ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

حسينة حسن الدّريب

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

المؤلف:

حسينة حسن الدّريب


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-50-8
الصفحات: ٣٨٤

 

١
٢

٣
٤

دليل الكتاب

دليل الكتاب.................................................................... ٥

مقدّمة المركز.................................................................... ٩

الإهداء....................................................................... ١١

لمحة مختصرة عن حياتي وسبب استبصاري......................................... ١٣

المقدّمة........................................................................ ٢٥

تمهيد......................................................................... ٣٣

الدليل الأوّل : حديث الدار وآية الإنذار.......................................... ٣٩

ملاحظات هامة................................................................ ٤٦

وقفة تأمّل مع ماجاء في النصوص السابقة......................................... ٥٠

دور من دوره التكذيب......................................................... ٥١

الدليل الثاني : آية الولاية........................................................ ٥٣

الشبهات الواردة وردّها......................................................... ٦٣

الدليل الثالث : الأمر الإلهي بتبليغ الولاية......................................... ٦٩

الفرق بين المؤمن والمنافق........................................................ ٨٧

وقفة تدبّر حول النصوص السابقة................................................ ٩٢

محاولات لردّ حديث الغدير..................................................... ٩٧

أحاديث أُخرى تدلّ على الولاية............................................... ١٠٢

٥

الدليل الرابع : آية إكمال الدين................................................ ١٠٧

الدليل الخامس : حديث السفينة............................................... ١١٥

الدليل السادس : الأمر بالكون مع أهل البيت عليهم‌السلام.............................. ١٢٣

الدليل السابع : ( علي خير البرية ) بالنصّ القرآني............................... ١٢٩

القسمة الضيزى.............................................................. ١٣٢

وقفه قصيرة مع ما ورد في النصّ السابق......................................... ١٤٠

نوع من البهتان.............................................................. ١٤٤

الدليل الثامن : آية الذكر...................................................... ١٤٩

شبهة وردود................................................................. ١٥٣

قالوا عن أنفسهم............................................................. ١٥٩

وقالوا في الإمام علي وأبنائه المعصومين عليهم‌السلام.................................... ١٦٣

قال الأئمة الأربعة عن أنفسهم................................................. ١٨٤

وقفة ضمير.................................................................. ١٨٧

الدليل التاسع : حديث المنزلة.................................................. ١٨٩

الشاهد في هذه النصوص...................................................... ١٩٦

جريمة لا تغفر................................................................ ١٩٩

كذبة مفضوحة............................................................... ٢٠٧

الدليل العاشر : حديث النجوم................................................. ٢١١

محاولة تحريف الكلم عن مواضعه............................................... ٢١٢

الدليل الحادي عشر : علي مع الحق............................................ ٢٢٣

المعيار والموازنة............................................................... ٢٢٣

وقفة مع بعض العبارات في النصوص السابقة.................................... ٢٢٩

٦

الدليل الثاني عشر : آية المباهلة................................................. ٢٣٣

وقفة مع شاهد في كلامهم يجب الالتفات إليه................................... ٢٤٢

الدليل الثالث عشر : آية التطهير............................................... ٢٤٩

قصّة المؤامرة على أطهر خلق الله................................................ ٢٦١

شبهتان وحل................................................................. ٢٦٩

الدليل الرابع عشر : أجر الرسالة مودّة القربى.................................... ٢٧١

تكذيب كذّاب............................................................... ٢٧٦

الدليل الخامس عشر : آية الشراء............................................... ٢٨٥

ظلم وافتراء.................................................................. ٢٨٩

الدليل السادس عشر : سورة الدهر............................................ ٢٩٣

موقف الذين في قلوبهم مرض.................................................. ٢٩٥

الدليل السابع عشر : حديث الطير............................................. ٢٩٩

محاولة فاشلة................................................................. ٣٠٣

الدليل الثامن عشر : حديث مدينة العلم........................................ ٣٠٧

أحاديث أخرى تؤيّد صحة هذا الحديث........................................ ٣٠٩

أحاديث مجعولة ومحرّفة........................................................ ٣١١

الدليل التاسع عشر : وجوب طاعة أولي الأمر................................... ٣١٩

من هم أُولو الأمر المعنيّون في الآية الشريفة؟..................................... ٣٢١

الدليل العشرون : المؤاخاة..................................................... ٣٢٣

أحاديث أُخرى في أخوّة علي والرسول عليهما‌السلام................................... ٣٢٥

من موبقات معاوية............................................................ ٣٢٨

الدليل الواحد والعشرون : ما قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الغزوات والحروب لعلي عليه‌السلام. ٣٤١

٧

أوّلاً : حديث الراية المشهور................................................... ٣٤١

الشاهد في النصوص.......................................................... ٣٥٠

ثانياً : قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله للإمام علي عليه‌السلام لما قدم عليه لفتح خيبر................. ٣٥٢

ثالثاً : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين )............. ٣٥٣

رابعاً : هاتف من السماء هتف : ( لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار )........ ٣٥٤

مغالطة ابن تيمية.............................................................. ٣٥٥

حوار مؤلم................................................................... ٣٥٨

شبهات بعض الصديقات...................................................... ٣٥٩

الدليل الثاني والعشرون : حديث الثقلين........................................ ٣٦٣

اقتران حديث الثقلين بأحاديث أُخرى.......................................... ٣٦٥

مسك الختام................................................................. ٣٧٣

المصادر...................................................................... ٣٧٥

٨

مقدّمة المركز

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم

المرسلين محمّد وآله الميامين

من الثوابت المسلّمة في عملية البناء الحضاري القويم ، استناد الأُمّة إلى قيمها السليمة ومبادئها الأصيلة ، والأمر الذي يمنحها الإرادة الصلبة والعزم الأكيد في التصدّي لمختلف التحدّيات والتهديدات التي تروم نخر كيانها وزلزلة وجودها عبر سلسلة من الأفكار المنحرفة والآثار الضالة باستخدام أرقى وسائل التقنية الحديثة.

وإن أنصفنا المقام حقّه بعد مزيد من الدقّة والتأمّل ، نلحظ أنّ المرجعيّة الدينية المباركة كانت ولا زالت هي المنبع الأصيل والملاذ المطمئن لقاصدي الحقيقة ومراتبها الرفيعة ، كيف؟! وهي التي تعكس تعاليم الدين الحنيف وقيمه المقدّسة المستقاة من مدرسة آل العصمة والطهارة عليهم‌السلام بأبهى صورها وأجلى مصاديقها.

هذا ، وكانت مرجعية سماحة آية الله العظمى السيّد علي الحسيني السيستاني ـ مدّ ظله ـ هي السبّاقة دوماً في مضمار الذبّ عن حمى العقيدة ومفاهيمها الرصينة ، فخطت بذلك الخطوات المؤثّرة والتزمت برامج ومشاريع قطفت وستقطف أينع الثمار بحول الله تعالى.

ومركز الأبحاث العقائدية هو واحد من المشاريع المباركة الذي أُسس لأجل نصرة مذهب أهل البيت عليهم‌السلام وتعاليمه الرفيعة.

٩

ولهذا المركز قسم خاص يهتم بمعتنقي مذهب أهل البيت عليهم‌السلام على مختلف الجهات ، التي منها ترجمة ما تجود به أقلامهم وأفكارهم من نتاجات وآثار ـ حيث تحكي بوضوح عظمة نعمة الولاء التي منّ الله سبحانه وتعالى بها عليهم ـ إلى مطبوعات توزّع في شتى أرجاء العالم.

وهذا المؤلّف ـ ( ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة ) ـ الذي يصدر ضمن ( سلسلة الرحلة إلى الثقلين ) مصداق حيّ وأثر عملي بارز يؤكد صحة هذا المدّعى.

على أنّ الجهود مستمرة في تقديم يد العون والدعم قدر المكنة لكلّ معتنقي المذهب الحقّ بشتى الطرق والأساليب ، مضافاً إلى استقراء واستقصاء سيرة الماضين منهم والمعاصرين وتدوينها في ( موسوعة من حياة المستبصرين ) التي طبع منها عدّة مجلّدات لحدّ الآن ، والباقي تحت الطبع وقيد المراجعة والتأليف ، سائلين المولى تبارك وتعالى أنّ يتقبّل هذا القليل بوافر لطفه وعنايته.

ختاماً نتقدّم بجزيل الشكر والتقدير إلى كلّ من ساهم في إخراج هذا الكتاب ، ونخصّ بالذكر فضيلة الشيخ عبد الله الخزرجي الذي قام بمراجعة هذا الكتاب وإعداده للطبع ، والحمد لله ربّ العالمين.

محمّد الحسّون

مركز الأبحاث العقائدية

٢٤ صفر ١٤٢٩ هـ

الصفحة على الإنترنيت : site.aqaed.com / mohammad

البريد الإلكتروني : com. muhammad@aqaed

١٠

الإهداء

أهدي ثواب هذا الجهد المتواضع إلى مولاتي سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها‌السلام بنت سيّد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله وإلى أُمّها خديجة الطاهرة ، وابنتها عقيلة بني هاشم ، وحفيدتها فاطمة المعصومة عليهنّ السلام ، أرجو أنّ يكون محلاً للقبول والرضى.

ثمّ إلى والديَّ الحبيبين اللذين زرعا في قلبي بذرة حبّ العلم ، وحبّ أهل البيت فنمت هذه البذرة مع الأيام حتّى صارت يقيناً لا يتزعزع أبداً إن شاء الله تعالى ، أسأل المولى تعالى لي ولهما شفاعة محمّد وآله الطاهرين في الدنيا والآخرة.

أم محمّد صادق

حسينة حسن الدريب

اليمن ـ الجوف

١١
١٢

لمحة مختصرة عن حياتي وسبب استبصاري

عزيزي القارئ بين يديك صفحات تتحدّث عن قصّة تتعلّق بالدين والمعتقد ، والبحث والحيرة ، والوصول إلى الحقّ ، بعد طول البحث والتحقيق.

لقد نشأت في أسرة متديّنة ـ والحمد لله تعالى ـ وهي على المذهب الزيدي الشيعي ، ووالدي ـ حفظه الله تعالى ـ يحبّ هذا المذهب حبّاً شديداً ، ومنذ صغرنا كان يعلّمنا الصلاة والأحكام كلّها على أسس المذهب الزيدي ؛ لكي لا نتأثّر بالمعلّمات والمجتمع من حولنا ، والحمد لله وبفضل الله وجهود الوالد العظيمة لم نتأثّر بأيّ فكر مخالف لأهل البيت عليهم‌السلام ـ حسب عقيدة الزيدية ـ وكنت أحبّ العلم والمتعلّمين ، أي : أصحاب الشهادات العلياً ، ولا أفرّق بين طالب المعهد الديني وغيره ، إلّا أنّني كنت أحس بمحبّة خاصّة لمن يتّصفون بحسن الخلق والصدق والأمانة ونحوها من الأخلاق الفاضلة.

ومرّت الأيام وبدأت الوهابية تنتشر بشكل كبير في منطقتنا ، وكان والدي ـ حفظه الله تعالى ـ دائماً يحذّرنا منهم ، ويبيّن لنا حقائقهم ، ويغرس في قلوبنا حبّ الخمسة أصحاب الكساء عليهم‌السلام ، وأئمة الزيدية ، والإمام الخميني ( قدس سره ) وثورته المباركة ، وخليفته القائد المعظّم ـ حفظه الله وسدّد خطاه ـ ، فنشأنا على ذلك ، حتّى في المدرسة عندما كنّا صغاراً كان الأستاذ يقول لنا : اقرأوا حديث كذا ، وهو في الكتاب هكذا : ( عن معاوية رضي الله عنه ). فكنّا نرفض الترضّي عنه ،

١٣

ونقول للأستاذ : إنّ والدنا قال لنا إنّه حارب الإمام عليّاً عليه‌السلام ، وقتل الإمام الحسن عليه‌السلام ، ونحو ذلك كثير.

ولشدّة حبيّ للعلم وميلي لأهل العلم والأخلاق ومجالسهم كنت أحضر لاستمع محاضرات أستاذة وهابية بجوار منزلنا ، وأقول لنفسي : أنا آخذ منها الكلم الطيّب ، وأترك الخبيث ، وكنت أُلاحظ في محاضراتها أشياء كثيرة ، مثلاً : تريد أنّ تمدح عائشة ، فتذكر غيرتها من بقية نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتآمرها عليهن ، ونحو ذلك مما تريد به المدح ، وهو في الواقع ذمّ ، وكانت تعلّم الصلاة والأحكام على الطريقة الوهابية ، وتتكلّم عن الصحابة ، ومرّة تريد تمدح عمر فتضحّي بأبي بكر ، وكذا العكس ، وهكذا.

فمن فكّر في كلامهم وجد فيه التخبّط والتناقض الكثير ، فكنت أقف ضدّها لأجل أنّ أنبّه الأخوات على خطئها ، ولكن للأسف لم يكن عندي علم لأُناقشها به إنّما حبّي لأهل البيت عليهم‌السلام ، وكره أعدائهم ، وبعض المعلومات البسيطة حول تخبّطهم قد غرسها الوالد ـ حفظه الله تعالى ـ في قلبي ، ولكن لم يكن كافياً للرد على الشبهات ونحوها ، فقلت في نفسي : وإن كنت واثقة من نفسي أنّني لن أتأثّر بها فسوف يتأثّر بها غيري ، فلابدّ من حلّ ، فأرسلت إلى أحد معلّمي الدين في المذهب الزيدي في منطقتنا ، والحمد لله فقد استجاب ذلك المعلّم الديني لدعوتنا ، وأتى إلى منزلنا ، وأبدى استعداده لتدريسنا ، فحدّدنا موعداً للدراسة ، وبالطبع بدأنا الدراسة بكلّ همّة وجدّية ، ولقد أحببت الدراسة من أعماق قلبي ، ولشدّة حبّي لها صرت محل ثقة عند ذلك الأستاذ ، فما مرّت سنة كاملة حتّى طلب منّي ومن أختي وإحدى زميلاتي أنّ نساعده في تدريس بعض المسائل العقائدية وغيرها ، كالطهارة والصلاة والتجويد ، فكنّا نجدول وقتنا معه

١٤

للتدريس وللدراسة عنده ، واستمرّيت أَدرس وأُدرّس بكلّ جهد وإخلاص لمدّة أربع سنوات تقريباً ، وكنّا في دراستنا نتعلّم النحو والفقه وعلوم القرآن ، ونبحث في التوحيد والعدل والإمامة والتشبيه والقضاء والقدر في عقائد الوهابية ، والردّ عليهم ، وغير ذلك ، وأمّا الجعفرية وأهل السنّة من غير الوهابية فلم نتطرّق إليهم إلّا بشيء بسيط.

وكان لنا بعض النشاطات التبيليغية بالإضافة إلى التدريس ، فكنّا نقوم ببعض المحاضرات والمجالس الدينية ، كموالد الخمسة أصحاب الكساء عليهم‌السلام ، والإمام زيد رضوان الله عليه ، وكذا وفاتهم ، والهجرة النبوية ، و ...

وكذا قمنا بالتعاون لنشر مجلة اسميناها ( مجلة الزهراء ) ، وكنت مديرة التحرير ، وبإشراف معلّمنا القدير ، ومعاونه السيّد يحيى طالب مشاري ، وغيرهما ممن كانوا يوجّهوننا ويشرفون علينا ، وقبل تأسيس المجلة كنّا قد عملنا جمعية خيرية باسم ( جمعية النساء الخيرية ) ، شكّلتها طالبات العلم الشريف في الجوف (١) ، وكنت أنا الأمينة العامّة لها ، وكنّا نطبع المجلة على حساب الجمعية ، علماً أنّني خلال دراستي لم أكن أتعرّض لسبّ الجعفرية ، لأنّي كنت أحس كأنّنا وايّاهم شيء واحد ، وحتّى في الانتخابات عندما كنّا نرشّح أحد الشخصيات الاثني عشرية في حزب الحقّ ( حزب زيدي ) ، وكنت رئيسة اللجنة النسائية في الانتخابات في المنطقة ، فوقفت معه رغم أنّي أعلم أنّه جعفري ، وأكثر الزيدية لم يرشّحوه ، لكنّي كنت أحس أنّ المذهب الجعفري أخو المذهب الزيدي ، ولا يصح أنّ نفرّق بينهما وهذا ما أعتقده ، لأنّ المذهبين كلاهما شيعي ، والتفاهم

__________________

١ ـ الجوف هي محافظتنا.

١٥

بينهما ممكن لأنّهما متحدّان في الولاء لأصحاب الكساء.

ومن المواقف التي حرّكت تفكيري ، أنّني ذات يوم كنت في الدرس فسألت أحد كبار الزيدية حول أهل البيت عليهم‌السلام ، وذكرت أنّني من شيعتهم عليهم‌السلام ، فقال لي : أنتم أهل البيت ، أنتم أشراف (١) ، ونحن شيعتكم. فتعجّبت وتساءلت : أنحن الأمان لأهل الأرض؟! أنحن السفينة؟! أنحن ..؟!

ومرّة كنّا في مجلس عزاء فتطرّقت للآية ( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) (٢) ، فقالت إحدى الأخوات الداعيات من الحركة الزيدية : نعم ، اسألوا أهل الذكر ، هذه هي أهل الذكر ( تقصدني ). لقد هزّني ذلك ، إذ لم يكن العلماء أهلاً لذلك ، فكيف بي؟! ـ لأنّ مشكلة الزيدية الخلط بين مفهوم السيّد ومفهوم أهل البيت ـ فبقيت متحيّرة لم أجد من أُناقشه في ذلك لتذهب تلك الحيرة.

المهمّ أنّني وبعد أربع سنوات من دراستي وتدريسي في تلك الفترة ، تقدّم لخطبتي أحد أقاربي ، وقد شاع الخبر أنّه جعفري ، وترقّبت الفرصة في أيام الانتخابات ـ إذ كان يأتي لأخذ بعض التقارير لصالح حزب الحقّ الزيدي ، وكنّا نعمل لصالح ذلك الحزب ؛ لأنّه أقرب حزب لمنهج أهل البيت عليهم‌السلام ـ فسألته : سمعت أنّك لم تعد زيدياً؟ فقال : بلى ، أنا زيدي ، وأكّد لي ذلك بعد سؤالي وتكراري ، فأثبت لي أنّه زيدي.

وبعد فترة تزوّجنا في ١٢ ذي الحجة ١٤١٨ هـ الموافق ٦ / ٤ / ١٩٩٨ م ، وبعد خمسة أشهر سافرنا إلى إيران الإسلامية تلك الدولة التي طالما حدّثني

__________________

١ ـ في محافظتنا يقال للسيّد ( ( شريف ) ).

٢ ـ النحل : ٤٣.

١٦

والدي ـ حفظه الله ـ عنها (١) ، وطالما اشتقت أنّ أشمّ رائحة ترابها ، وطالما استمعت إلى برامجها ، وراسلتها بالبريد ، وكنت انتظر جوابها فيأتيني ، فأرتاح لهديتهم البسيطة ، كمجلة أو كتاب ، ونحوهما ، وقد أحببت إيران حبّاً شديداً لما كان يبث في برامجها من معارف وعلوم دينية وثقافية وعلمية و ... لا توجد في أيّ دولة أخرى ، فجئت إلى إيران وأنا لا أصدّق نفسي من الفرح ، صحيح أنّي حزنت لفراق أهلي ووطني ، فالوطن عزيز ومحبوب ، وترابه ذهب كما يقال ، إلّا أنّني تغرّبت في بلاد الأهل من ناحية الدين والعقيدة ، و( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ

__________________

١ ـ كانت الزيدية الذين أعرفهم في محافظتنا يدافعون عن إيران دفاع المستميت ، ويترضّون على الإمام الخميني ( قدس سره ) ، ويوقّرونه ، بل إنّ بعض كبار علمائهم قد بايعه من البعد كإمام لهم ؛ لأنّه اجتمعت فيه شروط الإمام حسب عقيدتهم ، ولكن في هذه الفترة حينما ذهبت إلى اليمن في عام ( ١٤٢٢ هـ ) رأيت التغيّر الواضح من بعضهم ، إذ كانوا يوزّعون كتاب ( ( لله ثمّ للتاريخ ) ) ، الذي تصدّى له بالرد أبناء الدليل من الشيعة ، وأثبتوا بالأدلّة القاطعة أنّه شخصية موهومة لا حقيقة له ، ومن أراد فليقرأ ما كتب في الردّ عليه ، ليرى كيف يفضح الله الكاذبين ، ولاحظت وسمعت عكس ما كنت أسمع من نفس من كان يمدح ، حيث أصبح يذم ( ( أنا لا أعني علماء الزيدية كلّهم ، وإنّما أعني بعض المعلّمين وطلاب العلم الديني في منطقتنا ) ) ، والسبب أنّهم رأوا المذهب الجعفري ضرّ بهم أكثر من أيّ مذهب آخر؛ لأنّ الجعفري يخاطب المثقفين والمطّلعين على أصول المذهب الزيدي ، فعندما يناقشه الجعفري عن الإمامة وغيرها مما هو ثابت عندهم لا يجد لها تطبيقاً في الواقع إلاّ عند الجعفرية فيضطر أنّ يسلّم للحقّ ، فسبّب ذلك تغيّر بعض الزيدية اتّجاه الجعفرية ، ولأجل أنّ ينفّروا طلاّبهم وبقية الناس يتعصبون مذهبياً ، لكن هذا عذر لا يقبل من العوام ، فكيف بالمثقفين وطلاب العلم؟! فيجب أنّ يعرفوا عقائد الشيعة الجعفرية وأدلّتهم قبل الحكم عليهم ، وهذا هو الإنصاف والأمانة العلميّة.

١٧

إِخْوَةٌ ... ) (١).

وبعد وصولي إلى إيران بشهر تقريباً اكتشفت أنّ زوجي جعفري المذهب ، وكان يشير لي تدريجياً حتّى صرّح لي بذلك ، وكانت طامة كبرى ، وصدمة عظيمة ، وخاصمته كثيراً ، وقلت : لماذا أخبرتني أنّك زيدي؟! فقال : أنا لم أكذب ، إنّني أعتقد أنّ من يسمّون أنفسهم زيدية الأتباع الحقيقيين لزيد رضوان الله عليه ، فما انتسابهم إليه إلّا لأنّه يقول بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والعدل ، والتوحيد ، وأنّ زيداً إمام جهاد ، وعالم من ذرية العترة ، وغير معصوم ، ونحن الجعفرية نقول بذلك ، فنحن زيدية ، أو بالأصح زيدي جعفري ؛ إذ إنّه تعلّم عن يد أبيه وأخيه الإمام الباقر عليه‌السلام ، وما يعتقده الجعفرية هو ما يعتقده زيد وأخوه الإمام الباقر عليه‌السلام ، فنحن أولى به منهم ، إذ هو لم يخالف الباقر والصادق عليهما‌السلام ، بينما الزيدية لم يأخذوا عن زيد رضوان الله عليه إلّا القليل من الفروع ، وأمّا الأصول فلا يجوز التقليد فيها ، إذ الإمام عندهم مجتهد يجوز الأخذ برأيه وتركه ، فليس تقليده واجباً لا في الأصول ولا في الفروع ، وهذا ما أقصده من كوني زيدياً.

ومع هذا فقد خاصمته بعد ذلك لمدّة شهر تقريباً ، وأصررت على أنّ يرجعني إلى أهلي ، ولكنه تعامل معي بكلّ صبر وتأنٍ وحلم وعقل وهدوء مقابل انفعالي وإصراري ، وأكّد لي أنّه لم يتّبع المذهب الجعفري إلّا لأدلّة وجدها أقنعته ، وحلف لي إذا رددت عليه بأدلّة ثابتة صحيحة فسيرجع إلى المذهب الزيدي ، فصرت على أمل أنّ أرجعه إلى الزيدية لأنّي عرفت أنّه جادّ في كلامه ، وهو

__________________

١ ـ الحجرات : ١٠.

١٨

إنسان مؤمن ، وليس من أهل الدنيا ، وهذا ما جعلني أصدّقه.

ولكن لم أجد ما أقول له إلّا أنّ أوجّه له أسئلة ، مثل : لماذا اتّبعتهم؟ وما أدلّتهم؟! فقال : إنّ أشد خلاف بين البشر هو الخلاف على الولاية ، أو العلوم في الأرض (١) ، وقال لي : إنّ المسلمين مجمعون على أنّ من صحّت أصوله يتّبع في فروعه ، أنّ الخلاف بين الزيدية والجعفرية أهمّه في الإمامة ، فالجعفرية تقول : إنّ الأئمة اثنا عشر إماماً ، فقلت : وما دليلهم؟

قال : الحديث الموجود في كتب الزيدية ، والسنّة ، وإجماع الجعفرية ، فقلت : ائتني بمصدر واحد يذكر ذلك ، فقال : بل آتيك بمصادر لا مصدر واحد ، فأتى بصحيحي البخاري ومسلم وغيرها من الصحاح الستة ، وعندما قرأتها تحيّرت ، فلأوّل مرّة أعرف أنّ هذا الحديث موجود في صحاح أهل السنّة ، لكنّي كابرت في البداية وقلت : أريد مصادر زيدية لا حاجة لي بمصادر أهل السنّة ، وما كان منه إلّا أنّ أتى بكتب أئمة الزيدية وكبار علمائهم ، مثل التحف شرح الزلف ، ولوامع الأنوار ، وسير بعض أئمة الزيدية ، وكتاب الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية ، والشافي ، والبحر الزخار ، وتحرير الأفكار ، وغيرها.

عندها صممت أنّ لا أقبل شيئاً من المذاهب إلّا بدليل ، فبدأت بمذهب أهل السنّة وإذا به ينهار في أيام قليلة ؛ لأنّ الروايات ثابتة في كتبهم بولاية أهل البيت عليهم‌السلام ، والتناقض الكبير في ولاية غيرهم ، فلم أجد ما أتمسّك به من مذهبهم ، فانتقلت للزيدية فوجدتها تدرّس الناس وتبلّغهم عن أهل البيت بشيء

__________________

١ ـ لقد شرح لي تفصيلاً مقنعاً حول الولاية ، وهو شرح مفصّل ذكره بالتفصيل في كتابه بنور القرآن اهتديت ، وقد طبع ، فراجع.

١٩

ليس له تطبيق في الواقع (١) ، طبعاً فترة البحث والحيرة استمرت لمدّة ثلاث سنوات ، حتّى وصلت إلى النتيجة المقنعة ، ثمّ ـ بحمد الله ـ صرّحت بالحقّ وأعلنته ، وأكثر ما دعاني للشك والبحث هي الإمامة والولاية ؛ لأنّ الروايات عند الزيدية ثابتة بوجوب إمام لكلّ عصر ، والقول بأنّ أهل البيت عليهم‌السلام هم الأمان والسفينة و .. ، فإنّ الزيدية تؤمن بها وتعتقدها وتحتجّ بها على أهل السنّة ، ولكن عندما فكّرت في تطبيقها وجدت أنّه لا يمكن انطباقها إلّا على أناس معصومين ، وهذا ما جعلني أُصمم على البحث والمناقشة وتذكّرت الأسئلة وحيرتي في جوابها ، فبدأت أطرح تلك الأسئلة على نفسي ومع الكتب.

وخلال عدّة مرّات وأنا أذهب إلى اليمن ، التقيت بأستاذي وخالي ووالدي ، وحاولت أنّ أستفيد منهم إلّا أنّهم كانوا يتعصّبون ، وخفت أنّ يتهمونني بأنّني جعفرية ، فسكت ، وسألت الأستاذ : لماذا لم تناقش السيّد ( زوجي ) وقد أتى يناقشك؟ فقال : قولي له يأتي أُناقشه وأنت حكم بيننا. ولكن للأسف كان يوم الغد هو يوم سفرنا إلى إيران ، فتمنّيت لو كنت طرحت له الموضوع قبل ذلك ، ومن ثمّ سالته بعض الأسئلة حول الجعفرية ، وللأسف لم يجبني إجابات علمية ، فسكت ؛ لأنّ الوقت كان ضيقاً فقد كنّا على وشك سفر ، والأخوات اللواتي جئن معي لزيارته كنّ في عجلة من أمرهن ، فذهبنا من دون نتيجة ، إلّا أنّني واصلت بحثي مع كتب أئمة الزيدية المخطوطة.

وكان لي بعض التساؤلات والمناقشات مع بعض الأخوات المثقفات ، فذات يوم قلت لإحدى صديقاتي وزميلاتي التي قامت بالتدريس بعدي : يا أختي

__________________

١ ـ راجع إثبات ذلك في كتابي ( ( وعرفت من هم أهل البيت عليهم‌السلام ) ).

٢٠