بحوث معاصرة في الساحة الدوليّة

الشيخ محمّد سند

بحوث معاصرة في الساحة الدوليّة

المؤلف:

الشيخ محمّد سند


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٧

النزوع الفطري نحو العصمة

كيف نبرر مفهوم « الفيتو » في المنطق الغربي على المستوى القانوني والحقوقي ، إذن لا بد لقيمومة الأعدل والأعلم على غيره ، وهذا الأعلم والأعدل والأخبر والأعقل هو المعصوم في مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، والتسليم بهذا المبدأ يعني : النزوع الفطري نحو العصمة ; لأنّ الإنسان بفطرته يريد أن يعطي حق الفيتو للمعصوم الذي لا يخطأ على المستويين العلمي والعملي.

١٤١
١٤٢

المحاضرة السابعة

الرد على شبهة الرق وحقوق الإنسان

محاور المحاضرة :

أوّلا : مسألة الرق وحقوق الإنسان.

ثانياً : قراءات جديدة تفسّر النصوص الشرعية.

ثالثاً : الحداثيّون : أحكام الإسلام ليست أبديّة.

رابعاً : الدين يتناسب مع كل الأزمان وكل البيئات.

خامساً : كرامة الإنسان في التشريع الإسلامي.

سادساً : هناك فرق بين الكفار في الفكر الإسلامي.

سابعاً : الجزء الوافر من الشريعة الإسلامية مستمد من الفطرة الإنسانية.

ثامناً : معنى الرق في الفقه الإسلامي.

تاسعاً : الإسلام شجّع على تحرير العبيد ومعاملتهم بالحسنى.

عاشراً : نيويورك مدينة بيضاء.

مسألة الرق وحقوق الإنسان

من الأمثلة التي يعترض بها المعترضون على الإسلام ، هي مسألة الرق والاستعباد المذكورة في القرآن الكريم وفي التشريع الإسلامي ، وهي مسألة قديمة حديثة ، وهناك مخطط أمريكي يستهدف فرض الوصاية على الإرشاد الديني ، والمناهج في الدول الإسلامية باعتبار أنّ بعض تعاليم الإسلام تحرّض

١٤٣

على الإرهاب ، وتناقض حقوق الإنسان ، وتحاول أمريكا الضغط على الدول الإسلامية من أجل التخلّي عن مفاهيم بعض الآيات القرآنية التي تدّعي أنّها تحرّض على الإرهاب أو تناقض حقوق الإنسان.

قراءات جديدة تفسّر النصوص الشرعية

وهناك بعض الحداثيّين من العالم الإسلامي يحاول أن يجد إجابة عن هذه التساؤلات ، ويوجد الحل بأن يقول : أنّ جملة من التشريعات القرآنية والنبويّة هي تشريعات كانت مقنّنة ومؤسسة على ضوء البيئة العربية الجاهلية ، أو البيئة البشرية في أعراف ذلك الزمن ، وبعضهم يتمادى في هذا المجال ، ويسمّيه قراءة حديثة للقرآن الكريم ، ويقول : حتّى الحجاب بهذا التشدّد الوارد في التشريع الإسلامي ، إنّما كان باعتبار أنّ المرأة العربية السابقة كانت تعيش في مجتمع عربي بدوي كان فيه العطش الجنسي شديد ، وكان أيّ بريق من جمال المرأة يثير ذلك المجتمع ، فلذلك أمرها القرآن بالجلباب (١) ، وهو ما يسمى بـ « العباءة والخمار » ، وهو الربطة التي في الرأس أو الحجاب ، وللأسف الشديد أنّ المرأة قد تركت العباءة ، واستبدلتها بما يسمى بـ « البالطو » الذي يتفنّن مصمّموا الأزياء في تشكيله بشكل يظهر مفاتن المرأة من الخصر والصدر والبطن ، فتمشي المرأة بهذا اللباس ، وكأنّها في استعراض لمفاتتها.

الحداثيّون : أحكام الإسلام ليست أبديّة

في الرد على هذه القراءة ، أقول : أنا لست بصدد الرد على مثل هذه القراءات الحداثية ، وبيان أُصول الاستنابط الشرعي ، لأنّ هذا موضوع قائم بنفسه ، ويحتاج

__________________

١ ـ محمد شحرور في كتابه الكتاب والقرآن.

١٤٤

إلى سلسلة بحوث كثيرة ، ولكن من الواضح أنّ من يدّعون أنّهم يقرأون القرآن قراءة حداثيّة أو قراءة جديدة يحاولون إثبات أنّ بعض الأحكام الإسلامية ليست أحكاماً أبديّة ، وإنّما كانت تناسب بيئة معيّنة ، كما هو الحال في الرق والاستعباد ، لأنّ هذا الموضوع مرفوض عند البشرية جمعاء في زماننا الحالي ، أمّا في العرف القانوني في الزمان الذي رافق ظهور الإسلام كان العرف القانوني يقر الأسر والسبي والرق والاستعباد ، أمّا الآن وبعد أن أُلغي الرق في الأعراف البشرية ، آن الأوان أن تُعاد قراءة هذا الباب ، وأن نقرأه قراءة جديدة تغيّر بعض الأحكام الواردة فيه ـ كما يقولون ـ.

الدين يتناسب مع كل الأزمان وكل البيئات

أمّا نحن فنقول : إنّ الدين باعتباره ديناً ربّانياً إلهياً فهو يغطّي كل الأجيال ، وكل أشكال وأنواع النظام الإجتماعي ، وهو يقدّم موقفاً قانونياً ونظاماً يتناسب مع كل المجتمعات ، سواء ذلك المجتمع مجتمعاً قبلياً أو حضرياً أو مدنياً أو قروياً ، وهناك ثابت ديني ومتغيّر ديني ، ولكنّنا لسنا في مقام تفصيل هذه المصطلحات الآن.

كرامة الإنسان في التشريع الإسلامي

وهنا علامة استفهام : هل أنّ الرق والعبودية المطروحة في الشريعة الإسلامية تستند إلى الخشونة والقساوة وعدم احترام حقوق الإنسان أم أنّ الأمر ليس كذلك؟

هناك قاعدة أُصولية ، وهي من القواعد الأُم في التشريع الإسلامي ، ألا وهي : « أنّ الطبيعة الأوّلية هي كرامة الإنسان في التشريع الإسلامي » يعني : أنّنا في كل مورد من الموارد لا نجد فيه نصاً خاصّاً أو تعبّداً خاصّاً على الاستثناء أو التخصيص أؤ الرفع عن هذه الطبيعة الأوّلية التي هي كرامة الإنسان في التشريع

١٤٥

الإسلامي ، فإنّنا نعتمد على هذه القاعدة في التشريع ، وقد صرّح بهذه القاعدة في تطبيقاتها الفرعية في الأيواب ، كحرمة التمثيل بالميت ولو كان عدوّاً وأيضاً حرمة قتل النساء والشيوخ والصبيان. الكثير من علماء الإمامية الاثني عشرية ، وربما جملة من بقيّة المذاهب الإسلامية الأُخرى ، وتستند إلى الكثير من النصوص القرآنية ، منها قوله تعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) (١) ، وقوله تعالى : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الاِْنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم ) (٢) ، وقوله تعالى : ( اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِىَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الاَْنهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) (٣) ، وهذه الآيات هي قواعد قانونية ، ولا تندرج تحت فقه المقاصد ، أو روح الشريعة ، أو أنّها ثقافة قرآنية عامّة ، وأنّ أكثر ما خلقه الله إنّما سخّره للإنسان ، إذن فالأُمور التي توجب إهانته أو سلبه للكرامة الإنسانية ، هذه الأُمور بما إنّها منافية للكرامة الإنسانية فهي أُمور مرفوضة في الشريعة ، والقرآن لم يخصص المؤمنين أو المسلمين ، بل قال : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) (٤) ، إذن الإنسان بما هو إنسان ، لا الإنسان بما هو مادي أو ملحد أو مجرم ; لأنّ هذه عناوين أُخرى ، الطبيعة الفطرية للإنسان كريمة عند الله ، قال تعالى : ( فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) (٥) ، أو بتعبير قرآني آخر : ( صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللهِ صِبْغَةً ) (٦) ، وهذا ليس من باب فلسفة التشريع ، بل هو قالب قانوني قرآني ، وفي

__________________

١ ـ الإسراء (١٧) : ٧٠.

٢ ـ التين (٩٥) : ٤.

٣ ـ إبراهيم (١٤) : ٣٢ ـ ٣٣.

٤ ـ الإسراء (١٧) : ٧٠.

٥ ـ الروم (٣٠) : ٣٠.

٦ ـ البقرة (٢) : ١٣٨.

١٤٦

تعبير الإمام علي عليه‌السلام : « إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق » (١) ، أو قول الإمام الحسين عليه‌السلام : « إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحراراً في دنياكم » (٢) ; لأنّ نبع الفطرة لها مقتضيات قانونية يحترمها التشريع الإسلامي تؤكّد على كرامة الإنسان ، والذين ينادون اليوم بكرامة الإنسان قد سبقهم الإسلام بأربعة عشر قرناً بالمناداة بكرامة الإنسان ، وأنّها الأصل ، ولا تهتك كرامة الإنسان إلاّ بموجب.

هناك فرق بين الكفار في الفكر الإسلامي

أمّا بالنسبة للكفار فالقرآن الكريم يفرّق في التعامل بينهم فهناك كافر عدو وكافر ليس بعدو ، انظروا إلى التعبير القرآني الوارد في قصّة إبراهيم مع آزر : ( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لاَِبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لاََوَّاهٌ حَلِيمٌ ) (٣) ، لاحظوا أنّه كان يعلم أنّه كان كافراً ، ولكن فرق بين الكافر العدو والكافر غير العدو ، وهناك مصطلح الكافر ومصطلح المشرك ، والكافر الذي يستحق النار والكافر الذي لا يستحق النار ، وقد يستغرب البعض من الكفار الذي لا يستحق النار ، نعم الكافر الذي هو في معرض الهداية ، وفي طريق البحث عن الحقيقة لا يستحق النار.

الجزء الوافر من الشريعة الإسلامية مستمد من الفطرة الإنسانية

الجزء الوافر من الشريعة الإسلامية مستمد من الفطرة الإنسانية ، وهي الفطرة التي أودعها الله في الإنسان ، وهي قواسم مشتركة بيننا وبين باقي أبناء البشر ،

__________________

١ ـ ميزان الحكمة ٨ : ٣٦٩١ ، الحديث ٢٢٧٩٩.

٢ ـ بحار الأنوار ٤٥ : ٥١ ، باب ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد.

٣ ـ التوبة (٩) : ١١٤.

١٤٧

وهذا مصدر مهم في التشريع ، وفي مذهب الإمامية بشكل بارز ربما أكثر من المذاهب الأُخرى ، وأنّ أحد المصادر والحجج الربّانية هو العقل ، والعقل يرجع إلى الفطرة ، سواءً كان العقل النظري أو العقل العملي ، على الأقل في البديهيّات التي ليست نظريات مختلف عليها بين أصحاب العقول ، وهي نقطة اشتراك بين الأصوليين والأخباريين ، كما يذهب إلى ذلك الشيخ يوسف البحراني ( رحمه الله ) (١) ، وقد ورد في روايات أهل البيت عليهم‌السلام : أنّ العقل رسول باطني كما أنّ النبي رسول ظاهر (٢) ، إذن فنحن ندور في دائرة اللغة الثابتة الشاملة للمتغيّرات ، وهي اللغة العقليّة الفطرية نحن مع الأُمم الأُخرى.

معنى الرق في الفقه الإسلامي

أمّا بالنسبة لظاهرة الرق والسبي وما شابه ذلك ، فلنعرف ما معنى العبودية أوّلا؟ حيث تصاحب هذه اللفظة معاني التقزّز والتنفّر ، وهذا صحيح ، ولكن عبودية شخص لشخص آخر لها عدّة معاني وعدّة درجات ، إذا لم يدركها الإنسان قد يستبشع العنوان في نفسه أو يحصل له الاشتباه في هذا المفهوم ، ونحن عندنا أنّ الأجير إذا أجّر نفسه صار سخرة للمستأجر ، بمعنى : أنّ نتاج جهده يكون لمصلحة المستأجر ، وهذا يفرض نوع من طاعة الأجير إلى المستأجر ، ومطلق الطاعة من المطيع إلى المطاع هو نوع من الخضوع

الإسلام شجّع على تحرير العبيد ومعاملتهم بالحسنى

وقد وردت الكثير من النصوص الشرعية عند المسلمين ترغّب الإنسان في

__________________

١ ـ الحدائق الناظرة ١ : ١٥٥.

٢ ـ ميزان الحكمة ٥ : ٢٠٣٦ ، الحديث ١٣٣٥٨.

١٤٨

تحرير العبيد بالثواب الجزيل (١) كما أنّ التشريع الإسلامي جعل بعض الكفارات عتق رقبة عبد ، بل الكثير من الكفارات لا تقع إلاّ بتحرير رقبة لأجل تطويق ظاهرة الرق ، كما أنّ الإسلام قد حثّ على معاملة العبيد بالرفق والحسنى (٢) ، إذن الإسلام كان عنده برنامج للقضاء على هذه الظاهرة ، قد تحمل لون العقوبة في الكفارة على الشخص المخالف للحكم الشرعي ، ولكنّها تحمل في طرفها الآخر تحرير للعبد ، كما أنّ التشريع قد أوجب على السيد الذي يملك الأسير نفقته وضمانه الصحي وضمانه الاجتماعي ومسؤوليته الجنائية ، وسيتحمّل الكثير من أجل أن يبقى هذا العبد تحت عهدته.

فالأحرى بالغربيين الذين يتّهمون الإسلام أن يقرّوا بما فضحهم به مؤتمر مكافحة العنصرية الذي عقد في جنوب أفريقيا أشهر أو في العام الماضي بأنّ ضمانات العبيد الذين استعبدوا بأشنع وأفضع وأشد وأقمع وأقبح طريقة بشرية من قبل البيض لهؤلاء السود ضمانات ضائعة.

نيويورك مدينة بيضاء

حتى اليوم ليس الأبيض كالأسود في الدول الغربية ، وفي خطابه الأخير بكل وقاحة وقلّة حياء ، يصرّح الرئيس الأمريكي : أنّ مدينة نيويورك يجب أن ترجع مدينة بيضاء ، أي : فقط للجنس الأبيض ، فهل هذا منطق إنسان يحترم حقوق الإنسان ، بينما الإسلام يجعل من الرق نظام ضمان وكفالة للعبد أو الأسير مقنّنة ومشروطة ، ومع ذلك يخطط للقضاء على الرق بشكل كلي في عدّة تشريعات فقهية.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة ٢٣ : ٩ ، باب استحباب العتق.

٢ ـ جامع أحاديث الشيعة ٢٤ : ٣٧٣ ، باب وجوب نفقة المملوك ورعاية حقوقه واستحباب البرّبه.

١٤٩

الرق يعني الخدمة في التشريع الإسلامي

يجب أن نحذّر من الانسياق وراء العناوين القانونية ، حيث يتم الخداع والمغالطات وخدمة المصالح وترجيح طرف الباطل على طرف الحق ، ولابد من الالتفات إلى نفس المعنى مهما حاولوا تسميته وبأيّ تسمية.

الرق في التشريع الإسلامي ، يعني : الخدمة وملكيّة الخدمة ليس إلاّ ، ولا يعني : القهر والظلم ، والآن لازالت الكثير من الدول لا يتمتع الخادم فيها بالضمان الذي يضمن الحماية لهذا العبد أو الخادم ، والموجود في القرآن الكريم والشريعة الإسلامية ، والتاريخ رصد لنا ماذا فعل الجنس الأبيض بالجنس الأسود ، والمفروض أن يطرحوا هذه الإشكالات على حضارتهم التي تستنقص العنصر الأسود ، وتمنعه من الوصول إلى العديد من المناصب.

استئصال الغدّة السرطانية

هناك العديد من الاعتراضات على التشريع الإسلامي سأجيب عنها إجابات عامّة ، ولن أخوض في تفاصيلها لضيق المقام.

منها : أنّه لو فسد عضو من أعضاء الإنسان بسبب مرض مّا كمرض السكري بحيث لا تسلم بقية الأعضاء إلاّ إذا بتر ذلك العضو ، فمن الواضح أنّ بتر ذلك العضو بتر مستساغ ، ولا يعد بتره مخالفاً للإنسانية والحق الطبيعي أو خلاف التشريع الديني ، بالعكس هو من صلب الإنسانية والتشريع الديني والحق الطبيعي ; لأنّه سيحفظ حياة إنسان.

ولكم في القصاص حياة

وهذا ما ينطبق على الشخص أو الجماعة التي تهدّد نظاماً اجتماعياً من خلال الجريمة والتعدّي على المجتمع وتهديد الأمن والاستقرار وسلب الأموال

١٥٠

والاعتداء على الحرمات ، في مثل هذه الأُمور يعبّر القرآن الكريم : ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الاَْلْبَابِ ) (١) ، باعتبار أنّ ردع الجاني يهييء الجو لسيادة الأمن وقطع دابر الجرائم ، وهناك العديد من الاعتراضات على الحدود والتعزيرات الإسلامية.

مفهوم الإرهاب

مفهوم الإرهاب الدولي وموقف الإسلام منه ، ومتى يستخدم ومتى لايستخدم ، وسيكون البحث في الليالي القادمة حول مفهوم الإرهاب في مقابل السلم ، ومتى يسوغ وقوعه ومتى لا يسوغ وقوعه ، وسنختم هذه المراحل الثلاث بموقف الإمام الحسين عليه‌السلام باعتبار قرآناً متجسداً ناطقاً ، لا سيّما أنّ واقعة عاشوراء اجتمعت فيها عدّة ظروف عديدة شملت الكثير من المواقف والموضوعات والمحاور ، وكأنّها نقطة لاستقطاب معرفة المواقف من خلال منطلقات الإمام الحسين عليه‌السلام الذي انطلق منها.

تعريف الأُمم المتّحدة للإرهاب

ذكر في النصوص القانونية لبعض المجاميع البشرية ، لا سيّما في الأُمم المتّحدة ، أَنّ الإرهاب هو « استخدام الرعب كعمل رمزي للتأثير على السلوك السياسي بوسائل غير معتادة مهدّدة عنيفة » (٢) ، وقولهم عمل رمزي يشير إلى الفرق بين الإرهاب والحرب ، فالإرهاب ليس حرباً ، فالحرب تعتمد على التوسّع الجغرافي والغنائم المادّية ، أمّا الإرهاب فليس من أهدافه تحقيق مكاسب مادّية ،

__________________

١ ـ البقرة (٢) : ١٧٩.

٢ ـ الإرهاب الدولي ، تأليف : أحمد محمد رفعت وصالح بكر الطيّار ـ إصدار مركز الدراسات العربي الاوروبي.

١٥١

وقد يكون للإرهاب دور يفوق دور الحروب أحياناً في تحقيق بعض الأهداف.

النصر بالرعب

وعندنا روايات تشير إلى أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد نصر بالرعب (١) ، حيث يكون الرعب أنجح وأنجع من الحرب الميدانية ، وقد أشار الإمام الخميني ( رحمه الله ) في معرض حديثه عن القوى الكبرى : أنّ هذه القوى تستخدم الإرهاب أكثر من الحروب الميدانية لتحقيق أهدافها.

وهناك قواسم مشتركة بين الحرب وبين الإرهاب ، وهذا التعريف صحيح في بعض أجزائه ، وسنستعرض تعاريف أُخرى للإرهاب ، ولكن هذا التعريف يغفل نقاطاً مهمّة من أجل أن يتّهموا جهات معيّنة بالإرهاب ، كالشعوب التي تنشد الحرية وغيرها ، لأنّ هؤلاء المقننين يخدمون الاستكبار العالمي لكي تتهيّأ له الأجواء القانونية في استكباره ، ولكي تلقى خططه العدوانية تأييداً تحت مسمّيات مزوّرة.

__________________

١ ـ الخصال : ٢٠١ ، باب الأربعة ، الحديث ١٤.

١٥٢

المحاضرة الثامنة

مناقشة تعريفات الإرهاب وتطبيقاتها

محاور المحاضرة :

أوّلا : العمليات الإرهابية لا تستهدف الحصول على مكاسب مادّية.

ثانياً : العمليات الإرهابية ترتبط بالأهداف السياسية وتستهدف الضغط النفسي.

ثالثاً : الإرهاب هو العنف المتطرف.

رابعاً : لابد من وجود ضوابط للقوّة.

خامساً : أقسام الإرهاب.

سادساً : ارتباط ثورة الإمام الحسين عليه‌السلام بالشرع والمُثل والمبادىء والقيم في كل مراحلها.

سابعاً : الحكم ليس إلاّ وسيلة لإقامة العدل.

ثامناً : أهل البيت عليهم‌السلام يرفضون قاعدة « دفع الأفسد بالفاسد ».

تاسعاً : الفرق بين جيش الإمام على وجيش الإمام الحسن عليهم‌السلام.

عاشراً : المرجعية الشيعية تعتبر شبه دولة.

العمليات الإرهابية لا تستهدف الحصول على مكاسب مادّية

مرّ علينا أحد تعريفات الإرهاب وهو. « استخدام الرعب كعمل رمزي للتأثير على العمل السياسي بوسائل مهدّدة عنفية غير معتادة ».

١٥٣

قد تستخدم الآلات العسكرية في الحرب ، وفي العمليات الإرهابية ، ولكن في العمليات الإرهابية لا ترتبط ـ غالباً ـ هذه العمليات بالحصول على مكاسب مادّية أو توسيع الرقعة الجغرافية ، ولا يكون استخدام هذه الآلات بشكل متواصل ودائم ، بينما تكون للحرب ـ غالباً ـ أهداف مادّية ، وتستهدف التوسع الجغرافي ، وتستخدم الآلات الحربية بشكل دائم.

العمليات الإرهابية ترتبط بالأهداف السياسية وتستهدف الضغط النفسي

وتمثّل العمليات الإرهابية عاملا مادّياً آلياً يستهدف الضغط النفسي على الطرف الآخر الذي قد يكون دولة أو شعباً أو طائفة أو حزباً منافساً أو فرداً معيّناً ، وفي الغالب تكون العمليات الإرهابية مرتبطة بالأغراض السياسية ، وهناك بعض العمليات الإرهابية مرتبطة بالحصول على مبالغ مالية ، والهدف منها مادي ، كما هو حال المافيا الدولية التي تمارس الإرهاب في العالم من أجل هذا الغرض

الإرهاب هو العنف المتطرف

التعريف الثاني للإرهاب هو : « العنف المتطرف لأهداف سياسية الذي تنتهك به المعتقدات الإنسانية والأخلاقية » ، والتعبير هنا بـ « المتطرف » إشارة إلى أنّ استخدام القوّة شيءٌ حسن إذا خضع للضوابط ، ولكن في التعريف أشار بكلمة « المتطرف » لكي يشير إلى أنّ استخدام القوّة في العمليات الإرهابية أمر غير صحيح ، وغير خاضع للضوابط.

ضوابط المبارزة العسكرية

في حروب العرب السابقة ، وكذلك الأُمم المعاصرة لها ، كان الجيشان يلتقيان ، ويبرز من كل جيش منهما أفراد من أجل المبارزة العسكرية ، وكانت هناك أُصول

١٥٤

قانونية تحكم كيفية القتال بين هذين الفارسين المبارزين ، أو يخرج من كل جيش مجموعة وتبارز المجموعة التي خرجت من الجيش الآخر ، وفي هذه الحالة يصح أن يعين كل محارب من هو في جيشه ، كما أعان الإمام علي عليه‌السلام عمّه الحمزة في غزوة بدر ، والإمام علي عليه‌السلام قد قتل ابن عتبة ، ثمّ أعان عمّه الحمزة على قتل عتبة ، كما شارك في قتل شيبة أيضاً ، فنلاحظ أنّ المبارزة لها قوانين وضوابط ، وما كان يصح أن يأتي من جيش المسلمين أو جيش المشركين غير هؤلاء الستة قبل انتهاء المبارزة العسكرية.

لابدّ من وجود ضوابط للقوّة

وهذا حصل مع عبيد الله بن زياد حيث نهاه بعض جلسائه عن استخدام لغة القوّة مع السبايا لأنّهنّ نسوة ، وهذا يدل على وجود ضوابط لاستخدام القوّة منذ الزمن الإسلامي القديم ، بل حتّى في زمن الجاهلية كانت توجد أعراف قانونية يتقيّد بها ، وقد ذكر القرآن لفظ الجاهلية الأُولى في قوله تعالى : ( وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الاُْولَى ) (١) ، والبعض يقول : إنّ القرآن قد تتبّأ بوجود جاهلية ثانية (٢) ، ويبدو أنّ الجاهلية الأُولى كانت لها ضوابط أكثر من الجاهلية الثانية التي تمارس الفحشاء بلا حدود ، وتقنّن قوانينها بالخداع واللعب بالمصطلحات وتفسيرها تفسيراً مخادعاً.

قتل المدنيين في الحروب مخالف لقوانين الحرب

النتيجة هي أنّه لو احتجنا لاستخدام القوّة فنستخدمها ، ولكن ضمن ضوابط وحدود وأُطر تنظّم استخدام هذه القوّة ، فمثلا : يجب أن لا يقتل المدنيّون في

__________________

١ ـ الأحزاب (٣٣) : ٣٣.

٢ ـ تفسير القمي ٢ : ١٦٨ ، ذيل هذه الآية مسنداً عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام.

١٥٥

الحروب التي تكون بين دولة ودولة أُخرى أو بين دولة وفئة معارضة داخل تلك الدولة أو خارجها ، يجب أن لا يُقتل المدنيّون الأبرياء في هذه الحرب ، كما هو منصوص في القوانين الدولية ، ولا يقتل في هذه الحرب إلاّ العسكريون ، ومن أمثلة هذه الضوابط إذا أرادت دولة مّا أن تلقي القبض على إرهابيين فالقانون يرفض أن يكون المدنيّون من النسوة والأطفال والشيوخ وغيرهم ضحيّة في هذه العملية ، هذا ما يقوله القانون وإن كان حبراً على ورق ، أمّا الواقع فالأمر مختلف.

استخدام الأسلحة الكيمياوية والجرثومية

أو استخدام الأسلحة الكيمياوية أو الجرثومية أو استخدام اليورانيوم المخصّب أو استخدام الأسلحة التي تكون لها انعكاسات سلبية على البيئة والحالة الصحّية للمجتمع ، فممارسة جميع هذه الأُمور تندرج تحت عنوان الإرهاب وليس تحت عنوان الحرب ; لأنّ الحرب لها أخلاقياتها وأُصولها وقوانينها ، وهي تستهدف ردع القوّة الغضبية عند الطرف الآخر.

الآثار السلبية للانتقام

ومن الخطأ مواجهة العدوان بعدوان أكبر ، والإرهاب بإرهاب أكثر ، ولهذا نجد أنّ الانتقام يحمل في طيّاته الكثير من السلبيات ; لأنّه يؤدّي إلى هذه النتيجة ، ومن هنا كان العفو أقرب للتقوى في الموارد التي يمكن فيها العفو ; لأنّ القوّة الغضبية كثيراً مّا تكون في حالة الانفلات ، وعدم السيطرة عند الانتقام.

أقسام الإرهاب

التعريف الثالث للإرهاب هو : « الإرهاب الحربي والثوري والقمعي والمالي » ، وكأنّهم بصدد بيان أقسام الإرهاب.

١٥٦

معنى الإرهاب الحربي

فالإرهاب الحربي ، يعني : استخدام ورقة الإرهاب ضمن تلك الحرب ، كإسقاط طائرة مدنيّة تابعة للدولة التي نحاربها بهدف الضغط النفسي ، وإضعاف القرار الإداري على تلك الدولة ، إذن الحرب قد تتضمّن الإرهاب ، مع الالتفات إلى الفرق بين الحرب والإرهاب.

معنى الإرهاب القمعي

والقسم الثاني هو الإرهاب القمعي : وهو الإرهاب الذي تمارسه الدول والأنظمة الحاكمة ضدّ رعاياها أو ضدّ المعارضين لها ، من أحزاب وأفراد ، والإرهاب في هذا القسم ، يعني : تجاوز القوانين الدولية والعرفية التي تنظّم علاقة الحاكم بالمحكوم ، كأن تعتقل مجموعة من الأبرياء وتعذّبهم من أجل إخافة المعارضين الحقيقيين الذين ربما لم ينكشفوا بعد ، وهي بهذا تختصر الطريق بتخويف المعارضين ، ولكن يدفع ثمن هذا الاختصار مجموعة من الضحايا الأبرياء ، وهذا أمر مُدان من التشريع الإسلامي والتقنين الدولي.

معنى الإرهاب الثوري

أمّا الإرهاب الثوري : وهو إرهاب مجموعة لديها مطالب معيّنة تقوم بعمليات إرهابية من أجل تحقيق هذه المطالب ، كما كانت المجموعات اليسارية تمارس هذه العمليات تحت شعار « أنّ الغاية تبرّر الوسيلة » فيتعرضون للأبرياء أو المؤسسات أو المصالح العامة أو الخاصّة

ارتباط ثورة الإمام الحسين عليه‌السلام بالشرع والمُثل والمبادىء والقيم في كل مراحلها

١٥٧

والإمام الحسين عليه‌السلام رغم أنّه قام بهذه الثورة المقدّسة العظيمة إلاّ أنّها لم تنفك عن أخلاقه وقيمه ومبادئه العظيمة ، بل كانت ملتزمة بحذافير التشريع الإسلامي ، والمُثل العُليا للدين ، وهذا ما يتجلّى في سلوكه وسلوك أصحاب وأهل بيته وسفرائه ، كمسلم بن عقيل الذي رفض أن يغدر بعبيد الله بن زياد ، مع أنّ هذا الأمر كان أمراً مهمّاً ، وربما يغيّر مجرى التاريخ ، مع ذلك رفضه مسلم بن عقيل ; لأنّه يتنافى مع مبادئه ، وقد أثنى الإمام الحسين عليه‌السلام على مسلم بن عقيل ، فمع حرصهم على الهدف الذي يجاهدون من أجله ، وهو وصول المعصوم إلى الحكم الذي هو حقّه ، ومع سموّ هدفهم ، إلاّ أنّهم ما تجاوزوا حدودهم أبداً هذا مع رعونة الطرف الآخر وعدم تقيّده لا بالدين ولا بقيم العرب ولا بالأعراف الإنسانية ، مع ذلك كله إلاّ أنّه لا يُدفع الفساد بالفساد ، وإنّما يدفع الفساد بالصلاح.

الحكم ليس إلاّ وسيلة لإقامة العدل

قال الإمام علي عليه‌السلام : « ... والله لَهي أحبّ إليّ من إمرتكم إلاّ أقيم حقاً أو أدفع باطلا » (١) فالحكم في منطق القرآن وأهل البيت عليهم‌السلام ليس إلاّ وسيلة من وسائل الوصول إلى الحق ، أمّا إذا كان الحكم بنفسه غاية أو هدفاً نهائياً فلا قيمة لهذا الحكم في ميزان القرآن وأهل البيت عليهم‌السلام.

أهل البيت عليهم‌السلام يرفضون قاعدة « ادفع الأفسد بالفاسد »

وعند مذهب أهل البيت عليهم‌السلام لا تصح القاعدة التي تقول : « ينبغي دفع الأفسد بالفاسد » ، وربما تبنّى هذا الرأي بعض المذاهب الإسلامية ، ولكن مذهب أهل البيت عليهم‌السلام لا يوافق عليه ، لأنّ الأفسد قد فعله غيرك ، وهو مسؤول عنه ، وهذا لا

__________________

١ ـ ميزان الحكمة ٢ : ٩٠٠ ، الحديث ٥٨٥٥.

١٥٨

يسقط عنك الحساب على فعل الفساد ، ولا يبرّر لك أن تفعل الفاسد وإن كان من أجل دفع الأفسد.

إذا وصلت التقيّة إلى الدم فلا تقيّة

ونحن عندنا في مذهب أهل البيت عليهم‌السلام أنّ التقيّة شرّعت من أجل حقن الدماء ، أمّا إذا وصلت التقيّة إلى الدم فلا تقيّة ، بمعنى أنّه لو قيل لك : اقتل زيداً وإن لم تقتله بأنّ ذلك الطاغي سيقتل عشرة ، فهنا التقيّة لا تجوز ، لأنّه لو قتل الطاغي العشرة فهو محاسب أمام الله ، أمّا أنت فستكون محاسب أمام الله إذا قتلت زيداً حتّى لو كان ذلك بحجّة بعنوان حفظ النفس ، لأنّها مرتبطة بقتل نفس أُخرى ، نعم هناك بعض المسائل الشرعية المنصوص عليها بنصوص خاصّة ، ومثالها : لو تترّس المشركون ببعض المسلمين ، وكانت الضرورة تقتضي الهجوم على المشركين ، حينئذ يجوز الهجوم عليهم وحربهم حتّى لو كان أولئك المسلمون الذين تترّس بهم المشركون من بين الضحايا.

العمليات الاستشهادية لا تتدرج تحت عنوان ارتكاب المحرم

بعض علماء الأزهر يُدرج العمليات الاستشهادية التي يقوم بها الفلسطينيّون أو اللبنانيّون ضدّ العدو الصهيوني تحت عنوان ارتكاب المحرم من أجل الوصول إلى النصر ، وهذا الرأي خاطىء وسيأتي الردّ عليهم ، ثمّ أنّ تحديد الأفسد والفاسد ، فيه قيل وقال حتّى بين الفقهاء أنفسهم

فصل الإمام الحسين عليه‌السلام عن القبائل الموالية له

ولا تستبعد أنّ الإمام الحسين عليه‌السلام قد اجتمع عليه سبعون ألفاً ، لأنّ الغرض من هذا العدد ليس مقاتلة الحسين عليه‌السلام قتالا ميدانياً ، وإنّما تطويق الإمام الحسين عليه‌السلام بحيث لا يستطيع الالتقاء بالقبائل المجاورة وكسبها إلى جانبه ، ولكي يعرقل هذا

١٥٩

العدد الهائل قدوم القبائل التي كانت توالي الإمام الحسين عليه‌السلام ، ولكي يضمن الحكم الأموي عدم قيام ثورة أو انتفاضة من قبل شيعة الكوفة الموالين للإمام الحسين عليه‌السلام ، فلولم يكن هذا العدد الضخم موجود لأتت القبائل الموالية للحسين عليه‌السلام بهدف نصرته ، وقتال جيش بني أُمية

معنى الإرهاب المالي

أمّا الإرهاب المالي فمن أمثلة : عصابات المافيا التي تتمتع بقدرات هائلة تهدد الدول والحكومات من أجل الحصول على مكاسب مالية ، ومن الإرهاب المالي : ضغط أمريكا على پاكستان من أجل إخضاع پاكستان للموافقة على التواجد الأمريكي في المنطقة ، كما صرّح بذلك الرئيس الپاكستاني الذي قال : « إنّ بلاده هُدّدت بضرب مفاعلها النووي في حال معارضتها للوجود الأمريكي في المنطقة » ، وقال : « إنّ احتفاظنا بالقنبلة النووية مصدر عزّ لپاكستان والدول الإسلامية » ، فصارت القنبلة النووية محفوظة بدل أن تكون حافظة ، وصارت موجبة للذلّ بدل أن تكون موجبة للعزّ ، وهذا هو الإرهاب المالي الذي مارسته أمريكا بتهديدها للپاكستان باعتبار أنّ الأعيان التي تقوِّم الجانب الاقتصادي أو الجانب العسكري وما شابهه تكون تحت سياط التهديد بالنسف والتدمير ، ومن ثمّ تخضع للجانب القوي.

أسباب صلح الإمام الحسن عليه‌السلام

وممّا يتصل ببحث الإرهاب أنّ الكثير ممن كانوا في ركب الإمام الحسن عليه‌السلام ، ومنهم بعض أصحابه المخلصين حلّلوا ظاهرة الصلح التي أقدم عليها ، أنّه عليه‌السلام إنّما أقدم على الصلح ; لأنّه قد وقع تحت ضغط الإرهاب والتهديدات الأموية ، وكانت مكاتبات معاوية تستخدم لغة الإرهاب والتخويف بشكل مكثّف ، وقال المسيب بن نجبة الفزاري وسليمان بن صرد الخزاعي للحسن بن علي عليه‌السلام :

١٦٠