بحوث معاصرة في الساحة الدوليّة

الشيخ محمّد سند

بحوث معاصرة في الساحة الدوليّة

المؤلف:

الشيخ محمّد سند


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٧

فهرس (٢)

مقدمّة المركز.................................................................... ٧

المقدّمة........................................................................ ٧٩

المحاضرة الأُولى : إحياء الشعائر الحسينية.......................................... ٨١

الشعائر الدينية لا تقتصر على شعائر الحجّ......................................... ٨٢

للشعيرة عدّة مصاديق ، ويشترط فيها الإباحة الشرعية............................. ٨٢

تطبيق على المولد النبوي........................................................ ٨٣

استحداث أُسلوب جديد في إحياء الشعيرة لا يعتبر بدعة............................ ٨٣

للمعنى اللغوي دور مهم في فهم النصّ الشرعي.................................... ٨٤

الشعيرة علامة................................................................. ٨٤

الفرح لفرح أهل البيت عليهم‌السلام والحزن لحزنهم من مصاديق مودّتهم............ ٨٤

تعظيم من عظّمه الله أمرٌ راجح في الدين.......................................... ٨٥

أهل البيت عليهم‌السلام قد بيّنوا بعض مصاديق الشعائر.................................. ٨٦

روايات وسائل الشيعة في إحياء الشعائر الحسينية................................... ٨٧

وجوه الشعائر الحسينية.......................................................... ٨٧

ينبغي أن تكون ذكرى عاشوراء خالية من مظاهر الفرح............................ ٨٩

المحافظة على قدسيّة الذكرى..................................................... ٨٩

المحاضرة الثانية : البكاء ، وعلاج ظاهرة الإرهاب والقسوة.......................... ٩١

أركان الشعيرة الحسينية......................................................... ٩١

١٨١

يجب أن تدل الشعيرة الحسينية على أهداف وقيم الثورة الحسينية.................... ٩٢

يجب تطبيق مواقف وأهداف الإمام الحسين عليه‌السلام على الواقع........................ ٩٢

هل البكاء ظاهرة سلبية؟........................................................ ٩٢

البكاء علاج لأمراض الروح والنفس............................................. ٩٣

القرآن الكريم يثني على البكّائين................................................. ٩٣

البكاء يُقرّب الإنسان إلى الفضائل ، ويرقق القلب................................. ٩٤

الحكمة الإلهية لخلق حالة البكاء عند الإنسان...................................... ٩٤

الآثار الإيجابية للبكاء........................................................... ٩٥

الحسين قتيل العَبرة............................................................. ٩٥

لا بدّ من التفاعل مع القضية ، لكي نستطيع تفعيل دور البكاء....................... ٩٥

هل الإرهاب مرادف للصلابة والشدّة............................................ ٩٦

الإجابة القانونية لهذا السؤال..................................................... ٩٦

المراحل التي تستند إليها القضايا القانونية.......................................... ٩٧

لا يمكن الحكم على القانون دون معرفة خلفيّاته الحقوقية والأخلاقية والعقائدية........ ٩٧

لابدّ من دراسة الخطوط الحمراء والخضراء بناءً على هذه الخلفيّات................... ٩٨

رؤيتنا العقائدية تبتني على وجود الخالق وتوحيده................................... ٩٨

لكل فعل منشأ أخلاقي......................................................... ٩٨

الارتباط بين المراحل الأربع...................................................... ٩٩

روح الشريعة وفقه المقاصد...................................................... ٩٩

الإمام الحسين عليه‌السلام يرجع أعداءه إلى الأصول الأخلاقية........................... ١٠٠

١٨٢

المحاضرة الثالثة : استناد الأحكام القانونية للقاعدة الأخلاقية في التشريع الإسلامي.... ١٠١

الاختلاف بين التعامل القانوني والتعامل الأخلاقي................................ ١٠١

فصل النزاعات بالقانون أم بالأخلاق؟.......................................... ١٠٢

الصلة بين الموازين الأخلاقية والموازين القانونية................................... ١٠٢

القانون يُهدّد في حالة الحديّة في تطبيق القانون مع استبعاد العنصر الأخلاقي......... ١٠٣

القرآن يأمر بالأخذ بالعفو والإعراض عن الجاهلين............................... ١٠٤

الرفق في مرحلة نص القانون ، وفي مرحلة تطبيق القانون.......................... ١٠٦

سَنّ القوانين وتفسيرها تبعاً لمصالح شخصية...................................... ١٠٦

الفرق بين العفو والإعراض عن الجاهلين........................................ ١٠٧

كظم الغيظ ، والسيطرة على القوّة الغضبية...................................... ١٠٨

اختلاف المصطلحات......................................................... ١٠٨

أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام في الرفق والحلم...................................... ١٠٩

المحاضرة الرابعة : الحوار هو الخيار الأوّل في الفكر الإسلامي وسيرة أهل البيت عليهم‌السلام. ١١٣

لماذا كان التعقّل هو الطبيعة الأوّلية في القوانين الشرعية؟.......................... ١١٣

البناء والإعمار ليس من طبيعة القوّة الغضبية..................................... ١١٤

الدمار هو نتيجة إطلاق عنان القوّة الشهوية والقوّة الغضبية........................ ١١٤

يجب أن نطلق عنان القوى العقليّة والفكرية ، ونجعلها حاكمة على بقيّة القو....... ١١٥ى

التعقّل هو أنسب الخيارات للطبيعة البشرية...................................... ١١٥

١٨٣

الفرق بين العقوبة والردع..................................................... ١١٦

( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا )........................................ ١١٧

القساوة في المرحلة الثانية...................................................... ١١٧

الحوار في النزاعات القضائية.................................................... ١١٨

ممارسة الحكومات الدكتاتورية شوّهت صورة الإسلام............................ ١١٨

الشورى لا تعني إرادة الأكثريّة ، وإنّما هي الأخذ بأفضل الآراء................... ١١٨

يُفتح باب القتال إذا أُغلق باب الحوار........................................... ١٢٠

الإمام علي عليه‌السلام طرق كل أبواب الحوار قبل القتال.............................. ١٢٠

أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وحواره مع حزب الخوارج.................................. ١٢١

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقدّم الحوار على القتال............................................. ١٢٢

الإمام الحسين عليه‌السلام ، والحوار مع الأعداء........................................ ١٢٢

المحاضرة الخامسة : الجهاد الابتدائي والحروب العدوانية............................ ١٢٣

المعترضون على الإسلام....................................................... ١٢٣

هل الإسلام دين القوّة والعنف والإرهاب؟...................................... ١٢٤

طمع الجيوش الفاتحة في الأموال والنساء......................................... ١٢٤

لماذا دخلت أوروبا في الدين المسيحي في القرن الثاني الهجري؟..................... ١٢٥

هل الجهاد الابتدائي هو الحرب العدوانيّة؟....................................... ١٢٥

بعض الكتَّاب المصريين تنكّروا لوجود الجهاد الابتدائي............................ ١٢٥

حروب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّها دفاعيّة................................................ ١٢٧

الجواب الصحيح عن إشكال الجهاد الابتدائي.................................... ١٢٩

الجهاد الابتدائي له خلفيّة حقوقية دفاعيّة........................................ ١٢٩

القرآن الكريم ينهى عن إهلاك الحرث والنسل................................... ١٣٠

١٨٤

الإسلام يكرّم بني آدم......................................................... ١٣٠

المحاضرة السادسة : الخلفيّات الحقوقية للجهاد الابتدائي........................... ١٣١

الجهاد الابتدائي والإرهاب..................................................... ١٣١

قوى الاستكبار وآيات الجهاد.................................................. ١٣٢

الإسلام ليس مسؤول عن المخالفات الشرعية التي يقوم بها المسلمون................ ١٣٢

لا يصح أن نحمل اصطلاحات علم على اصطلاحات علم آخر..................... ١٣٣

الجهاد الابتدائي يستند إلى خلفيّة حقوقية........................................ ١٣٣

الجهاد الابتدائي جهاد دفاعي في المصطلح الحقوقي................................ ١٣٤

لايوجد مصطلح الجهاد الابتدائي في النصوص الشرعية............................ ١٣٤

الجهاد الابتدائي بين الفطرة الإنسانية والنظام العالمي.............................. ١٣٤

ما هو الإرهاب؟............................................................. ١٣٥

مبررات القتال في القرآن الكريم................................................ ١٣٦

دور الإعلام في استضعاف الشعوب............................................ ١٣٦

تعاليم القرآن وممارسات بعض المسلمين......................................... ١٣٧

صفات المجاهدين في القرآن الكريم.............................................. ١٣٧

الجهاد الابتدائي له شروط خاصّة ، وله أهداف محدّدة............................ ١٣٨

الجهاد الابتدائي من حقوق الإمام المعصوم الخاصّة................................ ١٣٨

أمريكا والتناقض بين الشعار والواقع............................................ ١٣٩

الإسلام يدعو إلى العدالة ويطبّقها............................................... ١٤٠

الفيتو عند الإمامية الاثنى عشرية لا يكون إلاّ عند المعصوم........................ ١٤٠

النزوع الفطري نحو العصمة................................................... ١٤١

١٨٥

المحاضرة السابعة : الرد على شبهة الرق وحقوق الإنسان.......................... ١٤٣

مسألة الرق وحقوق الإنسان.................................................. ١٤٣

قراءات جديدة تفسّر النصوص الشرعية......................................... ١٤٤

الحداثيّون : أحكام الإسلام ليست أبديّة........................................ ١٤٤

الدين يتناسب مع كل الأزمان وكل البيئات..................................... ١٤٥

كرامة الإنسان في التشريع الإسلامي............................................ ١٤٥

هناك فرق بين الكفار في الفكر الإسلامي....................................... ١٤٧

الجزء الوافر من الشريعة الإسلامية مستمد من الفطرة الإنسانية.................... ١٤٧

معنى الرق في الفقه الإسلامي.................................................. ١٤٨

الإسلام شجّع على تحرير العبيد ومعاملتهم بالحسنى............................... ١٤٨

نيويورك مدينة بيضاء......................................................... ١٤٩

الرق يعني الخدمة في التشريع الإسلامي.......................................... ١٥٠

استئصال الغدّة السرطانية...................................................... ١٥٠

ولكم في القصاص حياة....................................................... ١٥٠

مفهوم الإرهاب.............................................................. ١٥١

تعريف الأُمم المتّحدة للإرهاب................................................. ١٥١

النصر بالرعب............................................................... ١٥٢

المحاضرة الثامنة : مناقشة تعريفات الإرهاب وتطبيقاتها............................. ١٥٣

العمليات الإرهابية لا تستهدف الحصول على مكاسب مادّية...................... ١٥٣

العمليات الإرهابية ترتبط بالأهداف السياسية وتستهدف الضغط النفسي........... ١٥٤

الإرهاب هو العنف المتطرف................................................... ١٥٤

ضوابط المبارزة العسكرية...................................................... ١٥٤

١٨٦

لابدّ من وجود ضوابط للقوّة................................................... ١٥٥

قتل المدنيين في الحروب مخالف لقوانين الحرب................................... ١٥٥

استخدام الأسلحة الكيمياوية والجرثومية......................................... ١٥٦

الآثار السلبية للانتقام......................................................... ١٥٦

أقسام الإرهاب............................................................... ١٥٦

ارتباط ثورة الإمام الحسين عليه‌السلام بالشرع والمُثل والمبادىء والقيم في كـل مراحلها... ١٥٧

الحكم ليس إلاّ وسيلة لإقامة العدل............................................. ١٥٨

أهل البيت عليهم‌السلام يرفضون قاعدة « ادفع الأفسد بالفاسد »....................... ١٥٨

إذا وصلت التقيّة إلى الدم فلا تقيّة.............................................. ١٥٩

فصل الإمام الحسين عليه‌السلام عن القبائل الموالية له................................... ١٥٩

أسباب صلح الإمام الحسن عليه‌السلام................................................ ١٦٠

الفرق بين جيش الإمام علي وجيش الإمام الحسن عليهما‌السلام.......................... ١٦١

الدولة تتكوّن من مجموعة من القوى............................................ ١٦١

المرجعية الشيعية تعتبر شبه دولة................................................ ١٦٢

نفوذ الأئمة وقواعدهم الجماهيرية.............................................. ١٦٢

من أهداف الإمام الحسن عليه‌السلام من الصلح الإبقاء على نفوذه في............... ١٦٣أتباعه

أحاديث نبويّة في فضل الإمام الحسن عليه‌السلام...................................... ١٦٣

ظروف الإمام الحسن عليه‌السلام تختلف عن ظروف الإمام علي عليه‌السلام................... ١٦٤

المحاضرة التاسعة : من يقف وراء مخططات الإرهاب؟............................. ١٦٦

إرهاب الدولة................................................................ ١٦٦

الإرهاب والإيدلوجية......................................................... ١٦٧

١٨٧

الإرهاب الصهيوني........................................................... ١٦٨

الهندوس والبوذيّون والثقافة المنحلّة.............................................. ١٦٨

اتهام الإسلام بالإرهاب........................................................ ١٦٩

القوى الخفيّة وراء عمليات الإرهاب العالمية...................................... ١٦٩

دور الإعلام الخطير والمشبوه................................................... ١٧٠

نشر أخبار كاذبة لخدمة جهات معيّنة........................................... ١٧٠

إغفال عنصر الخفاء........................................................... ١٧٢

ما هو الميزان والفيصل في تحديد الإرهاب؟...................................... ١٧٣

الضابطة في قبول الإرهاب..................................................... ١٧٤

القوى السامية في أعلى الإنسان................................................ ١٧٥

لا للعبوديّة للاستكبار......................................................... ١٧٥

المحاضرة العاشرة : الإمام الحسين عليه‌السلام اختار الشهادة ، ولم يرضخ للإرهاب........ ١٧٧

من رضي بعمل قوم أشرك معهم............................................... ١٧٧

أسباب الإرهاب في النصوص الدوليّة........................................... ١٧٨

معالجة أسباب الإرهاب....................................................... ١٧٨

عدم الرضوخ للإرهاب....................................................... ١٧٩

مقارنة بين موقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وموقف الإمام الحسين عليه‌السلام........................ ١٧٩

هل اختبرت نيّة أصحابك؟.................................................... ١٨٠

الفهرس..................................................................... ١٨١

١٨٨

(٣)

عاشوراء ومفهوم العولمة

١٨٩
١٩٠

المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

أمّا بعد ،

فهذه عدّة محاضرات ألقاها سماحة العلاّمة الشيخ محمّد السند في مأتم السّماكين في المنامة عام ١٤٢٥ هـ في موسم عاشوراء ، وكانت بعنوان عاشوراء ومفهوم العولمة ، وقد كتبت هذه المحاضرات بعد أن سمعتها من قرص مدمج ، ولخّصت كل محاضرة على حدة ، ووضعت محاورها في عدّة نقاط ; لكي يتسنّى للقارىء معرفة المضامين التي تحتوي عليها المحاضرة.

وفي هذه المحاضرات شرح سماحته معنى العولمة ، وذكر تحقق هذا المعنى في الأُمم السابقة ، ووجود محاولات في هذا المجال في التاريخ البشري ، ثم قارن بين العولمة بالمفهوم الإسلامي ، والعولمة بالمفهوم غير الإسلامي ، وبيان الثغور الواقعة فيه ، كما أنّه وضّح أنّ العولمة ينبغي أن تُبنى على العامل الثقافي بالدرجة الأُولى ، وقد استشهد في محاضراته بنصوص من القرآن الكريم ومن سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ، لا سيّما الإمام علي عليه‌السلام والإمام الحسين عليه‌السلام ، وقد تطرّق أيضاً إلى موضوع الأُمم المتّحدة ، وتقييم نموذجها من خلال مفهوم العولمة.

١٩١

ثم طرح بعض الملاحظات على أفكار العاملين في مسيرة التقريب بين المذاهب الإسلامية ، وما ينبغي أن يكون عليه الحوار بين هذه الطائفة وتلك ، ونوّه إلى بعض جوانب النقص والخلل في هذه المسيرة ، كما أنّه أثنى على القائمين عليها على جهودهم لتوحيد الصفّ الإسلامي.

أتمنّى للقاريء العزيز أن يستفيد من هذه المحاضرات المكتوبة ، وأن يضيف إلى سلّة معلوماته باقة جميلة من العلم المفيد ، ولا يفوتني أن أشكر سماحة الشيخ على تكليفه لي بهذه المهمّة النبيلة ، وأسأل الله له ولنا التوفيق وصحبة محمّد وآله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم.

سيد هاشم سيد حسن الموسوي

٢١ جمادى الأولى ١٤٢٥ هـ

٩ / ٧ / ٢٠٠٤ م

١٩٢

عناوين المحاضرات

المحاضرة الأُولى : الموقف من أحداث التاريخ وشخصيّاته.

المحاضرة الثانية : إشكالات حول الشعائر الحسينية.

المحاضرة الثالثة : الحسين والخطاب العولمي ، والعولمة في العصور السابقة.

المحاضرة الرابعة : الوحدة الثقافية أوّلا.

المحاضرة الخامسة : الإسلام يعترف بالشعوب والقبائل ، ولكن لا يجعلها أساساً للمفاضلة.

المحاضرة السادسة : نتائج اهتمام المجتمع بقيمه ، ونتائج إهمالها.

المحاضرة السابعة : الحوار الحقيقي يوازن بين نقاط الاختلاف ونقاط الاتفاق.

المحاضرة الثامنة : الحفاظ على الوحدة الإسلامية مع وجود الخلاف في الأصول والفروع.

المحاضرة التاسعة : الحسين عليه‌السلام وتهمة شقّ عصا المسلمين.

١٩٣
١٩٤

المحاضرة الأُولى

الموقف من أحداث التاريخ وشخصيّاته

محاور المحاضرة :

أوّلا : القرآن الكريم يحاكم الشخصيّات التاريخية ، وكذلك السنّة المطهّرة والفطرة الإنسانية والعقل البشري.

ثانياً : سنّة الرثاء في القرآن الكريم.

ثالثاً : موقف القرآن الكريم من البدريين الذين كانوا مع النبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

رابعاً : اللعن مفهوم قرآني يراد منه البراءة من الظالم ومساندة المظلوم.

خامساً : اتخاذ الموقف من أحداث التاريخ وشخصيّاته بناءً على مفهوم انكار المنكر.

سادساً : انكار المنكر التاريخي في القرآن الكريم.

سابعاً : ولعن الله أمّة رضيت بذلك.

ثامناً : البراءة على صعيد العلاقات الدولية.

القرآن الكريم يحاكم الشخصيّات التاريخية ، وكذلك السنّة المطهّرة والفطرة الإنسانية والعقل البشري

من الاُمور التي تثير الآخرين ، ويكثرون التساؤل عنها ، هي أنّ أتباع أهل البيت عليهم‌السلام يصرّون على التنقيب في التاريخ وعلى القضاء التاريخي ، أي : يتّخذون

١٩٥

مواقف قضائية تجاه الأحداث التاريخية ، وهم يعترضون على الشيعة بحجّة أنّ ذلك يوجب الشحناء والبغضاء في صفوف الاُمّة الإسلامية ، وإثارة النعرات الطائفية في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى تأليف القلوب وتوحيد الصفوف أمام التحدّيات الراهنة.

ونحن سنجيب على هذا الإشكال ، وذلك من خلال الآيات القرآنية الشريفة والسنّة المطهّرة والأدلة المتّفق عليها بين الفريقين والدليل العقلي والقانون البشري ، كل هذه الأُمور تحثّ الإنسان على نبش التاريخ والتنقيب عنه واتخاذ مواقف ممّا حدث في التاريخ.

سنّة الرثاء في القرآن الكريم

وقد تكلّمت في العالم الماضي عن سنّة قرآنية عظيمة ، ولم أقف على من ذكر هذه السنّة القرآنية ـ في حدود استقصائي ـ ولم أقف على من آثار هذه الدلالة القرآنية من علمائنا ـ فضلا عن علماء المذاهب الاُخرى ـ ألا وهي استعراض القرآن الكريم للظلامات التاريخية ابتداءً من قصّة هابيل وقابيل (١) ومروراً بأصحاب الأُخدود (٢) وقتل الأنبياء (٣) ومظلومية النبي يوسف (٤) وأصحاب الكهف الذين وحّدوا الله بفطرتهم (٥) ، ولم يكونوا ينتسبون إلى دين من الأديان ، « كما هو أحد الآراء التفسيرية » ، وللأسف لم أسمع أحداً من الأُدباء من أتباع الإمامية من طرق هذا الباب ، وهذا السبق سبق أدبي وسبق قرآني وسبق تربوي وسبق

__________________

١ ـ المائدة (٥) : ٢٧ ـ ٣١.

٢ ـ البروج (٨٥) : ٤ ـ ٨.

٣ ـ البقرة (٢) : ٦١.

٤ ـ يوسف (١٢) : ٤ ـ ٣٣.

٥ ـ الكهف (١٨) : ٩ ـ ٢٦.

١٩٦

اجتماعي وسبق اعتقادي ، وهو وجود أدب الرثاء والندبة والعزاء في القرآن الكريم ، وللأسف لم يثر مفسّروا الإمامية هذا الباب ، وهو باب أدب الرثاء ، مع أنّ القرآن الكريم يحمل الأُسلوب الرثائي بطريقة عاطفيّة جيّاشة ، وهذا الباب ـ أدب الرثاء ـ يقف إلى جانب أدب الحكم والمواعظ والأمثال والوعيد والبشارة.

والرثاء في القرآن الكريم بأُسلوب عاطفي جيّاش يهدف إلى إيصال المستمع للقرآن إلى التضامن مع المظلوم ، والتنديد بالظلم والظالمين ، ولو حلّلنا سورة البروج في موضوع أصحاب الأُخدود ، وحلّلنا قصّة هابيل وقابيل لرأينا أنّها في منتهى الإثارة العاطفيّة للقاريء ، وهذا ليس أدب رثاء فقط ، ولكن كل ختمة نختمها من القرآن الكريم تتطوي على العديد من المراثي والندب ، وهذا مطلب قرآني يهدف إلى فتح الملفّات التاريخية ، ومن الملفّات التي فتحها القرآن الكريم الملفّات التاريخية المتعلّقة بالنبي وأصحابه ، فنرى أنّ القرآن الكريم يفتح هذه الملفّات ويصنّف المحيطين بالنبي ، ويصفهم بأوصاف إيجابية وسلبية بدرجات مختلفة ، فيصف بعضهم بالمنافقين والمرجفين في المدينة (١) والمعوّقين والمبطئين والمتخلّفين (٢) ، كما أنّ هناك أوصافاً إيجابية تصفهم بأنّهم أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم تراهم ركَّعاً سجَّداً يبتغون فضلا من ربّهم (٣)

موقف القرآن الكريم من البدريين الذين كانوا مع النبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله

في هذا العام زرت مكان معركة بدر الكبرى ، والتي تبعد ١٥٠ كم عن المدينة المنورة ببركات النبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمة البقيع عليهم‌السلام والبضعة الطاهرة عليها‌السلام ، وهناك

__________________

١ ـ التوبة (٩) : ٧٣ ـ ٨٧.

٢ ـ الأحزاب (٣٣) : ١٨ ، الفتح (٤٨) : ١١.

٣ ـ الفتح (٤٨) : ٢٩.

١٩٧

رأينا أحد المشايخ ، وقال لي : هل جئتم هنا إلى زيارة القبور؟ فقلت له : لا ، وإنّما أتيت هنا لأرى مسرح المعركة التي انتصر فيها المسلمون ، وكان لعلي عليه‌السلام دور أساسي ومحوري في هذا النصر ، وهناك فتحنا القرآن ، وحاولنا معرفة مكان العدوة الدنيا والعدوة القصوى ومكان الركب الموصوف في الآية بـ ( أسفل منكم ) (١) ، حيث كان الإمام الصادق عليه‌السلام يوصي ابن أبي يعفور ، ويقول : لا يفوتنّك مشهد من مشاهد النبي إلاّ واشهده (٢) ، ولعلّ في بعض الروايات وصلّ فيه ركعتين (٣).

وهناك ، ونحن ننظر إلى ساحة المعركة ففتحنا القرآن ، وقرأنا في سورة الأنفال ، وقرأنا هذه الآية أمام ذلك الشيخ الذي أنكر علينا زيارة القبور ، ( إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاَءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (٤).

واستنتجنا من الآية الكريمة أنّه كانت فئتان يذمّهما القرآن من بين البدريين أنفسهم ـ فضلا عن جميع الصحابة ـ وهاتان الفئتان هما : المنافقون والذين في قلوبهم مرض ، وعندما واجهنا ذلك الشيخ بهذه الآية قال : إنّ بدر لم تكن مدينة مسكونة.

فقلت له : إنّ القرآن لا يتكلّم عن سكّان بدر ، وإنّما يتكلّم عن بعض الصحابة الذين كانوا مع النبي يحاربون ولكنّهم كانوا منافقين.

وعندها قال الشيخ : إنّي مرتبط بعمل وأريد الانصراف.

__________________

١ ـ الأحزاب (٣٣) : ١٠.

٢ ـ كامل الزيارات : ٦٦ ، الحديث ٥٢.

٣ ـ جامع أحاديث الشيعة ١٥ : ٧٠ ، الحديث ٢٠٥٩٨.

٤ ـ الأنفال (٨) : ٤٩.

١٩٨

قلنا له : انصرف.

يقول السيد الطباطبائي في الميزان في ذيل هذه الآية : « أي : يقول المنافقون ، وهم الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر ، والذين في قلوبهم مرض ، وهم الضعفاء في الإيمان ممّن لا يخلو نفسه من الشكّ والارتياب. يقولون ـ مشيرين إلى المؤمنين إشارة تحقير واستدلال ـ غرَّ هؤلاء دينهم إذ لولا غرور دينهم لم يقدموا على هذه المهلكة الظاهرة ، وهم شرذمة أذلاّء لا عدّة لهم ولا عُدّة ، وقريش على ما بهم من العدّة والقوّة والشوكة » (١).

القرآن الكريم يندّد ببعض البدريين ، كما هو صريح الآية المذكورة ، و « ... مع ذلك نرى بعض المسلمين يعتقدون أنّ كل أهل بدر مغفور لهم حتى لو ارتكبوا ما ارتكبوا ، ولعلّ الله عزّ وجلّ إطلع على أهل بدر ، فقال : إعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ... » (٢) ، والسيد الطباطبائي يردّ على هذه الرواية (٣) ; لأنّها تخالف صريح القرآن الذي ندّد ببعض البدريين.

اللعن مفهوم قرآنى يراد منه البراءة من الظالم ومساندة المظلوم

ونحن نركّز على القرآن فضلا عن كتب التاريخ والسير والمراجع التي يعتمد عليها الفريقان ، القرآن يعلّمنا نبش التاريخ ومحاكمة الشخصيات التاريخية واتخاذ المواقف منها ، ونحن هنا نعلن شرعية اللعن المتمثّل بالبراءة من الظالم والوقوف مع المظلوم ، واللعن ليس مفهوماً شيعياً عصبياً خرافياً أُسطورياً ناشئاً من العُقَد النفسيّة ، وإنّما هو مفهوم قرآني إسلامي أصيل ، وحتى في العرف القانوني

__________________

١ ـ الميزان ٩ : ٩٩.

٢ ـ صحيح البخاري ٣ : ٣٠٠ ، الحديث ٤٨٩٠ ، كتاب التفسير ٦٥ ، سورة الممتحنة ٦٠ ، باب « لا تتخذوا عدوّي وعدوكم اولياء ».

٣ ـ الميزان ١٩ : ٢٣٦.

١٩٩

الحديث فيها اللعن بتسميات أُخرى ، وهي الاستنكار والشجب والإدانة ، وفي مقابلها التضامن والمساندة والتأييد والدعم ، وهذا هو التبرّي والتولّي ، ولكن بمصطلحات حديثة ليس إلاّ.

القرآن لا يدعو إلى نصرة المظلومين والمصلحين الشرفاء فحسب ، وإنّما يدعو إلى شجب وإدانة واستنكار ولعن الظالمين الذين لوّثوا التاريخ البشري ، وتعدّوا على حق البشرية حتى لو صاروا رفاتاً وتراباً ، والاستنكار من صميم الوجدان البشري ، ومن فطرة الإنسان.

والبعض حتى من المثقفين يستوحشون من اللعن ، والمشكلة لا تكمن في حروف اللعن « ل ع ن » ، وإنّما في مضمون اللعن ، واتخاذ الموقف المضاد للظالمين ، ولهذا فاللعن الوارد في زيارة عاشوراء ينطلق من هذا المنطلق ، وهذا هو منطق القرآن الكريم.

اتخاذ الموقف من أحداث التاريخ وشخصيّاته بناءً على مفهوم انكار المنكر

وأضيف لما ذكرته في العام الماضي ـ وهو أنّ القرآن كتاب رثاء وندبة ـ أنّ القرآن الكريم يدعو إلى اتخاذ الموقف ، ومحاكمة الأحداث التاريخية وشخصيّاته ، ومن الضروريات الفقهية المتسالم عليها بين الفريقين هي إنكار المنكر ، ويشمل مفهوم إنكار المنكر إنكار المنكر التاريخي ، والذي مرّ عليه زمان طويل ، ومن المعروف أنّ مراتب إنكار المنكر هي الإنكار بالقلب ثمّ باللسان ثمّ باليد ، وحيث إنّنا لا نتمكن من إنكار المنكر التاريخي باليد واللسان إلاّ أنّنا نستطيع إنكاره بالقلب ، وأحداث التاريخ لها موضوع قائم فيجب إنكاره إنكاراً قلبيّاً ، نحن نقول : يجب ، ولا نقول : يجوز ; لأنّ اتخاذ الموقف من المنكر التاريخي ممكن بالقلب.

٢٠٠