بحوث معاصرة في الساحة الدوليّة

الشيخ محمّد سند

بحوث معاصرة في الساحة الدوليّة

المؤلف:

الشيخ محمّد سند


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٧

المحاضرة الأُولى

إحياء الشعائر الحسينية

محاور المحاضرة :

أوّلا : إحياء الشعائر الحسينية.

ثانياً : الشعائر الدينية لا تقتصر على شعائر الحجّ.

ثالثاً : للشعيرة عدّة مصاديق ويشترط فيها عدم الحرمة الشرعية.

رابعاً : تطبيق على المولد النبوي.

خامساً : استحداث أُسلوب جديد في إحياء الشعيرة لا يعتبر بدعة.

سادساً : للمعنى اللغوي دور مهم في فهم النصّ الشرعي.

سابعاً : الفرح لفرح أهل البيت عليهم‌السلام والحزن لحزنهم من مصاديق مودّتهم.

ثامناً : تعظيم من عظّمه الله أمرّ راجح في الدين.

تاسعاً : أهل البيت عليهم‌السلام بيّنوا بعض مصاديق الشعائر.

عاشراً : المحافظة على قدسية الذكرى.

إحياء الشعائر الحسينية

إنّ إحياء الشعائر الحسينية ، التي هي من الشعائر الدينية ، التي ورد الحث عليها متواتراً من طرق الفريقين ، أمر لا شكّ في مشروعيته ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (١). والآية الكريمة لا تختصّ بالشعائر التي تعبَّدنا الله تعالى

__________________

١ ـ الحجّ (٢٢) : ٣٢.

٨١

بها لكونها شعيرة ، وذلك لأنّ كلّ عمل ورد في الشريعة ، إذا لم يكن موضوعه قد عُيّن وحُدّد من قبل الشرع ، فإنّ المتعارف لدى علماء الفقه والاُصول كمنشأ قانوني شرعي أن يحمل على معناه اللغوي.

الشعائر الدينية لا تقتصر على شعائر الحجّ

وهنا في الآية الكريمة قد اُضيفت كلمة « شعيرة » ، « شعائر » ، اُضيفت إلى الله تعالى ، حيث إنّ معنى « الشعيرة » : العلامة والدلالة ، فهذا العنوان الذي أُخذ من الآية اُضيف إلى الله تعالى ، فكلّ ما يكون معلماً دينياً يؤهّله ذلك لأن يكون شعيرة دينية ، وإلاّ فالآية ليست مختصة بشعائر الحجّ ، مع أنّها واردة في سورة الحجّ وتتكلّم عن موضوع يتعلّق بالحجّ.

للشعيرة عدّة مصاديق ، ويشترط فيها عدم الحرمة الشرعية

والدعوى أنّها حقيقة شرعية ولا بدّ فيها من التعبّد ، فهذا خلاف ما يذهب إليه فقهاء كلّ الفرق الإسلامية وعلماء الأُصول ، وهناك ما يسمّى الحقيقة اللغوية للحقيقة الشرعية ، ومقصودهم من الحقيقة الشرعية ذلك المعنى الذي انشأه الشارع بتحديد وترتيب أجزاء معيّنة في أمر معيّن ، كما في الصلاة التي لها معنى خاصّ بها ، حدّده الشارع وتعبّد المكلّفين به ، وإذا لم يرد التعبّد في أمر معيّن ولم يرتّب حكماً من الأحكام عليها ، فحينئذ يبقى المعنى على حاله ، فإذا كان الحال كذلك فأيّ مصداق يكون مؤهّلا لأن يكون من شعائر الله ، إضافة لتلك المصاديق التي جعلها الله من الشعائر.

ومن الطبيعي أنّه يجب أن تكون هذه الشعيرة مباحة أو راجحة شرعاً ، وليس من المعقول أن يكون هذا العمل المراد اعتباره شعيرة عملا محرّماً شرعاً ; لأنّ

٨٢

العمل المحرّم يرفضه الشرع ، ولا يصلح أن يكون علامة للدين باعتبار أنّ الشعيرة علامة.

تطبيق على المولد النبوي

فإذن التحديد الموضوعي والقانوني لأيّ مصداق من مصاديق الشعائر أن يكون موضوعاً مباحاً في نفسه ، ولذلك لم يتحرّج أحدٌ من فقهاء المذاهب الإسلامية ـ عدا الشاذ النادر منهم ـ من اعتبار إحياء المولد النبوي المبارك أمراً حسناً وإيجابياً ، رغم أنّه لم يرد ما يدلّ على إحيائه بصورة خاصة دليل من الشرع ، إلاّ أنّ المذاهب الأربعة ـ فضلا عن مذهب الإمامية لم تتحرّج من الاحتفال بهذه المناسبة الكريمة لأنّ الاحتفال بمولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يحمل في طياته التكريم والتبجيل والتعظيم للنبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا يعتبر تعظيماً للدين ، ويكون مولده شعيرة من الشعائر الدينية.

استحداث أُسلوب جديد في إحياء الشعيرة لا يعتبر بدعة

إذن في الشعائر الدينية لا يرد اعتراض على استحداث أساليب لإحياء الدين باعتبارها بدعة ، و « كلّ بدعة ضلالة » (١) البدعة إنّما تكون في مالم يرخص به الشارع المقدّس ، وذلك لأنّ الشعائر الدينية لم تكن محدّدة بمصداق معيّن بحيث تنطبق على غيره ، نعم هناك بعض العبادات محدّدة كالصلاة ، حيث حدّد الشارع بدايتها بالتكبير ، ونهايتها بالتسليم ، وثلثها الركوع ، وثلثها السجود ، ولها كيفية معينة : أمّا إذا لم يحدّد الشارع كيفية معيّنة ، فيستساغ إحياء الشعيرة بشرط كونها مباحة أو راجحة.

__________________

١ ـ الكافي ١ : ٥٦ ، الحديث ٨ ، كتاب فضل العلم ، باب البدع والرأي والمقائيس.

٨٣

للمعنى اللغوي دور مهم في فهم النصّ الشرعي

وكذلك قوله تعالى : ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (١) ، هذا نصّ شرعي ، ولا يعني هذا النصّ أنّ البيع قد استجدّ معناه وحمل معنى معيناً ، بل معناه هو المعنى اللغوي ، أي : نحمله على ما يفهمه عرف العقلاء ، وأنّ الشارع لم يردع عن هذا المعنى اللغوي ، وهذا دأب حتى أولئك الذين يحكمون بالبدعة على كلّ ما استجدّ من الشعائر الدينية والطقوس والمراسم الدينية في إحياء وتشييد معان دينية سامية ، حتى أولئك يعتمدون في فهم النصّ في أبواب الفقه على المعنى اللغوي الوارد فيه ، إلاّ إذا تتاقض هذا الفهم اللغوي للنصّ مع معنى من المعاني التعبدية الشرعية.

الشعيرة علامة

وكما أنّ اليافطات والإعلانات تدلّ على أُمور معيّنة ، كما لو رأينا إعلاناً مكتوباً عليه « عيادة » فإنّ هذا الإعلان دليل على وجود طبيب وأجهزة طبية تمثّل العيادة ، كذلك « الدين » له علامات وشعائر. وتارة تكون هذه الشعائر محدّدة من قبل الله تعالى ، كما قال سبحانه وتعالى ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) (٢) ، وتحديد الشارع لبعض مصاديق الشعائر لا يعني رفضه للمصاديق الأُخرى التي لم يحدّدها.

الفرح لفرح أهل البيت عليهم‌السلام والحزن لحزنهم من مصاديق مودّتهم

وكلامنا هذا لا يعني أنّه لم يرد من الشرع شيء في الحثّ على إحياء الشعائر الحسينية ، فالآية الكريمة التي تقول : ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي

__________________

١ ـ البقرة (٢) : ٢٧٥.

٢ ـ البقرة (٢) : ١٥٨.

٨٤

الْقُرْبَى ) (١) ، المودّة تقيد أنّ الفرح لفرح المودود الذين هم آل محمّد عليهم‌السلام ، والحزن لحزنهم أمر لابدّ منه في تحقيق هذه المودّة ، وذلك لأنّ المودّة أرقى وأعلى وأشد من المحبة ، ويشترط في المودّة صدق الحب من المحب للمحبوب ، وكذلك المودّة تتضمن موضوع إبراز المحبّة وإظهارها ، ومن هذا المنطلق نحن نفرح لفرحهم ، ونحزن لحزنهم ; لكي نحقق مفهوم المودّة

تعظيم من عظّمه الله أمرٌ راجح في الدين

ونفس هذه الآية ، تدل على أنّ إحياء ذكرى عاشوراء ، هي من الشعائر الدينية ; لأنّ هذا الأمر أمرٌ راحجٌ في الدين ، وقد ورد في كتب العامة متواتراً : « الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة » (٢) « وانهما ريحانتا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٣).

وما حصل عليه أهل البيت عليهم‌السلام ، من مقامات عالية في القرآن ، كما هو شأن آية المباهلة (٤) ، وآية المودّة (٥) ، وآية التطهير (٦) ، وسورة الدهر (٧) ، وغيرها (٨) ، فيجب تعظيمهما وتبجيلهما ; لأنّ لهما ذلك المكان العالي الذي لابدّ للإنسان المؤمن أن يتعاطى معه بما يليق به.

__________________

١ ـ الشورى (٤٢) : ٢٣.

٢ ـ المعجم الأوسط ٣ : ٢٠٣ ، الحديث ٤٣٣٢. مجمع الزوائد ٩ : ٢١١ ، الحديث ١٥٠٨٢ فما بعد. كنز العمال ١٢ : ٤٨ ، الحديث ٣٤١٨٧.

٣ ـ صحيح البخاري ٢ : ٤٧٧ ، الحديث ٣٧٥٣ ، كتاب فضائل أصحاب النبي ، باب مناقب الحسن والحسين. الجامع الكبير ٦ : ١١٤ ، الحديث ٣٧٧٠.

٤ ـ آل عمران (٣) ، ٦١.

٥ ـ الشورى (٤٢) : ٢٣.

٦ ـ الأحزاب (٣٣) : ٣٣.

٧ ـ الانسان (٧٦) :

٨ ـ المائدة (٥) : ٥٥ ، الأعراف (٧) : ١٧٢.

٨٥

وقد ورد في كتب العامة أنّ مخلوقات الله ، كالسماء والأرض ، وكل حجر ومدر ، والملائكة ، قد بكت على الحسين عليه‌السلام (١) ، وهذا ما لا يترك للمشككين منفذاً للتشكيك في شرعية إحياء ذكرى الحسين عليه‌السلام.

وقد ذكر الشيخ جعفر آل كاشف الغطاء : أنّ مشاهدهم وقبورهم قد شُعرتْ من قبل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قد ورد عن طرق العامة (٢) ـ فضلا عن طرق الخاصة (٣) ـ الحثّ على زيارتهم ، وإعمار قبورهم ، وما شابه ذلك ، مما يدلّ على رغبة الشارع في إشادة هذا البنيان كمعلم للدين ، إذن كون هذه الشعيرة من الشعائر العظيمة للدين ، أمر مسلّمٌ به.

أهل البيت عليهم‌السلام قد بيّنوا بعض مصاديق الشعائر

وقد بيّن أهل البيت عليهم‌السلام بعض الأساليب والمصاديق في إحياء الشعائر الحسينية ، إلاّ أنّ بيانهم عليهم‌السلام لتلك الأساليب لا يدلّ على الحصر ، وأنّ غيرها من الأساليب والمصاديق مرفوضة في الشرع.

ولنا أن نتساءل عن كيفية اختيار الشعائر المناسبة؟ ذكرنا : أنّ الشرط الأوّل في الشعائر الدينية ـ فضلا عن الشعائر الحسينية ـ أن تكون هذه الشعائر عملا مباحاً ، وهذا أمرٌ جليٌ واضحٌ. وقد مرّ علينا أنّ الشعائر تعني العلامات لمعنى ديني معيّن ،

__________________

١ ـ تفسير القرآن العظيم ٤ : ١٣٨ ، عند قوله تعالى ( فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأَرْضُ ) ، الدخان (٤٤) : ٢٩.

٢ ـ ورد في الدرّ المنثور ٥ : ٩١ ، ذيل سورة النور (٢٤) : ٣٦ ، وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك وبريدة قال : قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآية ( في بيوت أذن الله أن ترفع ) فقام إليه رجل فقال : أي بيوت هذه يا رسول الله؟ قال : بيوت الأنبياء. فقام اليه أبو بكر فقال : يا رسول الله هذا البيت منها؟ البيت علي وفاطمة قال : نعم ، ومن أفاضلها.

٣ ـ جامع احاديث الشيعة ١٥ : ٩٠ ، ١٤٩ ، باب ما ورد في فضل زيارة الائمة المعصومين عليهم‌السلام ، وباب استحباب عمارة قبور الأئمة عليهم‌السلام.

٨٦

ونحن نرى أنّ الشعائر الحسينية تؤتي ثمارها إلى يومنا هذا ، ليس على صعيد مذهب أهل البيت عليهم‌السلام فحسب ، وإنما على صعيد المذاهب الإسلامية الأُخرى أيضاً ، كما هو حال شباب الانتفاضة الفلسطينية الذين اتخذوا من شباب المقاومة في جنوب لبنان نموذجاً لمحاربة إسرائيل ، والجنوبيون اتخذوا الحسين عليه‌السلام مناراً في حربهم وتحريرهم لبلادهم من رجس العدو الصهيوني.

في روايات أهل البيت عليهم‌السلام قد حدّد المعنى الذي يجب أن تكون الشعائر الحسينية دالة عليه ، وقد جمع الحر العاملي ، في كتاب وسائل الشيعة قسم كتاب الحج في نهايته ، روايات تتحدّث عن الزيارة ، مبوّبة في ما يربو على المائة باب ، ومن الباب السابع والثلاثين إلى ما بعد الباب السبعين ، خصّها صاحب الوسائل للشعائر الحسينية.

روايات وسائل الشيعة في إحياء الشعائر الحسينية

ولابد لمن يريد أن يقيم دراسة معمّقة عن الشعائر الحسينية ، من الاطلاع على هذه الأبواب التي ذكرناها ، فمن المصاديق المذكورة في رواياتهم عليهم‌السلام البكاء والجزع ، ويعني : شدّة الحزن على سيد الشهداء وزيارة الحسين عليه‌السلام وإنشاد الشعر.

والشعائر الحسينية لها عدّة وجوه :

الوجه الأوّل :

هو الحزن والجزع والتفجع والبكاء.

والوجه الثاني :

هو الحماس وإثارة المشاعر وتجييش العواطف والفداء والتضحية والاستبسال والشجاعة.

٨٧

والحماس على أنواع : فقد يكون حماساً متصلا باللّعب والحرص والطمع ، وقد يكون متصلا بالعمل والجدّ ، وقد يتصل بأُمور دنيوية ، ولكن الحماس في الشعائر الحسينية ، فهو أمرٌ مختلف ، لأنّه يتصل بالحزن على سيد الشهداء.

والوجه الثالث :

والوجه الثالث للشعائر الحسينية ، هو وجه المباديء والقيم النبيلة التي استشهد من أَجلها الإمام الحسين عليه‌السلام ، ومن المعروف أنّ الإمام الحسين عليه‌السلام هو أكثر إمام من الأئمة المعصومين عليهم‌السلام ، ورد الحثّ على زيارته ، وهذه الزيارات المأثورة تشدّ الزائر إلى المعاني التي من أجلها استشهد الحسين عليه‌السلام ، « لم تنجّسك الجاهلية بأنجاسها ولم تُلبسك من مُدلهمّات ثيابها وأُشهد أنّك من دعائم الدين وأركان المؤمنين » (١).

وقد ورد من آداب الزيارة للحسين أن لا يملأ الزائر بطنه بالطعام والشراب ، بل يكون جائعاً وعطشاناً (٢) ، لكي يعيش أجواء استشهاد الحسين عليه‌السلام المقتول عطشاناً ، وقد أنّب الإمام الصادق عليه‌السلام ، بعض الشيعة الذين كانوا يتهادون الحلوى عند قبر الإمام الحسين عليه‌السلام ، وقال لهم : « بلغني أنّ قوماً إذا زاروا الحسين بن علي عليه‌السلام حملوا معهم السفرة فيها الحلاوة والأخبصة وأشباهها ولو زاروا قبور أحبائهم ما حملوا معهم ذلك » (٣) ، باعتبار أنّ تهادي الحلوى لا يناسب أجواء المصيبة والحزن.

__________________

١ ـ زيارة وارث.

٢ ـ جامع أحاديث الشيعة ١٥ : ٣٧٦ ، باب جملة مما يستحب للزائر من الآداب وما فيه من الثواب وما يستحب تركه.

٣ ـ جامع أحاديث الشيعة ١٥ : ٣٨١ ، الحديث ٢١٠٢٦ ، باب جملة مما يستحب للزائر من الآداب وما فيه من الثواب وما يستحب تركه.

٨٨

ينبغي أن تكون ذكرى عاشوراء خالية من مظاهر الفرح

وقد ذكر الشيخ المفيد : أنّه يستحب في يوم العاشر للمؤمن ، أن لا يلتذّ بالطعام والشراب ، ولا يتزين بزينة ، ولا تكون حالته الظاهرة حالة فرح ، بل حالة حزن ومصاب (١) ، وقد أُثر عن الكثير من فقهاء الإمامية ، أنّهم كانوا لا يتناولون الفواكه في أيام عاشوراء ، باعتبارها مظهراً من مظاهر التلذّذ. وطبعاً ، وكان الأئمة عليهم‌السلام تبدو عليهم علامات الحزن بمجرد دخول شهر محرم الحرام.

المحافظة على قدسيّة الذكرى

وكانت عاشوراء في السابق أكثر تفجّعاً وحزناً في البحرين ، كما ينقل بعض من عاصر تلك الحقبة ، أمّا الآن فكثرة الأكل ، وإن كان على حبّ الحسين عليه‌السلام والأكل على حب الحسين عليه‌السلام من الشعائر ـ إلاّ أنّ المبالغة في الأكل ، لا سيما إذا أُضيفت له الفواكه والحلويات ، لا يتناسب مع الحزن على مصاب سيد الشهداء عليه‌السلام ، كما أنّ البعض في موسم محرم لا يراعي حرمة المناسبة فيلبس لباساً مثيراً ، ويُعتبر هذا اللباس محرّماً شرعاً ، أو على أقل التقادير مقدّمة لمحرم ، وكذلك بعض الألحان التي تكون في مواكب العزاء ، لا تتناسب مع الحزن والفاجعة في هذه الذكرى الأليمة.

وقد ورد في بعض الروايات الحثّ على قرآءة القرآن بحزن (٢) ، لأنّ اللحن الحزين يساعد على التدبّر والتحليق في معاني القرآن الكريم ، وأتذكّر الألحان القديمة لحمزة الصغير ، وغيره من الرواديد رحمهم الله ، كانت ألحان مفجعة.

__________________

١ ـ المقنعة : ٣٧٨.

٢ ـ وسائل الشيعة ٦ : ٢٠٨ ، باب استحباب القراءة بالحزن ، من أبواب قراءة القرآن ولو في غير الصلاة.

٨٩

إذاً المطلوب من الألحان أن تكون ألحاناً حماسية حزينة ، لا ألحاناً حماسيةً مطربة ، وهذا الأمر ليس أمراً هامشياً ، وإنّما أمراً مهماً ، لأنّ الموكب واجهة مهمة ، تُبرز الشعائر الحسينية للناس.

٩٠

المحاضرة الثانية

البكاء ، وعلاج ظاهرة الإرهاب والقسوة

محاور المحاضرة :

أولا : أركان الشعيرة الحسينية.

ثانياً : يجب أن تدل الشعيرة الحسينية على أهداف وقيم الثورة الحسينية.

ثالثاً : يجب تطبيق مواقف وأهداف الإمام الحسين عليه‌السلام على الواقع.

رابعاً : هل البكاء ظاهرة سلبية؟

خامساً : البكاء علاج لأمراض الروح والنفس.

سادساً : الإسلام والقرآن الكريم يثني على البكائين.

سابعاً : البكاء يُقرّب الإنسان إلى الفضائل ، ويرقق القلب.

ثامناً : هل الإرهاب مرادفٌ للصلابة والشدّة؟

تاسعاً : المراحل التي تستند إليها القضايا القانونية.

عاشراً : الإمام الحسين عليهم‌السلام يرجع أعداءه إلى الأصول الأخلاقية.

أركان الشعيرة الحسينية

مرّ علينا الليلة الفائتة ، أنّ الروايات المتواترة عن أهل البيت عليهم‌السلام ذكرت بأنّ الشعيرة الحسينية يجب أن تتقوّم بأركان ثلاثة :

الركن الأوّل : تَضمّن معنى الحزن والمصاب والتفجّع.

الركن الثاني : الحماس والعاطفة الجيّاشة.

والركن الثالث : المباديء والقيم النبيلة رسمها الحسين عليه‌السلام في نهضة.

٩١

وقد تقدّم الكلام عن الركنين الأوّل والثاني وبقي الكلام عن الركن الثالث.

يجب أن تدل الشعيرة الحسينية على أهداف وقيم الثورة الحسينية

فإنّ ضرورة كون الشعيرة الحسينية دالة على المعاني والفضائل والقيم النبيلة والأهداف الإصلاحية والتي كانت منعطفاً مهمّاً في التاريخ الإسلامي ، وحيث إنّ أهل البيت عليهم‌السلام ، هم العِدل الثاني الذين أُمرنا بالتمسك بهم ، فلابد أن تكون أقوالهم وأفعالهم وسيرتهم حجة ، ومن ثَمّ فإنّ الشعيرة الحسينية لابد أن تكون دالة على الأهداف والفضائل والقيم النبيلة التي قام من أجلها الحسين عليه‌السلام ، وصحّح مسيرة الأُمة.

يجب تطبيق مواقف وأهداف الإمام الحسين عليه‌السلام على الواقع

ويجب أن تجعل الشعيرة الحسينية ، من منطلقات الإمام الحسين عليه‌السلام وأهدافه ، محوراً وقطباً ومنهلا تنتهل منه الحلول لقضايانا الراهنة ، وإذا كان استعراض القضايا الراهنة بعيداً عن فكر كربلاء وعطاء الحسين عليه‌السلام ، فإنّ الشعيرة الحسينية لا تُؤدّي غرضها كما ينبغي ، وكذلك استعراض السيرة الحسينية بعيداً عن ربطها بالقضايا الراهنة المعاصرة يقف عائقاً أمام تحقيق غرض الشعيرة الحسينية ، ولا يمكن للشعيرة الحسينية أن تُؤدّي غرضها ، إلاّ إذا قمنا بتحليل مواقف الإمام الحسين عليه‌السلام ، وكلماته وتطبيقها على الواقع ، وحينئذ نكون قد تمسّكنا بالإمام الحسين عليه‌السلام الذي هو مصباح الهدى وسفينة النجاة.

هل البكاء ظاهرة سلبية؟

ومن المعروف أنّ البكاء من الأُمور المؤكّدة التي حثّ عليها أهل البيت عليهم‌السلام (١) ،

__________________

١ ـ جامع أحاديث الشيعة ١٥ : ٤٢٩ ، باب أنّه يستحب البكاء لما أصاب أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وخصوصاً الحسين عليه‌السلام.

٩٢

بل هو من أبرز الشعائر الحسينية.

ومن القضايا المثارة حول شعائر الحسين عليه‌السلام ، هي قضية البكاء والجزع ، التي تثير اعتراضات من قبل غير المسلمين أو غير الشيعة من المذاهب الإسلامية ، وهذه الاعتراضات اعتراضات غير مدروسة ، لأنّ البكاء ظاهرة نفسية تستحق البحث والدراسة في حقول علم النفس.

فهل أنّ البكاء ظاهرة سلبية بما تحمله من حالة الانكسار والضعف وعدم الشجاعة في مواجهة الواقع ـ كما يقولون؟

البكاء علاج لأمراض الروح والنفس

والدراسات الغربية تؤكّد أنّ الكثير من العُقَد والأمراض النفسية والاجرام والاضطرابات الروحية ، إنّما تحصل نتيجة غياب وفقدان البكاء ، وأنّ في البكاء علاج لهذه الأمراض الروحية والنفسية ، وقد عمل بعض الأطباء الغربيين على تهيئة أجواء البكاء لبعض المرضى ، أو كما يصطلحون عليه بالبكاء الاصطناعي في مقابل البكاء الطبيعي ; لأنّ في البكاء علاج نفسي.

الإسلام والقرآن الكريم يثني على البكّائين

فمسألة البكاء يجب أن تخضع لدراسة ، ولا ينبغي أن يحكم عليها بالسلبية ، خصوصاً أنّ الإسلام قد حثّ على البكاء من خشية الله والتوبة من الذنوب والرجوع إلى الله.

ونلاحظ أنّ القرآن الكريم قد أثنى على القسيسين والرهبان ، لأنّ أعينهم تفيض من الدمع قال تعالى : ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ

٩٣

وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) (١).

البكاء يُقرّب الإنسان إلى الفضائل ، ويرقق القلب

الكبر والعجب والتعجرف والاستعلاء والعصبية أمراض ، وتعتبر ظاهرة البكاء علاج لهذه الأمراض ، ويستطيع البكاء أن يقتلع الكثير من جذور الصفات المذمومة في النفس.

ولا يقترب الإنسان ـ في أغلب الأحيان ـ من البكاء إلاّ إذا اقترب إلى الفضائل والقيم النبيلة والمباديء الإنسانية العالية ، وتكون نتيجة هذا البكاء هو تخلّص الإنسان من الرذائل ، وابتعاده عن الأفراد والجماعات التي تمارس هذه الرذائل الروحية ، ويقرّب البكاء الإنسان إلى الفضائل ويجعله يحبّ ، ويقترب إلى أهل الفضائل والمحسنين والصالحين.

الحكمة الإلهية لخلق حالة البكاء عند الإنسان

ولو تساءلنا ، لِمَ خلق الله حالة البكاء ، وجعلها مرتبطة بالإنسان؟ الجواب هو : أنّ البكاء تصحيح ، وطب نفسي سريع جداً للأمراض المتجذّرة ، والتي ربما تكون أمراضاً نفسية سرطانية خطيرة تهدّد مستقبل الإنسان والمجتمع ، ومن ناحية أُخرى فإنّ البكاء يبني الفضائل والمحاسن في نفس الإنسان بشكل سريع أيضاً ، فعلى سبيل المثال : الخشوع لله ، وهو من أفضل الكمالات التي يحصل عليها الإنسان ، ورقّة القلب والصفاء النفسي له علاقة وثيقة بالبكاء ، ويختصر البكاء الطريق إلى الله ويقرب إليه.

__________________

١ ـ المائدة (٥) : ٨٢ ـ ٨٣.

٩٤

الآثار الإيجابية للبكاء

ولا نجد في المصادر الإسلامية من القرآن (١) وأحاديث أهل البيت عليهم‌السلام (٢) بل حتّى روايات أهل السنّة المذكورة في صحاحهم (٣) ; إلاّ الثناء والمدح للبكاء والتنويه بآثاره الإيجابية ، لأنّ البكاء يقف مقابل الرعونة والخشونة والقساوة ، والمجتمع الدولي يعاني اليوم من الإرهاب والقساوة والعنف والفرعنة والأنانية.

ويصلح البكاء إذا ما نجحنا في تفعيله في النفس أن يذهب القساوة والعنف والإرهاب من نفس الإنسان ، فمن الخطأ الاستخفاف والاستهزاء بالبكاء ، لأنّ البكاء من أفضل العبادات ، والإنسان يكون في أقرب الحالات إلى الله تعالى إذا كان في حالة الانكسار والتضرّع والضعف.

الحسين قتيل العَبرة

والبكاء يصاحب هذه الحالات النفسية العالية ، ومن هنا كانت روايات أهل البيت عليهم‌السلام تعبّر عن الحسين عليه‌السلام أنّه « قتيل العَبرة » (٤) ، والعَبرة هي الدمعة والبكاء المرتبط بالفضائل ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « إنّما بعثت لأُتمم مكارم الأخلاق » (٥) ، إذاً العَبرة الحسينية تصبّ في مصبّ بناء مكارم الأخلاق وتتناغم مع أهداف الرسالة المحمّدية.

لا بدّ من التفاعل مع القضية ، لكي نستطيع تفعيل دور البكاء

وبعض الروايات تشير إلى أنّ من أسرار استشهاد الإمام الحسين عليه‌السلام ، هو بكاء

__________________

١ ـ الاسراء (١٧) : ١٠٩. مريم (١٩) : ٥٨.

٢ ـ وسائل الشيعة ٧ : ٧٤ ، باب استحباب الدعاء مع حصول البكاء.

٣ ـ صحيح مسلم ٢ : ٥٣٠ ، الحديث ٩٢٣ ، كتاب الجنائز (١١).

٤ ـ وسائل الشيعة ١٤ : ٤٢٢ ، الحديث : ١٩٥٠٦.

٥ ـ جامع أحاديث الشيعة ١٧ : ٥١٩ ، الحديث ٢٤٢٦٧ ، باب مكارم الأخلاق.

٩٥

المؤمنين عليه (١) ، باعتبار أنّ البكاء له دور كبير في البناء الاجتماعي وتحصينه من الآفات وحثّه على المكرمات.

ولا يمكن للبكاء أن يفعل مفعوله في النفس ، إلاّ إذا عرف الإنسان آثاره الإيجابية ، وسعى إليه وتفاعل مع القضية التي بكى من أجلها ، وبكى باعتبار البكاء باباً من أبواب الفضيلة والكمال الإنساني ، ومن المعروف أنّ الله قريب من الخاشعة قلوبهم وبعيد عن القاسية قلوبهم.

هل الإرهاب مرادف للصلابة والشدّة

الآن سنبحث عن موضوع الإرهاب كمرادف للوحشية والحيوانية والرعونة والخشونة والقسوة والعدوان ، وفي مقابله اللين والرفق والسلام ، وما نريد أن نبيّنه هنا ، هو هل كل موقف من مواقف الشدّة والصلابة هو موقف إرهابي وحشي؟

الإجابة القانونية لهذا السؤال

وللجواب عن هذا السؤال لابد أن نستعرض الإجابة القانونية سواءً كان القانون قانوناً إلهياً سماوياً أو قانوناً أرضياً وضعياً ، وقبل الإجابة عن السؤال ، لابد من معرفة الخلفيّات الحقوقية لهذا الموضوع ، وتسبق هذه الخلفية الحقوقية مرحلة أخلاقية ، ثمّ رؤية فلسفية عقائدية ، وهذا أمر متسالم عليه عند فقهاء القانون الإلهي والوضعي ، إذاً هناك أربع مراحل :

المرحلة الأولى : رؤية عقائدية وفلسفية ، والمرحلة الثانية : المرحلة الأخلاقية ، والمرحلة الثالثة : القضية الحقوقية ، والمرحلة الرابعة : القضايا القانونية.

__________________

١ ـ بحار الأنوار ٤٤ : ٢٧٩ ، الحديث ٥ و ٦ ، باب ثواب البكاء على مصيبته ، ومصائب سائر الائمة عليهم‌السلام.

٩٦

المراحل التي تستند إليها القضايا القانونية

المرحلة الأُولى : رؤية عقائدية فلسفية ، سواءً كانت دينية تعتقد بوجود الخالق ، أو رؤية ماديّة لا تعتقد بوجود الخالق هل الإنسان هو المحور؟ أم الله هو المحور؟ أو المجتمع هو المحور؟ ولابدّ من تحديد الرؤية العقائدية والنظرة الفكرية للكون ، وحتى الدساتير الغربية التي كانت تعتبر الفرد هو المحور والحريات الفردية هي المقدّمة على غيرها ، قالت : ينبغي الموازنة بين حرية الفرد وحرية المجتمع على كلّ حال ، هذه الدساتير تستند إلى رؤية عقائدية معيّنة ، أيّاً كانت هذه الرؤية ، وهو ما يسمى في العلوم الإسلامية بـ « علم الكلام » أو « نظرية المعرفة ».

المرحلة الثانية : القضايا الأخلاقية.

المرحلة الثالثة : القضايا الحقوقية.

المرحلة الرابعة : القضايا القانونية.

لا يمكن الحكم على القانون دون معرفة خلفيّاته الحقوقية والأخلاقية والعقائدية

ومن المستعصي أن تعرف أنّ هذا القانون قانون عادلٌ ظالم ، وأنت لا تعرف خلفيته الحقوقية ، ومن الممتنع أن تحكم على أمر معيّن بالصحة أو الخطأ ، وأنت لا تعرف فلسفته الأخلاقية ، ومن الممتنع أن تحكم على رؤية أخلاقية ، من دون أن تتعرّف على الرؤية العقائدية التي تستند إليها تلك الرؤية الأخلاقية ، فمثلا : بعض فلاسفة الغرب يعتقدون أنّ كل منظومة الأخلاق ، هي وليدة الغرائز الجنسية ، ويدعون إلى الإباحة الجنسية ، أمّا الرأي الآخر فيقول : هناك روح وهناك قوّة عقلية يجب أن تهذّب الغريزة الجنسية وتضبطها عن الخروج من الإطار الذي حدّد لها. ومن الواضح أنّ حكم هؤلاء القانوني سيختلف عن حكم أولئك ، باعتبار

٩٧

الاختلاف الناتج عن الخلفيات العقائدية الفلسفية والأخلاقية والحقوقية.

وهناك مدرسة الباراسيكلوجية أو علماء الأثير ، ولهم نظرة مخالفة للماديين ، ونظرياتهم مشابهة للنظريّات الدينية والملل الموحّدة ، ولهم مدارس وبحوث وجامعات وأكاديميات ومنتديات علمية ومباحثهم معطاءة وخلاّبة

لابدّ من دراسة الخطوط الحمراء والخضراء بناءً على هذه الخلفيّات

وإذا أردنا دراسة الإرهاب كمرادف للوحشية والرعونة والخشونة والحيوانية والقسوة وإثارة الحروب والبغض والكراهية ، وفي مقابلة اللّين والرفق والسلام والهدوء والأمن والحوار والتأنّي في الحكم والإخاء والصداقة والمحبّة ، فلابدّ أن ندرس القانون وخلفياته الحقوقية والرؤية العقائدية الفلسفية التي تستند إليها هذه الخلفية ، من أجل معرفة الصحيح من السقيم في كل هذه الأمور التي ذكرناها ; لكي تتبيّن الخطوط الحمراء والصفراء والخضراء ، وأين يكون التجاوز وأين يجوز الحكم ...

رؤيتنا العقائدية تبتني على وجود الخالق وتوحيده

وإذا كان بحثنا بحثاً علميّاً منطقياً ، فلا بدّ لنا أن نلتزم بهذا التسلسل ، ولابدّ من البداية من الرؤية العقائدية ، ولا داعي للتفصيل في هذه الرؤية العقائدية ; لأنّنا مسلمون وموحّدون ، وهذا من المسلّمات التي نعيشها ، وأمر مفروغ منه.

لكل فعل منشأ أخلاقي

وقبل الدخول في المرحلة الأخلاقية أُنوّة إلى قاعدة ذكرها علماء الفلسفة وعلماء الأخلاق ، وهي : « أنّ لكل فعل ، جذر أو منشأ أخلاقي عند الفرد وعند المجتمع » ، اي : كل ظاهرة فردية أو اجتماعية أو أُسرية ، لها منشأ نفساني

٩٨

أخلاقي ، وكل عمل فردي أو اجتماعي ، لابدّ أن ينطلق من رؤية عقائدية معرفيّة معيّنة.

الارتباط بين المراحل الأربع

والنزاع القانوني لايمكن حلحلته ، وتتبّع أوراقة وحقائقه ، إلاّ عبر هذه المراحل الأربع التي ترتبط فيما بينها ارتباطاً شديداً ، ونحن نلاحظ أنّ الدساتير في البلدان الإسلامية تشير إلى أنّ دين الدولة الإسلام ، وأنّ القرآن مصدر التشريع أو بعبارات قريبة من هذا المعنى ، ومن هذا المنطلق يجب أن يتنبّه القانونيّون إلى أنّ الأصول القانونية ليست هي فقط المواد الدستورية ، ونقصد من الأصول القانونية « البنى الأساسية التي يرجع إليها في سَنّ القوانين ، وترجع إليها تفاصيل القوانين والقوانين الفرعية » ، فيجب الالتفات إلى أنّ الأصول القانونية ليست مقتصرة على المواد الدستورية الأم ـ الأصلية ـ ، بل إلى المواد الأخلاقية التي يؤمن بها ذلك المجتمع ، التي هي نفسها أصول قانونية بناء على ما ذكرناه من ارتباط المراحل الأربع.

روح الشريعة وفقه المقاصد

وما ذكره فقهاء الإمامية : من أنّ هناك روح الشريعة وفلسفة « الأحكام ترجع إلى أصول قانونية ، ولكن لا تقتصر على الأصول القانونية الفرعية ، وما يسمى بـ » فقه المقاصد « لا يعني : إرجاع الفقه إلى المقاصد الفرعية ، بل هناك ما هو أكثر أصالة من الأحكام الفرعية ، وهي البنية التحتية الأخلاقية التي تهيمن على القوانين الفرعية.

صحيح أنّ هناك فرق بين الباحث القانوني والباحث الأخلاقي باعتبار اختلاف التخصّص ، والقاضي أيضاً سواءً كان قاضياً مدنياً أو شرعياً إلاّ أنّ عليهم

٩٩

أن يفصلوا النزاع بالمواد القانونية التي ترجع إلى الهيمنة الأخلاقية ، كما ذكرنا.

الإمام الحسين عليه‌السلام يرجع أعداءه إلى الأصول الأخلاقية

وفي واقعة الطف يخاطب سيد الشهداء عليه‌السلام الوجدان العربي ، فمثلا : عندما اعتدى الجيش الأموي على مخيم الإمام الحسين عليه‌السلام ، وعلى حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال لهم الحسين عليه‌السلام : » ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحراراً في دنياكم وارجعوا إلى أحسابكم إذ كنتم أعراباً ، فناداه شمر فقال : ما تقول يا ابن فاطمة؟ قال : أقول : أنا الذي أُقاتلكم ، وتقاتلوني ، والنساء ليس عليهنّ جناح ... « (١) ، أي أنّ الحسين عليه‌السلام عندما شعر أنّ القانون والشرع لم يؤثّرا في هؤلاء الأعداء ، حاول إرجاعهم إلى الأصول الأخلاقية ، فقال لهم : كيف تقومون بهذا الفعل المتناقض مع الأخلاق والإنسانية؟!

__________________

١ ـ بحار الأنوار ٤٥ : ٥١ ، باب سائر ماجرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية.

١٠٠