بحوث معاصرة في الساحة الدوليّة

الشيخ محمّد سند

بحوث معاصرة في الساحة الدوليّة

المؤلف:

الشيخ محمّد سند


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٧

المحاضرة الرابعة

الوحدة الثقافية أوّلا

محاور المحاضرة :

أوّلا : آلية تطبيق العولمة.

ثانياً : من أمثلة الوحدة في العالم الغربي.

ثالثاً : الأُمم المتحدة لا تمثّل نموذجاً متكاملا للوحدة.

رابعاً : الوحدة الثقافية أوّلا ، والمجتمع الإسلامي قائم على الوحدة الفكرية.

خامساً : الوحدة العسكرية والإقتصادية تزول بزوال ضغوطها

سادساً : مفهوم الطاعة من نافذة تراث أهل البيت عليهم‌السلام.

سابعاً : أهل البيت عليهم‌السلام في مقام فتح أفق الطاعة والعبادة أمام الإنسان المؤمن.

ثامناً : لابد من العامل الثقافي والاقتناع الفكري في الطاعة والاتباع.

تاسعاً : نمتلك الفكر القوي ونفتقر إلى الإعلام.

عاشراً : الغزو الثقافي وليس الحوار الثقافي.

آلية تطبيق العولمة

تعريف الأُمم المتحدة للعولمة هو : « مزج الاقتصاد والسياسة ونظم الاجتماع والثقافة والسلوك » ، والآلية التي تؤدّي إلى هذه العولمة هي : « إلغاء الحدود وتفكيك الحلقات الوطنية » ، والمقصود بالحلقات : الحلقة الأمنية والحلقة الثقافية والحلقة السياسية والحلقة الاقتصادية.

٢٢١

إذن العولمة تزيل الحدود وتذيب السياج القائم بين القوميات والأُمم الختلفة.

من أمثلة الوحدة في العالم الغربي

يمكن دراسة العولمة على صعيد النظرية أو على صعيد التطبيق ، وقد ضرب المفكّرون مثالا في الجانب الغربي أو غير الإسلامي على الاتحاد الفيدرالي القائم في الولايات المتحدة الذي يضمّ ما يقارب من خمسين ولاية قائم على وحدة سياسية وأمنية ، أمّا الإتحاد الأوروبي فهو يشكّل وحدة قائمة على الوحدة الاقتصادية وإن كان البعض يرى أنّ الوحدة القائمة في أوروبا ليست قائمة على أساس اقتصادي ، وإنّما على أساس ديني مسيحي ، ولذلك رفض الاتحاد انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي باعتبار أنّها بلد مسلم.

الأُمم المتحدة لا تشكّل نموذجاً متكاملا للوحدة

المهم أنّ البعض من منظّري العولمة يرى أنّه يمكن تأسيس وحدة على أساس أمني أو اقتصادي ، والأُمم المتحدة تشكّل بذرة في تكوين الوحدة في النظام السياسي والأمني ، ولذلك حاول البعض إقامة نظام عالمي موحّد باعتبار أنّ الأُمم المتحدة لا تمثّل نظاماً عالمياً موحّداً.

الوحدة الثقافية أوّلا ، والمجتمع الإسلامي قائم على وحدة فكرية وعقائدية

والبعض قال : بالوحدة الاقتصادية ، وتمثّل منظّمة « الجات » الاقتصادية نموذجاً لهذه الوحدة ، والبعض يرى : أنّ الوحدة المنشودة هي الوحدة الثقافية ، ولا يمكن لغير هذه الوحدة أن تتحقق إلاّ إذا تحققت الوحدة الثقافية ، وذلك لأنّ التوحّد يحتاج إلى قانون ، والقانون يندرج تحت مظلّة الثقافية.

وتتكوّن السلطات في الدولة الحديثة : من السلطة القضائية والسلطة التشريعية

٢٢٢

والسلطة التنفيذية ، والقانون ملف ثقافي ، وليس ملفّاً إقتصادياً ولا سياسياً ، والفكر هوالذي يتحكّم في شؤون الإنسان ، وفي غرائزه وميوله ، وهذا ما ينطبق على المجتمع حيث يستطيع الفكر أن يوحّد المجتمع ، ولذلك يرى المفكّرون أنّ الوحدة الموجودة عند المجتمع الإسلامي رغم كل المعوّقات والمصاعب ، ورغم التمزّق السياسي والأمني والاقتصادي ، تعتبر وحدة قويّة جدّاً تستطيع أن تجمع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ; لأنّها قائمة على أساس فكري.

إذن فلسفة القانون وعلم النفس وعلم الاجتماع والبحث العقلي الفلسفي يؤكّد أنّ الوحدة الثقافية ـ بالمعنى الشامل للثقافة الذي يضمّ العقائد والأخلاق والآداب والقانون ـ لابدّ أن تؤثّر على الجانب السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي باعتبار أنّ كل هذه الجوانب تتأثّر بالثقافة ، لا سيما بالجانب القانوني من الثقافة.

الوحدة العسكرية والاقتصادية تزول بزوال ضغوطها

لا يمكن أن تتحقق هذه الأُمور إلاّ بالجانب الثقافي ، وإذا تحققت بالقوّة والضغط فإنّها سرعان ما تتبدّل وتزول ، ولذلك حتى الإرهاب العسكري قد يستطيع أن يقهر الجانب الضعيف ، ولكن الأمر لا يبقى ، بل يزول بمجرد زوال القوّة العسكرية ، وهذا ما نراه متمثلا في الشروط التي يمليها صندوق النقد الدولي ، ونرى أنّ الدول تستجيب إلى هذه الضغوط طمعاً في المال أو خوفاً من الأزمات المالية ، ولكن هذه الأُمور لا تتحرّك في دائرة قناعة تلك الدولة بتلك الشروط التي أملاها صندوق النقد الدولي.

مفهوم الطاعة من نافذة تراث أهل البيت عليهم‌السلام

وفي تراث أهل البيت عليهم‌السلام نرى أنّ الطاعة قد تكون ناتجة عن الحب أو عن الطمع أو عن الخوف ، والطاعة التي تُبنى على الحب والاقتناع هي الطاعة المثالية

٢٢٣

والعليا ، أمّا الطاعة التي تنتج عن الطمع فهي غير مضمونة شأنها شأن الطاعة المبنيّة على الخوف.

ويمكن تطبيق هذا الحديث على تعامل العبد مع باقي الناس ، مع أنّه يتكلّم عن طاعة العبد لربه ، حيث يقول الإمام علي عليه‌السلام : « ما عبدتك خوفاً من نارك ، ولا طمعاً في جنّتك ، ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك » ، وعبارة وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك تدلّل على الحب والاقتناع المبني على الفكر والعلم والوجدان.

وهذا ما نراه في دعاء كميل « فهبني يا الهي وسيّدي ومولاي وربّي ، صبرت على عذابك ، فكيف أصبر على فراقك ، وهبني صبرت على حرّ نارك ، فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك ، أم كيف أسكن في النار ورجائي عفوك » ، الخوف من انقطاع العلاقة مع الله أشدّ عندهم عليهم‌السلام من نار جهنّم. وعندما خرج الإمام زين العابدين عليه‌السلام في ليلة باردة ، « .. فقال له : جعلت فداك في مثل هذه الساعة على هذه الهيئة إلى أين؟ قال : فقال : إلى مسجد جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخطب الحور العين إلى الله عزّ وجلّ » (١) ، وكان يعني بذلك : التهجّد وطاعة الله.

أهل البيت في صدد بيان درجات الطاعة ، وليس التقليل من شأن الطمع والخوف

أهل البيت عليهم‌السلام ليسوا في صدد نكران الطاعة المبنيّة على الخوف من الله أو التقليل من شأن الاشتياق إلى الجنّة ، ولكن في صدد بيان درجات الطاعة ، وأنّ جميع هذه الأنواع من العبادات هي عبادات منجيه ، وأنّه لابد للنفس البشرية أن تحفز بجاذبية الجنّة ونور انيتها ولطافتها الأثيرية المتلألئة وبهجتها وبهائها وسنائها ونعيمها ، كما لا بد من الخوف من النار وعقاربها وزفيرها وشهيقها.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة ٥ : ٢٢٨ ، للحديث ٦٤٠٧.

٢٢٤

الحب والطمع والخوف أُمور مطلوبة في الإنسان المؤمن

إذن جهة الحب وجهة الخوف وجهة الطمع كل هذه الجهات مطلوبة في الإنسان وإن كان بينها تفاوت ، وبيان ذلك : أنّ الإنسان له ثلاثة أبعاد فالفكر يسبح في عالم المعاني ، ولا يناسبه جمال البدن ، كما لا يناسبه لسع النار ، فلابد أن يكون الداعي للفكر في عبادته هو الحب الإلهي وجماله ، وهناك البعد السبعي الغضبي في الإنسان ، وهذا لا يناسبه إلاّ التخويف من النار لكي نستطيع ترويض هذا الجانب ، وهناك غريزة حب التملك وجانب الشهوة الموجود عند الإنسان والتي يناسبها التشويق بالجنّة.

أهل البيت عليهم‌السلام لا يريدوننا أن نقتصر على الخوف ونترك الحب والطمع

وتعبير أهل البيت عليهم‌السلام عن الذين يعبدون الله خوفاً بأنّها عبادة العبيد ، إنّما يريدون بها أنّه إذا اقتصر الإنسان في عبادته لله على دافع الخوف وترك جانب الطمع والحب ، فإنّ هذه هي أدنى مرتبة من مراتب العبادة لله

إذن فأهل البيت عليهم‌السلام ليسوا في مقام ذمّ العبادة خوفاً من النار ، ولذلك نرى الكثير من النصوص الشرعية ، من آيات القرآن الكريم (١) وادعية لأهل البيت عليهم‌السلام (٢) تحتوي على كلمات مؤثّرة في التخويف من النار.

أهل البيت عليهم‌السلام في مقام فتح الأُفق أمام الإنسان المؤمن

وإنّما أهل البيت عليهم‌السلام في مقام فتح الأُفق أمام الإنسان لكي يطّلع على أنواع العبادة الراقية ، ويطبّقها جميعاً في حياته ، وما قلناه في عبادة العبيد خوفاً من النار ينطبق على عبادة التجار والطمع في الجنّة والأعلى منهما وهو ذلك الذي يشتاق

__________________

١ ـ البقرة (٢) : ٢٤ : آل عمران (٣) : ١٣١. وغيرهما كثير.

٢ ـ كدعاء كميل ، وغيره كثير.

٢٢٥

إلى الجنة ويخاف من النار ويتمتع بالحب الإلهي الذي يمثّل عبادة الأحرار ، فتتكامل عبادته في جوانبها الثلاثة.

لابد من وجود الاقتناع والعامل الثقافي في الطاعة والاتباع

النظام العالمي الموحّد لا يستطيع أن يفرض نفسه بالقوّة العسكرية والأساطيل والجيوش ، ولا يستطيع أن يفرض نفسه عن طريق الضغط بالقوّة الاقتصادية وبشروط بنك النقد الدولي ; لأنّ الطرف المقابل سيتمرّد بمجرد انتهاء هذه القوّة ، ولأنّه لا ينطلق من قناعات.

الحرب العراقية الإيرانية كنموذج

وكشاهد على ما نقول : فإنّ الرئيس الأمريكي ، ولعلّه بوش الأب ، قال : عندما انتهت الحرب البعثية ضدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، والتي دامت ثمان سنوات ، قال حينها : « لقد أخطأنا في حربنا ; لأنّه بالعمل العسكري زاد عدوّنا قوّة ، وأنفقنا الكثير واستهلكت طاقاتنا ، ولم نصل إلى النتائج المرجوّة » ، وكان يطرح في خطابه السنوي بديلا عن الحرب ، فقال : « سوف ندخل لهم عن طريق الثقافة ، وتغيير الفكر الثقافي ، وهي وسيلة أقل تكلفّة ، وهي أسلم وأنجع وأنفع وأجدى وأكثر تأثيراً ».

وهذا ما يؤكّد أنّ الثقافة هي المقدّمة على الجوانب العسكرية والأمنية والاقتصادية والمالية.

نمتلك الفكر ونفتقد الإعلام ، أمّا هم فيمتلكون الإعلام ويفتقدون الفكر القوي

ومن هنا نحن نؤكّد على الإعلام الذي هو أداة فتّاكة نفتقدها ويتمتّع بها عدوّنا ، وأهم وسيلة آليّة في العولمة وهو آليّة تطبيقية تنجز الوحدة الثقافية ، والسلام

٢٢٦

الثقافي هو الإعلام.

المفكّرون الغربيّون رغم أنّهم يمتلكون آلة إعلامية فتّاكة إلاّ أنّ فكرهم معرّض للاختراق ، ولا يستطيع الصمود أمام الفكر الإسلامي ، وفي المقابل فإنّ الفكر الإسلامي رغم أنّه يفتقد الوسائل الإعلامية المناسبة لوسائل العدو إلاّ أنّه يتمتّع بقوّة وقدرة على معالجة المشاكل الاجتماعية والثقافية والفكرية والاقتصادية وفي شتّى الجوانب والمجالات.

الغزو الثقافي وليس الحوار الثقافي

وفي الجانب التطبيقي لا يوجد حوار بين الأُمم وأمّا في الجانب الثقافي الموجود هو الغزو الثقافي ، والإمام الحسين عليه‌السلام حينما حاول فتح حوار مع أعدائه إلاّ أنّ أعداءه كانوا يغلقون هذا الباب ويفتحون باب الحرب والسهام والسيوف ; لأنّهم يعرفون أنّهم لن يصمدوا أمام حوار الحسين عليه‌السلام ، وكما قال الشاعر في هذا الموقف :

لم أنسه إذ قام فيهم خاطبا

فإذا هم لايملكون خطابا

يدعو ألست أنا ابن بنت نبيكم

وملاذكم إن صرف الدهر نابا

هل جئتُ في دين النبي ببدعة

أم كنت في أحكامهِ مرتاباً

أم لم يوص بنا النبي وأودع الثـ

قلين فيكم عترة وكتابا

إن لم تدينوا بالمعاد فراجعوا

أحسابكم إن كنتم أعراباً

فغدوا حيارى لا يرونَ لوعظهِ

إلاّ الأسنّة والسهام جواباً (١)

وهذا هو دين الأئمة عليهم‌السلام ، فالإمام علي عليه‌السلام في صفين وفي باقي حروبه لم يبدأ بالحرب ، بل بدأ الحرب الطرف المعادي له عليه‌السلام ، وكان يقول عليه‌السلام : « أنا أكره قتالكم

__________________

١ ـ أعيان الشيعة ٧ : ٢٦ ، والشاعر هو السيد رضا الهندي.

٢٢٧

قبل الإعذار إليكم » (١) ، وكانت جميع الحروب في زمانه عليه‌السلام حروب مفروضة عليه ; لأنّ الطرف المعادي لا يمتلك قوّة الحوار والاقناع العلمي.

إذن ما يوجد الآن ليس حوار ; لأنّ الحوار يعتمد على أن تطرح رأيك ويطرح غيرك رأيه بالتساوي والتوازي ، لا أن يفرض الطرف الآخر رأيه عليك باعتبار أنّه الطرف القوي وأنت الطرف الضعيف ، وهذا يسمّى الغزو الثقافي باعتبار أنّ الأسلاميين لا يمتلكون الآليات الإعلامية الكافية لبيان آرائهم.

وهناك اعتراض على طرح العولمة الذي يسمح لأمريكا أن تفرض آراءها على الآخرين حتى من قبل الدول الأوروبية التي تخشى الغزو الثقافي الأمريكي ، وذلك لعدم وجود قناعات وآليات متساوية بين الأطراف.

وتفتقد هذه العولمة العدالة والمساواة بين الأطراف

دعوة لمواجهة الغزو الثقافي المتمثّل في الجنون الجنسي

ومن المعروف أنّ اليهود يمتلكون الكثير من النفوذ في أمريكا ، ولهم يد في قضية العولمة ، ولهم أهداف ومآرب.

ومن آثار هذه العولمة هو نشر جنون الجنس وجنون الإثارة والهستيريا الجنسية وليس الجنس فقط ، وإنّ الآباء والأمهات والإخوان والأخوات مدعّوون لمواجهة هذه الهجمة الشرسة في ظلّ غياب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

__________________

١ ـ جواهر التاريخ ١ : ٢٨٧.

٢٢٨

المحاضرة الخامسة

الإسلام يعترف بالشعوب والقبائل

ولكن لا يجعلها أساساً للمفاضلة

محاور المحاضرة :

أوّلا : الإمام الحسين عليه‌السلام وخطاب العولمة.

ثانياً : منابع غريزة الوحدة ، ومنابع غريزة الفرقة.

ثالثاً : القران الكريم يشير إلى نزعتين في حياة الإنسان.

رابعاً : الدين الإسلامى لا يتنكّر لنزعة التفرقة عند الإنسان ، ولكن يهذّبها.

خامساً : الإسلام يعترف بالوطنية والقومية ، ولكنه لا يجعلها أساساً للتفاضل.

سادساً : الاعتراف بالشعوب والقبائل في القرآن الكريم ، والحكمة الإلهية في خلقها.

سابعاً : التعارف بين الشعوب عولمة بالمصطلح القرآني.

ثامناً : أهل الاختصاص مدعوّون لخدمة الدين من خلال اختصاصهم.

تاسعاً : التقوى والجوهر مناط تقييم الإنسان ، لا المظاهر والترف المادي.

عاشراً : لقمان الحكيم بين المظهر والجوهر.

الحسين عليه‌السلام وخطاب العولمة

من ضمن خطابات سيد الشهداء عليه‌السلام ، والتي سندرسها في ظلّ خطاب العولمة هي : « ... فلعمري ما الإمام إلاّ الحاكم بالكتاب ، والقائم بالقسط ، والدّائن بدين

٢٢٩

الحقّ الحابس نفسه على ذات الله ... » (١) ، والإمام هو تعبير عن رئاسة البشرية المُنصّبة من قبل الله تعالى.

وقال عليه‌السلام : « .. وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيه ، فإنّ السنة قد أميتت ، وإنّ البدعة قد أحييت » (٢).

وقال عليه‌السلام : « إنّا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وبنا فتح الله ، وبنا ختم الله ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر ، قاتل النفس المحرّمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله ... » (٣).

فالإمام الحسين عليه‌السلام يؤسس محاور في النظام الاجتماعي السياسي للمسلمين وللبشرية ، حيث يقوم هذا النظام على كتاب الله وسنّة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والعدل والقسط ، وهو متمسّك بهذه المبادىء في صراعه مع بني أُميّة.

منابع غريزة الوحدة ، ومنابع غريزة الفرقة

من منابع غريزة التفرقة عند الإنسان القوّة الغضبية والقوّة الشهوية وحبّ التملّك والانتماء إلى العائلة والقبيلة والقوميّات والأعراق ، وهذا الانتماء يحثّ الإنسان على التفرقة ، والنظر بعين مختلفة إلى الآخر ، وأمّا منابع غريزة الوحدة والتوحّد مع الآخرين عند الإنسان ، فهي روح الإنسان فلا يمكن تمييز روح عن روح ، فلا يمكن وصف الروح بأنّها في ذاتها روح عربية أو أعجمية ، أو سوداء أو بيضاء ، أو شرقية أو غربية ، أو شمالية أو جنوبية ، أو روح أفريقية أو آسيوية ، وهذه الوحدة الروحية تشمل الذكر والأُنثى فكلها روح انسان.

__________________

١ ـ الإرشاد ٢ : ٣٩.

٢ ـ البداية والنهاية ٨ : ١١٠ ، قصة الحسين بن علي وسبب خروجه من مكة في طلب الإمامة.

٣ ـ بحار الأنوار ٤٤ : ٣٢٥ ، باب ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية.

٢٣٠

إذن التفرقة من الأرض ، ومن الطين ، ومن الجغرافيا ، ومن الإنسان نفسه الذي يكبّل نفسه بأنواع من القيود والتفرقات ، والنزوع نحو التوحّد والوحدة كامن في أصل خلق الروح الواحدة التي خلقها الله تعالى.

القرآن الكريم يشير إلى نزعتين في حياة الإنسان

قال تعالى : ( فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْض عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الاَْرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين ) (١).

وقال تعالى : ( قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَاىَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٢).

فالقرآن الكريم يشير إلى أنّ الإنسان يحمل نزعتين : النزعة الأُولى تتمثّل في نزعة العداوة المصاحبة للهبوط إلى الأرض ، وقال المفسّرون : إنّ العداوة مترتبة على التعب والنصب والكدح التي تحتاج إليها الحياة الدنيا ، فيحتاج الإنسان إلى القوّة الغضبية لكي يحمي نفسه ، ويحتاج إلى القوّة الشهوية لكي يأكل ويشرب وينكح ويتكاثر.

وهذه القوّة عندما تُنظَّم تخدم الإنسان ، ولكن عندما تتفلت تسبّب الكوارث والحروب والاعتداءات وانتهاك الأعراض وسفك الدماء والفساد في الأرض وغصب الأموال ونشر الظلم.

وتشير الآية إلى أنّ هدى الله هو الضمان وصمّام الأمان للإنسان ، لكي يحافظ على السلام والحب والعدل وخدمة البشر ، والاستقرار النفسي والروحي والسيطرة على الغرائز والشهوات وتشير إلى وجود هذه النزعة التابعة لهداية

__________________

١ ـ البقرة (٢) : ٣٦.

٢ ـ البقرة (٢) : ٣٨.

٢٣١

السماء ، وقد يعبّر عنها في سائر الآيات بالفطرة وإلهام التقوى والنفس المطمئنة واللّوامة ونحو ذلك.

الدين الإسلامي لا يتنكّر لنزعة التفرقة عند الإنسان ، ولكن يهذّبها

الدين الإسلامي لا يتنكّر لنزعات التفرقة ، ولا يدعو إلى هدمها ، ويعتبرها من حكمة الله ، ولكنه يحذّر من الإفراط فيها أو التمادي فيها الذي يسبّب الحروب والكوارث والظلم ، قال تعالى ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الاَْرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) (١).

الإسلام يعترف بالوطنية والقومية ، ولكنه لا يجعلها أساساً للتفاضل

وهل يعترف الإسلام بالقومية والوطنية والعنصرية والهوية أم أنّه ينفيها تماماً؟

القرآن الكريم لا يتنكّر ولا ينفي ولا يدعو إلى إزالة الهويّات ، والانتماء إلى الوطن أو العرق أو القوم.

ونحن نعتقد بخطأ رأي من قال من الكتّاب الإسلاميين : إنّ الإسلام لا يعترف بالمواطنة أصلا والقومية والهوية التي يتّصف بها الإنسان

هناك إفراط وتفريط في هذه المسألة عند البعض ، أمّا آيات سورة البقرة فتوازن بين الإفراط والتفريط في هذه المسألة.

الإسلام يعترف بالمواطنة والهوية القومية والعرقية ، ولكنه يوازنها بجانب الوحدة المتمثّل في الجانب الروحي الذي يتحرّك في أجواء الهداية التي تطرحها الآيات المذكورة ، والتقوى التي هي أساس التفاضل.

__________________

١ ـ البقرة (٢) : ٣٠.

٢٣٢

القوميات والوطنيات آليات للمعيشة ، وليست أساساً لتقييم الإنسان

القوميات والوطنيات والعنصريات والأعراق المختلفة هي آليات للمعيشة وليست أُسساً للتقييم ، فلا يمكن تقييم الإنسان وتفضيلة بموطنه أو قوميته أو عنصره أو عرقه.

الاعتراف بالشعوب والقبائل في القرآن الكريم ، والحكمة الإلهية في خلقها

قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (١).

وفي الآية عدّة ملاحظات ، الملاحظة الأُولى هي : أنّها خاطبت الناس جميعاً ، والملاحظة الثانية هي : » أنّها ساوت بين جميع البشر من خلال رجوعهم جميعاً إلى آدم وحواء ، فالمصدر واحد ، ولا تفاضل بين هذا وذاك ، والملاحظة الثالثة : أنّ الآية قالت : ( شعوباً ) جمع شعب ، إذن الآية تعترف بتعدد الشعوب ، و ( قبائل ) ، وتعترف بتعدد القبائل وتعدد الأوطان وتعدد الأنساب ، قال تعالى : ( ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ ) (٢).

وبعد أن اعترفت الآية بكل هذه النزعات التي تميّز البشر ذكرت : أنّ الحكمة من خلق الإنسان في مجموعات تمثّلها الشعوب والقبائل ، ( لِتَعَارَفُوا ) ، قال المفسّرون لكي يعرف كل منّا صاحبه ، فلو كان كل البشر بنفس اللون ونفس القالب ونفس الشكل فسيستحيل النظام الاجتماعي ، ويزول الأمن البشري ، ولا تعرف حينها مع من تعاملت ، وإلى من أحسنت ، وإلى من أسَأت ، ومن تزوجت ، وممن

__________________

١ ـ الحجرات (٤٩) : ١٣.

٢ ـ الأحزاب (٣٣) : ٥.

٢٣٣

اشتريت ، وممن بعت ... (١).

التعارف بين الشعوب عولمة بالمصطلح القرآني

وهناك رأي آخر ذكره المفسّرون ، أي : يتبادل بعضكم بعضاً الخبرات والتجارب ، وهذه هي العولمة ، والقرآن الكريم بحث موضوع العولمة المبنيّة على الحوار وتبادل الاستفادة.

والكثير من الشباب الجامعيين والمثقفين يسمعون بأبحاث جديدة ، ويدّعون أنّ الدين لم يعالج هذه المشكلة ـ نظراً لعدم اطلاعهم الكافي ـ فيصيبهم الإحباط والتراجع عن الفكر الديني ، والانبهار بالغرب ، وما يطرحه من أفكار.

ولكن من المهم أن نعرف المرادفة اللغوية بين اللغة العصرية وبين لغة الدين ولغة القرآن ، ومن المهم البحث عن المصطلحات المترادفة التي تعبّر عن معنى واحد.

هناك جوانب ثابتة وجوانب متغيّرة في الإنسان ، فالبيئة والوطن والعرق جوانب متغيّرة ، أمّا جانب الروح وكمالات الروح والأُمور التي تُصلح الروح وتُفسدها والقيم الأخلاقية فهذه أُمور ثابتة وليست متغيّرة.

غريزة الأكل والشرب والغضب والشهوة والعقل كل هذه الأُمور ثابتة في كل زمان ومكان.

نعم ، قد تتغيّر البيئات ، ولكن المعاني هي هي لم تتغيّر ، وهناك معالجات عديدة يطرحها القرآن الكريم بلغته وبمصطلحاته.

وقد ذكرنا على سبيل المثال : مصطلح اللعن ومرادفاته الحديثة المتمثّلة في

__________________

١ ـ الميزان ١٨ : ٣٢٦.

٢٣٤

الشجب والاستنكار والرفض والبراءة من الطرف الظالم (١).

وهذه البحوث تعالجها البحوث المقارنة التي تقارن الفكر « أ » بالفكر « ب ».

أهل الاختصاص مدعّوون لخدمة الدين من خلال اختصاصهم

ونحن نوجّه عتبنا على النخب المتخصّصة ; لأنّ بإمكانهم المساهمة في خدمة الدين من خلال تخصّصاتهم المختلفة ، فالأطباء مدعوّون لبحث الطب الديني ، والباحث في علم النفس مدعو إلى الاطلاع على التراث الديني وأحاديث أهل البيت عليهم‌السلام في معالجة المشاكل النفسية ، والاقتصاديون مدعوّون إلى الإطلاع على توصيات الدين في الجانب الاقتصادي ، ويستطيعون خدمة الفقهاء في مجال تخصّصهم ، وهكذا بالنسبة للسياسيين والإداريين أيضاً مدعوّون أيضاً لدراسة عهد الإمام علي عليه‌السلام لمالك الأشتر ، ونلاحظ أنّ كوفي عنان الأمين العام للامم المتحدة ، ذلك المسيحي الذي لا صلة له بعلي عليه‌السلام لا في اللغة ولا في القوم ولا في الدين ، مع ذلك طالب بأن تكون قولة الإمام على عليه‌السلام لمالك الأشتر ، فإنّهم صنفان : « إمّا أخٌ لك في الدين ، أو نظير لك في الخالق » (٢) هذه المقولة ينبغي أن تكون شعاراً لجميع المنظّمات الحقوقية في العالم ، وطالب أن تصوّت دول العالم على أن يكون عهد علي عليه‌السلام لمالك الأشتر مصدراً من مصادر الأُمم المتحدة ، وفعلا صوّتوا على ذلك ، فأين نحن من هذا التراث ، وماذا قدّمنا له؟ وقد سمعت أنّ الأُمم المتحدة تعتمد على تراث الإمام علي عليه‌السلام في بعض تشريعاتها ، ونحن مطالبون بإقامة مؤتمر أو حفل تكريم لهذا الرجل الذي كرّم تراث علي عليه‌السلام.

__________________

١ ـ راجع المحاضرة الأُولى ، تحت عنوان : اللعن مفهوم قرآني يراد منه البراءة من الظالم ومساندة المظلوم.

٢ ـ ميزان الحكمة ٥ : ٢٠١٣ ، الحديث ١٣١٩٨.

٢٣٥

نحن نرجو أن نحقق أعلى مراتب العلم ، والوصول إلى النجومية العلمية في كلّ المجالات ، لكي نرسم صورة مشرفة لديننا ومذهبنا ووطننا.

التقوى والجوهر مناط تقييم الإنسان ، لا المظاهر والترف المادي

إذن قيمة الإنسان في تقواه ، كما أشارت الآية الكريمة من سورة الحجرات ، والقرآن الكريم يهذّب وجود التعدد ، ويطالب بعلومة الهداية والتقوى ، واعتبارها أساساً للتفاضل.

والقرآن يطلق كلمة القرى على المدن التي لا تتمتع بالعناية الروحية ، ويطلق كلمة المدينة على القرية التي تعتني بالروح وتهذّب النفس ; لأنّ القرآن الكريم ينظر إلى المدنيّة الروحية ويعطيها الجانب المتقدّم على المدنيّة المادية.

وحضارة البدن والصناعة مطلوبة ، ولكنها لا تستطيع أن تسمو بالإنسان إلى الدرجات العالية والقرب من الله ، والتخلّف قد يكون تخلّفاً روحياً ، وقد يكون تخلّفاً مادياً ، وهناك عدّة شواهد على أنّ الحضارة الغربية رغم ما توصلت إليه من مستوىً راق في المستوى الروحي إلاّ أنّها تعيش في صحراء روحية قاتلة.

لقمان الحكيم بين المظهر والجوهر

لقمان الحكيم كان حبشياً أسوداً ، وكان من أقبح الناس وجهاً ، ومع ذلك خيره الله بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة ، وكان يأنس النبي داود عليه‌السلام به ، مع أنّ النبي داود كان بهيّ المظهر ، وله السؤدد على بني إسرائيل والملك العظيم ، كان يأنس بلقمان ويجالسه ويستمع الحكمة منه.

إذن فالمظهر ليس كل شيء ، بل هو لا يمثّل شيء إذا لم يستند إلى الجمال الروحي ، ولذلك فالآيات السابقة على الآية التي ذكرناها في سورة الحجرات قالت : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْم عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ

٢٣٦

نِسَاء عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالاَْلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الاِْيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ) (١).

النهي هنا عن الاستهزاء ، وذلك لأنّ المظهر قد يكون مظهراً بسيطاً ، والجوهر يكون جوهراً عظيماً ، ولذلك نهت الروايات عن الاستهزاء بشخص ما ، فقد يكون هذا الشخص عبداً مقرّباً من الله فيغضب الله له (٢).

القرآن الكريم يشير إلى نظرية بالغة الأهمية في الحضارة والثقافة ، ونحن نعيش تحدّياتها ، وهي : أنّ الأُمم أو الأقوام أو الدول تعيش بينها التحقير والاستنقاص والسخرية والاستهزاء والتوهين والإهانة والتناكر والتهكّم والتنفّر والتقبيح والطعن والتذمّر والنبز والغمز واللمز ، وفي مقابلة التحسين والمعاضدة والتعارف والاحترام والتجميل والاستصلاح والانجذاب والتوقير والتبجيل والميل.

__________________

١ ـ الحجرات (٤٩) : ١١.

٢ ـ وسائل الشيعة ١ : ١١٦ ، الحديث ٢٩١.

٢٣٧
٢٣٨

المحاضرة السادسة

نتائج اهتمام المجتمع بقيمه ، ونتائج إهمالها

محاور المحاضرة :

أوّلا : الأفعال التي تتفشّى من خلالها القيم الاجتماعية.

ثانياً : إذا استهزء المجتمع بقيمة مّا ، فإنّه يتخلّص منها ويبعدها.

ثالثاً : عدم العمل بالحق ، وعدم التناهي عن الباطل هو سبب ثورة الحسين عليه‌السلام.

رابعاً : لا يمكن أن نطمئن إلى الفطرة الجماعية والعقل الجماعي إذا كانا ملوّثين.

خامساً : من أبعاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

سادساً : المجتمع مسؤول عن الحفاظ على قيم المعروف.

سابعاً : القرآن الكريم يأمر بالإصلاح المبني على العدل.

ثامناً : العولمة في مرحلة التطبيق الإسلامي.

تاسعاً : العولمة الإسلامية قائمة على الحوار والاقتناع الفكري.

عاشراً : الحسين عليه‌السلام يحيي دين النبي ويعيد مبادءه.

شعر منسوب إلى الحسين عليه‌السلام

من الأشعار التي تُؤثر عن سيد الشهداء عليه‌السلام ظهر عاشوراء ، قوله عليه‌السلام :

أنا ابن علي الحر من آل هاشم

كفاني بهذا مفخر حين أفخرُ

وفاطم أمي ثم جدي محمدٌ

وعمي يدعى ذا الجناحين جعفرُ

٢٣٩

ونحن ولاة الحوض نسقي محبنا

بكأس رسول الله ما ليس ينكرُ

إذا ما أتى يوم القيامة ظامئاً

إلى الحوض يسقيه بكفيه حيدرُ (١)

فهل يعتبر هذا النوع من الفخر من التعصّب للحسب والنسب؟! بل هو فخر بالدين ، والقرب من رب العالمين ، ومن رسول الله عليه‌السلام وما أعطاه الله لأهل البيت عليه‌السلام يوم القيامة ، وقد قلنا أنّ الدين لا يلغي النسب والقبيلة والانتماء إلى الوطن ، ولكنه يرفض أن تكون هي مناط التفاضل ، بل يجعل التقوى هي المناط في التفاضل بين البشر.

الأفعال التي تتفشّى من خلالها القيم الاجتماعية

وهناك عدّة أفعال يمارسها البشر تتفشّى من خلالها القيم الاجتماعية الصحيحة أو الخاطئة ، منها : التنافر ويقابله التعارف ، والتحسين ويقابله التقبيح ، والاستنقاص ويقابله الامتداح ، والسخرية والاستهزاء والتهكّم ويقابلها الاحترام والتوقير والتبجيل ، واللمز والغمز والطعن ويقابله الفخر والتعريف والتجميل ، النبز ويقابله الاستصلاح ، التذمّر والتنفّر ويقابله الانجذاب والميل ، التوهين والإهانة ويقابله المعاضدة والمساندة.

هذه الأفعال عندما يمارسها المجتمع ، فهي تشير إلى تفشّي وانسياب وتمحور قيمة معيّنة في المجتمع ، وعندما يقبّح المجتمع معنىً معيّناً فإنّ في هذا دليل على أنّ هذا المعنى قد سلب من هذا المجتمع ، إذن القيم قد توجد في هذا المجتمع ، وقد تفقد من هذا المجتمع سواءً كانت هذه القيم قيماً سامية تمثّل الفضيلة أم قيماً هابطة تمثّل الرذيلة.

__________________

١ ـ تفسير نور الثقلين ٣ : ٥٦٥ ، سورة المؤمنون ، قوله تعالى : فاذا نفخ في الصور فلا أنساب ، الرقم ١٥٧.

٢٤٠