بحوث معاصرة في الساحة الدوليّة

الشيخ محمّد سند

بحوث معاصرة في الساحة الدوليّة

المؤلف:

الشيخ محمّد سند


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٧

المحاضرة الثالثة

محورية العدل لا محورية القانون

محاور المحاضرة :

أوّلا : تركيز أهل البيت عليهم‌السلام على العدل.

ثانياً : العدل من أصول الدين عند الشيعة دون غيرهم.

ثالثاً : البشرية تتّجه نحو العدل بالفطرة.

رابعاً : مصادقة الأمم المتحدّة على عهد الإمام علي عليه‌السلام لمالك الأشتر.

خامساً : عداوة القوى الإقطاعية للعدل.

سادساً : هل القانون هو مصدر الخير دائماً؟

سابعاً : الفساد القانوني.

ثامناً : حسن العدالة وقبح الظلم هل هو أمر حقيقي أم اعتباري؟

تاسعاً : هل المحرّمات والأخلاق تتغيّر بتغير البيئة؟

عاشراً : الجواب على هذه الشبهات.

محورية العدل في خطاب سيد الشهداء عليه‌السلام

من ضمن النداءات التي أطلقها الإمام الحسين عليه‌السلام نداءات ترتبط بالعدالة ، مثل قوله عليه‌السلام : « فلعمري ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب ، والقائم بالقسط الدائن بدين

٣٠١

بالحق ، الحابس نفسه على ذات الله » (١) ، إذن من المحاور التي نادى بها سيد الشهداء عليه‌السلام هو محور القسط والعدل.

تركيز أهل البيت عليهم‌السلام على العدل

وقد بيّن أهل البيت عليهم‌السلام أنّ صفة العدل من الصفات الإلهية ، وهي أصل من أصول الدين ، وهي من الصفات المتميّزة للذات الإلهية ، ويجب الاعتقاد بها.

مثل هذا التركيز في حقيقة العدل ينطوي على سر ومغزى ، كما روي عن سيد الكائنات من جوامع كلمه : « يبقى الملك بالعدل مع الكفر ولا يبقى بالجور مع الإيمان » (٢).

فباب العدل لا يمكن إغفاله في السنن الإلهية التي فطر الناس عليها ، فلا يمكن أن يستقيم النظام الاجتماعي مع التفريط في العدل ، وكلّ نظام يخالف العدل ويختار الظلم بديلا عنه يكتب له الزوال ، وإنّ الظلم الفاحش يعجّل بتقويض نظام الحكم الظالم.

العدل من أصول الدين عند الشيعة دون غيرهم

العدل من أصول الدين ، ومن طبيعة أصول الدين أن تكون في قمّة الهرم ، حيث تصبغ بلونها كافة حيثيات الدين ، ومن هذه الأصول العدل الذي له هذه الخاصّية ، وجعل العدل في قمّة الهرم يدل على أنّ أبواب الدين لا تستقيم إلاّ بالعدل ، ويتميّز مذهب أهل البيت عليهم‌السلام باهتمامه بالعدل بصورة لا نجدها في غيره من المذاهب ، حتّى فرقة المعتزلة التي تسمّى بالعدلية فهي لا تجعل العدل من أصول الدين ـ فضلا عن الأشاعرة الذين يمثّلون غالبية المذاهب الإسلامية ـ كما لا يوجد من

__________________

١ ـ الإرشاد ٢ : ٣٩.

٢ ـ شرح رسالة الحقوق ١ : ٣٨٥.

٣٠٢

الأديان الأخرى من يهتمّ بالعدل بالمستوى الذي يهتمّ به مذهب أهل البيت عليهم‌السلام.

البشرية تتّجه نحو العدل بالفطرة

الآن البشرية تنشد العدل ، وهناك نزوع بشري قوي نحو العدل الذي هو من أصول الدين كما علّمنا أهل البيت عليهم‌السلام ، وهذا نفسه إعجاز علمي باعتبار أنّ الدين يوافق الفطرة ، والفطرة البشرية تنزع نحو العدل ، ونحن نرى أنّ ثورة الإمام الحسين عليه‌السلام ليس فيها أي ثغرات أو مؤاخذات ، بل بالعكس أصبحت ثورة الحسين عليه‌السلام منارة من منارات العدل ، والوعي البشري يزداد كلّما قرأ سيرة أهل البيت عليهم‌السلام.

مصادقة الأمم المتحدة على عهد الإمام علي عليه‌السلام لمالك الأشتر

وقد صادقت الأمم المتحدة على عهد الإمام علي عليه‌السلام لمالك الأشتر ، وهو قانون دُوِّن قبل ألف وأربعمائة سنة ، ومع ذلك نرى أنّ نخبة القانونيين تقف إجلالا للقانون الذي وضعه الإمام علي عليه‌السلام ، وأرباب القانون لا يجدون أيّ ثغرة فيه رغم الشوط الكبير الذي قطعته القوانين البشرية على الصعيد القانوني والحقوقي. وعهد مالك الأشتر يتعرّض بصورة كاملة للنظم السياسية والنظم الحقوقية والنظم القضائية والنظم العسكرية والأمنية والنظم الإدارية في الدولة. والأمم المتحدة رشّحت عهد الإمام علي عليه‌السلام لمالك الأشتر كمصدر من مصادر القانون الدولي ، وهذا يصبّ في مصبّ نزوع البشرية نحو العدل (١).

تقصير الشيعة في نشر فكر أهل البيت عليهم‌السلام

وفي الواقع إنّ أتباع مذهب أهل البيت عليهم‌السلام مقصّرين في نشر تعاليم أهل

__________________

١ ـ نهج البلاغة ، رسائل أمير المؤمنين ، رقم ٥٣.

٣٠٣

البيت عليهم‌السلام مقصّرين في نشر تعاليم أهل البيت عليه‌السلام بلغات مختلفة وإلى البلدان المختلفة ، ولو فعلنا ذلك ووصلت هذه التعاليم إلى ذوي الفكر العلمي الذين يبتعدون عن العصبية لتغيّرت الكثير من المعادلات ; لأنّ تعاليم أهل البيت عليهم‌السلام عبارة عن منظومات وإعجاز علمي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ; لأنّه فكر معصوم.

عداوة القوى الإقطاعية للعدل

لنتعرّض الآن إلى بحث العدل في أدلّته وأُسسه ، حيث تعتبر القوى الإقطاعية والمستبدّة من أكثر القوى عداوة للعدل ، ومن هنا نستطيع أن نتعرّض للإقطاع الأموي الذي كان يعادي العدل ، وكذلك الرأسمالية الحديثة والدول الغربية التي ترفع العدل كشعار إلاّ أنّ العدل لا يوجد في طيّات فكرها ، وإنّما تنادي بالعدل من أجل تضليل الشعوب لا أكثر ، ومن المثير أنّهم ينادون بما لا يطبّقونه وهو العدل ، وهو من أصول الدين عند مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ومن صفات الله تعالى.

شبهة حاجة الحق إلى تشريع قانون

ومن الشبهات التي يطرحها الرأسماليون والإقطاعيون شبهة إعطاء كلّ ذي حقّ حقه ، إذن يحتاج الحق إلى تشريع قانون ، فإذا كان العدل يحتاج إلى تشريع الحق ، والحق يحتاج إلى تشريع قانون فإذن العدل تابع للتشريعات والتقنينات ، والتقنينات أُمور تعاقدية يتعاقد ويتواضع عليها الناس ، أيّ : إنّها توضع كقوانين من قبل الناس ، بمعنى أنّ المقنّن إذا لم يقنّن حقّاً معيّناً فلا يمكن تحقيق العدالة التي ينبغي أن تكون تابعة لذلك القانون.

شبهة أنّ العدالة اعتبار أدبي ليس لها وجود خارجي

ويقولون : إنّ العدالة هي إعطاء كلّ ذي حق حقه ، والحق هو اعتبار أدبي ، إذن

٣٠٤

ليست العدالة أمراً عينيّاً خارجياً ، وإنّما هي متغيّرة ، وليس لها ثبات ، والعدالة تنحصر في التشريعات القانونية التي يشرّعها المقنّن ، وبعد أن يشرّعها المقنّن تأتي منظومة الحقوق المنبثقة من منظومة القانون ، ومن ثمّ تأتي العدالة.

وهذه الشبهة هي نوع من اللعبة القانونية لأجل الاستئثار وحرمان الضعفاء ، وتصبّ في مصبّ تقديس القانون من أجل نشر الظلم والاضطهاد والحرمان.

هل القانون هو مصدر الخير دائماً؟

الغرب اليوم يروّج العدالة ، ولكنّه لا يؤمن بها حقيقة ، وإنّما يتلاعب بمفهومها بما يحمله من أُسس ومبادىء ، فيقولون : كل قانون يعتبر خيراً ، أي : أنّ مصدر الخير هو القانون ، والقانون يصاغ بأيدي الإقطاعيين ، والعدالة أمر متغيّر ليست أمراً ثابتاً ، وليس لها واقع خارجي ، والواقع الخارجي يتمثّل في المادة والقدرة والطاقة ، أمّا العدالة فليس لها واقع خارجي ، إذن المطلوب هو تسخير القانون في حماية الإقطاع ، والذي لا يفهم اللعبة القانونية يضيع.

المرجعية للكمال لا للقانون

والرأي الصحيح أن نعتبر « أنّ كلّ كمال ينبغي أن يكون قانوناً ، لا أنّ كلّ قانون كمال » فإذن المرجعية يجب أن تكون للكمال والخير لا للقانون ; لأنّ هذا القانون قد يكون جائراً ، فلا خير في قانون ينسف الخير لدى الناس ، ويشلّ الطاقات البشرية.

الكمال والخير هما اللذان يوصلان الناس إلى العدل لا القانون الذي يضعه من يضعه من أجل مصالحه ضارباً بمصالح الناس عرض الحائط ، فالقدسيّة والمحوريّة للعدل في منطق القرآن الكريم وأهل البيت عليهم‌السلام ، والكمال هو الخير وهو الذي ينبغي أن يكون قانوناً.

٣٠٥

الفساد القانوني

وهناك ميزان لفساد القانون ، ومفهوم الفساد ليس مقتصراً على الفساد الإداري والفساد المالي ، وإنّما ـ أيضاً ـ هناك فساد قانوني ، أي : فساد في التقنين ، وهو الطّامة الكبرى ، فهم يضعون القانون ويقولون : إنّ كلّ ما يخالف هذا القانون يعدّ إرهاباً وعنفاً وخروجاً عن الشرعية ، وهم يسخّرون الأدوات القانونية والمحافل القانونية الدولية ضدّ الإسلام والمسلمين ، وهذا هو ديدن النظام العالمي.

وينبغي علينا أن نبحث عن الفساد القانوني في النظام العالمي ، فهل كلّ من يعارض النظام العالمي يعتبر إرهابياً؟ نعم ، هم يصوّرون أنّ الذين يعارضون هذا النظام العالمي أنّهم من الإرهابيين ، ومن الذين يقطعون الرؤوس ، وغير ذلك من الأفعال المشينة ، ويخوّفون الشعوب الغربية من المسلمين ، بينما منشأ الظلم هو القانون العالمي المتمثّل في النظام العالمي الجديد ، وهو قانون متعجرف وبذيء يريدون فرضه على العالم ، فهم انطلقوا من أيّ أصل؟ انطلقوا من أصل أنّ كلّ قانون عدل.

أمّا في منطق أهل البيت عليهم‌السلام فإنّ منطقهم قائم على أنّ : « بالعدل قامت السماوات والأرض » (١) ، وقال الله تعالى : ( وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ) (٢) وهناك علاقة بين رفع السماء ووضع الميزان.

الفرق بين القانون العادل والقانون الظالم

إذن ينبغي التفريق بين القانون العادل والقانون الظالم ، ويجب أن نرفض القول القائل أنّ ما يطابق القانون عدل وما يخالف القانون ظلم بدون البحث عن عدالة

__________________

١ ـ تفسير كنز الدقائق ١٢ : ٥٥٣ ، ذيل آية ( وَالَّسمَاءَ رَفَعَهَا ).

٢ ـ الرحمن (٥٥) : ٧.

٣٠٦

القانون نفسه ، إذن ما يطابق العدل من القوانين يعتبر قانوناً عادلا وما يخالف العدل من القوانين يعتبر قانوناً جائراً وظالماً وغاشماً أسّسه الإقطاع والمستأثرون سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي.

حسن العدالة وقبح الظلم هل هو أمر حقيقي أم اعتباري؟

ومن الشبهات التي يوردونها ـ وقد أوردها الأمويّون من قبلهم ـ : أنّ حسن العدالة وقبح الظلم هو اعتبار أدبي وليس له واقعية ، بدليل أنّ كلّ عرف بشري منذ مرحلة الطفولة إلى المراحل الأخرى له أعراف معيّنة ، وكلّ ما يخالف هذه الأعراف هو قبيح وما يوافقها فهو حسن ، فلو ذهبت إلى الهند ومارست عادات معيّنة فإنّ تلك العادات قد تكون قبيحة عندهم ، مع أنّها حسنة عندنا ، ولو قام أهل الهند بممارسة بعض عاداتهم في البلاد العربية قد تكون هذه العادات مستقبحة ، وكذلك بالنسبة لأهل البلاد الغربية أو أتوا إلى البلاد العربية ، ولو ذهب العربي إلى البلاد الغربية بطريقة أكل معيّنة لاستقبح أهل البلاد هذه الطريقة أيضاً ، فهذه القبائح والمحاسن ليس لها ثبات ، بل هي متغيّرة بحسب البيئات.

هل المحرمات والأخلاق تتغيّر بتغيّر البيئة؟

إذن فهم يحاولون أن يزرعوا في الفهم الإسلامي أنّ المحرمات التي حرّمها الله تعالى التي تتعلّق بحفظ عفاف المرأة أو المحرمات الأخلاقية التي ترتبط بالرجل أيضاً ، هذه محرمات أخلاقية بحسب بيئة الجزيرة العربية السابقة ، وليست بحسب البيئات الغربية أو الحديثة ، فهم يقولون : إنّ الأخلاق تتغيّر بتغيّر البيئة ، فليس عندنا عدالة أخلاقية ثابتة لا تتغيّر ، ولا عدالة اقتصادية ثابتة ، ولا عدالة قانونية ثابتة ، ولا عدالة سياسية ثابتة ، أصلا العدالة ليس لها واقعية إنّما هي تتغيّر بتغيّر البيئة ، فإذا استطعنا أن نغيّر البيئة الإسلامية إلى بيئة أُخرى

٣٠٧

فينبغي علينا أن نأخذ بأخلاق البيئة غير الإسلامية ، وهذا الغزو الثقافي يستهدف تمييع المجتمعات الإسلامية بحيث تستسيغ وجود الميوعة الأخلاقية والزواج بين المثلين إلى غيرها من مشاكل الانحطاط الأخلاقي ، حتّى أنّهم قد لا يبيحون أموراً منحرفة ، ولكنّهم يقولون : إذا تغيّرت البيئة فستكون هذه الأُمور المنحرفة أُموراً مستساغة وتكتسب الصفة القانونية ، ومن يعارضها حينئذ فهو معارض للقانون وخارج عليه ، وهم يقولون : إنّ العرب باعتبارهم يعيشون قوّة في الغريزة الجنسية فلذلك حرّم عليهم‌السلام النظر إلى شعر المرأة ; لأنّهم يستثارون بسرعة ، أمّا غيرهم فالأمر يختلف ، ففي المجتمعات التي ليس لديها قوّة في الغريزة الجنسية لا بأس أن يباح النظر إلى شعر المرأة ، مع أنّ الإحصائيات التي نشرتها جريدة الشرق الأوسط قبل مدّة تبيّن أنّ أكثر من ٩٠% من الموظّفات الأمريكيات في القطاع الخاص يتعرّضن للتحرّش الجنسي من قبل الرجال ابتداءً من رمش العيون مروراً بسطو الأيدي وصولا إلى الاغتصاب ، وهذا يناقض ما يقولونه من أنّ شعر المرأة وجسمها غير مثير لتلك المجتمعات ، وأكبر دولة حققت رقماً قياسياً في اعتداء الآباء على بناتهن هي بريطانيا ، فهم ينقلبون على الفطرة ويدخلون الجحيم ، ومع هذا فإنّهم يدعوننا لدخول جحيمهم.

الشبهة قديمة حديثة

وهذه الشبهة قد ذكرها في الزمان الماضي أبو الحسن الأشعري (١) الذي تتبعه الكثير من المذاهب الإسلامية.

__________________

١ ـ كتاب اللمع : ١١٥. شرح المقاصد ٤ : ٢٨٢.

٣٠٨

شبهة أنّ المدح والذم يمثّلان اعتباراً أدبياً وليس وجوداً حقيقياً

والشبهة الأُخرى هي أنّ المدح والثناء يمثّلان الحسن ، والذم يمثّل القبح ، وهذا يمثّل إنشاءً أدبياً وليس وجوداً خارجياً.

الدول الغربية تحاول السيطرة على وسائل الإعلام

نحن نرى أنّ الدول الغربية تحاول السيطرة على وسائل الإعلام ، ويزعجها أيّ خروج على ما تريد تخطيطه ، ومثال ذلك : منع قناة المنار الفضائية في الدول الأوربية ، والحجاب الإسلامي يمنع في بعض البلدان الغربية ، وهذا لا يمثّل خطأ في نظرهم ; لأنّهم يعتبرون أنّ الثقافة الإسلامية تمثّل خطراً عليهم ، والتضييق على المسلمين في أمريكا ليس ناشئاً من مشكلة ١١ سبتمبر ، وإنّما هو خوف أمريكا على هويّتها من الإسلام ، وإنّ الإرهابيين قدّموا خدمة جليلة لأمريكا مكّنتها من محاصرة الإسلام ، وتجميد الأرصدة المالية التي تهدف إلى نشر الإسلام في أمريكا حيث وفّر الإرهابيون الذريعة للغرب لمحاربة الإسلام وتعطيل مشاريعه.

الجواب على هذه الشبهات

الشبهة الأُولى تقول : « إنّ العدل أمر أدبي ولا وجود له في الخارج » ، وهذه الشبهة قد طرحها أبو الحسن الأشعري منذ ذلك الزمان (١) ، وهذه الفكرة تخدم سلاطين الجور ; لأنّهم حين يجورون فإنّ العدل هو أمر أدبي لا يتناقض مع جورهم ، وحينئذ يجدون مخرجاً من جورهم.

كيف يكون المدح أمراً أدبياً؟ أنت حينما تحمد الله عزّ وجل فهل هذا الحمد يكون شيئاً أدبياً أم أمراً واقعياً؟

__________________

١ ـ كتاب اللمع : ١١٥. شرح المقاصد ٤ : ٢٨٢.

٣٠٩

وبعبارة أُخرى : نحن نسأل الإقطاع الرأسمالي أو الإقطاع الأموي والعباسي ما الفرق بين الكمال والمدح؟ وما الفرق بين النقص والذم؟ وما الفرق بين الملائم والشيء والحسن؟

يقولون : هناك فرق بين الملائم والشيء الحسن ، وهناك فرق بين الشيء غير الملائم والذم ، وهذه مغالطة انطوت للأسف على جملة من الفلاسفة الإسلاميين لقرون عديدة.

والردّ على هذه الشبهة هو : هل إنّك سمعت أنّ إنساناً يمدح إنساناً لنقص؟ أم أنّ الإنسان يمدح للكمال ، وإذا كان المدح أمراً أدبياً خيالياً ، كما هو حال بعض الشعراء الذين يصوّرون الأسود على أنّه أبيض ، والأبيض على أنّه أسود ، فهل هذا يغيّر من الواقع شيئاً؟ وهل هذا يحوّل النقص إلى كمال؟ وهل يتحوّل الجوع إلى شبع؟ وهل يتحوّل الاضطهاد إلى سلم؟ وهل يتحوّل الإيذاء إلى راحة؟ وهل يتحوّل الضيق والخناق إلى حرية؟ المدح والثناء نفس الحمد ، فهل نحمد الله ما هو نقص فيه؟

طبعاً لا ، وإنّما نحمده على ما هو كمال فيه ، فلا يمكن أن ينفصل المدح عن الكمال إلاّ من شخص مهرّج أو مغالط أو من يتّخذ من الدجل منهجاً ، فإذا كان المدح لصيق العدالة فلا بدّ أن تكون العدالة ملازمة للكمال ، بل العدالة هي عين الكمال ، إذن العدل أمر واقعي في كلّ المجالات ، والعدالة التي ليست كمالا هي ليست عدالة ، ولا يمكن أن لا يكون الكمال عدلا ، وكيف يكون النقص عدلا؟

الظلم أيضاً ملازم للنقص ، وبالتالي الذمّ يكون ملازماً للنقص وملازماً للظلم ، وحينئذ لا يمكن أن يكون التعسّف قانوناً ، ويجب أن يخضع القانون للكمال ، لا أن يخضع الكمال للقانون ، القانون يجب أن يؤمّن الكمال لا العكس ، أيّ قانون هذا إنّه قانون الغابات وقانون الأنياب وامتصاص الثروات والخيرات ، وحتّى

٣١٠

الحيوانات تمتلك قانوناً معيّناً ، وهذا ما نشاهده في الأفلام التي ينتجها الغرب ، حتّى السبعية لها قانون ، فكلّما كان السبع أقوى كلّما تمكّن أكثر ، ولا تستطيع الدول الغربية بإقناع شعوبها بخلاف العدل ; لأنّ العدل أمر فطري ، ولا زالت الشعوب الأوربية ترفض الصهيونية رغم كلّ الجهود والإمكانيات الضخمة من أجل التسويق للصهيونية إلاّ أنّهم اصطدموا بالفطرة عند الإنسان الأوربي.

٣١١
٣١٢

المحاضرة الرابعة

ضوابط العدل ومنطلقاته

محاور المحاضرة :

أوّلا : العدالة في القرآن الكريم.

ثانياً : اختلاف الأمر الاعتباري عن الأمر التكويني.

ثالثاً : هل كلّ قانون عدل؟

رابعاً : محورية العدل في خطاب سيد الشهداء عليه‌السلام.

خامساً : تسرّب فكرة أنّ العدل أمر أدبي للفقه الإمامي.

سادساً : الأشاعرة : العدل بمعنى المدح التخيّلي الفرضي.

سابعاً : نسأل الأشاعرة : ما هي ضابطة العدل؟

ثامناً : هل الإنسان مركز التقنين أم الله؟

تاسعاً : العدالة الحقوقية تكوينية وليست وليدة التقنين.

عاشراً : الله جعل للإنسان المعادلة التي تحقق سعادته.

العدالة في القرآن الكريم

( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (١) ، أمر الله بعناوين ثلاثة ، ونهى عن عناوين ثلاثة في هذه

__________________

١ ـ النحل (١٦) : ٩٠.

٣١٣

الآية ، وفي آية أُخرى قال تعالى : ( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (١) ، فجعل القيام بالقسط مقارناً للشهادة الأُولى ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْم عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) (٢) ، وقال تعالى : ( وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ) (٣) ، فكون العدالة من الصفات الإلهية ، ومن أصول الدين ، ومن أصول المجتمع الديني هذا أمر بيِّن في آيات القرآن الكريم ، والعدل هو العنوان الذي نادى به سيد الشهداء عليه‌السلام ، وكان محوراً من محاور ثورته عليه‌السلام ، وجعله من علل نهضته.

محورية العدل أم القانون؟

تكلّمنا سابقاً عن إشكالية هل العدل هو المدار أم القانون والتقنين هو المدار؟ وهل العدل حقيقة تكوينية واقعية عينيّة خارجية ثابتة أم أنّ العدل في أيّ مجال من المجالات أمر أدبي اعتباري يقنّنه المقنّن في ظلّ اعتبار قانوني يُفترض ويُعتبر ويُنشأ ويُتعاقد عليه؟

اختلاف الأمر الاعتباري عن الأمر التكويني

الأمر الاعتباري غير الأمر التكويني ، الأمر التكويني له وجود فيزيائي ، ويقابله وجود ما وراء الفيزياء الماديّة ، مثل : عوالم البرزخ وعوالم الآخرة.

والوجود الاعتباري في العلوم أمر يُفترض في الذهن ويُتصوّر ، فإذا كان لأجل أغراض ومصالح يكون اعتباراً هادفاً له ثمرات ، ولدينا منظومة من العلوم

__________________

١ ـ آل عمران (٣) : ١٨.

٢ ـ المائدة (٥) : ٨.

٣ ـ الرحمن (٥٥) : ٩.

٣١٤

والمسائل تقوم على الاعتبار ، فمثلا : علم القانون يقوم على الاعتبار ، وعلوم اللغة جانب كبير منها يقوم على الاعتبار ; لأنّ ألفاظ أي لغة لها ارتباطها مع المعنى بتعاقد أبناء تلك اللغة ، وإلاّ فما الرابط بين هذه اللفظة والمعنى؟

فالرابط بين اللفظة والمعنى ارتباط أدبي اعتباري وليس ارتباطاً تكوينياً ، كذلك سائر علوم اللغة من الصرف والنحو والبلاغة والاشتقاق ، كلّ تلك العلوم علوم اعتبارية.

جعلوا العدل أمراً اعتبارياً خدمة لمصالحهم

هذا يقع الكلام في هل أنّ العدل وأحكام العدل ، مثل : لزوم العدل وضرورة العدل من الأُمور الاعتبارية؟ بمعنى هل أنّ العدل من الأُمور التي يتّفق عليها الناس ، ويضعونها في قانون كما يشاؤون؟ كما هو حال اللفظ والمعنى حيث يمكن أن يتغيّر أمرها ، كما غيَّر أتاتورك حروف اللغة التركية من حروف عربية إلى حروف لاتينية.

هذا الجدل في الفكر البشري قديم وحديث ، وأصحاب الإقطاع المالي قد تبنّوا رأي أنّ العدل أمر اعتباري خدمة لمصالحهم ; وذلك تسخيراً للأُمور الفكرية لخدمة مصالحهم المادية ، ومن أجل بسط قدرتهم في المجتمع.

هل كلّ قانون عدل؟

وقد حدث هذا الأمر في اليونان ، كما حدث في أيام حكم بني أمية ، حيث سخّروا العديد من الأقلام والشخصيات العلمية للترويج لمثل هذه الأفكار من أجل خدمة مصالحهم ، وهم يريدون أن يجعلوا العدل أمراً أدبياً اعتبارياً حتّى يكون المدار على القانون ، فيقنّنون ما أرادوا وما يخدم مصالحهم ، ويجعلون هذا القانون ملزماً ، وبذلك تتحقق مصالحهم فتكون العدالة متمثّلة في تطبيق القانون

٣١٥

الذي وضعوه ، والخروج على القانون الظالم في منطقهم خروج على العدالة ـ كما يزعمون ـ وحينئذ يكون المدار على القانون لا العدل ، ومن ثمّ وضعواقاعدة : « كل قانون عدل » ، وهذا القانون عندما يكون بأيدي ذوي القدرة والنفوذ يقنّنون فيه ما يشاؤون ، والخارج على القانون يعتبر خارج عن العدالة ، ويحاسب ، ويكون إرهابياً وعنجهياً وخارجاً عن القانون ، بينما إذا جعلنا العدالة هي المدار فتكون القاعدة « كلّ عدل قانون ، وليس كلّ قانون عدلاً » ، فحينئذ أيّ قانون من القوانين إذا لم يتوافق مع العدل يكون هباءً منثوراً ; لأنّ المدار على العدل.

ومتى يكون المحور هو العدل في الفكر البشري والفكر القانوني والفكر السياسي والفكر الفلسفي والفكر الثقافي؟ يكون العدل هو المدار إذا جعلنا للعدل عينية خارجية ، ورفضنا فكرة أنّ العدل أمر اعتباري.

محورية العدل في خطاب سيد الشهداء عليه‌السلام

وهذا ما نلمسه في خطابات سيد الشيهداء عليه‌السلام التي كانت تُعنى بتعبئة وعي الأُمّة بهذه الصحوة ، حيث كان العدل هو المحور في فكر سيد الشهداء عليه‌السلام ، بينما السلطة الأموية كانت تتشبّث بقوانين ظالمة وتجعلها هي المدار ، وتجعل سيرة الخلفاء الذين سبقوا هي الشرعية بينما الحقيقة والواقع أنّ العدل هو المحور ، وسيد الشهداء عليه‌السلام حاول أن ينسف هذه النظرية التي كانت تحاول أن تجعل القوانين هي الحاكمة حتّى ولو كانت قوانين لا صلة لها بالعدل.

تسرّب فكرة أنّ العدل أمر أدبي للفقه الإمامي

مرّ بنا قولهم : إنّ العدل أمر أدبي ، والتقبيح للظلم أيضاً أمر أدبي اعتباري ، وقد تسرّبت هذه الفكرة الخاطئة إلى الفقه الإمامي نتيجة تأثّر بعض فلاسفة الإمامية ، مثل : ابن سينا بهذه الفكرة.

٣١٦

ابن سينا من الفرقة الإسماعيلية

وكان والد ابن سينا من الفرقة الإسماعيلية ، وهي من فرق الشيعة ، وابن سينا كان يتمتّع بنبوغ وقدرة فكرية كبيرة ، وقد ولد بعد قرن من مدرسة أبي الحسن الأشعري الذي تتّبعه أكثر المذاهب الإسلامية من غير المذهب الإمامي ، وقسم آخر من المسلمين يتّبع المذهب المعتزلي.

تأثير ابن سينا على قافلة الفلاسفة من بعده

وكان ابن سينا النابغة الذي وصفه البعض لشدّة نبوغة أنّه واحد لا ثاني له ، وإن كنت لا أعتقد فيه هذا ، ولكن من المسلم أنّه نابغة ، مع ذلك تأثّر ابن سينا وقال : حسن العدل وقبح الظلم ليس أمراً بديهياً ، وبعد تأثّر ابن سينا تأثّرات قافلة الفلاسفة من بعده ، وحتّى فلاسفة الإمامية تأثّروا بهذا الرأي ، وتسرّب هذا الرأي إلى الكتب الفقهية ، ولكن بحمد الله فإنّ الأكثرية من الفقهاء لم يتأثّروا بهذه الشبهة.

استقلال المذهب الإمامي عن الأنظمة الحاكمة

وقد سخّرت السلطات الحاكمة هذه الأفكار في خدمة بقائها وسيطرتها على الأُمور ، وقد تميّز المذهب الإمامي بأنّه مذهب مستقل فكرياً ، ومتحرّر من سيطرة الأنظمة الحاكمة.

رأي الأشعري في حسن العدل وقبح الظلم

أبو الحسن الأشعري كان ممّن تبنّى رأي أنّ العدالة ليس لها حقيقة عينية ، وإنّما هي أمر فرضي أدبي.

والحسن له معان ثلاث : المعنى الأول : هو الكمال.

والمعنى الثاني : هو الملائمة ، أي : ما يستحسنه الإنسان ، وأمّا ما لا يلائمه فهو ما ينفر منه ويستقبحه ، فالملائم حسن للطبع.

٣١٧

والمعنى الثالث : هو المدح ، وقال : إنّ المدح هو أمر تخيّلي فرضي أدبي. وهذه المعاني الثلاثة للحسن يقابلها معاني القبح بمعنى النقص ، والقبح في مقابل الكمال وهو أمر تكويني وليس أمراً افتراضياً أدبياً ، والقبح بمعنى الشيء المنفّر للطبع ، والقبح بمعنى الذم.

الأشاعرة : العدل بمعنى المدح التخيّلي الفرضي

وقد بنى الأشاعرة مذهبهم أنّ حسن العدل يعتمد على المعنى الثالث ، وأنّه ليس بناء على المعنى الأوّل ولا الثاني ـ حسبما يدّعون ـ وقبح الظلم ليس بمعنى النقص ، وليس بمعنى أنّ الإنسان ينفر ويتبرّم منه ، وإنّما هو بمعنى الذم ، بينما الإمام الحسين عليه‌السلام يصرّح بهذه الحقيقة المتمثّلة بـ « إنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً » (١) ، أي : أنّ الظلم أمر تكويني ، والفكر الأشعري يقول أنّ الإنسان قد يتعوّد على الظلم فلا ينفر منه ، ويتأقلم ويتعوّد عليه ، وفي الفكر الغربي أيضاً هو كذلك ، ونحن لا نتكلّم على مستوى الشعارات الغربية ، وإنّما على مستوى الحقيقة الغربية ، حيث الظلم موجود في التمييز العنصري وتفضيل العنصر الأبيض ، وإن لم يكن هذا الأمر معلناً ، ولكنّه موجود.

نسأل الأشاعرة : ما هي ضابطة العدل؟

ومن ثمّ فإنّ الأشاعرة بنوا على أنّ ما أمر الله به فهو حسن وما نهى عنه فهو قبيح ، أي : أنّ العدل ليس له حقيقة خارجية ، فليس هناك ضابطة للعدل ، وإنّما الضابطة إذا أمر الله عزّ وجل ، ولا يقولون : إنّ الله يأمر بغير العدل ، ولكن المبنى عندهم أنّ العدل نفسه لا يمتلك حقيقة خارجية ، وإنّما أمر الله هو العدل ونهى الله هو الظلم بحسب مشيئة الله ، وربّما يستدلّون بهذه الأدلة ، وهي : أنّه ليس هناك

__________________

١ ـ ميزان الحكمة ٤ : ١٥١٥ ، الحديث ٩٧٨٥.

٣١٨

قانون وأدلة تحكم الله تعالى ، بل هو الحاكم على كلّ القوانين ، وهذا صحيح ، ولكن كيف يتمّ تفسير « هو الحاكم على القوانين » ، هل المقسود أنّ القوانين ليس لها سنّة من ذاتها؟

الله تعالى ، والهدف والغاية

ويشبّثون بدليل آخر ، وهو : أنّ الله تعالى غنيّ عن اتّخاذ الهدف والغاية ، والفاعل إنّما يفعل شيئاً لهدف أو غاية ، ولكن الله غنيّ عن الغاية ، وأنّ الله يفعل ما يفعل ليس لغاية ; لأنّه غير محتاج إلى الغاية ، فالحكمة هي ما فَعَلَ الله تعالى ، لا أنّ هناك غاية من البدء يسير الفعل الإلهي نحوها.

العدالة ، وتعذيب البريء ، والإنعام على المجرم

ويقولون : « لو عذّب الله المقتول البريء لكان ذلك هو العدل ، ولو أنعم على السفّاح الغاشم لكان ذلك هو العدل ، لكن سنّته جرت أن ينعم على المظلوم ، ويعذّب الظالم باعتبار أنّ الله مالك كلّ شيء ولا يملكه شيء » (١) ، وفي ظلّ هذه الأدلة التي ذكروها نشأت مدرسة القدرية ، وهي مدرسة قديمة ، ولكنّها تبلورت بعد ذلك بصورة أوضح ، وحاولوا تطعيمها بأُطُر علميّة في ظلّ المدرسة الأشعرية.

هل ما يقع تكويناً يوافق إرادة الله؟

يزيد عندما خاطب العقيلة زينب عليها‌السلام كان يخاطبها من منطلق أنّ الله أعطاه الملك ، واستناداً إلى هذا المنطق ، وهو أنّ ما يقع تكويناً هو الصحيح ، وهو الموافق لإرادة الله.

وهذه الشبهات توجب ضعف الأُمّة وإجهاضها وتخاذلها تجاه قضاياها

__________________

١ ـ راجع أدلة الأشاعرة هذه والردّ عليها إلى دلائل الصدق ٢ : ٣٤٦ ، ٤٣١.

٣١٩

الإسلامية ، وفي خطاب عبيد الله بن زياد للعقيلة عليها‌السلام : « كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟ فقالت : ما رأيت إلاّ جميلا ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّ وتخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك أُمّك يابن مرجانه » (١) ، فهو ينطلق من هذا المنطلق ، ولو قلنا بهذا المنطق فسيكون قتل الأنبياء شيئاً صحيحاً وشيئاً يريده الله ; لأنّه أمر تحقق في الخارج ، وكان حقيقة لا يمكن نكرآنها ، وهذا التفيسر غير الصحيح للقضاء والقدر يعتبر أنّ ما يقع هو الصحيح ; لأنّ الله لا يفعل إلاّ ما هو حسن ، وهذا فعل الله ، إذن هذا الفعل فعل حسن ، ومن ثمّ نشأت مدرسة الجبرية ومدرسة القدرية والمرجئة ، وهذا الاتّجاه يخلط الحابل بالنابل في الموازين العقائدية والقانونية والحقوقية ، وهذه المدرسة تخدم السلطات الظالمة بفكرها الذي يبرر الظلم ، ومن ثمّ فقد عمدت السلطات الظالمة للترويج لهذه الأفكار.

خطورة دعم السلطات الظالمة للأفكار المنحرفة

وعندما جاء ابن سينا كان يدور جدل في أنّ حسن العدل وقبح الظلم أمر بديهي أم أمر فرضي؟ فقال : ابن سينا : إنّ العدل أمر اعتباري فرضي وليس أمراً بديهياً حقيقياً ، وهنا تتبيّن خطورة دعم السلطات الظالمة للأفكار غير المستقيمة وآثارها الخطيرة على الأُمّة.

إعداد الأئمة للكوادر الثقافية لمواجهة الفكر المنحرف

الأئمة عليها‌السلام خلال الفترة التي عاصروا فيها الحكومات الظالمة ناهضوا تلك الحكومات ، التي كانت تمثّل الدولة العظمى ، ومع ذلك استطاعوا ـ رغم تلك

__________________

١ ـ بحار الأنوار ٤٥ : ١١٥ ، تاريخ الحسين بن علي سيد الشهداء عليه‌السلام ، باب الوقائع المتأخّرة عن قتله عليه‌السلام.

٣٢٠