كيف نفهم الرسالة العمليّة - ج ٢

محمد مهدي المؤمن

كيف نفهم الرسالة العمليّة - ج ٢

المؤلف:

محمد مهدي المؤمن


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-11-6
الصفحات: ٢١٦
  الجزء ١   الجزء ٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

مِنَ الْمُتَّقِينَ ) (١) بالخلوص والإخلاص ، والمخلصين لله تعالى تارة ، وفسّروهما بالولاية والموالين تارة اُخرى ، وأنت تعلم بأنّ الإخلاص والولاية متلازمان ، والمخلص والموالي أيضاً متلازمان ، فلا إخلاص لله تعالى أو قربة إليه تعالى إلاّ بالولاية ، وفاقد الولاية لا يصلح أن ينوي التقرّب ، ولا يصحّ منه إن نواه وقصده ، ولهذا جاء في الخبر الصحيح : « ولم يُنادَ بشيءٍ كما نُودي بالولاية » (٢) ، فالولاية والإقرار بإمامة الأئمّة الاثني عشر عليهم الصّلاة والسّلام شرط صحّه لجميع الأعمال وشرط قبول لها ، ولا يقبل عمل إلاّ بها.

والحمد لله ربّ العالمين

__________________

(١) المائدة : ٢٧.

(٢) الكافي ١٨ : ٢. بحار الأنوار ٦٥ : ٣٢٩.

١٨١
١٨٢



الدّرس الخامس والعشرون

أحكام التقليد

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ يجب العدول من غير الأعلم إلى الأعلم ، على الأحوط ، سواء كان غير الأعلم ميّتاً أو كان حيّاً.

٢ ـ لا يجوز العدول من الأعلم إلى غيره مطلقاً.

٣ ـ إذا قلّد مجتهداً مدّة من الزمان ثمّ تبيّن أنّه فاقد لشيء من شرائط التقليد كالاجتهاد أو العدالة ـ مثلاً ـ ، وجب عليه العدول والرجوع إلى غيره الأعلم.

٤ ـ إذا فقد المجتهد شيئاً من شرائط المرجعيّة والفتوى ، كما لو صار مجنوناً أو سقطت عدالته ـ مثلاً ـ ، وجب على مقلّديه أن يعدلوا إلى غيره الأعلم.

س : كيف نحصل على فتوى الفقيه ؟

١٨٣

ج : ذكروا لذلك طرقاً ووسائل أربعاً :

١ ـ بالسماع من المجتهد ـ المرجع ـ نفسه.

٢ ـ أو بالسماع من شخصين عادلين أو شخص واحد.

٣ ـ أو بالسماع ممّن يوثق بقوله ، أي يحصل له الاطمئنان من قوله لكونه معروفاً بالصدق ، وله فهم بالأحكام وحافظة حسنة.

٤ ـ أو بالأخذ من الرسالة العمليّة للمجتهد ، إذا كانت معتمدة من قِبَل الفقيه ، خالية من الأخطاء.

ملاحظة :

١ ـ يجب تعلّم مسائل الشكّ والسهو وغيرها من المسائل التي يحتاج إليها المكلّف ، وهي من موارد ابتلائه عادةً.

٢ ـ لو اختلف اثنان في نقل فتوى المجتهد في مسألة ، فقال أحدهما شيئاً ، وقال الآخر خلافه ، سقط القولان ولا يمكن الاعتماد على أيٍّ منهما.

٣ ـ لو نقل شخص ثقة فتوى المجتهد فكانت مخالفة لما هو في رسالة المجتهد ، يقدّم ما في الرسالة العلميّة إن كانت معتمدة خالية

١٨٤

من الأخطاء ، إلاّ إذا قال ذاك الشخص أنّ فتوى المجتهد قد تغيّرت عمّا في رسالته.

٤ ـ لو كانت للمجتهد رسالتان عمليّتان معتمدتين لديه فوجدنا اختلافاً بينهما في مسألة أو عدّة مسائل ، وجب علينا أن نعمل بما ورد في الرسالة التي تأخّر تاريخ تأليفها وكتابتها من قِبل المجتهد ، فيعمل بما في اللاّحقة ويعرض عن السابقة.

٥ ـ لو نقل فتوى المجتهد خطئاً ، وجب عليه أن يتدارك خطأه ويبلِّغهم الفتوى الصحيحة إذا احتمل أن يعملوا بتلك الفتوى.

٦ ـ أمّا لو نقل فتوى المجتهد بصورة صحيحة ثمّ علم بحدوث التغيّر في فتواه ، لا يجب عليه إبلاغ المستمعين بتغيّر تلك الفتوى ، لكنّه احتياطٌ مستحبٌّ.

٧ ـ لو قلّد المجتهد الفاقد لبعض شرائط التقليد ، كالعدالة ، مدّة من الزمان كان كمن عمل بلا تقليد.

٨ ـ ومن عمل بلا تقليد فإن كان على أحد الوجوه الثلاثة كانت أعماله صحيحة مجزية :

أ ـ إذا كانت أعماله مطابقة للواقع.

١٨٥

ب ـ إن كانت أعماله مطابقة لفتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده.

ج ـ إن كانت أعماله مطابقة لفتاوى المجتهد الذي يجب عليه تقليده الآن.

وفي عدا هذه الصور تكون أعماله باطلة يجب إعادتها في الوقت أو قضاؤها خارج الوقت.

٩ ـ لو علم أنّه عمل فترة من حياته دون تقليد ، ولم يعرف مدّتها ، لكنّه علم كيفيّتها ـ بأن وجدها مطابقة للواقع أو لفتاوى الفقيه الذي يجب تقليده ـ كانت صحيحة ، وإن جهل المدّة والكيفيّة معاً ، قضا القدر المتيقّن ـ أي أقلّ ما يعلم من المقدار ـ من أعماله.

١٠ ـ لو شكّ في صحّة تقليده حتّى الآن أو شكّ في تقليده خلال فترة معيّنة ، بنا على صحّة تقليده وأعماله.

١١ ـ لو بقي على تقليد الميّت من غير إذن المجتهد الحيّ ، كانت أعماله كمن يعمل بلا تقليد ، وكان كمن لم يقلِّد.

س : ما الفرق بين الحكم والفتوى ؟

١٨٦

ج : الفتوى في اصطلاح الفقهاء هو بيان حكم الله تعالى بواسطة الفقيه ، كالفتاوى الكثيرة الواردة في رسالة الفقهاء ، وتسمّى فتوى الفقيه.

أمّا الحكم فهو الأمر بتطبيق حكم شرعي وتعيين المصداق أو الموضوع أو زمان إجراء الحكم الشرعي ومكانه ، أو الإلزام على الإتيان بفعل ، أو على ترك فعل حسب اقتضاء المصلحة الملزمة في القضيّة ، كما صنع المرحوم المرجع الكبير السيّد الميرزا حسن الشيرازي أعلى الله مقامه الشريف في حكمه التأريخي الشهير بتحريم شرب التتن ، وهو الحكم الذي اشتهر بحكم التنباك وتحريم التنباك ، واشتهرت احداثه بثورة التنباك ، والأحكام عبارة عن أوامر يصدرها الفقيه من جهة ولايته وحكومته ، وتسمّى بحكم الحاكم من قبيل ما يصدر في ثبوت الهلال ، وما يصدر في خصوص بيع الأموال المحتكرة وتحديد الأسعار في فترة الغلاء ، أو الأوامر الصادرة في تعيين وتحديد وتقسيم الأنفال والأموال العامّة.

بيان ذلك ، أنّ للفقيه منصبين ومقامين :

١٨٧

الأوّل ـ بيان الفتاوى وإبلاغ الأحكام الإلهيّة إلى الناس.

الثاني ـ الزعامة الدينيّة والإدارة السياسية والاجتماعية ، وتطبيق الأحكام الشرعية وإجراء الحدود الإلهيّة ، وهذا المنصب ممّا وقع الخلاف في حدوده على أقوال ثلاثة :

١ ـ القول بالولاية المقيّدة جدّاً وفي حدود ضيّقة جدّاً ، وهو الذي يقتصر على القول بالولاية في حدود.

٢ ـ القول بالولاية المتوسّط بأنّ له أن يقيم الحدود ويقوم بإدارة المجتمع.

٣ ـ القول بالولاية المطلقة ـ العامّة ـ وهو القول بأنّ للفقيه كلّ ما للمعصوم عليه‌السلام إلاّ ما كان من خصائصه عليه‌السلام التي لا يشاركه فيها أحد.

وكيف كان فالحكم إنّما يصدر من جهة ما للفقيه من ولاية في تطبيق الأحكام والدفاع عن بيضة الإسلام ، أو لقطع دابر الخلاف الذي قد يشتّت شمل المؤمنين ، وأمّا الفتوى فإنّها تصدر من جهة أنّه مبيّن للأحكام الإلهيّة مبلّغٌ لها ، ليس إلاّ.

١٨٨

أحكام التقليد

س : إذا تعارض حكم فقيهٍ مع فتوى فقيهٍ آخر ، فمال الحلّ ؟

ج : يجب العمل بحكم الحاكم ، والإعراض عن فتوى الفقيه.

س : إذا تعارض حكمان من حاكمين في واقعة واحدة ، فما الحلّ ؟

ج : قيل حكم الحاكم غير نافذ إلاّ في المرافعات وفي غير ذلك يرجع كلّ إلى مقلَّده.

الحمد لله ربّ العالمين

١٨٩
١٩٠



الدّرس السّادس والعشرون

الاحتياط

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الاحتياط في اصطلاح الفقه والفقهاء عبارة عن العمل بالأحكام على نحو يحصل له اليقين بأداء التكليف وسقوطه عنه.

مثلاً لو أنّ جماعة من المجتهدين أفتوا بحرمة العمل الكذائي وأفتى البعض الآخر بعدم حرمته ، فالاحتياط هنا يكون في ترك ذلك العمل ، وعدم الإتيان به ، أو كان العمل الكذائي واجباً عند بعضهم وجائزاً ـ ليس بواجبٍ ـ عند البعض الآخر ، فالاحتياط في الإتيان به ، وعلى كلّ حال فالاحتياط سبيل النجاة ، والمحتاط في كلّ شيء يرى آثار احتياطه ، وهي تكون آثاراً طيّبة في حياته ، وسيرى ما هو أعظم في الآخرة.

ومن الأمثلة الحيّة الواقعية الموجودة في كتب الفقه العمليّة

١٩١

ـ الرسائل العمليّة ـ في الاحتياط ، قول بعض الفقهاء بوجوب قراءة التسبيحات الأربع ثلاث مرّات في الركعتين الثالثة والرابعة ، وقول البعض الآخر بوجوبها مرّة واحدة ، فالاحتياط يكون في الإتيان بالأكثر وهو المرّات الثلاث لإدراك الواقع ، وأيضاً فالبعض منهم يرى الاكتفاء والإجزاء ببعض الأغسال المندوبة كغسل الجمعة عن الوضوء ، ويرى البعض الآخر عدم الإجزاء ، بل وجوب الوضوء بعد هذه الأغسال ، للصلاة ، والاحتياط هنا يكون بالوضوء بعد الغسل ، وهكذا.

وبما أنّ الدين أهمّ ما يخصّ الإنسان في سعادته الدنيوية والاُخروية فينبغي أن يحتاط في دينه فلا يأخذه من كلّ أحد إلاّ إذا استيقن فيه من أمرين وأحرزهما فيه ، وهما العلم والمعرفة على نحو الحقيقة لا على حدّ الزعم والادّعاء ، هذا أوّلاً ، ثمّ العدالة والتقوى ثانياً ؛ إذ العلم وحده لا يكفي إلاّ إذا كان يثق بأقوال شخص بحيث يقطع منه أنّه لا يكذب فحينئذٍ لا بأس بتعلّم الدين منه إن كانت أهمّ مقوّمات التعليم موجودة فيه متوفّرة لديه ، وهو العلم والمعرفة بشؤون الدين وأحكامه ؛ لأنّه قد تلتبس عليه

١٩٢

الاُمور فيتوهّم ما ليس من الدين ديناً ، فيدخله في الدين ويحسبه منه ، وقد يتوهّم عكس ذلك ، بأنّ ما هو من الدين ليس ديناً ، فينفيه عن الدين ويخرجه منه ، ولهذا قال المعصوم عليه‌السلام : « أخوك دينك ، فاحتط لدينك بما شئت » (١).

تنبيه :

قد يحدث خلطٌ لدى البعض بين الاحتياط والوسوسة أو الوسواس ، فيُخيّل إليهم أنّ الاحتياط هو الوسوسة ، وبالعكس أنّ الوسواس هو الاحتياط ، أو قد يتوهّم أنّ الوسوسة من الاحتياط ، أو العكس أنّ الاحتياط من الوسوسة ، ولكلّ هؤلاء أقول بأنّ الأمر ليس من هذا القبيل ، وهذا توهّم باطل لا يقوم على أساس ولا ميزان ، بل لا أساس له من الصحّة ؛ إذ بين الاحتياط والوسوسة اختلاف عظيم وبينهما بون بعيد ، وإن كانا في ظاهرهما متشابهين حتّى قد يلتبس أحدهما بالآخر ، إلاّ أنّهما في الحقيقة على خلاف ذلك في المقدّمات والحكم والنتيجة.

__________________

(١) بحار الأنوار ٢ : ٢٥٨. وسائل الشيعة ٢٧ : ١٦٧.

١٩٣

إذ الاحتياط أوّلاً : مبنيٌّ على اُسس واضحة راسخة كما ذكرنا في الصفحات الماضية ، بخلاف الوسواس ، فإنّه لا قواعد له ثابتة راسخة ، وإنّما هو مرض نفساني ونابع من عُقَدٍ نفسانية.

ثانياً : الاحتياط من حيث الحكم ممدوح مطلوب مرغوب بسيرة العقلاء وحكم العقل ، ولهذا أرشد إليه الشارع المقدّس وأكّد عليه ، بخلاف الوسواس ، فإنّه مذموم لدى الشارع المقدّس منهيٌّ عنه أشدّ النهي حتّى شبّه الوسواسيّ بالشيطان وحكم عليه بعبد الشيطان ؛ لكونه مذموماً قبيحاً بحكم العقل وسيرة العقلاء.

ثالثاً : والاحتياط من جهة النتيجة والثمرة العمليّة في حياة الإنسان تكون نتائجه حسنة في جميع المجالات لا يستثنى منها شيء ، والوجدان سيّد الأدلّة ، والحياة مليئة بهذه الأمثلة والعِبر المستفادة من الاحتياط أو مخالفة الاحتياط ، وهكذا العكس في الوسواس ، فالوجدان يدلّنا على كثرة ما نشأت عنه من الأخطاء وما أدّت إليه من المخاطر والسلبيات الفرديّة والاجتماعيّة ، وقد رأينا في زماننا هذا أيضاً رأي العين جملة من البلايا التي خلّفتها

١٩٤

الوسوسة لأصحابها وضحاياها ، من الأمراض النفسانيّة التي انتهت بصاحبها إلى الجنون أو تلف الأعصاب ممّا اضطرّ صاحبها إلى الانتحار ، وكم من حياةٍ زوجيّة تحطّمت ، واُسرة متماسكة تلاشت ، وإخوة تباغضوا ، وجرائم اقتُرفت ، وحروب نشبت واندلعت ، وضحايا سقطت هنا وهناك ، كلّ ذلك بسبب الوسوسة الشيطانيّة أجارنا الله تعالى منها ومن شرارها ، فـ « الاحتياط سبيل النجاة » (١) كما في بعض الأخبار ، أمّا الوسواس فهو سبيل الهلاك.

س : هل يجوز للمجتهد أن يحتاط ؟

ج : نعم ، يجوز للمجتهد رغم استنباطه للحكم الشرعي أن يعرض عن العمل بفتواه ويعمل بالاحتياط ، إن كانت المسألة من موارد الاحتياط.

س : هل الاحتياط يستلزم تكرار العمل دائماً ؟

كلاّ ، إذ قد يستلزم التكرار وقد لا يستلزم ذلك ، وإليك

__________________

(١) الحدائق ١٠ : ٣. مستند الشيعة ١٤٧ : ٣. غنائم الأيام ـ الميرزا القمّي ١ : ٥٣٦.

١٩٥

الأمثلة التالية :

الأوّل : الذي لا يدري وظيفته هي الصلاة قصراً أم هي تماماً ، كما لو قطع مسافة في السفر فأراد الصلاة وهو لا يدري هل قطع المسافة الشرعيّة حتّى تجب عليه الصلاة قصراً ام لا حتّى يصلّيها تماماً ؟ فالاحتياط هنا يستلزم التكرار ، أي الجمع بينهما بإتيان الصلاة تماماً ثمّ قصراً ، أو العكس ، أي الإتيان بها قصراً ثمّ تماماً. وهو تكرار للعمل.

الثاني : من لا يعلم هل الوضوء بعد غسل الجمعة والإقامة قبل الصلاة واجبان في صلاة الفريضة أم مستحبّان ، فالاحتياط هنا يقضى بلزوم الإتيان بهما ، وهذا لا يعدّ تكراراً للعمل.

س : كثيراً مانسمع بالاحتياط الواجب والاحتياط المستحبّ ، والأحوط الوجوبي والأحوط الاستحبابي ، والأحوط وجوباً ، والأحوط استحباباً ، فما معناها ، وما الفرق بينها ؟

ج : أوّلاً : جميع هذه الألفاظ ترجع إلى الاحتياط الواجب والاحتياط المستحبّ ، وكافّة الاحتياط التي ترد في الرسالة العمليّة إمّا واجبة وإمّا مستحبّة ، ومعنى الاحتياط

١٩٦

الواجب كون العمل في مقام يكاد يكون الإتيان به إلزاميّاً لكثرة الأدلّة عليه ، أو كونه في مقام يكاد يكون تركه والإعراض عنه إلزاميّاً لكثرة الأدلّة على ذلك ، وأمّا الاحتياط المستحبّ فهو كون العمل بحيث يكاد الإتيان به أن يكون مطلوباً مرغوباً لا على نحو الإلزام ، أو يكاد يكون تركه مطلوباً لا على نحو الإلزام.

وأمّا الفرق بينهما فهو من وجهين وجهتين :

الاُولى : من جهة تشخيص وفي مقام معرفة أنّ الاحتياط من أيّ القسمين.

الثانية : من جهة الأثر وفي مقام العمل ، أي الاختلاف في وظيفة المكلّف بالنسبة إلى كلّ واحد منهما.

أمّا الجهة الاُولى : فالفرق بينهما من هذه الجهة تكون في أنّ الاحتياط المستحبّ هو الاحتياط مع الفتوى ، والاحتياط الواجب هو الاحتياط الخالي من الفتوى ، ويسمّى الاحتياط المطلق أيضاً. بيان ذلك : لو أفتى المجتهد في مسألة وكان فتواه مسبوقاً بالاحتياط أو ملحوقاً به كان الاحتياط مستحبّاً ،

١٩٧

مثال ذلك :

جاء في كتاب الصيد والذباحة مسألة (١٦٥١) من منهاج الصالحين للمرحوم آية الله العظمى السيّد أبوالقاسم الخوئي أعلى الله مقامه الشريف حول حكم استقبال القبلة للذابح : « لا يشترط استقبال الذابح نفسه وإن كان أحوط » ، فالاحتياط هنا استحبابي ؛ لأنّه مسبوق بالفتوى وهو قوله قدس‌سره : « لا يشترط استقبال الذابح نفسه ».

وأمّا إذا لم يكن له فتوى في تلك المسألة ، وكان الحكم احتياطيّاً محضاً فهو احتياط واجب ومثاله :

جاء في المسألة (١٦٥٨) من منهاج الصالحين : « كما أنّ الأحوط ان لا تنخع الذبيحة عمداً ... الخ ».

وأمّا الجهة الثانية : فالفرق بينهما من هذه الجهة أنّ المكلّف في الاحتياط المستحبّ مخيّر بين العمل بالاحتياط المذكور ، أو بالفتوى الذي قبله أو بعده ، ولا يجوز له الرجوع إلى فتوى المجتهد الذي يليه.

وأمّا في الاحتياط الواجب فالمقلِّد يحب عليه أن يعمل

١٩٨

بالاحتياط نفسه ، أو يرجع إلى المجتهد الذي يليه في مرتبة الأعملية إن كان له فتوى في المسألة ذاتها ، وإلاّ فليرجع إن شاء إلى الأعلم فالأعلم حتّى يجد من بين الفقهاء من أفتى في تلك المسألة فيقلِّده فيها أي يعمل بفتواه.

ملاحظة :

١ ـ قد يرد في الرسالة العمليّة الاحتياط مصرّحاً به بلفظ المستحبّ أو الواجب ، أو الاستحباب والوجوب ، ومعرفته واضحة لا حاجة إلى زيادة عناء.

٢ ـ وقد يرد الاحتياط الواجب بلفظ الاحتياط اللزومي ، أو الأحوط لزوماً ، أو نظائرهما وهو واضح أيضاً ، ففي المسألة (١٦٥٨) من منهاج الصالحين لآية الله العظمى السيّد أبو القاسم الخوئي قدس‌سره : « الأحوط لزوماً عدم قطع رأس الذبيحة عمداً قبل موتها ».

٣ ـ كما قد يرد الاحتياط المستحبّ موصوفاً بلفظ الأولى ، مثال ذلك :

جاء في المسألة (١٦٤٥) من المنهاج : « لو أخذ الذابح بالذبح

١٩٩

الدّرس السّادس والعشرون

فَشَقَّ آخر بطنه وانتزع أمعاءه مقارناً للذبح ، فالظاهر حلَّ لحمه ، وكذا الحكم في كلّ فعلٍ يُزهق إذا كان مقارناً للذبح ، ولكنّ الاحتياط أولى ».

٤ ـ وإذا قال الفقيه : « لا يترك الاحتياط » كان الاحتياط واجباً أيضاً.

الحمد لله ربّ العالمين

٢٠٠