كيف نفهم الرسالة العمليّة - ج ٢

محمد مهدي المؤمن

كيف نفهم الرسالة العمليّة - ج ٢

المؤلف:

محمد مهدي المؤمن


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-11-6
الصفحات: ٢١٦
  الجزء ١   الجزء ٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

Description: F:Book-LibraryENDQUEUEKayf-Nafham-Resalah-part02imagesimage001.gif

١

٢

Description: F:Book-LibraryENDQUEUEKayf-Nafham-Resalah-part02imagesimage002.gif

٣

٤

Description: F:Book-LibraryENDQUEUEKayf-Nafham-Resalah-part02imagesimage003.gif

٥

٦



كلمة المركز

بِسمِ الله الرّحمنِ الرَّحيمِ

الحمد لله الواحدِ الأحدِ ، الفردِ الصمدِ ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ، ثمّ الصّلاة والسّلام على العبد المؤيّد ، والرسول المسدّد ، المصطفى الأمجد ، والمحمود الأحمد ، سيّدنا ومولانا أبي القاسم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى آله الهداة المهديّين ، وأوصيائه المنتجبين ، سيّما خاتم الأوصياء المطهّرين سيّدنا ومولانا الإمام الثاني عشر الحجّة المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف ، ولعن الله على أعدائهم إلى يوم الدين.

أمّا بعد ، فقد مَنّ الله تعالى على عباده المؤمنين أن بعث فيهم وإليهم رسولاً من أنفسهم يعلّمهم معالم دينهم ويزكّيهم ويهديهم سواء السبيل ، فقال عزّ من قائل : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ

٧

وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ ) (١) ، ومَنّ عليهم كذلك بأوصياء وخلفاء وأئمّةٍ اثني عشر راشدين هادين مهديّين يحملون أعباء الرّسالة من بعده ، ويقومون بإتمام الدّين ، وإكمال شريعة سيّد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى تقوم السّاعة ، لكنّهم لاقوا من جهلة هذه الاُمّة والمتلبّسين بعباءة الدين ظلماً فادحاً ، وتجاهلاً واضحاً ، وجرت عليهم أعظم المصائب وأنواع البلايا ، ولم يؤذَ أحد في الله تعالى بمثل ما اُوذوا ، وإلّا صاحب الرّسالة ونبيُّ الرحمة صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث صرّح بذلك قائلاً : « ما اُوذي نبيٌّ بمثل ما اُوذيتُ » (٢) ، فمضت عليهم الأحوال على هذه الطريقة وهذا المنوال ، حتّى قضى الواحد منهم تحبه تلو الآخر : « فَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ ، وسُبِيَ من سُبِيَ ، وَاُقْصِيَ مَنْ اُقْصِيَ ، وَجَرَى الْقَضاءُ لَهُمْ بِما يُرجىٰ لَهُ حُسْنُ الْمَثُوبَةِ » (٣) ، وأسفر عن ذلك كلّه حرمان المؤمنين من الارتباط بإمامهم الحاضر ، والاهتداء بهديه ، وتلقّي ما يعنيهم من أحكام دينهم ودنياهم من النّبع الصّافي ، والمصدر الأصيل ، والثّقل الأصغر الّذي يعدل الثّقل

__________________

(١) الجمعة : ٢.

(٢) بحار الأنوار ٣٩ : ٥٦. كشف الغمّة ٣ : ٣٤٦.

(٣) المزار ـ محمّد بن المشهدي : ٥٧٨. إقبال الأعمال ١ : ٥٠٨. بحار الأنوار ٩٩ : ١٠٦.

٨

الأكبر ، وامتداد للنبوّة وبيت الوحي ؛ إذ كتب الله تعالى وقضى لحجّته الثاني عشر ، وخاتم أوصياء نبيّه الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله بغيبتين : صغرى دامت سبعين عاماً يتوسّط خلالها بينه وبين شيعته ومواليه نوّابٌ أربعة حازوا لديه بالنيابة الخاصّة ، وكانت هذه الأعوام السّبعين فترة تمهيديّة يعدّ شيعته ومواليه لغيبة طويلة لا يعرف مداها إلاّ الله تبارك وتعالى سُمِّيتْ بالغيبة الكبرى.

فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا : ما هو تكليف المؤمنين في زمن الغيبة الكبرى الذي انقطع اتّصالهم المباشر بإمام زمانهم ، وممّن يأخذون أحكام دينهم ؟

هذا السؤال وعشرات الأسئلة الاُخرى سنجيب عنها في هذا الكتيّب الوجيز إن شاء الله تعالى ؛ ليتّضح للقارئ الكريم أهمّ ما يتعلّق بالرّسالة العملية وأحكام الدّين المبين اُصولاً وفروعاً ، عسى أن يرفع غوامض ما يتعلّق بمصطلحات الفقه والفقهاء دامت بركاتهم ، آملين أن يلقى قبولاً لدى المؤمنين ، ويسفر عن تذليل العقبات والصّعاب في طريقهم إلى معرفة أحكام الشريعة الغرّاء ، آمين.

وقد كتبناه على هيئة دروس ليستفاد منها في تعليم الجيل الجديد والقادم من الشباب الصّاعد أيضاً في الدّورات الصّيفيّة التي تنعقد في الكويت وفي سائر البلاد ، وقد بذلنا في سبيل ذلك قصارى

٩

جهدنا ليكون واضحاً في غاية الوضوح ، ولهذا بادرنا إلى استعمال الألفاظ العامّة ، وتجنّبنا اُسلوب المصطلحات العلميّة الخاصّة مهما أمكن ، إلاّ فيما تقتضيه الضرورة ، سعياً منّا إلى توضيح تلك المصطلحات بما يناسب المقام ، وعليه فترجوا من ذوي الاختصاص أن يأخذوا بعين الاعتبار ما نرمي إليه في هذا الكرّاس من تجنّب الاُسلوب العلمي ، لهذا فقد تسامحنا كثيراً في العبارات ، وراعينا المجاز في التعبير ، فلا يلومونا إذا خاننا التعبير أحياناً ، أو قصر منّا البيان ، والله وليُّ التّوفيق.

مركز

الإِمٰامُ السَّجّٰادُ (ع)

للدّراسات الحوزويّة

قم المقدّسة

١٠



الدّرس الأوّل

الاجتهاد والمرجعية الدينيّة ـ ١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ذكرنا في الحلقة الاُولى من حلقات هذا الكتاب ـ وهي التي تمّ تخصيصها للبحث عن اُصول العقائد ـ أنّه لابدّ من رجوع الجاهل إلى العالم وذوي الخبرة والاختصاص ، وعليه فلا بدّ لعامّة الناس من الرجوع إلى عالم تقيٍّ ورع ، مُلمٍّ باُصول الدين واُصول فروعه ومباني أحكامه ، بالغاً مرتبة الاجتهاد ، قادراً على استنباط الأحكام الشرعية من مصادر التشريع الأربعة ـ الكتاب والسنّة والعقل والإجماع ـ ، بحيث يمتلك القدرة الكافية والذوق السليم في تطبيق الاُصول على الفروع ، وتشخيص المصاديق ؛ وصولاً إلى الأحكام الشرعية ، ولهذا كان المرجع الديني في زمن الغيبة الكبرى ـ والذي يجب الرجوع إليه في أخذ الأحكام

١١

الشرعية ـ المجتهد الذي توفّرت فيه شروط خاصّة كالعدالة المبنيّة على الورع والتقوى ، بالإضافة إلى العملية المكتسبة من تلقّيه العلوم الدينية في بعض الحوزات العلمية الدينية الشهيرة لدى بعض الأساتذة والأساطين ممّن اشتهروا بالعلم والفضيلة ، حتّى بلغ في دراساته المتعمّقة وبحوثه المتواصلة للفقه واُصوله وعلوم الشريعة إلى مرحلة الاجتهاد ، وهي المرحلة التي تؤهّله وتمكّنه من استنباط الأحكام وإصدار الفتاوى لمقلّديه ، فيستنبط الأحكام الشرعيّة من أدلّتها التفصيلية.

والمرجعية الدينية أصل ثابت في الفقه الجعفري في زمن الغيبة الكبرى ، أسّس بنيانها وأرسخ دعائمها الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام قبل حلول الغيبة الكبرى بزمن طويل ، حين بادروا إلى تعليم أصحابهم طرق الاجتهاد ومبانيه ، وكانوا يدفعونهم ويحثّون الرواة منهم على الاجتهاد واستنباط الأحكام ، فيما كانوا يأمرون شيعتهم ومواليهم بالرجوع إلى اُولئك الرواة والصفوة من الأصحاب.

ولهذا قال الإمام الصادق عليه‌السلام عن زُرارة بن أعْيَن وبُرَيد العِجْليّ وأبي بصير ومحمّد بن مسلم ( رضوان الله عليهم أجمعين ) :

١٢

« لو لا هؤلاء لانقطعت آثار النبوّة » (١) ، وقال عليه‌السلام : « لو لا زُرارة ونُظَراؤه لانْدَرَسَتْ أحاديث أبي » (٢) ، وقال عليه‌السلام لمحمّد بن مسلم : « إجلسْ في مسجد المدينة وافْتِ الناسَ فإنّي اُحبُّ أن يُرى في شيعتي مثلُك » (٣).

وعن سليمان بن خالد ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : « ما أجد أحداً أحياء ذكرنا وأحاديث أبي ( عليه‌السلام ) إلاّ زرارة ، وأبوبصير ليث المرادي ، ومحمّد بن مسلم ، وبُرِيد بن معاوية العجليّ ، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا ، هؤلاء حُفّاظ الدين واُمناء أبي عليه‌السلام ، على حلال الله وحرامه ، وهم السابقون إلينا في الآخرة » (٤).

وعن عبدالله بن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : إنّه ليس كلَّ ساعةٍ ألقاك ، ولا يمكن القدوم ، ويجيء الرجل من

__________________

(١) نهج السعادة ـ المحمودي : ١٢٦. خلاصة الأقوال ـ العلاّمة الحلّي : ٢٣٤. رجال ابن داود : ٢١٤.

(٢) وضوء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ الشهرستاني ١ : ٤٧٠. وسائل الشيعة ١٨ : ١٠٤.

(٣) حصر الاجتهاد ـ الطهراني : ٣٩ و ٤٠.

(٤) وسائل الشيعة ١٤٤ : ٢٧. رجال الكشّي ١ : ١٣٦ / ٢١٩.

١٣

أصحابنا فيسألني وليس عندي كلّ ما يسألني عنه ، فقال عليه‌السلام : « ما يمنعك من محمّد بن مسلم الثقفي ، فإنّه سمع من أبي ، وكان عنده وجيهاً » (١).

وعن أبي عبيدة الحذّاء ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : « زرارة وأبوبصير ومحمّد بن مسلم وبُرَيد من الذين قال الله تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (٢) » (٣).

وعن يونس بن يعقوب ، قال : كنّا عند أبي عبدالله عليه‌السلام فقال : « أما لكم مفزع ؟ أما لكم من مستراح تستريحون إليه ؟ ما يمنعكم من الحارث بن المغيرة النصري ؟ » (٤).

وعن عليّ بن المسيّب الهمداني ، قال : قلت للرضا عليه‌السلام : شُقّتي بعيدة ، ولست أصل إليك في كلّ وقت فممّن آخذ معالم ديني ؟ قال عليه‌السلام : « من زكريّا بن آدم القمّي المأمون على الدين والدنيا ». قال عليّ بن المسيّب : فلما انصرفت قدمنا على زكريّا بن

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٤٤. رجال الكشّي ١ : ١٣٦ / ٢٧٣.

(٢) الواقعة : ١٠ و ١١.

(٣) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٤٤. رجال الكشّي ١ : ٣١٦ / ٢١٨.

(٤) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٤٥. رجال الكشّي ٢ : ٣٧٧ / ٦٢٠.

١٤

آدم فسألته عمّا احتجتُ إليه (١).

وعن مسلم بن أبي حيّه ، قال : كنت عند أبي عبدالله عليه‌السلام في خدمته ، فلمّا أردتُ أن اُفارقه ودّعته وقلت : اُحبُّ أن تُزوّدني ، فقال عليه‌السلام : « إئتِ أبانَ بنَ تَغْلَب فإنّه قد سمع منّي حديثاً كثيراً ، فما رواهُ لك فاروهِ عنّي » (٢).

وعن عبدالعزيز بن المهتدي والحسن بن عليّ بن يقطين جميعاً ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : قلت : لا أكاد أصل إليك أسألك عن كلّ ما احتاج إليه من معالم ديني ، أفَيُونُس بنُ عبدالرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني ؟ فقال عليه‌السلام : « نعم » (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : « اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنّا ، فإنّا لا نعدّ الفقيه منهم فقيهاً حتّى يكون محدَّثاً » ، فقيل له : أوَ يكون المؤمن محدَّثاً ؟ قال عليه‌السلام : « يكون مفهَّماً ، والمفهَّم المحدَّث » (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٤٦. رجال الكشّي ٢ : ٨٥٨ / ١١١٢.

(٢) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٤٧. رجال الكشّي ٢ : ٣٣١ / ٥٠٤.

(٣) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٤٧. رجال الكشّي ٢ : ٤٩٠ / ٩٣٥.

(٤) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٤٩. رجال الكشّي ١ : ٣ / ٢.

١٥

وعن عليّ بن سويد السائي ، قال : كتب إليَّ أبو الحسن عليه‌السلام وهو في السجن : « أمّا ما ذكرتَ يا عليُّ ممّن تأخذ معالم دينك ، لا تأخذنّ معالم دينك عن غير شيعتنا ، فإنّك إن تعدّيتهم أخذتَ دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أمانتهم ، إنّهم ائتمنوا على كتاب الله فحرّفوه وبدّلوه فعليهم لعنة الله ولعنة رسوله ولعنة ملائكته ولعنة آبائي الكرام البررة ولعنتي ولعنة شيعتي إلى يوم القيامة » (١).

وعن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : أرأيت الرّادّ على هذا الأمر كالرَّادّ عليكم ؟ فقال عليه‌السلام : « يا أبا محمد ، من ردّ عليك هذا الأمر فهو كالرّادّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٢).

والحمد لله ربّ العالمين

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٥٠. رجال الكشّي ١ : ٣ / ٤.

(٢) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٥٣. المحاسن ١٨٥ / ١٩٤.

١٦



الدّرس الثّاني

الاجتهاد والمرجعية الدينيّة ـ ٢

بِسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

عن عمر بن حنظلة ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَيْنٍ أو ميراث ، فتحاكما إلى السُّلطان أو إلى القضاة ، أيحلُّ ذلك ؟ قال عليه‌السلام : « مَن تحاكم إليهم في حقٍّ أو باطلٍ فإنّما تحاكم إلى طاغوت المنهيّ عنه ، وما حكم له به فإنّما يأخذ سُحتاً وإن كان حقّه ثابتاً له ؛ لأنّه أخذه بحكم الطاغوت ومن أمر الله عزّ وجلّ أن يكفر به قال الله تعالى : ( يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ) (١) » ، قلت : وكيف يصنعان وقد اختلفا ؟ قال عليه‌السلام : « ينظران إلى من كان

__________________

(١) النساء : ٦٠.

١٧

منكم ممّن روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا ، فليرضوا به حَكَماً ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً ، فإذا حكم بحكمٍ ولم يقبل منه ، فإنّما بحكم الله استخفّ وعلينا ردّ ، والرادّ علينا كافر رادّ على الله ، وهو على حدّ الشرك بالله » (١).

وكتب أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى قثم بن عبّاس : « واجلس لهم العصرين فافتِ للمستفتي ، وعلِّم الجاهل ، وذاكر العالِم » (٢).

وقال الكشّي رضوان الله عليه : « اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا : أفقه الأوّلين ستّة : زرارة ، ومعروف بن خربوذ ، وبُرَيد ، وأبو بصير الأسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمّد بن مسلم الطائفي. وقال بعضهم مكان أبو بصير الأسدي ، أبو بصير المرادي وهو ليث بن البختري » (٣).

بالإضافة إلى أنّهم عليهم‌السلام قد وضعوا بادئ الأمر اُصولاً وقواعد

__________________

(١) مستدرك الوسائل ١٧ : ٣١١. الاحتجاج : ٣٥٥. عوالي اللئالي ٤ : ٧٨ ، ح ٦٩.

(٢) نهج البلاغة ٣ : ١٤٠ ، الحديث ٦٧.

(٣) رجال الكشّي : ٢٠٦ ، طبعة النجف الأشرف.

١٨

للاستنباط والاجتهاد ، فهذا السيّد المرتضى علم الهدى رضوان الله عليه ذكر في رسالة المحكم والمتشابه نقلاً عن تفسير النعماني ، عن مولانا أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام في حديث طويل : « وذلك أنّهم ـ يعني المخالفين للأئمّة عليهم‌السلام ـ ضربوا القرآن بعضه ببعض ، واحتجّوا بالمنسوخ وهم يظنّون أنّه الناسخ ، واحتجّوا بالمتشابه وهو يطنّون أنّه المحكم ، واحتجّوا بالخّاص وهم يقدّرون أنّه العام ... إلى أن قال عليه‌السلام : ولم يفرّقوا موارده ومصادره ؛ إذ لم يأخذوه عن أهله فضّلوا وأضلّوا ، ثمّ قال نقلاً عن أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام أنّه قال : « إنّ القرآن ناسخ ومنسوخ ، ومحكم ومتشابه ، وخاصّ وعام » ، ثمّ ذكر عليه‌السلام أنواعاً كثيرة تزيد على المائة منها ، إلى أن قال عليه‌السلام : « ورُخَصٌ وعزائم ، وحلال وحرام ، وفرائض وأحكام ، ومنقطع ومعطوف ، ومنه ما لفظه خاصّ ومعناه عامُّ ، ومنه ما لفظه عامٌّ محتمل للعموم ، ومنه ما لفظه واحد ومعناه جمع ، ومنه ما لفظه جمع ومعناه واحد ، ومنه ما لفظه ماضٍ ومعناه مستقبل ، ومنه ما تأويله في تنزيله ، ومنه ما تأويله مع تنزيله ، ومنه ما تأويله قبل تنزيله ، ومنه ما تأويله بعد تنزيله ، ومنه آيات نصفها منسوخ ونصفها متروك على حاله ، إلى أن

١٩

قال عليه‌السلام : « فكانت الشيعة إذا فرغت من تكاليفها تسأله عن قسم قسمٍ فيخبرها » ، ثم قال عليه‌السلام بعد كلام طويل : « وإنّي لّما أردتُ قتل الخوارج قلت : « يا معشر الخوارج ، اُنشدكم الله هل تعلمون أنّ القرآن ناسخاً ومنسوخاً ، ومحكماً ومتشابهاً ، وخاصّاً وعامّاً ؟ ». قالوا : اللّهُمّ نعم ، قلت : اللّهمّ اشهده عليهم ، ثمّ قلتُ : اُنشدكم الله ، هل تعلمون ناسخ القرآن ومنسوخه ، ومحكمه ومتشابهه ، وخاصّه وعامّه ؟ قالوا اللّهمّ لا ، قلتُ : اُنشدكم الله ، هل تعلمون إنّي أعلم ناسخ القرآن ومنسوخه ، ومحكمه ومتشابهه ، وخاصّه وعامّه ؟ قالوا اللّهمّ نعم ، قلت : مَنْ أضلُّ منكم إذا أقررتم بذلك ؟ » (١).

وأورد الحرّ العاملي عن سليم بن قيس الهلالي ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث طويل أنّه سأله عمّا في أيدي الناس من تفسير القرآن وأحاديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : « إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً ، وناسخاً ومنسوخاً ، وعامّاً وخاصّاً ، ومحكماً ومتشابهاً ، وحفظاً ووهماً ، وقد كُذِبَ على رسول الله صلّى الله

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ١٧٦. الفصول المهمّة ١ : ٥٩٦.

٢٠