بحوث معاصرة في الساحة الدوليّة

الشيخ محمّد سند

بحوث معاصرة في الساحة الدوليّة

المؤلف:

الشيخ محمّد سند


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٧

معيّن أصبح مسلماً في الظاهر.

أُصول الدين تتضمّن مفهوم التوحيد

أُصول الدين كلها تتضمّن مفهوم التوحيد ، فهناك توحيد في الذات وتوحيد في الصفات ، والنبوة توحيد في التشريع ، والإمامة توحيد في الحاكمية السياسية والحاكمية القضائية والحاكمية التنفيذية ، ونحن نعتقد أنّ الإمام مرتبط بالله في كل شيء ، ابتداءً من الأُمور الجزئية وانتهاءً بالأُمور الكلية ; لأنّ الإمام يمثّل مشيئة الله لا يعصي الله ما أمره ويفعل ما يؤمر.

الإمامة توصل إلى طاعة الله

الإمامة توصل إلى طاعة الله في الأُمور الدينية والشؤون المالية والقضايا السياسية والعسكرية والتشريعية ، وفي كل الأُمور قال تعالى : ( تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْر * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) (١) ، ففي كل سنة يتنزّل البرنامج السنوي الذي يتضمّن كل أمر من الله على الإمام في ليلة القدر.

الإيمان النظري والإيمان العملي في سورة الحمد

سورة الحمد تتضمّن جزئين ، الجزء الأوّل : يتضمّن الإيمان النظري والتوحيد والنبوة والمعاد ، ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ للهِِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) (٢).

الجزء الثاني : يتضمّن الإيمان العملي ، ويتضمّن مفهوم الإمامة ، ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ

__________________

١ ـ القدر (٩٧) : ٤ ـ ٥.

٢ ـ الفاتحة (١) : ١ ـ ٥.

٢٦١

الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ) (١).

وهذا الصراط هم أهل البيت عليهم‌السلام ; لأنّهم مطهّرون ومعصومون ، فهم صراط مستقيم ، وهذا الصراط ليس صراط النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لوحده ; لأنّ الآية لم تقل : ( صراط الذين أنعمت عليه ) ، وإنّما قالت : ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) بالجمع ، فهم أهل البيت المعصومين عليهم‌السلام الذين لا يصحّ وصفهم مطلقاً بأنّهم مغضوب عليهم أو أنّهم ضالين ، أمّا غير المعصوم فقد يغضب الله عليه إذا عصى ، وقد يضل كما يضل الآخرون ; لأنّه غير معصوم ، وأهل البيت عليهم‌السلام هم الذين باهل بهم النبي نصارى نجران ، واختارهم من بين جميع الأُمّة بما فيها الصحابة وزوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولو تتبعنا تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام لما رأينا أنّهم ضلّوا في أيّ جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً.

حديث الفرقة الناجية كدليل على ما نقول

وفي حديث الفرقة الناجية الذي رواه المسلمون ، واتّفقوا عليه ، والذي يتضمّن هذا المعنى : « ستفترق أُمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة منها ناحية ... نفس هذا الحديث يستفاد منه ما ذكرناه من التفريق بين الإسلام والإيمان ، فهو لم يخرج غير الناجين من الإسلام ، ولكنه اعتبرهم من » أُمتي « ، أي : من المسلمين ، مع أنّهم من غير الناجين ، ومن غير المعقول أن تكون النجاة التي اعتمدت عليها الفرقة الناجية هي نجاة تعتمد على فرع من الفروع ، وليس على أصل من الأُصول.

إخوانناً أهل السنة والجماعة يرون أنّ من لا يعتقد بفضائل الخلفاء الثلاثة الذين حكموا بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو فضائل زوجات النبي ، ومن ينتقد هؤلاء وينكر

__________________

١ ـ الفاتحة (١) : ٦ ـ ٧.

٢٦٢

عليهم أفعالهم ، يعتقدون أنّ هذا الشخص ليس مؤمناً ، وإنّما هو مسلم فقط ، وإن كانوا يعتقدون بأنّ الخلافة من فروع الدين ، وليست من أُصول الدين ، كما ذهب إلى هذا الرأي التفتازاني في شرح المقاصد (١) ، والشريف الجرجاني في شرح المواقف (٢).

إذن أهل السنّة يبنون العقيدة على ما حدث بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم يعتقدون أنّ فضائل الثلاثة الذين حكموا بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أدلتها قطعية ، وينفون الإيمان عمّن لا يعتقد بها ، ولكن لا يقولون بكفره ، هذا إذا استثنينا التكفير بين المتعصّبين.

ومذهب أهل البيت عليهم‌السلام يعتقد أنّ أدلة إمامة الأئمة عليهم‌السلام واعتبار الإمامة من أُصول الدين تستند إلى أدلة قطعية ، وأنّها من لوازم الإيمان إلاّ أنّهم لا يكفّرون من لا يعتقد بها ، بل يعتبرونه مسلماً ، ولكنه ليس مؤمناً.

السيد المرتضى والشيخ الطوسي والشيخ المفيد ، قالوا : إنّ النص تارة يكون نصّاً جليّاً ، وتارة يكون نصّاً خفيّاً ، والمنكر للنّص الجلي يخرج عن ظاهر الإسلام ، أمّا المنكر للنصّ الخفي ، فلا يخرج عن ظاهر الإسلام ; لأنّه ربما يعذر لعدم فهمه للنصّ الخفي ، وقد يكون النصّ خفياً ومع ذلك يحمل في طيّاته دليلا يقينياً (٣).

وهنا ملاحظة نود الإشارة إليها ، وهي أنّه قد يرد تعبير الكفر لبعض المسلمين ، ولكن لا يعتبر تكفيراً في مقابل الإسلام أو أنّه إخراج من الدين الإسلامي ; لأنّ الكفر على درجات ، منها : كفر النعمة ـ على سبيل المثال ـ وقد ورد الكفر تعبيراً عن عدّة معاني في القرآن الكريم.

__________________

١ ـ شرح المقاصد ٥ : ٢٣٢ ، الفصل الرابع ـ في الإمامة.

٢ ـ شرح المواقف ٨ : ٣٤٤ ، المرصد الرابع في الإمامة ومباحثها.

٣ ـ الشافي في الامامة ٢ : ٦٧. تلخيص الشافي ٢ : ٦٥.

٢٦٣

ونحن إذ نشكر روّاد الوحدة الإسلامية ، والتقريب بين المذاهب على جهودهم المباركة في توحيد الأُمّة الإسلامية نلفت نظرهم إلى هذه المسائل المهمّة.

وفقهاء أهل البيت وكتبهم شاهدة على أنّهم يحترمون المسلمين ، ويدعون إلى حفظ دمائهم وأموالهم وحقوقهم ، وكذلك علماء أهل السنّة يقولون بهذا الرأي في كتبهم الفقهية ، ولكن يجب التصدّي لأولئك المتعصّبين الظالمين الذين يثيرون الفتن الطائفية في پاكستان وأفغانستان وفي باقي بلاد المسلمين.

٢٦٤

المحاضرة التاسعة

الحسين عليه‌السلام وتهمة شقّ عصا المسلمين

محاور المحاضرة :

أوّلا : الحسين عليه‌السلام يقرّر الخروج على السلطان الجائر.

ثانياً : بنو أُمية كانوا يسمّون المنتمين إلى حكوماتهم الجائزة بـ » الجماعة «.

ثالثاً : بداية مصطلح الجماعة.

رابعاً : عدم طاعة الخليفة لا يعتبر ردّة عن الدين.

خامساً : حجّة شقّ عصا المسلمين حجّة واهية.

سادساً : صعوبة الظروف التي مرّ بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في مواجهة قريش.

سابعاً : فقأت عين الفتنة.

ثامناً : هل يشقّ عصا الأُمّة من اختاره الله للمباهلة دون كبار الصحابة؟!

تاسعاً : كربلاء نجحت في إزالة الشرعية عن سلطات بني أُميّة.

عاشراً : الذين يفرحون لحزن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

الحسين عليه‌السلام يقرّر الخروج على السلطان الجائر

قال الإمام الحسين عليه‌السلام نقلا عن جدّه المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلا لحرم الله ، ناكثاً لعهد الله ، مخالفاً لسنّة رسول الله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ثمّ لم يغيّر بقول ولا فعل ، كان حقيقاً على الله أن يدخل مدخله » ، ثمّ قال عليه‌السلام : « وقد علمتم أنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان ، وتوّلوا عن طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود ، واستأثروا

٢٦٥

بالفيء ، وأحلّو حرام الله ، وحرّموا حلاله » (١).

ونادى رسول والي يزيد على مكة عمرو بن سعيد يحيى بن سعيد ـ الامام الحسين عليه‌السلام حينما أراد الخروج إلى كربلاء : « يا حسين ألا تتق الله؟ تخرج من الجماعة ، وتفرّق بين الاُمّة بعد اجتماع الكلمة » فردّ عليه الإمام الحسين عليه‌السلام.

« لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون » (٢).

بنو أُمية كانوا يسمّون المنتمين إلى حكوماتهم الجائرة بـ « الجماعة »

وكان التعبير بالجماعة يشير إلى السلطات الأموية الحاكمة ، وإلى الخلافة المسيطرة على أُمور المسلمين ، وكذلك عمرو بن الحجاج الذي كان أبرز معاوني عمر بن سعد ، قال وهو يستنفر جيوش الظلم الأموية ضدّ سيد الشهداء الحسين بن علي عليه‌السلام : « ألزموا طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الإمام » (٣).

فكان الأمويّون يعتقدون أنّ السلطات الحاكمة الظالمة هي التي تمثّل « الجماعة » وأنّ الخروج عليها مروق من الدين.

ومن المؤسف أنّ إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق السعدي الجوزجاني الذي كان يسكن في الشام ، وكان ورده سب ولعن علي بن أبي طالب عليه‌السلام يُعبّر عنه بأنّه صلب في السنّة « (٤) ، ولا ندري كيف يكون من كان ورده سب علي عليه‌السلام صلباً في السنّة؟! ثم أنّه رأى رأي الخوارج فأخذ ينكر على السلطان وإن لم يعتقد بوجوب الخروج عليه.

__________________

١ ـ بحار الأنوار ٤٤ : ٣٨٢ ، باب ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد.

٢ ـ البداية والنهاية ٨ : ١١٦. الآية في سورة يونس (١٠) : ٤١.

٣ ـ بحار الأنوار ٤٥ : ١٩ ، باب ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد.

٤ ـ تهذيب التهذيب ١ : ١٨١ ، الرقم ٣٣٢.

٢٦٦

فنلاحظ أنّ تعبير » سنّة الجماعة كان له جذور تمثّل الانتماء والولاء للسلطات الحاكمة والجهات التي تعادي أهل البيت عليهم‌السلام ، ومن أراد أن يراجع فليراجع كتب رجال الحديث حول ما كتبته عن هذا الرجال « إبراهيم بن يعقوب ».

بداية مصطلح « الجماعة »

أمّا مصطلح « الجماعة » فابتدىء به منذ ما سمّي بحروب الردّة في زمن الخليفة الأوّل ، صحيح أنّ الردّة كانت موجودة ، وكان يقودها مسيلمة الكذّاب وغيره ، إلاّ أنّ الواقع أنّه ليس كل من رفض حكم الخليفة الأوّل هو مرتد ، فقبائل حضر موت وكندة والبحرين لم تكن مرتدّة عن الدين ، ولم تتخلّى عن أصل من أُصول الدين أو فروعه ، إلاّ أنّها لم تعط الزكاة للخليفة الأوّل ، لا لأنّها تنكر وجوب الزكاة ، وإنّما رفضت الطاعة للخليفة الأوّل ; لأنّها لا تعتقد بأحقيّته بالخلافة ، وهذه الأُمور مذكورة في مصادر التاريخ ، ككتاب ابن أعثم (١) والمسعودي (٢) واليعقوبي (٣) وغيرها من المصادر.

ومن الأدلّة على أنّهم لم يرتدّوا أنّ جهاز الخلافة لم يقتل أسرى هذه القبائل ; لأنّهم لم يرتدّوا عن الدين ، وإنّما أبوا طاعة السلطان ، ومن المعروف أنّ حكم المرتد القتل.

عدم طاعة الخليفة لا يعتبر ردّة عن الدين

نحن نعتقد أنّ الذي لا يعتقد بأحقيّة خليفة معيّن ليس مرتدّاً ، وأنَّ هؤلاء ليسوا مرتدّين ، ولا ندري لم يحكم البعض بردّتهم ; لأنّهم رفضوا حكم الخليفة الأوّل ،

__________________

١ ـ كتاب الفتوح ١ : ١٨.

٢ ـ التنبيه والاشراف : ٢٤٧.

٣ ـ تاريخ اليعقوبي ٢ : ٨٩.

٢٦٧

ولا يعتبر من خرجوا على حكم الإمام علي عليه‌السلام في الجمل وصفين والنهروان من المرتدّين؟! ولماذا الباء هناك تجر ، وهنا لا تجر؟!

ومن المعروف أنّ أهل السنّة لا يعتقدون أنّ الخلافة من أُصول الدين. إذن لم يحكم على من لا يعتقد بحكم خليفة مّا بأنّه مرتد؟!

وكان تعبير سنّة الجماعة يطلق على السلطات الحاكمة والجهات المناوئة لأهل البيت عليهم‌السلام ، كما رأينا في مقالة عمرو بن سعيد ، وفي ترجمة إبراهيم بن يعقوب.

حجّة شقّ عصا المسلمين حجّة واهية

ومن هنا استنكر البعض خروج الحسين عليه‌السلام على حكم يزيد بن معاوية (١) ، وكانوا قد أنكروا على علي بن أبي طالب عليه‌السلام حربه مع معاوية بن أبي سفيان وأصحاب الجمل ، ولِمَ لمْ يساوم الإمام علي عليه‌السلام معاوية؟ ويبقيه في الحكم ، ويخضع لأطماع الطامعين ، ويتنازل عن مبادئة ، ولا يطبّقها بهذه الحدّة والشدّة ; لكي يوحّد الأُمة ويحفظ دماءها.

صعوبة الظروف التي مرّ بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في مواجهة قريش

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عندما بدأ حركته في مكة كان يواجه قريش ، ولم تكن قريش تعبد الأصنام ، بل هم على ملّة إبراهيم الحنيفيّة ، ومن نسل إبراهيم وإسماعيل ، وهم أهل الكعبة ، ولهم حرمة خاصّة ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يواجه معادلة صعبة في فرض الإسلام بدلا من الحنيفيّة الإبراهيميّة ، حتى أنّ بعض المسلمين كانوا يتخوّفون من مواجهة فكريّة أو مواجهة عسكريّة ، حتى قال بعضهم ، حينما سألهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن رأيهم في حرب قريش : « إنّها قريش وخيلاءها ، ما أمنت منذ

__________________

١ ـ العواصم من القواصم : ٢٣٧.

٢٦٨

كفرت ، ولا ذلّت منذ عزّت ... » (١).

وأبو سفيان كان يعتبر أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يخرّب الدين ، ويعني بهذا : الملّة الحنيفيّة.

وقد واجهت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نظم قوميّة وإقليميّة ; لأنّ مكّة كانت مهدّدة من الحبشة ، كما دلّلت على هذا سورة الفيل وقصّة أبرهة الحبشي ، وكذلك تهديدات من كسرى الفرس ، ومن الروم ، في الوقت الذي بقت فيه قريش على دين إبراهيم الحنيف ، إذن كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يواجه تهديدات قبليّة من قبل قريش ، وإقليمية من قبل دول أُخرى ، وتهديدات عسكرية ، وتهديدات دينيّة من قبل الديانات الأُخرى ، وكانت الوضعيّة الجغرافية لمكّة وضعيّة تجعلها محاطة بالأعداء الأقوياء.

أسلم بنوا أُمية تحت ضغط السيف ، ولمّا سنحت لهم الفرصة عاودوا حرب الإمام علي عليه‌السلام

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يبدأ بالحروب ، وإنّما كانت حروبه دفاعيّة ، وأنّه اعتمد لغة الحوار ، ولكن الحوار لا يعني الذوبان في الباطل ، فدافع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الإسلام ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يعتمد على سيف علي عليه‌السلام ، هذا السيف الذي جعل بني أُمية يسلمون في عام الفتح بالضغط ، وأسلم بنوا أمية في الظاهر ، ولكن بلا روح ; ولذلك حاربوا علياً بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وواجهوا سيفه ; لأنّهم لا يمتلكون الإيمان الحقيقي ، ولو كانوا مؤمنين حقاً لم يفعلوا ذلك.

الحجج التي طرحها أعداء الإمام علي عليه‌السلام

السيف الذي شيّد بناء الإسلام هو السيف الذي فرض الله عليه أن يشيّد الإيمان في حروبه الثلاثة التي خاضها في زمن خلافته عليه‌السلام. وكما أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد واجه

__________________

١ ـ بحار الأنوار ١٩ : ٢٤٧ ، تاريخ نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، باب غزوة بدر الكبرى. والقائل أبو بكر.

٢٦٩

حجج قريش باعتبارهم من أتباع دين إبراهيم الحنيف ، وأنّهم أهل حرم الله ، كذلك واجه الإمام علي عليه‌السلام حجج المخالفين له بأنّ من المخالفين له أُمّ المؤمنين ، ووجود كبار الصحابة كطلحة والزبير في الجيش المناوىء له ، أمّا الخوارج فكانت حجّتهم « لا حكم إلاّ لله » ، في حين أنّنا نعتقد أنّ التوحيد في الحاكمية لا يوجد في أيّ مدرسة من المدارس الدينية والفكرية غير مدرسة أهل البيت عليه‌السلام التي تطبّق التوحيد في الحاكمية من خلال أصل الإمامة الذي تعتقد به.

فقأت عين الفتنة

ولذلك قال الإمام علي عليه‌السلام : « إنّي فقأت عين الفتنة ، ولم يكن ليجترىء عليها » (١). فحارب الإمام علي عليه‌السلام من كانت تحمل لقب أُمّ المؤمنين ، وهذا اللقب ورد في القرآن الكريم (٢) ، وتمّ بالفعل تفضيل زوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن بشرط التقوى ، ومع سقوط هذا الشرط لا يبقى لهم التفضيل ، قال تعالى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَد مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ ) (٣).

وكانت حرب علي عليه‌السلام لبعض من يُدعى أنّه من العشرة المبشّرين بالجنّة تكشف زيف هذه الفكرة ، وتبثّ الوعي في الأُمّة ، والإمام علي عليه‌السلام الذي قاتل على التنزيل هوالذي قاتل على التأويل.

اتهام شقّ عصا المسلمين لعلي والحسين عليهما‌السلام

وكما اتُّهم الإمام علي عليه‌السلام بأنّه قد شقّ عصا المسلمين (٤) ، كذلك اتُّهم الإمام

__________________

١ ـ ميزان الحكمة ٢ : ٧٣٧ ، الحديث ٤٦٦٨.

٢ ـ الأحزاب (٣٣) : ٦.

٣ ـ الأحزاب (٣٣) : ٣٢.

٤ ـ الأمالي للطوسي : ٥٠ ، الحديث ٦٦.

٢٧٠

الحسين عليه‌السلام بهذا الاتهام (١) ، واعتبر خارجاً عن سنّة الجماعة.

هل يشقّ عصا الأُمّة من اختاره الله للمباهلة دون كبار الصحابة؟!

الإمام الحسين عليه‌السلام الذي اصطفاه الله للمباهلة (٢) ، والذي شارك في المباهلة هو شريك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في دعوته ، وليس دخيلا عليها ، وهو صغير السن اختاره الله دون باقي الصحابة من أصحاب اللحى والعمائم ، هذا الاعتبار الذي يحمله الحسين ، وهذه الشهادة الإلهيّة القرآنية التي برهنت أنّ الله اصطفى هذا الطفل الصغير من دون سائر المسلمين لمباهلة النصارى ، كما اصطفى عيسى للنبوّة وهو في المهد ; لكي ينقدح في عقليّة الأُمّة قدر هذا العملاق ، وما يستحق من التكريم والتبجيل الذي هو أحد إمامين قاما أو قعدا (٣) ، وهو الذي يحمل وسام حسين منّي وأنا من حسين (٤).

كربلاء نجحت في إزالة الشرعيّة عن سلطات بني أُميّة

وقد صدق من قال أنّ كربلاء نجحت في فصل الشرعية عن السلطات الحاكمة آنذاك ، والتي كانت تتذرّع بسنّة الجماعة من أجل اتّهام المصلحين بالمروق والخروج عن الدين ، وقد كشفت دماء الحسين الزكيّة زيف هذه الحكومات الطاغوتية المتجبّرة ، وقد احتجّ من احتجّ منهم على خروج الحسين عليه‌السلام بأنّه يسبّب الهرج والمرج ، ونحن نقول : إنّ تربّع الفساد الخلقي والإداري على رأس السلطة هوالذي يوجب الهرج والمرج ، وإنّ إزاحة هذا الفساد هوالذي يساهم في إزاحة

__________________

١ ـ بحار الأنوار ٤٤ : ٣٥٧ ، باب ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد.

٢ ـ آل عمران (٣) : ٦١.

٣ ـ ميزان الحكمة ١ : ١٥٣ ، الحديث ١١١٧.

٤ ـ ميزان الحكمة ١ : ١٥٨ ، الحديث ١١٢٧.

٢٧١

الهرج والمرج والقضاء عليه

إذن هدف الإمام الحسين عليه‌السلام هو الاصلاح في أُمّة جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد ضرب الحسين عليه‌السلام مثالا رائعاً للمعارضة للحكم ، هذه المعارضة التي تفرض مراقبتها على السلطات الحاكمة ، وتسجّل اعتراضاتها للفساد الموجود في هذه السلطة.

الذين يفرحون لحزن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

أمّا الذين يبتهجون ويفرحون في هذه الليلة ـ ليلة العاشر من المحرم الحرام ـ فهم مصداق لقوله تعالى : ( إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ) (١).

فهم يفرحون لحزن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالفاجعة الأليمة التي ألمّت به في كربلاء

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.

__________________

١ ـ آل عمران (٣) : ١٢٠.

٢٧٢

فهرس (٣)

المقدّمة...................................................................... ١٩١

عناوين المحاضرات............................................................ ١٩٣

المحاضرة الأُولى : الموقف من أحداث التاريخ وشخصيّاته.......................... ١٩٥

القرآن الكريم يحاكم الشخصيّات التاريخية ، وكذلك السنّة المطهّرة والفطرة الإنسانية والعقل البشري       ١٩٥

سنّة الرثاء في القرآن الكريم.................................................... ١٩٦

موقف القرآن الكريم من البدريين الذين كانوا مع النبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.............. ١٩٧

اللعن مفهوم قرآنى يراد منه البراءة من الظالم ومساندة المظلوم...................... ١٩٩

اتخاذ الموقف من أحداث التاريخ وشخصيّاته بناءً على مفهوم انكار المنكر........... ٢٠٠

إنكار المنكر التاريخي في القرآن الكريم.......................................... ٢٠١

ولعن الله اُمّة رضيت بذلك.................................................... ٢٠١

البراءة على صعيد العلاقات الدولية............................................. ٢٠٢

المحاضرة الثانية : إشكالات حول الشعائر الحسينية................................ ٢٠٥

إشكالات حول إحياء الشعائر الحسينية......................................... ٢٠٥

هذه الإشكالات لا تختص بالشعائر الحسينية..................................... ٢٠٧

لا يمكن فرض ثقافة على الثقافات الأُخرى وإلغاء خصوصياتها..................... ٢٠٧

خطورة طرح العولمة.......................................................... ٢٠٨

التقليد الإيجابي والتقليد السلبي.................................................. ٢٠٨

٢٧٣

هل البكاء والحزن ظاهرة سلبية وهدّامة؟........................................ ٢١٠

المحاضرة الثالثة : الحسين والخطاب العولمي والعولمة في العصور السابقة............... ٢١٣

الشعائر الحسينية في دائرة العولمة................................................ ٢١٣

الشعائر الحسينية تدعو إلى التضحية والفداء لا إلى التقهقر واليأس.................. ٢١٤

الحثّ على زيارة الحسين عليه‌السلام ، في أشدّ الظروف صعوبة......................... ٢١٤

الإمام الهادي عليه‌السلام يأمر أبا هاشم الجعفري بزيارة الحسين عليه‌السلام في عصر المتوكّل..... ٢١٥

الأنبياء يحملون أرقى نماذج العولمة.............................................. ٢١٦

نزعة البشر للتوحّد ، ونزعتهم للتفرّق.......................................... ٢١٧

الأُمم المتحدة مظهر من مظاهر الوحدة.......................................... ٢١٧

الإمام المهدي (عجّل اللّه فرجه الشريف) سيقيم حكومة عالمية..................... ٢١٨

العولمة تصبّ في عدّة مجاري................................................... ٢١٨

تطبيق العولمة في العصور السابقة................................................ ٢١٩

تعريف الأُمم المتحدة للعولمة.................................................... ٢٢٠

المحاضرة الرابعة : الوحدة الثقافية أوّلا........................................... ٢٢١

آلية تطبيق العولمة............................................................. ٢٢١

من أمثلة الوحدة في العالم الغربي................................................ ٢٢٢

الأُمم المتحدة لا تمثّل نموذجاً متكاملا للوحدة..................................... ٢٢٢

الوحدة الثقافية أوّلا ، والمجتمع الإسلامي قائم على وحدة فكرية وعقائدية........... ٢٢٢

الوحدة العسكرية والاقتصادية تزول بزوال ضغوطها.............................. ٢٢٣

مفهوم الطاعة من نافذة تراث أهل البيت عليهم‌السلام.................................. ٢٢٣

أهل البيت عليهم‌السلام في صدد بيان درجات الطاعة ، وليس التقليل من شأن الطمع

٢٧٤

والخوف..................................................................... ٢٢٤

الحب والطمع والخوف أُمور مطلوبة في الإنسان المؤمن............................ ٢٢٥

أهل البيت عليهم‌السلام في مقام فتح الأُفق أمام الإنسان المؤمن........................... ٢٢٥

لابد من وجود الاقتناع والعامل الثقافي في الطاعة والاتباع......................... ٢٢٦

الحرب العراقية الإيرانية كنموذج............................................... ٢٢٦

الغزو الثقافي وليس الحوار الثقافي............................................... ٢٢٧

دعوة لمواجهة الغزو الثقافي..................................................... ٢٢٨

المحاضرة الخامسة : الإسلام يعترف بالشعوب والقبائل ، ولكن لا يجعلها أساساً للمفاضلة ٢٢٩

الحسين عليه‌السلام وخطاب العولمة.................................................. ٢٢٩

منابع غريزة الوحدة ، ومنابع غريزة الفرقة....................................... ٢٣٠

القرآن الكريم يشير إلى نزعتين في حياة الإنسان.................................. ٢٣١

الدين الإسلامي لا يتنكّر لنزعة التفرقة عند الإنسان ، ولكن يهذّبها................ ٢٣٢

الإسلام يعترف بالوطنية والقومية ، ولكنه لا يجعلها أساساً للتفاضل................ ٢٣٢

القوميات والوطنيات آليات للمعيشة ، وليست أساساً لتقييم الإنسان............... ٢٣٣

الاعتراف بالشعوب والقبائل في القرآن الكريم ، والحكمة الإلهية في خلقها........... ٢٣٣

التعارف بين الشعوب عولمة بالمصطلح القرآني.................................... ٢٣٤

أهل الاختصاص مدعّوون لخدمة الدين من خلال اختصاصهم...................... ٢٣٥

التقوى والجوهر مناط تقييم الإنسان ، لا المظاهر والترف المادي................... ٢٣٦

لقمان الحكيم بين المظهر والجوهر.............................................. ٢٣٦

المحاضرة السادسة : نتائج اهتمام المجتمع بقيمه ، ونتائج إهمالها...................... ٢٣٩

الأفعال التي تتفشّى من خلالها القيم الاجتماعية................................... ٢٤٠

٢٧٥

إذا استهزء المجتمع بقيمة ما ، فإنّه يتخلّص منها ويبعدها........................... ٢٤١

لا يمكن أن نطمئن إلى الفطرة الجماعية والعقل الجماعي إذا كانا ملوّثين............. ٢٤٢

من أبعاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...................................... ٢٤٣

المجتمع مسؤول عن الحفاظ على قيم المعروف.................................... ٢٤٣

القرآن الكريم يأمر بالإصلاح المبني على العدل................................... ٢٤٤

العولمة في مرحلة التطبيق الإسلامي.............................................. ٢٤٤

العولمة الإسلامية قائمة على الحوار والاقتناع الفكري............................. ٢٤٥

أخلاق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسياسته ومبادئه عامل أساسي في العولمة الإسلامية.............. ٢٤٥

الإمام الحسين عليه‌السلام يحيي دين النبي ويعيد مبادءه.................................. ٢٤٧

المحاضرة السابعة : الحوار الحقيقي يوازن بين نقاط الاختلاف ونقاط الاتفاق......... ٢٤٩

يجب أن تكون نقاط الاتفاق حقيقية وواقعية لا مختلقة ولا مصطنعة................. ٢٥٠

يجب أن يعالج الحوار أسباب الفتنة.............................................. ٢٥٠

يجب أن يشمل الحوار جميع الطوائف........................................... ٢٥١

جهات الاتفاق بين المجتمعات الإنسانية.......................................... ٢٥٢

الدين واحد بين جميع الأنبياء................................................... ٢٥٢

أُصول الدين وأركان فروع الدين وأُصول المحرّمات ثابتة في كل الشرائع............ ٢٥٣

بعض الآيات التي تدل على أنَّ كل الأنبياء مسلمون.............................. ٢٥٤

جميع الأنبياء أنصار النبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله..................................... ٢٥٥

المحاضرة الثامنة : الحفاظ على الوحدة الإسلامية مع وجود الخلاف في الأُصول والفروع ٢٥٧

آراء في الخلاف بين المذاهب الإسلامية.......................................... ٢٥٧

الخلاف بين المذاهب واقع في العقائد ، كما هو واقع في الفقه...................... ٢٥٨

٢٧٦

ضرورة التفريق بين الإسلام والإيمان............................................ ٢٥٩

المنافقون يعتبرون من المسلمين ; لأنّهم يظهرون الإسلام........................... ٢٥٩

أُصول الدين في مرتبة الإيمان تختلف عن أُصول الدين في مرتبة الإسلام.............. ٢٦٠

أُصول الدين تتضمّن مفهوم التوحيد............................................ ٢٦١

الإيمان النظري والإيمان العملي في سورة الحمد................................... ٢٦١

حديث الفرقة الناجية......................................................... ٢٦٢

المحاضرة التاسعة : الحسين عليه‌السلام وتهمة شقّ عصا المسلمين......................... ٢٦٥

الحسين عليه‌السلام يقرّر الخروج على السلطان الجائر.................................. ٢٦٥

بنو أُمية كانوا يسمّون المنتمين إلى حكوماتهم الجائرة بـ « الجماعة ».............. ٢٦٦

بداية مصطلح « الجماعة ».................................................... ٢٦٧

عدم طاعة الخليفة لا يعتبر ردّة عن الدين........................................ ٢٦٧

حجّة شقّ عصا المسلمين حجّة واهية............................................ ٢٦٨

صعوبة الظروف التي مرّ بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في مواجهة قريش.......................... ٢٦٨

الحجج التي طرحها أعداء الإمام علي عليه‌السلام...................................... ٢٦٩

فقأت عين الفتنة............................................................. ٢٧٠

كربلاء نجحت في إزالة الشرعيّة عن سلطات بني أُميّة............................. ٢٧١

الفهرس..................................................................... ٢٧٣

٢٧٧

٢٧٨

(٤)

العدالة الاجتماعية

٢٧٩
٢٨٠