بحوث معاصرة في الساحة الدوليّة

الشيخ محمّد سند

بحوث معاصرة في الساحة الدوليّة

المؤلف:

الشيخ محمّد سند


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٧

لأمر البشرية ، وما يحدث عند الظهور هو انكشاف المخفي من حركة الإمام المهدي (عجّل اللّه فرجه الشريف) وهذا الدور لا يقتصر على الإمام المهدي (عجّل اللّه فرجه الشريف) ، بل قام به الإمام علي عليه‌السلام خلال الخمسة وعشرين سنة التي أبعد فيها عن الخلافة وغيرها ، وكذلك قام به آدم وإبراهيم ، حيث قال الله : ( وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١) ، فهل كان لإبراهيم عليه‌السلام دولة رسمية يرأسها؟ فأيّ إمامة التي يخبرنا بها القرآن الكريم؟ نعم ، التاريخ يحدّثنا أنّ إبراهيم قلب فكر البشرية من فكر وثني صنمي إلى فكر إلهي توحيدي ، وتغيير العقائد من أشكل المشكلات ، والنبي بعث بعد الأربعين ، ولكنه خلال الأربعين لم يكن واضعاً يداً على يد ، بل هو إمام الأئمة صلى‌الله‌عليه‌وآله.

معنى أُولي الأمر في القرآن الكريم

وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا ) (٢) ، ولا تعني أُولي الأمر في الجانب السياسي فقط فهذا جانب محدود ، بل هو الأمر الملكوتي ، كما يذكر العلامة الطباطبائي (٣).

الخليفة ليس من الضروري أن يكون نبياً أو رسولا

ففي سورة الشورى : ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الاِْيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاط

__________________

١ ـ البقرة (٢) : ١٢٤.

٢ ـ النساء (٤) : ٥٩.

٣ ـ الميزان في تفسير القرآن ٤ : ٣٩١.

٣٨١

مُسْتَقِيم ) (١) ، والروح هي شبكة تضخ المعلومات الضخمة ، وفي سورة غافر : ( رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاَقِي ) (٢) ، فقال من عباده ولم يقل من رسله أو أنبيائه ، كما قال تعالى : ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الاَْرْضِ خَلِيفَةً ) (٣) ، ولم يقل نبياً أو رسولا ، فالخليفة هو المدبّر والمستخلف والمتصرّف ، وهو عماد النظام البشري ، « الحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق » (٤) و « لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت » (٥) ، فتدمّر البيئة والثروة الحيوانية والنباتية والمعدنية والغازيّة والبشر لو افتقدوا القيادة لساد الهرج والمرج ، فلابدّ للناس من أمير ، وهذا التحسس الكبير عند أهل البيت عليهم‌السلام لهذه الرؤية العلمية الوضّاءة قبل أربعة عشر قرناً ، ولا زال البشر عاجزين عن الاحاطة بكلّ دقائق تعليماتهم عليهم‌السلام ، ونحن غافلون عن إدراك أبعاد هذا الكم الهائل من المعلومات التي تنزل على غافلون عن إدراك أبعاد هذا الكم الهائل من المعلومات التي تنزل على الإمام المهدي (عجّل اللّه فرجه الشريف) ، كما عجزت البشرية عن إدراك ذلك.

__________________

١ ـ الشورى (٤٢) : ٥٢.

٢ ـ غافر (٤٠) : ١٥.

٣ ـ البقرة (٢) : ٣٠.

٤ ـ الكافي ١ : ١٧٧ ، الحديث ٤ ، باب انّ الحجّة لا تقوم لله على خلقه الاّ بامام.

٥ ـ الكافي ١ : ١٧٩ ، الحديث ١٠ ، باب انّ الأرض لا تخلو من حجة.

٣٨٢

المحاضرة العاشرة

المحاور القانونية في عهد الإمام علي عليه‌السلام لمالك الأشتر

محاور المحاضرة

أوّلا : هل القرآن الكريم تبيان لكلّ شيء؟

ثانياً : الرازي ، الشهيد المذكور في الآية لابدّ أن يكون معصوماً.

ثالثاً : الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله هو شاهد على الشهداء.

رابعاً : أوصاف في القرآن الكريم لا تنطبق إلاّ على أهل البيت عليهم‌السلام.

خامساً : القرآن الكريم وحديث الثقلين.

سادساً : عهد الإمام علي عليه‌السلام لمالك الأشتر أحد نماذج العدل.

سابعاً : الأمم المتحدة تدعو لنموذج الإمام علي عليه‌السلام.

ثامناً : المحاور التي أشارت إليها الأمم المتحدة.

تاسعاً : بعض المحاور في هذا العهد التي لم تسجّلها المحافل القانونية.

عاشراً : الأقلام المأجورة.

هل القرآن الكريم تبيان لكلّ شيء؟

قال الله تعالى : ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّة شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاَء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ * إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْىِ يَعِظُكُمْ

٣٨٣

لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (١) ، وقال سيد الشهداء عليه‌السلام في آخر خطاب : « تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً وبؤساً لكم وتعساً! حين استصرختمونا ولهين ، فأصرخناكم موجفين ، فشحذتم علينا سيفاً كان في أيدينا ، وحششتم علينا ناراً أضرمناها على عدوّكم وعدوّنا ; فأصبحتم إلباً على أوليائكم ، ويداً لأعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم ، ولا ذنب كان منّا إليكم.

فهلاّ ، لكم الويلات إذ كرهتمونا والسيف مشيّم ، والجأش طامن ، والرأي لم يستحصف ... » (٢).

وقوله تعالى : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء ) (٣) ، من الملاحم القرآنية العظيمة التي حار فيها المفسّرون والمحدّثون وعلماء العقيدة المتكلّمون ، فكيف يزعم القرآن الكريم إنّه تبياناً لكلّ شيء ، فهل في القرآن الكريم علوم الفيزياء والكيمياء؟! القرآن الكريم ليس فيه تفاصيل الأُمور الدينية ، فضلا عن الدنيوية ، مثل : تفاصيل الأُمور الحقوقية والقانونية والقضائية والاجتماعية ، فوصف ( الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء وَهُدىً ) ليس وصفاً للقرآن الكريم ، وإنّما هو وصف لدرجة غيبية من درجات القرآن الكريم ، وهي درجة الكتاب المبين ، والكتاب المبين هو الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ، ولا رطب ولا يابس ، ذلك الكتاب الملكوتي العلمي الذي لا يصل إليه إلاّ المطهّرون كما في سورة الواقعة ، قال تعالى : ( لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (٤) ، جُعل ذلك الكتاب تبياناً لكلّ شيء ، ويتنزّل في كلّ ليلة قدر ، ولا يصل إليه لا فقيه ولا مجتهد ولا صحابي ولا راوي ولا مفسّر ولا

__________________

١ ـ النحل (١٦) : ٨٩ ـ ٩٠.

٢ ـ الاحتجاج ٢ : ٩٧ ، احتجاجه عليه‌السلام على أهل الكوفة.

٣ ـ النحل (١٦) : ٨٩.

٤ ـ الواقعة (٥٦) : ٧٩.

٣٨٤

محدّث ولا مرتاض ولا عارف ولا صوفي ولا سياسي ولا داهية ولا اقتصادي فالآية حصرت وقالت : ( لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) ، أي : لا يمسّه إلاّ أهل آية التطهير (١) ، ذلك الكتاب تبيان لكلّ شيء ، وأمّا المصحف الذي بين أيدينا فهو وجود من وجودات القرآن ، ويسمّى تنزيل القرآن ، وذاك حقيقة القرآن.

الرازي ، الشهيد المذكور في الآية لابدّ أن يكون معصوماً

وفي الكلام عن الآية ٨٩ من سورة النحل ، يقول الفخر الرازي ـ وهو من علماء العامة ، وكان متكلّماً ، وإلى حدّ مّا فيلسوفاً ذا باع وإحاطة ، ويعتبر تفسيره من أبرز تفاسير مذهب العامّة في آفاق الأُمور الفكرية والرؤى المعرفيّة ، عندما يصل إلى هذه الآية الكريمة : ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّة شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً ) (٢) من هو هذا الشهيد؟ والأُمّة أيّ أُمّة؟ والأُمّة في اللغة هي الجماعة التي تعيش في كلّ مائة عام ، يعني : هناك شهيد بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الاُمّة الإسلامية على هذه الأُمّة يشهد عليهم أعمالهم ، فيقول الفخر الرازي : من غير المعقول أن يكون هذا الشاهد على الأُمّة يرتكب الخطأ أو الزلل أو يمكن صدور الخطأ والزلل منه ، ولا بدّ أن يمتنع عليه الخطأ والزلل ، وإلاّ فكيف يكون شهيداً؟

فمن باب أولى أن يكون مشهوداً عليه إذا كان من الذين يخطؤون ويزلّون ، فمقام الشهادة والإشراف على كلّ الأُمّة في كلّ قرن لابدّ فيه من العصمة في مقام الشهادة والشهيد ، ولكنّه بعد أن يقرّ بهذه المقدّمة ، يقول : ربّما يكون هذا الشهيد هو الإجماع (٣) ، بدلا من الإقرار بوجود الإمام المهدي المنتظر ( عجّل اللّه فرجه

__________________

١ ـ الأحزاب (٣٣) : ٣٣.

٢ ـ النحل (١٦) : ٨٩.

٣ ـ التفسير الكبير ٧ : ٢٥٧.

٣٨٥

الشريف ) ، والحال أنّ الأُمّة لم تجمع على كلّ شيء ، فكيف يكون الإجماع هو المعصوم؟ وفي مسألة الإمامة لم تجمع الأُمّة ، وهناك كثير من الأُمور لا يتحقق فيها الإجماع ، في حين أنّ هذا الشهيد هو شهيد على كلّ شيء ، فهذا الجواب جواب ضعيف يريد به الرازي أن يسترضي به رأي العامّة والله أعلم بنيّته ، وكأنّه يريد أن يستغفل القارىء ; لكي لا يقرّ بوجود المعصوم المهدي من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله هو شاهد على الشهداء

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله هو شاهد على الشهداء من المعصومين ; لأنّ مقامه أعلى ، وملف الشهادة على الأعمال في القرآن الكريم ملف حافل ، ومن الواضح فيه أنّ أئمة أهل البيت عليهم‌السلام يشار إليهم في آخر آية من سورة الحجّ : ( وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) (١) ، يعني : أيّها المخاطبون بالاجتباء والاصطفاء أنتم من نسل إبراهيم ، وليس عموماً الأُمّة الإسلامية.

أوصاف في القرآن الكريم لا تنطبق إلاّ على أهل البيت عليهم‌السلام

هناك ثلّة خاصّة انحدرت من نسل إبراهيم ، قال تعالى : ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (٢) ، وهي تلك الذرية المسلمة التي لا تكفر بالله طرفة عين أبداً ، وبعد ذكر علي عليه‌السلام يقول بعض أصحاب المذاهب الإسلامية : كرم الله وجهه ; لأنّه لم يكفر بالله ، وقال

__________________

١ ـ الحجّ (٢٢) : ٧٨.

٢ ـ البقرة (٢) : ١٢٨.

٣٨٦

تعالى : ( وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١) ، يعني : أنّ المعصومين من ذريّة إبراهيم ، وهم غير الظالمين ينالون الإمامة ، وقال تعالى : ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) (٢) ، وفي سورة الحجّ يقول تعالى : ( هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ ) (٣) ، أي : أنّ هذا الاصطفاء ليس اصطفاء اعتباطيّاً ، ثمّ يقول تعالى : ( وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) ، وهذه مجموعة من الحلقات والأوصاف التي تنطبق على أهل البيت عليهم‌السلام دون غيرهم ، والآية تبيّن أنّ الرسول شاهد على الأئمة ، والأئمة شهود على الناس ، وليس على خصوص الأُمّة الإسلامية ، بل على جميع الأنبياء والمرسلين ، وقال تعالى : ( وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) فأهل البيت عليهم‌السلام يحتفون بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

القرآن الكريم وحديث الثقلين

الأحاديث النبوية عن أهل البيت عليهم‌السلام مداركها ومستنداتها ومضامينها موجودة في الآيات الكريمة ، فالصلة بين الآية ٨٩ من سورة النحل التي ذكرت الثقلين : ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّة شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً ) ، وقوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) (٤) ، هي الصلة التي في سورة الحشر : ( مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَىْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَْغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ

__________________

١ ـ البقرة (٢) : ١٢٤.

٢ ـ الزخرف (٤٣) : ٢٨.

٣ ـ الحجّ (٢٢) : ٧٨.

٤ ـ النحل (١٦) : ٩٠.

٣٨٧

إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (١) ، وأنّ الذي يقوم بالعدل في النظام الاجتماعي هم هؤلاء الشهداء الذين هم عِدل الكتاب ، والذين يعون الكتاب كلّه ولا يعيه أحد غيرهم من هذه الأُمّة ، وهذه الآية التي يردّدها المسلمون كثيراً : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) ، كآية ترمز إلى أُصول العدل في النظام الاجتماعي ، وقبلها آية تشير إلى الثقلين لكي تتضح الصورة عند المسلمين ، وجعل الله هذه الثروات في يد أهل البيت عليهم‌السلام ( كَىْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَْغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ) ، وهذا التعبير هو نفس التعبير الذي ورد في سورة النحل ، حيث قال تعالى : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ).

عهد الإمام علي عليه‌السلام لمالك الأشتر أحد نماذج العدل

فالعدل يقام على يد المعصوم ، وهذا العدل يتمثّل بنموذج عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام لمالك الأشتر الذي يحتوي على بعض الأُمور التي لم تذكر في أدبيات الحقوق والقانون ، والتي تمثّل تحدّياً علمياً في مبادىء نداءات أهل البيت عليهم‌السلام التي لا بدّ للبشرية من الإقرار بها ، وأهل البيت عليهم‌السلام قد رفعوا شعارات منذ ذلك الحين ، وهي تطابق ما تطالب به البشرية الآن من العدالة وحقوق الإنسان والنظام الواحد وغيرها ، والتي تعتبر من الشعارات التي يعتبر العالم الغربي مجبوراً عليها من أجل أن يحسّن صورته أمام العالم ، ولكنّه لا يطبّقها في الواقع ، ولا تجد مثل هذه الشعارات في الإنجيل المحرّف أو التوراة المحرّفة ، وغيرها من الملل والنحل ، ولا تجده عند المذاهب الإسلامية الأُخرى غير مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، وما تطالب به البشرية لا تجده إلاّ في مذهب أهل البيت عليه‌السلام ، وهذا من الإعجاز العلمي ، وهذا من تدبير الإمام المهدي (عجّل اللّه فرجه الشريف) سواء شعرنا بذلك أم لم نشعر ، حيث يقود البشرية للاعتراف بشعارات لا يقرّ بها الإنجيل

__________________

١ ـ الحشر (٥٩) : ٧.

٣٨٨

المحرّف أو التوراة المحرّفة ، وكأنّ البشرية تتشيع لأهل البيت عليهم‌السلام ، وهذه الشعارات لا يقرّها حتّى القانون المدوّن عندهم ، فضلا عن القانون الحقيقي.

الأمم المتحدة تدعو لنموذج الإمام علي عليه‌السلام

والأمم المتحدة عندما أشادت بعهد أمير المؤمنين عليه‌السلام لمالك الأشتر أشادت بعدّة نقاط فيه ، سأذكرها تباعاً ، وفي تقرير للأمم المتحدة في التنمية الإنسانية العربية في عام ٢٠٠٢ م ، حيث تدعو الأمم المتحدة ـ عبر الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي ـ الدول العربية لاتخاذ أمير المؤمنين علي عليه‌السلام مثالا للحكم الصالح ، أيصل الحال إلى أن يرفع النصارى شعار أنّ علياً قدوة للبشرية ، ويدعون المسلمين لاتّخاذة قدوة؟! وهذا الذي نعني به أنّه من تدبير الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف ، وإلاّ فنحن الشيعة لم نستطع أن نوصل ثقافة أهل البيت عليهم‌السلام إلى ما وصلت إليه ، فالأمم المتحدة بعد أن أقرّت عهد مالك الأشتر كمصدر قانوني دعت الدول العربية إليه.

المحاور التي أشارت إليها الأمم المتحدة

النقطة الأُولى : ما في هذا العهد الشريف من الدعوة إلى المعرفة والتعليم ، وهو محور مهم تحتاجه البشرية ; لأنّه قائم على وعي الحقوق ، والوعي القانوني ـ إذا كان القانون قانون عدل ، ولم يكن قانون جور ـ يكون ضمانة للناس حتّى لا تنطلي عليهم اللعب القانونية ، واللف والدوران باستخدام القانون أو المسرحيات الخادعة أو الشعارات الزائفة.

النقطة الثانية : مبادىء العدالة التي أتت في هذا العهد الشريف.

النقطة الثالثة : تحسين المعيشة.

النقطة الرابعة : عمارة الأرض.

٣٨٩

النقطة الخامسة : احترام حقوق الإنسان ، فقد ورد في عهد الإمام علي عليه‌السلام لمالك الأشتر : « وأشعر قلبك الرحمة للرعية ، والمحبّة لهم ، واللطف بهم ، ولا تكوننَّ عليهم سَبُعاً ضارياً تغتنم أكلهم ، فإنّهم صنفان : إمّا أخٌ لك في الدين ، وإمّا نظير لك في الخلق » (١).

النقطة السادسة : المشاركة الشعبية في الحكم.

النقطة السابعة : محاربة الفساد الإداري والمالي ومحاسبة المسؤولين والولاة.

__________________

١ ـ نهج البلاغة ، رسائل أمير المؤمنين ، رقم٥٣.

٣٩٠

بعض المحاور في هذا العهد

التي لم تسجّلها المحافل القانونية

المحور الأوّل : أهمية الطبقة العامّة في المجتمع

وفي فهمي القاصر أنّ هناك بعض المدارك لم تسجلّلها المحافل الحقوقية والقانونية ، وهي تعبير أمير المؤمنين عليه‌السلام في عهده لمالك الأشتر : « وليكن أحبّ الأُمور إليك أوسطها في الحق ، وأعمّها في العدل ، وأجمعها لرضى الرعية ، فإنّ سخط العامّة يجحف برضى الخاصّة ، وإنّ سخط الخاصّة يغتفر مع رضى العامّة » ، وهذه معادلة اجتماعية يطرحها أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فأمير المؤمنين يقول : إنّه يجب مراعاة مصلحة العامّة ، وعدم الاكتراث بمصلحة الطبقة الخاصّة ، سواء كانت العائلة الحاكمة ، أو الطبقة الإقطاعية ذوي القدرة والنفوذ ، وهذا الوباء السرطاني في النظام الاجتماعي إياك إياك أن تراعيه ، وإذا راعيتها كما فعل من سبق أمير المؤمنين عليه‌السلام في الحكم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فستكون النتيجة ما آل إليه أمر المسلمين حين انقضّوا على مركز الخلافة ، أمّا أمير المؤمنين عليه‌السلام فقد راعى مصلحة العامّة على حساب مصلحة الطبقة الخاصّة ، وهذا الذي انطلق منه سيد الشهداء عليه‌السلام ، حيث راعى مصلحة العامّة على حساب مصلحة الخاصّة ، وأهل البيت عليهم‌السلام ومن قبلهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت حربهم مع تلك الشجرة الإقطاعية المتمثّلة في بني أمية أيام الجاهلية وأيام الإسلام ; لأنّها شجرة تسبب الحرمان لعامّة الناس ، والحرب لم تهدأ بين بني هاشم من جهة وبني أمية وآل زياد وآل مروان من جهة أُخرى ; لأنّهم جبهات الإقطاع والاحتكار والاستئثار ، ولذلك لم يداهنهم أهل البيت عليهم‌السلام أبداً ; ولأنّ أهل البيت عليه‌السلام يريدون عدالة المجتمع وإنصاف

٣٩١

المحرومين ، وكان بإمكان سيد الشهداء عليه‌السلام أن يقنع بمصالحة الشخصية ، والخطر يتمثّل في انحراف الأُمّة عن روّاد إصلاحها ، كما أشار سيد الشهداء عليه‌السلام في قوله : « تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً وبؤساً لكم وتعساً! حين استصرختمونا ولهين فأصرخناكم موجفين ، فشحذتم علينا سيفاً كان في أيدينا ، على عدوّكم وعدوّنا فأصبحتم إلباً على أوليائكم ، ويداً لأعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم ، ولا ذنب كان منّا إليكم فهلاّ لكم ، الويلات إن كرهتمونا والسيف مشيّم ، والجأش طامن والرأي لم يستحصف » (١).

وهنا تبرز المشكلة عندما يستغفل المجتمع عن روّاد إصلاحه ، وهذا المحور هوالذي قلت أنّني لم أجده في الأدبيات الحقوقية ، رغم ما يرفعون من شعارات ، وهذه القضية تمثّل ابتلاء في المدارس الحقوقية والقانونية والاجتماعية والإنسانية ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : إنّ هناك معادلة دائماً في حالة تجاذب ، ودائماً في حالة اصطدام ، وهى مصلحة العامة المحرومة ومصلحة الخاصّة ، لا سيّما الإقطاع ، ويقول الإمام علي عليه‌السلام : « وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونةً في الرخاء ، وأقلّ معونةً له في البلاء ، وأكره للإنصاف ، وأسأل بالإلحاف ، وأقلّ شكراً عند الإعطاء ، وأبطأ عذراً عند المنع ، وأضعف صبراً عند ملمّات الدهر من أهل الخاصّة. وإنّما عماد الدين ، وجماع المسلمين ، والعدّة للأعداء ، العامّة من الأُمّة فليكن صغوك لهم ، وميلك معهم » (٢) ، والطبقة المحرومة هي أكثر ولاء لوطنها ، وهي التي تثبت في الشدّات معه ، وهذه الطبقة العامّة من المجتمع يركّز عليها أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ويأمر حاكم المسلمين أن يصغي إليها ، بدلا من

__________________

١ ـ الاحتجاج ٢ : ٩٧ ، احتجاجه عليه‌السلام على أهل الكوفة.

٢ ـ نهج البلاغة ، رسائل أمير المؤمنين ، رقم٥٣.

٣٩٢

الإصغاء إلى أصحاب المصالح والإقطاعيين ، وكلّ قانون مهما كان نوعه ، قانون تجاري أو جمركي أو زراعي أو صناعي أو إداري ، يراعى فيه مصلحة الخاصّة ولا يراعى فيه مصلحة العامّة ، فهو قانون جائر ظالم غاشم لا يراعي العدل الاجتماعي ، وتملأ فيه جيوب الإقطاع ، وتحرم من خلاله الطبقات الفقيرة والمستضعفة وعامّة الناس.

المحور الثاني : ظهور مودّة الرعية

وهو من المحاور المهمّة التي ذكرها أمير المؤمنين عليه‌السلام : « وإنّ أفضل قرّة عين الولاة استقامة العدل في البلاد ، وظهور مودّة الرعية » ، وظهور مودّة الرعية ، وارتياح عامّة الناس دليل على نجاح الحاكم ، ومودّة الرعية ليست بكلام الصحف والأقلام المأجورة والصور المعلّقة هنا وهناك ، يقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في عهده لمالك الأشتر : « وإنّما يستدل على الصالحين ـ أي : الحكّام الصالحين ـ بما يُجري الله لهم على ألسن عباده » (١) ، أي : ألسنة الرعية لا الصحف ولا الثنوات ولا النخبة المنافقة التي تريد التقرّب من السلطان بأيّ وسيلة ، وأنّ ألسنة الرعية هي الصحف الحقيقية والقنوات الحقيقية ، فأمريكا دولة ديمقراطية عادلة في منطق الصحف والفضائيات ووسائل الإعلام ، ولكن لو أتيت لألسنة الشعوب لرأيت أنّ أمريكا دولة ظالمة مستبدّة ، وهذه هي الصحافة الحقيقية ، ففي أمريكا وألمانيا ٤% يسيطرون على الثروات في هاتين الدولتين.

المحور الثالث : الشفافية بين الحاكم والرعية ، وخطر احتجاب الحاكم

ومن المحاور الأُخرى التي يذكرها أمير المؤمنين عليه‌السلام في عهده لمالك الأشتر :

__________________

١ ـ نهج البلاغة ، وسائل أمير المؤمنين ، رقم ٥٣.

٣٩٣

 « وأمّا بعد ، فلا تطوّلنّ احتجابك عن رعيّتك ، فإنّ احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضّيق ، وقلّة علم بالأُمور ، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه ، فيصغر عندهم الكبير ، ويعظم الصغير ، ويقبح الحسن ، ويحسن القبيح ، ويشاب الحقُ بالباطل ، وإنّما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأُمور ، وليست على الحق سمات تُعرَف بها ضروب الصدق من الكذب ، وإنّما أنت أحد رجلين : إمّا امرو سخت نفسك بالبذل في الحق ، ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه ، أو فعل كريم تسديه ، أو مبتلى بالمنع ، فما أسرع كفّ الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك ، مع أنّ أكثر حاجات الناس إليك ممّا لا مؤونة فيه عليك ، من شكاة مظلمة ، أو طلب إنصاف في المعاملة » ، وهذه الشفافية المطلوبة التي تنادي بها البشرية المتمدّنة نادى بها أمير المؤمنين عليه‌السلام قبل أربعة عشر قرناً ، ولكن يجب أن لا تتلوّث الشفافية بدجل الإقطاع.

المحور الرابع : ضمانة السلم الدولي والوفاء بالعهد

ويقول عليه‌السلام في عهده لمالك الأشتر : « وإن عقدت بينك وبين عدوّك عقدة ، أو ألبسته منك ذمّة فحط عهدك بالوفاء ، وارع ذمّتك بالأمانة ، واجعل نفسك جُنّة دون ما أعطيت ، فإنّه ليس من فرائض الله شيءٌ ، الناس أشدّ عليه اجتماعاً ، مع تفرّق أهوائهم ، وتشتّت آرائهم ، من تعظيم الوفاء بالعهود ، وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر ، فلا تغدرنّ بذمّتك ، ولا تخيسنّ بعهدك ، ولا تختلنّ عدوّك ، فإنّه لا يجترىءُ على الله إلاّ جاهلٌ شقي ، وقد جعل الله عهده وذمّته أمناً أفضاه بين العباد برحمته ، وحريماً يسكنون إلى مَنَعَتِه ، ويستفيضون إلى جواره ، فلا إدغالَ ولا مدالسة ولاخداع فيه ، ولا تعقد عقداً تُجوّز فيه العلل ، ولا تعوّلنّ على لحن قول بعد التأكيد والتوثقة ، ولا يدعونّك ضيق

٣٩٤

أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب انفساخه بغير الحق ، فإنّ صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه وفضل عاقبته ، خير من غدر تخاف تبعته » (١) ، ومن المعلوم أنّ الحروب تنشأ من نكث العهود ، فإذا فقدت الثقة بين الدول ظهر التزلزل الأمني والمباغتة العسكرية ، وهذا أيضاً بين الدول وشعوبها ، وبين أبناء الشعب الواحد ، والأمن أهم شيء بالنسبة للإنسان في النظام الاجتماعي والنظام الدولي ، ولا يستتب الأمن إلاّ عندما تثبت الثقة بين الأطراف ، والثقة تحدث بالوفاء بالعهد ، فعندما يوقّع شخص شيئاً ثمّ بعد أسابيع ينكث هذا العهد الذي أعطاه فماذا تكون النتيجة؟

وانظر إلى هذه الأصول التي ذكرها أمير المؤمنين عليه‌السلام وما نادى به سيد الشهداء عليه‌السلام ، لا سيّما في المحور الأوّل ، في أهداف النظام الاجتماعي ومراعاة مصلحة العامّة على حساب مصلحة الخاصّة ، وما الذي أجهض النصر المادي للحسين عليه‌السلام؟ وإن كان الفتح قد تحقق للحسين عليه‌السلام ; لأنّه فتح الأعراف وفتح السنن الاجتماعية وفتح العقول ، فلم يسمح لبني أمية أن يربّوا الناس على النهج الإقطاعي ، وفجّر نور الأمل في الطبقات المحرومة ، واستطاع عن طريق الإباء والصبر والمثابرة أن يحقق العدل في النظام الاجتماعي فقال : « ربّي إن تكن حبست عنّا النصر ... » (٢) فالإمام الحسين عليه‌السلام حقق الفتح حتّى ولولم يحقق النصر ، وهناك فرق بين الفتح والنصر في المصطلح القرآني : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ) (٣) ، فالفتح شيءٌ غير النصر ، وكذلك في سورة الفتح : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ) (٤) ، مع أنّ

__________________

١ ـ نهج البلاغة ، رسائل امير المؤمنين ، رقم ٥٣.

٢ ـ الكامل في التاريخ ٤ : ٧٥.

٣ ـ النصر (١١٠) : ١.

٤ ـ الفتح (٤٨) : ١.

٣٩٥

الآية تتكلّم عن صلح الحديبية ، ولم تتكلّم عن غزوة أو حرب ، والبعض يخلطون بين الفتح والنصر ، والذي أجهض نصر الحسين عليه‌السلام المادي هو نكث العهد وشراء الذمم.

والعدالة لا تتحقق إلاّ إذا روعيت مصالح الأكثرية العامّة المحرومة كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهذا ما لا يرضي الحاكم الإقطاعي ; ولذلك فهو يغذّي نخباً معيّنة ، ويرشيها ويشتريها ويغدق عليها حتّى يستأثر هو بالقسم الأكبر ، ويعطي هؤلاء الذين هم أصحاب المصالح قسماً من الثروات ويحرم الأكثرية من حقوقهم ، وهذا التصرّف ينطلق من بخله وحرصه وعدم أدائه لحقوق رعيّته.

الأقلام المأجورة

هناك كتابات تحاول إسقاط الحسين عليه‌السلام عن رمزيّته وقيادته ، وقد ذكرت لكم في موضع سابق عن كتاب الاستخبارات الأمريكية الذي يعتبر الإمام الحسين نقطة قوّة في المذهب الشيعي ، ويحاول إبعاد الشيعة عن شعائر الحسين عليه‌السلام ، فإذا سقطت رمزيّته عليه‌السلام تتغيّر خارطة المجتمع ، فحذار من إسقاط رمزيّة الحسين الذي يمثّل العدالة ، والذي لا يقض مضاجع الظّلام فقط ، وإنّما يقض مضاجع أولئك النخبة التي اشتراها الظلاّم وسخّروها لخدمتهم ، فهذه النخبة تؤنّبها عدالة سيد الشهداء عليه‌السلام ، فحذار من إسقاط رمزيّة بني هاشم والحسين عليه‌السلام.

حذار من الأقلام المغرضة

إلى درجة أنّ بعض الأقلام تدافع عن نظام البعث ، الذي ارتكب هذه المذابح والمقابر الجماعية ، ولا أدري لماذا هذه الوقاحة والصلافة؟! وهذه الأقلام تنتسب إلى الطائفة الشيعية للأسف الشديد ، وقد ذكر لي الشهيد السيد محمّد باقر الحكيم ـ وكان جارنا في قم المقدّسة ـ : أنّ صدام قد جمع أعضاء القيادة القطرية السفاكة

٣٩٦

الدموية البعثية ، وعرض عليهم شريط عن أربعينية الحسين فسألهم ما هذا؟ فجبنوا عن الإجابة ، فقال هو : إنّ ثورة الحسين وبركان الحسين لم يهدأ.

وفي زيارتنا للمراقد المقدسة كنّا نشعر أنّ البعثيين يعتبرون أنّ قبر الحسين عليه‌السلام يمثّل تهديداً للبعث ، وكان البعثيون يتمنّون أن لو لم يكن هذا القبر في العراق ، بل في أرض نائية.

٣٩٧

فهرس (٤)

 المقدّمة...................................................................... ٢٨١

المحاضرة الأُولى : التاريخ بين الروح والبدن...................................... ٢٨٣

الإحياء العاشورائي........................................................... ٢٨٣

تأثير إحياء التاريخ في شخصية الإنسان وهويّته................................... ٢٨٤

الفرق بين طبيعة البدن وطبيعة الروح وأحكامهما................................ ٢٨٤

علاقة التاريخ بالبدن والروح................................................... ٢٨٤

التاريخ بالنسبة للروح شيء حاضر............................................. ٢٨٥

تكاليف الروح تختلف عن تكاليف البدن....................................... ٢٨٥

للروح شرف خاص يميّزها عن باقي المخلوقات.................................. ٢٨٦

الروح تصاحب البدن......................................................... ٢٨٦

تعميم أحكام البدن على الروح خطأ جسيم..................................... ٢٨٦

جدوى نبش التاريخ.......................................................... ٢٨٧

موقف القرآن من الحوادث التاريخية............................................ ٢٨٧

القرآن الكريم يخاطب الروح................................................... ٢٨٨

الحبّ والبغض مسؤولية كبيرة................................................. ٢٨٩

الروح هي المسؤولة عن الحبّ والبغض.......................................... ٢٨٩

تشدّد القرآن الكريم وأهل البيت عليهم‌السلام في مسألة الحبّ والبغض................... ٢٨٩

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر البدني والقلبي.................................. ٢٩٠

تساند من؟ تتضامن مع منّ.................................................... ٢٩١

٣٩٨

الفائدة من الموقف السلبي تجاه الطغيان التاريخي................................... ٢٩١

خلود الروح الحسينية......................................................... ٢٩٢

معياريّة الثورة الحسينية........................................................ ٢٩٢

النموذج الحسيني لن يتكرر بنفس المستوى....................................... ٢٩٣

المحاضرة الثانية : مواجهة عناصر القوّة الشيعية.................................... ٢٩٥

عاشوراء النموذج الأمثل للإصلاح............................................. ٢٩٥

لابدّ من دراسة التاريخ دراسة موضوعية........................................ ٢٩٦

الأعراف تمثّل خطوط حمراء................................................... ٢٩٦

الجذور التاريخية لظاهرة الإرهاب............................................... ٢٩٧

الحسين عليه‌السلام يواجه الطواغيت في كلّ العصور................................... ٢٩٧

كربلاء سرّ قوّة الشيعة........................................................ ٢٩٧

السيد السيستاني وموقفه من الانتخابات......................................... ٢٩٨

عنصر المرجعية نقطة قوّة أُخرى................................................ ٢٩٨

خطط منظّمة لإضعاف دور المرجعية............................................ ٢٩٩

المحاضرة الثالثة : محورية العدل لا محورية القانون................................. ٣٠١

محورية العدل في خطاب سيد الشهداء عليه‌السلام..................................... ٣٠١

تركيز أهل البيت عليهم‌السلام على العدل............................................ ٣٠٢

العدل من أصول الدين عند الشيعة دون غيرهم.................................. ٣٠٢

البشرية تتّجه نحو العدل بالفطرة................................................ ٣٠٣

مصادقة الأمم المتحدة على عهد الإمام علي عليه‌السلام لمالك الأشتر..................... ٣٠٣

تقصير الشيعة في نشر فكر أهل البيت عليهم‌السلام.................................... ٣٠٣

عداوة القوى الإقطاعية للعدل.................................................. ٣٠٤

٣٩٩

شبهة حاجة الحق إلى تشريع قانون.............................................. ٣٠٤

شبهة أنّ العدالة اعتبار أدبي ليس لها وجود خارجي............................... ٣٠٤

هل القانون هو مصدر الخير دائماً؟............................................. ٣٠٥

المرجعية للكمال لا للقانون.................................................... ٣٠٥

الفساد القانوني............................................................... ٣٠٦

الفرق بين القانون العادل والقانون الظالم........................................ ٣٠٦

حسن العدالة وقبح الظلم هل هو أمر حقيقي أم اعتباري؟......................... ٣٠٧

هل المحرمات والأخلاق تتغيّر بتغيّر البيئة؟....................................... ٣٠٧

الشبهة قديمة حديثة........................................................... ٣٠٨

شبهة أنّ المدح والذم يمثّلان اعتباراً أدبياً وليس وجوداً حقيقياً...................... ٣٠٩

الدول الغربية تحاول السيطرة على وسائل الإعلام................................ ٣٠٩

الجواب على هذه الشبهات.................................................... ٣٠٩

المحاضرة الرابعة : ضوابط العدل ومنطلقاته....................................... ٣١٣

العدالة في القرآن الكريم....................................................... ٣١٣

محورية العدل أم القانون؟...................................................... ٣١٤

اختلاف الأمر الاعتباري عن الأمر التكويني..................................... ٣١٤

جعلوا العدل أمراً اعتبارياً خدمة لمصالحهم....................................... ٣١٥

هل كلّ قانون عدل؟......................................................... ٣١٥

محورية العدل في خطاب سيد الشهداء عليه‌السلام..................................... ٣١٦

تسرّب فكرة أنّ العدل أمر أدبي للفقه الإمامي................................... ٣١٦

ابن سينا من الفرقة الإسماعيلية.................................................. ٣١٧

تأثير ابن سينا على قافلة الفلاسفة من بعده...................................... ٣١٧

٤٠٠