كيف نفهم الرسالة العمليّة - ج ٢

محمد مهدي المؤمن

كيف نفهم الرسالة العمليّة - ج ٢

المؤلف:

محمد مهدي المؤمن


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-11-6
الصفحات: ٢١٦
  الجزء ١   الجزء ٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

بعض المنتسبين إلى الطائفة الحقّة من المنقّصة والعوام ؛ إذ لا تتحقّق للنفس التحلية بالمحاسن والفضائل إلاّ بعد تخليتها من المفاسد والرذائل ، ولا تتمّ التحلية إلاّ بنبذ الرذائل والبراءة منها وإعلان الحرب عليها ، والتولّي لأولياء الله تحلية للنفس متفرّعٌ على التبرّي ، أي التخلية ، وهو لا ينافي قوله عليه‌السلام : « وما نُودِيَ بشيءٍ كما نُودِي بالولاية » (١).

والحمد لله ربّ العالمين

__________________

(١) مستدرك سفينة البحار ٥ : ١١٣ و ٦ : ١٦٤.

١٤١
١٤٢



الدّرس التّاسع عشر

أقسام الأحكام

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قسّموا الأحكام في تقسيمة كُلّيّة إلى قسمين :

الأوّل : الأحكام التكليفيّة ـ وهي الأحكام التي تبيّن وظيفة الإنسان وتكليفه بالنسبة إلى أعماله وأفعاله ـ ، بيان ذلك : أنّ أفعال الإنسان لا بدّ أن تندرج تحت أحد الأحكام الخمسة ، ولا بدّ أن تتّصف وتعنون بواحدٍ منها ؛ لأنّها لا تخلو من كونها إمّا واجبة كالصلاة ، أو محرّمة كالغِيبة ، أو مستحبّة كالوضوء قبل النوم ، أو مكروهة كالقهقهة ، أو مباحة كالأكل والشرب الاعتياديّين.

وقد يعبّر عن الحرمة بالحرمة التكليفيّة ويراد بها استحقاق العقاب الاُخروي والدنيوي في بعض الصور كالسرقة والزنا وشرب الخمر ، أو استحقاق العقاب الاُخروي فقط مثل الكذب والغِيبة.

١٤٣

الثاني : الأحكام الوضعية ـ وهي الأحكام التي تحدّد وضع الأشياء وكيفيّتها في ارتباطها بأعمال الإنسان وأفعاله ، مثل صحّة الصلاة ، وبطلان الصوم ، وطهارة ماء المطر ، ونجاسة البول وهكذا.

وقد يعبّر عن الحرمة بالحرمة الوضعيّة ، ويراد بها الآثار الخارجية التي تترتّب على الفعل ، مثل بطلان العمل ، فقولهم بيع حرام أي لا تترتّب عليه آثار البيعيّة والملكية وهي تملّك الثمن للبائع وتملّك المثمّن للمشتري ، وبطلان الصلاة الذي يعني عدم إجزائها وعدم سقوط التكليف بها ، بل وجوب إعادتها أو قضائها.

للواجب والوجوب أقسام :

الأوّل : الواجب أو الوجوب العيني ، وهو الذي يكون مطلوباً من جميع المكلّفين ومن آحادهم بحيث لا يسقط عن البعض إذا أتى به البعض الآخر. وبعبارة أدقّ : فإنّ قيام جماعة من المكلّفين بالواجب العيني لا يُسقطه عن بقيّة المكلّفين ، كالصلاة والصوم والحجّ.

الواجب أو الوجوب الكفائي ، وهو الواجب الذي يسقط

١٤٤

وجوبه عن سائر المسلمين بمجرّد قيام من به الكفاية منهم ، كالجهاد فإنّه فَرْضُ كفايةٍ إذا قام به جماعة كافية بحيث يتحقّق بهم غرض الدفاع أو التبليغ فإنّه يسقط عن الباقين ، ومثل طلب العلم فإنّه فَرْضُ كفايةٍ على المسلمين.

الثاني : الواجب التعييني ، وهو الفعل الخاصّ المطلوب من المكلّفين بعينه ولا بديل له يقوم مقامه وينوب منابه كفرضي المغرب والعشاء.

والواجب التخييري ، وهو الفعل المطلوب لا على نحو التعيين والتحديد والحصر ، بل على نحو التخيير بين فعلين أو أكثر ، فهو عبارة عن وجود فعلين أو أكثر قد خُيّر المكلّف بينهما أو بينها ، بحيث يختار واحداً منها وجوباً ويأتي به ، كما في التخيير بين صلاتي الجمعة والظهر يوم الجمعة ـ عند القائلين بالإجزاء والتخيير ـ ، وكالتخيير بين عتق رقبة وإطعام ستّين مسكيناً وكسوتهم لمن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً من غير عذر شرعي.

يكون العثور على فتاوى الفقيه وأحكامه بإحدى الطرق الأربع :

١ ـ السماع من المجتهد.

١٤٥

٢ ـ السماع من شخصين عادلين.

٣ ـ السماع ممّن يوثق بصدق كلامه ، ولا يُظَنُّ خلافه ، أو كان ممّن يُطمئنّ إلى صدقه.

٤ ـ الأخذ من رسالة المجتهد إن كان يطمئنّ إلى نسبتها إليه وصحّة ما ورد فيها.

والحمد لله ربّ العالمين

١٤٦



الدّرس العشرون

الاجتهاد والمجتهد

بِسْمِ اللهِ الرًّحْمنِ الرَّحِيمِ

الاجتهاد في اللغة هو بذل الجهد واستفراغ الوسع ، وفي اصطلاح الفقهاء هو استنباط الأحكام والمسائل الشرعيّة من مصادر التشريع الأربعة.

والمجتهد في الفقه عبارة عمّن له القدرة على استنباط الأحكام الشرعيّة من منابعها الأصيلة.

المجتهد إمّا مجتهد مطلق ، وهو الذي له القدرة على استنباط الأحكام في جميع أبواب الفقه من الطهارة ـ بل من التقليد ـ إلى الديات.

وإمّا مجتهد متجزّي ، وهو الذي تقتصر قدرته على الاستنباط في بعض أبواب الفقه لاكلّها.

١٤٧

والمجتهد إمّا فعليّ الاجتهاد ، أي له فتاوى واستنباطات عمليّة.

أو مجتهد بالقوّة ، وهو الذي يتمكّن من الاستنباط لكنّه لم يطبّق قدرته هذه فليست له فتاوى ، ويعبّرون عنه بمن له ملكة الاستنباط لكن لم يُعملها.

والمجتهد لا يجوز له أن يقلِّد أحداً ، أي لا يجوز له أن يعمل بفتوى غيره من المجتهدين ، فيحرم عليه الرجوع إلى مجتهد آخر.

مقدّمات الاجتهاد هي :

١ ـ العلوم العربية من الصرف والنحو والمعاني والبيان والبديع واللغة.

٢ ـ المنطق : ويسمّى صناعة المنطق ، وهو العلم الذي ينظّم حركة العقل والفكر ؛ لأنّه فنّ ترتيب المقدّمات الصحيحة للتوصّل إلى النتيجة الصحيحة ، وموضوعة المعرِّف والحجّة ، وواضعه أرسطو طاليس ، ولهذا سُمّي بالمنطق الأرسطوئي.

٣ ـ اُصول الفقه : وهو علم استنباط الأحكام الشرعية من أدلّتها التفصيليّة ، وموضوعه الأحكام الخمسة.

٤ ـ الرجال : وهو علم معرفة أحوال الرواة ، وفنّ بحث الأسانيد.

١٤٨

٥ ـ دراية الحديث : وهو علم معرفة معاني الأحاديث ومفاهيمها ، وتشخيص الدلالات الصحيحة من السقيمة ، والتعرّف على قصود المعصومين عليهم‌السلام.

٦ ـ علوم القرآن ، كالتفسير ، وشأن نزول الآيات ، بالإضافة إلى مراعاة اُمور اُخرى دخيلة في الاستنباط وهي :

أ ـ معرفة المحاورات العرفيّة والمفاهيم اللغويّة المتداولة لدى المخاطبين بالقرآن الكريم والسنّة الشريفة ، أي في صدر الإسلام.

ب ـ معرفة أقوال وآراء المتقدّمين والعلماء الماضين ، لئلا يقع في محذور مخالفة الشهرة أو الإجماع ، وإن كان البعض لا يرى أنّ في مخالفة الشهرة بأساً لكنّ البعض لا يخالف ، ولكن بالنتيجة ليست الشهرة من الأدلّة إلاّ إذا أفادت اطمئناناً شخصيّاً للفقيه.

ج ـ مراجعة الفتاوى والروايات المعتمدة لدى أهل السنّة ، سيّما في موارد تعارض الأخبار والأمارات.

د ـ السعي الحثيث والعمل الدؤوب للاستنباط واستخراج الأحكام ، وتقوية القدرة على الاستنباط بالتمرين والممارسة ، حتّى ينال ملكة الاجتهاد.

١٤٩

مصادر التشريع الإسلامي :

مصادر التشريع التي يعتمد عليها الفقيه لمعرفة الأحكام واستنباطها أربعة :

الأوّل : الكتاب ، وهو القرآن الكريم ، كتاب الله الصامت الذي ( لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ ) (١) ، الذي قال عنه تعالى : ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ) (٢) ، وهو النزول الدفعيّ الجمعيّ الذي قال عنه تعالى : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (٣) ، وفي بعض الأحاديث أنّ النزول الجمعي كان في ليلة القدر إلى البيت المعمور ، كما في تفسير قوله تعالى : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) (٤) عن الإمامين الباقر والصادق عليهما الصّلاة والسّلام أنّهما قالا : « وهي ليلة القدر ، أنزل الله عزّ وجلّ القرآن فيها إلى البيت المعمور جملة واحدة ، ثمّ من البيت المعمور على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في طول عشرين

__________________

(١) سورة فصّلت : ٤٢.

(٢) سورة الشعراء : ١٩٣ و ١٩٤.

(٣) سورة القدر : ١.

(٤) سورة الدخّان : ٣.

١٥٠

سنة » (١) ، ثمّ أنزله الله تعالى نزولاً تدريجيّاً على مدى ثلاثٍ وعشرين سنة متوالية متتالية.

وهو الكتاب المأمون الذي لم ولن تطاله يد التحريف لا بالزيادة ولا النقصان ، قال تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (٢) ، وهو الهادي المهديّ ، قال تعالى : ( إِنَّ هٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) (٣) ، وقال تعالى : ( الم * ذٰلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) (٤) ، وفيه شفاء من كلّ داء لا سيّما الأمراض النفسانيّة ، قال تعال : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً ) (٥) ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ) (٦) ، ولهذا أمرنا الله تعالى بتلاوته فقال : ( فَاقْرَءُوا

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٣٧ : ٩ و ٩٤ : ١٢.

(٢) سورة الحجر : ٩.

(٣) سورة الإسراء : ٩.

(٤) البقرة : ١ و ٢.

(٥) سورة الإسراء : ٨٢.

(٦) سورة يونس : ٥٧.

١٥١

مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ) (١) ، بل أمرنا أن نقرأه حقّ تلاوته : ( يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ ) (٢) ، وحقّ التلاوة هو التلاوة طبقاً للآداب الإسلاميّة التي أفصح عنها الكتاب نفسه والسنّة الشريفة ، وهي :

١ ـ التلاوة مع التأمّل والتدبُّر والتفكُّر ، قال تعالى : ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) (٣).

٢ ـ التلاوة مع التأنّي وحسب القواعد العربيّة في علم التجويد ، قال تعالى : ( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ) (٤).

٣ ـ التلاوة الحزينة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « إنّ القُرآنَ نَزَلَ بِالْحُزْنِ فاقْرَؤُوه بالْحُزْنِ » (٥).

٤ ـ الابتداء بالاستعاذة ، قال تعالى : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) (٦).

__________________

(١) سورة المزمّل : ٢٠.

(٢) سورة البقرة : ١٢١.

(٣) سورة النساء : ٨٢ وسورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : ٢٤.

(٤) سورة المزمّل : ٤.

(٥) الكافي ٢ : ٦١٤. شرح اُصول الكافي ١١ : ٤٤ و ٤٥.

(٦) سورة النحل : ٩٨.

١٥٢

٥ ـ تذكّر الجنّة والنار والتفكُّر فيهما ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قول الله تعالى : ( يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ ) (١) ، فقال عليه‌السلام : « الوقوف عند ذكر الجنّة النار » (٢).

٦ ـ الطهارة والوضوء حال القراءة ، قال تعالى : ( لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (٣).

٧ ـ السواك قبل التلاوة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « نَظِّفُوا طريق القرآن » ، قيل : يا رسول الله ، وما طريقُ القرآن ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أفواهكم » ، قيل : بماذا ؟ قال : « بالسواك » (٤).

٨ ـ الإنصات والاستماع ، قال تعالى : ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (٥).

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « مَن استمع حرفاً من كتاب الله عزّ وجلّ من غير قراءة كتب الله له حسنةً ، ومحى عنه سيّئة ، ورفع له

__________________

(١) سورة البقرة : ١٢١.

(٢) مستدرك الوسائل ٤ : ٢٣٨. بحار الأنوار ٨٩ : ٢١٤.

(٣) سورة الواقعة : ٧٩.

(٤) الحدائق ٥ : ٥٦٧.

(٥) سورة الأعراف : ٢٠٤.

١٥٣

درجة » (١) ، وهن النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يدفعُ اللهُ عن مستمعِ القرآنِ بلاءَ الدُّنيا » (٢).

٩ ـ أن تختم القرآن في شهر رمضان أو نكثر من تلاوته ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « لِكَلٍّ شَيءٍ ربيع ، وربيعُ القرآنِ شهرُ رمضان » (٣).

١٠ ـ التلاوة كلّ يوم ، عن عليّ عليه‌السلام : « من قرأ كُلَّ يومٍ مِأَةَ آيةٍ في المصحف بترتيلٍ وخشوع وسكون ، كتب الله له من الثواب بمقدار ما يعمله جميع أهل الأرض » (٤) ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا سلمان ، عليك بقراءة القرآن ، فإنّ قراءته كفّارةٌ للذنوب ، وستر من النار ، وأمان من العذاب ، ويُكتب لمن يقرؤه بكلِّ آيةٍ ثوابُ مأة شهيد ، ويُعطى بكلِّ سورةٍ ثوابَ نبيّ مرسل ، وينزل على صاحبه الرحمة ويستغفر له الملائكةُ ، واشتاقت إليه الجنّة ، ورضى عنهُ المولى ... الخ » (٥).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٦١٢. بحار الأنوار ٨٩ : ٢٠١.

(٢) تفسير مجمع البيان ١ : ٤٤.

(٣) شرح اُصول الكافي ١١ : ٧٥.

(٤) بحار الأنوار ٢٠ : ٨٩. مستدرك الوسائل ٤ : ٢٦٥.

(٥) مستدرك الوسائل ٤ : ٢٥٧.

١٥٤

١٠ ـ القراءة في المصحف ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : « قراءة القرآن في المصحف تُخفِّفُ العذاب عن الوالدين لو كانا كافِرَينِ » (١) ، بالإضافة إلى استحباب الدعاء قبل التلاوة وبعدها ، وجوب احترام القرآن وحرمة الإتيان بكلّ ما ينافي حرمة القرآن الكريم.

وأخيراً استحباب ختم التلاوة بقولنا : « صدق اللهُ العليُّ العظيم » ، ويستحبُّ حفظ القرآن وتعليمه وتعلُّمه ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « خياركم من تعلَّم القرآن وعلَّمهُ » (٢).

عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « ينبغي للمؤمن أن لا يموت حتّى يتعلَّم القرآن أو يكون في تعلُّمه » (٣) ، بل لا يبعد وجوب الحفظ والتعليم والتعلُّم كفاية.

وعن معاذ قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « ما من رجل عَلَّم ولده القرآن إلاّ تَوَّجَ اللهُ أبويهِ يومَ القيامةِ بتاجِ الملكِ ،

__________________

(١) الكافي ٢ : ٦١٣. وسائل الشيعة ٦ : ٢٠٤.

(٢) كشف الغطاء ٢ : ٢٩٩. وسائل الشيعة ٦ : ١٦٧. بحار الأنوار ٨٩ : ١٨٦.

(٣) الكافي ٢ : ٦٠٧. كشف الغطاء ١ : ٢٩٩.

١٥٥

وكُسِيَا حُلَّتَينِ لم يَرَ الناسُ مِثلَهُما » (١) ، وأن يهتمّ بعلوم القرآن فيتعلّم ولو شيئاً من تفسيره وتنزيله ، وأن يكون كلّ ذلك من أجل العمل بالكتاب المبين وتطبيقه في حياته باتّباع أوامره واجتناب نواهيه والعبرة بما فيه.

والحمد لله ربّ العالمين

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ : ١٦٨ و ٤ : ٨٢٥.

١٥٦



الدّرس الحادي والعشرون

تتمّة مصادر التشريع

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الثاني : السنّة الشريفة ، وهي عبارة عن قول المعصومين عليهم‌السلام وهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والصدّيقة الطاهرة سيّدة النساء فاطمة الزهراء صلوات الله عليها ، والأئمّة الإثنا عشر خلفاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأفعالهم وتقريراتهم.

أمّا قول المعصوم عليه‌السلام فهو عبارة عن كلّ ما صدر من أقوالهم عليهم‌السلام ، ويعبّر عنها بالأحاديث والروايات والأخبار الواردة عنهم ، فإذا صحّ نسبتها إلى المعصوم عليه‌السلام كانت حجّةً على الفقيه ، ودليلاً يستند إليه في استنباط الأحكام الشرعيّة ؛ لقوله تعالى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (١) ،

__________________

(١) سورة النجم : ٣ و ٤.

١٥٧

وقوله تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (١) ، وهذه الآية وإن كانت تعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ أنّها غير مختصّة بشخصه الكريم ، وإنّما يشمل خلفاءه الراشدين ، وهم الأئمّة الطاهرون ، بأدلّة قطعيّة كثيرة ؛ لأنّ لهم ما لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالتمام والكمال إلاّ الوحي ، فإنّه خاصّ به صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يوحى إليهم ، ولا يشاركونه في هذه الخاصّة من خصائصه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد أثبتنا ذلك في محلّه في الجزء الأوّل ـ الحلقة الاُولى ـ من هذه المجموعة عند بحثنا لاُصول العقائد مبحث الإمامة ، وعليه فالآية شاملة للأئمّة الأطهار عليهم‌السلام لعموم المعنى والدلالة لا بخصوص اللفظ ، وخصوص اللفظ غير مانع من التمسّك بعموم المعنى.

ويكفي الاطمئنان ، وحتّى الظنّ الخاصّ التعبّدي ، الحاصل من وثاقة الراوي في استدلال المجتهد بالرواية المنسوبة إلى المعصوم عليه‌السلام ، ويترتّب على حجّية قول المعصوم عليه‌السلام أن يتعلّم الفقيه مقدّمات لا بدّ منها في معرفة صحّة الحديث وعدم صحّته في نسبته إلى المعصوم عليه‌السلام ، وفي معرفة كونه حجّة أو غير حجّة ،

__________________

(١) سورة الحشر : ٧.

١٥٨

والمقدّمات اللاّزمة هنا أوردناها في الدرس الماضي من علوم العربية والمنطق والاُصول و... لكن أهمّها علم معرفة الرجال ومعرفة أسانيد الأخبار ، وهو علم معرفة حال رواة الأحاديث ، بالإضافة إلى علم الدراية وهو علم دراية الحديث ؛ إذ الفقيه يبحث أوّلاً في سند الرواية ثمّ ينتقل إلى المعاني والمفاهيم والدلالات التي في الرواية.

أمّا فعل المعصوم عليه‌السلام فهو عبارة عن كلّ ما يصدر منه عليه‌السلام من الأفعال والأعمال ، كما لو ورد الخبر الصحيح أو المتواتر أو الموثوق أو المعتبر أو الحسن أو المقبولة مثلاً أنّ المعصوم عليه‌السلام أتى بالفعل الكذائي مثلاً أنّه عليه‌السلام توضّأ فغسل يده المباركة من المرفق إلى رؤوس الأصابع ، فإنّه حجّة علينا وعلى الفقيه الذي يستند إليه في الفتوى إن لم يكن فعل المعصوم عليه‌السلام نابعاً من التقيّة وليس في فعله احتمال التقيّة ، كما أنّه اشترط في حجيّة أفعالهم عليهم‌السلام إثبات عدم اختصاصها بالمعصوم عليه‌السلام وإثبات كونها مطلقة ؛ إذ لا دليل على إفادة الإطلاق في أفعالهم بخلاف أقوالهم التي نتمسّك بظواهرها وهي حجّة وفيها إطلاق لفظي ، وتثبت حجّية أفعالهم عليهم‌السلام بعد تحقّق إطلاقها وعدم التقيّة فيها بنفس الدليل الذي أثبتنا

١٥٩

به حجّية قوله عليه‌السلام.

وأخيراً تقرير المعصوم عليه‌السلام ، لمّا كان النهي عن المنكر ومنع الناس عن ارتكاب الخلاف والوقوع في الخطأ أو الجريمة من وظائف المعصوم عليه‌السلام ـ إلاّ في موارد التقيّة ـ فإذا صدرت بعض الأفعال في محضر المعصوم عليه‌السلام ، بل كلّ فعل يصدر في مرئى ومسمعٍ منه عليه‌السلام ، وحاز على تأييد منه عليه‌السلام ، أو لم ينه المعصوم عليه‌السلام عنه ولم يعرض عنه ـ مع إحراز عدم كونه عليه‌السلام في حال التقيّة ـ فهو دليل على إمضاء الشارع وتقريره له ، أي مجرّد عدم ردع المعصوم عليه‌السلام وعدم منعه إقرار منه عليه‌السلام ودليل على شرعيّة الفعل المأتي به ، وهو ملاك ومصدر آخر لاستنباط الحكم الشرعي لدى الفقيه.

ثمّ كتب الحديث المصدريّة المهمّة عبارة عن الاُصول الأربعمأة المرويّة بواسطة أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام ، وقد تلف أكثرها. نعم حاول بعض المحدّثين أعلى الله مقامهم أن يجمعها ، كما صنع صاحب وسائل الشيعة وصاحب البحار قدس‌سرهما ، وكيف كان فأهمّ كتب الحديث في الوقت الراهن هي الكتب الأربعة ، أعني الكافي للمرحوم الكليني ، ومن لا يحضره الفقيه للمرحوم الشيخ الصدوق ، والتهذيب والاستبصار للمرحوم الشيخ الطوسي ،

١٦٠