الشيعة هم أهل السنّة

الدكتور محمّد التيجاني السماوي

الشيعة هم أهل السنّة

المؤلف:

الدكتور محمّد التيجاني السماوي


المحقق: مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-20-X
الصفحات: ٥٢٢

فسَّقه فهو فاسق ، وأنّ من طعن في صحابي فكأنّما طعن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ويرى جهابذة أهل السنّة أيضاً أنّه يجوز الخوض في ما جرى بين علي ( رضي الله عنه ) ومعاوية من أحداث التاريخ.

وأنّ من الصحابة من اجتهد وأصاب وهو علي ومن نحا نحوه ، وأنّ منهم من اجتهد وأخطأ مثل معاوية وعائشة ( رضي الله عنها ) ومن نحا نحوهما ، وأنّه ينبغي ـ في نظر أهل السنّة ـ الوقوف والإمساك عند هذا الحكم دون التعرّض لذكر المثالب.

ونهوا عن سب معاوية باعتباره صحابياً ، وشدّدوا النكير على من سبَّ عائشة باعتبارها أُمّ المؤمنين الثانية بعد خديجة ، وباعتبارها حبّ رسول الله.

وما زاد على ذلك فينبغي ترك الخوض فيه ، وإرجاء أمره إلى الله سبحانه ، وفي ذلك يقول الحسن البصري وسعيد بن المسيب : « تلك أُمور طهَّر الله منها أيدينا وسيوفنا فلنطهّر منها ألسنتنا ».

هذه خلاصة آراء أهل السنّة في عدالة الصحابة ، وفي ما ينبغي أن نقف منهم » (١). انتهى كلامه.

وإذا أراد الباحث أن يتوسّع في معرفة الصحابة ، ومَن المقصودون بهذا المصطلح على رأي « أهل السنّة والجماعة » ، فسيدرك بأنّهم يعطون هذا الوسام الشرفي لكلّ من رأى النبيّ!

__________________

١ ـ الصحابة في نظر الشيعة الإمامية لأسد حيدر ، تقديم حامد حفني : ٨ ـ ٩.

٤٤١

يقول البخاري في صحيحه : « من صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه » (١).

ويقول أحمد بن حنبل : « أفضل الناس بعد صحابة الرسول من البدريين كلّ من صحبه سنة أو شهراً أو يوماً ، أو رآه ، وله من الصحبة على قدر ما صحبه » (٢).

وقال ابن حجر في كتاب « الإصابة في تمييز الصحابة » : « كلّ من روى عن النبيّ حديثاً أو كلمة ، أو رآه وهو مؤمن به فهو من الصحابة ، ومن لقي النبيّ مؤمناً به ومات على الإسلام ، طالت مجالسته معه أو قصرت ، روى عنه أو لم يروِ ، غزا أو لم يغزُ ، من رآه ولم يجالسه ومن لم يره لعارض » (٣).

والأغلبية الساحقة من « أهل السنّة والجماعة » يرون هذا الرأي ، ويعدّون من الصحابة كلّ من رأى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو وُلد في حياته وإن لم يدرك ولم يعقل ، وليس أدلّ على ذلك من عدهم محمّد بن أبي بكر من الصحابة ، وقد توفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولمحمّد بن أبي بكر من العمر ثلاثة أشهر فقط.

ولذلك نرى ابن سعد يقسّم الصحابة إلى خمس طبقات في كتابه المشهور بطبقات ابن سعد.

وهذا الحاكم النيسابوري صاحب كتاب « المستدرك » يجعلهم اثنتي عشرة طبقة كالآتي :

__________________

١ ـ صحيح البخاري ٤ : ١٨٨ ( كتاب فضائل أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الباب الأول ).

٢ ـ الكفاية للخطيب البغدادي : ٦٩.

٣ ـ الإصابة لابن حجر ١ : ١٥٨.

٤٤٢

الطبقة الأُولى : هم الذين أسلموا بمكّة قبل الهجرة كالخلفاء الراشدين.

الطبقة الثانية : هم الذين حضروا دار الندوة.

الطبقة الثالثة : هم الذين هاجروا إلى الحبشة.

الطبقة الرابعة : هم الذين حضروا العقبة الأُولى.

الطبقة الخامسة : هم الذين حضروا العقبة الثانية.

الطبقة السادسة : هم الذين هاجروا للمدينة بعد هجرة الرسول إليها.

الطبقة السابعة : هم الذين شهدوا بدراً.

الطبقة الثامنة : هم الذين هاجروا بعد بدر وقبل الحديبية.

الطبقة التاسعة : هم الذين شهدوا بيعة الرضوان.

الطبقة العاشرة : هم الذين هاجروا بعد الحديبية وقبل فتح مكّة ، أمثال خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهم.

الطبقة الحادية عشر : هم الذين سمّاهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالطلقاء.

الطلقة الثانية عشر : هم صبيان وأطفال الصحابة الذين ولدوا في حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمثال محمّد بن أبي بكر.

« فأهل السنّة والجماعة » متّفقون على عدالة الصحابة أجمعين ، والمذاهب الأربعة يقبلون رواياتهم بدون تردّد ، ولا يسمحون بنقدها ولا الطعن فيها.

وناهيك أنّ رجال الجرح والتعديل الذين أخذوا على أنفسهم نقد المحدّثين والرواة لفرز الأحاديث وتنقيتها ، ولكنّهم إذا وصلوا إلى الصحابي مهما كانت طبقته ومهما كان عمره عند وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهم يتوقّفون عند

٤٤٣

ذلك ولا يطعنون بروايته ، مهما أُثير حولها من شبهات ومهما تعارضت مع العقل والنقل ، ويقولون بأنّ الصحابة لا يخضعون للنقد والتجريح وكلّهم عدول!

وهذا لعمري تكلّف ظاهر ينفر منه العقل ، ويشمئز منه الطبع ، ولا يقرّه العلم ، ولا أعتقد بأنّ المثقّفين من الشباب يقبلون هذه البدع المضحكة.

ولست أدري ولا أحد يدري من أين استمدّ « أهل السنّة والجماعة » هذه الأفكار الغريبة عن روح الإسلام الذي قام على الدليل العلمي والحجّة البالغة ، وليتني أعلم ، وليت واحداً منهم يقنعني بدليل واحد من كتاب أو سنّة أو منطق على عدالة الصحابة المزعومة!

ولكنّنا بحمد الله عرفنا اللغز من تلك الآراء المزيفة ، وسنشرحها في الفصل القادم ، فعلى الباحثين أن يكتشفوا بدورهم بعض الأسرار التي مازالت تنتظر الجرأة والشجاعة.

٤٤٤

فصل الخطاب في تقييم الأصحاب

لا شكّ أنّ الصحابة بشر غير معصومين عن الخطأ ، وهم كسائر الناس العاديين يجب عليهم ما يجب على كلّ الناس ، ويحقّ لهم ما يحقّ لكلّ الناس ، وإنّما لهم فضل الصحبة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا احترموها ورعوها حقّ رعايتها ، وإلاّ فإنّ العذاب يكون مضاعفاً ؛ لأنّ عدل الله سبحانه اقتضى أن لا يعذّب البعيد القاصي كالقريب الداني ، فليس الذي سمع من النبيّ مباشرة ، ورأى نور النبوة ، وشهد المعجزات ، وتيقّن منها وحظي بتعاليم النبيّ نفسه ، كمن عاش في زمن ما بعد النبيّ لم يره ولم يسمع منه مباشرة.

والعقل والوجدان يفضّلان رجلاً يعيش في زماننا ، ويقيم على احترام الكتاب والسنّة وتنفيذ تعاليمهما ، على صحابي عاش مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصاحبه ، ولمّا يدخل الإيمان في قلبه وأسلم استسلاماً ، أو صاحبه على البرّ والتقوى طيلة حياته ولكنّه ارتدّ وانقلب بعد وفاته.

وهذا ما يقرّره كتاب الله وسنّة رسوله إضافة للعقل والوجدان ، وكلّ من له دراية بالقرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة ، لا يرتاب في هذه الحقيقة ولا يجد عنها محيصاً.

ومثال ذلك قوله تعالى : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَة مُبَيِّنَة يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ) (١).

__________________

١ ـ الأحزاب : ٣٠.

٤٤٥

فالصحابة فيهم المؤمن الذي استكمل إيمانه ، وفيهم ضعيف الإيمان ، وفيهم الذي لم يدخل الإيمان قلبه ، وفيهم التقي الزاهد ، وفيهم المتهوّر الذي لا يعرف غير مصلحته ، وفيهم العادل الكريم ، وفيهم الظالم اللئيم ، وفيهم أهل الحقّ المؤمنين ، وفيهم البغاة الفاسقون ، وفيهم العلماء العاملون ، وفيهم الجهلة المبتدعون ، وفيهم المخلصون ، وفيهم المنافقون والناكثون والمارقون والمرتدون.

وإذا كان القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة والتاريخ أقروا هذه الأُمور ، وأوضحوها بأجلى بيان ، فيصبح قول « السنّة والجماعة » بأنّ الصحابة كلّهم عدول قولا هراء لا عبرة به ولا قيمة ؛ لأنّه يعارض القرآن والسنّة ، ويعارض التاريخ والعقل والوجدان ، فهو محض التعصّب ، وهو قول بلا دليل وكلام بلا منطق.

وقد يتعجّب الباحث في هذه الأُمور من عقليّة « أهل السنّة والجماعة » الذين يخالفون العقل والنقل والتاريخ.

ولكن عندما يقرأ الباحث الأدوار التي لعبها الأمويون ، وكذلك الأساليب التي اتبعها العباسيون لتركيز هذه العقيدة ، أعني احترام الصحابة وعدم انتقادهم والقول بعدالتهم يزول عجبه ، ولا يساوره أدنى شكّ في أنّهم إنّما منعوا الحديث في الصحابة ؛ لكيلا يصل إليهم النقد والتجريح لأفعالهم الشنيعة التي ارتكبوها تجاه الإسلام ونبي الإسلام والأُمّة الإسلامية.

وإذا كان أبو سفيان ، ومعاوية ، ويزيد ، وعمرو بن العاص ، ومروان بن الحكم ، والمغيرة بن شعبة ، وبسر بن أرطأة ، كلّهم من الصحابة ، وقد تولّوا

٤٤٦

أمارة المؤمنين وحكموهم ، فكيف لا يمنعون الخوض في نقد الصحابة ، وكيف لا يختلقون لهم روايات مكذوبة تقول بعدالتهم جميعاً لكي تشملهم تلك الفضائل ، ولا يتجرّأ أحد على نقدهم أو ذكر أفعالهم.

ومن يفعل ذلك من المسلمين يسمّوه كافراً وزنديقاً ، ويُفتوا بقتله وعدم تغسيله وتكفينه ، وإنّما يدفع بخشبة حتى يوارى في حفرته ـ كما تقدّم ذكره ـ ، وكانوا إذا أرادوا قتل الشيعة اتهموهم بسبّ الصحابة ، ومعنى سب الصحابة عندهم هو نقدهم وتجريحهم في ما فعلوه ، وهذا وحده يكفي للقتل والتنكيل.

بل وصل الحدّ إلى أبعد من ذلك ، ويكفي أن يتساءل أحد عن مفهوم الحديث حتى يلاقي حتفه ، فإليك الدليل :

أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه قال : ذكر عند هارون الرشيد حديث أبي هريرة : إن موسى لقي آدم فقال له : أنت آدم الذي أخرجتنا من الجنّة؟ فقال رجل قرشي كان في المجلس : أين لقي آدم موسى؟! فغضب الرشيد وقال : النطع والسيف ، زنديق يطعن في حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

وإذا كان هذا الرجل بلا شكّ من الأعيان ؛ لأنّه يحضر مجلس الرشيد يلاقي الموت بقطع رأسه بالسيف ، لمجرّد تساؤله عن المكان الذي لقي فيه آدم موسى ؛ فلا تسأل عن الشيعي الذي يقول بأنّ أبا هريرة كذّاب ، استناداً لتكذيب الصحابة له وعلى رأسهم عمر بن الخطّاب.

ومن هنا يفهم الباحث كلّ التناقضات التي جاءت في الأحاديث ،

__________________

١ ـ تاريخ بغداد ١٤ : ٨ ، سير أعلام النبلاء ٩ : ٢٨٨.

٤٤٧

والمنكرات والمستحيلات والكفر الصريح ، ومع ذلك سجّلت بأنّها صحيحة ، وأُلبست ثوب القداسة والتنزيه.

كلّ ذلك لأنّ النقد والتجريح كانا ممنوعين ويجران إلى الموت والهلاك ، بل إنّ الذي يتساءل عن بعض المعاني ليصل إلى الحقيقة ويشمُّ منه رائحة التفتيش والتنقيب فهو مقتول لا محالة ، ليكون مثالا لغيره ، فلا يجرؤ أحد بعده أن يتكلّم.

وقد موَّهوا على الناس بأنّ الذي يطعن في حديث أبي هريرة أو أحد الصحابة حتى العاديين منهم ، بأنّه طعن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبذلك وضعوا هالة على الأحاديث الموضوعة التي اختلقها بعض الصحابة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأصبحت من المسلّمات.

وكنت كثيراً ما احتجّ على بعض علمائنا بأنّ الصحابة لم يكن عندهم هذا التقديس ، بل كانوا أنفسهم يشكّكون في حديث بعضهم إذا تعارض حديثه بما يخالف القرآن ، وبأنّ عمر بن الخطّاب ضرب أبا هريرة بالدرّة ونهاه عن الحديث واتهمه بالكذب ، إلى غير ذلك ، فكانوا يردّون علي دائماً بأنّ الصحابة من حقّهم أن يقولوا في بعضهم ما شاؤوا ، أمّا نحن فلسنا في مستواهم حتى نرّد عليهم أو ننتقدهم.

أقول : يا عباد الله ، إنّهم تقاتَلوا وكفَّر بعضهم بعضاً وقتل بعضهم بعضاً؟!

يقولون : كلّهم مجتهدون ، للمصيب منهم أجران وللمخطئ أجر واحد ، وليس لنا نحن أن نخوض في شؤونهم.

ومن المؤكّد أنّ هؤلاء ورثوا هذه العقيدة من آبائهم وأجدادهم سلفاً عن خلف ، فهم يردّدونها ترديد الببغاء بدون تدبّر ولا تمحيص.

٤٤٨

وإذا كان إمامهم الغزالي نفسه قد اتخذ هذا الرأي وبثّه في الناس ، فأصبح بذلك حجّة الإسلام والمسلمين ، فقد قال في كتابه « المستصفى » : « والذي عليه السلف وجماهير الخلف أنّ عدالة الصحابة معلومة بتعديل الله عزّ وجلّ إياهم وثنائه عليهم في كتابه ، وهو معتقدنا فيهم » (١).

وأنا أتعجّب من الغزالي ومن « أهل السنّة والجماعة » عموماً على استدلالهم بالقرآن على عدالة الصحابة ، وليس في القرآن آية واحدة تدلّ على ذلك ، بل في القرآن آيات كثيرة تنفي عدالتهم ، وتفضح سرائرهم وتكشف نفاقهم.

وقد أفردنا فصلا كاملا لهذا الموضوع في كتابنا « فاسألوا أهل الذكر » من صفحة ١١٣ إلى صفحة ١٧٢ ، فمن أراد مزيد البحث والوقوف على تلك الحقائق ، فليرجع للكتاب المذكور ليعرف قول الله وقول الرسول فيهم.

ولكي يعرف الباحث بأنّ الصحابة لم يكونوا يحلمون يوماً بالمنزلة التي اخترعها لهم « أهل السنّة والجماعة » ، فما عليه إلاّ قراءة كتب الحديث ، وكتب التاريخ التي طفحت بأفعالهم الشنيعة وتكفير بعضهم ، وكيف أنّ الكثير منهم كان يشكّ في نفسه إن كان من المنافقين.

فها هو البخاري يخرج في صحيح بأنّ ابن مليكة أدرك ثلاثين من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّهم يخاف النفاق على نفسه ، وما منهم أحد يقول : إنّه على إيمان جبرئيل (٢).

__________________

١ ـ المستصفى : ١٣٠.

٢ ـ صحيح البخاري ١ : ١٧ ( كتاب الإيمان ، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله ).

٤٤٩

وها هو الغزالي نفسه يخرج في كتابه بأنّ عمر بن الخطّاب كان يسأل حذيفة بن اليمان إن كان رسول الله سمّاه في جملة المنافقين الذين أعلمه بأسمائهم (١).

ولا عبرة لقول من يقول بأنّ المنافقين ليسوا من الصحابة ، إذا عرفنا أنّ المصطلح الذي اتفقوا عليه هو ما سمعناه آنفاً أنّ كلّ من رأى رسول الله مؤمناً به فهو صحابي حتى لو لم يجالسه.

وقولهم : مؤمناً به ، فيه أيضاً تكلّف ؛ لأنّ كلّ الذين صاحبوا النبيّ نطقوا بالشهادتين (٢) ، وقبل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم ذلك الإسلام الظاهري وقال : « أمرتُ

__________________

١ ـ إحياء علوم الدّين للغزالي ١ : ١١٤ ، ( كتاب العلم ، الباب السادس في آفات العلم ).

٢ ـ التعريف الذي ذكره للصحابي وهو من رأى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤمناً به وإن كان لا يشمل المنافقين ويخرجهم من الصحبة ، لكنّه تعريف بلا دليل ومستند يستند عليه ، وذلك لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أطلق لفظ الصحبة على المنافقين ، فأطلق على عبد اللّه بن أُبي بأنّه صاحبي وعلى ذو الخويصرة كذلك أنّه من أصحابي ، فعليه استعمال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للفظ الصحبة عامّ يشمل المنافقين منهم وغير المنافقين ، فتعريف الصحبة بتعريف لا يشمل المنافقين مخالف للسنّة النبويّة والأحاديث الشريفة المستعملة للفظ الصحبة في الأعمّ من ذلك.

إن قلت : إنّ هذا التعريف اصطلاح خاصّ يستعمله المحدّثون فيما بينهم ويصطلحون عليه.

قلت : الاصطلاح على شيء لا بأس به ، لكنّه في هذا الاصطلاح الخاصّ الذي يستخدمه المحدّثون وغيرهم إيهام وتغرير للقارئ ، حيث إنّهم يستخدمون لفظ الصحابة في خصوص غير المنافقين منهم ، ثمّ بعد ذلك يحكمون بعدالة عموم الصحابة بما يشمل المنافقين وغيرهم ، وهذا تغرير بالقارئ وإخفاء للحقيقة.

٤٥٠

أن أحكم بالظاهر والله يتولّى السرائر » (١) ولم يقل في حياته لواحد منهم :

__________________

ثمّ إنّ هناك صحابة في قلوبهم مرض وفي نفوسهم ريب كما صرّح القرآن بذلك ؛ وصدع به في أكثر من مكان ومورد ، فقال مخاطباً زواجات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سورة الأحزاب ٣٢ : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَد مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفاً ) ، وقال تعالى : ( إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ ) الأنفال ٤٩ ، وقال تعالى : ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً ) الأحزاب ١٢ ، وقال تعالى : ( لَئِنْ لَمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ) الأحزاب ٦٠ ، إلى غير ذلك من الآيات المصرّحة بوجود أناس من الصحابة ليسوا بالقليلين مرضى القلوب والنفوس ، وأنّ الإيمان لم يخالط قلوبهم ونفوسهم ، وأنّ هؤلاء كانوا يتربّصون بالمؤمنين الدوائر وكانوا يتّهمون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويطعنون فيه ، وأن اللّه سبحانه وتعالى حذّرهم ووعدهم في كثير من آياته ، وحذّر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم ومن تصرّفاتهم ، فبعد ذلك لا يستطيع مكابر أن ينكر ذلك ويقول بأنّ الصحابة كلّهم عدول وكلهم مؤمنين وأنّ المنافقين ليسوا منهم.

فنقول : سلّمنا بخروج المنافقين من الصحابة ، لكن مرضى القلوب من الصحابة وداخلين فيهم ، وهؤلاء نرى ذمّهم وتوبيخهم ووعيد اللّه عليهم في آيات كثيرة من القرآن الكريم ، فبعد ذلك لا يمكن القول بعدالة هؤلاء أيضاً ، وللتوسّع أكثر يرجع إلى كتاب الصحبة والصحابة بين الإطلاق اللغوي والتقييد الشرعي للكاتب السلفي حسن فرحان المالكي ، فقد بحث المسألة بشكل مفصّل.

١ ـ فتح المعين ، الميباري الهندي ٤ : ٢٧٢ ، كشف الخفاء للعجلوني ١ : ١٩٢ وقال : « قال في اللآلئ : هو غير ثابت بهذا اللفظ ، ولعلّه مروي بالمعنى من أحاديث صحيحة ذكرتها في الأقضية من الذهب الابريز. وقال في المقاصد : اشتهر بين الأُصوليين والفقهاء ، بل وقع في شرح مسلم للنووي في قوله ( صلى الله عليه وسلم ) : إنّي لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشقّ بطونهم ما نصّه : معناه أنّي أُمرت بالحكم بالظاهر واللّه يتولّى السرائر كما قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

٤٥١

أنت منافق فلا أقبل منك إسلامك!

ولذلك أيضاً نجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسمّي المنافقين ـ بـ « أصحابي » ـ وهو يعلم نفاقهم ، وإليك الدليل :

أخرج البخاري بأنّ عمر بن الخطّاب طلب من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يضرب عنق عبدالله بن أُبيّ المنافق فقال : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق! فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « دعه لا يتحدّث الناس بأنّ محمّداً يقتل أصحابه » (١).

وقد يحاول بعض العلماء من « أهل السنّة والجماعة » إقناعنا بأنّ المنافقين كانوا معروفين فلا نخلطهم بالصحابة ، وهذا أمر مستحيل لا سبيل إليه ، بل المنافقون هم من جملة الصحابة الذين لا يعلم خفاياهم إلاّ الله سبحانه ، وقد كانوا يصلّون ويصومون ويعبدون الله ، ويتقرَّبون إلى النبيّ بكلّ الوسائل ، وإليك الدليل :

أخرج البخاري في صحيحه بأنّ عمر بن الخطّاب طلب من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّة أُخرى أن يأذن به بضرب عنق ذي الخويصرة عندما قال للنبي : أعدل! ولكنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعمر : « دعه فإنّ له أصحاباً يحقّر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية » (٢).

__________________

١ ـ صحيح البخاري ٦ : ٦٥ ، ( كتاب فضائل القرآن ، سورة المنافقين ).

٢ ـ صحيح البخاري ٤ : ١٧٩ ( كتاب بدء الخلق ، باب كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه ) ، صحيح مسلم ٣ : ١١٢ ( كتاب الزكاة ، باب ذكر الخوارج وصفاتهم ).

٤٥٢

ولست مبالغاً إذا قلت بأنّ أكثريّة الصحابة لم يكونوا بعيدين عن النفاق بما قرّره كتاب الله في العديد من الآيات ، وبما قرّره رسول الله في العديد من الأحاديث.

فمن كتاب الله قوله تعالى : ( بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) (١).

وقوله : ( الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً ) (٢).

وقوله : ( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ ) (٣).

وقوله : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ) (٤).

وتجدر الإشارة بأنّ بعض العلماء من « أهل السنّة والجماعة » يحاولون جهدهم تغطية الحقائق ، فيفسّرون « الأعراب » بأنّهم ليسوا من الصحابة ، وإنّما هم سكان البادية من أطراف الجزيرة العربية.

ولكنّنا وجدنا عمر بن الخطّاب عندما أشرف على الموت أوصى إلى الخليفة من بعده قائلا : وأُوصيه بالأعراب خيراً فإنّهم أصل العرب ومادة الإسلام (٥).

فإذا كان أهل العرب ومادة الإسلام هم أشدّ كفراً ونفاقاً ، وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليهم حكيم ، فلا قيمة لقول « أهل السنّة والجماعة » بأنّ الصحابة كلّهم عدول.

__________________

١ ـ المؤمنون : ٧٠.

٢ ـ التوبة : ٩٧.

٣ ـ التوبة : ١٠١.

٤ ـ التوبة : ١٠١.

٥ ـ صحيح البخاري ٤ : ٢٠٦ ( كتاب المناقب ، باب مناقب المهاجرين ).

٤٥٣

ولمزيد البيان ، وحتى يتحقّق الباحث بأنّ الأعراب هم أنفسهم عامة الصحابة ، فقد جاء في القرآن الكريم بعد ذكر الأعراب أشدّ كفراً ونفاقاً ، قال سبحانه : ( وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَات عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (١).

أمّا ما قرَّره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السنّة النبوبة الشريفة فقوله : « يؤخذ بأصحابي إلى النار ، فأقول : يا ربِّ هؤلاء أصحابي! فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً لمن بدل بعدي ولا أراه يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم » (٢).

إلى أحاديث أُخرى كثيرة ضربنا عنها صفحاً من أجل الاختصار ، وليس هدفنا البحث في حياة الصحابة لكي نطعن بعدالتهم ، فالتاريخ كفانا مؤونة ذلك ، وشهد على البعض منهم بالزنا ، وشرب الخمر ، وشهادة الزور ، والارتداد ، وارتكاب الجرائم بحقّ الأبرياء ، وخيانة الأُمّة ، ولكن نريد فقط أن نبرز بأن مقولة عدالة الصحابة كلّهم هي خرافة وهمية جاء بها « أهل السنّة والجماعة » ليستروا على سادتهم وكبرائهم من الصحابة الذين أحدثوا في دين الله ، وغيّروا أحكامه ببدع ابتدعوها ، ولنكشف ثانية بأنّ « أهل السنّة الجماعة » باعتناقهم عقيدة « عدالة الصحابة أجمعين » قد أظهروا هويّتهم الحقيقية ، ألا وهي مودّة المنافقين ، والاقتداء ببدعهم التي أحدثوها ليرجعوا بالناس إلى الجاهلية.

__________________

١ ـ التوبة : ٩٩.

٢ ـ صحيح البخاري ٧ : ٢٠٩ ( كتاب الرقاق ، باب الحوض ) بألفاظ مختلفة.

٤٥٤

وبما أنّ « أهل السنّة والجماعة » قد حرَّموا على أتباعهم نقد الصحابة وتجريحهم ، وأغلقوا في وجوههم باب الاجتهاد ، وذلك من عهد الخلفاء الأمويين ، وعهد اختلاق المذاهب ، وورث الأتباع هذه العقيدة وأورثوها إلى أبنائهم جيلا بعد جيل وبقي « أهل السنّة والجماعة » حتى يوم الناس هذا يمنعون من الخوض في الصحابة ويترضّون عليهم جميعاً ، ويكفّرون من ينتقد واحداً منهم.

وخلاصة القول : أنّ الشيعة أتباع أهل البيت ينزّلون الصحابة منازلهم التي يستحقّونها ، فيترضّون على المتّقين منهم ، ويتبرّأون من المنافقين والفاسقين أعداء الله ورسوله ، وبذلك فهم وحدهم أهل السنّة الحقيقية ؛ لأنّهم أحبّوا حبيب الله ورسوله من الصحابة ، وتبرّأوا من أعداء اللّه ورسوله الذين كانوا السبب الرئيسي في ضلال الأغلبية الساحقة من المسلمين.

٤٥٥
٤٥٦

مخالفة أهل السنّة والجماعة للسنن النبويّة

في هذا الفصل لابدّ لنا أن نكشف للباحث بصفة إجماليّة عن مخالفة « أهل السنّة والجماعة » لمعظم السنن النبويّة ، كما نوضح في المقابل بأنّ الشيعة هم الذين تمسّكوا بالسنن النبويّة ، ولذلك حقّ لنا أن نسمّي هذا الكتاب بعنوان « الشيعة هم أهل السنّة ».

ونريد في هذا الفصل طرح أُمهات المسائل التي تبيّن للباحثين بمزيد اليقين بأنّ « أهل السنّة والجماعة » قد خالفوا تعاليم الإسلام في كلّ ما قرّره القرآن والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سنّته الشريفة ، وتسبَّبوا في ضلال من ضلّ من الأُمّة ، وانتكاس المسلمين وبالتالي في تخلفهم ومعاناتهم.

وحسب اعتقادي أنّ سبب الضلالة يرجع إلى عامل رئيسي ، ألا وهو حبّ الدنيا ، ألم يقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة » (١) وحبّ الدنيا يتمثّل في حبّ السلطة والوصول إلى الحكم ، ومن أجل الحكم دمّرت الشعوب ، وخرّبت الأوطان والبلدان ، وأصبح الإنسان أخطر من الوحوش الضارية ، وهو ما أشار إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما قال لأصحابه : « إنّي لا أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكنّي أخاف عليكم أن تنافسوا فيها » (٢).

__________________

١ ـ الجامع الصغير للسيوطي ١ : ٥٦٦ ح٣٦٦٢ ، كنز العمال ٣ : ١٩٢ ح٦١١٤.

٢ ـ صحيح البخاري ( كتاب الكسوف ، باب في الجنائز ) و ٤ : ١٧٦ ( كتاب بدء الخلق ، باب علامات النبوة في الإسلام ) ٢ : ٩٤ ، ٧ : ١٧٣ ( كتاب الرقاق ).

٤٥٧

لكلّ ذلك لابدّ من دراسة موضوع الخلافة والإمامة ، أو ما نسمّيه اليوم نظام الحكم الإسلامي ، فهو الطامّة الكبرى والبائقة العظمى التي جرَّت على الإسلام وأهله المصائب والمتاعب ، والضلالة والهلاك.

٤٥٨

١ ـ نظام الحكم في الإسلام

يرى « أهل السنّة والجماعة » بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينصّ على أحد ، وترك الأمر شورى بين الناس ليختاروا من شاؤوا ، فهذه هي عقيدتهم في الخلافة ، وقد أطبقوا على ذلك من يوم وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلى اليوم.

والمفروض أن يعمل « أهل السنّة والجماعة » بهذا المبدأ الذي يؤمنون به ، ويدافعون عنه بكلّ جهودهم ، غير أنّ البحث يوقفنا على أنّهم عملوا عكس ما يعتقدون ، وبقطع النظر عن بيعة أبي بكر التي سمّوها هم أنفسهم بأنّها فلتة وقى الله المسلمين شرّها ، فإنّ أبا بكر هو الذي اخترع فكرة ولاية العهد في الإسلام ، فعهد قبل وفاته بالخلافة لصاحبه عمر بن الخطّاب.

كما عهد عمر بن الخطّاب عند موته إلى عبد الرحمان بن عوف ، ليختار واحداً من الخمسة الذين رشّحهم ، ويأمره بضرب أعناق المخالفين الذين يشقّون عصا الطاعة.

ولمّا وصل معاوية للخلافة طبّق هذا المبدأ ( ولاية العهد ) خير تطبيق ، إذ عيّن وليّاً لعهده ابنه يزيد ، وعيّن يزيد وليّاً لعهده ابنه معاوية ، وبقيت الخلاقة من ذلك الوقت يتداولها الطلقاء وأبناؤهم جيلا بعد جيل ، فكلّ خليفة يعهد لولده أو أخيه أو أحد أقاربه ، كذلك فعل الخلفاء في الدولة العباسية منذ قيامها إلى أن تلاشت ، وكذلك فعل خلفاء الدولة العثمانية من قيامها إلى أن ولّى عصر الخلافة واضمحل في عهد كمال أتاتورك في القرن الحالي.

٤٥٩

وبما أنّ « أهل السنّة والجماعة » يمثّلون تلك الخلافة ، أو أنّ تلك الحكومات المتعاقبة تمثّل « أهل السنّة والجماعة » في كلّ بقاع الدنيا ، وعلى مرّ التاريخ الإسلامي ، فإنّك ترى اليوم في السعودية ، وفي المغرب والأردن ، وفي كلّ دول الخليج كلّهم يعملون بنظرية ولاية العهد التي ورثوها عن « سلفهم الصالح » ، وكلّهم يمثلون « أهل السنّة والجماعة ».

وعلى فرض صحّة النظرية التي يعتقدونها ، وهي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك الأمر شورى والقرآن يقرّ الشورى ، فإنّهم خالفوا القرآن والسنّة ، وقلبوا نظام الشورى « الديمقراطي » إلى نظام ولاية العهد الملكي الاستبدادي.

أمّا على فرض أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصّ على علي بن أبي طالب ، كما يقول بذلك الشيعة ، فإنّ « أهل السنّة والجماعة » خالفوا صريح السنّة النبويّة وخالفوا القرآن ؛ لأنّ رسول الله لا يفعل شيئاً إلاّ بإذن ربه.

ولذلك تراهم يشعرون بفساد هذه النظرية « الشورى » ؛ لأنّ الخلفاء الأولين لم يطبّقوها ولم يعملوا بها ، كما يشعرون بفساد نظرية « ولاية العهد » أيضاً ، فتراهم يبرّرون ذلك بأحاديث « الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثمّ ملك عضوض » ، وكأنّهم يريدون إقناع غيرهم بما اقتنعوا به من أنّ الملك لله يضعه حيث يشاء ، وأنّ الملوك والسلاطين ولاَّهم الله سبحانه على رقاب الناس ، فتجب بذلك طاعتهم وعدم الخروج عليهم.

وهذا بحث طويل يجرّنا إلى القضاء والقدر الذي بحثناه في كتاب « مع الصادقين » ولا نريد الرجوع إليه ، ونكتفي بأن نعرف بأنّ « أهل السنّة

٤٦٠