بحوث معاصرة في الساحة الدوليّة

الشيخ محمّد سند

بحوث معاصرة في الساحة الدوليّة

المؤلف:

الشيخ محمّد سند


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٧

الأُخرى وأسرارها وكيفية ارتباطها وتأثيرها على بعضها وتأثيرها على الإنسان ، والبشرية لن تصل في يوم من الأيام إلى اكتشاف كلّ أسرار الكون ، ومن هنا تأتي ضرورة النبوة ; لأنّ البشرية غير كاملة ، ومن هنا تحتاج إلى حبل متصل بين الأرض والسماء الذي يحيط بكلّ الأُمور.

٤١
٤٢

المحاضرة الرابعة

مناقشة آراء مدرسة التعدّدية

« البلوري ألسم »

محاور المحاضرة :

أوّلا : ما نتّفق مع التعدّدية « البلوري ألسم » ، وما نختلف عليه.

ثانياً : أهميّة وجود ضوابط وأدوات في قبول الآخر أو رفضه.

ثالثاً : الإسلام سبق البلوري ألسم في التعدّدية وقبول الآخر.

رابعاً : كيف يكون الكتاب تبياناً لكلّ شيء.

المدارس الثلاث التي تكلّمنا عنها كلّها تنطلق من قناعات تصبّ في ضرورة أبدية الدين الإسلامي والشريعة المحمّدية من حيث لا تشعر.

سنبداً بمناقشة المدارس الثلاث ، وأوّل مدرسة سنناقشها هي المدرسة المنطقية التعددية « البلوري ألسم » لما لها من بريق وجاذبية في الأوساط الثقافية ، وهذه المدرسة التي تعتمد في طرحها على أنّ الإنسان لا يدرك الحق لوحده ، بل يشاركه الآخرون في معرفة الحقيقة ، وأنّ الإنسان وإن أدرك شيئاً من الحقيقة إلاّ أنّه لا يدرك الحقيقة بشكل يجعله يحيط بها إحاطة كاملة.

وهم يقولون : إذا كان الله تعالى هو المحيط بالحقيقة بشكل كامل فذلك لأنّه هو المطلق اللامتناهي ، أمّا الرسول ـ أي رسول حتّى لوكان محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فهو مخلوق ومتناهي ، وهو لا يمتلك الحقيقة لوحده ، ولا يمتلكها بشكل مطلق.

٤٣

وما تعيشه البشرية من تطوّر في السير العلمي ناتج من قصورها وحاجتها إلى الكمال المطلق وهو الله تعالى.

وهذه النظرية هي تطوير لنظرية آينشتين النسبية ، وأنّ الحق نسبي. وهم يطرحون طرحاً فكرياً يتبنّى الرأي القائل بأنّه لا يحق لأحد تخطئة غيره ; لأنّ الحق منتشر ومتوزّع ، ولا يحتكره أحد أو جهة معيّنة.

الرّد على هذه الشبهة

أنتم تقولون : إنّ الحقيقة متفرّقة ، وأنّه لا يحق لأحد أن يدّعي أنّه يمتلك الحقيقة لوحده ويحيط بها إحاطة كاملة ، وأنتم بهذا تميلون إلى جمع الحقائق من كلّ الأطراف ، وأنّكم ترفضون أن تتوقعوا في جزء من الحقيقة عند هذا الشخص أو ذاك ، وعند هذه الجهة أو تلك ، وأنّ الإنسان بطبيعته يسير نحو الكمال المطلق ، والبحث عن الحقيقة والكمال المطلق هو الله تعالى ، قال تعالى : ( قُلْ ادْعُوا اللهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَِ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الاَْسْمَاءُ الْحُسْنَى ) (١) ، فكلّ اسم من أسماء الله يمثّل كمالا من الكمالات الإلهية.

والمنطلق الذي عند القوم هو أنّه إذا ادّعى شخص أنّ الحقيقة كلّ الحقيقة عنده ، والصحيح أنّ عنده بعضها وبعضها الآخر عند الآخرين ، فستكون النتيجة أنّه سيلغي وينفي جزء الحقيقة عند الآخرين ، وبهذه الطريقة ستضيع الحقيقة أو سيضيع جزؤها الذي عند الآخرين ، وهم في حذر شديد من ضياع بعض الحقيقة عند هذا الطرف أو ذاك ، وأنّه ينبغي على الإنسان أن يبحث عن الحقيقة عند كلّ الأطراف ; لكلي يحصل على صورتها الكاملة ، إذاً هم يتّجهون للبحث عن الحقيقة بصورة كاملة من حيث يشعرون أو لا يشعرون ، ونحن نتّفق معهم في أنّنا يجب أن

__________________

١ ـ الإسراء (١٧) : ١١٠.

٤٤

نبحث عن الحقيقة بصورة كاملة.

ونحن أتباع الطرح الإلهي المقابل للطرح المادي نقول لهم : إنّ بعض الحقيقة التي يمتلكها هذا الشخص أو ذاك ، وهذه الفئة أو تلك ، غير كافية للوصول إلى الحقيقة بشكل كامل ، والنتيجة هي أنّنا لابدّ لنا من طريقة تجمع لنا الحقيقة بقدر ما يستطيع الإنسان أن يدركها ، لا الحقيقة المطلقة والعلم المطلق الذي يمتلكه الله تعالى ; لأنّ ذلك مختص به تبارك وتعالى ، وبالتالي فإذا أردنا أن نحافظ على الحقيقة يجب أن لا نبعّضها وأن لا نوزّعها في هذا الطرف وذاك ; كي نحتفظ بها ، ولا تضيع بين هذه الأطراف ، وأنّه لابدّ من صيغة عقلية ذهنية فكرية تضمن لنا حفظ الحقيقة من الضياع عندما تقسّم عند عدّة أشخاص أو فئات ، وأنّ الطرح الذي يطرحونه من توزّع الحقيقة عند الفئات أو الأشخاص لا يؤمّن لنا الوصول إلى الحقيقة.

وقد ورد في الدعاء : « يا دائم الفضل على البرية ، يا باسط اليدين بالعطيّة ، يا صاحب المواهب السنيّة » (١) ، وصاحب المواهب السنيّة هو صاحب الحقيقة المطلقة التي تفيض الكمالات على الإنسان.

ومن ضمن ما يطرحه العلمانيون الغربيون ، وتبعهم العلمانيون من العرب والمسلمين هو عدم نفي وإلغاء الطرف الآخر باعتبار أنّه يمتلك جزءاً من الحقيقة ، ولكنّنا نقول لهم : إلى أيّ مدى نعترف بالآخر ، هل نصحّح آراءه بشكل مطلق؟ أم نصحّحها بشكل نسبي؟ وعندما نصحّحها بشكل نسبي ، ما هي النسبة التي نصحّحها بها ، هل هي نسبة التسعين في المئة أم العشرة في المئة؟ ثم ماذا نفعل عندما تكون آراء الآخر آراء سراب وليست آراء صواب ، هل نعترف بها بحجّة عدم إلغاء

__________________

١ ـ المصباح للكفعمي : ٦٤٧ ، الفصل السادس والأربعون فيما يعمل في شهر شوال.

٤٥

الآخر؟ إذاً فنحن بحاجة إلى وضع ضوابط وأدوات للاعتراف بالآخر.

صحيح إنّني لا أستطيع أن أدّعي امتلاك الحقيقة باعتباري إنسان عادي غير معصوم ، والقرآن الكريم والمذهب الإمامي يدعو إلى العقل الجماعي ، قال علي عليه‌السلام : « حق على العاقل أن يضيف إلى رأيه رأي العقلاء ، ويضمّ إلى علمه علوم الحكماء » (١) ، هذا صحيح لوجود لفظ حق على العاقل أن يضيف إلى رأيه رأي العقلاء الناس ، والحديث لم يقل أعقل الناس من جمع أهواء الناس إلى هواه ، ولم يقل أعقل الناس من جمع سفاهات الناس إلى سفاهته ، ولذلك من المفيد أن نضيف إلى علمنا علم الغربيين من حيث التكنلوجيا والتقنيات الحديثة والدراسات العلمية والتعدّدية السياسية ، ولكن ينبغي علينا أن نترك ما يعتبر من التخلّف في المجتمعات الغربية من الانحلال الخلقي والتفسّخ والرقص والمجون التي تضجّ منها أوروبا والهند واليابان مع كونهم غير مسلمين إلاّ أنّهم يخشون على أنفسهم من شراسة الجنس والإغراء والتحلّل والمجون الذي تصدره أمريكا.

والعقل الجماعي الذي تكلّمنا عنه هو الشورى في المفهوم الإسلامي ، العقل الجماعي وليس الإرادة الجماعية ، ونحن نحترم التعدّدية في هذا الإطار ، وهي جيّدة ومفيدة ، ولكن المهم هو انتقاء الفكر الصحيح عند الآخر ، لا قبوله بشكل مطلق بحجّة قبول الآخر والتعدّدية ، وإذا لم يكن فيه شيء صحيح لا نقبل منه شيء ، وإذا كان يحتوي على نسبة ضئيلة من الصحة لا نقبل غير هذه النسبة الضئيلة ، ونرفض الفكر الخاطىء منها.

ومن الأخطاء الشائعة في هذا الزمان اقتحام الحوار من قبل أشخاص لا يعلمون من التخصّص الذي يدور حوله الحوار شيئاً ، فليس من المعقول أن يدير

__________________

١ ـ ميزان الحكمة ٤ : ١٥٢٥ ، الحديث ٩٨٦٣.

٤٦

الحوار الطبي مهندس ميكانيكي ، وينصب هذا المهندس الميكانيكي نفسه حكماً على ذلك الحوار الطبي ، وهو لا يعرف من الطب حتّى أبجديّاته.

صحيح أنّه من المهم أن لا يستبدّ الإنسان برأيه ، وأنّ من استبدّ برأيه هلك (١) ، وهذه هي ثقافة الإسلام التي سبق بها التعددية « البلوري ألسم » وإن كانت هذه الثقافة قد شوّهتها وجود الحكومات الظالمة المستبدّة التي كانت تحكم باسم الإسلام من حيث المظهر والشكل.

والسعي للحصول على تمام الحقيقة يدعونا إلى الانفتاح على الآخرين ، وأنّ البحث عن الحقيقة يحتاج إلى سلسلة من تجارب البشر حتّى يصلون إلى الحقيقة ، ونحن نعتقد أنّ الله قد بعث محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل أربعة عشر قرناً ، وقد جعله سيّد البشرية من حيث الروح والأخلاق والعقل ، وقد أعطاه الله مالم يعط غيره ، فقال تعالى ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُق عَظِيم ) (٢) ، ويتجلّى لطف اللّه بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سورة الشرح والضحى وغيرهما.

والله قد أعطى محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قواعد العلوم ، وقد زقّة العلم زقّاً ، والله تعالى يحيط بالحقيقة بصورة غير قابلة للخطأ إطلاقاً ، وبكم وكيف لا يصل إليه البشر في سيرهم العلمي القائم على التجربة في العلوم السياسية والإنسانية والحقوقية وغيرها.

قال تعالى ( أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (٣) ، الله يعلم ما خلق من الذرّة إلى المجرّة ، وهو اللطيف الخبير الذي لا يخفى عليه شيء ، وهذا ليس ادّعاءً منّا لكي نرفع من شأن محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل هذا هو ما أخبر به الله تعالى حيث قال تعالى

__________________

١ ـ ميزان الحكمة ٨ : ٣٤٦٤ ، الحديث ٢١٢٧٢.

٢ ـ القلم (٦٨) : ٤.

٣ ـ الملك (٦٧) : ١٤.

٤٧

( وَمَا مِنْ غَائِبَة فِي السَّمَاءِ وَالاَْرْضِ إِلاَّ فِي كِتَاب مُبِين ) (١) ، وفي هذه الآية لا يقتصر الأمر على التشريع في الكرة الأرضية ، بل يتجاوز إلى الغائبة في السماء والأرض ، حيث توجد في الكتاب المبين وهو القرآن ولكن ليس القرآن النازل ، بل هو القرآن في اللوح المحفوظ.

وقال تعالى : ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَة إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّة فِي ظُلُمَاتِ الاَْرْضِ وَلاَ رَطْب وَلاَ يَابِس إِلاَّ فِي كِتَاب مُبِين ) (٢).

( وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّة فِي الاَْرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَاب مُبِين ) (٣).

( وَكُلَّ شَيْء أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَام مُبِين ) (٤).

( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مُبَارَكَة إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ) (٥).

وسنورد معنى الكتاب المبين بصورة مقتضبة ، حيث يقول تعالى ( إنّا أنزلناه ) والتنزيل تخفيف ، كما لو قلنا سننزّل هذا المطلب ، أي : سنخفّفه ، لأنّ حقيقة الكتاب المبين لا تستوعبه الدنيا ، أُصول المطالب الموجودة في الكتاب المبين موجودة في القرآن الكريم المقدّس العظيم ، والكتاب المبين هو حقيقة القرآن وعلومه الغيبية بنص سورة الدخان ، ونستدل بها وليس بالرويات ; لكي لا تبقى حجّة لمن يتّهمنا بالباطنية.

__________________

١ ـ النمل (٢٧) : ٧٥.

٢ ـ الانعام (٦) : ٥٩.

٣ ـ يونس (١٠) : ٦١.

٤ ـ يس (٣٦) : ١٢.

٥ ـ الدخان (٤٤) : ١ ـ ٣.

٤٨

( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (١) ، أي : جَعْلا مُخَفّفاً يتحمّله الوجود الأرضي ، وإلاّ فإنّه في حقيقته ليس عربياً ولا فارسياً ولا إنجليزياً ، وهذا ما نستفيده من كلمة « جعلناه » الواردة في الآية ، وإنّما هو وجود تكويني وحقيقة من الحقائق ، وأمّا ما هي هذه الحقيقة فهذه بحث آخر لسنا في صدد الخوض فيه.

وقال تعالى ( فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَاب مَكْنُون * لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ ) (٢).

القرآن يقول هل أنتم مرتابون بهذه الحقيقة ولا تصدّقونها.

وهذا القرآن الذي هو تنزيل ونزول ، والنزول هو مقابل الصعود كما هو معروف في اللغة.

والقرآن الكريم ينبئنا أنّ كثيراً من المغيّبات والحقائق موجودة في الكتاب المبين ، يقول تعالى ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) (٣).

إنّ هذا ادّعاءٌ كبير ، ومن يستطع في هذا العصر أن يثبت هذا الادّعاء أنّ القرآن فيه كلّ شيء؟

بالله عليكم لولم يكن للقرآن قريناً آخر وهم أهل البيت عليهم‌السلام ، كيف يمكننا أن نثبت هذه الحقيقة أمام الأُمم الأخرى؟

وقد حاول بنو أمية وبنو العباس أن يُحرجوا أهل البيت عليهم‌السلام ، كيف يمكننا أن

__________________

١ ـ الزخرف (٤٣) : ١ ـ ٣.

٢ ـ الواقعة (٥٦) : ٧٥ ـ ٨١.

٣ ـ النحل (١٦) : ٨٩.

٤٩

نثبت هذه الحقيقة أمام الأُمم الأخرى؟

وقد حاول بنو أمية وبنو العباس أن يُحرجوا أهل البيت عليهم‌السلام ، فكانوا يأتون بالعلماء لكي يناقشوا أهل البيت ، وبالتالي ينتصرون عليهم فتقلّ منزلة أهل البيت عليهم‌السلام عند الجماهير ، ولكنّهم فشلوا في هذا الأمر ، وانتصر أهل البيت عليهم‌السلام على جميع المستويات العلمية بما فيها الطب ، والتاريخ يشهد للإمام الصادق والإمام الرضا ، والمقام العالي للإمام الرضا عليه‌السلام هو الذي جعل المأمون ينجذب إلى الإمام الرضا ويجعله ولي العهد ، ولو قرأنا كتاب المجروحين لابن حبان وهو من علماء العامة في ترجمة علي بن موسى الرضا عليه‌السلام لرأيناه يقول : « يروي عن أبيه العجائب » (١) ، وهذا المقام العالي لأهل البيت عليهم‌السلام جعلهم القرين الآخر للكتاب.

__________________

١ ـ كتاب المجروحين ٢ : ١٠٦.

٥٠

المحاضرة الخامسة

مناقشة مدرسة العلمانية

« السكولارزم »

محاور المحاضرة :

أوّلا : التطوّر الذي طرأ على المجتمعات الإنسانية.

ثانياً : كيف يبقى الدين ثابتاً مع التطوّر العلمي والعملي الهائل؟

ثالثاً : ما هي نسبة الثابت والمتغيّر في حياة الإنسان؟

رابعاً : الباحث العلمي يبحث عن القوانين الثابتة وليست المتغيّرة.

قلنا في الحديث السابق إنّنا لا نرفض مدرسة التعددية « البلوري ألسم » بشكل مطلق ، وأشرنا إلى الجوانب الإيجابية ، وذكرنا أنّنا نستنتج من آراء هذه المدرسة استنتاجات تصبّ في ضرورة النبوّة والرسالة ووصاية السماء ، وليست هي ضدّ هذه المفاهيم كما يتراءى للمطلّع عليها من أوّل وهلة ، وسنشير إلى تطبيقات هذه المدرسة في المجال السياسي فيما بعد إن شاء الله.

وفي هذا اليوم سنناقش مدرسة العلمانية « السكولارزم » ، وهي أقدم المدارس الثلاث ، ولازالت تتطوّر وتتبلور بصياغات فكرية جديدة وإضافات علمية متعدّدة. ملخّص إثارات هذه المدرسة ـ وإن كنّا لسنا في مقام استقصاء هذه الإثارات ـ يرتكز على الجانب المتغيّر في النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو

٥١

العسكري أو السياسي أو المالي أو الإداري في حياة البشر ، هذا بالإضافة إلى نظام الأُسرة والفرد ، وطبيعة المعيشة وتطوّرها من السكن في الكهف ثم الصحراء ثم الغابات ثم الأودية ثم القرية ثم المدينة ، فلو قارنّا معيشتنا في هذا الزمان مع من عاشوا قبل خمسين سنة ـ فضلا عمّن عاشوا لقرون ـ لوجدنا أنّ طبيعة الأُسرة تختلف من حيث المتطلّبات والتعقيدات الحضارية ، وأنّ طبيعة المشاركة بين الزوج والزوجة اختلفت.

وفي الزمان الماضي لم يكن المال هو الوسيط الاقتصادي ، وإنّما كان عن طريق المقايضة والمبادلة بين بضاعة وأُخرى في فترة من فترات الزمن ، وكان في فترة من الفترات البضاعة السائدة هي النقد ، فمثلا : البلد الذي يكون فيه الشاي هو البضاعة السائدة يكون الشاي هو النقد في ذلك المجتمع ، ثم تحوّلت هذه الحالة إلى وضعية النقد المالي الذي بدأ بالنحاس ثم بالفضة والذهب ثم النقد الورقي ، والآن تحوّل النقد الورقي إلى النقد الاعتباري بالشيكات والحوالات وبطاقات الائتمان أو الفيزاكارد كما تسمّى ، والنقد الورقي آخدٌ في الاضمحلال شيئاً فشيئاً.

وهكذا في الجانب السياسي الذي بدأ بصورة قبلية بسيطة ثم تطوّر إلى نظام الديوان والكتّاب والشرطة والجيش العسكري التقليدي بأسلحته التقليدية ، ولكن هناك فرق شاسع بين هذه الحالة وحالة الحكومات في زماننا المعاصر ، وتشكيل الوزارات والانتخابات والتطوّر الإلكتروني الذي دخل كلّ المجالات ، وأدوات النظام كذلك فلم يكن في الماضي الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية ، ولم تكن القوانين في الأزمنة الغابرة على ما هي عليه في هذا الزمان من التشريعات الثابتة أو الدستور أو التشريعات المتغيّرة أو مصوّبات المجالس النيابية وغيرها.

والقوى التشريعية تضاهي القوّة الفكرية عند الإنسان ، والقوى العسكرية

٥٢

تضاهي القوّة الغضبية الرادعة عند الإنسان ، ووزارات التربية والتعليم تضاهي الإدراك عند الإنسان ، فأصبح جهاز الدولة كإنسان كبير متطوّر وأعمال الصرافة التي تطوّرت حتّى أصبح البنك بحدّ ذاته كدولة مستقلة ، وهذا ما ينطبق على التطوّر الزراعي والصناعي وغيرهما.

الشبهة التي يطرحونها

كيف يبقى الدين ثابتاً مع كلّ هذا التطوّر الذي جرى على البشرية؟ ولو لاحظنا نسخ شريعة موسى بشريعة عيسى جاء في فترة لم تكن فيها قفزة تطوّرية في نظم الحياة ، وهكذا بالنسبة لنوح وإبراهيم ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّما حدثت القفزات والتطوّرات الهائلة في العصور المتأخرة والأزمنة المعاصرة ، فكيف يبقى الدين ثابتاً مع هذا التطوّر العلمي؟

فمن باب أولى أن يحدث النسخ في الزمان الحاضر لحدوث التطوّر الهائل فإنّ المجتمع لم يعد مجتمع قبائل وعشائر ، بل تحوّل النظام إلى وطن وجنسية ومواطنة وبطاقة سكّانية وجواز وإثبات هوية وغيرها

وأنا أطرح هذه الإثارات بكلّ صراحة ; لأنّ ديننا دين خالد ، ويستطيع أن يستوعب كلّ الأُمور ، عنده قابلية الردّ على كلّ الإشكالات ، بل إنّه يمتلك قدرة تلبية العطش البشري ، ونحن لا نعيش في ذلك الزمان الذي ينغلق فيه كلّ قوم على أنفسهم ، وإنّما نحن في زمان أصبح فيه العقل البشري كلّه على طاولة واحدة ، ولا يمكن إخفاء أيّ شيء.

ومن إشكالاتهم أنّ النبي قد بعث في مجتمع يغلب عليه البداوة ، ولم يكن في مجتمع حضاري كالفرس والروم ، وهذا الأمر يدلّ على عظمة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي استطاع أن يحوّل هذا المجتمع البدوي إلى مجتمع يحكم العالم ويسيطر عليه ،

٥٣

وهذا محلّ إعجاب الباحثين والعلماء ، فهم يقولون مع هذا الإعجاب والانبهار بالدور الذي قام به محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ أنّ المجتمع الذي كان يعيش فيه كان مجتمعاً بدوياً ، ولا يمكن أن نبقى على أحكامه في ظلّ التطوّر العصري الهائل ، فلا يمكن الاعتماد على البيّنة والشاهد كما يطرحه الفقه الإسلامي ; لأنّ ملف القضاء في الزمان المعاصر قائم على التحقيقات والاستخبارات القضائية ، وفي باب المرور يأتي المختصّون في هذا الاختصاص ليفصلوا الخصومة.

نحن قلنا : إنّ مدرسة العلمانية « السكولارزم » مدرسة فلسفية ، وهي لا تناقش قدرة النبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله الفردية كما هو الحال في التعددية « البلوري ألسم » ، وإنّما تناقش مسألة المنهج والقانون والدين ، وهم يناقشون البحوث المختلفة في البحوث القضائية والأُسرية والمصرفية ، وفي بحوث الديات والقصاص والحدود ، فهم مثلا : يعترضون على قطع اليد والجلد وغيرها من العقوبات الإسلامية ، ويعتبرونها غير مناسبة للعصر الحاضر ، وينبغي ـ حسب رأيهم ـ التفكير في أساليب رادعة أُخرى لمحاربة الجرائم والجنايات ، وأنّ العقاب الإسلامي قد أكل الدهر عليه وشرب ، ولا يناسب النظام النفسي والسيكولوجي والاجتماعي الحديث.

والمدرسة الإمامية حاولت عبر عقود عديدة ، ورجالاتها في الحقل العلمي ناقشوا هذه القضايا في جوّ علمي هاديء بعيد عن التعصّب.

الجواب الأوّل :

أوّل ما يثار على هذه التساؤلات هو ، هل كلّ ما هو في البيئة التي تحيط بالإنسان بكلّ أنواعها وأشكالها متغيّرة أم ثابتة؟

نحن نطرح هذا التساؤل ; لأنّ مدرسة العلمانية « السكولارزم » تريد أن تفصل

٥٤

الدين عن الحياة بكلّ أطيافها بحجّة أنّ البيئة تتغيّر دون أن تراعي أنّ هناك ثوابت إلى جانب المتغيّرات.

ونحن نطرح سؤالا آخر ، وهو ما هي نسبة الثابت والمتغيّر في حياة الإنسان؟

الإنسان منذ آدم وحتّى زماننا هذا هو الإنسان لم يتغيّر من الناحية الخلقة والبدنية والنفسية والفسلجيّة ، فالجهاز الهضمي والعصبي ، والدورة الدموية والأعضاء البدنية وغيرها هذه كلّها ثابتة.

الحاجات الإنسانية لم تتغيّر ، فالإنسان في زمن آدم لديه حاجات جنسية ، ويحتاج إلى نظام الزواج ، والإنسان في زماننا هذا كذلك ، وهو في ذلك الزمان يحتاج إلى الرعي والزراعة من أجل تأمين الجانب الغذائي ، وفي زماننا هذا كذلك ، والبيئة والصيف والشتاء والحرارة والبرودة ، والقوى الشهوية والغضبية والإحساسات والعواطف والقوى الروحية كلّ هذه الأُمور ثابتة وليست متغيّرة.

الإنسان صاحب عواطف وأحاسيس ، ولا يمكن تهميش هذا الجانب المهم في حياة الإنسان ، كما تنطلق بعض الدعوات التي تدعو لذلك ، فالإنسان يحبّ ويكره ، وينقبض وينبسط ، ويحزن ويفرح ، وهذا هو الجانب الحيوي في الإنسان ، ولا يمكن أن نفرض الجانب الفكري ، والجانب التربوي يعتمد على الجانب العاطفي والوجداني بدرجة كبيرة ، ولا يمكن بحال من الأحوال الاستغناء عنه ، ولا يمكن إخضاعه للفكر بصورة مطلقة.

نحن ذكرنا في المحاضرات الأُولى أنّ الدين هو الدين لا يتغيّر بين نبي وآخر ، وأنّ الذي يتغيّر هو أحكام الشريعة ، فالتوحيد الذي يحتاج اليه الإنسان في الغابة والكهف هو التوحيد الذي يحتاج إليه الإنسان في عصر المعلومات وغزو الفضاء.

التشريع الإسلامي يعالج الجوانب الثابتة في حياة الإنسان ، كما أنّ التشريع يحارب الرذيلة ، والرذيلة وإن تطوّرت في أساليبها وأشكالها إلاّ أنّها هي الرذيلة

٥٥

التي يجب أن نحاربها ونجتثّها من المجتمع.

وعندما نردّ على نظرية مّا لا يعني أنّنا ننسف النظرية التي نردّ عليها ردّاً نسفياً ينسفها من الأساس ، وقد تكون فيها جوانب إيجابية ، ونحن نرحّب بالنوازع الفطرية التي أصابها بعض الانحراف ، ونحاول أن نهذّب الانحراف فيها ، وأن نرجعها إلى أُصولها الفطرية النقيّة ، وأهل البيت عليهم‌السلام قد علّمونا أن ننفتح على جميع الآراء.

كما نرى أنّ الإمام الصادق عليه‌السلام يناقش عبد الكريم بن أبي العوجاء وغيره من المنحرفين فكرياً (١) ، أمّا بقية أئمة المذاهب الأُخرى لو دخل عليهم داخل وأثار إثارات وإشكالات غامضة فإنّهم يطردونه ويتّهمونه بالزندقة ، كما ينقل أبو نعيم الإصفهاني في ترجمة مالك (٢) بينما الإمام الصادق عليه‌السلام كان لا يستعمل معهم هذا الأُسلوب ، وهذه الإثارات قد تفتح ذهن الإنسان على حقّانية الدين.

الجواب الثاني :

الباحث العلمي في شتّى حقول المعرفة يبحث عن الحقائق والمعادلات الثابتة ، وليست النتائج المتغيّرة ، فالفيزيائي عندما يبحث عن قانون لحساب السرعة في مجال معيّن ، هل يبحث عن قانون يتبدّل أم قانون ثابت؟ طبعاً قانون ثابت.

نحن لا ننكر وجود الجانب المتغيّر ، ولكن نقول : إنّ الباحث في شتّى المجالات لا يستطيع أن يتنكّر للجانب الثابت في حياة الإنسان ، وهذه الجوانب الثابتة هي المهيمنة على كلّ المتغيّرات.

__________________

١ ـ الاحتجاج ٢ : ٢٠٠.

٢ ـ حلية الأولياء ٦ : ٣٥٥ ، رقم الترجمة ٣٨٦.

٥٦

المحاضرة السادسة

الإمام هو الذي يطبّق الشريعة على المتغيّرات

محاور المحاضرة :

أوّلا : وجود مجهولات في علم ما لا يعدّ نقصاً في العلم ، وإنّما يعدّ نقصاً في من يستنبط العلم.

ثانياً : الإمام هو الذي يعرف تأويل الكتاب وتفاصيل الشريعة.

ثالثاً : الغيبة مقابل الظهور ، وليس الغيبة مقابل الحضور.

رابعاً : العالم يدار من قبل الأجهزة السرية.

خامساً : ليس من الضروري أن يكون الشخص المؤثّر ظاهراً ومعلنا.

قلنا : إنّ الله قد أهّل محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحمل رسالة تحتوي على أُصول التشريع ، وهي أُصول كلية وقواعد عامّة كشف عنها التشريع الإسلامي بواسطة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والله هوالذي يعلم ما خلق وهو اللطيف الخبير ، أمّا المتغيّرات فهي موجودة ، وقد تطوّرات بشكل أكبر ممّا هي عليه من تطوّر بين الرسالات السابقة التي نسخت بعضها ، وهي رسالات عيسى وموسى وإبراهيم ونوح ، وأنّ منطقة الثبات في الدين هي منطقة أُصول الدين وأركان الفروع ، أمّا التفاصيل التشريعية والعبادية والنظام السياسي والقضائي فخاضعة إلى التغيير ، والأُصول التشريعية جامعة وثابتة.

٥٧

مجهولات العلوم وحلولها

ولكن هنا يطرح إشكال وهو : من يضمن سلامة وإتقان استنباط القضايا التفصيلية من الأُصول والقواعد الكلية بنحو يرتبط بدقّة بالشريعة الإسلاميّة؟

وعلى سبيل المثال : علم الرياضيات والهندسة والجبر والحساب ، والتي تعدّ من العلوم البديهية تقريباً إلاّ أنّ المجهولات الهندسية والجبرية والرياضية والميكانيكية إلى الآن لم يستطع علماء الرياضيات أن يجدوا حلولا لها ، مع أنّ حلولها توجد في الأُسس الأولية لعلم الرياضيات من عمليات الطرح والجمع والضرب والقسمة ، وعلم الرياضيات علم معصوم ، وإذا حدث خطأ ما فالخطأ في الشخص الذي استعمل الرياضيات بصورة خاطئة لا في علم الرياضيات نفسه ، وقد استمعت للعديد من المقابلات مع نجوم علوم الرياضيات ، وقد قالوا : إنّ علم الرياضيات الموجود بصورته الحالية يرجع إلى تسع معادلات ـ حسب كلامهم ـ وبعضهم قال : إنّها ست معادلات إلاّ أنّ العقل البشري لا يستطيع استيعاب الأُسس التي قامت عليها هذه المعادلات ، ولا يعرف ما وراءها ، وقد أكّد لي أحد حاملي شهادة الدكتوراه هذه الحقيقة.

وهم يقولون : إنّنا لو استطعنا معرفة الأسرار التي تقف وراء هذه المعادلات لاستطعنا أن نكتشف العديد من الأسرار المذهلة في الكون ، وهذا العجز البشري في معرفة هذه الأسرار لا يعني عجز علم الرياضيات في نفسه ، وإنّما النقص في من يستنبط هذه النتائج من هذا العلم ، وهذا لا يقتصر على علم الرياضيات ، وإنّما ينطبق على باقي العلوم.

الإمام عنده علم تأويل الكتاب

من الذي يستطيع من بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يحفظ شريعة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله التي تغطّي كلّ

٥٨

المتغيّرات؟ وهذا السؤال لا يجد جواباً إلاّ عند مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ، بحيث تعتقد أنّ الإمام عند علم الكتاب كلّه ، ومن هنا نحن نقول : إنّ هذا المقام يعدل مقام أُولي العزم من الأنبياء السابقين عليهم‌السلام ، وإن كنت لست في مقام إثبات هذا الأمر إلاّ أنّها إشارة معترضة ; لأنّ الذي يحيط بأُسس شريعة وأُصول عامّة تغطّي المتغيّرات لملايين البشر حتّى يوم القيامة ، هوالذي يستطيع الإحاطة بعلم الكتاب كلّه ، وهذا علمه يزيد على علم الأنبياء السابقين ، والفترة التي كانت فيها شرائع الأنبياء السابقين شرائع محدودة بفترة معيّنة قد تطول أو تقصر ، وكلّها نسخت بشريعة النبي ، فالذي يقوم مقام النبي في خلافته ـ باستثناء النبوّة ـ في تغطية حاجيات البشر من خلال المتغيّرات التي تطرأ على البشر ، فهو الحافظ للشريعة ، كما يعرّفه الإمامية بهذا التعريف باعتباره القادر على تغطية الشريعة للمتغيّرات.

التأويل لا يعلمه إلاّ الله والراسخون في العلم ، وللتأويل معان عديدة ، منها : تطبيق الأُسس على المتغيّرات ، كما حدث بين موسى عليه‌السلام والخضر في قضية السفينة والغلام والجدار التي يذكرها القرآن في سورة الكهف ، بحيث يكون الانطباق بين الشريعة والمتغيّرات انطباقاً يقينياً يؤثّر في مستقبل القضية ، فبقاء الجدار وعدمه ، وبقاء الغلام وعدمه ، وخرق السفينة وعدمها ، يترتب عليه أُمور عديدة ونتائج مختلفة ، ولو بقي هذا الغلام لانقطع نسل سبعين نبياً ، كما ورد في بعض الروايات التي يرويها الفريقان (١) ، أي : سيحدث منعطف خطير في حياة البشرية لو قدّر لهذا الغلام أن يبقى.

__________________

١ ـ تفسير نور الثقلين ٣ : ٢٨٦ ، ذيل سورة الكهف ، الحديث ١٧١ ـ ١٧٤.

روح المعاني ٨ : ٣٣٤ ، ذيل الآية ٨١ من سورة الكهف.

٥٩

أين يوجد الإمام المهدي؟

المشكّكون في وجود المهدي يطرحون إشكالا مفاده : أنّه أين يوجد المهدي ، وما هي نشاطاته؟

النشاط المهم في الدولة هو النشاط السري والاستخباري ، والقوّة تكمن في الخفاء وليس الغياب عن ميدان العمل الذي يعني تلاشي التأثير والفاعلية.

الغيبة مقابل الظهور ، وليس مقابل الحضور

هناك غيبة مقابل الظهور ، وهناك غيبة مقابل الحضور ، وغيبة الإمام المهدي هي من نوع الغيبة مقابل الظهور وليس الغيبة مقابل الحضور ; لأنّ الإمام المهدي ( عجّل الله فرجه ) حاضر ، ونحن نعبّر عن عصره بعصر الظهور ، ونتكلّم عن علامات الظهور ، ولا نعبّر عنه بعصر الحضور ، وعلامات الحضور ، وعصر الظهور هو العصر الذي تنكشف فيه هوية الإمام المهدي ( عجّل الله فرجه الشريف ) للملأ ، والإمام المهدي ( عجّل الله فرجه الشريف ) موجود ونشط.

اختلاف أنماط الحكومات ، وأهمية الأجهزة السرية

الآن أنماط الحكومة تختلف حتّى القبيلة هي نمط من أنماط الحكومة ، والعشيرة والطائفة التي تمتلك مواردها الخاصة وقوانينها الخاصة وقدراتها الخاصة وروافدها الثقافية الخاصة.

إذاً المجتمع مجموعة قوى كلّ قوّة لها إمكانياتها الخاصة ، ولذلك الأدبيات السياسية التي تحلّل المرجعية الشيعية تقول : إنّها حكومة ، ولكن حكومة شبه رسمية أو نصف رسمية ، حيث إنّ المرجعية الشيعية لها وزارة ثقافة تتصدّي للغزو الثقافي والوضع الفكري المنحرف وتنشر الوعي ، ووزارة دفاع تتمثّل في فتاوى الجهاد ، ووزارة مالية تتمثّل في جمع الضرائب والأخماس وغيرها ، وهذه

٦٠