاريخ مدينة دمشق ٣٦ : ١٤٢.

٣ ـ فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٣ : ٤١٥.

٤ ـ ديوان الفرزدق ٢ : ١٧٨ ، دار صادر ، بيروت.

٥ ـ ميزان الاعتدال للذهبي ١ : ٣٨٣.

١٧٦

عن الدنيا ، وتوجّه لعبادة المولى فلا يضرّك. قال المنصور : إنّك تقول بإمامته ، والله إنّه إمامك وإمامي ، وإمام الخلائق أجمعين ، والملك عقيم فاتني به ... ) (١).

وفي ينابيع المودّة أيضاً بسنده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قوله للإمام الباقر عليه‌السلام : ( يا مولاي إنّ جدّك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي : إذا لقيته فأقرأه منّي السلام وقد أخبرني أنّكم الأئمّة الهداة من أهل بيته بعده ، أحكم الناس صغاراً وأعلمهم كباراً ، وقال : لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم ) (٢).

وعن كتاب ( مناقب آل أبي طالب ) في أحوال الإمام الصادق عليه‌السلام عن مسند أبي حنيفة ، قال : قال الحسن بن زياد : ( سمعت أبا حنيفة ، وقد سئل من أفقه من رأيت؟ قال : جعفر بن محمّد ، لما أقدمه المنصور بعث إليّ ، فقال : يا أبا حنيفة ، إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمّد ، فهيّئ له من مسائلك الشداد ، فهيّأت له أربعين مسألة ، ثمّ بعث إليّ أبو جعفر وهو بالحيرة ، فأتيته فدخلت عليه ، وجعفر جالس عن يمينه ، فلمّا بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر ، فسلمت عليه ، فأومأ إلي ، فجلست ثمّ التفت إليه فقال : يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة. قال : نعم ، أعرفه. ثمّ التفت إلي ، فقال : يا أبا حنيفة الق على أبي عبد الله من مسائلك. فجعلت ألقي عليه ، ويجيبني فيقول : أنتم تقولون كذا ،

__________________

١ ـ ينابيع المودّة : ج ٣ ، ص ١٦٥ ، باب ٦٥. " انظر وتأمّل أيّها المنصف إلى هذا السلطان الظالم الجائر ، كيف أنطقه الله بالصواب مرغماً ، وأجرى الحقّ على لسانه كما حصل لغيره كمعاوية لأهل البيت عليهم‌السلام ، واعترفوا بإمامتهم على جميع الخليقة من قبل الله تعالى ، ثمّ يبادرون إلى قتالهم ، وأخذ حقّهم الذي منحهم الله إيّاه ويحتجّوا بأنّ الملك عقيم ".

٢ ـ ينابيع المودّة : ج ٣ ، ص ٣٩٩.

١٧٧

وأهل المدينة يقولون كذا ، ونحن نقول كذا ، فربما تابعنا ، وربما تابعهم ، وربما خالفنا جميعاً ، حتّى أتيت على الأربعين مسألة ، فما أخل منها بشيء ثمّ قال أبو حنيفة : أليس إن أعلم الناس ، أعلمهم باختلاف الناس ) (١).

وعن كتاب ( مناقب آل أبي طالب ) في أحوال الإمام الصادق عليه السلام قال : إنّه روي عن الإمام مالك بن أنس أنّه قال : ( ما رأت عين ، ولا سمعت أذن ، ولاخطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق ، فضلاً وعلماً وعبادة وورعاً ) (٢).

وقد اشتهر عن أبي حنيفة قوله : ( جعفر بن محمّد أفقه من رأيته ) وأخذ العلوم عنه.

ثمّ مالك أخذ العلوم عن كتب أبي حنيفة ثمّ الشافعي أخذ عن مالك ودرس عليه.

ونقل القندوزي الحنفي في ينابيعه عن كتاب ( فصل الخطاب ) لمحمّد خواجة البخاري عند تعداد مناقب الأئمة من أهل البيت واحداّ بعد واحد ، وذكر فضائلهم الجمّة ، وعلومهم الغزيرة حتّى جاء إلى ذكر الإمام الكاظم عليه السلام ، فقال ـ بعدما ذكر علمه وحلمه وفضله وورعه وشيئاً من مناقبه وكراماته ـ : روى المأمون ، عن أبيه الرشيد أنّه قال : لبنيه في حقّ موسى الكاظم : ( هذا إمام الناس ، وحجّة الله على خلقه ، وخليفته على عباده ، أنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر ، وأنّه والله لأحقّ بمقام رسول الله صلّى الله عليه وآله منّي ، ومن الخلق جميعاً ، ووالله لو نازعني في هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناه ،

__________________

١ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٧٩.

٢ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٧٢.

١٧٨

فإنّ الملك عقيم ).

وقال الرشيد للمأمون ـ كما ذكره في نفس الباب ـ : ( يا بني هذا وارث علم النبيين ، هذا موسى بن جعفر ، إن أردت العلم الصحيح تجده عند هذا ... ) (١).

وقال عنه الذهبي : ( موسى الكاظم الإمام القدوة ).

وقال أبو حاتم : ( ثقه صدوق إمام من أئمة المسلمين ).

وقال ابن الجوزي : ( ويدعى بالعبد الصالح لعبادته واجتهاده وقيامه بالليل ).

وقال الحافظ ابن حجرالعسقلاني : ( مناقبه كثيرة ).

وقال ابن حجر المكي الهيتمي : ( كان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم وقالوا إنّه كان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله ).

وقد ذكرت له كرامات كثيرة ذكرها ابن الجوزي في صفوة الصفوة.

وقال ابن طلحة في الإمام الصادق عليه‌السلام : ( هو من عظماء أهل البيت وساداتهم ، وذو علوم جمّة ، وعبادة معروفة ، وأوراد متواصلة ، وزهادة بيّنة ، وتلاوة كثيرة ، يتتبع معاني القرآن الكريم ، ويستخرج من بحره جواهره ...

__________________

١ ـ ينابيع المودّة ج ٣ ص ١٦٥ الباب ٦٥. والفصول المهمة : ٢٢٠ ، وفي نور الأبصار : ١٦٦ ، والاتحاف بحب الأشراف : ١٥٠ ، والصواعق المحرقة : ١٢٢ ، وأئمة الهدى : ١٢٢ وأبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين : ٣٣٣ ، وغيرهم. ( هذا التصريح والاعتراف ممن يدعي الخلافة مع اعترافه بحق الإمام ، بل لم ياخذ حقه فقط بل حبسه مراراً ودس له السم كراراً فهل يكفر ذنبه أنّه خليفة شهر سيفه وغلب بالقهر واعترف ان الملك عقيم؟؟؟ ).

١٧٩

الاقتداء بهديه يورث الجنّة ).

ونقل ابن حجر الهيتمي : ( نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان ، وانتشر صيته في جميع البلدان ) (١).

وأمّا الإمام الرضا عليه‌السلام ذكر أنّه كان يجلس في المسجد النبوي ويفتي الناس وهو ابن اثنين وعشرين سنة.

وقال الذهبي عنه : ( كان سيّد بني هاشم في زمانه وأجلهم وأنبلهم و ... ).

وقال ابن حجر : ( قال الحاكم : سمعت أبا بكر بن المؤمل بن الحسن بن عيسى يقول : خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة وعديله أبي علي الثقفي مع جماعه من مشايخنا ، وهم إذ ذاك متوافرون إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضا بطوس ، فرأيت من تعظيمه ـ أي : تعظيم خزيمة ـ لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرّعه عندها ما تحيّرنا ).

وروى القندوزي الحنفي في ينابيعه ، كتاب المأمون إلى العباسيين حين حاولوا صرفه عن تولية ولاية العهد للإمام الرضا ، وهو طويل مذكور في كتب كثيرة نذكر لك نبذة منها ، قال ـ بعد ذكر فضل علي عليه السلام وجملة من مناقبه ، وأنّه أوّل من أسلم ، وأفقههم في دين الله ـ : ( وهو صاحب الولاية في حديث الغدير ، وهو نفس النبي صلّى الله عليه وآله يوم المباهلة ، والله جمع المناقب والآيات المادحة فيه ، ثمّ نحن وبنو علي عليه السلام كنّا يداً واحدة حتّى قضى الله

__________________

١ ـ راجع تذكرة الخواص : ص ٣٥٧ ، وتهذيب الكمال ٢٩ : ٤٥ ، وتاريخ بغداد ١٣ : ٢٧. (٢٣٩) تهذيب التهذيب١٠ : ٣٠٣ ، والصواعق المحرقة ٢ : ٥٨٦ ، ٥٩٠ ، وصفوة الصفوة ٢ : ١٨٥ ، ومطالب السؤول : ٤٣٦ ، وتقريب التهذيب ج ١ : ١٦٣.

١٨٠